7- فيض الرحيم الرحمن في أحكام ومواعظ رمضان – الجزء الثاني

الثلاثاء 27 جمادى الآخرة 1445هـ 9-1-2024م

7- فيض الرحيم الرحمن في أحكام ومواعظ رمضان – الجزء الثاني – pdf

 

فيض الرحيم الرحمن

في أحكام ومواعظ رمضان

 

الجزء الثاني

 

 

تأليف

أ. د / عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

 

  

 

مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ]([1]).

[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً] ([2]).  

[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً] ([3]).   

وبعد:

فنظراً لرغبة الأئمة، حيث درجوا على أن يقرؤوا على المسلمين بعض الدروس في رمضان، والتي تفيد المسلم في شؤون دينه ودنياه وتلك سنة حميدة؛ لأن الناس يقبلون في هذا الشهر على سماع المواعظ والتأثر بها.

وقد كان للقسم الأول الذي وضعته لهذا الغرض أثر كبير ولله الحمد، مما جعل الكثيرين يلحون عليّ بوضع دروس تقرأ بعد العصر وآخر الليل؛ ولذا قمت بوضع هذه الدروس وركزت فيها على الأخلاق الفاضلة لما لها من أهمية عظمى في حياة المجتمع المسلم.

فالأخلاق أرض خصبة تنمي قيمتنا وترفعنا من عال إلى أعلى، والأداء الدائم لها يجعل الإنسان حكيماً شجاعاً في خصومته، كريماً في رخائه، والالتزام بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم يطهر قلوبنا وألسنتنا من كل شيء بذيء ويطهر أنفسنا، ويجعلها ترقى إلى أعلى درجة في حسن التعامل مع غيرنا، خاصة إذا عشنا أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاق أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ تطبيقاً وواقعاً والتزمنا حديثه صلى الله عليه وسلم الذي روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)([4]).

وركزت أيضاً على الأخلاق الذميمة الشائعة في المجتمع لما لها من ضرر كبير وعاقبة وخيمة على الأفراد والمجتمعات، يقول الشاعر:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت  ***  فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ويقول آخر:

إذا أصيب القوم في أخلاقهم  ***  فأقم عليهم مأتماً وعويلا

ولما كان للناس فيما بينهم حقوق وواجبات من خلال الصلات التي بينهم كالأخوة، والجوار، والأبوة، والبنوة، والزواج فقد آثرت أن أتحدث عن أهم هذه الحقوق الواجبة عليهم تجاه بعضهم البعض.

والمرء إذا أراد أن ينجو من عذاب الله يوم القيامة وأن يغفر الله له ويوفقه في الطاعة ويبارك له في كل شيء فعليه أن يحاسب نفسه كل يوم قبل أن ينام، وينظر في صفحة يومه، فإن وجد خيراً فليحمد الله وإن وجد غير ذلك فليبادر بالتوبة ويقبل على فعل الخيرات والأعمال الصالحة.

وليكن حيث أمره الله وليفتقد حيث نهاه الله وليزهد في الدنيا وزينتها الفانية، وليعمل للآخرة ونعيمها الدائم ويستعد للقاء الله سبحانه وتعالى، ويكثر من الدعاء أن يوفقه الله لذلك وأن يتغمده برحمته وأن يفقهه في الدين، لأنه إذا واظب على دروس العلم وأقبل عليها وصار يسمع للعلماء خاصة المحققين منهم استطاع بفضل الله تعالى من خلال هذا العلم أن يعرف ما هو الطريق الذي يجب أن يسلكه إلى شاطئ السلامة.

وقد بينت ذلك ووضحت هذه المعاني العظيمة من خلال حديثي عن فضل العلم، والاستقامة، والدعاء والزهد في الدنيا، والعمل للآخرة، والإيمان بالقضاء والقدر وغيرها من الموضوعات التي جاءت في ثنايا هذه الدروس وقمت بتقسيم هذه الدروس إلى قسمين:

القسم الأول: ثلاثون درساً خاصة تقرأ بعد الصلاة العصر في رمضان، يقرأ الإمام كل يوم درساً واحداً.

القسم الثاني: عشرة دروس تقرأ في صلاة التهجد آخر الليل.

وقد اجتهدت في عزو الأحاديث وتخريجها والحكم عليها لتكون الموعظة سليمة مؤثرة.

وفي نهاية عملي هذا أدعو الله عز وجل أن يجعله في ميزان الحسنات، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به كاتبه وقارئه وسامعه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

                                                                                                              كتبه

                                                                               أبو محمد/ عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

                                                                                   الزلفي ـ مساء الأربعاء 3/ 2/1417هـ

 

 

الأخلاق الفاضلة

يقول تعالى مبيناً أن المرء ينال الدرجات العلى في الجنة بسبب الأخلاق الفاضلة: [وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ]([5]).

وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أحب الناس إليه أصحاب الأخلاق الحسنة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن من أحبكم إليّ أحسنكم أخلاقاً…)([6]).

ويثقل ميزان العبد بحسن خلقه، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق)([7]).

وبحسن الخلق يرضى الله سبحانه وتعالى على العبد ويحبه ثم يحبه الناس بحسن تعامله معهم، وعظيم خلقه، وكثرة حيائه، وقلة أذاه، وكثرة صلاحه وصدق لسانه، وقلة كلامه، وقلة زللـه، وزهده فيما في أيديهم، وثقته فيما في يد الله سبحانه، وحسن بره، وعظم وقاره، وصبره، وشكره، ورضاه وحلمه، ووفائه، وعفته، وبسط وجهه، واجتنابه المحارم، وطلبه الحلال لا يتكلف في امتثال هذه الأخلاق الحسنة، بل هو يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم في جميع سلوكياته. ليس لعّاناً، ولا سباباً، ولا نماماً، ولا مغتاباً، ولا عجولاً، ولا حقوداً، ولا بخيلاً، ولا حسوداً، يحب في الله، ويبغض في الله.

وإنّ منبع ومصدر هذه الأخلاق كلها الأسوة الحسنة والمثل الأعلى رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي قال عن نفسه فيما روى عنه أبو هريرة رضي الله عنه: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)([8]).

حديثه الذي رواه عنه صفوان بن سليم قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أيكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم…)([9]).

لكن المؤمن الحق هو الذي يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء ولا يترك خلقاً من الأخلاق قط، قائلاً: إن الداعي لذلك سوء معاملة الناس له، بل عليه أن يفعل مثلما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يعفو عمن ظلمه، ويصل من قطعه، ويعطي من حرمه.

 

 

الدروس الخاصة

التي تقرأ بعد صلاة العصر

  

الدرس الأول

الاتحاد والتحذير من التفرق

ومن هذه الأخلاق الفاضلة التي سنتحدث عنها إن شاء الله (الاتحاد والتحذير من التفرق).

الحمد لله الذي ألف بين قلوب المؤمنين بالإسلام وأمر بالاتحاد والتعاون، ونهى عن التفريق والتنازع في كتابه المبين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تقوي المتين، وأشهد أن محمداً رسول الله ذو القلب الرحيم والخلق الكريم، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحاب الذين طابت نفوسهم وصفت قلوبهم فكانوا هم السعداء الفائزين، وأما بعد:

فيقول الله تعالى: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ]([10]).

ودعانا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوحدة والاعتصام، والتواد والتحاب مبيناً أن المؤمنين جميعهم جسد واحدٌ، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)([11]).

فالإسلام هو حبل الله القوي، والحق الواضح، من التزام أوامره فاز وسعد، ومن امتثل آدابه حظي بخيري الدنيا والآخرة، ومن تمسك به فقد هدي إلى صراط مستقيم.

وإن الله سبحانه وتعالى قد أوجب علينا أمراً عظيماً إن نحن أطعنا الله فيه نُلنا من الخير ما نحب وبلغنا من الفلاح الغاية التي نطلب؛ ذلك أن تحدد قلوبنا، وتتألف نفوسنا، ونتعاون على الخير فيما بيننا، يكون تعاوننا على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، فإن أساس كل نجاح وسعادة وتقدم ورُقي، الاتحاد والتعاون، وما حظيت أمة من الأمم برغد من العيش، ولا فاز شعب من الشعوب بالتقدم إلا باتحاد القلوب واجتماع الكلمة والتعاون على ما يصلح الفرد والمجتمع والتضامن للقيام بكل عمل مفيد.

فالمسلم الحق هو الذي لا يألو جهداً في مساعدة أي محتاج، بل هو حريص كل الحرص على التعاون مع الآخرين وعمل الخير في كل مكان، وهو يتحرك من خلال منطلق إيماني يدعوه إلى ذلك، وهذا المنطلق نابع من الإسلام الذي ينهى عن التهاجر والتقاطع والبغضاء والحقد والحسد، ويأمر بالاجتماع والائتلاف وينهي كذلك عن التفريق والاختلاف قال تعالى: [فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ]([12])، وقال تعالى: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ]([13]).

واعلم أخي المسلم أن الفرقة هي مآل كل شقاء وخسارة وندامة، بل إن المسلمين إذا تفرقوا ضعفوا، وما استطاعوا الانتصار على عدوهم حيث أصبحوا لقمة سائغة سهلة، لأن بقلتهم وتفرقهم يمتثلون ضعفاً ووهناً عظيماً، على العكس لو كانوا مجتمعين؛ فإنهم يمثلون قوة عظيمة ولا يستطيع أحدٌ أن ينال منهم حيث إنهم يملكون سلاحاً لا يملكه غيرهم وهو الإيمان بالله تعالى، قال تعالى: [وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ]([14]).

إذن فالإصلاح بين الناس، التآلف بين المؤمنين، والاعتصام بحبل الله المتين، والاجتماع على كلمة واحدة من أفضل الخصال المنجية من عذاب الله يوم القيامة، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر فيه بالاتحاد وينهى فيه عن التهاجر يقول فيه: (لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تنافسوا وكونوا عباد الله إخواناً)([15])، ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه أبو أيوب الأنصاري: (لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)([16]).

وإن من الأمور التي تزيد الود والمحبة بين الناس أن يبدأ المسلم أخاه المسلم بالسلام، وأن يناديه بأحب الأسماء إليه، وأن يوسع له في المجلس.

وإن من أعظم الأمور خطراً والتي تزيد الحقد والبغضاء والتفرق والتشاجر والتشاحن بين الناس، الغيبة والنميمة وسوء الظن.

فليجتنب المرء ما يجعل بينه وبين الناس عداوة، وليحافظ على ما يزيد الاتحاد بينه وبين الناس ويجعل علاقته بهم ذات أواصر قوية.

فعلينا أيها الأحبة في الله أن نزيل ما في قلوبنا من حسد وبغضاء وشحناء، وحقد وتهاجر، وعلينا أن لا نشمت أعداءنا فينا بالتفرق، وأن نغيظهم بالاجتماع والاتحاد والائتلاف، ولا ننسى أن الشيطان لما آيس أن يعبد في أرض هذه الجزيرة العربية الإسلامية، رضي بأن يُحرش بين المسلمين ويشن عليهم الغارات من جميع الجوانب، فمن اعتصم بالله وجاهد هذا العدو المضل المبين فاز وفلح، ومن اتبع هواه ولم يلتفت إلى ما أمره مولاه كان الهلاك أقرب إليه من حبل الوريد.

وعندما نقول: إن الاتحاد والتعاون ينتج عنهما كل سعادة ونجاح، نستدل لكم على ذلك بما كان للصحابة والتابعين والسلف الصالح من الشرف العظيم والعزة القوية التي قهروا بها الجبابرة، وأسقطوا عروش الظلم والاستبعاد، ونشر لواء العدل والمساواة بين الناس في كل مكان.

وأن ذلك لم يكن بسبب كثرة عددهم، ولا قوة عتادهم، ولكنهم نالوا ذلك بتوفيق الله ومنته بفضل الاتحاد والتعاون والصدق والوفاء والإخاء. قال تعالى: [مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً]([17]).

أيها المسلمون: إن في حوادث الأيام لعبراً كثيرة، وعظات نافعة، والحوادث ونوائب الدهر تمر بنا في كل يوم فهل من متعظ؟ وهل من معتبر؟ أما آن لنا أن نفيق من سكرتنا؟ وننتبه من غفلتنا؟ ونعلم أن سعادتنا متوقفة على الاتحاد والتعاون، وصفاء قلوبنا، وإخلاص بعضنا لبعض، وامتثالنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه عنه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه والذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)([18]). أم أننا سنظل في تفريقنا وتخاذلنا وشقاقنا وحسدنا؟ لا ريب أن أقوى عامل على رفع شأن الأمم، وأعظم ساعد على نهوضها، ونيلها منتهى العزة والشرف هو اجتماع القلوب واتحاد الكلمة وحسن العلاقة بالله عز وجل.

فها هو ربعي بن عامر يدخل على رستم أمير الفرس في موقعة القادسية بكل عزة، وفخر، وهو يركب بغلته القصيرة، وسيفه يتدلى من جرابه يقطع السجاد الأعجمي وهو لا يعبأ بذلك، ثم يعبر له عن الفكرة التي يعتنقها والرسالة التي يدعو إليها كل مسلم بعزة قائلاً: (لقد ابتعثنا الله عز وجل لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل وسماحة الإسلام)([19]).

وما تفرقت أمة واختلفت كلمتها، وتنازعت في أمرها إلا اضمحل سلطانها، وزالت دولتها، وتبدل عزها ذلاً، ورفعتها انحطاطاً، وكان نصيبها الخسران المبين، والفشل الذريع.

أيها الإخوة الأحباب: إن العاقل من اتعظ بغيره، وفي الأيام السالفة الماضية لعبرة وعظة، فانظروا إلى ما كان عليه العرب في جاهليتهم كانوا على أسوء حال: حرب مستمرة نزاع دائم، تفرق مستحكم، يعتدي بعضهم على بعض، يبطش القوي بالضعيف، حيث لا دين يزجره، ولا قانون يردعه ولا إنسانية تحجزه، ولا منصف يوقفه عند حده حتى سطع نور الإسلام فأضاء بلاد العرب، وارتجت لأجله بلاد الفرس والروم، ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره على يد الصادق الأمين صلوات الله وتسليماته عليه، فانظم إليه العقلاء والتف حوله السعداء فنزع الله من قلوبهم داء العداوة والبغضاء، وطهرها بدواء الإخلاص والمحبة، فصاروا روحاً واحدةً في جسد واحد، ففازوا بخير عميم، وكان لدولة الإسلام على أيديهم العز الذي لا يدانى، والسلطان الذي لا يضاهى؛ فقهروا الجبابرة، وانتصروا على الأكاسرة، وملكوا مشارق الأرض ومغاربها لم تنكس لهم راية، ولم ينهزم لهم جيش، بل انتصروا في كل الوقائع وكان كل منهم يعمل بإخلاص لإعلاء الدين ورفع شأنه، ناسياً حظ نفسه، وناسياً كل مأرب شخصي.

وما حازوا ذلك إلا عندما اتحدت كلمتهم وخلصت نيتهم، وصفت سريرتهم، لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم ينامون وقلوبهم نظيفة حتى إن أحدهم ليبشر بأنه من أهل الجنة بسبب ذلك؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة) فطلع رجل من الأنصار تنطُف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده الشمال، فما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لا حيت أبي فأقسمت أني أدخل عليه ثلاثاُ، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم.

قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار تقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى صلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الثلاث الليالي، وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: (يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة) فطلعت أنت الثلاث المرات فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك فلم أراك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك. وفي لفظ أحمد: وهي التي لا نطيق([20]).            

فنتمنى أن يكون المسلمون جميعهم كذلك لا يحملون في قلوبهم شيئاً على إخوانهم؛ لما في ذلك من الأثر العظيم على أعمالهم وحياتهم، بل وعلى عباداتهم حتى إن الأمر ربما يتعلق بمغفرة الله لهم ورحمته إياهم بسبب هذا الأمر، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تعرض أعمال  الناس في كل جمعة مرتين: يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبداً بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا أو اركوا هذين حتى يفيئا)([21]).

فإياكم إياكم والشحناء التي تجعل المرء مذموماً عند الناس بل ينفر منه الناس كل الناس حتى أقربهم إليه، بل ربما ضاع وفقد خير كثير للأمة بخلق ذميم مثل هذا وهم يحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج النبي  صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: (خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة)([22]).

فاتقوا الله، وأصلحوا ذات بينكم، وأصلحوا قلوبكم يصلح الله أعمالكم، وأخلصوا أعمالكم يصلح الله أحوالكم، وارحموا ضعفاء كم يرفع الله درجاتكم، وواسوا فقراءكم يوسع الله في أرزاقكم، وخذوا على أيدي سفهائكم يبارك الله لكم في أعماركم.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يمنّ علينا جميعاً بالهداية والتوفيق، وأن يسلك بنا وبكم أحسن منهج وأقوم طريق وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، ويجعلنا وإياكم من أنصار دينه وشرعه، وأن يحفظ إمامنا المسلمين ويزيده توفيقاَ وصلاحاً وأن يحقق على يديه الخير للبلاد والعباد وأن يغفر لنا ولوالدينا ومشايخنا ومن له حق علينا، وأن يتقبل منّا صيامنا وقيامنا وركوعنا وسجودنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  

الدرس الثاني

الحيـــاء

الحمد لله الذي جمل الإنسان بالحياء ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي فلا يكون كالبهيمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله الصادق المصدوق الذي عدّ الحياء شعبة من الإيمان، أما بعد:

فالحياء من الأخلاق العظيمة التي دعانا إليها الإسلام وحثنا عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية.

فمن القرآن يقول الله تعالى: [فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ]([23])،

ويقول تعالى: [إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ]([24]).

أما من السنة فالأحاديث في ذلك كثيرة منها: ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: مرّ النبي  صلى الله عليه وسلم على رجل وهو يعاتب أخاه في الحياء يقول إنك لتستحي حتى كأنه يقول: قد أضرَّبك، فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: (دعه فإن الحياء من الإيمان)([25]).

فاعلم أخي المسلم أن هذا الخلق وهو الحياء له أثر عظيم على أخلاق المرء كلها، بل على إيمانه فلنمتثل الأسوة الحسنة والمثل الأعلى لنا في الأخلاق وخاصة في هذا الخلق، في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه)([26])، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (الحياء والإيمان في قرن فإذا نزع الحياء تبعه الآخر)([27])، وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)([28]).               

يدل هذا الحديث على أن هذا الكلام وهو التخلق بخلق الحياء مأثور عن الأنبياء المتقدمين، وأن الناس تداولوه بينهم وتوارثوه عنهم قرناً بعد قرن حتى وصل إلى أول هذه الأمة، ومعنى هذا الحديث أن من لم يستح صنع ما شاء؛ فإن المانع من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياء انهمك في كل فحشاء ومنكر.

واعلم أخا الإسلام أن الحياء يقرب العبد من ربه ويجعل العبد دائماً في مراقبة مع الله تعالى في كل أفعاله يستحي أن يفعل المعصية، بل هو يستحي أن يقابل الله عز وجل يوم القيامة، وعليه ذنوب، يستحي في الدنيا من الحفظة أن يعمل شيئاً قبيحاً، إلى حد أنه يستتر في عوراته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً من شدة الحياء فهو يستتر في طعامه، وفي نومه، وفي خلائه، وفي جماعه أهله، وما ذلك إلا من الإيمان والورع والخوف من الله تعالى.

يوضح ذلك الحديث الذي رواه أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحياء والعيُّ شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق)([29]).

الحياء نوعان:

أحدهما: ما كان خلقاً وجبلة غير مكتسب، وهو من أجلَّ الأخلاق التي يمنحها الله العبد ويجبله عليها، وعن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الحياء لا يأتي إلا بخير)([30])؛ فإنه يكف عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق، ويحث على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها فهو من خصال الإيمان بهذا الاعتبار، وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (من استحيا اختفى ومن اختفى اتقى، ومن اتقى وقي)([31]).

الثاني: ما كان مكتسباً من معرفة الله ومعرفة عظمته وقربه من عباده واطلاعه عليهم وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهذا من أعلى خصال الإيمان، بل هو من أعلى درجات الإحسان([32])،  عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استحيوا من الله حق الحياء). قال: قلنا: يا رسول الله إنّا نستحي والحمد لله. قال: (ليس ذلك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء)([33]).

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم ونستعيذك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم حسَّن أخلاقنا يا كريم وتجاوز عن سيئاتنا يا رحيم.

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

  

الدرس الثالث

العدل

الحمد لله الذي أعلى، درجة المسقطين ومنحهم حبه ووعدهم بظل عرشه يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، جعل العدل والمساواة من ركائز دولة الإسلام حين أنشأها فساد الأمن والطمأنينة بين الناس، أما بعد:

فيقول الله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ]([34]).

ويقول تعالى: [َإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى]([35])، ويقول تعالى: [وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ]([36]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشاب نشأ بعبادة الله…)([37]).

فالله الله إذا قام العدل بين المسلمين، فالسعيد من عدل، والشقي من ظلم، العادل راضية عنه نفسه، محب له ربه، راضي عنه قومه، والظالم أحل لنفسه شيئاً حرمه الله على نفسه وهو الظلم، فنفسه به شقية، والبشرية منه في بلية، عقاب الله له بالمرصاد: في الدنيا زوال والعز وخراب الديار، وفي الآخرة النار، وبئس القرار، العادل لا يراعى إلا الله في عمله، فلا يحابي أحداً من الخلق؛ فإن دُعي إلى الشهادة أقامها بالقسطاس المستقيم لا يفرق فيها بين العدو والحميم، وإن دُعي إلى منصة القضاء استضعف الظلمة الأقوياء حتى ينتصر منهم للضعفاء، لا يفضل خصماً لماله وجاهه، بل كل الخصوم أمامه سواء حتى يقضي بينهم بالحق، ويعطي كلاً ما استحق، سلطان الله قائم في نفسه، لا يخضع إلا لأمره، يد الله تؤيده، وجند الله يمده، أولئك عباد الله المخلصون، أولئك حزب الله المفلحون، أولئك الذين تقوى بهم الدولة، وتعزّبهم الأمة، فتعيش عيشة راضية أفرادها وجماعاتها، فقراؤها وأغنياؤها، ضعفاؤها وأقوياؤها يعيشون على أنفسهم مطمئنين، وعلى أموالهم وأعراضهم آمنين([38])، وهم الذين قال فيهم الله سبحانه وتعالى: [إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ]([39]).

ومن نماذج العدل الرائعة ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما جاءه رجل من أهل مصر وكان قبطياً وقال له: يا أمير المؤمنين، سابقت على فرسٍ ابناً لعمرو بن العاص فسبقته، فجعل يقمعني بسوطه ويقول: أنا ابن الأكرمين، فبلغ ذلك أباه فخشي أن آتيك فحبسني في السجن، فانطلقت منه، فهذا الحين جئتك.

فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص ـ وهو أمير على مصر ـ: إذا أتاك كتابي هذا فاشهد الموسم أنت وولدك فلان وقال للمصري: أقم حتى يجيء، فقدم عمرو فشهد الحج، فلما قضى عمر الحج وهو قاعد مع الناس وعمرو بن العاص وابنة إلى جانبه، قام المصري فرمى إليه عمر بالدرة وضربه فلم ينزع حتى أحب الحاضرون أن ينزع من كثرة ما ضربه وعمر يقول: اضرب ابن الأكرمين، فقال: يا أمير المؤمنين، قد استوفيت واشتفيت، قال: ضعها على صلعة عمرو، قال: يا أمير المؤمنين قد ضربت الذي ضربني، قال: أما والله لو فعلت ما منعك أحد حتى تكون أنت الذي تنزع. ثم قال لعمرو: يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً([40]).

اللهم ائذن لشريعتك أن تحكم الأرض وأن تسود، اللهم مكّن لدينك في الأرض وافتح له قلوب الناس، اللهم اجعل العدل يسود بين الناس اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعدل في رعاياهم والرفق بهم والاعتناء بأمور دينهم ودنياهم، اللهم واجز ولاة أمرنا عنا خير الجزاء على ما يقومون به من تحكيم شرع الله، والعناية بالمقدسات ورعاية الحجاج، وزوار بيت الله العتيق ومسجد الرسول الكريم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

  

الدرس الرابع

الرحمـة

الحمد الله الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعد جنته للمتقين المؤمنين، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله أرسله رحمة للعالمين، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول الله تعالى: [ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ]([41])، وقال تعالى: [وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ]([42]).

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء) ([43])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي)([44]).

والرحمة وإن كانت رقة القلب، وانعطاف النفس المقتضي للمغفرة والإحسان؛ فإنها لن تكون مجرد عاطفة نفسية لا أثر لها في الخارج([45])، بل أنها ذات آثار خارجية، ومظاهر حقيقية تتجسم فيها في عالم الرؤية، ومن آثار الرحمة الخارجية؛ العفو عن ذي الزلة، والمغفرة لصاحب الخطيئة، وإغاثة الملهوف، ومساعدة الضعيف وإطعام الجائع، وكسوة العاري، ومداواة المريض، ومواساة الحزين. كل هذه آثار الرحمة، وغيرها الكثير؛ لأن المؤمن إذا أراد أن يرحمه الله فليرحم الناس، وإن أردا أن يغفر الله له فليغفر للناس، وإن أراد أن يعفو الله عن زلاته فليعفو عن الناس، عن أبي هريرة أن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُقبل الحسن فقال: إنّ لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنه من لا يَرحم لا يُرحم)([46]).

فتراحموا أيها الناس فيما بينكم وواسوا فقراءكم، واعطفوا على صغاركم، وارحموا الضعفاء وكبار السن والمرضى والأرامل والأيتام فبهم ترزقون، وبصلاحهم تنصرون، ومن أجلهم من العذاب ترحمون ألا تسمعون لقول القائل: (لولا شيوخ ركع، وأطفال رضع، وبهائم رتع؛ لصب عليكم العذاب صباً).

واعلموا أحبتي في الله أن الرحمة تجعل قلب العبد رقيقاً، ومن لان قلبه ورقّ استطاع أن يخشع في صلاته ويبكي عندما تمّر به آية من آيات العذاب وهو يقرأ القرآن، وإن لم يبك فإنه يستطيع التباكي، على العكس من القاسية قلوبهم اللاهين عن ذكر الله والخوف منه يقرؤون القرآن بألسنتهم، لا يعرف الخوف من الله لقلوبهم طريقاً، يسمعون آيات العذاب تمّر بهم ولا تؤثر فيهم فهم على حالهم لا يتغيرون، ولا يبكون وإن كان عليهم أن يبكوا لفقدهم البكاء، ولكن أنى لهم ذلك؟

والقلوب لها أبواب والأبواب لها أقفال، والأقفال لها مفاتيح وهؤلاء أقفال أبواب قلوبهم قد صدأت، ومفاتيحها قد فقدت من طي النسيان، والبعد عن الله تعالى، فقسمت قلوبهم؛ فأصبحت كالحجارة أو أشد قسوة.

والرحمة إخواني في الله لا تتعلق بالإنسان فقط؛ حيث إنه يستطيع الدفاع عن نفسه ويستطيع الثأر والانتقام، بل الرحمة يجب أن تشمل جميع الكائنات التي خلقها الله عز وجل كالحيوانات والنباتات وغيرها من مخلوقات الله. وقارن أخي المسلم بين من يرحم حيواناً لا يعقل وانظر إلى الثواب الحاصل عن هذه الرحمة وبين من قسى على حيواناً أيضاً والنتيجة الحاصلة من وراء ذلك.

أما عن الثواب الحاصل من الرحمة فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث الثرى من العطش فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، ثم رقى فسقى الكلب فشكر الله فغفر له.

قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجراً؟ قال: في كل كبد رطبة أجر)([47]).

أما النتيجة القسوة ففيها روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعاً فدخلت فيها النار، قال: فقال والله أعلم: (لا أنت أطعمتيها ولا سقيتيها حين حبستيها ولا أنت أرسلتيها فأكلت من خشاش الأرض)([48]).

فتخير لنفسك أخي المؤمن في أي الفريقين تحب أن تكون؟

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

اللهم ارحمنا بالقرآن واجعله شفيعاً لنا لا علينا، اللهم تغمدنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم املأ قلوب المسلمين بالرحمة والعطف والإخاء وانزع من قلوبهم الغل والحقد والحسد والبغضاء. اللهم ارحمنا إذا عرق الجبين وضاق النفس، اللهم اجعلنا من عبادك الرحماء.

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الدرس الخامس

الحلم

الحمد لله الحليم رب العرش الكريم ذي القوة المتين. وأشهد أن لا إله إلا الله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن كثير، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله ساد الناس بأخلاقه فكان يعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه. أما بعد:

فيقول تعالى: [وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ] ([49])، ويقول تعالى: [وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ] ([50])، ويقول تعالى: [خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ] ([51]).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذة بردائه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال: يا محمد! مُر لي مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك ثم أمر بعطاء)([52])، وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)([53]).  

فكن رفيقاً أخي المسلم حليماً بالناس وليسع صدرك جهل الجاهلين وحقد الحاقدين، وحسد الحاسدين، وما عليك إلا أن تتضرع إلى الله وتطلب منه الهداية لهم. وكن مخفض الجناح لإخوانك، واصبر على الجاهل وعلمه برفق وحكمة وموعظة حسنة مقتدياً في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم في فعله وخلقه مع الأعرابي الذي بال في المسجد وثار إليه الناس ليقعوا به في الحديث الذي رواه أبو هريرة فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : (دعوه وأهريقوا ذنوباً من ماء أو سجلاً من ماء فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين)([54]).

فإذا غضبت أخي المسلم من شيء فتذكر ثواب الله على كظم الغيظ، عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كظم غيظاً وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخبره في أي الحور شاء)([55]).

اللهم قنط منا الشيطان كما قنطته من رحمتك، وآيس منا الشيطان كما أيسته من مغفرتك، وباعد بيننا وبينه كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم ارزقنا الصبر على ما يغضبنا، ووفقنا للالتزام بالأخلاق الحسنى.

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

  

الدرس السادس

العفة

الحمد لله الذي وعد من يستغني بالغنى ومن يستعفف بالعفة ومن طلبهما من غير الله ذل وضل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغني الكريم، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله عفّ نفسه عن الحرام وتورع عن الشبهات؛ فاستحق الفردوس الأعلى في الجنة، أما بعد:

فيقول تعالى: [وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً]([56])، ويقول تعالى: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ]([57])، ويقول تعالى: [وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ]([58]).

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أوصني وأوجز فقال النبي  صلى الله عليه وسلم : (عليك بالإياس مما في أيدي الناس، وإياك والطمع فإنه الفقر الحاضر، وصل صلاتك وأنت مودع، وإياك وما تعتذر منه)([59])، وقال الحسن البصري: (لا يزال الرجل كريماً على الناس حتى يطمع في دينارهم، فإذا فعل ذلك استخفوا به وكرهوا حديثه وأبغضوه)([60]). من خلال النصوص السابقة ترى أخي المسلم أن العفة خلق له أثر عظيم على منزلة المسلم عند الناس فإن هو يئس فيما في أيديهم أحبوه، وإن هو طمع فيما في أيديهم أبغضوه.

وترى أيضاً من خلال الأحاديث والآيات السابقة أن العفة لها مظاهرة كثيرة فمنها: العفة عما حرم الله بأن يكف عما لا يحل ويبتعد عن كل ما يغضب الله من زنا، وفواحش وغير ذلك، وأن يغض بصره ويستعفف حتى يرزقه الله عز وجل مؤونة الزواج؛ فيتزوج ويحصن نفسه، ومنها العفة عن المال الحرام والتي أمر الله بها في قوله: [وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ]([61]).

ومنها: العفة عما في أيدي الناس، فكن أخي المسلم عفيفاً مستغنياً عما في أيدي الناس؛ لتبقى عندهم سيداً محبوباً جليلاً مهيباً ينتفع بك، واعلم أنك إذا طمعت فيما في أيدي الناس فقد بعت دينك بدنياك وأصبحت لديهم محتقراً مهيناً، ممقوتاً، ثقيلاً، مرذولاً، وهان عليك كل ما تلاقيه من أنواع الذلة والإهانة في سبيل الحصول على ذلك الحطام الفاني، وهذا يا أخي هو السقوط الذي لا خلاص منه والفقر الذي لا غنى معه. فكن نزيه النفس عن شبه المكاسب واكتف بالميسور عن ذل المطالب؛ فإن شبه المكتسب إثم، وكدّ الطلب ذل، والأجر أجدر به من الإثم، والعزّ أليق به من الذل([62])، وصدق من قال:

لا تخضعن لمخلوق على طمع *** فإنّ ذلك نقص منك في الدين
لن يقدر العبد أن يعطيك خردلة *** إلا بإذن الذي سواك من طين
فلا تصاحب غنياً تستعز به *** وكن عفيفاً وعظم حرمة الدين
واسترزق الله مما في خزائنه *** فإن رزقك بين الكاف والنون

اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك ولا تكلنا إلا إليك، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين حتى لا نذل، اللهم ارحمنا برحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك يا كريم. وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الدرس السابع

القناعة

الحمد لله القائل: [وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى]([63])، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، سبحانه وتعالى يعطي ويمنع ويجود ويصفح، خيره إلى العباد نازل فمنهم شقي وسعيد، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله رضي الله من الدنيا بالقليل فكتب الله له السعادة في الدنيا والآخرة؛ لأنه لم يأخذ منها إلا ما يعينه على طاعة الله عز وجل، أما بعد:

فيقول الله تعالى:[وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى]([64]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (… وارض بما قسم الله تكن أغنى الناس…)([65]).

وعدّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه القناعة من مظاهر التقوى وأساسيتها فقال: (التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل).

فكن أخي الحبيب راضياً بما قسم الله ولو كان قليلاً يبارك الله لذلك فيه، واقنع بذلك بقلب راض مطمئن، وإياك والطمع والحرص على الدنيا أو الانهماك في طلبها واحذر ذلك حذراً شديداً؛ لأنه ربما يؤدي بك إلى أن تحصل رزقك مما حرّم الله لتكثر أموالك.

فالمؤمن الواعي الفطن الذي يبتغي مرضاة الله تعالى هو الذي يتحرى الحلال في كل شيء خاصة في رزقه ليكون مجاب الدعوة ويبتعد عن الحرام مهما كثر، لقد كانت الصحابيات يُوصين أزواجهن وهم ذاهبون إلى العمل فكانت الواحدة منهن تقول لزوجها: يا عبد الله، أطعمنا من حلال ولو قليل يبارك الله لك، وإياك والحرام وإن كثر فإننا نصبر على جوع الدنيا ولا نصبر على عذاب الآخرة.

