9- المخدرات في الفقه الإسلامي

الثلاثاء 27 جمادى الآخرة 1445هـ 9-1-2024م

9- المخدرات في الفقه الإسلامي – pdf

 

 

المخدرات

في الفقه الإسلامي

 

تأليف

أ. د / عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

 

  

تقديم

بقلم: فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

الحمد للهِ رَبِّ العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد:

فقد خلق الله الإنسان وكرمه وميزه على سائر المخلوقات بمميزات عظيمة من أهمها العقل ولإدراك اللذين يستطيع بمها أن يعبد ربه ويشارك في بناء المجتمع الذي يعيش فيه بناءً صالحاً , ومن ثم خاطب الله العقلاء وكلفهم بتكاليف عظيمة ترجع فائدتها إليهم وإلى مجتمعهم بالخير والسعادة وحرم سبحانه تعاطي ما يخل بهذا العقل من المسكرات والمخدرات والمفترات ورتب على ذلك عقوبات رادعة في حق من تناول المسكر والمخدر وما في حكمهما وفي حق من يقوم بترويج هذه المخدرات أو جلبها إلى بلاد المسلمين. وقد اهتم علماء الإسلام قديماً وحديثاً بالتحذير من هذه المواد الخبيثة والسموم القاتلة وبيان الحكم الشرعي الذي يطبق في حق من يزاول هذه الجريمة كما اهتم ولاة أمور المسلمين بمتابعة ذلك وتنفيذ هذه الأحكام الشرعية كما تقوم به حكومة هذه البلاد السعودية أعزها الله بطاعته وزادها من توفيقه وهدايته.

وإن من أهم ما كتب في هذا الموضوع الرسالة التي كتبها أخونا فضيلة الدكتور الشيخ: عبد الله بن محمد الطيار في موضوع المخدرات وبيان أنواعها وأضرارها وآثارها السيئة على الفرد والمجتمع بناء على معلومات موثقة وأحكام شرعية ثابتة مما يعد إسهاماً جيداً منه في التصدي لهذه الجريمة الخبيثة ونصيحة للأمة فجزاه الله خيراً وأجزل له المثوبة ونفع بجهوده ورزقنا وإياه وإخواننا المسلمين العلم النافع والعمل الصالح. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

                                                                                         كتبه: صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان

                                                                                                    عضو هيئة كبار العلماء

                                                                                                وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله الذي ميز الإنسان، وكرمه على سائر المخلوقات، وأباح له الطيبات، وحرم عليه الخبائث، يقول الله تعالى [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً]([1]). والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين القائل في سننه الغراء:(إن لله طيب لا يقبل إلا طيبا)([2]).

وبعد: فهذه رسالة مختصرة في موضوع من أهم الموضوعات وأشدها خطورة على الفرد والمجتمع حرصت أن تكون مساهمة في بناء الفرد الصالح الذي يشكل لبنة في المجتمع وعضواً في الأمة ويؤمنُ بالله ويسخر حياته كلها من أجل دينه كما قال الله تعالى :[ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ]([3]).

إن موضوع المخدرات مشكلة تؤرق العالم كله شرقيه وغربيه وخطرها على العالم الإسلامي ملموس خصوصاً وأن العالم اليوم يعيش وكأنه قرية واحدة فيما يقع في أقصى الأرض من أحداث يتأثر بها من يعيش في أدناها .

وهذا يحتم على المسلمين إذا أرادوا حماية ناشئتهم بذل المزيد من الجهود لإحكام الرقابة الصارمة على مواطن الريبة وعناصر الفساد .

كما يحتم عليهم القيام بجهود متواصلة في التوجيه والبيان ولإرشاد لتتلاقى هذه الجهود وتكون سداً منيعاً في وجه دعاة الضلال ومروجي الرذيلة .

لقد أوجب الله تعالى حماية الضرورات الخمس وهى الدين والنفس والعقل والعرض والمال .

والمخدرات تهدم هذه الضرورات، وتقضي عليها لأن من آثارها المحسوسة أن متعاطيها يضيع الصلاة والصيام ويرتكب سائر المنكرات دون خجل أو حياء.

كما أنها تزهق النفوس إذ كثيراً ما ينتحر المتعاطون، أو يقتل بعضهم بعضاً، والإحصائيات العالمية خير شاهد على ذلك.

أما تضييعها للعقل فهو معروف لكل عاقل، ومن غاب عقله فعل الأفاعيل وهو لا يدري، ومن غاب عقله هان عليه عرضه، وهذا أمر مشاهد في عالم المخدرات والمتعاطين، فهم أرخص الناس أعراضاً والعياذ بالله.

أما إتلافها للمال فحدث عنه ولا حرج، فكم من غني بات بسبب تعاطيها فقيراً، وكم من مالك لمسكن خرج من مسكنه ونزل عن مركوبه بسببها، لهذا كله جاءت هذه المساهمة، راجياً من العلي القدير أن تكون في ميزان الحسنات، وألا يحرمني القارئ الكريم من دعوة في ظهر الغيب، وأن يتفضل علي بما عساه يجده من ملاحظات وتوجيهات، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، والله الهادي إلى سواء السبيل.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

                                                                                                               وكتبه

                                                                                      أبو محمد عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

                                                                                          في مدينة الزلفي ظهر يوم الأربعاء

                                                                                                       21/ 3/ 1411هـ

 

تمهيد

في تعريف المخدرات

أولاً: تعريف المخدرات في اللغة:

المخدرات: جمع مخدر، وهو مأخوذ من الخدر وهو الضعيف والكسل والفتور والاسترخاء. يقال: تخدر العضو إذا استرخى فلا يطيق الحركة. وخدر الشارب كفرح خدراً إذا فتر وضعف، ويطلق الخدر أيضاً على ظلمة المكان وغموضه، يقال: مكان أخدر وخدر إذا كان مظلماً، ومنه قيل للظلمة الشديدة: خدرة، وكل ما منعك بصرك عن شي وحجبه عنه فقد أخدره.

والخدر كل ما واراك ومنه خدر الجارية وهو ما استترت فيه من البيت. وخدر الأسد يخدر وأخدر لزم خدره وأقام به وخدره أكمته وأخدره عرينه وأراه.

ويطلق الخدر أيضاً على البرودة ـ يقال ليلة خدرة إذا كانت باردة ويوم خدر إذا كان بارداً، من هذا يتبين أن المادة تدور على معنى الظلمة والسير والغموض وعلى معنى البرودة، ومعنى لزوم الشيء والإقامة به، ويتبع ذلك الجبن والتأخر والحيرة والتردد والتبلد وعدم الغيرة، وكل هذه المعاني متحققة فيمن يتعاطى المخدرات مائعها وجامدها([4]).

ثانياً: تعريف المخدرات في الاصطلاح:

عرفها القرافي رحمه الله تعالى فقال: هي ما غيب العقل والحواس دون أن يصحب ذلك نشوة أو سرور([5]).

وعرفها ابن حجر الهيثمي فقال: هي تغطية العقل لا مع الشدة المطربة لأنها من خصوصيات المسكر المائع([6]).

وعرفها صاحب عون المعبود فقال: ما يغطي العقل دون حدوث طرب أو عربدة أو نشاط([7]).

وورد تعريف المخدرات في الموسوعة الفقهية بأن (التخدير تغشية العقل من غير شدة مطربة)([8]).

ويتلخص من هذه التعريفات المختلفة أن أصدق تعريف للمخدرات: أنها كل مادة خام أو مستحضرة (أي مصنوعة) تحوي على عناصر منبهة أو مسكنة من شأنها إذا استخدمت في غير الأغراض الطبية والصناعية أن تؤدي إلى حالة من التعود أو الإدمان عليها مما يضر بالفرد والمجتمع جسمياً واجتماعياً ونفسياً([9]).

وهذا التعريف شامل لجميع أنواع المخدرات الموجودة والتي قد تكتشف مستقبلاً.

المناسبة بين المعنى الشرعي والمعنى اللغوي:

يتضح من خلال التعريف الذي ارتضيناه للمخدرات أن هناك صلة وثيقة بين المعنى الشرعي والمعنى اللغوي ذلك أن المعنى اللغوي هو الضعف والكسل والفتور والظلمة والغموض، والمعنى الشرعي الذي أشرنا إليه يشمل هذه المعاني كلها وبهذا يتضح أن المعنى الشرعي متوائُم مع المعنى اللغوي المشار إليه.

غير أن بعض أهل العلم انقسموا إلى فريقين حيال المساواة بين المشروبات المسكرة وبين سائر المخدرات.

الفريق الأول:

ساوى بين هذه المواد ـ الحشيشة والأفيون والبنج ونحوها ـ وبين المشروبات المسكرة حيث اعتبر هذه المواد مواداً مسكرة، ويتولد عنها الطرب والنشوة والحمية كالخمر تماماً.

ومن أعيان هذا الفريق شيخ الإسلام ابن تيمية([10]) والحافظ ابن حجر([11]) والإمام الذهبي([12]).

الفريق الثاني:

اعتبر هذه المواد مجرد مواد مفترة ينحصر تأثيرها في الفتور والاسترخاء الذي يصيب الأطراف فيشلها عن الحركة لكنها لا تغيب العقل.

ومن أنصار هذا الرأي صاحب عون المعبود حيث قال: إطلاق السكر على الخدر غير صحيح فإن الخدر هو الضعف في البدن والفتر الذي يصيب الشارب قبل السكر كما صرح به ابن الأثير ([13]) في النهاية([14]).

وإذا أمعنا النظر وعوّلنا على واقع متعاطي المخدرات اقتضى ذلك أن نرجح دون تردد  ما ذهب إليه الفريق الأول وقد لمست ذلك بنفسي خلال مقابلتي لبعض سجناء متعاطي المخدرات وأوضحوا لي أن تأثير المخدرات يفوق تأثير المسكر في بعض الأحيان. وعلى كل حال فالمسكرات والمخدرات يختلف تأثيرها من شخص لآخر ومن كمية لأخرى لكن الأمر الذي لا يقبل الجدل أن تأثيرها مساو لتأثير المسكر إن لم يفق عليه.

 

 

الفصل الأول

تاريخ ظهور المخدرات وأسباب انتشارها

ويشمل مبحثين:

المبحث الأول: تاريخ ظهورها.

وتحته ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: تاريخ ظهور المخدرات في العالم.

المطلب الثاني: تاريخ ظهور المخدرات في بلاد المسلمين.

المطلب الثالث: تاريخ ظهور المخدرات في المملكة العربية السعودية.

المبحث الثاني: أسباب انتشارها.

 

المبحث الأول: تاريخ ظهورها.

وتحته ثلاثة مطالب:

 

المطلب الأول: تاريخ ظهور المخدرات وانتشارها في العالم:

يتضح من استعراض تاريخ المخدرات أنها كانت تستخدم منذ أمد بعيد, فهي قديمة قدم البشرية والإقبال على المخدرات في العصور المتأخرة بدأ يتزايد بشكل كبير مما أقلق المصلحين والساسة ورجال التربية ووضعوا لذلك حلواً كبيراً للحد من انتشارها.

وبنظرة فاحصة لتاريخ استعمال المخدرات نجد أن ملايين الأفراد أقدموا على تعاطي المخدرات, بل عرفت أقدم الحضارات المخدرات الطبيعية وأسرف الكثيرون في تناولها في عهود كثيرة, فالأفيون يرجع تاريخه أكثر من أربعة آلاف سنة قبل الميلاد حيث وجدت لوحة سومرية تدل على ذلك وكان السومريون يطلقون على الأفيون نبات السعادة.

وفي أوائل القرن التاسع عشر تمكن عالم كيميائي ألماني يدعى ـ سيد ترونر ـ من فصل مادة المورفين عن الأفيون وأطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى ـ مورفيوس ـ أي إله الأحلام والأساطير الإغريقية.

ثم استخدم المورفين في الحرب الأهلية الأمريكية لتخفيف الآم جرحى الحرب ولكن الأطباء لاحظوا أن متعاطي هذا العقار أدمنوا عليه فأطلق عليه اسم ـ مرض الجنود ـ.

وفي عام 1889م تكن عالم إنجليزي من التعرف على مركب ـ داي استيسل المورفين ـ حيث استخرجه من المورفين ثم بدءوا في استخدامه فيلا علاج مدمني المورفين وبيع تحت اسم الهيروين ولم يعلموا أنه خطر من المورفين بمرات عديدة.

والحشيش عرف منذ 2700سنة قبل الميلاد عند الهنود والصينيين.

وعرف الكوكايين منذ 500سنة قبل الميلاد في أمريكا الجنوبية حيث كان يتم مضغ أوراق نبات الكوكا . ويرجع تاريخ القات لعام 525م حيث أدخلة الأحباش إلى جنوب الجزيرة العربية([15]).           

المطلب الثاني: ظهور المخدرات وانتشارها في بلاد المسلمين:

لا يعرف على وجه التحديد بدء ظهور المخدرات في بلاد المسلمين إذ المصادر التي بين أيدينا مختلفة في تاريخ ظهورها في بلاد المسلمين.

فشيخ الإسلام ابن تيميةـ مثلاً ـ يرى أن بدء ظهور الحشيشة بين المسلمين في أواخر المائة السادسة وأوائل السابعة حين ظهرت دولة التتر وكان ظهورها مع ظهور سيف (جنكيز خان) لما أظهر الناس ما نهاهم الله ورسوله عنه من الذنوب سلط الله عليهم العدو([16]).

ويرى الإمام الزركشي أن ظهور الحشيشة في بلاد المسلمين يرجع تاريخه إلى سنة 550هـ. يقول الزركشي رحمه الله: (ثم قيل كان ظهورها على يد حيدر في سنة خمسين  وخمسمائة تقريباً، ولهذا سميت حيدرية وذلك أنه خرج هائماً ينفر من أصحابه فمر عليه هذه الحشيشة فرأى أغصانها تتحرك من غير هواء فقال في نفسه هذا السر فيها فاقتطف وأكل منها فلما رجع  إليهم أعلمهم أنه رأى سراً وأمرهم بأكلها)([17]).

ويرى الإمام الذهبي: أن أول ظهور التتار في تاريخ دول الإسلام كان في سنة 606هـ([18]).

ويرى المقريزي: أن ظهور الحشيشة كان في عام 618هـ على يد الشيخ حيدر شيخ فقراء المتصوفة ولهذا سميت حشيشة الفقراء([19]).

ويذكر الإمام ابن كثير في حوادث سنة 494هـ أن الحسن بن الصباح زعيم الطائفة المعروفة بالحشيش كان يستعمل مادة العجوز والشونيز ممزوجتان بالعسل فيطعم بذلك من اتجه لدعوته من الناس حتى يحرق مزاجه ويفسد دماغه حتى يستجيب له ويصير أطوع له من أبيه وأمه، وهذا يعني أن نوعاً من المخدرات قد عرف في ذلك الوقت الذي ظهرت فيه الطائفة([20]).

وسواء عرف المسلمون المخدرات قديماً أو حديثاً فإن الأهم من ذلك كله ما آل إليه أمرهم في هذا العصر من تهافت على هذا الوباء زراعة وتجارة وتناولاً وذلك بسبب بعدهم عن منهج الله وتنكبهم صراطه المستقيم وتكالبهم على الدنيا وشهواتها.

فأصبح من المسلمين في طول البلاد الإسلامية وعرضها من يروج لهذه السموم ويتاجر فيها ويبني سعادته الوهمية الوقتية على شقاء الآخرين وتعاستهم.

إن كل شخص تمتد يده إلى هذه السموم الفتاكة زراعة وتجارة وبيعاً وشراء وتناولاً يعتبر مجرماً في حق نفسه وفي حق الآخرين يجب الأخذ على يده وإن أدى ذلك إلى إزهاق روحه حفاظاً على المجتمع كله من أن يعبث به العابثون ويتلاعب به المجرمون.

يقول الشيخ محمد بن حسين المالكي: (. . . اعلم أن النبات المعروف بالحشيشة لم يتكلم عليه الأئمة المجتهدون ولا غيرهم من علماء السلف لأنه لم يكن في زمنهم وإنما ظهر في أواخر المائة السادسة وانتشرت في دولة التتار. قال العلقمي في شرح الجامع حكي أن رجلاً من العجم قدم القاهرة وطلب دليلاً على تحريم الحشيشة وعقد لذلك مجلساً حضره علماء العصر فاستدل الحافظ زين الدين العراقي بحديث أم سلمة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر فأعجب الحاضرين…)([21]).

المطلب الثالث: تاريخ ظهور المخدرات في المملكة العربية السعودية :

بدأت المخدرات تظهر في المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة وبالتحديد منذ ربع قرن تقريباً إلا أن حجم انتشارها أقل بكثير جداً من أي بلد في العالم وذلك بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل الأحكام الصارمة على متعاطيها ومهربيها ومروجيها، ولعل صدور الفتوى من هيئة كبار العلماء بقتل المروجين تعزيراً وصدور الأمر السامي على هذه الفتوى بإعدام المهربين والمروجين.

أقول لعل لذلك الأثر البالغ الذي لمسناه خلال الأعوام المنصرمة، فقد قل تهريبها وترويجها وإن كان موجوداً ولكننا وبحق وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح والسليم ـ بمشيئة الله تعالى ـ .

ولقد اطلعت على تقرير صادر من الإدارة العامة لمكافحة المخدرات يشير إلى انخفاض نسبة التهريب والترويج انخفاضاً ملموساً، ونحن نقول لا بد من تضافر الجهود وبذل ما في الوسع من قبل كل مواطن ليكون عوناً لرجال المكافحة ورجال الحسبة ليأتي الوقت الذي نتمكن بفضل الله من القضاء على المخدرات كلها وما ذلك على الله بعزيز([22]).

 

المبحث الثاني

أسباب انتشار المخدرات

وتحته تمهيد وعشرة مطالب:

المطلب الأول: ضعف الوازع الديني.

المطلب الثاني: الفراغ.

المطلب الثالث: قرناء السوء.

المطلب الرابع: المشاكل الأسرية.

المطلب الخامس: السفر إلى الخارج.

المطلب السادس: العمالة الأجنبية.

المطلب السابع: الفقر وقلة ذات اليد.

المطلب الثامن: التقليد الأعمى والمجاملة للآخرين.

المطلب التاسع: رواج بعض الأفكار الكاذبة عن المخدرات.

المطلب العاشر: الاستعمار.

 

تمهيد

أسباب انتشار المخدرات

هناك أسباب كثيرة تساعد على انتشار المخدرات منها أسباب اجتماعية وأسباب اقتصادية، وأسباب نفسية، وكل هذه الأسباب منها المباشر الذي يرى تأثيره الواضح في المجتمع، ومنها غير المباشر الذي قد لا يشعر به إلا أهل الاختصاص وذوي الخبرة.

وسأذكر ما ظهر لي من الأسباب ساعدت وتساعد على انتشار هذا الوباء الخطير علماً أن معظم هذه الأسباب استقيته من أشخاص موقوفين بسبب تعاطي هذه السموم الفتاكة فإليك أخي القارئ ما وقفت عليه من هذه الأسباب.

المطلب الأول: ضعف الوازع الديني:

لعل من أبرز أسباب تعاطي المخدرات ضعف الوازع الديني لدى المتعاطي ذلك أن الشخص المتمسك بدينه يبعد كل البعد أن تمتد يده للمخدرات بيعاً وشراءً وترويجاً وتهريباً بل وتعاطياً.

ذلك أن الشخص المرتبط بالله جل وعلا عن طريق عبادته المفروضة من صلاة وصيام وزكاة وحج وسائر العبادات لا يمكن أن يكون بينه وبين المخدرات صلة لأن طريقها من طرق الشيطان ولا يمكن بحال أن يلتقي طريق الرحمن بطريق الشيطان.

إن الشخص متى كان بعيداً عن المسجد بعيداً عن مجالس الخير بعيداً عن التربية الصالحة فإنه في الغالب يكون قريباً من المخدرات وغيرها من طرق الغواية فهل يعي الآباء والمربون وحملة الأقلام مسؤوليتهم فيدفعوا الناشئة للتمسك بعقيدتهم والإقبال على ربهم واختيار طريق الخير وتحبيبه لهم آمل ذلك وأتمناه.

يقول الله تبارك وتعالى: [إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ]([23]).

ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه:(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)([24]).

المطلب الثاني: الفراغ:

يستغرب المسلم الواعي حين يسمع هذه الكلمة تتردد بين صفوف الشباب خصوصاً عند اقتراب موعد الإجازة الصيفية إذ لا فراغ لدى المسلم البتة وكيف يكون لديه فراغ وحياته كلها عبادة ذهابه ومجيئه وأكله وشربه ونومه ويقظته فمن كانت هذه حاله هل يكون لديه فراغ. يقول تبارك الله وتعالى: [قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ]([25]).    

ومع ذلك فإننا نقول وبكل مرارة أن الفراغ يعتبر أحد الأسباب الرئيسية للدخول في عالم المخدرات سواء كان ذلك الفراغ فراغاً في الوقت أو فراغاً في العلم والثقافة وخصوصاً ما يتعلق بالمخدرات.

وقد أثبتت الإحصاءات والدراسات، بل واللقاءات الميدانية مع السجناء أن معظمهم من المراهقين الذين لا يقدرون قيمة الوقت ولا يعرفون كيف يشغل بما ينفع، ولهذا يسهل اصطيادهم ووقوعهم في شرك المخدرات وهذا أمر ملموس ومحسوس. وصدق الشاعر إذ يقول:          

إن الفراغ والشباب والجدة  ***  مفسد للمرء أي مفسدة([26]).

وقبل ذلك يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)([27]).   

المطلب الثالث: قرناء السوء:

من الثابت في واقع الحياة أن الشباب يتأثر بعضهم ببعض ويؤثر بعضهم على بعض سواء كان هذا التأثير إيجابياً في مصلحتهم أو كان سلبياً فيه ضررهم وهلاكهم في العاجل والآجل.

والنصوص من كتاب الله وسنة رسوله تؤكد هذا الأمر وتوضحه.

يقول الله تعالى: [الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ]([28]).

ويقول الله تعالى: [وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً]([29]).

ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيث)([30]).

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)([31]).

ويقول الشاعر العربي:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
*** فكل قرين بالمقارن يقتدي([32]).

وكم شاب لا يعرف الشر وطرقه، وليس له صلة به ولكنه بسبب قرين سيء بدأ ينزلق شيئاً فشيئاً حتى وقع في شراك الردى وأصبح جندياً من جنود الشيطان.

ومن المعلوم أن الشاب إذا وقع في طرق المعاصي عموماً وفي طريق المخدرات خصوصاً حرص كل الحرص على إيقاع غيره فيما وقع فيه. بل إن بعض الشباب يعتبر نجاحه وفشله على قدر من يوقع من زملائه وأقرانه وتلك مصيبة عظيمة.

لقد حدثني شاب في أحد السجون عن سبب وقوعه فقال: كنت أذاكر مع زميل لي وفي بعض الليالي يغيب عني بعض الوقت ثم إذا سألته عن سبب غيابه قال لم تذق اللذة والسعادة ولو ذقتها لما سألتني هذا السؤال.

وبعد مناقشات طويلة أخذني ليطلعني على طريق اللذة والسعادة وإذا بي أبدأ بطريق النهاية والضياع ثم يؤل بي الأمر إلى ما ترى ـ يقصد السجن.

المطلب الرابع: المشاكل الأسرية:

المشاكل الأسرية أحد الأسباب الرئيسية للوقوع في شرك المخدرات، ذلك أن الخلاف بين الزوجين أمام الأولاد أو الطلاق أو غياب أحد الوالدين كل هذه لها آثار كبيرة في دفع أفراد الأسرة إلى اللجوء للمخدرات هروباً من الواقع الذي يعيشونه.

فمثلاً: إذا دب خلاف بين الزوجين على أمر من الأمور يحسن أن يكون النقاش بعيداً عن الأولاد لأن اختلاف الوالدين في وجهات النظر أمام الأولاد له آثار عكسية إذ يبحثون عن جو أكثر هدوءً من جو البيت الذي يعج بالمشكلات لأنهم لا يستطيعون إبداء وجهات نظرهم إذ انضمامهم للأب يغضب الأم مهما كان رأيها خاطئاً والعكس صحيح إذ انضمامهم للأم يجعل الأب ينفر منهم وقد يتصرف تصرفاً سيئاً وذلك بطردهم من البيت وهنا تقع الكارثة لا سمح الله.

وكذا إذا وقع الطلاق: ذلك أن الأب سيعيش في جهة والأم في جهة أخرى والأولاد هم الضحية إن تبعوا الأب وجدوا معاملة سيئة من زوجته الجديدة. وهذا في غالب الأحيان وإن تبعوا الأم وجدوا ضغطاً غير عادي من زوجها في الأعم الأغلب.

ونحن بهذا الكلام لا نقلل من أهمية تشريع الطلاق كعلاج حاسم لبعض الحالات التي لا يمكن أن تعالج إلا بالطلاق ولكننا ندعو الأبوين في كل أسرة أن يتفهموا أسرار تشريع الطلاق لئلا يكون هذا العلاج داءً يفتك بالأسرة فيشرد الأولاد دون ضرورة ملحة، وعلى كل حال إذا ألجئ الأولاد إلى هذا الجو فسيبحثون عن جو أفضل منه وهنا قد تتلقفهم يد السوء فتجرهم إلى عالم المخدرات ثم تبدأ نهايتهم بل تبدأ مأساتهم ومأساة أبويهم بما سيجرونه لهم من مصائب لم تكن في الحسبان.

وكذا غياب الوالدين أو أحدهما: فالأولاد الذين ليس عليهم رقيب يسهل وقوعهم في هذه السموم القاتلة إذ يتيسر لهم الخروج من البيت كيفما شاءوا ومتى شاءوا بل ويصاحبون من شاءوا دون محاسبتهم أو متابعتهم.

وكذا سوء معاملة الأولاد: حيث نجد في بعض الأسر أن الأبوين أو أحدهما يفرط في تدليل الأولاد وإعطائهم كل ما يطلبون، مما يجعلهم لا يحسون بالمسئولية ويدفعهم ما معهم من المال لشراء ما يريدون والمال بيد الأولاد غير الناضجين نقمة وليس نعمة وصدق الله العظيم: [وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ]([33]).

وعلى العكس من ذلك نجد الوالدين أو أحدهما وخصوصاً الأب قد يقسو على الأولاد ويدفعهم للجريمة من غير أن يشعر وذلك بكثرة ضربهم والاستهزاء بهم والسخرية منهم والحط من قدرهم وهذا دونما شك يدفعهم للبحث عن الجو الذي يحسون فيه بالدفء والعطف والحنان وقد يكون ذلك الجو آسناً فيقعون في شرك الردى وهم لا يعلمون.

ومن ذلك أيضاً تفضيل الأولاد على بعض لأسباب أو لأخرى فهذا يدفع الولد المفضل عليه أن يعوض تفضيل والديه أو أحدهما لأخيه أو أخوته عليه وذلك بالبحث عن مكان يسد فيه هذا النقص وفي الغالب لن يكون ذلك إلا مع رفقة الفجور والفساد وهذه هي الخطوة الأولى للوقوع في المخدرات ومآسيها.

تلك أهم المشكلات الأسرية التي تكون سبباً للانزلاق في طرق المخدرات وهي مستفادة من الواقع وقد لمستها خلال لقائي مع السجناء داخل السجن.

المطلب الخامس: السفر إلى الخارج:

كثيراً ما يكون انتشار المخدرات في بلد من البلدان عن طريق سفر أبنائها إلى الخارج ذلك أن أعداء الإسلام في البلاد الكافرة حريصون كل الحرص على إضلال أبناء المسلمين.

فمتى سنحت لهم فرصة إغوائهم هبوا إليها مسرعين. ولعل من أنسب الفرص لأعداء الإسلام سفر أبناء المسلمين لبلاد الإباحية والعهر إذ يكونون بين أيديهم يتلقفون بكل وسيلة مضلة ومن ذلك المخدرات. وهنا يقع الشاب في شرك المخدرات فيبحث عنها بكل وسيلة ثم إذا قدم إلى بلاده استمات في الحصول عليها بأغلى الأثمان وقد يدفعه ذلك لأن يكون مهرباً لها بالتعاون مع من أضلوه خارج بلاده، وقد لمسنا ذلك خلال البحوث الميدانية التي أجريت على بعض السجناء إذ كان بداية معرفتهم للمخدرات خارج البلاد ثم واصلوا تعاطيها داخل البلاد حتى آل بهم الأمر إلى السجن.

المطلب السادس: العمالة الأجنبية:

إن العمالة الأجنبية من أخطر المصائب التي ابتليت بها المجتمعات المحافظة، ذلك أن العمالة الأجنبية تنقل عاداتها وأخلاقها وتقاليدها أرأيت كل مجتمع تحل فيه مربية أو خادمة في بيت من البيوت ما هو دورها مع الأطفال الصغار الذين تقضي معهم من الوقت أضعاف ما يقضيه معهم والديهم يتعلمون من هذه المربية كل شيء بل ويفضلونها في كثير من الأحيان على أمهم.

لقد كانت هذه العمالة وما تزال سبباً رئيسياً في ترويج المخدرات وتهريباً ولا أدل على ذلك من كثرة الموقوفين منهم بسبب هذه الجريمة.

إن دور هذه العمالة خطير ومعروفة نتائجه سلفاً فهل نعي ذلك وننتبه له؟

المطلب السابع: الفقر وقلة ذات اليد:

من المعلوم أن الشاب حين لا يجد في بيته ما يكفيه من غذاء وكساء ولا يجد من يعينه على الحياة الكريمة وينظر إلى من حوله يعيشون بنعمة ورغد ورخاء وهو من بينهم محروم لا يجد قوت يومه وليلته، هذا الشاب لا شك سيلجأ إلى الهروب من البيت والبحث عن من يعطيه ما ينفق به على نفسه، وهنا تسنح الفرصة لقرناء السوء وأرباب الفساد وتجار الرذيلة فتتلقفه أيديهم ويبذلون له في البداية حتى يوقعونه في شراك ما وقعوا فيه.

المطلب الثامن: التقليد الأعمى والمجاملة للآخرين:

التقليد يكثر في حياة المراهقين فتجدهم يقلدون من يحبونه ويعتبرونه مثلهم الأعلى.

فالشاب الطيب يقلد أباه وأستاذه أو العالم الفلاني والشاب السيئ يقلد الفنانين والمطربين وأصحاب المواهب المقيتة.

وصدق الشاعر إذ يقول:

مشى الطاووس يوماً باختيال *** فقلده بمشيته بنوه وينشأ
وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوّد أبوه([34])

ومن أسوأ الأمور أن يقلد الشاب أهل الجرائم والعصابات المجرمة فتجد الشاب يحرص على تقليد المهرب الفلاني أو المروج الفلاني دون تفكير في العواقب.

ولا ننسى أن المجاملة لها أثر كبير في تعاطي المخدرات ذلك أن وقتنا الحاضر تكثر فيه المجاملة.

وما أقبح المجاملة إذا كانت على حساب الدين والأخلاق. وهنا أذكر واقعة عايشتها بنفسي وهي تدل أثر المجاملة في سلوك المعصية.

كنت في إحدى المطارات الدولية داخل بلادنا الحبيبة وكان يجلس معي شخصان أحدهما أعرفه معرفة تامة وأعرف أنه لم يشرب الدخان في حياته والثاني معرفتي به سطحية، ولكنه صديق حميم للشخص الذي أعرفه ولما قمت لإنهاء موضوع التذاكر لسفري ورجعت بعد قليل فوجئت بصاحبي يمسك السيجارة بيده فقلت له ما هذا فحاول أن يخفي ذلك عني ويقول إنني أمسكتها لفلان وفلان معه غيرها فتجاهلت الموضوع ثم ذهبت إلى مكان آخر وتبعني نفس الشخص واعتذر مني فقلت له أنا لن أنفعك أو أضرك بشيء ولكن تذكر المعصية التي اقترفتها فقال إنه ألح عليَّ وحلف أن أشرب واحدة فجاملته وأمسكتها بيدي فقلت له سبحان الله وهل في المعصية مجاملة فأخذ يقسم أنه لم يضعها في فمه وعلى كل فهذا أثر من آثار المجاملة الساقطة على حساب الدين والأخلاق.

المطلب التاسع: رواج الأفكار الكاذبة عن المخدرات:

يعتقد بعض متعاطي المخدرات بأنها تقوي الجنس والبعض يعتقد أنها تجلب المتعة والسرور وتلك أفكار كاذبة، فالمخدرات تضعف الجنس، ولكن المتعاطي اختلط عليه الأمر فأصبح لا يعرف الزمن على حقيقته،  فالدقيقة والساعة عنده سواء فيظن والحالة هذه أن فترة المعاشرة الجنسية تطول عنده.

كذلك فالمخدرات لا تجلب المتعة والسرور، وإنما تجلب الشقاء والحزن طيلة الحياة، ولو لم يكن فيها إلا ترك العمل وسوء التعامل مع الآخرين والبعد عن الأهل والأحباب لكفى ذلك من مصائبها. ولكن الحاقدين على المجتمع المسلم يحرصون على ترويج الأفكار الكاذبة عن المخدرات لترويج بضاعتها واصطياد فريستهم بكل وسيلة متاحة.

المطلب العاشر : الاستعمار:

كثير من البلاد الإسلامية كانت تعيش آمنة مطمئنة لا تعرف للمخدرات طريقاً فأوغل الاستعمار في نشرها في هذه البلاد بكل وسيلة، بل وساعد على زراعتها، ولعل أقرب مثال ما فعلته بريطانيا بالهند حيث شجعت على زراعة الأفيون في طول البلاد وعرضها، ولهذا نرى أن البلاد التي حماها من الاستعمار تتضاءل فيها نسبة انتشار المخدرات، وعلى كل حال فالاستعمار ما دخل بلداً وخرج منها إلا وقد أوقعها في شتى الجرائم والنكبات ويكفي هذا الاسم ـ استعمار ـ التي تمثل قمة الاستعباد، والإذلال، والوحشية.

وهناك أسباب أخرى كثيرة مثل صعوبة ظروف العمل، وعدم اللجوء إلى الله في المحن والشدائد، ووفرة المادة، والهرب من مرض نفسي أو عضوي، والدعاية المغرضة لها، والمعاناة من الغربة وبعد الأهل، والبيئة السيئة، والسجون في بعض البلاد الإسلامية إذ هي مرتع خصب لانتشار المخدرات، وعدم وجود عقوبات حاسمة في كثير من البلاد الإسلامية.

هذه هي أبرز الأسباب فيما يظهر وقد تكون هناك أسباب غفلنا عنها نسأل الله أن يحمينا وأبناءنا وشباب المسلمين من هذا الداء العضال([35]).

 

 

الفصل الثاني

أقسام المخدرات

ويشمل أحد عشر مبحثاً:

المبحث الأول: تقسيمات المخدرات.

المبحث الثاني: الحشيش.

المبحث الثالث: الأفيون.

المبحث الرابع: المورفين.

المبحث الخامس: الهيروين.

المبحث السادس: القات.

المبحث السابع: الكوكايين.

المبحث الثامن: البنج.

المبحث التاسع: جوزة الطيب.

المبحث العاشر: المذيبات الطيارة.

المبحث الحادي عشر: تصنيف تعاطي ومتعاطي المخدرات.

 

المبحث الأول

أقسام المخدرات

المخدرات أنواع كثيرة ولها تصنيفات كثيرة، ومن العسير حصرها في تقسيم أو تصنيف ذلك أن الصناعة الكيماوية والدوائية تطرح لنا كل يوم عشرات المركبات التي تختلف من نوع لآخر حسب تأثيرها ونوعية تركيبها، وغير ذلك وسأذكر نماذج لتصنيف المخدرات تسهيلاً على القارئ ثم أعقب ذلك بتعريف لأهم المخدرات المنتشرة.