واعلم أخا الإسلام أن خزائن الله لا تنفد وأن كل شيء يسير بأمره سبحانه فلا تعبأ بأمور الدنيا وكن قنوعاً بنصيبك في كل شيء، فلقد مرّ أحد الصالحين على رجل مهموم فسأله قائلاً: يا هذا هل ينتقص من عمرك لحظة كتبها الله لك؟ قال: لا، قال: هل ينتقص من رزقك درهماً واحداً كتبه الله لك في رزقك؟ قال: لا، قال: هل يحدث في الكون كله أمر بدون إرادة الله؟ قال: لا، فقال له: علام الهم إذن؟

واعلم أخي في الله أن الحرام لا يبارك الله فيه مهما كثر، وصدق من قال:

جمع الحرام على الحلال ليكثره   ***   جاء الحرام على الحلال فبعثره

والمرء وإن كان يملك أشياء قليلة في قيمتها ومستواها ونوعها إلا أنها ذات قيمة عالية في عين المؤمن الرضي بما قسم الله؛ لأنه ينظر إلى ما يمتلكه نظرة طيبة عظيمة بأن هذا الشيء وإن كان قليلاً فهو يغنيه عن سؤال الناس ويقتنع به ويرضى، بل هو في أشد السعادة بهذا الممتلك القليل، كان محمد بن واسع رحمه الله، يبل الخبز بالماء ويأكله ويقول: من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد.

لذا قال بعض الحكماء:(وجدت أطول الناس همّاً الحسود، وأهنأهم عيشاً القنوع)([66]).

أيها الناس اقنعوا بما قسم الله لكم ولا تجتهدوا في جمع الدنيا؛ لأنكم لن تأخذوا منها إلا شيئاً من القماش يكون كفناً لكم، واعلموا أن حب الدنيا رأس كل خطيئة، واسمعوا قول القائل:

وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها *** هل راح منها بغير الزاد والكفن
خذ القناعة من دنياك وارض بها *** لو لم يـكن لــك إلا راحـة البـدن([67])

اللهم ارزقنا القناعة واجعلها لنا بضاعة، اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع وعين لا تدمع ونفس لا تشبع.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

  

الدرس الثامن

الإحسان

الحمد لله الذي وعد المحسنين بالجنة وتفضل عليهم بأن يروا وجهه الكريم يوم القيامة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه العزيز: [إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ]([68]).

وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله خير من أحسن إلى الناس مع إساءتهم إليه؛ لأنه كان يعمل ما يقربه إلى الله وإلى الجنة، أما بعد:

فقد ذكر الإحسان في القرآن الكريم في مواضع عدة؛ فتارة مقروناً بالإيمان كقوله تعالى: [لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ]([69])، وتارة مقروناً بالإسلام كقوله تعالى: [وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى]([70])، وتارة مقروناً بالتقوى كقوله تعالى: [لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ]([71])، والآيات في الإحسان كثيرة.

أما من السنة: فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)([72])، وكانت إجابة النبي صلى الله عليه وسلم على سؤال جبريل عندما سأله ما الإحسان؟ فقال: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

فأنت أيها المسلم إذا أمرت بمراقبة الله في العبادة أيّاً كان نوعها، واستحضار قربك منه حتى كأنك تراه، فإنه قد يشق عليك ذلك فتستعين على ذلك بإيمانك بأن الله يراك، ويطلع على سرك، وعلانيتك وباطنك وظاهرك ولا يخفى عليه شيء من أمرك)([73]).

فقد قال بعضهم: خف الله على قدر قدرته عليك واستحي من الله على قدر قربه منك([74]).

والإحسان في العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج وغير ذلك هو استكمال شروطها، وأركانها، واستيفاء سننها وآدابها.

وأما الإحسان في المعاملات فهو للوالدين ببرهما وطاعتهما، وإيصال الخير إليهما، وإكرام صديقهما، وكف الأذى عنهما، والدعاء لهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما.

والإحسان للأقارب ببرهم ورحمتهم، والعطف عليهم، وترك ما يسيء إليهم، أو يقبح قولهم، أو فعله معهم([75]).

والإحسان لليتامى بالمحافظة على أموالهم، وصيانة حقوقهم، وتأديبهم وتربيتهم، وعدم قهرهم، والهش في وجوههم، والمسح على رؤوسهم.

والإحسان للمساكين بسد جوعتهم، وستر عورتهم، والحث على إطعامهم وعدم المساس بكرامتهم، فلا يحتقرون، ولا يزدرون.

والإحسان لابن السبيل بقضاء حاجته، ورعاية ماله وإرشاده إن استرشد، وهدايته إن ضل.

والإحسان إلى الخادم بإيتائه أجره قبل أن يجف عرقه، وعدم إلزامه ما لا يلزمه، وتكليفه ما لا يطيق، وأن يطعم مما يطعم منه أهل البيت إن كان خادماً للبيت وكسوته مما يكسبون.

والإحسان إلى الحيوان بإطعامه إن جاع والرفق به إن عمل وإراحته إن تعب ومداواته إن مرض.

اللهم اجعلنا من المحسنين، وشفع المحسنين منا في المسيئين، وتجاوز عن سيئاتنا وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، واجعلنا من الشاكرين لنعمتك يا أرحم ما الراحمين.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

  

الدرس التاسع

الصدق

الحمد لله الذي جعل الصديقين في منزلة بين النبيين والشهداء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الودود اللطيف الكريم، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله الصادق المصدوق الذي ما جُرب عليه كذب قط حتى قبل بعثته؛ فاستحق أن يطلق عليه الصادق الأمين، أما بعد:

فيقول الله تعالى آمراً بالصدق: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ]([76])، ويقول تعالى في الثناء على أهل الصدق: [وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ]([77]).

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)([78]).

أخي المسلم: إن الاستمساك بالصدق في كل شأن وتحريه في كل قضية والمصير إليه في كل حكم، دعامة ركينة وأساسية في خلق المسلم وصبغة ثابتة في سلوكه، أما الكذب أو خلف الوعد، والتدليس، والافتراء فهي أمارات النفاق، وعلامات تنبئ عن تغلغل الفساد في نفس صاحبها.

والمسلم لا ينظر إلى الصدق كخلق فاضل يجب التخلق به فحسب، بل إنه يذهب إلى أن الصدق من متممات الإيمان، ومكملات الإسلام كما أوضحت النصوص السابقة التي تناولناها.

وإذا كانت هناك أعذار لمن يخاف أو يبخل أو غير ذلك، فلا عذر البتة لمن يتخذ الكذب خلقاً يعيش به على خديعة الناس، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب)([79]).

واعلم أخي في الله أن للصدق ثمرات يجنيها الصادقون، منها:

1ـ راحة الضمير وطمأنينة النفس، عن الحسن بن علي قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : (… الصدق طمأنينة …)([80]).

2ـ البركة في الكسب، وزيادة الخير، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو قال: حتى يفترقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)([81]).

3ـ الفوز بمنزلة الشهداء: عن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل الله الشهادة بصدق بلغة الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه)([82]).

4ـ النجاة من المكروه: يروى أن والياً خطب يوماً فأطال الخطبة فقال أحد الحاضرين: الصلاة! فإن الوقت لا ينتظرك، والربّ لا يعذرك فأمر بحبسه فأتاه قومه وزعموا أن الرجل مجنون فقال الوالي: إن أقر بالجنون خلصته من سجنه، فقال الرجل: لا يسوغ لي أن أجحد نعمة الله التي أنعم بها عليّ وأثبت لنفسي صفة الجنون التي نزهني الله عنها، فلما رأى الوالي صدقة خلى سبيله.

وإن أردت معرفة صدق أحد الناس فلا يمكنك ذلك إلا إذا كان هذا الشخص متصفاً بالصدق في أمور عدة، منها:

1ـ الصدق في الحديث: فالمسلم إذا حدث لا يحدث بغير الحق والصدق وإذا أخبر فلا يخبر بغير ما هو الواقع في نفس الأمر، إذ إن كذب الحديث من علامات النفاق كما بينا سابقاً، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف)([83]).

2ـ الصدق في المعاملة: فالمسلم إذا عامل أحداً صدق في معاملته فلا يغش ولا يخدع، ولا يزور، ولا يغرر بحال من الأحوال.

3ـ صدق العزم، فالمسلم إذا عزم على فعل ما ينبغي فعله لا يتردد في ذلك بل يمضي في عمله غير متلفت إلى شيء أو مبال بآخر حتى ينجز عمله، ودائماً ما يلجأ إلى الله عز وجل قائلاً: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل) مقتدياً في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف الصالح كالحسن البصري، الذي عندما سئل عن أسباب زهده في الدنيا ذكر منها قوله: (علمت أن لي شغلاً لن يشغله غيري فعلمت به).

4ـ صدق الوعد: فالمسلم إذا واعد أحداً أنجز له ما وعد به، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثمن الكلمة التي يقول، ويحترم الكلمة التي يسمع، وكان ذلك شارة الرجولة الكاملة فيه حتى قبل أن يرسل إلى الناس، فعن عبد الله بن أبي الحمساء قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاث فجئت، فإذا هو في مكانه فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاث فجئت، فإذا هو في مكانه فقال: (يا فتى لقد شققت عليّ، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك)([84]).

5ـ صدق الحال: فالمسلم لا يظهر في غير مظهره، ولا يظهر خلاف ما يبطن، فلا يلبس ثوب زور، ولا يرائي، ولا يتكلف ما ليس له، عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت: يا رسول الله: إن زوجي أعطاني ما لم يعطني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)([85]).

فهو بذلك يتظاهر بالزهد وهو ليس بزاهد ولا متقشف، فإن توفرت هذه المظاهر في شخص ما فاعلم أنه صادق حقاً.

اللهم احشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم أجري الصدق على ألسنتنا، اللهم اهدنا لصالح الأعمال والأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم اجعلنا من المتقين الصادقين يا رب العالمين.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

الدرس العاشر والحادي عشر

الكرم

الحمد لله الكريم رب العرش العظيم وعد المتصدقين بالأجر الكريم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله فاق كرم أخلاقه أن عفا عن أعدائه بعد أن علت كلمة الله وملك الأمر في قريش؛ فإذا به يقول لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) كما روى عنه أبو هريرة رضي الله عنه([86])، أما بعد:

فالسخاء من أخلاق المسلم والكرم من شيمه، والمسلم نفسه طاهرة وقلبه مشرق بإيمانه بالله سبحانه وتعالى وعمله الصالح، وإشراق القلب وطهارة النفس يتنافى معها أن يتصف الإنسان بالشح والبخل.

والشح وإن كان مرضاً قلبياً عاماً لا يسلم منه البشر إلا أن المسلم بإيمانه وعمله الصالح كالزكاة والصلاة يقيه الله تعالى شر هذا الداء الوبيل ليعده للفلاح، ويهيئه للفوز الأخروي، قال تعالى: [إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلاَّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ]([87])، وقال تعالى: [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ]([88])،  وقال تعالى: [وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ]([89]).

فدعوة الإسلام إلى الجود والإنفاق مستفيضة مطرودة، وحربه على البخل موصولة متقدة، ولا يوجد في الدنيا ولن يوجد نظام يستغني فيه البشر عن التعاون والتكافل الاجتماعي والمواساة والرحمة، بل لابد لاستتباب السكينة وضمان السعادة من أن يعطف القوي على الضعيف، وأن يرفق المكثر بالمقل، ما دامت طبيعة المجتمع البشري أن تتجاوز فيه القوة والضعف والإكثار والإقلال.

والله سبحانه وتعالى قد خلط الناس بعضهم ببعض وجعل اختلاطهم على اختلاف أحوالهم اختباراً عظيماً يمحص به الإيمان ويوزع به الفضل، قال تعالى: [وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً]([90]).

وإنه لأمر شاق جداً على النفس أن ترى شخصاً مشقوق الثياب تكاد فتوته تكشف سوءته، أو حافي الأقدام أبلى أديم الأرض كعوبة وأصابعه، أو جوعان يمد عينيه إلى شتى الأطعمة ثم يرده الحرمان وهو حسير.

والذين يرون هذه الصورة المفزعة ثم لا يكترثون بها ليسوا بشراً في قلوبهم رحمة فبين البشر رحم يجب أن توصل ولا تمزقها الفاقة؛ خاصة وأن نبينا صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين قد دعانا إلى الكرم والجود وحثنا عليه في أحاديث كثيرة منها قوله عليه الصلاة والسلام فيما روى عنه ابن عباس رضي الله عنهما: (إن الله تعالى جواد يحب الجود، ويحب مكارم الأخلاق ويكره سفاسفها)([91])، وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها)([92])، وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة)([93]).

وبما أن الإنسان قد جبل على حب المال والحرص الشديد على اقتنائه؛ لذا تجده يفكر في نفسه كثيراً وفي الآخرين قليلاً، ولو أن بعض الناس أوتي ما في الأرض جميعاً بل لو أنه امتلك خزائن رحمة الله لما طوعت له نفسه الشحيحة أن ينفق بسعة ولقامت له من طبيعته الضيقة علل شتى وأسباب كثيرة تضع في يديه الأغلال عن الإنفاق، قال تعالى: [قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُوراً]([94]).

إخوتي في الله: اعلموا أن الأموال المستخفية في الخزائن والمختبئ فيها حق المسكين والبائس، شر جسيم على صاحبها في الدنيا والآخرة؛ إنها أشبه شيء بالثعابين الكامنة في جحورها كأنها رصيد الأذى للناس، بل إن الإسلام بيّن أنها تتحول فعلاً إلى حيات قد امرقت واحتدت أنيابها تطارد صاحبها لتقضم يده التي غلها البخل كما بينت ذلك الأحاديث الصحيحة، وإن من العجب أن يشقى امرؤ في جميع ما يتركه لغيره، وبذلك يصدق قول القائل: (البخلاء يبخلون على الناس ببعض أموالهم حتى إذا ماتوا خلفوا لهم جميع أموالهم).

إن كل ما يتعلق به البشر من حطام الدنيا سوف يتركونه لمالك السماوات والأرض وسينقلون إلى ربهم عراة لا مال ولا جاه كما خلقوا أول مرة وسيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة، فلا غرو إذا توعد الله من ينسى هذه الحقائق وينطلق في ربوع الأرض، لاهم له إلا جمع ما يضره ونسيان ما يفيده. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً )([95])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (عاد بلالاً فأخرج له صبرة من تمر فقال … أنفق بلالاً ولا تخشى من ذي العرش إقلالاً)([96]).

وإن للكرم مظاهر كثيرة منها:

1ـ أن يعطي الرجل العطاء في غير منّ ولا أذى قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ]([97]).

2ـ أن يفرح المعطي بالسائل الذي سأله، ويسر لعطائه، وفي هذا المعنى الطيب يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (ثلاثة لا أعرف كيف أكافئهم، والرابع يكافئه عني ربي، فأما الثلاثة فرجل بدأني بالسلام، ورجل ناداني بأحب الأسماء إلي، ورجل وسع لي في المجلس، وأما الرابع الذي يكافئه عني ربي، فأما الثلاثة فرجل بدأني بالسلام، ورجل ناداني بأحب الأسماء إلي، ورجل وسع لي في المجلس، وأما الرابع الذي يكافئه عني ربي فهو رجل نزلت به نازلة فرآني أهلاً لأن ينزلها بي ففعل).

3ـ أن ينفق المنفق في غير إسراف ولا تقتير قال تعالى: [وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً]([98]).

4ـ أن يعطي المكثر من كثيره والمقل من قليله في رضا نفس وانبساط وجه وطيب قول، قال تعالى: [قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى]([99]).

5ـ أن يكون كريماً ويتصدق عندما ينعم الله عز وجل عليه بالمال بعدما كان فقيراً، خاصة وأنه ذاق الحرمان ويعلم أن الحسنة بعشر أمثالها وأن الله سبحانه وتعالى مجازيه بالخير والرحمة على ما يقدم.

يروي أن الأغنياء ذهبوا يهنئون هارون الرشيد بالعيد الفطر أمر له هارون بأن تملأ له جرة ثلثها ذهب وثلثها فضة وثلثها طعام، وبعدما انتهى الأغنياء من تهنئتهم دخل رجل فقير فألقى عليه السلام وهنأه بالعيد، فسأله هارون من أنت أيها الرجل؟ فقال الرجل: أنا من الرعية التي يرعاها أمير المؤمنين. ثم سأله وما الذي جاء بك؟ فقال الرجل: جئت أنهل من بحر جودك يا أمير المؤمنين.

فأمر هارون بأن تملأ له جرة كاملة ذهباً فاعترض الأغنياء، إنه لا يعرف قدر الذهب يا أمير المؤمنين ولا يعرف كيف ينفقه، ولم يعبأ أمير المؤمنين باعتراض الأغنياء وأمر أحد الحراس أن يتبع الرجل ويراقبه من بعيد دون أن يراه الرجل ليرى ماذا سيصنع الفقير بالذهب، وتبعه الحارس ساعة وعاد مهرولاً يقول: يا أمير المؤمنين لقد ذهب هذا الرجل إلى مكان يكثر فيه الفقراء وأخذ ينادي قائلاً: أيها الناس، أيها الفقراء هلموا إلى رزق الله، هلموا إلى حقوقكم، فاجتمع عليه ناس كثير وأخذ يقسم عليهم الدراهم درهماً درهماً فما أبقى لنفسه درهماً واحداً منها.

فقال هارون: أسرع بإحضاره فأحضره الحارس ومثل الرجل بين يدي أمير المؤمنين فسأله: أين المال؟ فقال الرجل: رجعت به إلى صاحبه يا أمير المؤمنين، فقال هارون: ومن صاحبه؟ قال الرجل: الرزاق ذو القوة المتين الذي رزقك به، فقال هارون: لنعاملنك بمعاملة القرآن حيث يقول الله تعالى: [مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا]([100])، ثم أمر الحارس أن يملأ له عشر جرات ذهب وأمره أن يتبعه أيضاً فتبعه الحارس وعاد إلى هارون ليقول له: يا أمير المؤمنين لقد عاد الرجل إلى سابقته، فأمره أن يحضره إليه فأحضره فسأله هارون: ما الذي حملك على ما صنعت؟ فأنشد الرجل يقول:

يجود علينا الخيرون بمالهم  ***   ونحن بمال الخيرين نجود

وهكذا يجب أن نكون أخي المسلم منفقين في سبيل الله كرماء من أهل الجود، وأن نعمل على تنمية الأخلاق الفاضلة التي نريد أن نتخلق بها بإيراد خاطرنا على ما ورد في الشرع الحكيم من ترغيب في تلك الأخلاق وترهيب من ضدها.

فمن أراد تنمية خلق الكرم في نفسه فليعكف قلبه متأملاً متدبراً في مثل قول الله تعالى: [وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ]([101])، وقوله تعالى: [فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى]([102]).

وليعلم المسلم أن بذل القليل اليوم سيرجع غداً أو بعد غد بالكثير، وقد اعتبر الله سبحانه وتعالى العطاء الجميل قرضاً حسناً، لا يرده لصاحبه مثلاً أو مثلين بل يرده أضعافاً مضاعفة، وبين للعبد أن نفقته على غيره وسيلة لأن يغدق الله تعالى على هذا العبد من خزائنه التي لا يلحقها نفاد، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: أنفق عليك. وقال: يد الله ملأي لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يده وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع)([103]). اللهم اجعلنا من الكرماء الأسخياء الذين ينفقون في السراء والضراء، اللهم عاملنا بلطفك وكرمك يا أكرم الأكرمين، اللهم ارزقنا العافية في أبداننا والعصمة في ديننا وأحسن منقلبنا ووفقنا للعمل بطاعتك أبداً ما أبقيتنا. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

الثاني عشر والثالث عشر

الصبر

الحمد لله ولي الصابرين وولي الذين آمنوا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بشر الصابرين بصلاته ورحمته وهداه، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله خير من صبر من عباد الله لإعلاء كلمة الله ونشرها في ربوع المعمورة كلها. أما بعد:

فيقول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ]([104])، ويقول تعالى: [وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ]([105])، ويقول تعالى: [وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ]([106]).

وعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)([107])، وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (… والصبر ضياء …) ([108])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يصب منه)([109]). إن من محاسن أخلاق المسلم التي يتحلى بها: الصبر واحتمال الأذى في سبيل الله تعالى.

أما الصبر فهو حبس النفس على ما تكره أو احتمال المكروه بنوع من الرضا والتسليم، فالمسلم يحبس نفسه على ما تكرهه من عبادة الله وطاعته، ويلزمها بذلك إلزاماً ويحبسها دون معاصي الله عز وجل فلا يسمح لها اقترابها، ولا يأذن لها في فعلها مهما تاقت لذلك بطبعها وهشت له؛ فإنه إن فعل ذلك وأصبح أميراً عليها قادها إلى الجنة، أما إن تأمرت هي عليه قادته إلى نار جهنم بسبب كثرة ميلها إلى الشهوات والهوى.

والمؤمن يحبس نفسه على البلاء إذا نزل بها فلا يتركها تجزع ولا تسخط، وقد قال الحكماء: الجزع على الفائت آفة، وعلى المتوقع سخافة. وهو يستعين في ذلك بذكر الله، تعالى، والجزاء الحسن على الطاعات وما أعد لأهلها من جزيل المثوبات والأجر وذكر وعيده تعالى لأهل معصيته من أليم العذاب وشديد العقاب، ويتذكر أن أقدار الله جارية وأن قضاءه تعالى عدل وأن حكمه نافذ صبر العبد أم جزع، غير أنه مع الصبر الأجر ومع الجزع الوزر.

والمسلم عندما يتحلى بهذا الخلق فهو يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي صبر وصابر على أذى قومه في سبيل تبليغ دعوة الله عز وجل حتى إنهم وضعوا سلى الجزور على رأسه الشريفة ووضعوا على رأسه التراب وهو راكع، وضغط عقبة بن أبي معيط على عنق النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد حتى قال الرسول: ظننت أني قد قبضت، وأخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من بلده مكة وضيق الخناق على دعوته وأتباعه فذهب إلى الطائف عله يجد من يؤمن برسالته لكن سفهاء الطائف وصبيانها قذفوا الرسولصلى الله عليه وسلم  بالحجارة بتسليط من كبرائهم حتى سال الدم من عقبه الطاهر، ومع ذلك كله صبر وكان يصبّر أصحابه فيقول لبعضهم: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) ([110]).

ومع هذا الصبر العظيم تتمثل الأخلاق العالية الحميدة في قولته صلى الله عليه وسلم التي رواها عنه ابن مسعود رضي الله عنه قائلاً: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم  يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه يقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)

وهذا خباب بن الأرت يقول: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون)([111]).

والصبر يقوم على حقيقتين هامتين:

أما الأولى فتتعلق بطبيعة الحياة فإن الله لم يجعلها دار جزاء وقرار بل جعلها دار تمحيص وامتحان والفترة التي يقضيها المرء بها فترة تجارب متصلة الحلقات يخرج من امتحان ليدخل في امتحان آخر، وقد يكتب الله على البعض صنوفاً من الابتلاء ربما انتهت بمصارعهم، وليس أمام الفرد إلا أن يستقبل البلاء بالصبر والتسليم، وما دامت الحياة امتحاناً فلنكرس جهودنا للنجاح فيها.

والحقيقة الثانية تتعلق بطبيعة الإيمان([112]).

فالإيمان صلة بين الإنسان وبين الله عز وجل وخضوع هذه الصلة للابتلاء ما هو إلا تمحيص لها؛ فإما أن يكشف عن طيبها وإما أن يكشف عن زيفها، قال الله تعالى: [أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ]([113]).

ولكي تبين الحقيقتان يقوم الصبر ومن أجلهما يطالب الدين به بيد أن الإنسان، ومن عادته تجاهل الحقائق، يدهش للصعاب إذا لاقته، ويتبرم بالآلام وإذا ما مسته، ويقوم له من طبعه الجزوع ما يبعض له الصبر ويجعله في حلقه كريه المذاق؛ فإذا أحرجه أمر، أو صدمته خيبة أو نزلت به كارثة، ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وضاقت عليه الأيام مهما امتدت وحاول أن يخرج من حالته بأسرع من لمح البصر، وهي محاولة قلما تنجح؛ لأنها ضد طبيعة الدين والدنيا وأولى بالمسلم أن يدرب نفسه على طول الانتظار، قال تعالى: [خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ]([114]).

والصبر من عناصر الرجولة الناضجة والبطولة الصادقة؛ فإن أثقال الحياة لا يطيقها المهازيل، والمرء إذا كان لديه متاع ثقيل يريد نقله لم يستأجر له أطفالاً أو مرض أو خوارين، إنما ينتقي له ذوي الكواهل الصلبة والمناكب الشداد، كذلك الحياة لا ينهض برسالتها الكبرى ولا ينقلها من طور إلى طور إلا رجال عمالقة وأبطال صبارون، ومن ثم كان نصيب القادة من العناء والبلاء مكافئاً لما أوتوا من مواهب ولما أدوا من أعمال؛ فالأنبياء هم أكثر الناس بلاءً.

عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: (قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاءً؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلى على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الارض ما عليه خطيئة)([115]).

فأكثر الناس بلاءً هم الأنبياء بطبيعة مهمتهم في هذه الحياة وهي تبليغ دعوة الله عز وجل وهو طريق شاق حافل بالعقبات والأشواك، فليس الإيمان كلمة تقال باللسان فحسب بل هي حقيقة كبرى ينبغي أنم يعيها السالكون والسائرون على طريق الأنبياء والمرسلين، ولقد بين الله سبحانه وتعالى أن أكثر الناس صبراً هم الأنبياء بل إن الصبر من أهم عوامل نجاحهم في دعوتهم قال الله تعالى: [وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ]([116]).

ونبي الله أيوب عليه السلام ضرب لنا أروع الأمثلة في الصبر عندما صبر على بلاء الله مدة طويلة ثم رفع أكف الضراعة إلى الله سبحانه وتعالى يسأله أن يكشف عنه هذا الضر والبلاء واستجاب الله سبحانه وتعالى لنبيه أيوب عليه الصلاة والسلام، يقول الله تعالى: [وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ]([117]).

ولنأخذ العبرة والعظة والدرس من نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام وما حدث له عندما ضاق صدراً بالقوم في لحظة من اللحظات وألقى عبء الدعوة وذهب مغاضباً، ضيق الصدر حرج النفس فأوقعه الله في الضيق الذي تهون إلى جانبه مضايقات المكذوبين، ولو لا أنه تاب إلى ربه واعترف بظلمه لنفسه ودعوته وواجبه لما فرج الله عنه هذا الضيق، يقول الله تعالى: [وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ]([118]).

والذي ييأس في الضر من عون الله يفقد كل نافذة مضيئة وكل نسمة رخية وكل رجاء في الفرج، ويستبد به الضيق ويثقل عن صدره الكرب فيزيد هذا كله من وقع الكرب والبلاء، إلا إنه سبيل لاحتمال البلاء إلا بالرجاء في نصر الله ولا سبيل إلى الفرج إلا بالتوجه إلى الله ولا سبيل إلى الاستعلاء على الضر والكفاح للخلاص إلا بالاستعانة بالله، وكل حركة يائسة لا ثمرة لها ولا نتيجة إلا زيادة الكرب ومضاعفة الشعور به والعجز عن دفعه بغير عون الله سبحانه وتعالى.

أما الذين صبروا على بلاء الله وعلى فتنة الناس وفتنة النفس وجاهدوا في سبيل الله فأولئك لن يتركهم الله وحدهم ولن يضيع أعمالهم ولن ينسى جهادهم، وسينظر إليهم من علياء سمائه فيرضيهم وسينظر إلى جهادهم في سبيله فيهديهم وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم يقول الله تعالى: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ]([119]).

وتتجلى أعلى مراحل الصبر في موقف أم سليم الرميصاء وهي أم أنس بن مالك لما مات لها ابن من أبي طلحة فإذا هي بقوة الإيمان والصبر الراسخ والثقة في الله التي لا تتزعزع تقوم فتغسّل لبنها وتكفنه وتسجيه بثوب وتضعه في ناحية من نواحي البيت وتهيئ العام لزوجها وتستقبله بالبشر ثم تهيئ نفسها لزوجها وعندما أصبحت بعدما قضى زوجها منها وطره تسأله ـ كما تقول رواية مسلم ـ قائلة: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوماً أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك.

ونص الحديث هو ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (اشتكى ابن لأبي طلحة قال: فمات وأبو طلحة خارج، فلما رأت امرأته أنه قد مات هيأت شيئاً ونحته في جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة قال: كيف الغلام؟ قالت قد هدأت نفسه وأرجو أن يكون قد استراح، وظن أبو طلحة أنها صادقة قال: فبات فلما أصبح اغتسل فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبره بما كان منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما. قال سفيان: فقال رجل من الأنصار:

فرأيت لها تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن)([120]).

فعلى ضوء هذه الصور الناطقة والأمثلة الحية من الصبر والتحمل يعيش المسلم صابراً محتسباً متحملاً، لا يشكو ولا يسخط ولا يدفع المكروه بالمكروه ولكن يدفع السيئة بالحسنة ويعفو ويصبر ويغفر، قال تعالى: [وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ]([121]).

وقال بعض الصابرين: سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري، وأصبر حتى يأذن الله في أمري، وأصبر حتى يعلم الصبر أني صابر على شيء أمرّ من الصبر.

اللهم اجعلنا من الصابرين، وأجرنا في مصائبنا خيراً وارزقنا الثبات عند البلاء، اللهم إنا نسألك الثبات على الإسلام والسنة وألا تزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ونعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

الدرس الرابع عشر

الإيثار

الحمد لله الذي أعد الفلاح للمؤثرين الناس على أنفسهم، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي هو أرحم على الوليد من أمه، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله علّم أصحابه الإيثار والأخوة وعدم حب النفس فسادوا الدنيا بأسرهم، أما بعد:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أتى رجل رسول اللهصلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أصابني الجهد فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا رجل يضيفه هذه الليلة، فقام رجل من الأنصار فقال: أنا رسول الله.

فذهب إلى أهله فقال لا مرأته: ضيف رسول الله، لا تدخريه شيئاً، قالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية، قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فأطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة ففعلت، ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد عجب الله عز وجل أو ضحك من فلان وفلانة. فأنزل الله عز وجل [وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ]([122]).

فمن أخلاق المسلم التي اكتسبها من تعاليم دينه ومحاسن إسلامه الإيثار على النفس وحب الغير، فالمسلم متى رأى محلاً للإيثار آثر غيره على نفسه وفضله عليها، فقد يجوع ليشبع غيره، ويعطش ليروي سواه، بل قد يموت في سبيل حياة آخرين، وما ذلك بغريب ولا جديد على مسلم تشبعت روحه بمعاني الإسلام العظيمة، وانطبعت فيه نفسه بطابع الخير وحب الفضيلة، تلك هي صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة؟

وكما أن الله سبحانه وتعالى اختار نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء، وخصه، بمزايا لم تكن لسواه من الناس حاشا الأنبياء والمرسلين الذين أثنى الله عليهم في غير موضع من القرآن تنبيهاً على علو منزلتهم، وعظيم فضلهم وشرفهم، وأثنى الله سبحانه وتعالى على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى يصفهم بالرحمة ولين الجانب لبعضهم بعضاً وشدتهم على الكفار المعاندين: [مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ]([123]).

ويبين الله أخلاق الأنصار الذين استقبلوا إخوانهم المهاجرين بحب وإيثار وتضحية وبذل وفداء بدون أن تتضرم القلوب أو توغل الصدور، فيقول سبحانه: [وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ]([124]).

والمسلم في إيثاره وحبه للخير ناهج نهج الصالحين السابقين وضارب في درب الأولين الفائزين. وأخلاق المسلم الفاضلة كلها بل كل الخصال الحميدة والجميلة إنما هي مستوحاة من الرحمة الإلهية أو مستقاة من الحكمة المحمدية، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أو قال: لجاره ما يحب لنفسه)([125]).

على مثل هذا القول الطيب تزداد أخلاق المسلم علواً وسمواً، وإليك أخي المسلم بعض النماذج الحية والصور العظيمة في الإيثار فلقد وصل الإيثار أعلى مراحله بين المهاجرين والأنصار عندما آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن: يا عبد الرحمن أنا أكثر أهل المدينة مالاً ولي بستانان، ولي امرأتان، أرضى عندك حتى أطلقها لك.

ونقول: إن النفس البشرية ربما تسمح بالتنازل عن الماء وغيره إيثاراً لكن أشد ما يكون المرء حريصاً عليه هو عرضه… زوجته لا يسمح لغيره أن يقربها، لكن الإيثار وصل بالصحابة أن تتنازل أحدهم عن زوجته لأخيه المهاجرين، لكن عفة المسلم اتضحت جلية في قول عبد الرحمن بن عوف وهو يرد على أخيه سعد ابن الربيع قائلاً: بارك الله لك في أهلك ومالك ولكن دلني على السوق لكي أعمل وأتجر وأربح من عمل يدي([126]).

وصورة أخرى تبين المعنى العظيم للتضحية والفداء وهي أنه: في دار الندوة وافق مجلس شيوخ قريش بإجماع الآراء على الاقتراح المقدم من أبي جهل بالقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم وقتله واغتياله في منزله، وبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم هذا القرار الغاشم وقد أذن له بالهجرة فعزم عليها وبحث عن من ينام على فراشه فوجد ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فعرض عليه الأمر فلم يتردد عليٌ في أن يقدم نفسه فداءً للرسول صلى الله عليه وسلم ونام وهو لا يدري متى تتخطفه السيوف لترمي به إلى المتعطشين إلى الدماء، وآثر الرسول بالحياة فضرب بذلك مع حداثة سنه وقتئذ أروع مثل في التضحية والفداء والإيثار وهكذا يؤثر المسلم على نفسه ويجود حتى بنفسه، والجود بالنفس أقصى غاية الكرم والإيثار.

وصورة ثالثة تبين أن المسلم يمكن أن يؤثر أخاه المسلم على نفسه بشربة ماء ربما كانت سبباً في إنقاذ حياته، يقول حذيفة العدوي انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي([127]) ومعي شيء من ماء وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته ومسحت به وجهه، فإذا أنا به فقلت: أسقيك؟ فأشار إليّ أن نعم، فإذا رجلُ يقول: آه، فأشار ابن عمي إليّ أن انطلق به إليه، فجئته فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فسمع به آخر فقال: آه، فأشار هشام أن انطلق به إليه فجئته فإذا هو قد مات فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات، رحمة الله عليهم أجمعين، وهكذا يضرب هؤلاء الشهداء الثلاثة الأبرار أعلى مثال في الإيثار، وتفضيل الغير على النفس، وهذا هو شأن المسلم في هذه الحياة([128]).

اللهم اجعلنا من المؤثرين على أنفسهم ولو كان بنا خصاصة، اللهم اجمعنا مع الأنبياء والأتقياء والكرماء، اللهم آت أنفسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها وأنت رب العرش العظيم، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم حسن أخلاقنا جميعاً، اللهم ارزقنا التحلي بأخلاق القرآن، اللهم يسرنا لليسرى وجنبينا العسرى، واجعلنا هداة مهتدين، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم يوم القيامة، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

الدرس الخامس عشر

الحسد

الحمد لله الذي جعل سلامة الصدر سبباً من أسباب دخول الجنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله الذي أمره ربه أن يتعوذ من شر الحاسد كما أمره أن يتعوذ من الشيطان في قوله تعالى: [وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ]([129])أما بعد:

فالمسلم لا يحسد ولا يكون الحسد خلقاً له ولا صفاً فيه ما دام يحب الخير للجميع ويؤثر على نفسه فيه، والمسلم يبغض خلق الحسد ويمقت عليه؛ لأن الحسد اعتراض على قسمة الله فضله بين خلقه، قال تعالى: [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ]([130]).

والحسد من الذنوب المهلكات ومعناه: أن يجد الإنسان في صدره وقلبه ضيقاً وحرجاً وكراهية لنعمة أنعم الله بها على عبد من عباده في دينه أو دنياه حتى أنه ليحب زوالها عنه وربما تمنى ذلك أو سعى في إزالتها، والحسد من مداخل الشيطان إلى القلب فالحسد إذا غطى القلب ـ أعاذنا الله وإياكم ـ ولم يبصر استطاع الشيطان الدخول إليه.

ولذا لما كان الحسد بهذه الدرجة ورد فيه تشديد عظيم حتى قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه أنس بن مالك رضي الله عنه: (الحسد يأكل الحسنات كما يأكل النار الحطب…)([131])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (…ولا يجتمعان في جوف عبد مؤمن غبار في سبيل الله وفيح جهنم، ولا يجتمعان في قلب عبد الإيمان والحسد) ([132]).

والذي يجب أن يفهم من هذا الحديث أن الإيمان الصادق الكامل الذي يستحضر صاحبه أن كل أفعال الله لحكمة لا يجتمع مع الحسد الذي يغضب من فعل الله وقسمته.

عن ضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا)([133])، وكأن المراد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : أن الخير يرتفع من الناس عندما يتحاسدون وكيف لا يرتفع منهم الخير وكل منهم يتمنى أن يزول الخير الذي عند أخيه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا…)([134]).

واعلم أخي المسلم أن الحسد قسمان:

أولهما: أن يتمنى المرء زوال النعمة من مال أو علم أو جاه أو سلطان عن غيره لتحصل له.

وثانيهما: وهو شرهما أن يتمنى زوال النعمة عن غيره ولو لم تحصل له ولو لم يظفر بها.

والحسد بقسميه محرم تحريماً قطعياً، والحسد نتيجة من نتائج الحقد وثمرة من ثمراته المترتبة عليه؛ فإن من يحقد على إنسان يتمنى زوال نعمته ويغتابه وينم عليه ويعتدي على عرضه ويشمت فيه لما يصيبه من البلاء، وكثيراً ما ترى الحاسد ينقب عن مساوئ المحسود فيبرزها على صفة الذم فينتبه المحسود لها فيتجنبها كما قيل:

عُداتي لهم فضل عليّ ومنّةٌ *** فلا أذهب الرحمن عنّي الأعاياد
هموا بحثوا عن زلتي فاجتنبتها *** وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا

ويقول آخر:

وإذا أراد الله نشر فضيلة       *** طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار في جزل الغضا   *** ما كان يعرف طيب العود

ويقول ثالث:

إني حُسدت فزاد الله في حسدي  *** لا عاش من عاش يوماً غيرد 
ما يحسد المرء إلا من فضائله    *** بالعلم والظروف أو بالبأس والجود([135])

وأما ما لا يعد من الحسد ويقال عنه غبطة: فهو تمني حصول نعمة مثل نعمة غيره من علم أو مال أو إصلاح حال بدون تمني زوالها عن غيره لقوله صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله حكمه فهو يقضي بها ويعليهما)([136]).

وعلاج الحسد متى خطر للمسلم خاطر الحسد بحكم بشريته وعدم عصمته مقاومته بدفعه من نفسه، وكراهيته له حتى لا يصير هماً أو عزيمة له فيقول بموجبة أو يعمل فيهلك، وإن أعجبه شيء قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله؛ وبذلك لا يؤثر فيه بإذن الله تعالى، ويسلم اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر وشتات الأمر ووسوسة الصدر، اللهم طهر قلوبنا من الحسد والغل والحقد، اللهم نقنا من خطايانا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلنا بالماء والثلج والبرد، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

  

الدرس السادس عشر

الكسل

الحمد لله الذي جعل السعي والحركة سبباً في الرزق والبركة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله الذي كان يتعوذ كثيراً من الهم والحزن والعجز والكسل، أما بعد:

فالمسلم لا يعجز ولا يكسل، بل يحزم وينشط، ويعمل ويحرص؛ لأن العجز والكسل من الأخلاق الذميمة التي استعاذ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم …)([137]).

وأوصى صلى الله عليه وسلم بالعمل والحرص، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو كان كذا كان كذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان)([138]).

فلهذا لا يرى المسلم عاجزاً ولا كسولاً، وكيف يقعد عن العمل، أو يترك الحرص على ما ينفعه، وهو يؤمن بنظام الأسباب ومجريات السنن في الكون، بل كيف يتكاسل وهو يعلم أن الأخذ بالأسباب من مظاهر الإيمان بالله سبحانه وتعالى؟ وقد ذكر الحسن البصري أن من أسباب زهده في الدنيا قوله: (علمت أن لي شغلاً لن يشغله غيري فعلمت به).

وكيف يقعد المسلم عن العمل وهو يسمع هاتف القرآن به([139]): (وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]([140])، وقوله تعالى: [وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ]([141]).

وإذا تكاسل المسلم فإن ذلك يؤثر على دعوته وأمته، وها هو الشاعر يتعجب من بعض شباب هذا العصر الذين انشغلوا بأمور تافهة وتكاسلوا عن تحصيل العلم الشرعي فيقول:

سلوا الشباب شباب العصر كم حفظوا *** من سورة العصر أو من سورة القلم
وكم حديثاً لخير الخلق قد فهموا *** وهو المصدق بعد الوحي في الكلم
والراشدون نسوا أسماءهم وهموا *** كالشمس في الغيم أو كالبدر في الظلم
إبليس زخرف دنيا اللهو مصيدة *** كالشوك في الورد أو كالسم في الدسم

ونحن نتساءل عمّن سينقذ الأمة إذا تكاسل كل منّا وقعد عن العمل وتوقف الإنتاج ووقفت مسيرة الحياة وانغمس الناس في الملذات والشهوات؟ فعلينا أحبتي في الله أن نجعل النشاط وعلو الهمة والعزيمة شعارنا في هذه الحياة، وألا نؤخر عمل اليوم إلى الغد ونأخذ على أيدي الكسالى ونعلمهم علو الهمة والسعي والاجتهاد في العمل.

وليعلم المرء المسلم أن للكسل مظاهر وما هي إلا تزيين من الشيطان فليستعن بالله ويبتعد عنها ومنها:

أن يسمع المرء نداء المؤذن للصلاة ويتشاغل عن الإجابة بنوم أو كلام أو عمل غير ضروري حتى يكاد يخرج وقت الصلاة فيقوم فيصلي منفرداً في آخر وقت الصلاة.

أن يترك العمل النافع كتعلم العلم أو غراسة الأراضي أو عمارة المنازل أو مساعدة أهل حيه في مشروع هام يخص أحد مرافق البيئة بحجة أنه غير أهل لهذا العمل أو أن هذا العمل يتطلب وقتاً واسعاً وزمناً طويلاً، وإذا به يترك الأيام تمر والأعوام تمضي ولا يعمل عملاً ينتفع به في دنياه أو أخراه وما ذلك من شيم المسلم ولا صفاته خاصة وأنه يعلم يقيناً أن الإسلام يدعو إلى الهمة والنشاط والسعي والحركة وينهي عن التكاسل أو التعاجز كما جاء في الآيات والأحاديث الصحيحة.

اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل ونعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم دبر لنا فإنا لا نحسن التدبير، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الغضب والرضا ونسألك القصد في الفقر والغنى يارب العالمين.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

الدرس السابع عشر

الغضب

الحمد لله الذي خلق الغضب وجعله ركيزة في المخلوقين وجعل علاجه الصبر والحلم وبذلك يستقر النظام ويقف كل واحد عند الحد الذي قدره الله له في هذه الحياة قال تعالى: [وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ]([142])، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه ما غضب إلا الله وما تمعر وجهه إلا للحق، أما بعد:

فلقد ذم الله سبحانه وتعالى الكفار بما تظاهروا به من الحمية الصادرة عن الغضب والتهور بالباطل، ومدح المؤمنين بما أنزل عليهم من السكينة والثبات فقال تعالى: [إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ]([143]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (أوصني قال: لا تغضب فردد مراراً قال: لا تغضب)([144])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي نفسه عند الغضب)([145]).

وللغضب أسباب كثيرة منها: الجدال، والمزاح، والسخرية بالناس، والاستهزاء بهم، وإطلاق اللسان في السب واللعن والغيبة والنميمة، وإذا نهي من يفعل ذلك في كثير من الأحيان غضب غضباً شديداً بحماقة ولم يكترث بما يقال له.

ومن أسباب الغضب: مصاحبة الأشرار، الذين لا يفرقون بين الممدوح والمذموم من الغضب، فيحسبون التهور والطيش شجاعة، ويعدون طغيان الغضب الموجب للظلم رجولة ويتبجحون بذلك فيقول الواحد منهم: أنا الذي لا أصبر على مكروه ولا على مكر ولا أتحمل من أحد أمراً، فإذا سمعه الجاهل رسخ في ذهنه حسن الغضب وأحب التشبه بمثل هؤلاء فيقوى به الغضب.

ومن أسباب الغضب: فوات اللذات والشهوات من مطعم ومشرب ومسكن ونحو ذلك لكن إن كانت هذه الأشياء مملوكة له وحيل بينه وبينهما فإن كان بدون عذر شرعي فله أن يغضب حتى يحصل عليها أو يستردها ويكون غضبه في هذه الحالة ليس مذموماً، ثم إن كان الذي فاته ضرورياً كان الغضب من أجله واجباً، وإن كان كمالياً كان الغضب من أجله جائزاً، وإن كان حراماً عليه أو ليس مملوكاً له كان الغضب مذموماً. ولما كانت هذه المتطلبات اليومية لها أهميتها في حياة الإنسان جاءت هذه الوصية العظيمة من أمامه بنت الحارث إلى ابنتها أم إياس بنت عوف بن مسلم الشيباني وهي تقول لها فيها تجاه زوجها: أي بنيتي أوصيك بالتفقد لوقت منامه وطعامه؛ فإن تواتر الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة([146]).

ومن أسباب الغضب الوشايات والنمائم بين الناس؛ فمن الناس من يغضب لمجرد وشاية نقلت إليه عن بعض الناس أو لمجرد نميمة بلغته من نمام بدون أن يتثبت من الأمر فيعتدي على الأبرياء بإزالتهم عن أعمالهم أو نقلهم عنها إلى بلاد بعيدة جداً، أو يتسبب في قطع ما هو لهم من أرزاق أو يؤذيهم في أبدانهم أو يقدح في أعراضهم بدون أن يلتفت إلى قول سبحانه وتعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ]([147]).

علاج الغضب:

الغضب أيها الأخوة المؤمنون: إما أن يكون طبعاً في الإنسان أو مكتسباً، فإن كان طبعاً فيه فليجتنب الأسباب المثيرة له كالتكبر والافتخار والاستهزاء بالآخرين والمزاح والجدل وغيره.

أما إن كان الغضب مكتسباً بالعادة والاختلاط فعلاجه اجتناب مصاحبة الأشرار والابتعاد عنهم واجتناب الأسباب المهيجة للغضب المذكورة آنفاً، وأن يعلم أن ليس للإنسان أن يغضب إلا لدينه أو نفسه أو عرضه أو ماله، وما وراء هذا فالغضب رذيلة يجب الاحتراس منها([148]).

ومن العلاجات أيضاً أن يخوف نفسه بعقاب الله فيقول: قدرة الله عليّ أعظم من قدرتي على هذا الإنسان، فلو نفذت غضبي عليه، فما آمن أن يمضي الله غضبه عليّ يوم القيامة أحوج ما أكون إلى العفو.

ومن العلاجات أيضاً أن يحذر نفسه عاقبة العداوة والانتقام وتشمر العدو ومن العلاجات أيضاً: أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب فيتمثل صورة غيره وهو غضبان كالكلب الضاري أو السبع العادي، ويتمثل صورة الحليم أنه يتشبه بالأنبياء والعلماء والحكماء والصالحين، ويخير نفسه في أي الصورتين يود أن يكون.

وعلى المسلم دائماً أن يتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاق الصحابة والسلف الصالح في مثل هذه المواقف، فهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يلقى صنوف الأذى من المشركين ولا يزيد على أن يقول فيما روى عنه ابن مسعود رضي الله عنه:(اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)([149]).

وإذا اقتفينا آثار الصحابة والسلف الصالح وتتبعنا سيرهم وجدناها مليئة بالصبر

عند الغضب وكظم الغيظ ومن ذلك ما يروى عن أمير المؤمنين عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه: أنه كان يسير في المسجد ليلاً ذات مرة فتعثر في رجل نائم في المسجد فاستيقظ الرجل من نومه فزعاً وأمسك بتلابيب ثوب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وقال له: أحمار أنت؟ فقال عمر: لا، فأخرج الجندي الذي كان يسير مع أمير المؤمنين سيفه وقال: دعني يا أمير المؤمنين أضرب عنقه، قال عمر: ولم؟ قال: لأنه سبّك وأنت أمير المؤمنين، قال عمر: إن الرجل سألني سؤالاً أحمار أنت؟ فقلت: لا. هكذا أيها الأحبة في الله كانت أخلاق الصحابة والتابعين.

وروي أيضاً أن الإمام الشافعي رحمه الله قابله أحد الناس حين عودته من صلاة الصبح فقال له: أيها الإمام إنك لفاسق، فقال الشافعي: اللهم إن كان فيّ ما يقول فاغفر لي، وإن لم يكن فيّ ما يقول فاغفر له يارب العالمين.

وهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: لا جزاء لمن عصى الله فينا بأن سبّنا وشتمنا إلا أن نطيع الله فيه بأن ندعو له قائلين: اللهم اغفر له اللهم ارحمه.

وهكذا يجب أن نكون نحن أيضاً صابرين عند الغضب، نكظم غيظنا ونعفو عمن ظلمنا ونعطي من حرمنا ونصل من قطعنا ونتقصى الحقائق قبل إصدارنا لأي حكم حتى لا نندم مرة ثانية لأن الغضب كثيراً ما يخرج صاحبه عن الحق ويؤدي به الهلكة.

اللهم جنبنا كل خلق رذيل واجعل غضبنا لك ولابتغاء وجهك الكريم، اللهم ارحم ضعفنا، وجد علينا بكرمك وأفض علينا من نعمك وتغمدنا برحمتك وعاملنا برأفتك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

الدرس الثامن عشر

الكبر

الحمد لله الذي جعل الكبرياء رداءه والعظمة إزاره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله خير من تواضع لله فرفعه الله إلى أعلى الدرجات، أما بعد:

فيقول تعالى: [وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ]([150]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار)([151])،وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس)([152]).

إن خلق الكبر من الرذائل التي يتأكد تحريمها ويجب اجتنابها، والكبر يثير الغضب والحقد ويورث العداوة والبغضاء ويورث الاحتقار والازدراء بالناس واغتيابهم، ويجافي بين الصدق وكظم الغيظ وقبول النصح ويعمي المرء عن عيوبه ويحول بينه وبين العلم والانقياد للحق([153]).

والكبر داء منشؤه جهل المرء بنفسه وحكمه الله في أمره، والكفر بنعمة ربه، فما عرف فرعون قدر نفسه حينما قال: أنا ربكم الأعلى، وما أدى قارون شكر النعمة

حينما قال: إنما أوتيته على علم عندي.

فيا من يتقلب في ظلماته ويرتع في شهواته، إن الكبرياء لمن فطر السماوات، والسلطان الأعظم لمدبر الكائنات، من شاركه فيه غلبه، ومن نازعه فيه قصمه؛ فإن كنت ملكاً فسلطانك لا يعلو سلطان ربك، وإن كنت ذا مال فإنما هو من مواهب مولاك.

أغرك من ربك أيها المتكبر أن خولك جاهاً تجول فيه؟ أو غرّك منه أن منحك مالاً تصول به، والذي حملك على بغيك هذا نبأ المستكبرين. تا لله ما جاء نبؤهم إلا بسلطان الله؛ فطرد إبليس من رحمته، وأهلك فرعون على جرأته، وخسف الأرض بقارون لكفره بنعمته، فباءوا بالنكال وبئس مثوى المتكبرين، يا ابن آدم ما لك والكبر وأنى يكون لك؟ هل أنت في غشيتك وسكرتك لا تفيق؟([154]).

انظر بقلبك قبل بصرك إذ أنت لم تدرك حكمة خالقك، فهلا أبصرت عيوب نفسك التي بين جنبيك؟ وهلا شممت نتن إبطيك؟ أو لا تزيل بيدك خبث فرجيك؟ فما أجهلك بنفسك وما أظلمك! والله لا يحب كل كفار أثيم، أتضع أيها المتكبر ولا ترتفع فما أنت إلا عبد أخرجك ربك من العدم، ورعاك في ظلمات الارحام وقومك في أحسن الصور، ألم تستمع إلى قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يصفك ويذكرك بأصلك فيقول: إن الإنسان أوله نطفة مذرة وآخر جيفة قذرة، وما بين الاثنين يحمل العذرة. وكأن مقصود علي رضي الله عنه أن الإنسان بين الحياة والموت مورد للأدران، ومجمع للأقذار فسبحان الله، ما أقدر من أحكم هذا الإنسان والله على كل شيء قدير.

فيا من يجر ذيل الكبرياء والخيلاء، ويكفر بنعمة الله، ويزدري الضعفاء قد وضح أمرك وتم نصحك، فما بالك لا تبالي بمهاوي الوبال، ولا ترجع عن سيئات الأعمال وأنت على نفسك بصير، يقول الله تعالى: [تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ]([155]).

والكبر له أسباب كثيرة: فقد يكون عن صفة كمال كالعلم والنسب والجاه والسلطان، وربما نشأ عن غرورهم بحيث يعتقد أنه أكمل من غيره خطأ وجهلاً، وهذا برهان على نقصان عقله.

فإذا كان الكبر ناشئاً عن العلم كان صاحبه قدوة رديئة، ومثالاً سيئاً خاصة إذا دفعه الكبر إلى صفة ذميمة كالحسد والحقد وغيره، أما العلم النافع فهو الذي يربي الأنفس ويطهرها من الصفات الرديئة ويعرف العبد ربه ونفسه وخطر أمره؛ وهذا يورث الخشية والتواضع فيكون صاحبه مثالاً حسناً في الناس وقدوة صالحة في الأقوال والأفعال.

وإن كان الكبر ناشئاً عن الجاه والسلطان فإن غالبه يفضي إلى شر أنواع الظلم وانتهاك المحارم من حقوق الله وحقوق العباد، فما ترتب عليه مظلمة أو ضياع حق فهو الكبر الضار، والله تعالى يقول: [إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ]([156]).

وقال بعض الحكماء: من برئ من ثلاث نال ثلاثاً: من برئ من السرف نال العز، ومن برئ من البخل نال الشرف، ومن برئ من الكبر نال الكرامة التواضع.

لكن المتكبر كالمغرور فكثيراً ما تفوته الحقائق العلمية؛ لأنه تأبى عليه نفسه أن يأخذ الحق حيث وجده لذا قيل: يضيع العلم بين الحياء والكبر، ثم إن كان المتواضع تلميذاً يجد لطفاً وعطفاً من الأستاذ فلا يبخل عليه بمجهوده، ولا يشح عليه بفائدة؛ لأن التواضع يستلزم الأدب. يقول الشاعر([157]):

إن التواضع من خصال المتقي *** وبه التقيّ إلى المعالي يرتقي
ومن العجائب عجب من هو جاهل      *** في حاله أهو السعيد أم الشقي
أم كيف يُختم عُمره أو روحه *** يوم النوى مستفل أو مرتقي

وقيل: إن أصول الخطايا كلها ثلاثة: الكبر وهو الذي أصار إبليس إلى ما أصاره، والحرص وهو الذي أخرج آدم من الجنة، والحسد وهو الذي جرَّ أحد ابني آدم على أخيه.

فمن وقي شر هذه الثلاثة فقد وقي الشر، فالكفر من الكبر، والمعاصي من الحرص، والبغي والظلم من الحسد.

اللهم اجعلنا من المتواضعين واحشرنا في زمرة الأنبياء والصديقين، اللهم وفقنا لمصالحنا واعصمنا عن ذنوبنا وقبائحنا ولا تؤاخذنا بما انطوت عليه ضمائرنا وأكنته سرائرنا من أنواع القبائح والمعائب، واغفر لنا ولو الدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  

الدرس التاسع عشر

الغيبة والنميمة

الحمد لله الذي نهى عباده عن سوء الظن والغيبة وترك التجسس والريبة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله الذي ربى أصحابه على الفضائل من الأخلاق، وحذرهم من حصائد ألسنتهم التي تؤدي بالناس إلى نار جهنم، أما بعد:

فيقول الله تعالى: [وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ]([158]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره)([159]).

إذاً فالغيبة هي ذكر الرجل بما فيه من خلفه وهي من الأمور المحرمة قطعياً في الشرع لما رواه يحي بن أبي كثير عن رجل من الأنصار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الربا أحد وسبعون أو قال: ثلاثة وسبعون حوباً أدناها مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم)([160]).

الله أكبر، أين العقول؟ أين الإيمان الذي يعمر النفوس؟ أين الإيمان الذي يمنع حظوظ النفس وشهواتها؟ أين الإيمان الذي يمنع الاستطالة في أعراض المسلمين؟ ما أعظم حرمة الربا وأشدها! لقد بلغ من عظيم أمره أن جعل الله تعالى الإيذان بالحرب على من يتعامل به وإن من أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه، أفلا يتعظ الإنسان أفلا يعقل كلام الله عز وجل؟ أفلا يتفكر في ترهيب الرسول من هذا الخلق العضال الذي يهدم بناء الأسر والمجتمعات بل الأمة كلها لما له من آثار ذميمة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (… يا رسول الله، إن صفية امرأة وقالت بيدها هكذا ـ كأنها تعني قصيرة، فقال: لقد مزجت بكلمة لو مزجت بها ماء البحر لمزج)([161]).

سبحان الله ألا ترى ما يفعله المغتابون اليوم، وألسنتهم لا تكل ولا تمل مما يفعلون. أي بحار تمزج كلماتهم لو مزجت بها؟ وأي مياه تنتن؟ وأي طيب عيش يفسدون؟

إن على المسلم الحقيقي ألا يجلس مع المغتابين، وأن يعرض عن استماع الغيبة والقول القبيح الذي يقال في المؤمنين وأن يرد غيبة أخيه المسلم؛ فإن ذلك من حقوقه عليه وعلى الذي يغتاب أن يعلم أن الغيبة من الذنوب التي يعذب بها المرء في القبر كما جاء ذلك في الأحاديث الصحيحة والأقوال المأثورة، من ذلك ما قاله عمرو بن العاص رضي الله عنه حين مرّ على بغل ميت فقال لبعض أصحابه: (لأن يأكل الرجل من هذا حتى يملأ بطنه خير له من أن يأكل لحم رجل مسلم)([162]).

وذكر رجل آخر بسوء أمام صاحبه فقال له: هل غزوت الروم؟ قال: لا، قال: هل غزوت الترك؟ قال: لا، قال: سلم منك الروم، وسلم منك الروم، ولم يسلم منك أخوك المسلم!([163]).

وقيل إن ضعفت عن ثلاث فعليك بثلاث إن ضعفت عن الخير فأمسك عن الشر، وإن كنت لا تستطيع أن تنفع الناس فأمسك عنهم ضرك، وإن كنت لا تستطيع أن تصوم، فلا تأكل لحوم الناس.

وصدق من قال:

المرء إن كان عاقلا ورعاً *** أشغله عن عيوب غيره ورعه
كما العليل السقيم أشغله *** عن وجع الناس كلهم وجعه

ما يباح من الغيبة:

ويباح من الغيبة ستة أمور هي:

1ـ التظلم كالتظلم للسلطان والقاضي، ودليل ذلك ما روته أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن هند قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح، وأحتاج أن آخذ من ماله فقال صلى الله عليه وسلم : (خذ ما يكفيك وولدك بالمعروف)([164]).

2ـ الاستفتاء: كأن يقول للمفتي ظلمني أخي، أو فلان فما طريقتي في الخلاص، وغير ذلك.

3ـ الاستعانة على تغيير منكر أو رفع بلاء عن مسلم، لحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: (… فلما حللت ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أبو جهم فلا يضيع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، أنكحي أسامة بن زيد…)([165]).

4ـ تحذير المسلمين ونصحهم من أصحاب الشر، وممن يضر بالمسلمين، ومن ذلك جرح المجروحين من الرواة والشهود وذلك للذبّ عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الإمام الشوكاني رحمه الله في هذه المسألة: (ومما يدل على ذلك دلالة بينة، ما ورد في النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وخاصتهم، فإن بيان كذب الكذابين من أعظم النصيحة الواجبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولجميع المسلمين)([166]).

5ـ ذكر المجاهر بما فيه، أو صاحب البدعة ببدعته، عن عائشة رضي الله عنها قالت: اسـتأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة…)([167]).

6ـ التعريف إن كان الإنسان معروفاً بلقب معين كالأعرج، والأعمى والأصم، ونحو ذلك، ولا يحل إطلاقه على وجه التحقير والتنقيص، وإن أمكن تعريفه بغير ذلك فهو أفضل وأولى.

وقد جاءت هذه الأغراض الستة الشرعية المذكورة آنفاً منظومة في بيتين:

القدح ليس بغيبة في ستة   *** متظلم ومعرف ومحذر
ومجاهر فسقاً ومستفت ومن *** طلب الإعانة في إزالة منكر

أما النميمة فهي تقل الكلام بين الناس على وجهة الإفساد يقول الله تعالى: [وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ]([168]).

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة نمام)([169])، وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بقبرين يعذبان فقال: (إنهما وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الأخر فكان يمشي بالنميمة…)([170]).

واعلم أخي المسلم أن النمام مفش للسر، هاتك للستر، مفرق للأحبة، واعلم أن من نمّ لك نمّ عليك، فلا تصدق النمام؛ لأنه فاسق مردود الشهادة قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا([171]) أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ]([172]).

وعليك أخي المسلم أن تنهى النمام عن ذلك الخلق الذميم وتنصحه وتبين له أن هذا الفعل من الرذائل قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ]([173]).

وعليك أيضاً أخي المسلم ألا تنقل ما قاله لك النمام إلى غيرك، روي أن عمر ابن عبد العزيز دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئاً، فقال عمر: إن شئت نظرنا في أمرك؛ فإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية: [إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا]([174])، وإن كنت صادقاً فانت من أهل هذه الآية: [هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ]([175])،وإن شئت عفونا عنك، فقال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبداً([176]).

وقال رجل لعمرو بن عبيد: إن فلاناً يذكرك بسوء فقال له عمرو يا هذا، ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه، ولا أديت حقي حيث أعلمتني عن أخي ما أكره، ولكن أعلمه أن الموت يعمنا، والقبر يضمنا، والقيامة تجمعنا، والله يحكم بيننا وهو خير الحاكمين([177]).

اللهم جنبنا الأخلاق الذميمة جميعها وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اللهم يا حي يا قيوم فرَّغنا لما خلقتنا له، ولا تشغلنا بما تكلفت لنا به، واجعلنا ممن يؤمن بلقائك ويرضى بقضائك ويقنع بعطائك ويخشاك حق خشيتك، اللهم اجعل رزقنا رغداً، ولا تشمت بنا أحداً، اللهم رغبنا فيما يبقى وزهدنا فيما يفنى، وهب لنا اليقين الذي لا تسكن النفوس إلا إليه، ولا يعوّل في الدين إلا عليه، اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

الدرس العشرون

إرشاد الصائمين

الحمد لله الذي أذاق الطائعين حلاوة الطاعة، وعلق قلوب الموفقين بالمساجد والجماعة، وجعل السعادة للصائمين القائمين الخاشعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وفق من شاء للتجارة معه فكانوا هم الرابحين، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله إمام الصائمين والصابرين المتواضعين، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الذين صانوا صيامهم عن اللغو والكذب فكانوا هم الفائزين، أما بعد:

فيقول الله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ]([178]).

أيها الصائمون: إن التجارة ينتظرون المواسم لعظيم الرواج فيها فإذا جاءت تلك المواسم شمروا عن ساعد الجد في أعمال التجارةة، واستحضروا من الأصناف أجودها وأعلاها واختاروا من الألوان أجملها وأحسنها، يسوقهم إلى هذا رجاء الربح، وقد تحملهم شدة الحرص عليه إلى التضحية براحتهم، ومفارقة الأهل والأحباب والإخوان والأوطان، ويركبون البحار ويتعرضون للأخطار والمخاوف، ويقطعون الطرق الوعرة، وليس فيها إلا أسد ضار أو قاطع طريق، أو لص محتال.

يركبون ذلك كله غير مبالين بما ينالهم من مشقة وعناء، بل يستسهلون في سبيل الربح العظيم من الصعاب مواصلين في ذلك الأيام والليالي، ولا عجب في تحمل التجار هذه المشاق؛ فإن من ذاق لذة الربح هانت لديه جميع الشدائد، وسهلت عليه كل المتاعب، تلكم حال تجار الدنيا الذين يطلبون ربحاً غير مضمون؛ فقد يكون وقد

لا يكون وعلى فرض أنهم ربحوا الدنيا بأسرهم فالفناء مآلهم، والزوال مصير ما يربحون.

وكما أن للدنيا تجاراً مجدين منهمكين، فللآخرة تجارُ أمناء صادقون، أوفياء رحماء مخلصون، قال تعالى [رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ]([179])، فلا هم بتجارة الدنيا يفتنون، ولا هم عليها وحدها يعولون وإنما عولوا على التجارة بخالص الأعمال مع الغني الكريم الجواد الرحيم، الذي لا غش في التجارة معه ولا خسارة ولا كساد، بل هي تجارة مأمونة رابحة رائجة لن تبور.

أحبتي في الله: هل سمعتم أو رأيتم أن المشتري يعطي التاجر أكثر من الثمن؟ لا. ولكن الله الغني الكريم يأخذ عمل العبد ويعطيه على الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، يقول الله تعالى: [وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ]([180]).

يتضح هذا المعنى العظيم من خلال موقف عثمان بن عفان في غزوة العسرة عندما عرض عليه بعض التجار أن يشتروا منه تجارته مقابل خمسة دنانير في السلعة فرفض عثمان، فقال أحدهم: بسبع دنانير، فرفض، ثم عرض ثالث ثماني دنانير، وأعقب هذا العرض بقوله: ولا أعلم أحداً في المدينة كلها يشتري منك بأكثر من ذلك، فقال عثمان: كلا إنه يوجد من يشتري مني بعشر، فقالوا له: من؟ قال: ربي سبحانه وتعالى القائل في كتابه العزيز: [مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا]([181])، ثم تصدق عثمان بماله في هذه الغزوة ابتغاء وجه الله تعالى، وقد بلغ مقدار ما تصدق به تسعمائة بعير ومائة فرس سوى النقود([182]).

نعم والله إنها لصفقة رابحة تلك التي تمت بين الله عز وجل وعباده المؤمنين وبيّن نصوصها وبنودها جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى نزولاً على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ووضح معالمها ومظاهر الربح فيها القرآن الكريم في سورة التوبة وكان من أهم البنود الواضحة الصريحة في هذه الصفقة أن المشتري هو المالك للسلعة، ملكها للبائع ثم اشتراها منه وكان الثمن الجنة، يقول الله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ]([183]).

فاتقوا الله أيها الصائمون ولا تنهمكوا في تجارة الدنيا وتقصروا في تجارة الآخرة فما عندكم ينفد وما عند الله باق، فاتقوا الله ولا تضيعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني، يقول الله تعالى: [وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ([184]).

اعلموا أيها الصائمون أنكم الآن في موسم ربح عظيم، لا يتيسر لتجار الآخرة إلا مرة واحدة كل عام، موسم من اتجر فيه مع مولاة الكريم كان ربحه أن يعتق رقبته من النار، ويغفر له تقدم من ذنبه وما تأخر، موسم من تقرب فيه من ربه بالبر والطاعات وواظب على الجمعة والجماعة، فاز بعظيم الخير وعميم الرحمة.

اللهم تقبل من صيامنا وقيامنا وركوعنا وسجودنا بين يديك إنك جواد كريم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اجعل آخر كلامنا لا إله إلا الله، اللهم شفع فينا عبدك ونبيك محمداً يا أكرم الأكرمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

الدرس الحادي والعشرون

محاسبة النفس

الحمد لله القائل في كتابه العزيز: [أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ]([185])، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار العزيز الغفار، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله القائل فيما روى عنه شداد بن أوس: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله)([186])، أما بعد:

فيقول الله تعالى: [وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ] ([187]).

وضحت لنا الآية الكريمة السابقة سنة من سنن الله تعالى وهي أن من غفل عن ذكر الله ونسيه وألهته دنياه عن العمل للآخرة أنساه الله نفسه التي بين جنبيه فلا يسعى لما فيه نفعها ولا يأخذ في أسباب سعادتها وإصلاحها، ولا يسعى في إزالة عللها وأمراضها التي تؤول بها إلى الفساد والهلاك وهذا من أعظم العقوبة للعامة والخاصة.

وإن من العجب الشديد أن العبد يسعى بنفسه في هوان نفسه وهو يزعم أنه لها مكرم، ويجتهد في حرمنها من حظوظها وشرفها وهو يزعم أنه يسعى في حفظها. وكان بعض السلف يقول في خطبته: ألا رُب مهين لنفسه وهو يزعم أنه لها مكرم، ومذل لنفسه وهو يزعم أنه مراع لحقها.

وذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (حاسبوا انفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزن عليكم؛ فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ لا تخفى منكم خافية على الله تعالى).

وقال الحسن البصري: إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همته.

أيها المسلمون: لقد تراكمت عليكم الذنوب وأنتم في غّيكم ولهوكم في دنياكم، مشتغلون بما سيفنى، منصرفون عمن سيبقى، أحاطت بكم البلايا من كل جانب ولستم لإصلاح أنفسكم تجنحون، أما سمعتم قول الله تعالى: [سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ*وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ]([188]).

شعر:

عليك بمنع نفسك عن هواها   *** فما شيء ألذ من الصلاح
تأهب للمنية حين تغدوا    *** كأنك لا تعيش إلى الرواح
فكم من رائح فينا صحيح       *** نعمته نعاته قبل الصباح
وبادر بالإنابة قبل موت      *** على ما فيك من عظم الجناح
وليس أخو الرزانة من تجافى *** ولكن من تشمر للفلاح

أيها الأخ المؤمن: إذا غلبتك نفسك وقهرتك فصلُ عليها بسوط العزيمة فإنها إن عرفت جدك استأسرت لك، وامنعها ملذوذ مباحها ليقع الاصطلاح على ترك الحرام؛ فإذا صبرت على ترك المباح، فإما منّا بعد وإمّا فداءً.