أولاً: التصنيف على أساس لون المخدرات:

حيث تصنف المخدرات إلى:

أـ المخدرات البيضاء مثل الكوكايين والهيروين.

ب ـ المخدرات السوداء مثل الأفيون والحشيش.

ثانياً: تصنيف المخدرات وفق طريقة إنتاجها:

أـ المخدرات الطبيعية:

وهي مواد تستخرج من النباتات مثل الحشيش والأفيون ونبات شجرة الكوكاء ونبات القات.

ب ـ المخدرات المصنعة:

وهي تستخلص من المخدرات الطبيعية ثم يجري عليها بعض العمليات الكيمائية البسيطة التي تجعلها في صورة أخرى مختلفة وذلك مثل المورفين والهيروين والكودايين والكوكائين.

ج ـ المخدرات التخليقية:

وهي مواد لا ترجع إلى أصل المخدرات الطبيعية ولا إلى أصل المخدرات المصنعة وإنما هي مواد تركب من عناصر كيميائية وتحدث نفس التأثيرات للمخدرات

الطبيعية والمصنعة مثل المنومات، والمسهرات، والمهدئات، والمهلوسات.

ثالثاً: تصنيف المخدرات حسب تأثيرها:

أـ مسببات النشوة ومهدئات الحياة العاطفية: مثل: الأفيون ومشتقاته (المورفين، والهيروين، والكوكايين).

ب ـ المهلوسات: وهي مثل الميسكالين، وفطر البيتول، والقنب الهندي، وفطر الأمانيت، والبلاذون، والبنج.

ج ـ المسكرات: وهي مثل الغول والإيثر والكلورفورم والبنزين وأول أوكسيد الأزوت.

دـ المنومات:  وهي مثل الكلورال، والباريتورات، والبار الدهيسد والسلفونال بروميد البوتاسيوم، والكاوكاوا.

رابعاً: تصنيف المخدرات حسب خصائص الإدمان:

أ ـ مجموعة الحشيش: وتشتمل على مستحضرات نبات كنابيس ساتيفا.

ب ـ مجموعة مركبات الأفيون والمورفين والهيروين، وكذلك العقاقير المشابهة التي تؤثر نفس تأثير هذه المجموعة.

ج ـ مجموعة الكوكايين: وتشمل الكوكايين، وأوراق نبات الكوكا وما عمل منه.

د ـ مجموعة القات: وتشمل مستحضرات نبات كاتا أيديوليس.

هـ ـ مجموعة الأمفيتامينات وتشمل امفيتامين وديكسا مفيتامين.

و ـ مجموعة الهلوسة وتشمل: (أل. ل. س. د) والسكالين.

خامساً: تصنيف المخدرات على أساس المخدرات الكبرى والمخدرات الصغرى:

أ ـ المخدرات الكبرى: التي لها خطورة كبيرة عند استخدامها والإدمان على تعاطيها مثل الأفيون، والمورفين، الكوكايين، الهيروين، الحشيش، المارجوانا، الهنذباء البري.

ب ـ المخدرات الصغرى: والتي خطورتها أقل. وتمثل جانباً كبيراً من العقاقير المستخدمة كعلاج طبي وإن كانت تسبب التعود، والإدمان والأضرار الجسمية والصحية لمتعاطيها مثل المنبهات، المهدئات، المسكنات، المنومات، القات، الكوكا، جوزة الطيب، النباتات المكسيكية، المذيبات الطيارة البرثيورات.

سادساً: تصنيف المخدرات على أساس:

أ ـ المواد التي تسبب اعتماداً نفسياً وعضوياً مثل الأفيون ومشتقاته مثل الهيروين، والمورفين، والكودائين.

ب ـ المواد التي تسبب اعتماداً نفسياً فقط مثل الكوكائين، والأمفيتامينات، والحشيش، المريوانات، القات، وعقاقير الهلوسة، والسوائل المتطايرة، وقد ارتضى هذا التقسيم الدكتور محمد الحسن، وقال بعده: (. . . وقد يكون لهذا التقسيم أهمية كبيرة في معرفة مدى خطورة المخدرات وللتفريق بين الضار جداً وبين الأقل ضرراً).

هذا وتعتبر المواد التي تسبب اعتماداً نفسياً وعضوياً أكثر خطراً من التي تسبب اعتماداً نفسياً فقط([36]).

 

المبحث الثاني

الحشيش والماريجوانا

يستخرج كل من الحشيش والماريجوانا من نبات القنب الذي يزرع بشكل واسع في المناطق الاستوائية والمعتدلة.

والحشيش عبارة عن عصارة صمغية تفرز في الأجزاء العليا النامية في النبات وفي الأزهار والماريجوانا عبارة عن مسحوق من خليط الأوراق المثمرة أو المزهرة لنبات القنب.

والحشيش أقوى تأثيراً من الماريجوانا من 3 إلى 4 مرات.

طريق التعاطي:

يتعاطى الحشيش أو الماريجوانا إما بالتدخين لوحدهما أو بمزجهما بالتبغ كما تستعمل في بعض الأحيان (الشيشة) في التدخين وفي بعض المجتمعات يتناول الحشيش بعد خلطه  مع الشاي أو قد يضاف إلى الحلوى أو أنواع أخرى من الطعام.

الآثار الناجمة عنهما:

من آثارهما الخطيرة ارتفاع في دقات القلب واحتقان العينين وجفاف بالفم ورعشة في اليدين وهبوط في ضغط الدم والتهاب في الشعب الهوائية.

وقد ذكر ابن حجر الهيتمي أضراراً كثيرة للحشيشة فقال: (… وفي أكلها مائة وعشرون مضرة دينية ودنيوية ومنها:

أنها تورث النسيان.

تورث موت الفجأة.

اختلال العقل وفساده.

تفسد الأسنان.

دوام الرعشة.

تورث أمراض الجذام والبرص والسل.

تذهب الحياء.

تذهب المروءة.

تورث عشاء العين.

10ـ تذهب الفطنة.

11ـ تجلب كثرة النوم والكسل.

12ـ تحدث البطنة.

13ـ تصدع الرأس.

14ـ تقطع النسل.

15ـ تجفف المني.

16ـ تورث العنه.

17ـ تنسي الشهادتين عند الموت([37]).

 

المبحث الثالث: الأفيون:

وهو مخدر طبيعي مصنع كيميائياً ويعتبر من أخطر المخدرات الكبرى، ويحصل على الأفيون بواسطة الشق بجسم حاد على سطح الثمار غير الناضجة لنبات الخشخاش وعلى الفور تتسلل منها عصارة لينة المظهر ويحدث ذلك في الليل الباكر ويستمر النزف حتى الصباح وتتجمع العصارة من النباتات.

والأفيون طعمه مر وله تأثير مخدر مميت، ويدخل مسحوق الأفيون، في تركيب الكثير من العقاقير الطبية ومنها صبغة الأفيون، وغيرها. وأهم مشتقات الأفيون هي المورفين والناركوتين والشيبايين.

طريقة التعاطي:

كثيراً ما يباع الأفيون على شكل قطع مستديرة ملفوفة بورق السيلوفان ويتم التعاطي عن طريق بلع هذه القطع، أو إذابتها في قليل من القهوة أو الشاي. ويعتبر تدخين الأفيون عن طريق السجائر أو الجوزة أو الشيشة من أكثر الطرق شيوعاً.

آثار الأفيون:

إذا تعود الإنسان على الأفيون أصبح جزءاً من حياته لا يستطيع جسمه أداء وظائفه إلا بعد تناول الجرعة المعتادة. وحين لا يحصل على هذه الجرعة يعاني من آلام حادة، وتبدأ صحته في التدهور تدريجياً ويظهر ذلك في ضمور عضلاته وضعف ذاكرته وقلة شهيته للطعام وحدوث اضطراب في كبده وزرقة في عينيه وبطء في التنفس والنبض، وانخفاض عام في درجة الحرارة إلى غير ذلك من الآثار الخطيرة لهذا الوباء القاتل.

 

المبحث الرابع

المورفين

يعتبر من أشهر مشتقات الأفيون، بل أنه أكثر ثباتاً وأكثر تركيزاً منه. لذا يسهل حمله ونقله.

وقد كان هذا العقار في البداية موضع ترحيب من الأطباء على نحو خاطئ كعلاج لجميع الأمراض ولكنهم اكتشفوا فيما بعد أنه مخدر خطير يسبب الإدمان عند تعاطيه.

طريقة التعاطي:

هناك ثلاث طرق رئيسية لتعاطي المورفين:

أ ـ أن يتناول عن طريق البلع في الفم ويشرب معه الشاي أو القهوة.

ب ـ التدخين.

ج ـ الحقن تحت الجلد.

آثار المورفين:

الآثار الناجمة عن المورفين تشبه تماماً الآثار الناجمة عن الأفيون فمتعاطي المورفين يعتاد عليه ويصبح مدمناً لو فقده أصابته أعراض كثيرة كالأرق وزرقة العينين والأوجاع العامة في الجسم والصداع في الرأس والقيء وغير ذلك من الآثار النفسية الخطيرة.

 

المبحث الخامس

الهيروين

الهيروين عبارة عن مسحوق بلوري أبيض اللون، سريع الذوبان في الكحول وهو أغلى أنواع المخدرات وأكثرها خطراً على الصحة العامة ويستخرج من المورفين بعملية كيميائية بسيطة.

طريقة التعاطي:

هناك طرق كثيرة لاستعمال الهيروين منها:

أ ـ عن طريق الاستنشاق في الأنف.

ب ـ الحقن تحت الجلد.

ج ـ التدخين.

آثار الهيروين:

الذي يعتاد تعاطي الهيروين ويصاب بالضعف الجسماني الشديد وفقدان الشهية للطعام والمعاناة من الأرق والخوف الدائم الذي يطارده.

ومتى فقد الجرعة المعتادة منه أصيب بالإعياء الجسماني الشديد والتشنج والإسهال والآلام  المعدية والآلام في الظهر والحمى والغثيان وتصلب العضلات.

 

المبحث السادس

القات

هو نبات ذو شجيرات صغيرة صالحة للنمو بكل تربة وتحت أي مناخ ولا تحتاج إلى عناية ومتابعة ولا تصيبها الأمراض ولا يأكلها الجراد.

طول شجرة القات من متر إلى مترين، وقد تزيد. يزرع القات في جنوب الجزيرة العربية وأفغانستان وأواسط آسيا والحبشة.

طريقة التعاطي:

تمضغ أوراق القات الطرية وأطراف النبات مضغاً بطيئاً في الفم بغرض استخلاص العصارة من النبات وبلعها وتستمر فترة المضغ لمدة طويلة حيث تضاف في كل مرة كميات أخرى من القات الطري لحدوث التأثير المنشود ويشرب معه عادة ماء أو كولا أو أي مشروب غازي لتحلية مذاقه، وإذا عدم القات الطري استعمل مسحوق القات المجفف.

آثار القات:

تعاطي القات يؤدي إلى الشعور بالخفة والنشاط والثرثرة وتحسين الاندماج مع الأصدقاء والتهيج والأرق وباستمرار تعاطي القات يدخل الشخص في دائرة الاعتماد النفسي الذي يتميز بالحاجة الملحة في الحصول على القات ويصاب المدمن بعدة أعراض صحية منها تمدد حدقة العين، الإسراع في ضربات القلب، ارتفاع ضغط الدم، احتقان الملتحمة، الصداع وفقد الشهية للطعام، الضعف الجنسي الذي ينتهي بالعجز الكلي في مراحله المتأخرة.

 

المبحث السابع

الكوكايين

يستخرج الكوكايين من نبات الكوكا وهو عبارة عن مادة بيضاء اللون بلورية الشكل. ونبات الكوكا ينمو في أمريكا الجنوبية لكنه فيما بعد زرع في سيلان وجامايكا، وفي جزر جاوا التي أصبحت فيما بعد المركز الأول لإنتاج هذا النبات السام.

طريقة التعاطي:

تعاطي الكوكايين يتم عن طريق:

أ ـ أخذ شيء يسير من مسحوقه وشمه.

ب ـ أخده عن طريق الحقن في الجلد.

ج ـ تدخين عجينة الكوكا.

آثار الكوكايين:

له آثار خطيرة على متعاطيه من أهمها:

أ ـ الإدمان السريع.

ب ـ الهلوسة السمعية والجنون والاضطرابات العقلية.

ج ـ اضطرابات وظيفة القلب والجهاز التنفسي.

د ـ الوفاة المفاجأة.

 

المبحث الثامن

البنج

ويسمى السيكران بالسين المهملة، وهناك من يسميه بالشيكران بالشين المعجمة، ونباته ينبسط على الأرض على شكل دائرة ويرتفع وسطه دون ذراع وهو شديد الخضرة مزغب القضبان غليظ الورق مائي مشقق الأطراف.

وقد ذكر ابن حجر الهيتمي أنه يعطى حكم الخمر فقال: (… ويعتبر استعمالها ـ جوزة الطيب والسيكران وغيرهما من المخدرات ـ كبيرة وفسق كالخمر وكل ما جاء في وعيد شاربها يأتي في من استعمل هذه المذكورات لاشتراكها في إزالة العقل…)([38]).

 

المبحث التاسع

جوزة الطيب

هناك نباتات مخدرة طبيعية عديدة منها جوزة الطيب وتزرع في بعض البلدان مثل الهند. وأشجارها كبيرة والمادة المستخدمة منها هي ثمارها.

طريقة التعاطي:

يتم استخدامها عن طريق الاستحلاب داخل الفم، أو تذاب في الشاي، أو تستنشق بالأنف.

آثار جوزة الطيب:

لجوزة الطيب أضرار صحية خطيرة: فهي تثير المعدة، وتنشف الفم، وتجلب العطش، ولها تأثير هلوسي.

 

المبحث العاشر

المذيبات الطيارة

كل عقار طبي يساء استخدامه يؤدي إلى التسمم فكثير من المخدرات المستعملة حالياً أول ما اكتشفت لأغراض طبية بحتة لكنها خرجت إلى الشارع وأسيء استخدامها وأصبحت وباء يهدد الصغار قبل الكبار، هناك مواد كثيرة الآن تعتبر من لوازم الحياة ومع ذلك استخدمت على شكل مخدرات للتلذذ والشهوة من ذلك:

1ـ الغراء.                

2ـ المنظفات.

3ـ مواد الطلاء.     

4ـ البنزين.

5ـ مزيل طلاء الأظافر.               

طريقة التعاطي:

يتم تعاطيها عن طريق الاستنشاق للأبخرة المتصاعدة منها، وكل نوع منها يتم استنشاقه حسب نوعيته.

آثار المذيبات الطيارة:

متعاطي المذيبات الطيارة يشعر بالدوار والاسترخاء والهلوسة البصرية والغثيان والقيء وقد تحدث الوفاة فجأة وقد عرفنا شباباً توفوا فجأة بسبب الغراء([39]).

 

المبحث الحادي عشر

تصنيف تعاطي ومتعاطي المخدرات

في كثير من الأحيان تبدو ظاهرة تعاطي المخدرات بسيطة ولكنها بعد التمحيص والبحث تبدو معقدة وخطيرة ذلك أن تصنيف التعاطي والمتعاطين يحتاج إلى معرفة تامة بالأشخاص المتعاطين ودراية تامة بأنواع المخدرات التي يتعاطونها.

وقد صنف بعض الباحثين تعاطي المخدرات إلى:

أ ـ التعاطي التجريبي.

ب ـ التعاطي العرضي (الوقتي).

ج ـ التعاطي المنتظم.

د ـ التعاطي الكثيف (القهري).

كما صنفوا متعاطي المخدرات إلى:

أ ـ المجربون.

ب ـ المتعاطون العرضيون (المؤقتون).

ج ـ المتعاطون المنتظمون.

د ـ المتعاطون القهريون. 

وهذا تعريف موجز بأنماط تعاطي المخدرات ومتعاطيها.

أ ـ التعاطي التجريبي:

ويحدث إجمالاً من مرة إلى ثلاث مرات ودائماً مرجع التعاطي التجريبي الفضول وإلحاح الأصدقاء الذين تورطوا في هذا الوباء.

ب ـ التعاطي العرضي ـ الوقتي ـ:

ويحدث من وقت لآخر ولا يزيد على مرة أو مرتين في الشهر وأسبابه في الأعم الأغلب اجتماعية بحتة وهو خاضع لتوفر المخدر وسهولة الحصول عليه.

ج ـ التعاطي المنتظم:

وهو يحدث مرة أو عدة مرات في الأسبوع، وهو تعاط اختياري لإحداث النشوة، ويختلف حسب نوعية المخدر ومتعاطيه.

د ـ التعاطي الكثيف (القهري):

ويحدث عادة يومياً ويتمثل في تناول مقادير كبيرة لعدة أيام بصفة دورية وهو تعاط جبري إذا فقده المتعاطي تعرض لحالات مزمنة.

تصنيف المتعاطين:

أ ـ المتعاطون المجربون:

هم الذين يجربونها مرة أو مرتين فقط ولها آثار عليهم لكنها لا تصل إلى حد آثارها على المدمنين.

ب ـ المتعاطون العرضيون (المؤقتون):

هؤلاء يتعاطونها بصفة مؤقتة ليست مستمرة ولا يعتادونها ولكنهم أكثر استعمالاً لها من المجربين وآثارها عليهم أكثر من سابقيهم.

ج ـ المتعاطون المنتظمون:

وهؤلاء يتعاطونها بصفة منتظمة لكنها اختيارية وآثارها عليهم أخطر من آثارها على الصنفين السابقين.

د ـ المتعاطون القهريون:

وهؤلاء يتعاطونها بصفة قهرية وآثارها عليهم أعظم من آثارها على المجموعات الثلاث السابقة وهؤلاء هم الذين تؤدي بهم إلى الانتحار فضلاً عن الإجرام وترك العمل وغير ذلك من مظاهر الانحراف.