الدنيا والشيطان خارجان عنك، والنفس عدوٌ مباطن وإن من أدب الجهاد أن تعمل بقول الله تعالى: [قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ]([189])، إن مالت نفسك على الشهوات فالجمها بلجام التقوى، وإن تركت الطاعات فسقها بسوط المجاهدة، وإن استحلت شراب التواني، واستحسنت ثوب البطالة فصح عليها بصوت العزم، فإن رمقت بعين العجب، فذكرها خساسة الأصل.

كان أحد السلف إذا قهر بترك شهوة أقبل يهتز اهتزاز الرامي إذا قرطس، إذا قوي عزم المجاهدة لان له الأعداء بلا حرب، لما قويت مجاهدة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تعدت إلى كل من تعدى فأسلم شيطانه.

يقول ابن القيم ــ رحمه الله ــ في إغاثة اللهفان: على المرء أن يحاسب نفسه أولاً على الفرائض فإن تذكر فيها نقصاً تداركه بقضاء أو إصلاح، ثم يحاسبها على المناهي فإن عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية.

ولقد كان صلى الله عليه وسلم يخلو بربه ذكراً وصلاة وقياماً وتسبيحاً وكذلك كان الصحابة والتابعون لهم وقفات مع أنفسهم يحاسبونها على ما فعلت ويقومونها فيما قصّرت ويتهمونها على ما فعلت، ويقفون بين يدي الله سبحانه وتعالى يسألونه العفو والمغفرة والرحمة على ما قصروا وهم يتذللون بين يدي العزيز سبحانه وتعالى محقرين من شأن أنفسهم.

ومن هؤلاء: صلة بن أشيم العدوي الذي روى في شأنه جعفر بن زيد قائلاً: خرجنا في غزاة إلى كابل وفي الجيش صلة بن أشيم، قال: فترك الناس عند العتمة ثم اضطجع فالتمس غفلة الناس حتى إذا قلت هدأت العيون وثب فدخل غيضة قريبة منه، فدخلت في إثره فتوضأ ثم قام يصلي فافتتح الصلاة قال: وجاء أسد حتى دنا منه، قال: فصعدت إلى شجرة، قال: أفتراه التفت إليه؟ أو وعذ به؟ حتى سجد، فقلت الآن يفترسه فلا شيء. فجلس ثم سلم، فقال: أيها السبع: اطلب الرزق من مكان آخر، فولى وإن له لزئيراً، أقول: تصدعت منه الجبال. فما زال كذلك يصلي حتى لما كان عند الصبح جلس فحمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها إلا ما شاء الله، ثم قال: اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار كما أسألك أن ترزقني الجنة، ثم رجع فأصبح كأنه بات على الحشايا وقد أصبحت وبي من الفترة شيء الله تعالى به عليم([190]).

هكذا كانوا يتهمون أنفسهم ويسألون الله سبحانه وتعالى أن يغفر لهم ويتجاوز عن سيئاتهم، يقيمون الليل ويقرؤون القرآن ويتدبرون ما فيه.

شعر:

بادر بتقوى الله واسلك سبيلها  *** ولا تتبع غي الرجيم المعاند
وإياك دنيا لا يدوم نعيمها              *** وإنك صاح لست فيها بخالد
تمسك بشرع الله والزم كتابه *** وبالعلم فاعمل تَحْوِ كل المحامد

اللهم دلنا على قهر أنفسنا التي هي أقرب أعدائنا إلينا وأكثرهم نكاية فينا، اللهم هب لنا ما وهبته لأوليائك وتوفنا وأنت راضٍ عنا يا كريم، اللهم تقبل منا اليسير واجعلنا يا مولانا من عبادك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  

الدرس الثاني والعشرون

الاستقامة

وأثرها في صلاح الفرد والمجتمع

الحمد لله الذي أرشد العباد إلى ما فيه الخير والسعادة وما يضمن لهم الفوز والفلاح في الآخرة والأولى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يسر الخير لمن أراد ووفقه في الطاعة والعبادة، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله خير من التزم أمر به واستقام على المنهج القويم حتى أنه كانت تتورم قدماه من إطالة السجود بيت يدي ربه، أما بعد:

فيقول الله تعالى: [فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ]([191]).

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (شيبتني هود والوقعة…)([192])، وقد قيل إن الذي شيب النبي صلى الله عليه وسلم في هود قول الله تعالى: [فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ]([193])، وعن سفيان ابن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك (وفي حديث أبي أسامة: غيرك) قال: (قل آمنت بالله ثم استقم)([194]).

 قال بعض الحكماء: الاستقامة توبة بلا إصرار، وعمل بلا فتور، وإخلاص بلا التفات، ويقين بلا تردد، وتفويض بلا تدبير.

فاعلم أخي المسلم أن أعظم ما في الإسلام الاستقامة على أوامر الله عز وجل واتباع أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم واقتفاء سنته وعدم الابتداع في الدين وإنه ليسير على من يسره الله عليه، وإن كانت النفس بطبيعتها تركن إلى الكسل والخمول والشهوات والملذات، لكن الإنسان صاحب العزيمة القوية والهمة العالية والإيمان الصحيح والعقيدة الراسخة يستطيع بفضل الله تعالى أن ينتصر على هذه النفس ويلزمها مداومة الطاعة، ويبعدها عن المعصية.

والمستقيم هو الذي يتميز في الناس عن غيره فهو كالجبل لا يذيبه الحر ولا يضره البرد، ولا يحركه الريح ولا يذهب به السيل العظيم، إذا أسيء إليه قابل الإساءة بالإحسان يقول الله تعالى: [وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً]([195]).

والمستقيم لا يشغله متاع الحياة الدنيا وزخرفها الزائل عن عبادة ربه سبحانه وتعالى وتجده صبوراً في الشدائد، ثابتاً عند البلايا، والمرء إذا عود نفسه أن يراقب الله تعالى عند كل عمل عمله موقناً أن الله تعالى مطلع على جميع أعمال العباد ومعتقداً أنه تعالى يجازي من أطاعه برضوانه وإحسانه، وأنه ينزل غضبه ومقته على من خالفه وعصاه؛ فإذا عود نفسه ذلك سهل عليه أن يفعل ما أمره الله به، ويجتنب ما نهاه الله عنه يترك المنكرات، ويسارع إلى الخيرات، صارت الاستقامة له عادة ينتقل بها من وهدة الشقاء إلى ذروة العز والسعادة والهناء، يخرج بها من الظلمات إلى النور لأن الاستقامة هي امتثال كل مأمور واجتناب كل منهي.

أيها المؤمنون: اعلموا أن منزلة المستقيمين عند الله عز وجل منزلة عظيمة رفيعة فهم الآمنون حيث يفزع الناس، وهم في الدرجات العلى في الجنة بل ويخلدون فيها وهذا جزاء ما قدموا من صنوف البر وأنواع الحسنات العلمية والعملية والمآثر النافعة لهم يقول الله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]([196]).

أما أثر الاستقامة في صلاح الفرد والمجتمع فهو كالآتي:

المستقيم إذا كان حاكماً صلحت رعيته، وإذا كان مدرساً فلح على يديه تلاميذه، وإذا كان صناعاً تقدمت صناعته ونجحت، وإذا كان تاجراً ربحت تجارته وبارك الله له فيها، وإذا كان زارعاً كثر خيره، ونما زرعه، وبورك له في عمل يده، وإذا كان رب أسرة استقام أهله وصلحت ذريته ولا ريب أنه متى استقام الأفراد وصلح حالهم استقامت الأسر، ومتى استقامت الأسر استقامت الأمة بأسرها وغنيٌ عن البيان أن كل أمة يكون حظها من الرقي والسعادة على قدر حظ أفرادها من الاستقامة وسلوك المنهج القويم والسير على الصراط المستقيم.

اللهم ثبت قلوبنا على دينك، وصرف قلوبنا إلى طاعتك وأصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واغفر لنا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

الدرس الثالث والعشرون

الأخوة في الله وحقوقها

الحمد لله الذي ألف بين قلوب أوليائه، فأصبحوا بنعمته إخواناً ونزع الغل من صدورهم فصاروا في الدنيا أخداناً وفي الآخرة خلاناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وعلى آله وأصحابه الذين اتبعوه قولاً وفعلا وعدلاً وإحساناً، أما بعد:

فيقول الله تعالى: [وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ]([197])، ويقول تعالى: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ]([198])، ويقول تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّاً]([199]).

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) ([200])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى فأرصد الله على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربّها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه)([201]).

ويقول ابن رجب رحمه الله: ومن تمام محبة الله محبة ما يحبه، وكراهة ما يكرهه فمن

أحب شيئاً مما كرهه الله، أو كره شيئاً مما يحبه الله لم يكمل توحيده وصدقه في قول لا إله إلا الله، وكان فيه من الشرك الخفي بحسب ما كرهه مما أحبه الله أو أحبه مما كرهه الله([202]).

وقال بعضهم:

وأحبب لحب الله من كان مؤمناً           *** وأبغض لبغض الله أهل التمرد
وما الذين إلا الحب والبغض والولا       *** كذاك البرا من كل غاوٍ ومعتدي

فما أعظم هذه الفضيلة وهي فضيلة الأخوة في الله، التي تصل أحياناً إلى أن يشعر طرفاها أنهما شخص واحد بوجدان واحد، ويتضح هذا المعنى العظيم في مقولة أبي بكر رضي الله عنه في أثناء الهجرة من مكة إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم للرسول اللبن ليشرب اللبن يقول أبو بكر: فشرب رسول الله حتى رضيت([203]).

وضرب علي بن أبي طالب رضي الله عنه أروع الأمثلة في التضحية والفداء والأخوة في الله حين نام مكان الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء الهجرة ليفديه بنفسه، وقدم الكفار ليقتلوا الرسول صلى الله عليه وسلم ودخلوا على عليّ لكي يمزقوه بسيوفهم ظانين أنه الرسول صلى الله عليه وسلم لكن خاب أملهم ولم يجدوا الرسول صلى الله عليه وسلم فكان قد خرج متجهاً إلى غار ثور.

وفي هذا المعنى العظيم وهذه التضحية الكبيرة يقول أبو إسحاق محمد ابن إبراهيم الثعلبي المفسر: رأيت في بعض الكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار، أن ينام على فراشه وقال له: اتشح ببردي الأخضر الحضرمي؛ فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله تعالى، ففعل ذلك فأوحى الله إلى جبريل وميكائيل عليهما السلام أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختارا كلاهما الحياة.

فأوحى الله إليهما أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب؟ آخيت بينه وبين نبيي محمد صلى الله عليه وسلم فبات على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثر بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه، فنزلا فكان جبريل عند رأس علي، وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادي: بخ بخ! من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله عز وجل بك الملائكة، فأنزل الله عز وجل على رسوله وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي([204]) قول الله تعالى: [وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ]([205])، هكذا أخي المسلم يجب أن تكون الأخوة في الله يعلوها الإيثار والتضحية والبذل والعطاء وقضاء الحوائج.

وإن من حقوق الأخوة في الله إجمالاً: إفشاء السلام، ورد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس، وإبرار القسم، ونصر المظلوم، والاهتمام بالمنصوح له، والتنفيس عن المكروب، والتيسير على المعسر، والإغضاء عن العيوب، والابتعاد عن الأذى كالحسد والتباغض والظلم والتحقير وغيره، وتحريم الهجر أكثر من ثلاثة أيام إذا كان الهجر لأسباب شخصية، والتفاعل مع الأخوة كل الأمور والأحوال والتغاضي عن الأخطاء، وستر العيوب، وحفظ الغيبة، وجواز الأكل من بيت الصديق بدون إذنه إلخ.

هذه الحقوق التي تحدثنا عن أهمها في حديثنا عن خلق الإيثار ضمن الأخلاق الفاضلة مستدلين على ذلك بالأدلة من القرآن والسنة، وذكرنا بعض النماذج الحية تبين هذه الحقوق من خلال واقع الصحابة رضوان الله عليهم فمن شاء فليراجع إليها في مكانها.

اللهم اجعلنا من المتحابين بجلالك، المستظلين تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم اجعلنا لكتابك الكريم من التالين، ولقضاء حوائج المسلمين ساعين ولإصلاح ذات البين مشمرين، وبذلك على الله متوكلين، ولأكف الدعاء رافعين، اللهم اجمع شمل المسلمين المخلصين من عبادك الموحدين على طاعتك واجعلهم من الفائزين بجنتك يا كريم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

الدرس الرابع والعشرون

آداب الاستئذان والزيارة

الحمد لله الذي جعل لنا من بيوتنا سكناً نفيء إليها فتسكن أرواحنا وتطمئن نفوسنا ونأمن على عوراتنا وحرماتنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حبيبنا وشفيعنا وقائدنا ورائدنا والقدوة الحسنة إلى يوم الدين، خير من التزم بآداب الاستئذان على الغير وخير من اتبع الصراط المستقيم صراط الله رب العالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فيقول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ]([206]).

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأته لم يكن عليك جناح)([207]).

من خلال النصوص السابقة يتبين لنا أن المسلم عليه أن يلتزم بآداب الاستئذان قبل أن يدخل بيت غيره، لأن البيوت لها حرمة لا يجوز المساس بها فلا يفاجأ الناس بدخول الغرباء عليهم في بيوتهم إلا بعد استئذانهم وسماحهم لهم بالدخول خيفة أن تطلع الأعين على خفايا البيوت وعلى عورات أهلها وهم غافلون؛ لأنه إذا التقت عيون الداخلين بمفاتن تثير الشهوات تهيأت فرصة الغواية وتحولت هذه النظرات إلى علاقات آثمة بعد بضع خطوات أو إلى شهوات محرمة، ولقد كان الناس في الجاهلية يهجمون هجوماً على البيوت فيدخل الزائر البيت ثم يقول لقد دخلت، وكان يقع أن يكون صاحب الدار مع أهله في الحالة التي لا يجوز أن يراهما عليهما أحد.

فلما جاء الإسلام وجاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن أنزل الله عز وجل في كتابه العزيز آيات تبين آداب الاستئذان على البيوت والسلام على أهلها لإيناسهم، وإزالة الوحشة من نفوسهم قبل الدخول، ومن هذه الآداب:

1_ على المؤمن أن يستأذن عند دخول بيت غيره، وقد أجاز بعض أهل العلم دخول البيت بدون إذن في حالات الضرورة كوجود حريق أو طلب النجدة من داخل البيت أو خوف هلاك معصوم من الصغار أو من في حكمهم أو غير هذه الأمور مما يأخذ حكمها.

2_ ينبغي للمؤمن أن يسـتأذن ثلاث مرات، فإن أذن له وإلا رجع والرجوع هنا للوجوب، قال الله تعالى: [وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ] ([208])، فعن قيس بن سعد هو ابن عبادة قال: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد سعد رداً خفياً قال قيس: ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ذره يكثر علينا من السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام عليكم ورحمة الله. فرد سعد رداً خفياً، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام عليكم ورحمة الله، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتبعه سعد فقال: يا رسول الله، إني كنت أسمع تسليمك وأرد عليك رداً خفياً لتكثر علينا من السلام، فقال: فانصرف معه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر له سعد بغسل فاغتسل، ثم ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران أو ورس فاشتمل بها، ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول: (اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة…)([209]).

هكذا يعلمنا الصادق الأمين وهو المثل الأعلى لنا في الأخلاق أن المسلم إذا استأذن فله أن يستأذن ثلاثاً، فإن أذن له وإلا رجع.

3_ من مظاهر الاستئذان إلقاء السلام كما اتضح من هديه صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق وفعله صلاة الله وسلامه عليه مع سعد بن عبادة رضي الله عنه.

4_ ألا يقف الزائر تلقاء الباب بوجهه، ولكن ليجعل الباب عن يمينه أو عن يساره، عن عبد الله بن بٍُسر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، فيقول: السلام عليكم، السلام عليكم)([210])، وذلك أن الدور لم يكن يومئذ عليها ستور.

5_ على الزائر أن يفصح عن اسمه أو كنيته المشهور بها ولا يقل (أنا) ليطمئن أهل البيت وينزع الوجس من نفوسهم، عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر ابن عبد الله رضي الله عنه يقول: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي فدققت الباب فقال: من ذا؟ فقلت: أنا، فقال: أنا أنا كأنه كرهها)([211]). وقال بعضهم: ما قال أنا إلا اثنين: فرعون عندما قال: [أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى]([212])، وإبليس أعاذنا الله منه عندما قال: [أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ]([213])، فأما الأول فأغرق هو وجنوده ونُجي بدنه ليكون عبرة لمن يخشى، والثاني طرد من رحمة الله وأصبح مكانة الحمام.

6ـ على المؤمن أن يستأذن على أمه أو أخته، روى عطاء بن رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قلت أأستأذن على أخواتي أيتام في حجري معي في بيت واحد؟ قال: نعم، فرددت عليه ليرخص لي فأبى فقال: تحب أن تراها عريانة، قلت: لا، قال: فاستأذن، قال: فراجعته أيضاً فقال: أتحب أن تطيع الله؟ قال: قلت نعم، قال: فاستأذن([214]).

حرمة الدخول إذا لم يكن في البيت أحد: يقول الله تعالى: [فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا]([215]).

البيوت غير المسكونة لا حرج من دخولها: مثل الفنادق والخانات وبيوت التجار وغيرها، يقول الله تعالى: [لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ]([216]).

اللهم أدبنا بأدب الإسلام، اللهم احمنا عن أسباب الشر والفساد، ويسرنا للعمل بالباقيات الصالحات بالجد والاجتهاد، اللهم كلل أعمالنا بالنجاح والسداد، وأدخلنا الجنة مع أوليائك خير العباد.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  

الدرس الخامس والعشرون

أسباب المغفرة وأسباب العذاب

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وسعت رحمته كل شيء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله الله رحمة للعالمين، أما بعد:

فيقول الله تعالى: [وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ]([217])، والله سبحانه وتعالى يغفر للعبد جميع الذنوب ماعدا الشرك بالله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً]([218]).

ولكي يغفر الله عز وجل لعبده فلذلك أسباب منها:

1ـ التوبة النصوح في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات قال الله تعالى: [وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ]([219])؛ فإذا تبتم أفلحتم ونجحتم وسعدتم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ]([220]).

2ـ الإيمان الصادق بالله تعالى، وأمره ونهيه، ووعده ووعيده، وثوابه وعقابه، والإيمان بالملائكة، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، والإيمان بالكتب المنزلة وأن أفضلها هو القرآن الكريم الدستور الخالد إلى يوم القيامة، قال تعالى: [وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ *لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ]([221]).

والإيمان بالرسل جميعاً وفي مقدمتهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم خير الخلق وخير الرسل أجمعين أرسله الله رحمة للعالمين، والإيمان باليوم الآخر وبالبعث والنشر والجزاء والحساب، والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره، وأن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (..فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه…)([222]).

3ـ العمل الصالح الخالص: فالعمل لا يكون مقبولاً لدى رب العالمين حتى يكون موافقاً للكتاب والسنة ويكون خالصاً لوجهه الكريم سبحانه وتعالى.

4ـ الثبات والاستقامة على هذا الإيمان وهذا العمل الصالح، عن سفيان ابن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك (وفي حديث أبي أسامة: غيرك) قال: قل آمنت بالله ثم استقم([223]).

فهلا استقمنا أحبتي في الله على الإيمان بالله تعالى وعملنا بهذه الأسباب علنا نفوز برحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء وننال مغفرته ورضوانه.

أسباب العذاب:

لنزول عذاب الله على العبد أسباب كثيرة لكننا نذكر منها هنا الأهم والأخطر:

1ـ تكذيب القلب لخبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: [إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى]([224])، وقال تعالى: [فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى]([225])؛ فيا سبحان الله يوجد نفر من المسلمين لم يكتمل إيمانهم بعد لا يصدقون بخبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يثقون في قدرة الله تعالى ولا يحسنون الظن بالله! عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود)([226]).

وهنا نجد أن اليهود عليهم لعائن الله قد صدقوا خبر الرسول وقاموا بزرع ستة ملايين شجرة من شجر الغرقد، على صعيد آخر نرى بعضاً من المسلمين لا يصدقون أنه سيأتي اليوم الذي ينتصر فيه المسلمون على اليهود وتعلو كلمة الله، وذلك ما هو إلا تكذيب لخبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم الذي يمكن أن ينتج عنه نزول عذاب الله عليهم.

إعراض جسد العبد عن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: [فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] ([227]).

اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والعزيمة على الرشد والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار، ربنا كفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار برحمتك يا عزيز يا غفار.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  

الدرس السادس والعشرون

أسباب النجاة وأسباب الرزق

الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله الصادق الأمين، أما بعد:

فيقول الشاعر:

بأربعة أرجو نجاتي وإنها       *** لآكد مذخور لدي وأعظم
شهادة إخلاص وحبي محمداً   *** وحسن ظنوني ثم إني مسلم

ذكر الشاعر في البيتين السابقين أربعة أسباب للنجاة وهي:

1ـ شهادة أن لا إله إلا الله عن علم ويقين وصدق ومحبة وانقياد وقبول لما دلت عليه من الأمور والنواهي، عن أبي مالك عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه، وحسابه على الله)([228]).

2ـ حب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)([229]).

ولا شك أن محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم تقتضي الانقياد والمتابعة والطاعة في كل شيء قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)([230])،  وصدق من تحدث عن صدق حب العبد لله تعالى وعلامة ذلك حيث قال:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه *** هذا لعمري في القياس بديـــع
لو كان حقاً ما تقـول أطعتـــه *** إن المحب لمن يحب مـطيــع

3ـ حسن الظن بالله تعالى: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: (أنا عند عبدي بي …)([231])، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته أيام يقول: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل)([232])؛ لان ذلك من متممات الإيمان الأساسية والتي لا بد منها.

4ـ الاستسلام لله والانقياد له بالقول والعمل: فالمسلم في إسلامه يرتكز على ثلاثة ركائز مهمة:

ـ اللسان ينطق بالشهادتين.

ـ القلب يصدق ذلك ويوقن به ويعتقده.

ـ الجوارح تعمل بمقتضى ذلك في مرضاة الله عز وجل.

فعلى المسلم الحقيقي ألا يأتي بواحدة ويترك أخرى وإلا احتاج إسلامه إلى نظر؛ فإذا نطق لسانه بالإسلام وصدق ذلك قلبه فعليه أن يتقي الله ويصرف أفعال جوارحه فيما يرضي الله؛ فالعين لا تنظر إلا إلى ما أحل الله، واللسان لا يتكلم إلا في ذكر الله وما والاه، والأذان لا تسمع إلا ما يرضي الله، واليد والقدم لا يتحركان إلا فيما يرضي الله، والقلب لا يسع إلا الخير والحب والتعاون والمودة والإخاء والمواساة والمساعدة للمسلمين، بل الجسد كله لا ينصرف إلا لخدمة دين الله عز وجل.

أسباب الرزق:

للحصول على الرزق أسباب لابد على العبد أن يتبعها ومنها:

السعي في تحصيله: يقول تعالى: [فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ]([233]).

تقوى الله عز وجل: التي أجمل ابن مسعود رضي الله عنه تعريفها فقال: (تقوى الله أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر)، يقول الله تعالى: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً]([234]).

الاستغفار: والاستغفار جعله الله سبحانه وتعالى سبباً في نزول المطر، وجعله سبباً في الحصول على الرزق، وسبباً في أن يرزق الله العبد بنعمة الأولاد وهي من أجل نعم الله عز وجل على العبد يقول الله تعالى: [فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً *وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارا]([235])، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم فرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب)([236]).

التوكل على الله والاعتماد عليه والاستعانة به سبحانه وتعالى: قال تعالى: [وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ]([237])، وصدق من قال: (من اعتمد على الناس مل،  ومن اعتمد على ماله قل، ومن اعتمد على عقله ضل، ومن اعتمد على سلطانه ذل، ومن اعتمد على الله فلا مل، ولا قل، ولا ضل، ولا ذل).

الدعاء بحصول الرزق: فالله سبحانه وتعالى هو الرزاق ذو القوة المتين فمن دعا الله بإخلاص استجاب الله منه، قال تعالى: [وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ]([238])، والله سبحانه وتعالى قد تكفل بأمر الرزق وأقسم ربنا عز وجل على ذلك فقال: [وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ]([239])، حتى أن أعرابياً لما سمع هذه الآية قال: من أغضب الحليم حتى يقسم!! يارب إنا لموقنون بذلك، والله سبحانه وتعالى الذي أمر بالدعاء هو الذي تكفل بالإجابة.

6ـ شكر الله على نعمه: فكفى بنعمة الخلق نعمة، وما أعظم  نعمة الهداية على الإسلام، بل ما أعظم نعمة الالتزام بالإسلام، والشكر أحبتي في الله قرن بالزيادة قال تعالى: [وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ]([240]).

اللهم قنا عذابك يوم تبعث عبادك، اللهم ارزقنا رزقاً واسعاً حلالاً طيباً كثيراً مباركاً فيه، اللهم طهر أرزاقنا من الحرام، اللهم اجعل لنا من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم فرجاً وارزقنا من حيث لا نحتسب، اللهم ارزقنا القناعة والحفاظ على صلاة الجماعة، اللهم وفقنا إلى طاعتك وباعد بيننا وبين معاصيك، وارحم أمة محمد رحمة عامة يا كريم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

الدرس السابع والعشرون

موجبات الشكر

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين، والحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي أسبغ نعمه على العباد ظاهراً وباطناً، وأشهد أن محمداً رسول الله خير من شكر الله على نعمته حتى إنه تورمت قدماه من إطالة الوقوف بين يدي ربه في الصلاة مع أنه غفر له ما قدم من ذنبه وما تأخر ليضرب لنا أروع الأمثلة في شكر الله على نعمه والتي من أعظمها التوفيق في الطاعة، أما بعد:

فعن عبد الله بن محصن الحظمي عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمناً في سربه معافاً في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا)([241]).

وقال الشاعر:

إذا اجتمع الإسلام والقوت للفتى *** وكان صحيحاً جسمه وهو في أمن
فقد ملك الدنيا جميعاً وحازها   *** وحق عليه الشكر لله ذي المن

فيا سبحان الله من يمتلك هذه الأشياء فقط فكأنما حيزت له الدنيا!! فما بال من ملك أضعاف ذلك مئات المرات ما كان يجب عليه من شكر لله تعالى؟ فالمسلم إذا أراد أن تستقر عليه هذه النعم فليحمد الله سبحانه وتعالى ويشكره بقلبه ولسانه وعمله؛ بمحبته وطاعته لله تعالى، وليمتثل أوامر الله ويجتنب نواهيه، وليفعل ما أوجب وليترك ما حرم، وليكثر من ذكر الله تعالى، وليكثر من شكره سبحانه، وليحافظ على أحسن العبادة وليدعُ الله ليل نهار أن يوفقه.

يقول تعالى: [وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ] ([242])، وقال تعالى: [رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ]([243]).

فعلى العبد أن ينتبه لهذا الأمر العظيم وهو الدعاء فالله سبحانه وتعالى هو الذي رزقنا بنعمه العظيمة وأسبغها علينا ظاهرة وباطنة وهو الذي علمنا سبحانه وتعالى الدعاء وآدابه ثم بعد ذلك يستجيب منا هذا الدعاء ويعتبر أن كلمة (الحمد لله) من أساليب شكره على هذه النعم العظيمة؛ فيا لكرم الله تعالى الكريم اللطيف بعباده، ويا لعظمة الإسلام ويسره، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا…)([244]).

وليحافظ العبد على نعم الله عليه ولا يصرفها إلا في الوجه الذي يرضي الله؛ لأنه مسؤول عن ذلك يوم القيامة، وليعلم العبد أن المعاصي سبب من أسباب زوال النعمة فليتق الله وليكن في طاعته دائماً وليتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (الدنيا ملعونة ملعونُ ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالماً أو متعلماً)([245]).

وليتذكر قول القائل:

إذا كنت في نعمة فارعها       *** فإن المعاصي تزيل النعم
وحافظ على شكر الإله دائماً   *** فإن الإله سريع النقم

اللهم اقض عنا الدين واغننا من الفقر برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم وفقنا لشكرك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع وعين لا تدمع ونفس لا تشبع ودعوة لا يستجاب لها.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

الدرس الثامن والعشرون

من هو الفائز في رمضان

الحمد لله أعظم المنة على عباده بما دفع عنهم من غوائل النفس والشيطان، جعل الصيام حصناً للمخلصين وجنّة، وفتح للمتواضعين فيه أبواب الجنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عرف الطائعين أن الشهوات وسيلة الشيطان إلى القلوب، وبقمعها تطمئن النفس وتقوى على قهر الشيطان الرجيم، وأشهد أن محمداً رسول الله قائد الخلق إلى الحق، الهادي إلى طريق السعادة، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ذوي البصائر الثاقبة والعقول الراجحة، أما بعد:

فيقول الله تعالى: [وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]([246]).

نعم والله لقد فاز في رمضان من أنفق في سبيل الله ابتغاء وجهه الكريم، من أقرض الله قرضاً حسناً، لقد فاز في رمضان من صان عن اللغو والفحش صيامه وكف عن الحرام عينيه وأذنيه ولسانه، وتهذيب بالصيام نفسه فكان صابراً متواضعاً تقياً، صادقاً أميناً وفياً، على البؤساء عطوفاً، وبالضعفاء رحيماً.

لقد فاز في رمضان من شمر عن ساعد الجد وجعل صالح الأعمال بضاعته، والتواضع شعاره، والحلم واللين شيمته، والرأفة والرحمة حليته، لقد فاز في رمضان من أجاب نداء حي على الفلاح وحي على الصلاة؛ فأدى الفرائض كلها في المسجد في جماعة، وصام نهار رمضان وقام ليله بين يدي ربه وأخرج صدقة الفطر، وساعد المحتاجين، وجعل نهاره كله في ذكر الله وداوم على قراءة كتاب الله العزيز وتدارس ما فيه.

لقد فاز في رمضان من وصل رحمه وحافظ على حقوق جاره، لقد فاز في رمضان من جعل رمضان بداية عهد جديد وتجديد بيعة مع الله عز وجل، جعل رمضان بداية الانطلاقة المتواصلة نحو عبادة صحيحة لينجو من عذاب الله يوم القيامة، لقد فاز في رمضان من كان حاله بعد رمضان أفضل من سابقه، وحافظ على الصيام والقيام تطوعاً بعد رمضان، ولم يهجر القرآن بل جعل لنفسه ورداً يقرؤه كل يوم بعد رمضان.

دخل رجل على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم العيد فوجده يأكل خبزاً جافاً وزيتاً فقال: أمير المؤمنين وخبز جاف يوم العيد؟ فردّ عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قائلاً له: يا هذا ليس العيد لمن لبس الجديد وأكل الثريد ولكن العيد لمن قبل منه بالأمس صيامه وقبل منه قيامه وغفر له ذنبه وشكر له سعيه فهذا هو العيد واليوم لنا عيد وغداً لنا عيد وكل يوم لا نعصي الله عز وجل فيه فهو عيد.

ويقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ليس العيد من لبس الجديد ولكن العيد من خاف يوم الوعيد.

فاتقوا الله عباد الله واغتنموا هذه الفرصة لتفلحوا وتسعدوا في دنياكم وأخراكم.

اللهم اسلك بنا مسلك الصادقين الأبرار، وألحقنا بعبادك المصطفين الأخيار، وآتنا في الدنيا الحسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم أيقظنا من غفلتنا بلطفك وإحسانك، وتجاوز عن جرائمنا بعفوك وغفرانك، وثبت قلوبنا على دينك وانصرنا على أنفسنا وعلى أعدائنا وعلى القوم الكافرين، إنك نعم المولى ونعم النصير.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  

الدرس التاسع والعشرون

وداع رمضان

الحمد لله الدائم فلا يزول، الباقي فلا يتغير، وأشهد أن لا إله إلا الله أجزل الخير للطائعين، وأشهد أن محمداً رسول الله أفضل الصائمين الراكعين الساجدين، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين المخلصين، أما بعد:

فيقول الله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ]([247])، الذين اتقوا هم الذين عظموا أمر الله بامتثال الأوامر واجتناب النواهي على الوجه اللائق بجلال الله وعظمته، والذين هم محسنون هم أهل الشفقة على خلق الله باحترام الحقوق وحسن المعاملة.

أيها الصائم: ها هو رمضان قد مضى ولم يبق منه إلا القليل، فهلا اتقيت الله فيه؟ وقمت بحقوقه، وحافظت على آدابه، هل أحسنت فيه المعاملة مع خلق الله؟ واحترمت حقوقهم؟

الصيام ينور القلب ويهذب النفس، ويقوي العزيمة، ويعرف العبد مقدار النعمة، ويملأ قلبه رحمة بالضعفاء، فهل استنار قلبك في رمضان بعد ظلمة العصيان؟ هل تهذبت بالصيام نفسك وقويت عزيمتك؟ هل عرفت مقدار النعمة بفقدها فشكرت عليها ربك؟ هل امتلأ قلبك رحمة فعطفت على الأرامل واليتامى؟

أيها الصائم: اتق الله وتدارك ما فرط منك بالتوبة والعمل الصالح.

أيها الصائم: صل الأرحام وواس الأرامل والأيتام، فيقول الله تعالى: [إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرٰى لِلذَّاكِرِينَ]([248]).

أحي ليلة القدر بالطاعة والعطف على الضعفاء والمحرومين، وأخرج صدقة الفطر فإن الله شرعها جبراً لخاطر الفقراء والأيتام وكفاًلهم عن السؤال في هذه الأيام، بل وسيلة لقبول الصيام، ولتسع في إصلاح ذات البين، ولتحلل نفسك ممن ظلمته، ولتعطف على من أسأت إليه([249]).

أيها الصائم: طهر قلبك من الحقد والغل والحسد، وتذكر قول الله تعالى:

[وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ]([250]).

أيها الإخوة الصائمون: اعلموا أن عزة الأمم وسعادتها منوطاً بأخلاقها وآدابها، واعتناقها للفضيلة، وابتعادها عن الرذيلة، فالأخلاق الفاضلة روح الأمم والشعوب لا حياة لها إلا بها، ولا رقي لها إلا معها، وعلى مقدار اعتناء الأمة بالتربية الصحيحة وتمسكها بالأدب والفضيلة يكون رقيها، وفلاحها وهناؤها، وصفاء عيشها. يقول الله تعالى: [مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]([251]).