كما صنف بعض الباحثين المتعاطين إلى مجموعات هي:

المجموعة الأولى:

ويتميزون بالميل لزيادة تعاطي الكحول للتخلص من الوحدة والقلق والاكتئاب وبعض الآلام الجسمية.

المجموعة الثانية:

وهؤلاء يتناولون كميات كبيرة نسبياً من الكحول والتي تكون مصحوبة بسوء في التغذية واضطرابات نفسية.

المجموعة الثالثة:

ويتميزون بعدم القدرة على التوقف عن الشرب عندما يبدؤون بتعاطي الكحول. وهذا يحدث بشكل بطيء في فترة تتراوح ما بين 10ـ 15 سنة.

المجموعة الرابعة:

ويتميزون بالإدمان الكلي على الكحول فهم لا يستطيعون التوقف عن تعاطيه يومياً.

المجموعة الخامسة:

ويتميزون بوجود فترات معينة لا يستطيعون فيها السيطرة على تعاطي الكحول وقد تكون مصحوبة بأعراض وقتية من الاكتئاب والقلق.

المجموعة السادسة:

وهؤلاء يتناولون الكحول في المناسبات الاجتماعية والخاصة بمعدل مرة أو مرتين كل شهر.

كما قسمهم البعض إلى:

أ ـ الممول:

وهو رأس الأفعى وله طرقه الخاصة في تمويل عمليات التهريب وله اتصالات واسعة في داخل البلاد التي يهرب إليها وخارجها.

ب ـ المهرب:

وهو جسر الشر وهو الذي يتولى عملية التهريب بكل وسيلة تخطر في باله.

ج ـ شريك المهرب:

وهو الذي يساعد المهرب ويتعاون معه وقد يكون أحدهما داخل البلاد التي يهربون إليها والآخر خارجها للاطمئنان على عمليات التهريب.

د ـ المروج:

وهو التاجر والمزارع لتلك السموم وهو معول هدام في المجتمع يزرع الرذيلة ويهدم الفضيلة وعادة ما يكون قليل التدين ضعيف النفس منبوذاً في المجتمع.

هـ ـ المهدي:

وهو عادة ما يكون جليس السوء الذي يوقع أصدقاءه في الفخ للمرة الأولى وذلك عن طريق الهدية لهم دون مقابل ثم إذا اصطادهم في شباكه أصبحوا من ضحاياه.

وـ المتعاطي:

وهو الضحية المغرر به وهو الذي تتم عملية التحويل والتهريب من أجله وعادة ما يكون شخصاً ضعيفاً بعيداً عن الشر وأهله، ولكن المجرمين أوقعوه بكل وسيلة وكم من ضحية وقعت وهي لا ذنب لها إلا أصدقاء السوء وتجار الرذيلة([40]).

 

 

الفصل الثالث

آثار المخدرات على الأمة الإسلامية

ويشمل تمهيداً وسبعة مباحث:

المبحث الأول: أضرار المخدرات الدينية.

المبحث الثاني: أضرار المخدرات الصحية.

المبحث الثالث: أضرار المخدرات الاجتماعية.

المبحث الرابع: أضرار المخدرات الاقتصادية.

المبحث الخامس: أضرار المخدرات السياسية.

المبحث السادس: أضرار المخدرات الأمنية.

المبحث السابع: أضرار المخدرات النفسية.

 

تمهيد

آثار المخدرات على الأمة الإسلامية

للمخدرات أضرار كثيرة على الفرد والمجتمع ولا يستطيع باحث حصرها مهما أوتي من قدرة على الكتابة وصفاء ذهن وسعة بال ولكننا نحاول أن نلم بطرف من أضرارها وخصوصاً:

أضرارها الدينية.

2 ـ وأضرارها الصحية.

أضرارها الاجتماعية.

وأضرارها الاقتصادية.

وأضرارها السياسية.

وأضرارها الأمنية.

وأضرارها النفسية.

فـنـقـول وبالله التــوفيـق.

  

المبحث الأول

أضرار المخدرات الدينية

للمخدرات أضرار بالغة على الدين من عدة جوانب ذلك أن المخدرات مضيعة للأوقات مذهبة للعقول ومتى ضيع الإنسان أوقاته وذهب عقله فسيجره ذلك لتضييع أعظم ركن من أركان الإسلام ألا وهو الصلاة.

فمن الثابت أن بعض أنواع المخدرات تجعل متعاطيها تحت وطأة التأثير لساعات طويلة وربما لأيام. وصدق الله العظيم: [إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ]([41]).

إن الصراع المرير بين الإنسان وعدوه الأول إبليس اللعين مستمر إلى قيام الساعة فقد آلى الرجيم على نفسه أن يبذل ما يستطيع لإضلال الإنسان وإبعاده عن عبادة ربه وصرفه عما يحقق له السعادة في الدنيا والآخرة. وقد أخبرنا الله بذلك في محكم كتابه فقال عن إبليس: [قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ]([42])، وقال تعالى:[ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ]([43])، وقال تعالى: [لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ]([44]).

وقد دارت معركة الحياة بين العدو اللدود وبين الإنسان الضعيف فحاول اللعين إغراء وإغواء الإنسان بكل وسيلة عن طريق المعصية تارة وعن طريق الغلو في الطاعة تارة أخرى، وعن طريق السفك والقتل تارة، وعن طريق المخدرات تارة أخرى.

ونعمة الإسلام أغلى ما يملكه المسلم فإذا حفظها وحافظ عليها سلم بإذن الله من إضلال الشيطان وإغوائه وإن قصر وضيع فسيكون لقمة سائغة للشيطان يأتمر بأمره ويأخذ بمشورته وهنا تضعف صلته بالله فيسلك طريق المخدرات وغيرها ومن وقع في شركها سهل عليه الإقدام على أي جريمة تطلب منه من قتل ونهب وسرقة وبذل عرض وغير ذلك.

إن الغيبوبة الحاصلة من السكر والتخدير تنافي اليقظة الدائمة التي يفرضها الإسلام على قلب المسلم ليكون موصولاً بالله في كل لحظة مراقباً لله في كل خطرة ثم ليكون بهذه اليقظة عاملاً إيجابياً في نماء الحياة وتجددها وفي صيانتها من الضعف والفساد وفي حماية  نفسه وماله وعرضه وحماية أمن الجماعة وشريعتها ونظامها من كل اعتداء ظاهر أو خفي في أية لحظة من اللحظات، والفرد المسلم ليس متروكاً لذاته ولذَّاتْه فعليه في كل لحظة تكاليف للجماعة التي يعيش فيها، وتكاليف للإنسانية التي ينتمي إليها وهو مطالب باليقظة لينهض بهذه التكاليف وأنى لمن تعاطى المخدرات أن يقوم بهذا الواجب فهو زائل العقل فاسد القلب مغلوب على أمره يعيش في غيبوبة بعيداً عن واقعه الذي يعيشه. نعم إن هذه الغيبوبة في حقيقتها إن هي إلا هروب من واقع الحياة في فترة من الفترات وجنوح إلى التصورات التي تثيرها المخدرات بعد تعاطيها.

والإسلام ينكر على الإنسان هذا الطريق لأنه طريق سلبي والسالك فيه عضو أشل في المجتمع بل لبنة فاسدة والفاسد يعدي السليم كما يعدي الصحيح الأجرب.

إن آثار المخدرات على الدين خطيرة فهل هناك أعظم من ضياع العقل والشرف والأخلاق، وهل هناك أشد فتكاً بالمجتمع من تفرقته وإثارة النزاع والخلاف فيه وهذا ما تحدثه المخدرات عافانا الله منها.

 

المبحث الثاني

أضرار المخدرات الصحية

لقد امتن الله جل وعلا على الإنسان بالصحة والعافية وأوجب عليه المحافظة على نفسه من كل ما يؤذيها أو يضرها. يقول الله تعالى: [وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً]([45]). ويقول الله تعالى: [وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ]([46]). ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)([47]).

ومن أشد الأشياء وأنكاها ضرراً بالنفس البشرية المخدرات تلك التي اكتشف الأطباء أنها تسبب أمراضاَ خطيرة عجز الطب عن علاج بعضها ويكفي أنها تجعل صاحبها يعيش في عالم الأوهام والخيالات يتصور ما لا يمكن أن يتحقق على يديه ويفكر بكل محبوب لنفسه وهو بعيد كل البعد عن ذلك ومن أخطر أضرار المخدرات الصحية التي توصل إليها الأطباء ما يأتي:

1ـ التسمم الكحولي:

يحدث التسمم في دم الشارب عندما ترتفع نسبة الكحول فيصاب بعوارض حادة منها القيء، وبرودة الأطراف، وسرعة النبض والغيبوبة أحياناً ومتى استمرت هذه العوارض مدة من الزمن ارتفعت نسبة الوفاة بين المتعاطين وذلك بالسكتة القلبية وغيرها.

2ـ ضمور خلايا قشرة المخ:

هذه هي التي تتحكم في التفكير والإدارة، ولقد أكدت بعض الأبحاث الطبية أن تناول الخمر والمخدرات ولو بدون إدمان يؤدي إلى نقص في القدرات العقلية.

3ـ ضمور خلايا المخيخ:

من المعلوم أن المخيخ هو الذي يتحكم في العصب الدهليزي وفي قدرة الشخص على الوقوف دون تأرجح وفي قدرته على الثبات والحركة. ونتيجة لتناول المسكر أو المخدر تصاب خلايا المخيخ بالضمور والتآكل والواقع يشهد بهذا لبعض الأشخاص الذين لا يستطيعون الحركة كالأصحاء.

4ـ انحلال نخاع القنطرة الوسطى:

هذا المرض يكثر وجوده في المدمنين وعندما ينحل نخاع القنطرة ـ وهو مادة دهنية ـ يصاب الإنسان بشلل خطير بالنصف الأسفل من الجسم فلا يستطيع الحركة إطلاقاً.

5ـ النوبات الدماغية الكبدية:

يصاب متعاطي المخدرات بنوبات هذيان وارتعاش وفقدان للوعي وتليف كبدي ـ فشل الكبد في وظيفته ـ وهذا ما أخبرني به بعض الموقوفين حيث أفادوا أن أول آثار المخدرات عليهم إصابتهم بالارتعاش حيث ترتعش أيديهم عند الأخذ والعطاء وهم في ريعان الشباب.

6ـ التهاب الأعصاب المتعددة:

تقوم مجموعة من الأعصاب بتسيير جسم الإنسان ونقل أحاسيسه من الجلد والجسم إلى  خلايا الجهاز العصبي، والمخدرات تؤدي إلى تحلل هذه الأعصاب وذوبانها ثم موتها وحينئذ يفقد المدمن الإحساس ويكون هيكلاً لا يحس ولا يشعر.

7ـ التهاب عصب العين المؤدي إلى العمى:

ثبت طبياً أن تناول المخدرات يؤدي إلى التهاب عصب العينين وقد يؤل الأمر إلى العمى ومدمن الخمر والمخدرات يعرف بشحوب عينيه ورطوبتهما وهذا أمر مشاهد في واقع الناس.

8ـ التهاب البلعـوم:

ذلك أن بعض الميكروبات تكون موجودة في الفم فتستغل ضعف مقاومة المتعاطي فتهجم عليه وتؤدي إلى التهاب بلعومه وقد يتسبب من جراء ذلك وفاة الشخص.

9ـ سرطان المريء:

تناول المخدرات يؤدي إلى التهاب المريء المزمن وهذا الالتهاب هو السبب الرئيس المؤدي إلى سرطان المريء.

10ـ القيء:

كثيراً ما يصاب متعاطو المخدرات بالقيء المتكرر وذلك لاختلال دورة الطعام العادية لديهم.

11ـ فقدان الشهية:

تناول المخدرات طريق لفقدان الشهية وكم من شخص عدمت لديه الشهية بسبب المخدرات يحدثني شاب في العشرين من عمره أحد الموقفين الذي التقيت بهم في أحد السجون ـ يقول أول ما بدأت أتعاطى المخدرات قلت شهية الطعام عندي فظننت أن مرد ذلك للحمية التي كنت ألتزم بها، ولكنني فوجئت بعد بضعة أشهر أنني لا أشتهي الطعام نهائياً، ولما عرضت الموضوع على الدكتور سألني: هل تتعاطى المخدرات؟ فأجبته بالنفي. وعلمت من ذلك الوقت أن سبب فقدان شهيتي هو المخدرات.

12ـ التهاب الأمعاء الغليظة والدقيقة:

تسبب المخدرات تهيجاً فغي الأغشية المخاطية للجهاز الهضمي ابتداء بالفم وانتهاء بالأمعاء الدقيقة والغليظة ويؤدي ذلك إلى احتقان الأمعاء وتقرحها وينتج عن ذلك نوبات إسهال وإمساك وسوء هضم وسوء امتصاص للغذاء.

13ـ تضخم الطحال:

تناول المخدرات يؤدي إلى تضخم الطحال فيصبح أضعاف حجمه بسبب تليف الكبد ويتسبب عن ذلك النزيف الشديد للبواسير.

وقد لخص بعض الباحثين([48]) الأضرار الصحية للمخدرات فيما يأتي:

انكماش الجلد وضموره.

اصفرار المخاطيات وشحوب ناجم عن فقر الدم ونقص الحديد لانحلال الدم بهذه السموم.

التهاب الشبكية.

اضطرابات الكريات البيضاء.

آفات الأطراف.

التهاب في الشرايين يؤدي إلى اختفاء النبض.

ارتعاش واهتزاز.

اصفرار الملتحمة ناجم عن التهاب الكبد.

انقباض الحدقة ناجم عن (الأفيونات).

10ـ طنين في الأذنين ناجم عن المنومات.

11ـ انثقاب الحجاب الأنفي.

12ـ الأسنان بحالة سيئة وقد تفقد.

13ـ المضغ صعب.

14ـ إصابة الوريد الوداجي بندبات اصطباغية.

15ـ اضطرابات وظيفية الغدة الدرقية.

16ـ التهاب شفاف القلب.

17ـ إصابة الصمامات القلبية.

18ـ قصور الشريان الأبهر.

19ـ اضطرابات النظم القلبي.

20ـ الالتهاب الرئوي.

21ـ قصور كلوي.

22ـ التهاب الحالبين وآلام شديدة مشابهة لنوبات الحصوة.

23ـ عجز الرجل جنسياً وأحياناً قذف مبكر وعقم.

24ـ نقص الشهوة للمرأة والبرود الجنسي.

25ـ بواسير في فتحة الشرج نزفية.

26ـ ضخامة الكبد.

27ـ التهاب البنكرياس مع آلام مبرحة.

28ـ نوبات صرعية متكررة.

29ـ النقص المكتسب من مناعة الجسم ـ الإيدز([49]).

  

المبحث الثالث

أضرار المخدرات الاجتماعية

تعتبر الأضرار الاجتماعية للمخدرات من أخطر الأضرار وأكثرها وأوضحها لأنها تمس الفرد والأسرة والمجتمع ويتضح ذلك من خلال ما يأتي:

اعتلال صحة الفرد وتدهورها بشكل مخيف وخطير، وهذا بلا شك سيؤثر في المجتمع لأن الفرد ليس بمعزل عن مجتمعه بل هو جزء منه يؤثر فيه ويتأثر به فإذا كثر المدمنون في المجتمع كثر المرضى، وإذا كثر المرضى دب الضعف والوهن للمجتمع وأصبح غير قادر على الدفاع عن نفسه بل غير قادر على تأمين احتياجاته بنفسه وأنى لمجتمع تفشو فيه المخدرات أن يكون مجتمعاً قوياً صلباً متماسكاً وهي تنخر فيه مثل السوس تهدمه من أساسه.

المدمنون تسهل عليهم الجريمة وتمتد يدهم لكل شيء بل وتحطم كل شيء في سبيل الحصول على مآربهم وبهذا يدب الفزع والرعب والخوف في المجتمع ويعيش حياته في قلق واضطراب.

تعاطي المخدرات يؤثر تأثيراً بالغاً وخطيراً على الحالة المعيشية والسكنية والتعليمية والأخلاقية للأسرة. ذلك أن المتعاطي يفضل أن تبيت أسرته في العراء تفترش الأرض وتلتحف السماء ولا تجد ما تأكل وهو يعانق لذته الوهمية ويتناول داءه الذي يهرب به من

الرمضاء للنار وكم أسرة باتت جائعة طاوية وعائلها ينفق المئات بل الآلاف على المخدرات غير عابئ بالمصير المؤلم لنفسه وأسرته.

تناول المخدرات يؤدي إلى ولادة أطفال ضعاف البنية وأحياناً مشوهي الخلقة. لا يستطيعون مقاومة الأمراض لضعف بنيتهم وعدم تحمل أجسادهم لأن الآباء والأمهات الذي يتناولون المخدرات يصابون بالضعف الجنسي وضعف الحيوانات المنوية مما ينعكس على الأجنة في بطون الحوامل.

كثرة حدوث الطلاق في الأسر التي يتناول الأبوان فيها المخدرات ذلك أن الأسرة التي يعيش عائلها بالسجن السنوات الطويلة ستكتوي بنار الحرمان والتشرد وكثيراً ما تطلب المرأة فراق زوجها إذ لا مصلحة من الارتباط معه وهو يقضي عمره كله أو معظمه داخل غياهب السجون.

ضعف بناء الأسرة التي تنتشر فيها هذه السموم ذلك أن الأسرة ستكون مفككة ضعيفة البناء، غير متماسكة، تسودها الفوضى والخلافات، وهي اللبنة الأولى للمجتمع، ومثل هذه الأسرة ستكون ثلمة في بناء المجتمع الكبير. ثم إن مكانة هذه الأسرة ومكانة أفرادها مقيسة بتمسكهم بالإسلام منهاج حياة.

وإذا فشت المخدرات في هذه الأسرة بعدت عن منهج الله وأصبحت ثغرة كبيرة يتسلل منها الشر والإجرام لأفراد المجتمع الآمن.

تعاطي المخدرات من قبل أحد أفراد الأسرة يجر بقية أفرادها إلى هذا الوباء خصوصاً إذا كان المتعاطي الأب لأن الأبناء سيقتدون به وينشئون على أخلاقه.

وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوده أبوه([50])

وصدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)([51]).

عندما يعجز المدمن عن توفير المخدر بالطرق المتاحة له يلجأ إلى بيع عرضه للحصول عليه والقصص حول هذا الموضوع كثيرة فهناك من يجبر ابنته أو أخته على البغاء أو يغض النظر عن سلوك زوجته للحصول على المخدر فانتشار المخدرات في المجتمع علامة على انتشار العهر والرذيلة بكل صورها.

إن استعمال المخدرات يؤدي إلى زيادة حوادث المرور لأن سائق السيارة عندما يتعاطى المخدر يظن أن تركيزه يزداد ويقل خوفه ويشعر بالأمان والواقع عكس ذلك فيحصل بسبب ذلك حوادث مرورية مروعة وكم من أبرياء ذهبوا ضحية سائق مدمن متهور.

10ـ متعاطي المخدرات وبال على المجتمع لأنه سيحتاج إلى العلاج سواء من الإدمان أو من مرض يصيبه أو نتيجة حادث يقع له.

وفي هذه الحالات كلها سيحتاج العلاج وينصرف إليه أحد الأطباء أو فريق طبي وهذا على حساب المرضى الآخرين الذين هم بأمس الحاجة إلى رعاية هؤلاء الأطباء ثم إنه شغل سريراً يمكن أن يشغله من هو أحوج منه إذ المتعاطي تسبب على نفسه وقادها إلى المرض بمحض إرادته.

11ـ تنتشر العداوة والنزاع والخصام بين متعاطي المخدرات.

يقول الله تبارك وتعالى: [إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ]([52]).

12ـ الذين يتناولون المخدرات يتصفون بصفات ذميمة ويعتادون عادات قبيحة ينشرونها بين أفراد المجتمع كالكذب والجبن والاستهانة بالقيم الأخلاقية والمثل العليا.

 

المبحث الرابع

أضرار المخدرات الاقتصادية

المال هو عصب الحياة وأي دولة تقاس قوتها ومكانتها بوضعها الاقتصادي والمخدرات مدخل خطير لهز اقتصاد أي دولة مهما كانت قوتها الاقتصادية وتتضح أضرار المخدرات الاقتصادية فيما يأتي:

إن إسهام الفرد في الإنتاج مرهون بقدرته من الناحية البدنية فإذا كان صحيح الجسم متّدق الذهن مستقيم الفكر، فإنه يكون لبنة صالحة في المسيرة الاقتصادية للأمة وعلى العكس من ذلك إذا كان ضعيف الجسم مهزوز التفكير كثير الشرود، فإنه يكون لبنة نابية، وبالتالي لا يستطيع الإسهام في المسيرة الاقتصادية للأمة.

كثير من متعاطي المخدرات ومدمنيها يصل بهم الإحباط النفسي من تأثير المخدرات إلى حد تخليهم نهائياً عن أعمالهم ودخولهم في متاهات لا نهاية لها بسبب الانهيار النفسي والخلقي والاجتماعي الذي كان نتيجة حتمية لعبادة الشهوات والبعد عن الدين والصلة بالله جل وعلا.

إن علاج الذين يدمنون المخدرات يحتاج إلى عيادات ومستشفيات نفسية وصحية كثيرة وهذا يتطلب وجود أطباء ومتخصصين في هذا المجال وهذا يؤدي إلى زيادة الإنفاق للدولة.

إن عملية تهريب المخدرات وترويجها تحتاج إلى زيادة العاملين في أجهزة الرقابة وهذا سبب رئيس في ضعف اقتصاد الدولة.

تنتشر البطالة في المجتمع الذي يكثر فيه تعاطي المخدرات وذلك لأن الكل مشغول بالمخدر دون سواه مما يؤدي إلى قلة إنتاج هذا المجتمع.

كذلك الزراعة فإن العمل فيها يقل بسبب كثرة البطالة فيها، لذا يضطر كثير الناس إلى جلب أيدي عاملة من غير وطنهم وهذا كله له تأثير سلبي على اقتصاد الدولة.

إن الاتجار في المخدرات وتعاطيها وترويجها يعد كسباً غير شرعي ومحرم وأصحابها يطلبون الثراء بكل وسيلة ولو كان ذلك على حساب المجتمع الكبير.

أسعار المخدرات باهظة جداً ولهذا فالمتعاطون يبذلون أموالاً طائلة تجتمع في يد حفنة من الناس قد تكون تعمل لحساب العدو خارج البلاد وهذا ما حدث بالفعل في بعض البلاد الإسلامية.

المخدرات سبب مباشر لحوادث المرور الكثيرة التي يتلف بسببها سيارات كثيرة، وهذا يؤثر في اقتصاد الدولة.

10ـ المهربون للمخدرات والمروجون لها يحتاجون عند القبض عليهم إلى سجون كثيرة وما تتطلبه هذه السجون من أجهزة أمن وخدمات وفوق ذلك معيشة السجناء والإنفاق عليهم.

11ـ تصرف أموال طائلة على مكافحة المخدرات ومتابعتها وكان يمكن صرف هذه الأموال في مشاريع عامة نافعة للمجتمع لو سلم الناس من هذا الوباء وزال عن الوجود.

12ـ المخدرات سلاح خطير روج له الأعداء لاستنزاف خيرات شعوب العالم الإسلامي ونهب الثروات المادية وكل ذلك على حساب أفراد المجتمع المسلم، فجمع الأعداء في استخدام هذا السلاح بين هدفين رئيسين استنزاف الثروات، وإضعاف لبنات المجتمع المسلم وقد نجحوا أيما نجاح فهل يعي شباب الإسلام ذلك ويفيقوا من غفلتهم ويدركوا مخططات أعدائهم ويعملوا على إحباطها هذا ما نتمناه.

 

المبحث الخامس

أضرار المخدرات السياسية

هناك جهات كثيرة تدعم تهريب المخدرات وترويجها في العالم ينتمي إلى هذه الجهات أصحاب الضمائر الميتة الذين لا يهتمون إلا بمصالحهم فقط ولو كانت على حساب الآخرين.

إن هذه الجهات المشبوهة هي التي تحاول ترويج المخدرات في البلاد الإسلامية لإضعاف الشباب المسلم ونهب ثروته وجعله مرتبطاً ارتباطاً كلياً بهذه الجهات.

إن الأضرار السياسية للمخدرات كثيرة جداً ومنها على سبيل المثال:

تقوم إسرائيل بترويج المخدرات في بعض البلاد العربية ليتسنى لها الضغط عليها سياسياً وبالتالي تحقيق أهدافها وأطماعها التوسعية في المنطقة.

يسبب انتشار المخدرات في بعض البلاد نزاعات سياسية بين بعض الدول المتجاورة كما حدث ويحدث بين أمريكا وبعض الدول الأخرى كالمكسيك مثلاً.

كثيراً ما يستغل بعض الدول انتشار المخدرات في دولة أخرى وذلك بالحصول على الأسرار الخطيرة التي لا يمكن أن تفشى لولا تعاطي المخدرات.

المخدرات هي البوابة السليمة للاستعمار، فكثيراً ما تبدأ الدول الكبرى بترويج المخدرات في بعض البلاد ليسهل عليها بعد ذلك استغلالها وتحطيمها وجعلها تسير في ذيل القافلة دون عناء أو جهد ودون استخدام سلاح يذكر.

 

المبحث السادس

أضرار المخدرات الأمنية

المخدرات من الأسباب الرئيسية في تفشي الجريمة في المجتمعات التي ابتليت بها لأن المدمن في الأعم الأغلب يكون فاشلاً غير قادر على عمل ما ينفعه وينفع الآخرين ولا يستطيع المساهمة في نهضة البلاد في أي من المجالات التنموية سواء كانت اقتصادية أو زراعية أو اجتماعية أو عمرانية أو صناعية كما أنه يصبح خالياً من الشعور بالمسؤولية لأنه لا يحمل أي مؤهل من مؤهلات تحمل المسئولية فهو ضعيف التدين معتوه العقل ومن كانت هذه حاله فدوافع الجريمة عنده كثيرة ولهذا أثبتت الدراسات التي أجريت على بعض المتعاطين العلاقة الوثيقة بين الإدمان والجريمة.

ومما يوضح هذه العلاقة ما تضمنته بعض البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية بشأن تنفيذ أحكام الله في بعض المجرمين حيث أوضحت أن بعض الجرائم تم اقترافها تحت تأثير وطأة المخدر وهذه الجرائم من أخطر الجرائم كجريمة القتل والاغتصاب والسطو وقطع الطريق.

ويظهر الضرر الأمني الخطير للمخدرات في السلوك العدواني الآثم الذي يقوم به المهربون والمروجون مع رجال الأمن عند القبض عليهم ولقد شهدت كثير من البلاد معارك دامية بين رجال الأمن وتجار المخدرات وبلادنا الحبيبة رغم ما حباها الله من أمن ورغد عيش إلا أنها لم تسلم من هذا السلوك العدواني فقد حدث أكثر من مرة اصطدام بين المهربين ورجال الأمن الذين يسهرون على راحة المواطنين ويقدمون أرواحهم رخيصة لينعم هذا البلد بالأمن والأمان ولكننا نحمد الله أن هذا قليل بالنسبة لكثير من البلاد الأخرى. ثم إن العقوبة الصارمة التي تنتظر المروج في هذه البلاد هي التي تدفعه للاستماتة وسفك الدم وصدق الله العظيم: [إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ]([53]).

 

المبحث السابع

أضرار المخدرات النفسية

للمخدرات أضرار نفسية كبيرة على المتعاطي من أبرزها الشعور الزائف بالاضطهاد والكآبة والعزلة والتوتر العصبي والنفسي وهلاوس سمعية وبصرية وحسية مثل سماع أصوات ورؤية أشباه لا وجود لها وتخيلات مما يؤدي إلى الخوف وقد يصل الأمر إلى الجنون وفقدان العقل.

كما يحدث المخدر اضطراباً في تقدير المكان والزمان وحكماً خاطئاً على الأشياء وضعفاً في التركيز والذاكرة وكثرة النسيان كما يقل تأثير المدمن بالمؤثرات الخارجية بحيث لا شيء يسعده أو يبهجه مهما حقق من نجاح بل سعادته وأنسه بالمخدر ولا غير([54]).

  

 

الفصل الرابع

حكم المخدرات في الإسلام وحكمة تحريمها

ويشمل تمهيداً وخمسة مباحث:

المبحث الأول: هل هذه المواد مسكرة أم مخدرة.

المبحث الثاني: حكم التداوي بالمخدرات.

المبحث الثالث: أدلة تحريم المخدرات.

المبحث الرابع: حكم زراعة المخدرات والإتجار بها.

المبحث الخامس: حكمة تحريم المخدرات.

 

تمهيد

حكم المخدرات في الإسلام

شرع الله سبحانه وتعالى لعباده من الدين ما فيه صلاح دنياهم وأخراهم ومن رحمته جل وعلا أنه لم يفرض على عباده ما لا يطيقون من التكاليف الشرعية بل جعل التكاليف في حدود الوسع والطاقة يقول تعالى: [لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ]([55]).

وفي ضوء ذلك أحل الله لعباده الطيب من الرزق وحرم عليهم كل ما يفسد الدين أو يضر بالصحة والمال.

والمخدرات داخلة في هذا النهي لأنها ضارة بالدين مذهبة للصحة آكلة للمال.

وشريعة الإسلام هي شريعة الكمال والخلود شريعة الدين والدنيا لا يوجد سبيل خير إلا أمرت به وحثت عليه، ولا سبيل شر إلا حذرت منه ونفرت عنه.

ونحن في هذا المجال سنتحدث عن أمور أربعة تتعلق بالحكم الشرعي للمخدرات.

الأول: هل هذه المواد ـ المخدرات ـ مسكرة أم مخدرة.

الثاني: حكم التداوي بالمخدرات.

الثالث: أدلة تحريم المخدرات.

الرابع: حكم زراعة المخدرات والاتجار بها.

 

المبحث الأول

هل هذه المواد مسكرة أم مخدرة

هناك وصف جامع مشترك بين المخدرات والخمر، فمن البيّن أنها جميعاً تشترك في تخدير العقل وإحداث فتور عام في البدن ويتصل بذلك تخيلات فاسدة وأفكار غير حقيقية قد يترتب عليها بعض الجرائم والجنايات وهذا يشهد به الواقع وتشهد به نتائج الدراسات الميدانية التي أجريت على كثير من المتعاطين، وقد اختلف أهل العلم رحمهم الله في تكييف هذه المخدرات هل هي مواد مسكرة تلحق بالمسكرات؟ أم هي مواد مخدرة فقط ولا تلحق بالمسكرات؟ ولهم في ذلك قولان مشهوران هما:

القول الأول:

ذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه المواد مسكرة، ولذا تعتبر أنواعاً من الخمر ويجب أن يطبق على متناولها كل الأحكام التي تطبق على شارب الخمر لاشتراكهما في علة الحرمة وهي ـ الإسكار ـ ومن هؤلاء من يرى أن التخدير الذي يلحق بالأطراف والحواس لمتناول هذه المواد هو أثر آخر من جملة آثارها الكثيرة السيئة التي تجعلها أكثر شراً وأعظم ضرراً من الخمر([56]).

وممن يرى هذا الرأي ـ إلحاقها بالمسكرـ:

الحافظ ابن حجر العسقلاني الذي يقول في كتابه فتح الباري وأستدل بمطلق قوله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام) على تحريم ما يسكر ولو لم يكن شراباً فيدخل في ذلك الحشيشة وغيرها وقد جزم النووي وغيره بأنها مسكرة وجزم آخرون بأنها مخدرة وهو مكابرة لأنها تحدث بالمشاهدة ما يحدث الخمر من الطرب والنشوة والمداومة عليها والانهماك فيها([57]).

الإمام النووي رحمه الله يقول في المجموع نقلا عن الروياني: (النبات الذي يسكر وليس فيه شدة مطربة يحرم أكله ولا حد على آكله)([58]).

وقال في روضة الطالبين: (وأما ما يزيل العقل من غير الأشربة والأدوية كالبنج حرام)([59]).

شيخ الإسلام ابن تيمية يقول في فتاويه عن الحشيشة: (وأما الحشيشة الملعونة المسكرة فهي بمنزلة غيرها من المسكرات والمسكر منها حرام باتفاق العلماء. بل كل ما يزيل العقل فإنه يحرم أكله ولو لم يكن مسكراً كالبنج)([60]).

ويقول عنها في موضع آخر: (. . . وكانت هذه الحشيشة الملعونة من أعظم المنكرات وهي شر من الشراب المسكر من بعض الوجوه والمسكر شر منها من وجه آخر فإنها مع أنها تسكر آكلها حتى يبقى مسطولاً تورث التخنيث والديوثة وتفسد المزاج. . .)([61]).

الزركشي رحمه الله يقول في زهر العريش في تحريم الحشيش: (والذي أجمع عليه الأطباء والعلماء بأحوال النبات أنها مسكرة…)([62]). وقال في موضع آخر:(…وأما الفقهاء فقد صرحوا بأنها مسكرة…إلى أن قال: ولا يعرف فيه خلاف عندنا..)([63]).

قال في عون المعبود: (وفي الفهستاني هو أحد نوعي شجر القنب حرام لأنه يزيل العقل وعليه الفتوى. . .) ([64]).

المنوفي من المالكية قال صاحب تهذيب الفروق:(… اتفق فقهاء أهل العصر على المنع من النبات المعروف بالحشيشة التي يتعاطاها أهل الفسوق أعني كثيرها المغيب للعقل.

واختلفوا بعد ذلك في كونها مفسدة للعقل من غير سكر فتكون طاهرة ويجب فيها التعزير أو مسكرة فتكون نجسة ويجب فيها الحد قولان… إلى أن قال: والثاني للمنوفي قال: يبيعون لها بيوتهم فدل على أن لهم بها طرباً وفرحاً… وهذا يقتضي أنها مسكرة فإنهم يصفونها بذلك في كتبهم…)([65]).

ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: (… فأما تحريم بيع الخمر فيدخل فيه تحريم بيع كل مسكر مائياً كان أو جامداً أو عصيراً أو مطبوخاً فيدخل فيه عصير العنب وخمر الزبيب والتمر والذرة والشعير والعسل والحنطة.

واللقمة الملعونة ـ الحشيش ـ لقمة الفسق والقلب التي تحرك القلب الساكن إلى أخبث أماكن فإن هذا كله خمر بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح الصريح الذي لا مطعن في سنده ولا إجمال في متنه إذ صح عنه قوله: (كل مسكر خمر) وصح عن أصحابه الذين هم أعلم الأمة بخطابه ومراده أن ـ الخمر ـ ما خامر العقل فدخول هذه الأنواع تحت اسم الخمر كدخول جميع أنواع الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والزبيب تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تبيعوا الذهب بالذهب…) ([66]) الحديث.

ابن حزم رحمه الله حيث قال في المحلى: (… كل شيء أسكر كثيره أحداً من الناس فالنقطة فيه فما فوقها إلى أكثر المقادير خمره حرام ملكه وبيعه وشربه واستعماله على أحد وعصير العنب ونبيذ التين وشراب القمح والشيكران…)([67]).

ابن حجر الهيتمي قال في الزواجر:(… فاستعمالها([68]) كبيرة وفسق كالخمر فكل ما جاء في وعيد شاربها يأتي في مستعمل شيء من هذه المذكورات لاشتراكها في إزالة العقل المقصود للشارع بقاؤه فكان في تعاطي ما يزيله وعيد الخمر…)([69]).

10ـ ابن عابدين رحمه الله قال في حاشيته: (… أقول ومثله([70]) زهر القطن فإنه قوي التفريج يبلغ الإسكار كما في التذكرة فهذا كله ونظائره يحرم استعمال القدر المسكر منه دون القليل كما قدمناه فافهم ومثله بل أولى البرش وهو شيء مركب من البنج والأفيون وغيرهما…)([71]).