شعراً:

دع البكاء على الأطلال والدار       *** واذكر لمن بان من خل ومن جار
وأذر الدموع نحيباً وابك من أسف    *** على فراق ليال ذات أنوار
على ليال لشهر الصوم ما جعلت    *** إلا لتمحيص آثام وأوزار
يا لائمي في البكا زدني به كلفاً   *** واسمع غريب أحاديث وأخبار
ما كان أحسننا والشمل مجتمع     *** منّا المصلي ومنّا القانت القاري
وفي التراويح للراحات جامعة   *** فيها المصابيح تزهو مثل أزهاري
في ليله ليلة القدر التي شرفت    *** حقاً على كل شهر ذات أسرار
تتنزل الروح والأملاك قاطبة       *** بإذن رب غفور خالق باري

إنه شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار إذا لم يتب فيه الإنسان فمتى يتوب؟

وإذا لم يفز ويربح في مثل هذا الموسم العظيم فمتى سيفوز؟

سلام من الرحمن كل أوان     *** على خير شهر قد مضى وزمان
سلام على شهر الصيام فإنه    *** أمان من الرحمن كل أمان
لئن كنت يا شهر الصيام منوراً    *** لكل فؤاد مظلم وجنان
ترحلت يا شهر الصيام بصومنا         *** وقد كنت أنواراً بكل مكان
لئن فنيت أيامك الزهر بغتــــ *** بخير رعاك الله من رمضان

اللهم إن كان في سابق علمك أن تجمعنا في مثله فبارك لنا فيه، وإن قضيت بقطع آجالنا فأحسن الخلافة على باقينا، وأوسع الرحمة على ماضينا، وعمنا جميعاً برحمتك وغفرانك، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  

الدرس الثلاثون

التحذير من العودة إلى المعاصي

بعد رمضان

الحمد لله الدائم الباقي فلا يزول ولا يتغير، الحكيم الذي جعل في انقضاء الأيام والليالي عبرة لمن تفكر، لا إله إلا هو جعل الفلاح لمن عمل بأحكام الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فتح أبواب رحمته لمن داوم على طاعته، وحجب أنوار هدايته عمن انقاد لشهوته وانغمس في حمأة رذيلته، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله إمام المتقين وسيد الأنبياء والمرسلين، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:

فيقول الله تعالى: [أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ]([252]).

أيها الإخوة الأحبة في الله: إن كان رمضان قد مضى طيف خيال وعزمتم على العود إلى التفريط والتقصير في شوال فالله حيٌ أبديٌ لا يدركه زوال ولا يفنيه تداول الأوقات وتعاقب الأهلة هلال بعد هلال، فلا تقولوا: الآن ذهب رمضان وتستهلوا شوالاً بالفسوق والعصيان؛ فإن الله تعالى يرضى عمن أطاعه في أي شهر كان، ويغضب على عصاه في كل وقت وأوان.

أيها الأخ المسلم: عهدناك في رمضان منيباً إلى ربك، تائباً من ذنبك، راغباً في رحمة الله وثوابه، خائفاً من نقمته وعذابه، عهدناك في رمضان محافظاً على أداء الصلوات في الأوقات، حريصاً على شهود الجمعة والجماعات، مقبلاً على مجالس العلم ومستعداً لقبول النصائح والعظات، عهدناك في رمضان مهذباً نقياً، متواضعاً تقياً، فعلى أي شيء عزمت بعد انقضاء شهر الصيام؟

أتراك بعد ما ذقت حلاوة الطاعة تعود إلى مرارة العصيان؟ أتراك بعدما صرت من حزب الرحمن تنقلب على عقبيك فتنضم إلى حزب الشيطان؟ أتراك بعدما حسبت في عداد المصلين تترك الصلاة وهي عماد الدين؟ وهل يليق بك بعدما كتبت في جملة الطائعين أن تصير في زمرة العاصين؟ أيليق بك بعدما كنت في رمضان براً تقياً أن تصير في الإفطار جباراً شقياً؟ ما هكذا يكون المؤمن بل ما هكذا يكون العاقل المتبصر.

اعلم أخا الإسلام أن الدنيا مزرعة للآخرة، وأن الدنيا عمل ولا حساب، وأن الآخرة حساب ولا عمل، فاتق الله وخذ من دنياك لآخرتك، ومن حياتك لموتك، ومن صحتك لسقمك، ومن غناك لفقرك، ومن شبابك لهرمك، وتزود لسفر طويل، واستعد لحساب عسير، وهول عظيم، يوم ينظر المرء ما قدمت يداه، يوم يعض الظالم على يديه نادماً على ما جناه.

فحافظ أخي في الله على العبادات التي كنت تقوم بها في رمضان، وابتعد عن المعاصي التي هجرتها في رمضان لأن رب رمضان هو رب شوال ورب الشهور كلها، حتى لا تقع في نطاق قول الله تعالى: [أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ]([253]).

اللهم اجعلنا في شهرنا هذا في يومنا هذا في ليلتنا هذه في ساعتنا هذه من عتقائك من النار ومن المقبولين، اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا معنا ولا منا شقياً ولا محروماً، اللهم اغفر وارحم واعف وتكرم وتجاوز عما أنت به أعلم إنك أنت الأعز الأكرم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  

الدروس الخاصة

بصلاة التهجد آخر الليل

الحمد لله الذي علم القرآن وخلق الإنسان علمه البيان، وعلمه ما لم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيماً، وأشهد أن لا إله إلا الله العليم الحكيم أنزل أول ما أنزل [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ]([254])، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله النبي العربي الأمي أعجز أهل اللغة بفصاحته وعلمه وبيانه مع أنه لم يكن يقرأ ولا يكتب، فصدق فيه قول القائل؛ حيث أوتي جوامع الكلم:

يا فقيراً وبين جنبيك كنز       *** قد تخطى الثراء والأثرياء
يا عليماً وما خططت حروفاً    *** أنت أعجزت في الورى العلماء

أما بعد:

فيقول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ]([255])، ويقول تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]([256])، ويقول تعالى: [وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ]([257]).

عن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)([258])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (… ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده…)([259]).

من خلال النصوص السابقة يتبين لنا أيها الإخوة المؤمنون فضل العلم وفضل من يسعى إليه؛ فالعلم صفة يميز المتصف بها تميزاً جازماً مطابقاً، وقيل: هو إدراك الشيء بحقيقته، والعلم فضله يفوق فضل كل ما اكتسبه الإنسان فهو أشرف منتسب، وأنفس ذخيرة تقتنى وأطيب ثمرة تجتنى، به يتوصل إلى الحقائق، وبه يعرف الحلال والحرام وإذا عمل به الإنسان على وفق الشريعة أدرك رضا الخالق.

والعلم هو وسيلة للفضائل، وهو نور زاهر لمن استضاء به، وقوت هنئ لمن تقوت به، ترتاح به الأنفس إذ هو غذاؤها، وتفرح به الأفئدة إذ هو قواها، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعلموا العلم فإن تعلمه الله خشية، وطلبه عبادة، ومذكراته تسبيح والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبل أهل الجنة والصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة سادة هداة يقتدي بهم، أدلة في الخير تقتفى آثارهم ويقتدى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، وترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه وبه توصل الأرحام ويحرمه، الأشقياء)([260]). والله جل وعلا لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شيء من هذه الدنيا إلا من العلم فقال سبحانه: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)([261]).

والناس على حق وفي خير وهدى ما دام العلم باقياً في الأرض فإن ذهب العلم بذهاب أهله وقع الناس في الضلال، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً  ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)([262]).

والعلم الممدوح الذي دل عليه الكتاب والسنة هو العلم الذي ورثه الأنبياء، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلميقول: (… وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)([263]).

ولقد قسم شيخ الإسلام هذا العلم إلى ثلاثة أقسام:

علم بالله وأسمائه وصفاته وما يتبع ذلك.

علم بما أخبر الله به مما كان من الأمور الماضية وما يكون من الأمور المستقبلة وما هو كائن من الأمور الحاضرة.

العلم بما أمر الله به من العلوم المتعلقة بالجوارح والقلوب من الإيمان بالله ومعرفة القلوب وأحوالها وأقوال الجوارح وأعمالها وهذا يندرج فيه العلم بالأقوال والأفعال الظاهرة، ويندرج فيه ما وجد في كتب الفقهاء من العلم، بأحكام الأفعال الظاهرة؛ فإن ذلك جزءُ من جزءٍ من علم الدين([264]).

أما بالنسبة للعلماء فمنزلتهم عند الله عظيمة ودرجتهم عند الله رفيعة، فلقد رفع الله شأنهم، وأعلى منزلتهم، وأجل قدرهم فقال سبحانه وتعالى: [يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ]([265])، ولم لا؟ وقد شهد الله جل وعلا لهم بهذه الشهادة الزكية في قوله تعالى: [إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ]([266])؛ أي: إنما يخاف الله عز وجل ويقدره حق قدره من عرفه، وعلم عظيم قدرته وسلطانه على خلقه نتيجة التأمل في أسرار الكون والشرع وهم العلماء وهذه الخشية إنما تحفز على عمل الصالحات، واجتناب السيئات.

ويقول أبو حامد الغزالي: (إن أدنى درجات الفقيه أن يعلم أن الآخرة خير من الدنيا وهذه المعرفة إذا صدقت وغلبت عليه برئ من النفاق والرياء)([267]).

والعلم لا يعطاه إلا من رضي الله عنه لذا تجده محبوباً بين الناس، كلمته لها وزن، يرجع إليه في كثير من الأمور، رأيه سديد؛ لأنه يستمد ما يقول من القرآن والسنة، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في فضل العلماء:

الناس في جهة التمثيل أكفاء    *** أبوهم آدم والأم حواء
نفس كنفس وأرواح مشاكلة *** وأعظم خلقت فيهم وأعضاء
فإن يك لهم من أصلهم حسب   *** يفاخرون به فالطين والماء
ما الفضل إلا لأهل العلم أنه *** على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسن *** وللرجال على الأفعال أسماء
وضد كل امرئ ما كان يجهله  *** والجاهلون لأهل العلم أعداء([268])

ولتحصيل العلم أسباب وطرق موصلة إليه على طالب العلم أن ينتبه إليها ومنها:

اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء وهو العليم الخبير الذي علّم داود وفهّم سليمان ولنا في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة فلقد كان الرسول يلجأ إلى الله تعالى مستعيناً به سبحانه أن يعلمه وأن ينفعه بما علمه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفني وزدني علماً…)([269]).

بذل أقصى ما يمكن من جهد ووقت ومال لطلب العلم والصبر على ذلك والحرص على أخذ العلم من أهله المتحققين به، وقديماً قال بعضهم: لقد كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى بطون الكتب وصارت مفاتحه بأيد الرجال، ولما سئل أحدهم بما ينال العلم؟ قال: بالحرص يتبع، وبالحب له يستمع، وبالفراغ له يجتمع، ورحم الله الشافعي حيث قال:

أخي لن تنال العلم إلا بستة  *** سأنبك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة   *** وصحبة أستاذ وطول زمان([270])

ترك الذنوب والمعاصي: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (إني لأحسب أن الرجل ينسى العلم قد علمه بالذنب يعمله)([271])، ولما جلس الشافعي بين يدي مالك رحمهما الله وأعجب مالك بذكاء الشافعي وحفظه قال له: يا شافعي: (إني أرى الله قد جعل في قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية)([272])، وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور         *** ونور الله لا يهدي لعاصي([273])

عدم الكبر والحياء: فالحياء يمنع من السؤال والتفقه في أمور الدين وهو مذموم في هذه الحالة لأن أصل الحياء أنه خير كله؛ لهذا تقول أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين)([274]).

الإخلاص: والمرء لكي يكون عمله مقبولاً لدى رب العالمين لابد أن يكون هذا العمل موافقاً للكتاب والسنة، ولابد أن ينبغي به وجه الله عز وجل، فكل عمل لا يكون الله هو مردود على صاحبه؛ لأنه لم تتوفر فيه شروط قبول العمل الصالح، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار)([275]).

ما يجب على العلماء:

يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (نعم المجلس مجلس تنتشر فيه الحكمة وتنشر فيه الرحمة، يعني مجلس العلم)([276]).

ويقول يحي بن معاذ: العلماء أرحم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم من آبائهم وأمهاتهم، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا، وهم يحفظونهم من نار الآخرة.

وأرقى طائفة في العلماء هم العلماء العاملون بما يعلمون ويتقون الله في علمهم فيبلغونه للناس ولا يكتمونه. يقول الله تعالى: [وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ]([277])، فالعالم الذي لا يعمل بما يعلم شره عظيم على الأمة ووباله وخيم، والله سبحانه وتعالى قد  بين لنا خطورة وعظم إثم الذي لا يعمل بما يعلم يقول تعالى: [كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ]([278]).

فعلم لا يدفع صاحبه إلى العمل والقرب من الله سبحانه وتعالى والبعد عن معصيته علم لا خير فيه ولا بركة، بل قد يكون وبالاً على صاحبه، فالعلم لا قيمة له بدون عمل، يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: (لا تكون تقياً حتى تكون عالماً ولا تكون بالعلم جميلاً حتى تكون به عاملاً)([279]).

وما أحوجنا حقاً أيها الأحبة في الله إلى وصية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يقول: (يا حملة العلم اعلموا به، فإنما العالم من علم ثم عمل ووافق علمه عمله وسيكون أقوام يحملون العلم لا جاوز تراقيهم، تخالف سريرتهم علانيتهم، ويخالف عملهم علمهم، يقعدون حلقاً فيباهي بعضهم بعضاً حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله عز وجل)([280]).

فيا سبحان الله، كم من مذكر بالله وهو ناس لله! وكم من مخوف بالله وهو جريء على الله! وكم من مقرب إلى الله وهو بعيد عن الله! وكم من داع إلى الله وهو فارُ من الله، وكم من تالٍ لكتاب الله وهو منسلخ من آيات الله! فهلا انزجر وارتدع من أنعم الله عليه بالعلم وبادر بالعمل حتى لا يكون هذا العلم وبالاً عليه يوم القيامة،

وصدق من قال:

إذا العلم لم تعمل به كان حجة       *** عليك ولم تعذر بما أنت جاهله
فإن كنت قد أوتيت علماً فإنما     *** يصدق قول المرء ما هو فاعله

وإليكم أيها الإخوة المسلمون: هذا الحديث الذي يخلع القلب ويبكي العين، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلان: ما شأنك؟ أليس كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه)([281])، ورحم الله من قال:

يا أيها الرجل المعلم غيره        *** هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام من الضنى *** كيما يصح به وأنت سقيم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله    *** عار عليك إذا فعلت عظيم
فابدأ بنفسك فانهها عن غيها  *** فإذا انتهت فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى  *** بالقول منك وينفع التعليم

ومن أهم صفات هؤلاء العلماء العاملين بما يعلمون:

أنهم يبذلون علمهم ولا يكتمونه عن الناس فهم يقتدون بنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ويعلمون أنهم ورثة الأنبياء وأنهم لابد قائمون بمهمة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تبليغ دعوة الله عز وجل وذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ لأن كتمان العلم والبعد عن هذا الطريق وقد أنعم الله على المرء بالعلم لمن الإثم العظيم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كتم علماً مما ينفع الله به في أمر الناس أمر الدين ألجمة الله يوم القيامة بلجام من نار)([282]).

ومن صفاتهم أيضاً أنهم يبيتون للناس الحق ولا يخشون في الله لومة لائم، يتصدون للباطل ويدافعون عن الحق ويهاجمون الجهل وأهله، ويبينون للناس التحريف والتأويل والزيغ ليبتعد عنه الناس، ثم ينصحونهم بالحق متمثلين قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث التالي: عن عبد الله بن عمروا وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين)([283]).

ومن صفاتهم أيضاً: أنهم يتورعون في الفتوى: فقد قال الشعبي: لا أدري نصف العلم، وسئل الإمام مالك عن ثمان وأربعين مسألة فقال: في اثنين وثلاثين منها لا أدري، وجاء في الأثر: (أجرؤكم على الفتوى أسرعكم إلى نار جهنم).

فاتقوا الله أيها العلماء فيما وهبكم الله من علم وتحروا الأمانة فيه وإياكم أن تفتوا بما هو باطل، فإن أشكل عليكم شيء فارجعوا إلى كبار العلماء والمحققين منهم، وإن روجع أحدكم في فتواه ورأى أن ما أفتى به ليس صحيحاً فليتق الله وليتواضع وليخفض جناحه وليخضع للحق فهاهم كبار علمائنا يتورعون عن الإجابة قائلين: هذه المسألة تحتاج إلى بحث، وكم قال سماحة مفتي عام المملكة وعالم الأمة في هذا الزمان العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز: أنظرُ في هذه المسألة أو راجعني بعد مدة وهذا منه حفظه الله ورع وتعليم لطلابه، وما أبلغ أثر الدرس العلمي وأنفعه.

وإن أهم ما يجب على طالب العلم كما ذكرنا آنفاً أن يحصله هو العلم الشرعي الذي به يتفقه في دينه ويفقه الناس ليعبدوا الله على بصيرة فينجوا من عذاب الله يوم القيامة.

اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً، اللهم اجعلنا من العلماء العاملين بما يعلمون، اللهم اجعل العلم حجة لنا لا علينا، اللهم فقهنا في ديننا، اللهم ارزقنا حب الخير وأهله وبغض الشر وأهله، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

الدرس الثاني

آفات اللسان

الحمد لله الذي أحسن خلق الإنسان وعدله، وألهمه نور الإيمان فزينه به وجمله، وعلمه البيان فقدمه به وفضله، وأفاض على قلبه خزائن العلوم فأكمله، ثم أرسل عليه ستراً من رحمته وأسبله، ثم أمده بلسان يترجم به عما حواه القلب وعقله ويكشف عنه ستره الذي أرسله، وأطلق بالحق مقوله وأفصح بالشكر عما أولاه وخوله من علم حصّله ونطق سهله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله الذي أكرمه، ونبيه الذي أرسله بكتاب أنزله وأسمى فضله وبين سبله، أما بعد:

فاللسان من نعم الله العظيمة على الإنسان ومن لطائف صنع الخالق الغريبة فهو صغير في حجمه عظيم في جرمه، فلا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان وهما غاية الطاعة والعصيان، وما من شيء موجود أو معدود متخيل أو معلوم، مظنون أو موهوم إلا واللسان يتناوله ويتعرض له بإثبات أو نفي، بل كل ما يتناوله العلم يعرب عنه اللسان إما بحق أو باطل، ولا شيء إلا والعلم متناول له.

وهذه خاصية لا توجد في سائر الأعضاء حيث إن اللسان له في الخير مجال رحب وله في الشر ذيل سحب، فمن أطلق عذبة اللسان وأهمله مرخي العنان سلك به الشيطان في كل ميدان وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار، ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ولا ينجون من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة.

وقد سبق أن تحدثنا عن بعض آفات اللسان من خلال حديثنا عن الأخلاق الذميمة؛ لذا سنتناول هنا أهم الآفات خاصة المشتهر منها في واقع المسلمين وكثيرة الحدوث ومنها على سبيل المثال:

1ـ الكذب:

يقول الله تعالى: [وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ]([284])، ويقول تعالى: [فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ]([285]).

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)([286])، وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة)([287]).

وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم الكذب من صفات المنافقين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتُمن خان)([288]).

فالكذب صفة ذميمة لا ينبغي أن تكون بمسلم؛ لأن من يتخذ الكذب سجية له يؤدي به إلى ذنوب كثيرة وعاقبة وخيمة وغضب الله إلى يوم القيامة، وإن من أعظمهم وأكبرهم جرماً أولئك الذين يكذبون على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فالكذب على الله كتحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، يقول الله تعالى: [وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ]([289]).

أما الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (… ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)([290]).

أمّا ما يجوز من الكذب: فقد قال ابن شهاب: لم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل إلى امرأته، وحديث المرأة زوجها، عن أم كلثوم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً)([291]).

2ـ إفشاء السر:

يقول الله تعالى: [وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً]([292]).

فالمؤمن الكريم يحضر في نفسه محاسن أخيه المؤمن لينبعث من قلبه الود والاحترام والتوقير له، أما المنافق اللئيم فإنه أبداً يلاحظ المساوئ والعيوب، والمؤمن يلتمس لأخيه الأعذار، أما المنافق فهو يطلب العثرات ومن علامات الطبع اللئيم إفشاء السر عند الغضب، لأن إخفاءه عند الرضا تقتضيه الطباع السليمة كلها([293])، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس: سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق)([294]).

وإفشاء السر ينقسم إلى قسمين:

1ـ إفشاء الإنسان سر نفسه: وقد يكون ذلك بسبب فشل الإنسان، وربما كان هذا الإفشاء سبباً في ذُل الإنسان لمن أفشى :إليه السر، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: سرك أسيرك فإن تكلمت به صرت أسيره، وقال أحدهم:

إذا المرء أفشى سره بلسانه     *** ولام عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفس *** فصدر الذي يستودع السر أضيق

2ـ إفشاء سر الغير: وهذا أخطر وأشد لأنه أمانة وإفشاؤه خيانة والخيانة من علامات النفاق، وقال العباس بن عبد المطلب لابنه عبد الله: إني أرى هذا الرجل ـ يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ يقدمك على الأشياخ فاحفظ عني خمساً: لا تفشين له سراً، ولا تغتبن عنده أحداً، ولا تجرين عليه كذباً، ولا تعصين له أمراً، ولا يطلعن منك على خيانة. فما ينبغي للمؤمن أن يفشي السر؛ لأن ذلك ليس من صفات المؤمنين كما أوضحنا سابقاً.

3ـ اللعن:

فاللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله ولذلك كان أمراً عظيماً، لا يجوز لأحد أن يحكم على أحد بالطرد من رحمة الله إلا من حكم الله عليه بذلك، فلا يجوز لمسلم أن يلعن حيواناً أو جماداً، ومن باب أولى الإنسان، عن سمرة ابن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار)([295])، وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة، قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس وما يعرض لها أحد)([296]).

أما لعن الآدمي ففيه تفصيل:

ـ يجوز اللعن بالوصف العام كأن تقول: لعنة الله على الكافرين والظالمين والفاسقين.

ـ يجوز اللعن بوصف خاص كأن تقول: لعنة الله على اليهود، والنصارى، والمجوس والخوارج والرافضة، وآكلي الربا وغيرهم.

ـ لا يجوز لعن شخص بعينه إلا من ثبتت لعنته شرعاً كأن تقول: فرعون لعنة الله، وأبو لهب لعنة الله. فعلى المسلم أن يتحفظ من ذلك وأن ينتبه، لأنه ربما قال كلمة واحدة أودت به إلى قعر نار جهنم وذلك إذا قالها في سخط من الله ولم يلق لها بالاً.

4ـ السخرية والاستهزاء:

يقول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ]([297]).

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)([298]).

فربما كان يحقره الناس ويسخرون منه ويستهزئون به أعظم قدراً عند الله تعالى: ممن له قدر في الدنيا فالناس يتفاوتون بحسب التقوى يقول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ]([299]).

وحينئذ فقد يكون كثير ممن له صورة حسنة أو مال أو جاه أو رياسة في الدنيا قلبه خراب من التقوى، ويكون من ليس له شيء من ذلك قلبه مملوء بالتقوى فيكون أكرم عند الله تعالى وأعظم حظاً، عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال: (مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس: ما رأيك في هذا؟ فقال: رجل من اشراف الناس. هذا والله حريٌ إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجلٌ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريٌ إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع لقوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا)([300]).

فاتقوا الله عباد الله وابتعدوا عن هذه الآفة لان الباعث عليها هو الكبر والكبر صفة ذميمة لا ينبغي أن توجد في إنسان مؤمن يتحلى بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ويعلم يقيناً أنه موقوف بين يدي الجبار المتكبر سبحانه وتعالى ومسؤول عما قدم في دنياه، فلنحفظ ألسنتنا مما يغضب الله، ولنجعلها دائماً رطبة بذكر الله حتى نفوز بسعادة الدارين ونفوز بشفاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

اللهم طهر ألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة وقلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء، اللهم عن الميل والركون الى الباطل  أو الخوض فيه، اللهم حبب إلينا الحق وأهله، اللهم إنا نسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ونسألك ان تغفر لننا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن.

 

الدرس الثالث

الدعاء وآدابه

الحمد لله الرحمن الرحيم، مجيب دعاء المضطربين، وكاشف هم المهمومين ومنفس كرب المكروبين، تسير أمور الكون كله بأمره سبحانه وتعالى بين حرفين: الكاف والنون إذا قال للشيء كن فيكون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القادر على كل شيء، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله كان إذا حزبه أمر هرع إلى مصلاه لجأ إلى ربه ودعاه، أما بعد:

فيقول الله تعالى: [وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ]([301]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء)([302]).

فالدعاء أخي المسلم هو تلك العبادة الروحية العظيمة، التي يحس فيها المخلوق بعظمة الخالق، حيث يلجأ العبد إلى ربه، بعد أن تنقطع عنه الأسباب، وتعجز عنه الحيل، وتتخلى عنه الماديات؛ فيتوجه تلقائياً إلى خالقه وبارئه لينال عنده الشعور بالطمأنينة، والراحة والسكن والأمن، وليجد مالم يجده عند البشر من عطاء، كيف لا وهو قد لجأ إلى رب الأرباب، وملك الملوك الغني الحميد القادر على كل شيء والقادر على أن يحقق للعبد ما يريده.

وصدق من قال: من أنزل همه بالناس زاد ومن أنزل همه بالله زال؛ لأنه عندما ينزل همه بالناس يزيدونه هما على هم لكنه إذا أنزله بالقادر سبحانه وتعالى فهو يزول؛ لأن الله سبحانه وتعالى إذا قال للهم زُل سيزول بإذنه وقدرته سبحانه؛ لأنه على كل شيء قدير.

ولنا في نبينا الأسوة الحسنة فالله سبحانه وتعالى يقول: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً] ([303])، فلقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن عندما تضيق به الأمور وتكثر عليه الأحزان فعليه أن يلجأ إلى الله عز وجل فهو وحده سبحانه الكاشف لها، ويتضح ذلك جلياً عندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف سنة عشر من البعثة ليدعو أهلها إلى الإسلام لكنه لم يؤمن به أحد بل أغروا سفهاءهم وعبيدهم ليرموه بالحجارة ووقفوا له صفين وهم يرجمون عراقيبه حتى اختصب نعلاه بالدماء، وكان زيد بن حارثه يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه، ولم يزل به السفهاء كذلك حتى ألجأوه لحائط عتبة وشيبة ابني ربيعة على ثلاث أميال من الطائف فلما التجأ إليه رجعوا عنه، وأتى الرسول حبلة من عنب فجلس تحت ظلها.

وهنا يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية اللجوء إلى الله عز وجل أن يكشف ما بنا من ضر فهو سبحانه أرحم الراحمين في هذه اللحظات يرفع الرسول يديه إلى السماء ويدعو بهذا الدعاء الجامع الذي يقول فيه: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك)([304]).

رب ضائقة يضيق بها الفتى    ***    ذرعاً وعند الله منها المخرج

وصدق من قال:

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها   ***   فرجت وكنت أظنها لا تفرج

فعلى المؤمن أن يلجأ دائماً إلى الله تعالى بالدعاء، ويعلم أنه لا يرد القضاء إلا الدعاء، فليكثر من الدعاء في كل أحواله أن يصلحها الله عز وجل له، يدع الله أن ينصر الإسلام ويعز المسلمين، وأن يخذل الشرك والمشركين ويدمر أعداء الدين، ولكن  عليه أن يدعو وهو موقن بالإجابة.

فلو انتبه المسلمون لوجدوا بين أيديهم سلاحاً يعجز أي مصنع حربي في العالم كله أن يصنعه وهو الدعاء، ولكن هذا السلاح لا يؤدي المفعول ولا النتيجة المرجوة منه إلا إذا أخرج من قلب خالص موقن بقدرة الله عز وجل؛ فاستخدموا هذا السلاح أيها المسلمون ولا تغفلوا عنه حتى لا يصدأ في أيديكم وينتصر عليكم الأعداء بسبب نسيانكم لهذا السلاح وتعليقكم بالدنيا وكراهيتكم للموت.

أيها الأحبة في الله:

اعلموا أن للدعاء وللذكر آداباً كثيرة يجب أن يتحلى بها الداعي وأن ينتبه إليها، ومن هذه الآداب:

1ـ الدعاء بباطن الكف: لما صح عن مالك بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سألتم الله فاسألوه بباطن أكفكم ولا تسألوه بظهورها)([305]).

2ـ إذا دعا فليعزم المسألة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإنه لا مكره له)([306]).

3ـ حسن الظن بالله تعالى: يقول الله تعالى: [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ]([307]).

4ـ الاعتراف بالذنب: فعلى العبد أن يعترف بالذنب ويقر بالخطيئة وفي هذا العمل كمال العبودية لله سبحانه وتعالى، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاءً أدعوا به في صلاتي قال: (قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)([308]).

5ـ للداعي أن يبدأ بنفسه في الدعاء: يقول الله سبحانه وتعالى: [مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ]([309]).

6ـ خفض الصوت: بحيث يكون بين مرتبتي السكوت والجهر لقول الله تعالى: [وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ]([310]).

وغير ذلك من الآداب الكثيرة التي يستحب أن يقوم بها الداعي أثناء الدعاء حتى يكون دعاؤه موافقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعيداً عن البدع، ومقبولاً إن شاء الله لدى رب العالمين.

وعلى المسلم أن يحافظ على الأدوار المشروعة في حله وترحاله حيث إنها تكون له بمثابة الحصن الحصين من الشياطين وتحفظه من كل سوء إذ إنه في قيامه بها يذكر ربه سبحانه وتعالى، ويقتفي أثر النبي صلى الله عليه وسلم ويحفظ نفسه من كل سوء؛ فليحافظ على أذكار الصباح والمساء وعلى الدعاء الوارد قبل الطعام وبعده وعند النوم وعند الاستيقاظ وعند الوضوء، وعند العودة منه، وعند دخول قرية جديدة نزل بها وفي كل أحواله يحافظ على هذه الأدعية المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ممتثلاً قول الله تعالى: [أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ]([311]).

وعلى المؤمن أن يدعو الله عز وجل ويداوم على ذكر الله في جميع أحواله في السراء والضراء في المكره والمنشط في العسر واليسر ممتثلاً نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما حين قال له: يا غلام، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ فقلت: بلى، فقال: احفـظ الله يحفظـك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة…)([312]).

ولينتبه المسلم إلى أوقات قبول الدعاء فيبادر بالدعاء فيها ومنها: جوف الليل، والثلث الأخير من الليل، والسدس الأخير من الليل، ويوم الجمعة، ويوم عرفات، ودبر الصلوات المكتوبات، وأثناء السجود، وفي حال صيامه، وفي حال سفره.

اللهم لا تجعل ذنوبنا سبباً لرد دعائنا، اللهم اجعلنا عندك من المقبولين، اللهم شفع فينا عبدك ونبيك محمداً صلى الله عليه وسلم ونستعيذك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم إنا قد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

الدرس الرابع

النهي عن الانهماك في طلب الدنيا

والعمل للآخرة

الحمد لله الرازق ذي القوة المتين، يعطي ويمنح، ويجود ويصفح، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له سبحانه وتعالى، لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية، وأشهد أن محمداً رسول الله خير من عمل للآخرة وزهد في الدنيا واستعد للموت خير استعداد فكانت حركاته وسكناته كلها لله عز وجل وبلغ الرسالة وأدى الأمانة فاستحق الفردوس الأعلى، أما بعد:

فيقول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ]([313]).

إن من ينظر إلى الدنيا ببصيرة نافذة يوقن أن نعيمها ابتلاء، وحياتها عناء، وعيشها نكد، وصفوها كدر، وأهلها منها على وجل، إما بنعمة زائلة، أو بلية نازلة، من استغنى فيها فُتن، ومن افتقر فيها حزن، من أحبها أذلته، ومن أبصر طائفة فطناء أتقياء علموا أن الدنيا ظل زائل، ونعيم حائل، وكأنها أضغاث أحلام، وعرفوا أن هذه الحياة الفانية إنما هي طريق إلى الحياة الباقية؛ فرضوا منها باليسير، وقنعوا فيها بالقليل؛ فاستراحت قلوبهم وأبدانهم وكانوا عند الله تعالى هم المحمودين لم تشغلهم دنياهم عن ذكر ربهم سبحانه وتعالى، وتدبروا ماذا سيكون مصيرهم، أدركوا كل هذا فتأهبوا للسفر وأعدوا الجواب للحساب فطوبى لهم خافوا فأمنوا وأحسنوا ففازوا.

وطائفة أخرى جهلاء، عمي البصائر، لم ينظروا في الدنيا ولم يتكشفوا سوء حالها ومآلها، برزت لهم بزينتها ففتنتهم، فإليها أخلدوا، وبها رضوا، ولها اطمأنوا حتى ألهتهم عن الله تعالى وشغلتهم عن ذكره وطاعته وحق عليهم قول الله تعالى: [نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ]([314])، جعلهم بسبب ذلك ناسين لها حتى لم يسمعوا ما ينفعها، ولم يفعلوا ما يخلصها، وسيرون يوم القيامة من الأهوال ما ينسيهم أرواحهم ويجعلهم حيارى ذاهلين، يقول الله تعالى: [يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ]([315])، خدعتهم الدنيا ولم ينتبهوا لها على الرغم من أنها حذرتهم من نفسها قبل ذلك وبينت لهم عاقبة من يركن إليها بقولها:

هي الدنيا تقول بملء فيها              *** حذاري حذاري من بطش وفتكي
فلا يغرر كموا مني ابتسام            *** فقولي مضحك والفعل مبك

وصدق من قال: اجتهادك فيما ضمن لك مع تقصيرك فيما طلب منك دليل على انطماس بصيرتك. فهؤلاء الطائفة من الناس أقاموا الدنيا فهدمتهم، واغتروا بها من دون الله فأذلتهم، أكثروا فيها من الآمال، وأحبوا طويل الآجال، ونسوا الموت وما وراءه من أهوال ومخاوف فخاب أملهم وضل سعيهم وخسروا الدنيا وما أدركوا الآخرة.

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأتي من الدنيا إلا ما قدر له)([316]).

والله سبحانه وتعالى يقول: [اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ]([317]).

فاعلموا أيها المسلمون أن الدنيا حقيرة زائلة فانية فعليكم أن لا تتعلقوا بها أو تنهمكوا في طلبها؛ لأن الآخرة فيها عذاب شديد لمن عصى الله وانهمك في الدنيا ولم يعمل للآخرة، أما مغفرة ورضوانه سبحانه وتعالى فستكون لمن أطاع الله، واعلموا أن زينة الدنيا العاجلة ما هي إلا متاع الغرور والله سبحانه وتعالى جعل الدنيا مزرعة للآخرة ومطية لنعيمها.

وقد نظر الأنصار ذات مرة إلى بهجة الحياة الدنيا وزخرفها الزائل فلقنهم النبي صلى الله عليه وسلم درساً لا ينسونه وذلك عندما قالوا: (لقي الرسول صلى الله عليه وسلم قومه وقسم عليهم الغنائم ولم يصبنا منها شيء وكان ذلك في غزوة حنين فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من سعد بن عبادة أن يجمع له قومه فجمعهم فأتاهم الرسول صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

(يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها عليّ في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قالوا: بلى، الله ورسوله أمن وأفضل، ثم قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟ قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسوله المن والفضل، قال: أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم، أتيتنا مكذباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار).

فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً وحظاً، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا([318]).

ولما دخل أبو الدرداء الشام قال: يا أهل الشام اسمعوا قول أخ ناصح فاجتمعوا إليه فقال: ما لي أراكم تبنون ما لا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون وتؤملون ما لا تدركون، إن الذين كانوا من قبلكم بنوا مشيداً وأملوا بعيداً وجمعوا عتيداً فأصبح أملهم غروراً ومساكنهم قبوراً.

أخي المسلم لن ينفعك إلا عملك الصالح وما قدمته يداك من خير في الدنيا فيوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من سلم قلبه، واعلم أنك لن تجد من يدافع عنك في قبرك، والسفر يا أخي طويل فتزود له، والله عز وجل الجبار المتكبر هو القاضي فاعمل ما ينفعك ويخلصك من المنكر والنكير وأنت بصير على نفسك.

شعر:

وأنزلوني في قبـري على مــــهـل
*** وأنـزلوا واحـداً منـهم يلحدنــي
وكشف الثوب عن وجهي لينظرني
*** وأسبل الدمع من عينيه أغرقني
فــقام محــتزمـاً بالعـزم مشتــمـــلاً
*** وصفف اللبن من فوقي وفارقني
وقال هلوا عليه التراب واغــتنموا
*** حشن الثوب من الرحمن ذي المنن
في ظلمة القبر لا أم هناك ولا
*** أب شفيق ولا أخ يؤنسني
وأودعوني ولجوا في سؤالهـــموا
*** ما لي ســواك إلهـي من يخلصنـــي
وهالني صورة في العين إذ نظرت
*** من هو مطلع ما قد كان أدهشنــــي
من منكر ونكير ما أقول لهم
*** إذ هالني منهما ما كان أفزعني
فامنن عليّ بعفوك منك يا أملي
*** فإنني موثق بالذنب مرتهن
تقاسم الأهل مالي بعدما انصرفوا
*** وصار وزري على ظهري فأثقلني
فلا تغرنك الدنيا وزينتها
*** وانظر إلى فعلها في الأهل والوطن
وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها
*** هل راح منها بغير الزاد والكفن
خذ القناعة من دنياك وارض بها
*** لو لم يكن لك إلا راحة البدن
يا نفس كفي عن العصيان واكتسبي
*** فعلاً جميلاً لعل الله يرحمني

اللهم أيقظنا من غفلتنا بفضلك وإحسانك، وتجاوز عن جرائمنا بعفوك وغفرانك، وألحقنا بالذين أنعمت عليهم في دار رضوانك، اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا، اللهم اجعلنا من الزاهدين في الدنيا المقبلين على الآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار برحمتك يا عزيز يا غفار.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الدرس الخامس

حقوق الآباء على الأبناء

وحقوق الأبناء على الآباء

الحمد لله الخالق لكل مخلوق، جعل الطين يرى ويسمع ويشم ويذوق، وهب له العقل وبين له طريق الطاعة وطريق الفسوق، هيأ له الرزق وترك له الخيار في البر بالوالدين أو العقوق، فمن شكر الله على نعمته فقد نجا ومن كفر فبالنار محروق، أحمده تبارك وتعالى حمداً يكافئ الفضل المسوق، وأعوذ بنور وجهه الكريم من ظلم الحقوق.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة التوكل والوثوق، شهادة الأمن إذا خسف القمر ولحق بالبصر البروق، سبحانه المدبر للأمور من الأزل فالحق يعلو وكل باطل مزهوق، قدر الأقوات لمن أطاع ولمن عصى والكل بفضله ومن فضله مرزوق، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله الصادق المصدوق، ما نطق عن الهوى بل وحي على قلبه وباللسان منطوق، وفيٌ في تعاهده، كريم في تعاقده، عظيم في تواضعه ليس في مثل أخلاقه مخلوق، أما بعد:

فنتحدث أولاً عن: (حقوق الآباء على الأبناء).

يقول الله تعالى: [وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً]([319]).

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي: قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله…)([320]).

وإن من أهم حقوق الوالدين على أولادهما ما يلي:

1ـ البر والإحسان إليهما: وذلك بألا يتعرض الولد بالسب أو العقوق إلى والديه؛ فإن ذلك من الكبائر بلا خلاف، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه)([321]).

2ـ طاعتهما وعدم معصيتهما إلا فيما يغضب الله عز وجل: فطاعة الوالدين واجبة على أبنائهما إلا أن يأمراً بمعصية فلا يطاعان لكن مع ذلك يحسن إليهما، قال تعالى: [وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ]([322]).

إن خليل الله إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم كان يدعو أباه إلى التوحيد الخالص لكن أباه كان يدعوه إلى الشرك ويحذره أنه إذا لم يكف عما هو فيه من دعوة إلى الملة الحنيفية ليعاقبنه عقاباً شديداً ومع ذلك كان رد خليل الله إبراهيم عليه السلام: [قال سلام عليك سأستغفر بك ربي إنه كان بي حفياً]([323]).

عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً وأمر عليهم رجلاً وقال: (… لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف)([324])، فيطيعهما في كل ما يرضي الله عز وجل ولا طاعة لهما في كل ما يغضب الله عز وجل لكن مع ذلك يحسن إليهما.

3ـ ألا ينغص ولا يكدر عليهما بكلام يزجرهما به: وفي هذا منع من إظهار المخالفة لهما بالقول على سبيل الرد عليهما والتكذيب لهما وقد نهانا الله عز وجل عن ذلك في قوله: [فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا]([325]).

4ـ أن يقول لهما قولاً كريماً: يكون هذا القول مقروناً بالاحترام والتعظيم مما يقتضيه حسن الأدب وترشد إليه المروءة، وألا يدخل عليهما الحزن وألا يتسبب في بكائهما، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبايعه على الهجرة وترك أبويه يبكيان قال: (ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما)([326]).

5ـ الإنفاق عليهما عند كبر سنهما: لأن الوالد وما ملكت يداه ملك لأبويه، روي أن ولداً اشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه، وأنه يأخذ ماله، فدعا به فإذا هو شيخ يتوكأ على عصا فسأله فقال: إنه كان ضعيفاً وأنا قوي وفقيراً وأنا غني فكنت لا أمنعه شيئاً من مالي، واليوم أنا ضعيف وهو قوي، وأنا فقير وهو غني فكنت لا أمنعه شيئاً من مالي، واليوم أنا ضعيف وهو قوي، وأنا فقير وهو غني ويبخل عليّ بماله فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلا بكى ثم قال للولد: أنت ومالك لأبيك أنت ومالك لأبيك)([327]).

ويقوي هذا ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنّ لي مالاً ووالداً وإن والدي يحتاج مالي قال: أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أولادكم)([328]).

هذه الحقوق السابقة كانت في حال حياتهما أما بعد موتهما فلهما حقوق أخرى: من هذه الحقوق:

1ـ الدعاء والاستغفار لهما: قال تعالى: [وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً]([329])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)([330]).

2ـ إكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة فسلم عليه عبد الله وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه فقال ابن دينار فقلنا له: أصلحك الله إنهم الأعراب، وإنهم يرضون باليسير، فقال عبد الله: إن أبا هذا كان وداً لعمر بن الخطاب وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه)([331]).

3ـ الحج عنهما وقضاء الصوم وغير ذلك: عن بريدة قال: بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت فقال: (وجب أجرك وردها عليك الميراث، قالت: يا رسول الله، إنها كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها، قالت: إنها لم يحج قط أفأحج عهنا؟ قال: حجي عنها)([332]).

وقد قيل: إن بر الأم مقدم على بر الأب؛ لأنها تنفرد عن الأب بأشياء منها مشقة الحمل، وصعوبة الوضع، وصعوبة الرضاع، وكثرة الشفقة والخدمة والحنو.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك)([333]).

وبالجملة نقول: إن بر الوالدين شرط أساسي في قبول الأعمال الصالحة فإذا كان المرء باراً بوالديه قبلت منه أعماله أمّا إذا كان عاقاً لهما فلا ترفع أعماله حتى يبرهما ويحسن إليهما، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر…)([334]).

فاتقوا الله أيها الأبناء وبروا آباءكم يبركم أبناؤكم، واعلموا أن بر الوالدين كما هو من أحب الأعمال إلى الله عز وجل فكذلك عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، جعلنا الله وإياكم من البارين بآبائهم.

قال بعضهم:

لأمك حق لو علمت كبير      *** كثيرك يا هذا لديه يسير
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي  *** لها من جواها أنة وزفير
وفي الوضع لو تدري عليك مشقة  *** فكم غصص منها الفؤاد يطير
وكم غسلت عنك الأذى بيمينه *** ومن ثديها شرب لديك نمي
وكم مرة جاعت وأعطيتك قوته *** حُنواً وإشفاقاً وأنت صغير
فضيعتها لما أسنَّت جهالة     *** وطال عليك الأمر وهو قصير
فآهاً لذي عقل ويتبع الهوى   *** وواهاً لأعمى القلب وهو بصي

وقال آخر:

قضى الله أن تعبدوا غيره حتم *** فيا ويح شخص غير خالقه أمّ
وأوصاكمو بالوالدين فبالغوا *** ببرهما فالأجر في ذاك والرّحما
فكم بذلا من رأفة ولطاف *** وكم منحا وقت احتياجك من نعم

ثانياً: حقوق الأبناء على الآباء:

جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه فأحضره عمر وسأله لما تعق والدك؟ فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي؟ قال: أن ينتفي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب (أي القرآن).

فقال الولد: يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئاً من ذلك، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلاً، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً؟ فالتفت إليه أمير المؤمنين وقال له: أيها الرجل، أجئت إليّ تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.

فنستطيع أخي المسلم من خلال النص السابق أن نحدد حقوق الأبناء على الآباء وهي:

1ـ أن يحسن اختيار أمه: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)([335]).

فالمرأة الصالحة هي خير متاع الحياة الدنيا، وهي التي يسر زوجها إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه في نفسها وماله إذا غاب عنها، وترعى أولاده وخدمه وحشمه وتحافظ عليهم.

المرأة الصالحة التي تعين زوجها على طاعة الله عز وجل وتكون خير عون له على أمر دينه ودنياه، المرأة الصالحة التي إذا غضبت من زوجها أو غضب منها زوجها قالت له: هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى وهي التي أخبر عنها الرسول أنها من أهل الجنة.

المرأة الصالحة هي التي تربي أولادها على الصدق والأمانة والعفة والعزة كأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وهي تعلم ولدها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه العزة في دين الله عز وجل وتقول له: يابني لضربة بسيف في عز أعظم وأكرم وأشرف عند الله عز وجل من ضربة بسوط في ذل.

المرأة الصالحة التي تعرف واجبها تجاه ربها، وواجباتها تجاه زوجها، وواجبها تجاه أولادها وبيتها، وواجبها تجاه دينها ودعوتها، وواجبها مجتمعها الذي تعيش فيه وأنها لابد أن تكون نافعة له، فتؤدي كل ما عليها من هذه الواجبات بانضباط وانتظام وبدون إفراط أو تفريط، فإذا فعلت ذلك كانت عاقبتها عند الله طيبة عظيمة.

عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذّا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت)([336]).

2ـ أن يحسن اختيار اسمه: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن)([337]).

فعلى الأب أن يختار لابنه اسماً حسناً حيث إنه سيدعي به يوم القيامة ومن ذلك أسماء الأنبياء والصحابة وغيرهما مما يحمل معناً عظيماً يسر به الولد إذا كبر، وعلى الأب أن يبتعد عن تلك الأسماء التي يمكن أن تكون سبباً في ضحك الناس على الابن والاستهتار به مثل: شحات، وفلفل، وفجله، وخشية، وجحش وجَدي، وبغل، وثور، وحلبسه، وسجلابي، وجعران، وزويل.

وأن يبتعد الأب أيضاً عن الأسماء المستوردة التي ربما تكون سبباً في أن ينظر العقلاء من الناس إلى الابن أو الابنة على أنهما من المدللين الذين لا يعتد بهم ولا يعتمد عليهم في أي شيء مثل: ميمي، ميرٌ، شوشو، سوسو، فيفي، هايدي، وشادي وغيها من هذه الأسماء.

3ـ أن يعلمه شيئاً من القرآن: قال الإمام الشافعي رحمه الله: ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم، فهو نور يهتدي به الحائر)، ويقول القابسي:

فمن رغب إلى الله أن يجعل له من ذريته قرة أعين، لم يبخل على ولده بما ينفقه عليه في تعليمه القرآن، فلعل الوالد إذا أنفق ماله عليه في تعليمه القرآن أن يكون من السابقين بالخيرات بإذن الله، والذي يعلم ولده فيحسن تعليمه ويؤدبه فيحسن تأديبه قد عمل عملاً يرجى له من تضعيف الأجر فيه([338]).

والأب عندما يفعل ذلك إنما يخدم به نفسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما يروي عنه أبو هريرة: (إذا مات الإنسان انقطع عمله عنه إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)([339])؛ فالأب إذا ربى ولده على أخلاق الإسلام وحفظ القرآن، وألزمه بأخلاق النبي محمد صلى الله عليه وسلم نشأ الولد نشأة صالحة وكان دائماً في طاعة الله عز وجل، ومن ثم إذا مات الأب نفعه هذا الابن الصالح بالدعاء حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قد وضح لنا بأن الدعاء المقبول مقصور على الولد الصالح.

اللهم اجعلنا من البارين بآبائهم ، واجعلنا خير أبناء الخير آباء، وبارك لنا في آبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهما كما ربياني صغيراً، واغفر لهما وأدخلهما الجنة، واجزهما عنا خير الجزاء واجمعنا بهما في الجنة واغفر لموتانا وموتى المسلمين.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

  

الدرس السادس

حقوق الزوجين

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، أمر بالزواج للحفاظ على النوع البشري، وجعل الزواج حصناً لعباده من الغواية والضلال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، أما بعد.

فيقول الله تعالى آمراً الشباب الذين تموج بهم الشهوة موجاً ولا يجدون ما يتزوجون به: [وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ]([340]).

ويقول صلى الله عليه وسلم في نفس المقام: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)([341]).

معاشر الشباب ممن أنعم الله عليهم بالزواج، معاشر النساء المسلمات ممن أنعم الله عليهن بنعمة الزواج: فاتقوا الله في الصلة التي بينكم وحافظوا على العلاقة التي نظمها الله عز وجل لكم في كتابه الكريم مبيناً أن أساس هذه العلاقة وهي علاقة الزوجية المودة والرحمة كما قال الله تعالى: [وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ* وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ]([342]).

اعلموا وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه أنه يلزم كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف من الصحبة الجميلة وكف الأذى، وألا يمطله حقه مع قدرته، ولا يظهر الكراهة لبذله بل ببشر وطلاقة وطيب نفس ولا يتبعه منّه ولا أذى، لأن هذا من المعروف المأمور به في قوله تعالى:[وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ] ([343]). وقوله تعالى:[وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ]([344]).

وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (إني أحب أن أتزين كما أحب أن تتزين لي، لأن الله تعالى يقول:[وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ]([345])، وحق الزوج على الزوجة أعظم من حقها هي عليه لقوله تعالى: [وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ]([346])، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)([347]).

أولاً: حقوق الزوج على زوجته:

1ـ القوامة:

يقول الله تعالى: [الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ]([348]).

وهذا الحق تنازل عنه الكثير من الناس بمحض اختيارهم مما كان له أثر سيء على استقرار الحياة الزوجية، فعلى الرجل أن يكون حازماً في لين، عطوفاً في غير رخاوة، فالمرء إذا كان صلباً كُسر ليناً طوي، ولكن الأفضل أن يكون وسطاً في كل شيء لتستمر الحياة الزوجية في خير سعادة وهناء.

2ـ الطاعة بالمعروف:

يقول الله تعالى: [وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً]([349]).

عن حصين بن محصن قال: حدثتني عمتي قالت: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة فقال: أي هذه، أذات بعل أنت؟ قلت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: فأين أنت منه؟ فإنما هو جنتك ونارك)([350]).

3ـ ألا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن بي بيته إلا بإذنه…)([351]).

قال النووي ـ رحمه الله ـ: في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج إلا بإذنه في بيته، وهو محمول على ألا تعلم رضا الزوج به، أما لو علمت رضا الزوج بذلك، فلا تحرج عليها([352]).

4ـ خدمتها له:

فخدمة الزوجة لزوجها من الأمور الواجبة عليها له، وهذا الأمر يختلف من بيت لآخر، ومن زوج لزوج، ومع ذلك نجد من النساء من ترهق زوجها فتطالبه بخادمة مع قدرتها على القيام بشؤون البيت، واستغنائها عمن يخدمها، وهذا الأمر يكون فيه ثقل على كاهل الزوج، ويحدث بسببه مشاكل جمّة تنتج عن انفراد بعض أبناء البيت من الشباب بهذه الخادمة، وعلى الزوج أن لا يكلف زوجته ما لا  تطيق ويقتدي بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يخصف نعله ويرقع ثوبه ويعلف الناضح ويقم البيت إلى آخر ذلك من الأمور التي تدل على عظيم تواضعه صلى الله عليه وسلم.

5ـ ألا تصوم وزوجها حاضر إلا بإذنه:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل للمراة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه…)([353])، وذلك لأن صيام التطوع قد يفوت على الزوج كمال الاستمتاع بزوجته ويحرمه منها أثناء صيامها، فإن رضي به فقد أسقط حقه باختياره ولا حرج هنا عليها، وإذا لم يرض به فالأوجب عليها أن تتركه وذلك فيما يخص الصيام في النافلة الذي يكون تطوعاً أما صيام الواجب كصيام رمضان وغيره فليس للزوج أن يمنع زوجته منه.

6ـ أن تحافظ على نفسها وماله وأولاده:

إن أنفس ما في بيت الرجل زوجته وماله وأولاده وهي أمانة بيد المرأة يجب عليها تمام حفظها ورعايتها لأنها مسترعاة على ما في البيت ومسؤولة عنه يوم القيامة، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع ومسؤول عن رعيته … والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها…)([354]).

ونجمل أخي المسلم حقوق الزوج على زوجته بحديث عمرو بن الأحوص قال: شهدت حجة الوداع مع رسول اللهصلى الله عليه وسلم  فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ فذكر في الحديث قصة فقال: (… ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، ألا إن لكم على نسائكم حقاً، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن)([355]).

ثانياً: حق الزوجة على الزوج:

وقد أجمله الحديث الذي رواه حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: (قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت)([356]).

وإليك أخي المسلم حقوق الزوجة على الزوج تفصيلاً:

1ـ المهر:

لقول الله تعالى: [وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً]([357])، على أن يكون هذا الأمر بدون إفراط ولا تفريط، ولا إسراف ولا تقتير، على أن نأخذ في اعتبارنا أيضاً حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما روته عنه عائشة رضي الله عنها أنه قال: (إن من أعظم النساء بركة أيسرهن صداقاً)([358]).

2ـ النفقة والسكن:

يقول الله تعالى:[وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ]([359])،ويقول تعالى:

[أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ]([360]).

وما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: أتت هند إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح وأحتاج أن آخذ من ماله فقال صلى الله عليه وسلم: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)([361]).

3ـ المعاشرة بالمعروف:

يقول الله تعالى: [وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ]([362]).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي…)([363]).

فعلى الزوج أن يمتثل أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في معاملته مع زوجاته ويلتزم المنهج الشرعي في معاملتها بالمعروف والحسنى، فلنعامل قوارير البيوت وشقائق الرجال معاملة طيبة على أن لا تكون هذه المعاملة بها تكلف وغير طبيعية بل يجب أن يكون الصدق أساسها والرحمة والمودة من ظواهرها.

4ـ المبيت والمعاشرة:

فعلى الزوج أن يراعي هذا الحق حتى لا يضطر حليلته إلى الخروج عن حيائها فعليه أن يكون عطوفاً حنوناً عليها، يداعبها، ويحن إليها، ويشبع غريزتها، عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال: كل، قال: إني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل أقسمت عليك، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق سلمان)([364]).

5ـ تعليمها أمور دينها:

وهذا الحق أهم الحقوق كلها خاصة إذا كانت المرأة لم تأخذ من التعليم الشرعي ما يكفيها في أمور دينها ودنياها، فالمرأة إذا فقهت أمور دينها وعلمت ما عليها من واجبات تجاه ربها، وتجاه زوجها وبيتها وأولادها، وتجاه دينها وتجاه دعوتها، وتجاه المجتمع الذي تعيش فيه استطاعت أن تخطو خطوات راسية نحو إنشاء جيل مسلم يتربى على الطهر والعفة والصدق ليس هذا فحسب، بل إنها بذلك تستطيع أن تعبد ربها على بصيرة، وتؤدي العبادات على الوجه الصحيح لها، ومن ثم تنجو من عذاب الله يوم القيامة، وما أحوجنا هذه الأيام إلى أمهات صالحات ينشئن أجيالاً نقية طاهرة تدافع عن الدين وتحمي الأوطان.

6ـ على الزوج أن لا يطلق العنان لزوجته تختلط مع الرجال وتحادثهم، وتذهب للأسواق وحدها، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الحمو([365]) هو الموت فكيف بغيره.

فعلى الزوج أن يصون كرامة زوجته ويحفظ عرضها ويغار عليها، وعلى الزوجة أن تحتجب ولا تظهر شيئاً من مفاتنها أمام الأجانب.

والمرأة المسلمة يجب أن تكون كذلك حتى لا تعدو عليها الذئاب البشرية، وعلى الزوج أن يكون غيوراً على زوجته مقتدياً بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأطهار، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (…قال صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من غيرة سعد فوالله لأنا أغير منه والله أغير مني…)([366]).

فعليكم أيها الأزواج أن تغيروا على زوجاتكم وتحافظوا عليهن؛ لأن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية.

ثالثاً: الحقوق المشتركة بين الزوجين:

هناك حقوق مشتركة بين الزوجين على كل منهما أداؤها على الوجه الذي يرضي الله عز وجل ومن هذه الحقوق:

1ـ عدم إفشاء السر:

إن هذا الحق أيها الأحبة من الآداب العامة التي حث عليها الإسلام، فعلى كل منهما أن يكتم ما يراه من صاحبه أو يسمعه منه خاصة فيما يقع بينهما، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة؛ فالرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)([367]).

2ـ المناصحة بينهما:

عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة. قلنا لمن؟ قال: الله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)([368]).

فالتناصح بين الزوجين له دور كبير وعظيم في الارتقاء بمستوى الأسرة، ورتق الفتوق الواقعة فيها، وإنارة درب السلامة من التردي في خطأ، بيد أن كثيراً من الأزواج يرى من غير الطبيعي أن تؤدي المرأة دورها في نصيحة زوجها، وأن من السائغ والمعتاد لدى الرجال أن تكون النصيحة من جانب الزوج دون زوجته ويصل الظن ببعض الرجال على أن قيام الزوجة بالنصيحة نوع من التطاول والعجرفة وخدش لكرامة الرجل، وقوامته.

وهذا فهم خاطئ لا يتوافق وخلق التواضع، بل لا يتوافق وفهم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر؛ حيث يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي)، وكذلك قال بعض التابعين: (إن المسلم الناصح لأخيه المسلم كمن يقول لشخص ما: اهرب فإن قمة هذا الجبل ستقع فوقك فتودي بحياتك، أو استيقظ مسرعاً فإن هذه الحية ستلدغك).

وعدم قبول النصح بين الزوجين ربما كان سبباً في هدم الأسرة وعدم سعادتها، فاتقوا الله أيها الأزواج وقبلوا النصح من زوجاتكم، واتقين الله إماء الله واقبلن النصح من أزواجكن بصدر حب لتحافظوا على كيان الأسر، ولتهنؤوا بسعادة عظيمة.

3ـ الشورى:

يقول الله سبحانه وتعالى: [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ]([369])، وقال تعالى: [وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ]([370]).

والشورى مبدأ عظيم وأساسي بل ركيزة هامة من ركائز ديننا الحنيف فإذا وجد هذا المبدأ بين الزوجين كان له الأثر الأكبر في سعادة كل منهما واستقرار الحياة بينهما بل وشعور جميع أعضاء الأسرة بالأمن والطمأنينة؛ لأن الرجل عندما يستشير زوجته هو يشعرها بكيانها وبدورها في هذا البيت التي هي ركن أساسي من أركانه بعيداً كل البعد عن هذه المفاهيم السقيمة التي يظن مدعيها أن مشورة المرأة تقدح في قوامة الرجل عليها.

والله سبحانه وتعالى يقول: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً]([371])؛ فلقد دخل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على أمنا أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها غاضباً مما فعل أصحابه يوم الحديبية حيث أمرهم بالحلق والتحلل فكأنهم تحرجوا وتباطئوا فأشارت عليه أم سلمة رضي الله عنها أن يحلق هو حتى يحلقوا؛ فأخذ صلى الله عليه وسلم بمشورتها فما كان من الصحابة إلا أن بادروا إلى امتثال أمره عليه الصلاة والسلام.

وهكذا يجب أن يسود التعاون والمودة والرحمة والحب والعطف الحياة الزوجية ليهنأ كل منهما بهذه الحياة وينشأ ذرية صالحة تخدم دين الله عز وجل، وتدافع عن البلاد والأوطان.

اللهم بارك لنا في زوجاتنا وبارك لزوجاتنا فينا، اللهم ارزقنا ذرية طيبة صالحة تعبدك من بعدنا يا كريم، اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم اجعل في زوجاتنا نوراً، وفي أبنائنا نوراً، وفي بناتنا نوراً، وفي آبائنا نوراً، وفي أمهاتنا نوراً، اللهم أعظم لنا نوراً، يا نور السماوات والأرض.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الدرس السابع

حق الجار

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فيقول الله تعالى: [وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ]([372]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن؟ فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيده وعد خمساً وقال: اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً، وأحب الناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً، ولا تكثر الضحك؛ فإنه كثرة الضحك تميت القلب)([373])، وعن أبي شريح الخزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره…)([374]).

واعلم أخي المسلم أن الجار أحد ثلاثة: إما أن يكون جاراً غير مسلم؛ فهذا حقه الجوار فقط، وإما أن يكون جاراً مسلماً؛ فهذا له حق الجوار وحق الأخوة في الإسلام، وإما أن يكون جاراً مسلماً قريباً، فهذا له حق الجوار، وحق أخوة الإسلام وحق صلة الرحم؛ فليراع ذلك بارك الله فيكم.

وعلى المسلم أن يتجنب أذى جاره أو النظر إلى محارمه، فقد ورد في ذلك نهي شديد فيما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قال قلت له: إن ذلك لعظيم، قال: قلت: ثم أي؟ قال: ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قال: قلت: ثم أي؟ قال: ثم أن تزاني حليلة جارك([375])؛ فأنزل الله تعالى: [وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً]([376]).

وما أجمل قول الشاعر:

أغض طرفي إن بدت لي جارتي         *** حتى يواري جارتي مأواها

واعلم أخي المسلم أن حقوق الجار على الجار كثيرة منها:

1ـ إذا استعانك اعنته:

عن جابر بن عبد الله قال: … قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (… من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل)([377])؛ فخير الناس أنفعهم للناس وخير الناس من كان في عون الناس لأن الناس لا يستغني بعضهم عن بعض كما قال أحدهم:

الناس للناس من بدو وحاضر *** بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

يقول علقمة بن لبيد يوصي ولده: (يا بني إن احتجت إلى صحبة الرجال فاصحب: من إن صحبته زانك، وإن أصابتك خصاصة أعانك، وإن قلت سدد قولك، وإن صلت قوى صولتك، وإن بدت منك ثلمة([378]) سدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن سألته أعطاك، وإن نزلت بك إحدى المهمات واساك، من لا تأتيك منه البوائق، ولا تختلف عليك منه الطرائق)([379]).

ولا سيما إذا كان هذا الصديق جاراً وفياً يعرف حقوق جاره عليه، فإنه لا شك سيكون نعم الجار وينطبق عليه كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في سلوك الجار مع الجار وهو يقول: إن الجار يغفر لجاره زلته، ويرحم عبرته ويستر عورته، ويقيل عثرته، ويلتمس عذره، ويرد غيبته، ويديم صحبته، ويحفظ خلته، ويرعى ذمته، ويعود مرضته، ويشهد جنازته، ويجيب دعوته، ويقبل هديته، ويكافئ صلته، ويشكر نعمته، ويحسن نصرته، ويحفظ حرمته، ويقضي حاجته، ويقبل شفاعته، ولا يخيب طلبته، ويشمت عطسته، ويرشد ضالته، ويرد سلامه، ويستحسن كلامه، ويبر أقسامه، ويصدق أحلامه، وينصره ظالماً؛ برده عن ظلمه، ومظلوماً بإعانته على أخذ حقه، ويواليه ولا يعاديه، ولا يخذله، ولا يشمته، ويحب له الخير كما يحب لنفسه، ويكره له من الشر ما يكره لنفسه([380]).

2ـ إذا استقرضك أقرضته:

أخرج ابن ماجه في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت ليلة أسري بي على  باب الجنة مكتوباً: الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر، فقلت لجبريل: ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل عنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة)([381]).

والقرض الحسن أخي المسلم هو الذي لا يكون فيه منُ ولا أذى وبعيداً عن شبهة الحرام كالربا وغيره،  قال الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ]([382])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا الموبقات السبع، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم  الله إلا بالحق، وأكل الربا…)([383]).

وقد قيل: إن أبا حنيفة رحمه الله كان لا يجلس في ظل دار جاره الذي أقرضه مالاً، لأنه يعتبر هذا من الربا حسب القاعدة عنده ـ كل قرض جر نفعاً فهو ربا ـ ولذا على المسلم التقي النقي إذا أقرض إنساناً مبلغاً من المال فلا يدخل بيته كثيراً بصورة لم يكن معتاداً عليها لكي يأكل أو يشرب أو غير ذلك.

وعلى المسلم أن يتورع أيضاً عن تكلفة مدينة بقضاء بعض المصالح فيكون بذلك قد ألحق به الضرر حيث إنه يستحي من دائنه بسبب هذا القرض، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:     (لا ضرر ولا ضرار…)([384]).

3ـ إذا افتقر عدت عليه:

أي أحسنت إليه وتعاونت معه تأكيداً للمعنى الكبير الذي يشير إليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)([385]).

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله عز وجل خلقاً خلقهم لحوائج الناس: يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله)([386]).

ومن أجل ذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضلاء عليهم رضوان الله أجمعين يتسابقون ويتنافسون في فعل الخير والتعاون والتراحم لأنهم يعلمون أن الجائزة جنة عرضها السماوات والأرض فهذا عمر بن الخطاب يستعمل رجلاً على حمص يقال له: عمير بن سعد، فلما مضت السنة كتب إليه أن أقدم علينا، فلم يشعر عمر إلا وقدم عمير ماشياً حافياً، عكازته بيده، وإداوته ومزوده وقصعته على ظهره، فلما نظر عمر إليه قال: يا عمير، أجبتنا أم البلاد بلاد سوء؟ فقال يا أمير المؤمنين: أما نهاك الله تجهر بالسوء؟ وتنأى عن سوء الظن؟ وقد جئت إليك بالدنيا أجرها بقرابها، فقال له: وما معك من الدنيا؟ فقال: عكازة أتوكأ عليها وأدفع بها عدواً إن لقيته، ومزوداً أحمل فيه طعامي، وإداوة أحمل فيها ماءً لشربي وطهوري، وقصعة أتوضأ فيها، وأغسل فيها رأسي، وآكل فيها طعامي، فوالله يا أمير المؤمنين، ما الدنيا بعد إلا تبع لما معي.

فقام عمر فبكى بكاءً شديداً ثم قال: اللهم ألحقني بصاحبي غير مفتضح ولا مبدل، ثم عاد إلى مجلسه فقال: ما صنعت في عملك يا عمير؟ قال: أخذت الإبل من أهل الإبل، والجزية من أهل الذمة عن يد وهم صاغرون، ثم قسمتها بين الفقراء والمساكين وأبناء السبيل فوالله يا أمير المؤمنين لو بقي عندي منها شيء لأتيتك به، فقال عمر: عد إلى عملك يا عمير، فقال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تردني إلى أهلي، فأذن له، فأتى أهله.

فبعث عمر رجلاً يقال له حبيب بمائة دينار وقال: اختبر لي عميراً، وانزل عليه ثلاث أيام حتى ترى حاله هل هو في سعة أو ضيق؟ فإن كان في ضيق فادفع إليه الدنانير، فأتاه حبيب إن أردت أن تتحول إلى جيراننا فافعل لعلهم يكونون أوسع عيشاً منا فإنا والله لو كان عندنا غير هذا الأثر ناك، فدفع إليه حبيب بالدنانير وقال له: قد بعث بها أمير المؤمنين إليك فدعا بفرو خلق لامرأته فجعل يصر منها الخمسة الدنانير والستة والسبعة ويبعث بها إلى إخوانه من الفقراء إلى أن أنفذها.

فقدم حبيب على عمر، وقال جئتك يا أمير المؤمنين من عند أزهد الناس، وما عنده قليل ولا كثير، فأمر له عمر بوسقين من طعام وثوبين فقال: يا أمير المؤمنين: أما الثوبان فاقبلهما، وأما الوسقان فلا حاجة لي بهما، عند أهلي صاع من بر هو كافيهم حتى أرجع إليهم([387]). هكذا أخي المسلم يجب أن يكون الجار مع الجار.

 4ـ إذا مرض عدته:

عن علي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلي عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة)([388]).

وإن زيارة المرضى تقرب الناس من بعضهم البعض وترفع معنويات المريض وتجعل بينهم صلات قوية ليس هذا فحسب بل هي موعظة بليغة للزائر أنه يرى أن الإنسان مهما تكبر وتعنت فيمكن لقليل من المرض أن يرقد في السرير ومن ثم يبتعد عن المعاصي حتى لا يناله انتقام الجبار المتكبر الذي ربما يبتليه بمرض يودي بحياته.

ومن السنة أن يقول الزائر للمريض، لا بأس عليك طهور إن شاء الله، شفاك الله وعافاك، وأن يطعمه في الحياة وقرب الشفاء، إلى غير ذلك من الكلمات الطيبة التي يكون لها أثر عظيم في نفس المريض.

5ـ إذا أصابه خير هنأه:

فعلى الجار أن يظهر الفرحة بخير أصاب جاره حتى يشعر بحبه له وسعادته بما هو سعيد به؛ فإذا رأيت جارك أو صاحبك قد لبس ثوباً جديداً فقل له قولة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عمر قميصاً أبيض فقال: (ثوبك هذا غسيل أم جديد؟ قال: لا، بل غسيل، قال : البس جديداً وعش حميداً ومت شهيداً)([389]).