ويتضح من هذه النقول عن هذه الطائفة الجليلة من أهل العلم وهم الذين عاصروا ظهور هذه المواد أنهم يقولون بأنها مسكرة وأن متناولها ينبغي أن يتناوله وعيد الخمر المنصوص عليه في القرآن الكريم.

وقد استدل بعض هؤلاء بأدلة عامة وخاصة منها:

قوله تعالى: [إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ]([72]).

قوله تعالى: [إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا]([73]).

وهذه دليل على أن الحشيشة مسكرة إذ معنى الإسكار تغطية العقل ومعنى سكرت هنا غطيت. قال ابن منظور: (…كأن العين لحقها ما يلحق شارب المسكر إذا سكر) وقد استشهد بالآية نفسها([74]).

عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل مسكر خمر وكل خمر حرام)([75]). وقد روى الحديث بروايات متعددة كلها تؤدي إلى هذا المعنى.

وأيضاً فإنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وما كان هذا وصفه كان حراماً كالخمر، وقد قال الله تعالى: [وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ]([76]).

وأي خبيث أعظم مما يفسد العقول التي اتفقت الملل والشرائع على إيجاب حفظها، وقد حرم الله تعالى إذهاب العقول باستعمال ما يزيلها أو يفسدها أو يخرجها من مخرجها المعتاد([77]).

وقد دل العقل على أنه يحدث عند تناولها حالة لم تكن قبل تناولها فتلك الحالة هي مبادئ تغيير العقل([78]).

القول الثاني:

وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه المواد مخدرة وليست مسكرة، وقد انتصر لهذا الرأي:

الإمام القرافي من المالكية. فقال: إنها مخدرة وليست مسكرة لوجهين:

أ ـ أنا نجدها تثير الخلط الكامن في الجسد كيفما كان فصاحب الصفراء تحدث له حدة وصاحب البلغم تحدث له سباتاً وصمتاً وصاحب السوداء تحدث له بكاء وجزعاً وصاحب الدم تحدث له سروراً بقدر حاله فتجد منهم من اشتد بكاؤه ومنهم من يشتد صمته. وأما الخمر والمسكرات فلا تكاد تجد أحداً ممن يشربها إلا وهو نشوان مسرور بعيد عن صدور البكاء والصمت.

ب ـ أنا نجد شراب الخمر تكثر عربدتهم ووثوب بعضهم على بعض بالسلاح ويهجمون على الأمور العظيمة التي لا يهجمون عليها حالة الصحو وهو معنى قول الشاعر:

ونشربها فتتركنا ملوكاً *** وأسداً ما ينهنهنا اللقاء([79])

ولا نجد أكلة الحشيش إذا اجتمعوا يجري بينهم شيء من ذلك ولم يسمع عنهم من العوائد ما يسمع عن شراب الخمر بل هم همدة سكوت… إلى أن قال: (فلهذين الوجهين أنا أعتقد أنها من المفسدات لا من المسكرات ولا أوجب فيها الحد ولا أبطل بها الصلاة بل التعزيز الزاجر عن ملامستها…)([80]).

الشيخ محمد بن حسين. قال: في تهذيب الفروق: (…واختلفوا نبعد ذلك في كونها مفسدة للعقل من غير سكر فتكون طاهرة ويجب فيها التعزير أو مسكرة فتكون نجسة ويجب فيها الحد قولان)([81]).

قال في حاشية الدسوقي علي خليل بعد أن قرر نجاسة المسكر ووجوب الحد فيه:(… بخلاف المفسد ويقال له المخدر وهو ما غيب العقل دون الحواس لا مع نشوة وطرب ومنه الحشيشة … فإنه طاهر)([82]).

قال في مواهب الجليل: (… إذا تقرر ذلك([83]) فللمتأخرين في الحشيشة قولان هل هي من المسكرات أو من المفسدات مع اتفاقهم على المنع من أكلها… إلى أن قال:(… وبهذا يندفع ما أورده بعضهم على قوله إلا المسكر من شموله للنبات المغيب للعقل كالبنج والسيكران فإنها مفسدات أو مرقدات لا مسكرات)([84]).

وقال العظيم آبادي في عون المعبود:(… والحق في ذلك خلاف الإطلاقين إطلاق الإسكار وإطلاق الإفساد وذلك أن الإسكار يطلق ويراد به مطلق تغطية العقل وهذا إطلاق أهم ويطلق ويراد به تغطية العقل مع نشوة وطرب وهذا إطلاق أخص وهو المراد من الإسكار حيث أطلق فعلى الإطلاق الأول بين المسكر والمخدر عموم مطلق إذ كل مخدر مسكر وليس كل مسكر مخدراً فإطلاق الإسكار على الحشيشة والجوزة ونحوهما المراد منه التخدير ومن نفاه عن ذلك أراد به معناه الأخص)([85]).

وقد نقل هذا النص من ابن حجر الهيتمي رحمهما الله وقد استدل أصحاب هذا القول بما رواه شهر بن حوشب عن أم سلمة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر ومفتر)([86]).

قالوا: فعطف المفتر على المسكر يقتضي المغايرة فللمسكر حكم وللمفتر حكم.

حاول ابن حجر الهيتمي في الزواجر الجمع بين الرأيين السابقين، فذكر أن الإسكار يطلق ويراد منه مطلق تغطية العقل وهذا إطلاق أعم ويطلق ويراد منه تغطية العقل مع نشوة وطرب وهذا إطلاق أخص وهو المراد من الإسكار حيث أطلق.

وعلى ذلك فمن أطلق الإسكار على الحشيشة ونحوها أراد منه المعنى الأعم وهو التخدير ومن نفى الإسكار عنها أراد به المعنى الأخص وهو الإسكار مع النشوة والطرب([87]).

ولعل ثمرة الخلاف بين الرأيين السابقين تتضح في أمرين أساسين:

الأول: حكم التداوي بهذه المواد.

الثاني: عقوبة متعاطيها.

والذي لا نشك فيه رجحان الرأي الأول القائل بأنها مسكرة وتعطى حكم المسكر من كل وجه ذلك أن المخدرات تدخل في عموم المسكرات التي تغيب العقل وتحجبه إذ لكل من المخدرات والمسكرات تأثير واحد وهو حجب العقل وإذهابه. ثم إن في المخدرات من المفاسد والأضرار مثل ما في الخمر من حيث إضاعة المال وإثارة العداوة والبغضاء بين الناس والصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة فمتعاطي الخمر أو المخدرات كلاهما يفقد وعيه ويتصرف تصرفات طائشة تثير الشقاق والخلاف والعداوة والبغضاء ثم إن العقل مناط التكليف وكيف لعقل أن يستجيب للتكاليف الشرعية وقد زال بالمخدر أو كاد أن يزول.

 

المبحث الثاني

حكم التداوي بالمخدرات

هناك اتفاق بين العلماء على حرمة تناول القدر المؤثر على العقل من هذه المواد. كما اتفقوا أيضاً على حرمة تناول اليسير منها إذا كان يقصد اللهو أو اللذة أو المتعة أو غير ذلك من المقاصد التي لا يعتبرها الشارع. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (…هذه الحشيشة الصلبة حرام سواء سكر منها أو لم يسكر والسكر منها حرام باتفاق المسلمين..)([88])

وقال في تهذيب الفروق: (… اتفق فقهاء العصر على المنع من النبات المعروف بالحشيشة التي يتعاطاها أهل الفسوق أعني كثيرها المغيب للعقل…)([89]).

وقال ابن عابدين في حاشيته: (… وإلا فالحرمة عند قصد اللهو ليست محل الخلاف بل متفق عليها…)([90]).

ما سبق قدر متفق عليه كما رأيت لكن المختلف فيه حكم التداوي بها لو أشار بذلك بعض الأطباء ذوي المهارة في الطب والثقة في الدين على بعض المرضى بتناول قدر يسير منها بقصد علاج بعض الحالات كتسكين بعض الآلام.

القول الأول: فمن يرى أنها مسكرة ويعطيها حكم الخمر يمنع التداوي بها مهما كانت ضآلة القدر المستعمل في ذلك. ومن هؤلاء:

1ـ شيخ الإسلام ابن تيمية:

يقول في السياسة الشرعية: (.. والصواب ما عليه جماهير المسلمين أن كل مسكر خمر يجلد شاربه ولو شرب منه قطرة واحدة لتداوي أو غير تداوي فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر أيتداوى بها: فقال: (إنها داء وليست بدواء، وإن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها) ([91])([92]). وقال في فتاويه: (.. وكل ما يغيب العقل فإنه حرام وإن لم تحصل به نشوة ولا طرب، فإن تغييب العقل حرام بإجماع المسلمين، وأما تعاطي ـ البنج ـ الذي لم يسكر ولم يغيب العقل ففيه التعزير)([93]).

2ـ ابن القيم رحمه الله:

قال في زاد المعاد: (وما العقل فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيباً عقوبة لها كما حرمه على نبي إسرائيل، بقوله: [فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ].

وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه وتحريمه له حمية لهم وصيانة عن تناوله فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل فإنه وإن أثر في إزالتها لكنه يعقب سقماً أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سقم البدن لسقم القلب..)([94]).

3ـ ابن حجر الهيتمي:

قال في الزواجر: (وإذا ثبت أن هذه ـ المخدرات ـ كلها مسكرة أو مخدرة فاستعمالها كبيرة وفسق كالخمر فكل ما جاء في وعيد شاربها يأتي في مستعمل شيء من هذه المذكورات لاشتراكهما في إزالة العقل المقصود للشارع بقاؤه لأنه الآلة للفهم عن الله تعالى وعن رسوله والمتميز به الإنسان عن الحيوان والوسيلة إلى إيثار الكمالات عن النقائص فكان تعاطي ما يزيله وعيد الخمر..)([95]).

القول الثاني:

ذهب أهل العلم إلى جواز التداوي بالمخدرات إذا تعينت ـ دواء ـ بمعرفة الطبيب الحاذق بدينه وأمانته.

ومن هؤلاء:

1ـ النووي: قال في روضة الطالبين: (.. ما يزيل العقل من غير الأشربة كالبنج حرام لكن لا حد في تناوله ولو احتيج في قطع اليد المتآكلة إلى زوال عقله هل يجوز ذلك؟ قلت: الأصح الجواز ولو احتاج إلى دواء يزيل العقل لغرض صحيح جاز تناوله قطعاً..)([96]).

2ـ ابن عابدين:

قال في حاشيته: (.. وقال محمد ما أسكر كثيره فقليله حرام. أقول: الظاهر أن هذا خاص بالأشربة المائعة دون الجامد كالبنج والأفيون، فلا يحرم قليلها، بل كثيرها المسكر وبه صرح ابن حجر في التحفة وغيره، وهو مفهوم من كلام أئمتنا لأنهم عدوها من الأدوية المباحة وإن حرم المسكر منها بالاتفاق.. )([97]).

3ـ القرافي:

قال في الفروق: (.. ويجوز تناول اليسير منها فمن تناول حبة من الأفيون أو البنج أو السيكران جاز ما لم يكن ذلك قدراً يصل إلى التأثير في العقل أو الحواس أما دون ذلك فجائز.. )([98]).

4ـ الدسوقي:

قال في حاشيته على الشرح الكبير: (.. والظاهر جواز أكل المرقد لأجل قطع عضو ونحوه لأن ضرر المرقد مأمون وضرر العضو غير مأمون.. )([99]).

5ـ الحطاب:

قال في مواهب الجليل: (.. قال ابن فرحون أيضاً والظاهر جواز ما سقى من المرقد لقطع عضو ونحوه لأن ضرر المرقد مأمون وضرر العضو غير مأمون.. )([100]).

6ـ الزركشي:

قال في زهر العريش: (.. ومنها جواز التداوي بها إن ثبت أنها تنفع من بعض الأدواء..)([101]).

7ـ توسع ابن حزم رحمه الله:

فعمم إباحة المحرمات للضرورة دون تقييد بالقليل فقال: (.. كل شيء أسكر كثيره أحداً من الناس فالنقطة منه فما فوقها إلى أكثر المقادير خمر حرام ملكه وبيعه وشربه واستعماله على كل أحد وعصير العنب ونبيذ التين وشراب القمح والسيكران… )([102]).

وقال في موضع آخر: (… وكل ما حرم الله عز وجل من المآكل والمشارب من خنزير أو صيد حرام أو ميتة أو دم أو لحم سبع طائر أو ذي أربع حشرة أو خمر أو غير ذلك فهو كله عند الضرورة حلال حاشا لحوم بني آدم وما يقتل من تناوله فلا يحمل من ذلك شيء أصلاً لا بضرورة ولا بغيرها… )([103]).

والذي يظهر لي حرمة تعاطي المخدرات من كل وجه بيعها وشراؤها وملكها واستعمالها والتداوي بها أما الضرورات فلها أحكامها الخاصة التي تنزل على قدر الضرورة وبالحدود الضيقة وبعد استنفاد كل الوسائل المتاحة ومع هذا فإني أرى جواز استعمال البنج لإجراء العمليات الضرورية والتي قد لا يتيسر إجراؤها إلا بالتخدير الكامل.

والذي دعاني لترجيح هذا الرأي ما يأتي:

أـ أن العلماء الذين أجازوا التداوي بالمخدرات لم يقفوا على أضرارها المدمرة التي ظهرت لنا في هذه الأوقات مما حدا بالدول جميعاً أن تحارب هذا الوباء وترصد في ميزانياتها مئات الملايين لمكافحته ومطاردة مهربيه ومروجيه.

ب ـ النهي الصحيح الصريح الوارد في منع التداوي بالخمر ليس قاصراً عليها بل يشمل المخدرات بطريق الأولى لأنه نهى عن التداوي بكل محرم.

ج ـ أن الطب الحديث أثبت أن المخدرات تسبب أمراضاً خطيرة فكيف يتم التداوي بما يسبب أضعاف المرض الذي يعالج عنه أم أن ذلك على حد قول الشاعر:

والمستجير بعمرو عند كربته *** كالمستجير من الرمضاء بالنار([104])

د ـ القياس على حل أكل الميتة للمضطر غير متجه لوجود الفارق وهو أن دواعي الطبع ينفر من الميتة فإذا دعته الضرورة للأكل فلن يأكل إلا بالقدر الذي يقيم أوده وتندفع به ضرورته.

أما المخدرات فإن دواعي الطبع ميالة إليها فإذا دعته ضرورة لتناولها وأبحنا له ذلك فإنه قد يتعدى قدر الضرورة ويبالغ نظراً للرغبة الملحة ودواعي الشهوة واللذة([105]).

 

المبحث الثالث

أدلة تحريم المخدرات

لم يرد نص صريح في حرمة المخدرات في الكتاب، ووردت نصوص في السنة تصلح للاحتجاج بها، إذ فيها تصريح بالوصف الجامع لأنواع المخدرات وهو التفتير مثلاً.

لكن وردت نصوص عامة جامعة يستدل بها على التحريم. ولم يتكلم الأئمة المجتهدون على المخدرات لأنها لم تظهر في وقتهم وحينما ظهرت في القرن السادس فما بعد تكلم عليها أهل العلم بما يشفي ويكفي.

وسأختار في هذا (التمهيد للأدلة على تحريمها) نصاً من كل مذهب ونصوصاً لبعض الأئمة المجتهدين ليتضح للقارئ من خلالها ما ذكره أهل العلم عن هذه المخدرات، وقبل ذلك أذكر ما أجاب به شيخ الإسلام ابن تيمية على الذين يقولون أن هذه الحشيشة لا نص فيها من الكتاب والسنة حيث قال: (.. وأما قول القائل أن هذه ما فيها آية ولا حديث فهذا من جهله، فإن القرآن والحديث فيهما كلمات جامعة هي قواعد عامة وقضايا كلية تتناول كل ما دخل فيها وكل ما دخل فيها فهو مذكور في القرآن والحديث باسمه العام وإلا فلا يمكن كل شيء باسمه الخاص. . )([106]).

ابن عابدين قال في حاشيته: (.. وقال محمد ما أسكر كثيره فقليله حرام أقول أن هذا خاص بالأشربة المائعة دون الجامدة كالبنج والأفيون فلا يحرم قليلها بل كثيرها المسكر. … إلى أن قال: وإن حرم المسكر منها بالاتفاق)([107]).

قال في تهذيب الفروق: (… اختلف في كون هذه العشبة من المسكرات مطلقاً فيكون نجساً موجباً للحد وحرمة قليله ككثيره أو من المفترات مطلقاً وأنها تحدث استرخاءً للأطراف وتخدرها وصيرورتها إلى وهن وانكسار كالحشيشة بحيث تشارك أولية الخمر في نشوته فيحرم استعمال القدر المؤثر في العقل إنفاقاً.. )([108]).

وقال النووي في الروضة:(..وما يزيل العقل من غير الأشربة كالبنج حرام..)([109]).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما الحشيشة الملعونة المسكرة فهي بمنزلة غيرها من المسكرات والمسكر منها حرام باتفاق العلماء بل كل ما يزيل العقل فإنه يحرم أكله ولو يكن مسكراً كالبنج فإن المسكر يجب فيه الحد وغير المسكر يجب فيه التعزير، وأما قليل الحشيشة المسكرة فحرام عند جماهير العلماء كسائر القليل من المسكرات.. )([110]).

وقال الزركشي في زهر العريش:(.. الفصل الرابع في أنها حرام. وقد تضافرت  الأدلة الشرعية والعقلية على ذلك. . وقال في موضع آخر… وقد أجمع الفقهاء من أصحابنا وغيرهم على أنه يحرم تناول المسكر وعمم النبات وغيره)([111]).

وقال الذهبي في الكبائر: (.. وبكل حال فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله من الخمر المسكر لفظاً ومعنى..)([112]).