وإذا قدم جارك من سفر فقل له: (الحمد لله الذي سلمك، والحمد لله الذي جمع الشمل بك)([390]).

وإذا رجع من غزو فقل له: (الحمد لله الذي نصرك وأعزك وأكرمك)([391]).

وإذا أراد أن يحج فقل له مودعاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد هذه الناحية للحج، قال فمشى معه وقال: يا غلام، زودك الله التقوى، ووجهك في الخير وكفاك الهم، فلما رجع سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه إليه فقال: يا غلام، قبل الله حجك وكفر ذنبك وأخلف نفقتك)([392]).

وإذا أراد الزواج فقل له بعد عقد النكاح ما كان يقوله صلى الله عليه وسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ الإنسان، إذا تزوج قال له: (بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في الخير)([393]).

وإذا رزق بمولود فيستحب أن يهنأ بما جاء عن الحسين بن علي رضي الله عنه أنه علم إنساناً التهنئة فقال له: إن أردت أن تهنئ من رزقه الله بمولود فقل له: (بارك الله لك في الموهوب لك وشكرت الواهب، وبلغ أشده، ورزقت بره)

ويستحب أن يرد عليك المهنئ فيقول لك: (بارك الله لك، وبارك عليك وجزاك الله خيراً، ورزقك الله مثله، أو أجزل الله ثوابك)([394]).

6ـ إذا أصابته مصيبة عزيته:

أيها الأخ المسلم: اعلم أن التعزية فيها كثير من التعاطف والتحاب والتعاون على البر والتقوى والحمل على الصبر والرضا بالقضاء والقدر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحث على الرجوع إلى الله تعالى، وفيها تسلية المصاب والتخفيف عنه لتقل عليه المصيبة شيئاً ما، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عزى مصاباً فله مثل أجره)([395]). على أن يكون لفظ التعزية لفظاً شرعياً كما ورد في السنة، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: (أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه أن ابناً لي قُبض فأتنا فأرسل يقرئ السلام ويقول: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب…)([396]).

7ـ إذا مات اتبعت جنازته:

لأن ذلك من حقوق المسلم على المسلم وهي إلى الجار أقرب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى يقضى دفنها فله قيراطان أحدهما أو أصغرهما مثل أحد)([397]).

فلتعتبر نفسك مسؤولاً عن أسرة جارك منذ لحظة وفاته وافعل معهم حسبما يقتضي الشرع الحكيم من قرآن وسنة ما كنت تتمنى أن يفعله جارك مع أهلك وأولادك لو كنت أنت الميت ملتزماً بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في كل أفعالك متورعاً عن الحرام مهما صغر.

8ـ لا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عنه الريح إلا بإذنه:

وفي هذا الحق يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم ان يكون هناك احترام متبادل بين الجيران بحيث يحافظ كل منهما على مصلحة الآخر، وبحيث لا يكون سبباً في منع الخير عنه، أو منع الهواء عنه، فإذا أراد الجار أن يبني جداراً يفصل بينه وبين جاره لابد وأن يلاحظ عدم استطالة هذا الجدار حتى لا يحجب الهواء عن جاره، وإذا رأى ضرورة لذلك فيجب أن يستأذنه أولاً ويستمع إلى رأي جاره حتى لا يحدث ضرر ولا ضرار وحتى لا يكون هناك تعد على مصلحة هذا الجار الملاصق.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه ليورثه)([398]).

9ـ ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها:

فعلى المسلم تجاه هذا الحق أن يكون سخياً لا سيما بالنسبة لجاره الفقير الذي

يؤلمه ويؤلم أولاده مطالبتهم إياه أن يحضر لهم لحماً وهو لا يستطيع فهذا واجب عليك حتى لا تكون سبباً في تورطه مع أولاده وحتى تكون من المؤمنين الذين قال الله فيهم: [وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ]([399])، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع)([400]).

10ـ وإن اشتريت فاكهة فأهد له:

فإن لم تفعل فأدخلها سراً ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده، فخروج أولادك بالفاكهة ليغيظوا بها أولاده يحزنه ويغضبه لأنه عاجز عن شراء مثلها ليرضي أولاده، فلا حفظ هذا أخي المسلم حتى لا تقع الضغينة بينك وبين جارك.

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول: يارب هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه)([401]).

فعليك أخي المسلم أن تؤدي هذه الحقوق مع غيرها من الحقوق الأخرى التي أشار إليها الإمام الغزالي رحمه الله بقوله: (وجملة حق الجار أن يبدأه بالسلام، ولا يطيل معه الكلام، ولا يكثر عن حاله السؤال، ويعوده في المرض، ويعزيه في المصيبة، ويقوم معه في العزاء، ويهنئه في الفرح، ويظهر الشركة في السرور معه، ويصفح عن زلاته، ولا يتطلع من السطح إلى عوراته، ولا يضايقه في وضع الجذع على جداره، ولا في مصب الماء في ميزابه، ولا في مطرح التراب في فنائه، ولا يضيق طريقه إلى الدار، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره، ويستر ما ينكشف له من عوراته، وينعشه في صرعته إذا نابته نائبة، ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته، ولا يسمع عليه كلاماً، ويغض بصره عن حرمته، ولا يديم النظر إلى خادمته، ويتلطف بولده في كلمته، ويرشده إلى ما يجهله من أمر دينه ودنياه…)([402]).

اللهم اجعلنا من المؤدين لحقوق الجار، ومن الملتزمين بأخلاق نبيك المختار، وأعتق رقابنا يا كريم من النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار برحمتك يا عزيز يا غفار، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وتلاوة كتابك الكريم آنا الليل وأطراف النهار.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الدرس الثامن

صلة الرحم

الحمد لله الرحمن الرحيم، وسعت رحمته كل شيء، سبحانه وتعالى جعل صلة الرحم سبباً في زيادة الرزق، وسبباً للحصول على البركة في العمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً رسول الله خير من وصل رحمه وخير من أحسن إليهم وخير من تقرب إليهم، أما بعد:

فيقول الله تعالى: [وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى]([403]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك)([404])، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرءوا إن شئتم: [فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ]([405]).

والرحم هي القرابة، وسميت بذلك لأنها داعية التراحم بين الأقرباء، وصلة الرحم موجبة لرضا الرب عن العبد وموجبة لثواب الله للعبد في الآخرة، والرحم سبب لبسط الرزق وتوسيعه وسبب لطول العمر، وهذه الأشياء من الأمور المحبوبة إلى العبد.

وإنما رتبت البركة في العمر على صلة الرحم؛ لأن المرء إذا وصل رحمه أرضى ربه فأجله أقرباؤه واحترموه، فامتلأ نفسه سروراً وشعر بمكانة عالية من أجل ما وفقه الله له من صنيعه الذي صنع، والسرور منشط، كما أن الحزن مثبط والشعور بالتعظيم عن الأعمال الطيبة داع للإكثار منها، وبذل الجهد في سبيلها.

والمراد بصلة الرحم موالاتهم ومحبتهم أكثر من غيرهم؛ لأجل قرابتهم وتأكيد المبادرة على صلحهم عند عدواتهم، والاجتهاد في إيصال كفايتهم بطيب نفس عند فقرهم، والإسراع إلى مساعدتهم ومعاونتهم عند حاجتهم، ومراعاة جبر قلوبهم مع التعطف والتلطف بهم وتقديمهم في إجابة دعوتهم والتواضع معهم، ونصحهم في كل شؤونهم والبداءة بهم في الدعوة والضيافة قبل غيرهم، وإيثارهم في الإحسان والصدقة والهدية على من سواهم؛ لأن الصدقة عليهم صدقة وصلة؛ وذلك في حالة إذا كانوا مسلمين وأهل استقامة.

أما إن كانوا كفاراً فجاراً؛ فمقاطعتهم في الله هي صلتهم، بشرط بذل الجهد في وعظهم وإعلامهم ـ إذا أصروا ـ بان ذلك بسبب بعدهم عن الحق، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يهديهم اله عز وجل، وأن يعودوا على صراط الله المستقيم.

وإنه لن يحدث جرم أو ذنب مثل الذي حدث من مسطح بن أثاثة الذي اشترك مع عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين في المدينة، وحمنة بنت جحش في حادثة الإفك يوم أن اتهموا أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بصفوان بن المعطل في غزوة بني المصطلق، ولاقى أربعة أشخاص هم من خيرة الناس على وجه الأرض أشد ما لاقوا من العناء والتعب النفسي والحزن والهم شهراً كاملاً انقطع فيه الوحي عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أشرف الخلق: محمد صلى الله عليه وسلم ورفيق حياته وأول من آمن به من الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وابنته أطيب الطيبات وأعف العفيفات ومن أطهر النساء عائشة رضي الله عنها وإنها والله لو لم تكن من أطيب الطيبات لما أصبحت زوجة لأطيب الطيبين، والرابع هو أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الرسول في حقه: (والله ما رأيت منه إلا خيراً)([406]).

ولما جاء الوحي ببراءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقول الله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ]([407])، قطع أبو بكر الصديق العطايا التي كان يعطيها لمسطح بن أثاثة بعدما خاض في عرض ابنته لكن الله سبحانه وتعالى عاتب ابا بكر الصديق على ذلك في نفس السورة التي نزلت فيها براءة ابنته، يقول الله تعالى: [وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]([408]).

وقد نزلت هذه الآية الكريمة بعد أن تاب مسطح بن أثاثة توبة نصوحاً([409]) حتى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: والله لأرجع إلى مسطح النفقة التي كنت أعطيه إياها ولا أنزعها منه ابداً لأني أحب أن يغفر الله لي.

ولذلك لما كتب ابن المقري رسالة لوالده حين امتنع عن النفقة عليه يقول له فيها:

لا تقطعن عادة برّ ولا *** تجعل عتاب المرء في رزقه
فإن أمر الإفك من مسطح     *** يحط قدر النجم من أفقه
وقد جرى الذي قد جرى من *** وعوتب الصديق في حقه

 

فإذا بوالده يجيبه ويوضح له السبب في ذلك المنع قائلاً:

قد يمنع المضطر من ميتة    *** إذا عصى في السير في طرقه
لأنه يقوى على توبة        *** توجب إيصالاً إلى رزقه
لو لم يتب من ذنبه مسط *** ما عوتب الصديق في حقه

وإنه مما يؤكد هذا المعنى العظيم وهو الحلم عن الأقارب إذا أساءوا إلى الإنسان ومعاملتهم معاملة طيبة رغم المعاداة التي يقومون بها تجاه هذا الشخص، ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله إني لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال: (لئن كنت كما تقول فكأنما تسفهم الملل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)([410]).

وفي حديث أبي سفيان في قصة هرقل أنه قال لأبي سفيان: (… بم يأمركم؟ ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ فقال أبو سفيان: قلت: يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف…)([411]).

فعليك أخي المسلم بصلة الرحم لما لذلك من ثواب عظيم وفضل كبير من الله عز وجل على من يصل رحمه، وعليك أن تعلم أن الذي يقطع رحمه يناله عقاب وخيم من الله عز وجل بل يفقد البركة في كل شيء وتكثر مشاغله وهمومه وأحزانه ومن ثم يجد نفسه غير موثوق في طاعة الله وهذا من أعظم البلاء ومن أشد أنواع غضب الرب سبحانه وتعالى على عبده.

أخرج أبو يعلى بإسناد جيد عن رجل من خثعم قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه فقلت: أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال: نعم، قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: إيمان بالله، قال: قلت: يا رسول الله: ثم مه؟ قال: ثم صلة الرحم، قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: الإشراك بالله، قال: قلت: يا رسول الله ثم مه؟ قال: ثم قطيعة الرحم، قال: قلت: يا رسول الله ثم مه؟ قال: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف)([412]).

شعر:

وكن واصل الأرحام حتى لكاشح      *** توفر في عمر ورزقٍ وتسعد
ولا تقطع الأرحام إنّ قطيعة           *** لذي الرحم كبرى من الله تُبعِد
فلا تغشى قوماً رحمة الله فيهم      *** ثوى قاطع قد جاء ذا بتوعد

هكذا يجب علينا أيها المسلمون أن نعلم أن صلة الرحم من أحب الأعمال إلى الله عز وجل وأن من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله.

اللهم اجعلنا من الواصلين لأرحامهم، اللهم وفقنا إلى طاعتك وباعد بيننا وبين معاصيك، اللهم اجمع شملنا بأقاربنا وأهلينا وذوينا واجمع قلوبنا وإياهم على التقوى واملأ قلوبنا جميعاً بالرحمة والود ونقها من الغل والحسد والحقد والبغضاء والعداوة، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الدرس التاسع

حكمة الابتلاء

وأخطاء في فهم القدر

الحمد لله الذي ظهر لأوليائه بنعوت جلاله، وأنار قلوبهم بمشاهدة صفات كماله، وتعرف إليهم بما أسداه من إنعامه وإفضاله، فعلموا أنه الواحد الأحد الفرد الصمد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله القائم له بحقه وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أرسله الله رحمة للعالمين وإماماً للمتقين وحسرة على الكافرين وحجة على العباد أجمعين.

أما بعد:

فيقول الله تعالى: [الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ]([413])، ويقول تعالى: [أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ]([414]). عن أبي يحي صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)([415]).

كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الأعلى في مكة وقد كان مستضعفاً محارباً، وكان صلى الله عليه وسلم الأعز في مكة وقد كان مطارداً مرصوداً، وصدق الله تعالى: [وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ]([416]).

نقول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في تلك المكانة مع أنه المحارب المستضعف لأن الإيمان هو المرتبة الأعلى، والشرك والنفاق هما المرتبة الأدنى، والمؤمن من أكثر الناس بلاءً ولكنه أعظمهم قدراً.

والمؤمن أكثر الناس محاربة ولكنه أملكهم لحريته، وحرية المؤمن في كونه غير أسير لشهواته، ولا مستضعف لنزواته، فهو عبد الله سبحانه وتعالى وحده، وأما غير المؤمنين فهم عباد توزعت قلوبهم بين آلهة شتى.

ولذلك فإن ما ينتاب المؤمن ويحل عليه من مصائب لا ينزع منه العلو والعزة ما دام مؤمناً وما المصائب والفتن إلا اختبارات تبين مدى ما يمتلك العبد من الإيمان، وقد اقتضت حكمة الله في خلقه أن يعرضهم للاختبار حبّاً ورعاية لهم، فالعباد ليسوا بعيدين عن هذه الاختبارات الإلهية التي تهدي الضال وتنبه الغافل وتقيم الحجة على الكافر، يقول الله تعالى: [الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ]([417]).

فالاختبارات الإلهية للمؤمنين تزيدهم إيماناً وقوة وصلابة في عقيدتهم، وللكاذبين تعيدهم إلى الإيمان تائبين متذكرين نادمين، فإن لم يتوبوا ويتذكروا فضحهم الابتلاء وعراهم امام الناس وخلص صفوف المؤمنين منهم.

إن من أهم فوائد حكمة الابتلاء أنه بمثابة فرصة لمراجعة حسابات مضت، ووقفة أمام مستقبل آت يؤمل فيه الخير والسعادة، والابتلاء يزيد الرجال نضوجاً وصلابة، والدعاة الصادقين بصفة خاصة ثباتاً ويقيناً.

ولن يكون الابتلاء شراً بالمؤمنين أبداً، فهو خير يسوقه الله لعباده ليعودوا إليه وقد علتهم عزة الإيمان التي يمتلكونها ولو كانت السياط اللاهية تأكل من أجسادهم لأن طالب الحق لن يسلمه أهل الباطل، وأمام المؤمنين أقسى دروس الابتلاء وأشدو امتحان شهدته الدعوة الإسلامية على مدى تاريخها الطويل ألا وهو حادث الإفك ومع ذلك فقد كانت خيراً ولم تكن شراً، ويقول الله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ]([418])؛ لذا كان الابتلاء وسيلة من وسائل الانتقاء والتصفية، يقول الله تعالى: [لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ]([419]).

وإن حكم الابتلاء استخراج عبودية المؤمنين وذلهم لله وانكسارهم له سبحانه وتعالى وافتقارهم إليه، وأن يسألوه سبحانه النصر على عدوهم ولو كانوا دائماً منصورين قاهرين غالبين لبطروا وأشروا، ولو كانوا دائماً مقهورين مغلوبين منصوراً عليهم عدوهم لما قامت للدين قائمة ولا كانت للحق دولة، فاقتضت تضرعوا إلى ربهم، وأنابوا إليه وخضعوا له، وانكسروا له وتابوا إليه، وإذا غلبوا أقاموا دينه وشعائره وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وجاهدوا عدوه، ونصروا أولياءه.

ومن حكم الابتلاء أنه سبحانه وتعالى يحب من عباده تكميل عبوديتهم على السراء والضراء، وفي حالة العافية والبلاء، وفي حال إدالتهم والإدالة عليهم، فلله سبحانه وتعالى على العباد في كلتا الحالتين عبودية بمقتضى تلك الحال التي لا تحصل إلا بها، ولا يستقيم القلب بدونها كما لا تستقيم الأبدان إلا بالحر والبرد، والجوع والعطش، والتعب والنصب، وأضدادها([420])، فهذه المحن والبلايا شرط في حصول الاستقامة المطلوبة من العبد.

ومن حكم الابتلاء: أن امتحانهم بإدالة عدوهم عليهم يمحصهم ويخلصهم ويهذبهم كما حكى الله سبحانه وتعالى في حكمة إدالة الكفار على المؤمنين يوم أحد يقول الله تعالى: [وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ]([421]).

أخطاء في فهم القدر:

الله سبحانه وتعالى عليم بما هو كائن وبما كان وبما سيكون حتى ما سيفعله الناس مختارين بدون جبر، والإنسان المدرك البالغ مكلف من ربه ضمن دائرة اختباره، التي منحها الله سبحانه وتعالى له، أن يعمل أعمالاً ويترك أخرى، وجعله الله مسؤولاً مسؤولية تامة عن أعمال ضمن دائرة اختياره، ورتب له الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية([422]).

ومما أمر الله به اتخاذ الأسباب لتحقيق مطالبه وحاجاته من الحياة الدنيا ولتحقيق ما يرجو من الثواب العظيم يوم الجزاء الأكبر، ومما نهاه الله عنه التهور، والإسراف المضر، وتناول كل ما يضره في الحياة الدنيا، وكل ما فيه شر يجلب له المؤاخذة والعقاب يوم الدين ومن اتخذ من الناس سبباً حقق الله نتائجه بقضائه وقدره خيراً كان أو شراً، إلا أن يكون الله حكمة خاصة في خرق سنته في حادثة من الحوادث، فمن ذبح نفسه، أو جأ نفسه بحديدة أو تحسى سُماً قتله الله حسب سنن الله الثابتة التي نظم بها الأسباب والمسببات، ومن زرع زرعاً وتعهده أنبت الله زرعه وأعطاه ثمراته، ولو كان كافراً بربه.

وإن مالم يمنح الله لمخلوقاته فيه أسباباً، فإنه يخضع لسلطان القضاء والقدر مباشرة، دون أن تتخذ هذه المخلوقات المريدة له أسباباً، والناس يدركون من هذه الحقائق السابقة شيئاً وينحرف إدراكهم عن الجزء الأكبر منها.

ويرتكب كثير من الناس الكبائر والمعاصي بإرادتهم الحرة ويعرضون أنفسهم بذلك لعقاب الله عز وجل وعذابه في الدنيا والآخرة، ثم يعتذرون قائلين بأن ذلك قضاء وقدر جبري قضاه الله عليهم وقدره، بل إن  بعض الأنفس تتجرأ على الله سبحانه وتعالى بقولها: إن الله هو الذي أراد لهم طريق المعصية ولم يهدهم أو ييسر لهم الهدى وهم كاذبون فيما قالوا عن الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

وقد حكى الله سبحانه وتعالى ذلك في كتابه الكريم، يقول تعالى: [أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ]([423]).

وإن مما يفهمه الناس أيضاً خطأ في القدر أنهم يظنون أن ابتلاء الله عز وجل عبداً من عباده بالفقر دليل على غضب الله عز وجل على هذا العبد، ويظنون أن الله تعالى راض عن عبده فلان بسبب أن الله وسع عليه الرزق وهذا فهم خاطئ؛ فهذا الأمر ليس له صلة بذلك؛ فرضى الله سبحانه وتعالى على عبده قائم على قيام هذا العبد بأوامر الله وتقواه وورعه، وغضب الله على العبد قائم على معصية هذا العبد وبعده عن أوامر الله تعالى.

وربما أرى الله سبحانه وتعالى أن صلاح عبد من عباده سيكون سببه الفقر وأن فساد عبد من عباده سيكون سببه الغنى لذلك يبتليهم بهذه الأمور، يقول الله تعالى: [وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ]([424])، ويقول الله تعالى [ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ]([425]).

ومن ظن أن الابتلاء يكون بالخوف والجوع ونقص من المال والأنفس والثمرات وغير ذلك من أنواع المصائب فهو مخطئ، بل ربما كان الابتلاء بالخير والنعمة وهنا تكون الصعوبة على العبد في مثل هذا البلاء حيث إن نزول النعمة من المنعم سبحانه وتعالى لابد وأن يقارنها الشكر من العبد عليها، وفي الابتلاء بالخير يقول الله تعالى: [كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ]([426]).

اللهم ارزقنا الصبر على البلاء وأجرنا في مصائبنا خيراً، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء وسوء القضاء ودرك الشقاء وشماتة الأعداء وإن أردت بالعباد فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين ولا مبدلين، اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرج الموحدين من بينهم سالمين ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

الدرس العاشر

الغش

الحمد لله الذي جعل الصدق سبباً في بركة الرزق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً رسول الله نهى عن الغش وذمة فقال فيما روى عنه أبو هريرة رضي الله عنه: (… من غشنا فليس منا)([427])، أما بعد:

فالمسلم يدين الله عز وجل بالنصيحة لكل مسلم، ويعيش عليها، فليس له أن يغش أحداً، أو يغدر، أو يخون؛ لأن هذه صفات ذميمة قبيحة في المرء والقبح لا يكون خلقاً للمسلم ولا وصفاً له بحال من الأحوال؛ لأن طهارة نفسه التي يكتسبها من الإيمان بالله والعمل الصالح تتنافى مع هذه الأخلاق الذميمة والتي هي شر محض لا خير فيها، والمسلم بطبعه قريب من الخير بعيد من الشر.

والله سبحانه وتعالى قد نهانا عن هذا الخلق الذميم وهو الغش فقال تعالى: [وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ]([428])، وقال تعالى: [قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ]([429]).

وبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم عاقبة الغش في أحاديث كثيرة منها: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ من غش فليس مني)([430]).

ومنها ما يبين أن البركة تمحق بسبب الغش وعدم الصدق في البيع، عن حكيم ابن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال: (حتى يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)([431]).

وعلى صعيد آخر، لما ترك الإنسان الغش ونهى عنه غيره وخاف من الله واتقاه كان ذلك سبباً في حصول الخير الكثير له وشمول الرحمن الرحيم له برحمته يتضح هذا جلياً في موقف الفتاة التي مر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهو يتفقد الرعية ببيتهم وسمع أمها وهي تقول لها: هيا يا بنيتي أعدي اللبن واخلطيه بالماء ليصبح كثيراً، ثم نذهب إلى السوق ونبيعه فنربح كثيراً، فقالت لها ابنتها: لو علم أمير المؤمنين عمر بذلك لغضب، فقالت الأم: وأين عمر حتى يرانا؟ قالت البنت: إذا كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا.

فرجع عمر إلى بيته وأشار على أحد أبنائه وهو عاصم ودله على بيت الفتاة وأمره أن يذهب ليخطبها ويتزوجها إن كان له رغبة فيها فقيل: إن الله عز وجل بارك لهما ورزقهما أحد عشر ولداً كلهم قد قرأ القرآن.

واعلم أخي المؤمن أن للغش مظاهر منها:

أن يزين المرء لأخيه القبيح أو الشر أو الفساد ليقع فيه؛ فإذا لم يفعل اشتكاه لمن يلي أمره نكاية به متهماً إياه بهذا القبيح.

فيروى أن أحد الملوك خاف على ثروته فأتى بشاب صالح يتيم كان يدعى احمد وكتب له كل ثروته وجعله مسؤولاً عن ماله وقصره وخدمه وحشمه وجواريه وحرسه، وذات يوم كان أحمد هذا يتمشى في حديقة القصر إذ رأته إحدى الجواري فدعته إلى الزنا فأبى وقال: إن الله قد حرمه على المؤمنين، ولما لم يجبها أحمد اليتيم إلى طلبها نفذت رغبتها مع أحد عبيد القصر، لكن قدر الله عز وجل أن يراها أحمد اليتيم وهي تزنى؛ فخافت أن يذهب إلى الملك ويخبره فأسرعت هي وبادرت بإخبار الملك كذباً وبهتاناً وادعت على أحمد أنه راودها عن نفسها فأبت فأرغمها وزنى بها جبراً.

فبحث الملك عن أحمد ليعاقبه وطلب منه أن يذهب إلى الطاهي ليحضر غذاء الملك بنفسه، وكان الملك قد اتفق مع الطاهي وقال له: إن جاءك من يطلب منك غذائي فاقطع رقبته بالسيف وأتني به، وبينما أحمد يسير على مطبخ القصر إذ رآه جماعة من الناس يتشاحنون في وسط القصر في قضية ما، وقالوا: لنجعل أحمد اليتيم حكماً بيننا فهو ذو رأي سديد وحكمة عظيمة فطلبوا منه أن يحكم بينهم، فقال لهم: لكن الملك طلب مني أن أحضر له غذاءه بنفسي، فقالوا له: لنرسل أحد العبيد يحضر غذاء الملك واحكم أنت بيننا فيما نحن فيه.

فجلس أحمد ليحكم بينهم وذهب أحد العبيد لإحضار غذاء الملك ولما وصل العبد إلى الطاهي وطلب منه طعام الملك ضرب الطاهي عنقه وأخذ رقبته وذهب بها إلى الملك، فلما كشفها الملك أمر الحراس بإحضار أحمد اليتيم فوراً، فحضر فأمره الملك أن ينظر إلى الرقبة المقطوعة قائلاً له: هل تذكر ذنباً لصاحب هذه الرقبة، قال: نعم أيها الملك رأيته ذات مره يزني بإحدى جواري قصرك، فما كان من الملك إلا أن قال: صدق الله تعالى إذ يقول: [وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ]([432]).

وارتفع شأن أحمد اليتيم عند الملك وعظم قدره، وقام الملك بمعاقبة الجارية([433]).

أن يريه ظاهر الشيء الطيب الصالح، ويخفي عليه باطنه الخبيث الفاسد ومن ثم يترتب على ذلك مفاسد لا يحمد عقباها، وهذا المظهر بصفة خاصة قد اشتهر كثيراً في أمر البيع وفي أمر الزواج.

فتجد بعض البائعين مثلاً يضع في نهاية القفص وهو يبيع أي سلعة أوراقاً

كثيرة ثم يضع افضل هذه السلع أعلى القفص وبذلك يكون قد خدع المشتري من جهتين: الأولى: أن يظن المشتري أن القفص مليء عن آخره بينما هو لا يتعدى الثلث، والثلثان ورق وغيره، والثانية أن المشتري يظن أن القفص كله بنفس درجة الجودة التي رأها في أعلاه.

وبعضهم يأتي بزيت الطعام ويخلطه ببعض العطور على أن تكون كمية الزيت هي الغالبة ويضعها في عبوات زجاجية ويخرج منها ريح العطر ويبيعه بثمن قليل.

وغير ذلك من الغش في العاملات والبيع والشراء وما أكثرها في أسواق المسلمين وكأن البائع الذي يغش لن يحاسب عن ذلك ولو استحضر المسكين يقيناً أنه موقوف بين يدي الله جل وعلا ومسؤول عن غشه على رؤوس الملأ لما أقدم على هذه الفعلة الشنعاء ولكن الطمع والجشع وحب المال يغري بمثل هذه المعاصي والعياذ بالله.

وكثيراً ما يكون الغش في الزواج فتجد من الآباء من يخدع الشاب المتقدم لإحدى بناته فيقدم له ابنته الصغيرة البكر ويوم البناء يجدها الكبيرة الثيب فيجد بعضهم أنه لا مناص ولا هروب من هذا الزواج فيوافق وهو يتقطع حسرة وندامة، أو يريه الجميلة ويم البناء يرى أنها الدميمة القبيحة فيضطر للقبول حياءً، أو يزوجوه إياها وهي بها عيب ما أو مرض ما.

وهذا تغرير بالزوج وهو من أشد أنواع الغش؛ لأنه ينتج عنه مفاسد عظيمة كالطلاق وضياع الشباب وشتات الأسر وكان من الأحرى بالمسلمين في هذا المجال أن يقتدوا بنبيهم الصادق الأمين محمد صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الأطهار الذين جعلوا الصدق سمتهم الظاهر وابتعدوا عن الغش والتغرير والخداع.

فهذا بلال بن رباح رضي الله عنه يذهب مع أخيه أبي رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي وهو الذي آخى الرسول بينه وبين بلال كانا قد ذهبا إلى داريا([434]) في خولان لكي يخطب بلال لأخيه أبو رويحة من هذه القبيلة، فلما قدما عليهم قال بلال: متحدثاً بكل صدق وأمانة بعيداً عن الغش والخداع والتعزير مبيناً العيوب والمساوئ تاركاً الحديث عن المزايا والمحامد كما هو حاصل اليوم في معظم الزيجات إلا ما رحم ربي.

قال لهم: أتيناكم خاطبين، وقد كنا كافرين فهدانا الله، وكنا مملوكين فأعتقنا الله، وكنا فقيرين فأغنانا الله، فإن تزوجونا فالحمد لله، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فقال لهم القوم: إنه لشرف لنا أن نزوج ابنتنا لأخي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما خرجا من عند القوم قال أبو رويحة لأخيه بلال: ألا تذكرني بخير؟ فقال بلال: صه يا أخي والله لم يزوجك إلا الصدق([435]).

هكذا يجب أن نكون وهكذا يجب أن تكون أخلاقنا ومعاملاتنا يعلوها الطهر والعفاف والصدق والنور والوضوح ليس فيها زيف ولا زيغ ولا غش ولا خداع ولا تغرير.

أن يظهر له خلاف ما يضمره، ويسره تغريراً به، وخديعة له غشاً، وإن ذلك لمن صفات المنافقين الذين يأتون هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه يظهرون الإيمان ويبطنون النفاق والحقد على الإسلام والمسلمين ويخادعون المسلمين ويغررون بهم حتى يوقعوا بهم في المهالك.

وسبحان الله العظيم نرى في بداية سورة البقرة أن الله سبحانه وتعالى تحدث عن المتقين في أربع آيات، وعن الكافرين في آيتين، بينما الحديث عن المنافقين جاء في ثلاث عشرة آية، ومن هذه الآيات قوله سبحانه وتعالى: [يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ]([436])، وقوله تعالى: [وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ]([437]).

ثم بين الله سبحانه وتعالى في إحدى نعوته لهم أنهم هم الخاسرون وأنهم بعيدون عن طريق الهداية؛ لأنهم اتخذوا الغش لهم طريقاً في حياتهم، يقول الله تعالى: [أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ]([438]).

أن يعمد إلى إفساد ماله عليه، أو زوجه، أو ولده أو خادمه، أو صديقه بالوقيعة فيه والنميمة، وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من يفعل واحدة من المظاهر السابقة فليس من المسلمين في أخلاقهم والتزامهم بأمر ربهم واقتدائهم بأخلاق نبيهم صلى الله عليه وسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خبب زوجة امرئ أو مملوكه فليس منا)([439]).

فعلى المسلم أن يتقي الله ولا يعمد لمثل هذه الأمور التي ينتج عنها الشحناء والبغضاء والعداوة والتي ربما تكون الغشاش الذي نمّ وأوقع بين الرجل وأهله وغيرهم هو المحتمل للإثم الناجم عن الظلم الذي حدث لهم.

أن يعاهد على حفظ نفس أو مال أو كتمان سر ثم يخونه ويغدر: والمسلم عندما يجتنب هؤلاء الثلاثة الغش والغدر والخيانة يكون مطيعاً لله ولرسوله، إذ هذه الثلاثة محرمة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقد بينا ذلك سابقاً في أحاديث كثيرة.

وإن من الآيات القرآنية التي تؤيد ما نقول قول الله تعالى: [وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً]([440])، وقوله تعالى: [فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ]([441])،وقوله تعالى: [وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ]([442]).

وإن المسلم باجتناب تلك الصفات يكون مقتدياً بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم فهذا هو الرسول صلوات الله وتسليماته عليه يلقى من المشركين إيذاءً عظيماً وعنتاً وتضييقاً على دعوته وتعذيباً لأصحابه ومع ذلك يوم أن أمره الله سبحانه وتعالى بالهجرة من مكة إلى المدينة فكر أول ما فكر وهو مصدر الأخلاق الطيبة في أن يرد أمانات أهل مكة إلى أصحابها التي كانوا استودعوها إياه، ولم يتخذوا إيذاءهم له ومحاربتهم لأصحاب ذريعة في أن يغرر بهم أو يخونهم في أماناتهم، حاشاه صلى الله عليه وسلم فهو الذي قال الله في حقه: [وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ]([443]).

وإنه لمن الأحرى بنا أن نكون كذلك ونجعل أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم دستوراً لنا وأن نبتعد عن هذه الأخلاق الذميمة كالغش والخداع والتغرير والتزييف؛ لأنه لا ينبغي لمسلم أن يتصف بواحدة منها.

اللهم جنبنا كل خلق ذميم، اللهم جنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلنا وأموالنا، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

  

الخاتمة

توجيه ودعاء

في ختام هذه الدروس التي بينت فيها كيف يسير المسلم على الدرب القويم، والصراط المستقيم، وذلك من منطلق اقتدائه بصاحب الأخلاق ومصدرها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والتي أوضحت فيها كيف ساد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين الدنيا بأسرهم وأصبحت لهم منازل رفيعة لدى رب العالمين سبحانه وتعالى حتى إن بعضهم ليبشر بأنه من أهل الجنة وهو مازال حياً على ظهر الأرض يمارس جميع مظاهر حياته، أقول ما بلغوا تلك المنزلة إلا حين ارتقوا بأخلاقهم وسلوكياتهم وإيثارهم الآخرة على الدنيا.

وأوصي إخواني القراء أن يحولوا هذه الأخلاق والسلوكيات التي تحدثت عنها إلى واقع يعيشونه ويطبقون هذه الأخلاق والسلوكيات على حياتهم ويعتبرون هذه الدروس الوعظية بمثابة الزاد الإيماني الذي أولاً يروحون عن أنفسهم، وثانياً ينهلون منه المعرفة الصحيحة والواضحة المبينة بالقرآن والسنة الصحيحة؛ فيعيش المجتمع عيشة الصدق والعدل والرحمة والقناعة ويجتنب المجتمع المسلم الرذائل بعد معرفته بخطورتها وضررها وسوء عاقبتها أفراداً ومجتمعات، وذلك كما بينت من خلال حديثي عن الأخلاق الذميمة وضررها على المجتمعات.

وإذا التزم المسلمون بآداب الإسلام: كالاستئذان والمحافظة على حقوق بعضهم تجاه بعض خاصة حقوق الآباء من بر وطاعة وحقوق الجار وحقوق صلة الرحم وغير ذلك من الحقوق؛ فإنهم يعيشون حياة هادئة سعيدة ومنضبطة يحفظ كل فرد منهم حرمة أخيه المسلم وقد اتضحت معالم هذه الآداب ومظاهر هذه الحقوق من خلال حديثي عن الحقوق الإسلامية وآداب الاستئذان والزيارة.

وعلى المسلم أن ينتبه للأسباب التي ينجو بها من عذاب الله والأسباب التي بها يغفر الله عز وجل له ويحصلها. وقد بينت ذلك في حديثي عن أسباب النجاة وأسباب العذاب وأسباب المغفرة، وأسباب الرزق وغير ذلك.

وفي ختام عملي هذا أدعو الله عز وجل أن يتقبله مني ويجعله خالصاً لوجهه الكريم ويجعله في ميزان الحسنات.

اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً، اللهم وفقنا للالتزام بأخلاق القرآن، وبأخلاق رسول الله  صلى الله عليه وسلم، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم ونستعيذك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل وارزقنا الإخلاص في السر والعلن، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ارحمنا برحمتك تغننا بها عن رحمة من سواك، اللهم لا تجعل ذنوبنا سبباً لرد دعائنا، اللهم إنا قد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

                                                                                                              وكتب

                                                                                 أبو محمد/ عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

                                                                                            مساء الأربعاء 3/ 2/ 1417هـ

 

فهرس الموضوعات

الموضـوع الصفحة
مقدمة 
الأخلاق الفاضلة
الدروس الخاصة التي تقرأ بعد صلاة العصر:
الدرس الأول: الاتحاد والتحذير من التفرق
الدرس الثاني: الحياء
الدرس الثالث: العدل
الدرس الرابع: الرحمة
الدرس الخامس: الحلم
الدرس السادس: العفة
الدرس السابع: القناعة
الدرس الثامن: الإحسان
الدرس التاسع: الصدق
الدرس العاشر والحادي عشر: الكرم
الدرس الثاني عشر والثالث عشر: الصبر
الدرس الرابع عشر: الإيثار
الدرس الخامس عشر: الحسد
الدرس السادس عشر: الكسل
الدرس السابع عشر: الغضب
الدرس الثامن عشر: الكبر
الدرس التاسع عشر: الغيبة والنميمة
الدرس العشرون: إرشاد الصائمين
الدرس الحادي والعشرون: محاسبة النفس
الدرس الثاني والعشرون: الاستقامة وأثرها في صلاح الفرد والمجتمع
الدرس الثالث والعشرون: الأخوة في الله وحقوقها
الدرس الرابع والعشرون: آداب الاستئذان والزيارة
الدرس الخامس والعشرون: أسباب المغفرة وأسباب العذاب
الدرس السادس والعشرون: أسباب النجاة وأسباب الرزق
الدرس السابع والعشرون: موجبات الشكر
الدرس الثامن والعشرون: من هو الفائز في رمضان؟
الدرس التاسع والعشرون: وداع رمضان
الدرس الثلاثون: التحذير من العودة إلى المعاصي بعد رمضان
الدروس الخاصة بصلاة التهجد آخر الليل
الدرس الأول: فضل مجالس العلم
الدرس الثاني: آفات اللسان
الدرس الثالث: الدعاء وآدابه
الدرس الرابع: النهي عن الانهماك في طلب الدنيا والعمل للآخرة
الدرس الخامس: حقوق الآباء على الأبناء وحقوق الأبناء على الآباء
الدرس السادس: حقوق الزوجين
الدرس السابع: حق الجار
الدرس الثامن: صلة الرحم
الدرس التاسع: حكمة الابتلاء وأخطاء في فهم القدر
الدرس العاشر: الغش
الخاتمة: توجيه ودعاء
فهرس الموضوعات:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1])  سورة آل عمران الآية  102.

([2])  سورة النساء الآية 1. 

([3])  سورة الأحزاب الآيتان 70 ، 71.

([4])  رواه البيهقي (10/ 192)، واللفظ له، ورواه الحاكم في المستدرك (2/613)، وقال: صحيح على شرط مسلم. 

([5])  سورة آل عمران الآيتان 133 ، 134.

([6])  رواه البخاري (4/218)، كتاب فضائل الأصحاب، باب مناقب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. 

([7])  رواه أبو داود (5/150 ح 4799)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/911 برقم 4014).  

([8])  رواه البيهقي (10/192)، واللفظ له، ورواه الحاكم في المستدرك (2/613)، وقال: صحيح على شرط مسلم.

([9])  رواه الإمام مالك في الموطأ، ص 990، كتاب الكلام، باب ما جاء في الصدق والكذب برقم 19، وقال ابن عبد البر: لا أحفظ هذا الحديث من وجه ثابت وهو حديث حسن مرسل. 

([10])  سورة آل عمران الآية 103.

([11])  رواه مسلم (3/1999، 2000ح2586).

([12])  سورة الأنفال الآية 1.

([13])  سورة الحجرات الآية 10. 

([14])  سورة الأنفال من الآية 46.  

([15])  رواه مسلم (3/1986 ح2563).

([16])  رواه مسلم (3/1984 ح2560).

([17])  سورة الأحزاب الآية 23. 

([18])  رواه البخاري (3/98)، كتاب المظالم، باب نصر المظلوم.  

([19])  الكامل في تاريخ لابن الأثير (2/319).  

([20])  رواه أحمد  في مسنده (3/166)، من مسند أنس بن مالك، وأورده المنذري في الترغيب (3/548، 543)، وقال: رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري ومسلم والنسائي، ورواته احتج بهم إلا شيخة سويد بن نصر وهو ثقة. 

([21])  رواه مسلم (3/1988 ح2565).  

([22])  رواه البخاري (2/255)، كتاب فضل ليلة القدر، باب رفع معرفة ليلة القدر.   

([23])  سورة القصص من الآية 25.    

([24])   سورة الأحزاب من الآية 53.        

([25])   رواه البخاري (7/100)، كتاب الأدب، باب الحياء.

([26])   رواه مسلم (2/1809 ح2320). 

([27])   جامع العلوم والحكم لابن رجب، ص 189. 

([28])   رواه البخاري (7/100)، كتاب الأدب، باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت.  

([29])   رواه الترمذي (4/375 ح2027)، وقال: حديث حسن غريب.

([30])   رواه مسلم (1/64 ح37). 

([31])   جامع العلوم والحكم، ص 190. 

([32])   جامع العلوم والحكم، ص 188 ـ 191. 

([33])   رواه الترمذي (4/637 ح2258)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/299 برقم 2000).

([34])   سورة النحل الآية 90.

([35])   سورة الأنعام من الآية 152.

([36])   سورة الشورى من الآية 15.

([37])   رواه مسلم (1/715 ح1031).

([38])   إصلاح الوعظ الديني، ص 92.

([39])   سورة المائدة من الآية 42. 

([40])   منهاج المسلم، ص 164. 

([41])   سورة البلد الآيتان 17، 18.  

([42])   سورة الأعراف من الآية 156.   

([43])   رواه الحاكم في المستدرك (4/248)، وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

([44])   رواه الترمذي(4/323 ح1923)، وقال: حديث حسن.    

([45])   منهاج المسلم، ص 166.     

([46])   رواه مسلم ( 2/1808، 1809 ح2318).    

([47])   رواه البخاري (3/77)، كتاب الشرب والمساقاة، باب فضل سقي الماء.     

([48])   المصدر السابق.      

([49])   سورة آل عمران من الآية 134.       

([50])   سورة النور من الآية 22.       

([51])   سورة الأعراف الآية 199.       

([52])   رواه البخاري (7/40)، كتاب اللباس، باب البرود والحبرة والشملة.        

([53])   رواه مسلم (3/2004 ح2594).        

([54])   رواه البخاري (7/102)، كتاب الأدب، باب قول النبي  صلى الله عليه وسلم : (يسروا ولا تعسروا)، وكان يحب التخفيف واليسر على الناس.

([55])   رواه الترمذي (4/656 ح2493)، وقال: حديث حسن غريب.

([56])   سورة الإسراء الآية 32.

([57])   سورة النور الآيتان 30، 31. 

([58])   سورة النور الآية 33. 

([59])   رواه الحاكم (4/326، 327)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.  

([60])   هداية المرشدين، ص 97.  

([61])   سورة النساء من الآية 6. 

([62])   هداية المرشدين، ص 97.   

([63])   سورة الضحى الآية 5.  

([64])   سورة الضحى الآية 5.  

([65])   رواه الترمذي (4/551 ح2305)، وقال غريب منقطع.   

([66])   هداية المرشدين، ص 98.   

([67])  موارد الظمآن (5/132).   

([68])  سورة النحل الآية 128.    

([69])  سورة المائدة الآية 93.     

([70])  سورة لقمان الآية 22.    

([71])  سورة يونس الآية 26.     

([72])  رواه مسلم (2/1548 ح1955).      

([73])   جامع العلوم والحكم، ص 34.       

([74])   المصدر السابق.       

([75])   منهاج المسلم، ص169، 171.

([76])   سورة التوبة الآية 119. 

([77])   سورة الزمر الآية 33.  

([78])   رواه مسلم (3/2013 ح2607).   

([79])   رواه أحمد في مسنده (5/252)، وقال الساعاتي في الفتح الرباني (19/264): هو منقطع وله شاهد يؤيده من حديث سعد بن أبي وقاص، رواه البزار وأبو يعلى بسند صحيح.    

([80])   رواه  الترمذي (4/668 ح2518) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

([81])   رواه  البخاري (3/10)، كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا.

([82])   رواه  مسلم (2/1517 ح1909)، ولم يذكر أبو طاهر في حديثه لفظ: بصدق. 

([83])  رواه  البخاري (3/162، 163)، كتاب الشهادات، باب من أمر بإنجاز الوعد.

([84])  رواه  أبو داود (5/268، 269 ح4996)، وقال الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ص 491 برقم 1062: ضعيف الإسناد. 

([85])  رواه مسلم (2/1681 ح2129).  

([86])  رواه البيهقي (9/118)، وانظر سيرة ابن هشام (4/55).

([87])  سورة المعارج الآيات 19 ـ 25.   

([88])  سورة التوبة من الآية 103.

([89])  سورة الحشر من الآية 9.

([90])  سورة الفرقان من الآية 20.

([91])  رواه السيوطي في الجامع الصغير، 69، واللفظ له، ورواه البيهقي في سننه (10/191) وقال: هذا حديث مرسل.

([92])  سورة الفرقان من الآية 20.

([93])  رواه البخاري (7/198)، كتاب الرقاق من باب من نوقش الحساب عذب.  

([94])  سورة الإسراء الآية 100.  

([95])  رواه البخاري (2/120) كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى:[فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى..].

([96])  رواه الطبراني (10/192) ، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد (3/126) وقال: رواه الطبراني في الكبير، وفيه مبارك بن فضالة وهو ثقة وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن.    

([97])  سورة البقرة الآية 264.     

([98])  سورة الإسراء الآية 29.         

([99])  سورة البقرة من الآية 263.           

    

([100])  سورة الأنعام من الآية 160.

([101])  سورة المنافقون الآية 10.                

([102])  سورة المنافقون الآية 10.            

([103])  رواه البخاري (5/213) ، كتاب التفسير، تفسير سورة هود، باب قوله تعالى: [وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ].     

([104])  سورة آل عمران الآية 200.     

([105])  سورة البقرة من الآية 45.     

([106])  سورة النحل من الآية 127.      

([107])  رواه مسلم (2/2295 ح2999).       

([108])  رواه مسلم (1/203 ح223).        

([109])  رواه البخاري (7/3)، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض.        

([110])  رواه البخاري (8/56)، كتاب الإكراه، باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر.         

([111])  رواه البخاري (4/51)، كتاب الأنبياء، باب رقم 54.

([112])  خلق المسلم، ص 158.          

([113])  سورة العنكبوت الآيتان 2، 3.           

([114])  سورة الأنبياء 83، 84.       

([115])  رواه الترمذي (4/601، 602 ح2398)، وقال: حديث حسن صحيح.       

([116])  سورة السجدة الآية 24.        

([117])  سورة الأنبياء الآيتان 83، 84.        

([118])  سورة الحج الآية 15.         

([119])  سورة العنكبوت الآية 69.          

([120])  رواه البخاري (2/84)، كتاب الجنائز، باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة.          

([121])  سورة الشورى الآية 43.           

([122])  سورة الحشر من الآية 9.          

([123])  سورة الفتح من الآية 29.

([124])  سورة الحشر الآية 9. 

([125])  رواه مسلم (1/67 ح45).  

([126])  بتصرف يسير من صور من حياة الصحابة (4/42). 

([127])  ابن عم حذيفة العدوي هو نعيم بن عبد الله النحام العدوي. انظر المستدرك (3/259).  

([128])  منهاج المسلم، ص 161.

([129])  سورة الفلق الآيتان 4، 5. 

([130])  سورة النساء من الآية 54. 

([131])  رواه ابن ماجه (2/1408 ح 4210)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه، ص 346 برقم 922.  

([132])  رواه النسائي (6/12، 13)، وقال الألباني في صحيح سنن النسائي (2/652 برقم 2912): حديث حسن.  

([133])  رواه الطبراني في الكبير (8/369 ح8157)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/78): رجاله ثقات.   

([134])  رواه البخاري (7/88)، كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر.   

([135])  موارد الظمآن (4/569).   

([136])  رواه البخاري (8/150)، كتاب الاعتصام بالسنة، باب ما جاء في اجتهاد القضاة بما أنزل الله.    

([137])  رواه البخاري (3/209، 210)، كتاب الجهاد والسير، باب ما يتعوذ من الجبن.     

([138])  رواه مسلم (3/2052 ح2664).      

([139])  منهاج المسلم، ص 189.       

([140])  سورة المزمل من الآية 20.         

([141])  سورة آل عمران من الآية 115.       

([142])  سورة البقرة من الآية 251.        

([143])  سورة الفتح من الآية 26.

([144])  رواه البخاري (7/99، 100)، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب. 

([145])  رواه البخاري (7/99)، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب. 

([146])  تحفة العروس، ص 69، 70.  

([147])  سورة الحجرات الآية 6.   

([148])  هداية المرشدين، ص 367، 369.   

([149])  رواه البخاري (4/151)، كتاب الأنبياء، باب رقم 54.    

([150])  سورة الجاثية الآية 37.    

([151])  رواه مسلم (3/2023 ح2620)، أبو داود (4/350، 351 ح4090)، اللفظ له، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/770 برقم 3446).    

([152])  رواه مسلم (1/93 ح91).   

([153])  موارد الظمآن (4/514، 515).   

([154])  موارد الظمآن (4/514، 515).    

([155])  سورة القصص الآية 83.     

([156])  سورة لقمان من الآية 18.      

([157])  موارد الظمآن (4/152).     

([158])  سورة الحجرات من الآية 12.      

([159])  رواه مسلم (3/2001 ح2589).       

([160])  رواه عبد الرزاق في مصنفه (8/314 ح5345)، واللفظ له، ورواه الحاكم في المستدرك (2/37) وقال: صحيح على شرط  الشيخين .        

([161])  رواه الترمذي (4/660 ح2502)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/306 برقم 2034).

([162])  أورده المنذري في الترغيب والترهيب (3/509 برقم 18) ، وقال رواه أبو الشيخ بن حبان وغيره موقوفاً.

([163])  الغيبة وأثرها السيء في المجتمع لحسين العوايشة، ص53، 54. 

([164])  رواه البخاري (8/115، 116)، كتاب الأحكام، باب القضاء على الغائب.  

([165])  رواه مسلم (2/1114 ح1480).   

([166])  رفع الريبة للإمام الشوكاني بتحقيق محمد إبراهيم الشيباني، ص27.    

([167])  رواه البخاري (7/86)، كتاب الأدب، باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب.

([168])  سورة القلم الآيتان 10، 11. 

([169])  رواه مسلم (1/101 ح105).  

([170])  رواه البخاري (2/98، 99)، كتاب الجنائز، باب الجريد على القبر.  

([171])  وفي قراءة أخرى (فتثبتوا).   

([172])  سورة الحجرات الآية 6.   

([173])  سورة لقمان من الآية 17.    

([174])  سورة الحجرات من الآية 6.     

([175])  سورة القلم الآية 11.      

([176])  حفظ اللسان ـ وحيد بالي، ص 45.      

([177])  المصدر السابق.       

([178])  سورة فاطر الآيتان 29، 30.        

([179])  سورة النور الآيتان 37، 38.         

([180])  سورة البقرة من الآية 261.          

([181])  سورة الأنعام من الآية 160.          

([182])  الرحيق المختوم، ص 486.

([183])  سورة التوبة الآية 111. 

([184])  سورة المزمل من الآية 20.  

([185])  سورة المؤمنون الآية 115.  

([186])  رواه الحاكم في المستدرك (1/57)، قال: صحيح على شرط البخاري.   

([187])  سورة الحشر الآية 19.    

([188])  سورة القلم الآيتان 44، 45.

([189])  سورة التوبة من الآية 123.

([190])  حلية الأولياء (2/240) بتصرف.

([191])  سورة هود من الآية 112.

([192])  رواه الترمذي (5/402 ح3297)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/113 برقم 2627). 

([193])  سورة هود من الآية 112.

([194])  رواه مسلم (1/65 ح38). 

([195])  سورة الفرقان من الآية 72.  

([196])  سورة الأحقاف الآيتان 13، 14.

([197])  سورة الأنفال من الآية 63. 

([198])  سورة الحجرات الآية 10. 

([199])  سورة مريم الآية 96.  

([200])  رواه مسلم (3/1988 ح2566).   

([201])  رواه مسلم (3/1988 ح2567).   

([202])  موارد الظمآن (1/718).  

([203])  سيرة ابن هشام (1/491، 492).    

([204])  أسد الغابة (4/103، 104 رقم الترجمة 3783)، والتفسير الكبير للإمام الفخر الرازي (5/204) تفسير سورة البقرة.

([205])  سورة البقرة الآية 207.

([206])  سورة النور الآيات 27 ـ 29. 

([207])  رواه البخاري (8/45) كتاب الديات، باب من اطلع في بيت قوم ففقأوا عينه فلا دية له.  

([208])  سورة النور الآية 28.

([209])  رواه أبو داود (5/372، 373 ح5185)، وقال الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ص 511، 512 برقم 1111: ضعيف الإسناد.  

([210])  رواه أبو داود (5/374 ح5186)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/974 برقم 4318).    

([211])  رواه البخاري (7/131)، كتاب الاستئذان، باب إذا قال: من ذا؟ قال: أنا.

([212])  سورة النازعات الآية 24.     

([213])  سورة ص الآية 76. 

([214])  انظر تفسير ابن كثير (3/280).

([215])  سورة النور من الآية 28.

([216])  سورة النور من الآية 29.

([217])  سورة الأعراف من الآية 156.

([218])  سورة النساء الآية 48.

([219])  سورة النور الآية 31.

([220])  سورة التحريم الآية 8.

([221])  سورة فصلت الآيتان 41، 42.

([222])  رواه مسلم (2/1472، 1473 ح1844). 

([223])  رواه مسلم (1/65 ح38).

([224])  سورة طه الآية 48. 

([225])  سورة الليل الآيات 14 ـ 16.

([226])  رواه مسلم (3/2239 ح2922). 

([227])  سورة النور الآية 63.  

([228])  رواه مسلم (1/53 ح23).

([229])  رواه البخاري (1/9)، كتاب الإيمان باب حب الرسول من الإيمان.

([230])  أخرجه النووي في الأربعين (ح41)، وقال ابن حجر في فتح الباري (13/289): رجاله ثقات.

([231])  رواه البخاري (8/171)، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى: [وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ]، وقوله تعالى: [تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ].

([232])  رواه مسلم (3/2206 ح2877).

([233])  سورة الملك الآية 15. 

([234])  سورة الطلاق الآيتان 2، 3.

([235])  سورة نوح الآيات  10 ـ 12.

([236])  رواه أبو داود (2/178، 179 ح1518)، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. 

([237])  سورة الطلاق من الآية 3. 

([238])  سورة غافر  من الآية 60.  

([239])  سورة الذاريات الآيتان 22، 23.   

([240])  سورة إبراهيم الآية 7.   

([241])  رواه الترمذي (4/574 ح2346)، وقال: حسن غريب.    

([242])  سورة النمل من الآية 19.     

([243])  سورة الأحقاف من الآية 15.      

([244])  رواه البخاري (1/15)، كتاب الإيمان، باب الدين يسر.      

([245])  رواه البخاري (1/15)، كتاب الإيمان، باب الدين يسر.      

([246])  سورة المزمل من الآية 20.       

([247])  سورة المزمل من الآية 20.       

([248])  سورة هود من الآية 114.        

([249])  هداية المرشدين ، ص 483.         

([250])  هداية المرشدين ، ص 483.         

([251])  سورة النحل الآية 97.          

([252])  سورة البقرة من الآية 85.

([253])  سورة البقرة من الآية 85.

([254])  سورة العلق الآية 1.

([255])  سورة الأنفال الآية 29. 

([256])  سورة الحديد الآية 28.  

([257])  سورة البقرة من الآية 282.   

([258])  رواه البخاري (8/149)، كتاب الاعتصام بالسنة، باب قول الرسولصلى الله عليه وسلم  : (لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون) وهم أهل العلم.    

([259])  رواه مسلم (3/2074 ح 2699).    

([260])  رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/94، 95)، وقال: هكذا حدثنيه أبو عبد الله مرفوعاً وقد رويناه من طرق شتى موقوفاً وهو حديث حسن جداً.     

([261])  سورة طه من الآية : 114.    

([262])  رواه البخاري (1/33، 34)، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم.     

([263])  رواه أبو داود (4/57، 58، ح3641)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/694 برقم 3096).

([264])  بتصرف يسير من مجموع فتاوى ابن تيمية (11/396، 397).       

([265])  سورة المجادلة من الآية 11.         

([266])  سورة فاطر من الآية 28.          

([267])  إحياء علوم الدين (1/5).        

([268])  جامع بيان العلم وفضله(1/48).

([269])  جامع بيان العلم وفضله(1/48).

([270])  ديوان الإمام الشافعي، ص 81.        

([271])  جامع بيان العلم وفضله ( 1/196).

([272])  الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ص 104، لابن قيم.       

([273])  ديوان الإمام الشافعي ، ص54.         

([274])  انظر صحيح البخاري (1/41)، ط الكتب الستة.          

([275])  رواه الترمذي (5/32 ح2654)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/337 برقم 2138).          

([276])  جامع بيان العلم وفضله (1/60).           

([277])  سورة آل عمران الآية 187.

([278])  سورة الصف الآية 3.          

([279])  جامع بيان العلم وفضله (1/195).           

([280])  جامع بيان العلم وفضله (2/7).           

([281])  رواه البخاري (4/90)، كتاب بدء الخلق، باب صفة النار وأنها مخلوقة.

([282])  رواه ابن ماجه (1/97/265)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ، ص 22 برقم 56.            

([283])  أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد (1/140)، وقال: رواه البزار وفيه عمرو بن خالد القرشي كذبه ابن معين وأحمد بن حنبل ونسبه إلى الوضع.

([284])  سورة الزمر الآية 60.

([285])  سورة الزخرف الآية 25.

([286])  رواه مسلم (3/2013 ح2607). 

([287])  رواه الترمذي (4/668 ح2518)، قال حسن صحيح.  

([288]) رواه البخاري (3/162، 163)، كتاب الشهادات، باب من أمر بإيجاز الوعد.

([289]) سورة النحل الآية 116. 

([290]) رواه البخاري (1/36)، كتاب العلم، باب إثم من كذب على الرسول.

([291]) رواه البخاري (3/166)، كتاب الصلح ، باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس. 

([292]) سورة النساء الآية 83.  

([293]) آفات اللسان لإبراهيم المشوخي.  

([294]) رواه أبو داود (5/189 ح4869)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ص480 رقم 1037.

([295]) رواه الترمذي (4/350 ح1976)، وقال: حسن صحيح. 

([296]) رواه مسلم(3/2004 ح2595).  

([297]) سورة الحجرات الآية 11.   

([298]) رواه أبو داود (5/195، 196 ح4882)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود( 3/924 برقم 4085).

([299]) سورة الحجرات الآية 13. 

([300]) رواه البخاري (7/178)، كتاب الرقاق ، باب فضل الفقر.  

([301]) سورة غافر من الآية 60.   

([302]) رواه مسلم (1/350 ح482).    

([303]) سورة الأحزاب الآية 21.    

([304]) الرحيق المختوم، ص142، 143، بتصرف.    

([305]) رواه أبو داود (2/164، 165 ح1486)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/278 برقم 1318): حسن صحيح.     

([306]) رواه البخاري (7/153)، كتاب الدعوات، باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له.      

([307]) رواه أبو داود (2/164، 165 ح1486)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/278 برقم 1318): حسن صحيح.     

([308]) رواه البخاري (1/203)، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام.      

([309]) سورة الحشر من الآية 10.       

([310]) سورة الأعراف الآية 205.       

([311]) سورة الرعد من الآية 28.        

([312]) رواه أحمد (1/307)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، واللفظ له، ورواه الترمذي (4/667 ح2516)، وقال: حديث حسن صحيح.

([313]) سورة المنافقون الآيات 9 ـ 11.      

([314]) سورة الحشر من الآية 19.      

([315]) سورة الحج الآية 2.       

([316]) رواه الترمذي (4/642 ح2465)، صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/300 برقم 2005).        

([317]) سورة الحديد الآية 20.         

([318]) سيرة ابن هشام (2/499، 500).          

([319]) سورة الإسراء الآيات 23 ـ 25.           

([320]) رواه البخاري (1/134)، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها.            

([321]) رواه البخاري (7/69)، كتاب الأدب، باب لا يسب الرجل والديه.             

([322]) سورة لقمان من الآية 15.              

([323]) سورة مريم الآية 47.

([324]) رواه مسلم (2/1469 ح1840).

([325]) سورة الإسراء من الآية 23.

([326]) رواه البخاري في الأدب المفرد، ص21 ح13، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص 36، 37 برقم 10.

([327]) هداية المرشدين، ص474. 

([328]) رواه أبو داود (3/801، 802 ح3530)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/674 برقم 3015): حسن صحيح.

([329]) سورة الإسراء من الآية 24. 

([330]) رواه مسلم (2/1255 ح1631). 

([331]) رواه مسلم (3/1979 ح2552). 

([332]) رواه مسلم (1/805 ح1149). 

([333]) رواه مسلم (3/1974 ح2548). 

([334]) رواه أحمد (2/302)، وقال في مجمع الزوائد (6/257): رواه أحمد والطبراني وفيه جابان وثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح.

([335]) رواه البخاري (6/123)، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين. 

([336]) رواه أحمد (1/191)، وقال في الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (9/471 برقم 4163): حديث صحيح.  

([337]) رواه مسلم (2/1682 ح2132).

([338]) التربية الإسلامية د/الأهواني، ص129. 

([339]) رواه مسلم (2/1255 ح1631).  

([340]) سورة النور من الآية 33.

([341]) رواه مسلم(2/1018، 1019 ح1400). 

([342]) سورة الروم الآية 21.  

([343]) سورة النساء من الآية 19.

([344]) سورة البقرة من الآية 228.

([345]) سورة البقرة من الآية 228.

([346]) سورة البقرة من الآية 228.

([347]) رواه الترمذي (3/456 ح1159)، وقال: حسن غريب. 

([348]) سورة النساء من الآية 34.  

([349]) سورة النساء من الآية 34.  

([350]) رواه أحمد (4/341)، من حديث حصين بن محض، والحاكم (2/189)، واللفظ له وقال: حديث صحيح.   

([351]) رواه البخاري (6/150)، كتاب النكاح، باب لا تأذن المرأ في بيت زوجها إلا بإذنه.    

([352]) شرح مسلم للنووي (7/155).

([353]) رواه البخاري (6/150)، كتاب النكاح، باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها إلا بإذنه. 

([354]) رواه البخاري (3/87، 88)، كتاب الاستقراض، باب العبد راع في مال سيده ولا يعمل إلا بإذنه.

([355]) رواه الترمذي (3/467 ح1163)، وقال: حسن صحيح.

([356]) رواه أبو داود (2/606 ح2142)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/402 برقم 1875): حسن صحيح.

([357]) سورة النساء من الآية 4.

([358]) رواه الحاكم (2/178)، وقال الألباني في إرواء الغليل (6/348 برقم 1928): حديث ضعيف. 

([359]) سورة البقرة من الآية 233.  

([360]) سورة الطلاق من الآية 6.   

([361]) رواه البخاري (8/115، 116)، كتاب الاحكام، باب القضاء على الغائب.    

([362]) سورة النساء من الآية 19.    

([363]) رواه الترمذي (5/709 ح3895)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/245 برقم 3057).   

([364]) رواه البخاري (2/243)، كتاب الصوم ، باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له.    

([365]) الحمو: أخو الزوج.     

([366]) رواه مسلم (2/1136 ح1499).

([367]) رواه مسلم (2/1060 ح1437).

([368]) رواه مسلم (1/74 ح55). 

([369]) سورة الشورى من الآية 38. 

([370]) سورة آل عمران من الآية 159.

([371]) سورة الأحزاب الآية 21.

([372]) سورة النساء من الآية 36.

([373]) رواه الترمذي (4/551 ح2305)، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان. 

([374]) رواه مسلم (1/69 ح48 برقم 77 في الكتاب).  

([375]) رواه مسلم (1/90 ح86).

([376]) سورة الفرقان الآية 68.

([377]) رواه مسلم(2/1726، 1727 ح2199).

([378]) الخلل في الحائط وغيره. 

([379]) حق الجار ـ طه عبد الله العفيفي، ص 31، وما بعدها.  

([380]) حق الجار ـ طه العفيفي، ص32.

([381]) رواه ابن ماجه (2/812 ح2431)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه، ص 188 برقم 528. 

([382]) سورة البقرة من الآية 267.

([383]) رواه البخاري (3/195)، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً].  

([384]) رواه الحاكم في المستدرك (2/57، 58)، وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم.   

([385]) رواه مسلم (3/1999، 2000 ح2586).

([386]) رواه الطبراني (12/358 ح13334)، وقال في مجمع الزوائد (8/192): ضعفه وحسن حديثه ابن عدي وأحمد بن طارق الراوي عنه لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح.

([387]) أسد الغاب(4/292 ـ 293 رقم الترجمة 4070). 

([388]) رواه الترمذي (3/300، 301 ح969)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/286 برقم 775).

([389]) رواه ابن ماجه(2/1178 ح3558)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2/275 برقم 2863). 

([390]) الأذكار النووية ، ص204.  

([391]) المصدر السابق.  

([392]) رواه الطبراني في الكبير(12/292 ح13151)، وقال في مجمع الزوائد (3/211): رواه الطبراني في الأوسط وفي الصحيح طرف من أوله وفيه مسلمة بن سالم الجهني صعفه الدار قطني.

([393]) رواه الترمذي (3/400 ح1091)، وقال: حسن صحيح.

([394]) الأذكار النووية، ص256. 

([395]) رواه الترمذي (3/385 ح1073)، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن عاصم.  

([396]) رواه البخاري (2/79، 80)، كتاب الجنائز، باب (يعذب الميت ببعض بكاء أهله).   

([397]) رواه الترمذي (3/358 ح1040)، وقال: حسن صحيح.    

([398]) رواه مسلم (3/2025 ح2624).     

([399]) سورة الحشر من الآية 9.      

([400]) رواه البخاري في الأدب المفرد، ص 54، ح 112، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص 67 برقم 82.       

([401]) رواه البخاري في الأدب المفرد، ص 54، ح 111، وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص 67 برقم 81: حسن لغيره.        

([402]) إحياء علوم الدين (2/190).        

([403]) سورة النساء من الآية 36.

([404]) رواه البخاري (7/72، 73)، كتاب الأدب، باب من وصل وصله الله. 

([405]) سورة محمد الآية 22. 

([406]) سيرة ابن هشام (3/312ـ 315). 

([407]) سورة النور الآية 11.  

([408]) سورة النور 22.  

([409]) انظر: تفسير ابن كثير (3/726)، ط الحلبي ، القاهرة.  

([410]) رواه مسلم (3/1982 ح2558).

([411]) رواه مسلم (2/1393 ـ 1397 ح1773). 

([412]) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8/151)، وقال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح، غير نافع بن خالد الطاحي وهو ثقة.  

([413]) سورة العنكبوت الآيتان 1، 2.

([414]) سورة آل عمران الآية 142.   

([415]) رواه مسلم (2/2295 ح2999).    

([416]) سورة المنافقون من الآية 8.

([417]) سورة الملك الآية 2. 

([418]) سورة النور الآية 11. 

([419]) سورة الأنفال الآية 37.  

([420]) حكمة الابتلاء لابن القيم، إعداد مروان كجك، ص43.   

([421]) سورة أل عمران الآيات 139ـ 144.  

([422]) بصائر للمسلم المعاصر، عبد الرحمن حبنكه الميداني، ص69، بتصرف يسير.   

([423]) سورة الزمر الآيات 57 ـ 59.

([424]) سورة الشورى الآية 27. 

([425]) سورة الروم الآية 41. 

([426]) سورة الأنبياء الآية 35.  

([427]) رواه مسلم (1/99 ح101).

([428]) سورة فاطر من الآية 43.

([429]) سورة المائدة من الآية 100.

([430]) رواه مسلم (1/99ح 102).

([431]) رواه البخاري (3/10)، كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا. 

([432]) سورة فاطر من الآية 43.  

([433]) وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم،  د / طه عبد الله العفيفي (المجلد الثاني ، الجزء من 11ـ 20).

([434]) قرية كبيرة من قرى دمشق بالغوطة، وخولان قبيلة عربية نزلت بمصر والشام فخملت أنسابهم، انظر الجمهرة: (393).

([435]) أسد الغابة (1/243 ـ 245 برقم 493)، بتصريف يسير.   

([436]) سورة البقرة الآية 9.

([437]) سورة البقرة الآية 14.

([438]) سورة البقرة الآية 16

([439]) رواه أبو داود (5/365، 366 ح5170)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/971 برقم 4307). 

([440]) سورة الأحزاب الآية 58.  

([441]) سورة الفتح من الآية 10.   

([442]) سورة فاطر من الآية 43.   

([443]) سورة القلم الآية 4.