وقال ابن القيم في زاد المعاد: (.. واللقمة الملعونة ـ الحشيش ـ لقمة الفسق والقلب التي تحرك القلب الساكن إلى أخبث الأماكن فإن هذا كله خمر بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح الصريح الذي لا مطعن في سنده ولا إجمال في متنه..)([113]).

وقال ابن حجر الهيتمي في الزواجر: (.. فثبت بما تقرر أنها (جوزة الطيب) حرام عند الأئمة الأربعة الشافعية والمالكية والحنابلة بالنص والحنفية بالاقتضاء لأنها إما مسكرة أو مخدرة وأصل ذلك في الحشيشة المقيسة على الجوزة .. )([114]).

وقال الصنعاني في سبل الإسلام: (.. ويحرم ما أسكر من أي شيء وإن لم يكن مشروباً كالحشيشة..)([115]). وقد استدل هؤلاء وغيرهم من أهل العلم على حرمة المخدرات بالكتاب والسنة والإجماع والقياس.

فمن الكتاب:

قوله تعالى: [الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ]([116]).

هذه الآية أخذ منها أهل العلم قاعدة كلية وهي ـ أن كل طيب مباح وكل خبيث محرم ـ وإذا أردنا إدخال المخدرات تحت هذه القاعدة فهل من عاقل يقول أنها من الطيب المباح لا أظن ذلك إطلاقا بل عامة العقلاء مطبقون على اعتبارها من الخبيث المحرم لما لها من الأضرار الخطيرة التي أصبحت لا تخفى على العامة فضلاً عن الخاصة.

قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ]([117]).

قوله تعالى: [يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا]([118]).

قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ]([119]).

فهذه الآيات نصت في تحريم الخمر على تفاوت في دلالتها والخمر ما خامر العقل أي ستره وغطاه وهذا المعنى موجود في المخدرات بل أشد.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (. . وأما قليل الحشيشة المسكرة فحرام عند جماهير العلماء كسائر القليل من المسكرات. . إلى أن قال: ولا فرق بين أن يكون المسكر مأكولاً أو مشروباً أو جامداً أو مائعاً. . )([120]).

قوله تعالى: [وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ]([121]).

قوله تعالى: [وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً]([122]).

هاتان الآيتان توجبان الحفاظ على الصحة وعدم إلقاء النفس في التهلكة أو ارتكاب المخاطر المؤدية لقتل النفس ـ ما لم يكن في ذلك مصلحة راجحة كالجهاد في سبيل الله ـ والمخدرات ثبت طبياً ضررها على الصحة بل ثبت أنها تؤدي إلى الجنون وربما الموت. وقد نص على ذلك الأطباء والعلماء وقد أشار كل من شيخ الإسلام ابن تيمية والزركشي إلى طرف من ذلك.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (.. فإنها ـ الحشيشةـ مع أنها تسكر آكلها حتى يبقى مصطولاً تورث التخنيث والديوثة وتفسد المزاج فتجعل الكبير كالسفنجة

وتوجب كثرة الأكل وتورث الجنون وكثير من الناس مجنوناً بسبب أكلها..)([123]).

ويقول الزركشي: (.. وقد استعملها قوم فاختلت عقولهم وربما قتلت..)([124]).

ومن السنة:

ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله: (كل مسكر خمر وكل خمر حرام)([125]).

ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام)([126]).

ما رواته أم سلمة رضي الله عنها قالت: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر)([127]).

هذه الأحاديث صريحة في تحريم الخمر بل وتحريم كل مسكر والمخدرات على ما رجحناه داخلة في المسكر بل هي أشد فتكاً منه.

يقول ابن حجر في الفتح: (.. واستدل بمطلق قوله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام) على تحريم ما يسكر ولو لم يكن شراباً فيدخل في ذلك الحشيشة وغيرها.. )([128]).

ونقل العظيم أبادي في عون المعبود عن الطيبي قوله: (لا يبعد أن يستدل به على تحريم البنج والشعثاء ونحوهما مما يفتر ويزيل العقل لأن العلة وهي إزالة العقل مطردة فيها… )([129]).

وقال الشوكاني راداًَ على قصر الخمر عصير العنب: (.. وهو قول مخالف للغة العرب والسنة الصحيحة والصحابة لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهموا من الأمر باجتناب الخمر تحريم كل مسكر ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وما يتخذ من غيره بل سووا بينهما وحرموا كل نوع منهما ولم يتوقفوا ولا استفصلوا ولا يشكل عليهم شيء من ذلك.. )([130]).

ومن الإجماع:

نقل اتفاق أهل العلم على تحريم المخدرات ومنها الحشيش شيخ الإسلام ابن تيمية والزركشي وصاحب تهذيب الفروق.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (.. وأما الحشيشة الملعونة المسكرة فهي بمنزلة غيرها من المسكرات والمسكر منها حرام باتفاق العلماء.. )([131]).

ويقول الزركشي: (.. وأما الإجماع على تحريمها فقد نقله غير واحد منهم القرافي في قواعده وكذلك ابن تيمية.. ).

وقال في موضع آخر: (.. وقد أجمع الفقهاء من أصحابنا وغيرهم على أنه يحرم تناول المسكر وعمم النبات وغيره.. )([132]).

ويقول صاحب تهذيب الفروق:(.. اتفق فقهاء أهل العصر على المنع من النبات المعروف بالحشيشة التي يتعاطها أهل الفسوق أعني كثيرها المغيب للعقل..)([133]).

يقول صاحب عون المعبود: (.. وحكى العراقي وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيشة وأن من استحلها كفر..)([134]).

ويقول صاحب الزواجر: (..وحكى القرافي وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيشة قال: ومن استحلها فقد كفر قال: وإنما لم يتكلم فيها الأئمة الأربعة لأنها لم تكن في زمنهم)([135]). ويقول في سبل الإسلام: (. . قال الخطابي المفتر كل شراب يورث الفتور والخور في الأعضاء وحكى العراقي وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيشة وأن من استحلها  كفر. . )([136]).

ومن القياس:

أن في تعاطي المخدرات اعتداء على الضرورات الخمس التي حرصت الشريعة الإسلامية على حمايتها والمحافظة عليها بمختلف السبل والوسائل واعتبرت الاعتداء على أي منها جريمة من أشد الجرائم يستحق مرتكبها أشد العقوبات حماية للفرد وصيانة للمجتمع مما يضعفه ويجعله مهزوزاً غير متماسك البناء فيطمع به الأعداء وينتهكون حرماته.

المخدرات لها آثار خطيرة  على الفرد والمجتمع دينياً وصحياً واجتماعياً واقتصادياً وأمنياً ونفسياً وهذه وحدها كافية لمنعها ومعاقبة متعاطيها.

المخدرات تصد عن ذكر الله وعن الصلاة كالخمر تماماً بل هي أولى لأنها مع ستر العقل وتغطيته تورث الخدر والضعف والاستكانة وقد يستمر ذلك ساعات طويلة وصدق الله العظيم: [إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ]([137]).

أن تعاطي المخدرات طريق للجريمة فهي تدفع متعاطيها للجريمة، لأن المدمن عليها يستميت في الحصول عليها مهما كلفه ذلك، ولو اضطر للنهب والسلب والقتل وقد أثبتت الدراسات الكثيرة التي أجريت على بعض السجناء صدق ما نقول.

 

المبحث الرابع

حكم زراعة المخدرات والاتجار بها([138])

تحرم زراعة المخدرات والاتجار بها مهما كانت الدوافع إلى ذلك لأن في ذلك ضرراً كبيراً على الفرد والمجتمع وفيه تعاون على الإثم والعدوان ونشر الرذيلة في المجتمع وإشاعة للجريمة وتعاون مع المجرمين. والله جل وعلا يقول: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ]([139]).

وقد وردت نصوص في السنة تحرم بيع الخمر من ذلك ما رواه جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)([140]).

وردت نصوص في السنة مؤداها أن ما حرم الله الانتفاع به يحرم بيعه وأكل ثمنه ومنها:

ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قاتل الله اليهود حرم الله عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها. . )([141]).

وقد تبين لنا مما سبق أن اسم الخمر يتناول هذه المخدرات فيكون النهي عن بيع الخمر متناولاً لتحريم بيع هذه المخدرات.

كما أن ما ورد من تحريم بيع كل ما حرمه الله يدل أيضاً على تحريم بيع هذه المخدرات، وبهذا يتبين حرمة الاتجار في هذه المخدرات واتخاذها حرفة تدر الربح ثم إن الكسب الحاصل منها محرم لقوله تعالى: [وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ]([142]).

وأكل المال بالباطل على وجهين كما ذكر أهل التفسير:

أخذه على وجه الظلم والسرقة والخيانة والغصب وما جرى مجرى ذلك.

أخذه من جهة محظورة كأخذه بالقمار أو بطريق العقود المحرمة كما في الربا وبيع ما حرم الله الانتفاع به كالخمر المتناولة للمخدرات. فإن هذا كله حرام وإن كان بطيبة نفس من مالكه، ومما يدل على حرمة كسب المخدرات ما ثبت في السنة المطهرة من قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه. . )([143]).

كما أن زراعة المخدرات محرمة لأن في ذلك إعانة على المعصية وذلك بترويج المخدرات ونشرها في صفوف المجتمع، ثم إن في زراعتها رضاً من الزارع بتعاطي الناس لها بالمعصية معصية كما هو معلوم.

وقد حرم الفقهاء بيع العنب ممن يتخذه خمراً حرموا بيع السلاح في الفتنة وزراعة المخدرات وبيعها أولى وأحق بالمنع.

وصدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الخمر وعاصرها وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها. . )([144]).

ويقول ابن حزم في المحلى: (. . كل شيء أسكر كثيره أحداً من الناس فالنقطة منه فما فوقها إلى أكثر المقادير خمر حرام ملكه وبيعه وشربه واستعماله على كل أحد وعصير العنب ونبيذ التين وشراب القمح والسيكران. . )([145]).

ويقول ابن عابدين: (. . قلت وقد سئل ابن نجيم عن بيع الحشيشة هل يجوز؟ فكتب لا يجوز فيحمل على أن مراده بعدم الجواز عدم الحل. . )([146]).

ويقول ابن القيم: (.. فأما تحريم بيع الخمر فيدخل فيه تحريم بيع كل مسكر مائياً كان أو جامداً… واللقمة الملعونة ـ الحشيش ـ.. فإن هذا كله خمر بنص رسول صلى الله عليه وسلم الصحيح الصريح الذي لا مطعن في سنده ولا إجمال في متنه… )([147]).

 

المبحث الخامس

حكمة تحريم المخدرات

هذا الدين رحمة للعباد، قال الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ]([148]). وهذه الرحمة تبدو واضحة في إنقاذ المصطفى صلى الله عليه وسلم للبشرية من الظلمات إلى النور ومن الجهل والضلال وعبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة. يقول تعالى: [وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ]([149]).

ومن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم للبشرية أنه يأمر بالخير وينهى عن الشر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عن العباد الآصار والأغلال فليس في التشريع الإسلامي ما لا طاقة للعباد به وذلك فضل من الله ومنه. يقول الله تعالى: [وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ]([150]).

بل أن الله جل وعلا تدرج في تحريم بعض المحرمات تيسيراً على العباد وأخذاً لهم بالأسهل عليهم حتى تتهيأ نفوسهم للمنع النهائي ولو أخذنا مثالاً واحداً يتناسب وما نحن بصدد البحث حوله وهو الخمر مثلاً فنجد الحكيم العليم جل وعلا في بداية الأمر يجيب السائلين عنها فيقول: [يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا]([151]). ثم نزل قوله تعالى: [لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى]([152]).

ثم نزل قوله تعالى: [إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ] إلى قوله تعالى: [فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ]([153]).

وهكذا راعى أرحم الراحمين الوضع السائد للخمر واستيلائها على عقول الناس فتدرج في التحريم حتى طلبوا ذلك فقالوا: اللهم أنزل علينا بياناً شافياً في الخمر فنزلت الآية الأخيرة المحرمة لها.

ما أكثر صور الرحمة ومظاهرها في دين الإسلام ولكن الناس غارقون غافلون في طغيانهم يعمهون. يقول الله جل وعلا عن الحبيب المصطفى: [عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ]([154]).

ولكي تتجلى لنا حكمة الإسلام من تحريم المخدرات نلقي نظرة فاحصة على أثر المخدرات على الضرورات الخمس المجمع على وجوب حفظها ومراعاتها وهي:

حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل.

ولا شك أن المخدرات تؤثر تأثيراً بالغاً على هذه الضرورات وتقوض أركانها وتزلزل بنيانها ويتضح ذلك فيما يأتي:

أ ـ إن أكثر هذه الضرورات تأثيراً بالمخدرات هو العقل تلك اللطيفة الربانية التي يبصر بها الإنسان وجوه الصواب وطرق الرشاد ويعبد بها ربه. وقد نوه الله بها في غير موضع من كتابه إذا استخدمت في غير وجهها الصحيح. يقول تعالى عن أهل النار وهم يصطرخون فيها: [وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ]([155]). ويقول تعالى: [إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ]([156]).

إن هذا العقل الذي استحق به الإنسان أن يكون خلفية في الأرض وسخر الله له جميع الكون لعُرضَهٌ للتضحية به في شربة كأس أو مضغة حشيش أو أفيون أو غيرها من الخبائث فويل لمن خسر عقله ضحية متعة موهومة أو نشوة منقضية مذمومة، لأن وراءها آفات تجعل الإنسان في الحضيض بل ترديه إلى أسوأ من الحيوانات. وهل فضله إلا بالعقل والتفكير، فإذا ألغى عقله ساوى غيره من المخلوقات ولا فرق في إصابة العقل والجناية عليه بين المسكر والمخدر وما أكثر ضحايا المخدرات في مستشفيات الأمراض العقلية فإذا كان حفظ العقل من الضرورات الخمسة التي تحرص عليها جميع الأديان السابقة فماذا عسى أن يكون حكم الإسلام وهو الدين الخاتم الذي وسع كل شيء بنصوصه خاصّها وعامها، هل يرضى للمنتسب إليه أن يكون مجنوناً لا يفهم أو صائراًَ إلى الجنون حاشا لله ذلك وحاشا لدينه أن يرضى بذلك أو يحله لهم([157]).

ب ـ والمخدرات تفسد على المرء دينه الذي خلق من أجله يقول تعالى: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ]([158]).

كما أنها مع الخمر رجس من عمل الشيطان يقول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ]([159]). فهي تصد عن الصلاة والذكر ويلحق بالخمر كل ما أدى إلى هذا الأمر كالحشيش والأفيون وغيرها.

فالمخدرات أعظم ضرراً من الخمر فمتعاطيها ـ أي المخدرات ـ سيصده الشيطان عن العبادة من صلاة وذكر وقراءة قرآن وغير ذلك لأن هذه الأمور تتطلب طهارة وصفاء ونقاء وإخلاصاً وهذا لا يتحقق في متعاطي المخدرات فهو فاقد العقل لا يميز بين طهارة والنجاسة ولا بين الحسن والقبيح ومن حكمة الله جل وعلا أن أباح لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث لأن بذلك الخير كل الخير لنا ولكن بعض الناس عما يراد لهم من الخير غافلون.

ج ـ كما أن المخدرات طريق لضياع المال الذي جعله الله قياماً للناس يقول تعالى: [وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً]([160]).

ومن تعاطى المخدرات من أغرق الناس في السفه لأنه ينفق ماله فيما يضر عقله وبدنه ويسرف في ذلك حتى يصل به الحال إلى الفقر فيصبح بأمس الحاجة.

ونحن لو رأينا شخصاً يحرق كل يوم مبلغاً من المال لحكمنا عليه بالجنون ولمنعناه من هذا التصرف الجنوني فكيف بمن يحرق عقله وبدنه بماله أليس أحق بوصف الجنون وأولى.

ثم إن متعاطيها يستميت في الحصول على المال بكل وسيلة ليتمكن من شرائها ولو أدى ذلك إلى السرقة والنهب والقتل وهذا ما علمناه من واقع من يتعاطونها ويروجونها في كل مكان.

دـ والمخدرات طريق لضياع الأنساب والأعراض وكيف يحافظ على عرضه من طار عقله وطاش لبه وضعف دينه وذهب حياؤه. وقد ذكر بعض أهل العلم أن متعاطي المخدرات ديوث لا يغار على عرضه ولا يبالي أن يتعدى على أقاربه ومحارمه. وقد حدثنا من نثق به أن هناك من أرخص عرض ابنته الصغيرة ثمناً لجرعة من الحشيش كان يشتريها من أحد المروجين فلما نفد المال الذي عنده ساومه المروج على عرض الطفلة الصغيرة فوافق على ذلك خائباً خاسراً.

هـ ـ والمخدرات تنهك البد\ن بالأمراض حتى ترديه فكيف تلتقي مع حفظ النفس التي أوجب الله العناية بها وحفظها وعدم إيرادها المهالك. يقول تعالى: [وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ]([161]). ويقول تعالى: [وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ]([162]).

والمخدرات طريق لقتل النفس وإلقائها إلى التهلكة، ولهذا كثرت ضحاياها وغصت بهم المستشفيات العقلية وكثيراً ما يموت المتعاطون بالسكتة القلبية فهل يبقى مع ذلك أدنى شك في حرمة هذا الوباء الذي يهدم الضرورات الخمس التي أوجب الله الحفاظ عليها وحرم التعدي عليها بل ومنع من كل أمر من شأنه أن يسيء إليها أو يضعفها فكيف بما يقضي عليها.

 

 

الفصل الخامس

أقوال أهل العلم وفتاويهم في المخدرات

 

آثرت أن أسرد كلام أهل العلم موثقاً

ليكون القارئ على بينة من كلام علمائنا الأجلاء

قديماً وحديثاً عن المخدرات

أقوال أهل العلم وفتاويهم في المخدرات

لم يتكلم الأئمة المجتهدون ومن بعدهم إلى المائة السادسة عن المخدرات لأنها لم توجد في وقتهم وبعد أن ظهرت وعرفها العلماء تكلموا كلاماً شافياً كافياً.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن الحشيشة: (.. وإنما لم يتكلم المتقدمون في خصوصها لأنها إنما حدث أكلها من قريب في أواخر المائة السادسة أو قريب من ذلك، كما أنه قد حدثت أشربة مسكرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكلها داخلة في الكلم الجوامع من الكتاب والسنة)([163]).

وسأذكر هنا بمشيئة الله نصوصاً وفتاوى لبعض الأئمة تبين رأيهم في المخدرات من كل وجه:

يقول الإمام التمرتلي الحنفي في شرحه لمتن القدوري: (.. ولا يجوز أكل البنج والحشيشة والأفيون وذلك كله حرام لأنه يفسد العقل حتى يصير الرجل فيه خلاعة وفساد ويصده عن ذكر الله وعن الصلاة.. )([164]).

يقول صاحب معين الحكام: (.. والظاهر جواز ما سقي من المرقد لقطع عضو ونحوه لأن المرقد مأمون وضرر العضو غير مأمون.. )([165]).

يقول ابن عابدين: (..ويحرم أكل البنج والحشيشة، لأن ما يخل العقل لا يجوز..)([166]).

يقول القرافي المالكي: (.. ولا يجوز تناول الأفيون والبنج والسيكران إذا كان قدراً يصل إلى التأثير في العقل أو الحواس.. )([167]).

وقال في تهذيب الفروق: (.. اتفق فقهاء أهل العصر على المنع من النبات المعروف بالحشيشة التي يتعاطها أهل الفسوق أعني كثيرها المغيب للعقل.. )([168]).

وقال الدسوقي: (.. إلا ما أثر في العقل أي غيب وفي تعاطيه الأدب ـ التعزير ـ ولا الصد.. )([169]).

وقال في مواهب الجليل: (.. للمتأخرين في الحشيشة قولان هل هي من المسكرات أو من المفسدات مع اتفاقهم على المنع من أكلها.. )([170]).

يقول الخطيب الشربيني: (. . كل شراب أسكر كثيره حرم قليله وحد شاربه) المراد الشارب المتعاطي شراباً وخرج بالشراب النبات قال الدميري: كالحشيشة التي تأكلها الحرافيش ونقل الشيخان في باب الأطعمة عن الروياني أن أكلها حرام ولا حد فيها..)([171]).

يقول السيد البكري:(..كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام لخبر الصحيحين ثم قال: وخرج بالشراب ما حرم من الجامدات فلا حد فيها وإن حرمت وأسكرت بل التعزيز بكثير البنج والحشيشة والأفيون). . ثم علق السيد البكري قائلاً. . إن العلماء قد ذكروا في مضار الحشيشة نحو مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية. . ([172]).

10ـ يقول ابن حجر الهيتمي: (.. وإذا ثبت أن هذه المخدرات ـ كلها مسكرة أو مخدرة فاستعمالها كبيرة وفسق كالخمر فكل ما جاء في وعيد شاربها يأتي في مستعمل شيء من هذه المذكورات لاشتراكهما في إزالة العقل..)([173]).

11ـ يقول البهوتي: (.. ولا يباح أكل الحشيشة المسكرة)([174]).

12ـ يقول الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب:(.. إذا تقرر هذا فاعلم أن المسكر الذي يزيل العقل نوعان:

أحدهما: ما كان فيه لذة وطرب. قال العلماء وسواء كان المسكر جامداً أو مائعاً وسواء كان مطعوماً أو مشروباً وسواء كان من حب أو تمر أو لبن أو غير ذلك وأدخلوا في ذلك الحشيشة التي تعمل من ورق ـ القنب ـ وغيره مما يؤكل لأجل لذته وسكره.

والثاني: ما يزيل العقل ويسكره ولا لذة فيه ولا طرب كالبنج ونحوه.. )([175]).

13ـ يقول الشيخ محمد بن إبراهيم في فتوى له عن القات: (.. هذه المسألة حادثة الوقوع والحكم عليها يتوقف على معرفة خواص هذه الشجرة وما فيها من المنافع والمضار وأيهما أغلب وقد تتبعنا ما أمكن العثور عليه من كلام العلماء فظهر بعد البحث وسؤال من يعتمد بقولهم من الثقات أن المتعين فيها المنع من تعاطي زراعتها وتوريدها واستعمالها لما اشتملت عليه من المفاسد والمضار في العقول والأديان والأبدان ولما فيها من إضاعة المال وافتتان الناس بها ولما اشتملت عليه من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو شر ووسيلة لهذه الشرور والوسائل لها أحكام الغايات وقد ثبت ضررها وتفتيرها وتخديرها بل وإسكارها ولا التفات لمن نفى ذلك ثم قال: إنها مقيسة على الحشيشة المحرمة لاجتماعهما في كثير من الصفات.. )([176]).

14ـ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:(.. وأما الحشيشة الملعونة المسكرة فهي بمنزلة غيرها من المسكرات والمسكر منها حرام باتفاق العلماء بل كل ما يزيل العقل فإنه يحرم أكله ولو لم يكن مسكراً كالبنج فإن المسكر يجب فيه الحد وغير المسكر يجب فيه التعزير)([177]).

15ـ يقول ابن القيم: (.. فأما تحريم بيع الخمر فيدخل فيه تحريم بيع كل مسكر مائياً كان أو جامداً عصيراً أو مطبوخاً فيدخل فيه عصير العنب وخمر الزبيب والتمر والذرة والشعير والعسل والحنطة واللقمة الملعونة ـ الحشيش ـ لقمة الفسق والقلب.. )([178]).

16ـ يقول ابن حجر: (.. واستدل بمطلق قوله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام) على تحريم ما يسكر ولو لم يكن شراباً فيدخل في ذلك الحشيشة وغيرها.. )([179]).

17ـ يقول النووي في المجموع: (.. قال الروياني النبات الذي يسكر وليس فيه شدة مطربة يحرم أكله ولا حد على آكله)([180]). وقال في روضة الطالبين: (..وأما ما يزيل العقل من غير الأشربة والأدوية كالبنج حرام..)([181]).

18ـ يقول الذهبي: (.. والحشيشة المصنوعة من ورق القنب حرام كالخمر يحد شاربها، كما يحد شارب الخمر وهي أخبث من الخمر.. )([182]).

19ـ يقول الزركشي: (.. الفصل الرابع في أنها حرام وقد تضافرت الأدلة الشرعية والعقلية على ذلك.. )([183]).

وقال في موضع آخر: (. . وقد أجمع الفقهاء من أصحابنا وغيرهم على أنه يحرم تناول المسكر وعمم النبات وغيره. . )([184]).

20ـ يقول العظيم آبادي: (. . فثبت بما تقرر أنها ـ جوزة الطيب ـ حرام عند الأئمة الأربعة الشافعية والمالكية والحنابلة بالنص والحنفية بالاقتضاء لأنها إما مسكرة أو مخدرة وأصل ذلك في الحشيشة المقيسة على الجوزة. .)([185]).

وقد نقل هذا النص من ابن حجر الهيتمي رحمهما الله.

21ـ ويقول الشوكاني وهو يرد على من قصر الخمر على عصير العنب: (..وهو قول مخالف للغة العرب والسنة الصحيحة والصحابة لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهموا من الأمر باجتناب الخمر تحريم كل مسكر.. )([186]).

22ـ ويقول الصنعاني: (.. ويحرم ما أسكر من أي شيء وإن لم يكن مشروباً كالحشيشة..)([187]).

23ـ يقول مفتي الديار المصرية الشيخ عبد المجيد سليم في جواب على سؤال وجه له: (.. لا يشك شاك ولا يرتاب مرتاب في أن تعاطي هذه المواد حرام لأنها تؤدي إلى مضار جسمية ومفاسد كثيرة فهي تفسد العقل وتفتك بالبدن إلى غير ذلك من المضار والمفاسد فلا يمكن أن تأذن الشريعة بتعاطيها مع تحريمها لما هو أقل منها مفسدة وأخف ضرراً)([188]).

24ـ فتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية:

صدر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية برقم 138 وتاريخ 20/6/1407هـ بالإجماع والقرار يقضي بقتل مهرب المخدرات وتعزير المروج بما يقطع شره([189]).

25ـ عقد في المدينة النبوية في رحاب الجامعة الإسلامية المؤتمر الإسلامي العالمي لمكافحة المسكرات والمخدرات وذلك في الفترة من 27ـ 30/5/1402هـ وقد انتهى المؤتمر إلى ضرورة محاربة المسكرات والمخدرات بكل الوسائل المتاحة كما انتهى المؤتمر إلى تحريم جميع أنواع المسكرات والمخدرات([190]).

وهذه النصوص والفتاوى عن الأئمة الأعلام صريحة واضحة في حرمة هذه المخدرات حشيشها وغير حشيشها والقليل منها والكثير لأنها كالخمر وإن كان بعضها كالأفيون والبنج طاهراً أو لا حد فيها وإنما فيه التعزير.

والعمل على هذا عند أهل العلم منذ ظهور الحشيشة في أواخر المائة السادسة.

بل إن هناك من أهل العلم من نقل الاتفاق على حرمة بعض هذه المخدرات ومنهم من جزم بأن آثارها التي تخلفها شر من المسكرات وهذا يجعلنا نقرر ونحن مطمئنون بأن هذه المخدرات بكل أشكالها وأنواعها محرمة ولا خير فيها بل هي شر محض يجب تخليص الإنسانية منه بكل وسيلة ممكنة.

 

 

الفصل السادس

بعض القصص الواقعية لمتعاطي المخدرات

 

آثرت أن أسرد فيه مجموعة من القصص

التي تحققت من ثبوتها

وأما ما اطلعت عليه فلا يسعه مجلد كامل

المخدرات

المخدرات ذلك السلاح الذي استغله أعداء الإسلام ليحطموا به شباب المسلمين تخديراً لهم وشلاً لجهودهم وإهداراً لطاقاتهم وقبل ذلك تدميراً لدينهم وقضاءً على مستقبلهم ومع ذلك امتدت أيدي بعض المسلمين لها وتناولها، فأظلمت حياتهم بعد البصيرة وانطفأت بصائرهم بعد النور وألغوا عقولهم بعد استنارتها بهدى الله فعبدوا اللذة والشهوة وأقدموا على الجريمة فأيتموا أطفالهم وأرملوا زوجاتهم وهذا كله ليس بعيداً عن مجتمعنا وهذه نماذج لقصص واقعية من المجتمع المسلم المفترض فيه الهدى والرشاد والاستقامة والصلاح والبعد عن موارد الرذيلة ومهاوي الفسق، أما قصص المجتمع الكافر فهي كثيرة جداً وفيها ما هو أغرب من الخيال فقد اطلعت على مجموعة من القصص ضمن دراسات وتقارير أعدتها هيئات دولية منها من وضع رأسه تحت عجلات القطار، ومن قتل زميله في الدراسة ثم أسقط نفسه من الدور السابع والثلاثين، ومن قتلت طفلتها الرضيعة الوحيدة دهساً بأقدامها، ومن وقع على أخته، ومن أرخص عرض زوجته وبنته للحصول على المخدر كل هذا سأتجاوزه وأذكر قصصاً واقعية وقعت حوادثها على ثرى هذا التراب وفي وسط هذا المجتمع الآمن فلينتبه الغافل فالحرب تدور.

القصة الأولى:

شاب هو وحيد أمه تجاوز عمره الثلاثين عاماً تعاطى المخدرات بسبب رفقة السوء ثم أدمن عليها وأخذ يخل بعمله الوظيفي حتى وصل الحال به إلى أن فصل من العمل بسبب كثرة مشاكله وغيابه ثم أخذ يتحايل على أمه لجمع النقود بحجة الزواج وهو يشتري بها المخدرات حتى آل الأمر به إلى أن اختل عقله وأخذ يضرب أمه فبلغت عنه وأودع السجن متلبساً بجريمته النكراء.

القصة الثانية:

زوج يتعاطى الخمر والمخدرات أخذ زوجته ذات مرة إلى الصحراء وشرب وتناول المخدر حتى غاب عقله ثم أخذ يطارد زوجته المسكينة حتى أمسكها وأدخل رأسها داخل السيارة ثم أغلق عليها الزجاجة الخلفية بغية خنقها ثم أدار محرك السيارة والمسكينة تصارع لكسر الزجاجة وهي ترى الموت بأم عينها، وتم لها ما أرادت فكسرت الزجاجة واستطاعت أخذ مفتاح السيارة وهربت في الصحراء ولا تلوي على شيء وسارت طول الليل وفي الصباح وصلت إحدى المزارع القريبة من البلد وأبلغت عن زوجها فقبض عليه وأودع السجن.

القصة الثالثة:

كهل يتجاوز الخمسين من عمره عنده مجموعة من الأولاد وله زوجة صالحة تعيش أسرته بأمن وطمأنينة ورغد من العيش تعرف في إحدى سفراته على شخص سيء قاده إلى الهاوية حيث روج عن طريقه أنواعاً من المخدرات حتى قبض عليه وأودع السجن وأصيب بانهيار نفسي بحيث لا يعرف من يأتيه ولا يأبه بأولاده وزوجته ولا يسأل عنهم.

القصة الرابعة:

شخص يبلغ من العمر الخامسة والأربعين يعيش مع أمه وزوجته وأطفاله الخمسة في البيت وكانت مشاكله كثيرة مع الجيران بسبب السكر والمخدرات، وذات ليلة كانت زوجته وأطفاله عند أخوالهم وليس في البيت إلا هو ووالدته سكر وتناول المخدر ثم ركبه الشيطان وأخذ السكين وبحث عن والدته التي كانت نائمة في السطح فلما سمعت الجلبة استيقظت، وإذا بولدها يصعد الدرج وفي يده السكين فخافت ونزلت مع الدرج الثاني وأخذ يطاردها حتى صعدت مرة ثانية للسطح وصاحت بأعلى صوتها للجيران فحضروا وكان الولد العاق قد أحكم الباب بالمفتاح فتسلقوا سور السطح وهددوه بالسلاح فلم يمتثل وأخيراً تحايلوا عليه وأسقطوه بحبل طويل معهم ثم قبضوا عليه وبلغوا عنه، أما الأم المسكينة فقالت: اقتلوه لا أريده ولداً لي إني أخاف منه وأخاف على أولاده منه.

القصة الخامسة:

شاب سافر خارج البلاد وكان بيده شيء من المال ووقع في شراك الرذيلة وقاده ذلك إلى السكر والمخدرات، ولما وصل بلده بحث عن المخدر فلم يجده فتظاهر بالمرض ليتم علاجه في الخارج حسب زعمه وصدق الأب المسكين وأخذ يصرف عليه سنة كاملة حتى كشف أمره أحد أصدقائه السيئين لخلاف بينهما.

القصة السادسة:

رجل قبض عليه في بيته في نهار رمضان وقد تناول مع رفاق السوء المخدر وجهزوا الطعام لهم جهاراً نهاراً والناس صائمون غير أن الله جل وعلا سلط عليه زوجته فبلغت عنه خوفاً على عرضها فقبض عليه، وهو على جريمته النكراء مع رفاق الشيطان.

 

 

الفصل السابع

مكافحة الإسلام للمخدرات

ويشمل تمهيداً ومبحثين:

المبحث الأول: مكافحة المخدرات عن طريق الوقاية.

المبحث الثاني: مكافحة المخدرات عن طريق العلاج.

 

تمهيد

مكافحة الإسلام للمخدرات([191])

تضاربت آراء الباحثين في العلاج الأمثل للمخدرات، فهناك من يرى ضرورة إيجاد البدائل العملية لهذه المخدرات، وهناك من يرى التركيز على العلاج النفسي، وآخرون يلحون على تهيئة الجو أمام مبادئ الإسلام وأحكامه لتأخذ دورها في نفوس الناس.

والبعض الآخر يرى أن الأساس في علاج المشكلة يكمن في تنشئة الأجيال وتوجيههم والأخذ بأيديهم لما فيه خيرهم وصلاحهم.

وإزاء هذه الآراء المتفقة المختلفة فإني أرى أن علاج هذه المشكلة يسير باتجاهين متوازيين:

الأول: الوقاية.

الثاني: العلاج، وإليك بيانها في المبحثين التاليين:

 

المبحث الأول

مكافحة المخدرات عن طريق الوقاية

وتحته ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: العناية بتربية الفرد والأسرة والمجتمع.

المطلب الثاني: الحث على الكسب الحلال ومحاربة البطالة.

المطلب الثالث: غرس القيم الإسلامية وتعميم الوعي بأضرار المخدرات.

 

المطلب الأول: العناية بتربية الفرد والأسرة والمجتمع

إن غاية التربية في الإسلام هي أن يحيا المسلم حياة سعيدة في الدنيا تنتهي به إلى سعادة أبدية في الآخرة.

ولكي يتحقق ذلك لا بد أن ينشأ المسلم نشأة صالحة ويكتسب أنماطاً سلوكية حسنة من الوالدين أو من يقوم مقامهما ممن يقتدي به الناشئ وعليه فلا بد يكون الأبوان حريصين على ممارسة حقائق الإسلام وقيمه ومبادئه فحين توجد القدوة الحسنة متمثلة في الأب المسلم والأم ذات الدين فإن كثيراً من الجهد الذي يبذل في تنشئة الطفل وتربيته على آداب الإسلام ومبادئه يكون جهداً ميسراً وقريب الثمرة لأن الطفل سيتشرب القيم الإسلامية من الجو المحيط به تشرباً تلقائياً.

إذاً يجب أن تكون الأسرة مصباح هداية لأبنائها لا مفتاح غواية وأن تعطي القدوة الحسنة لجميع أفرادها قولاً وفعلاً حتى تثمر التربية وينشأ هؤلاء الأفراد على مبادئ الخير والفضيلة وتحقق فيهم أهداف التربية الإسلامية التي تكفل سعادتهم في الدنيا والآخرة ويكونوا بعيدين كل البعد عن مزالق الرذيلة ومن أخطرها على الفرد والأسرة تعاطي المخدرات([192]).

وكما يعتني الإسلام عناية فائقة بتربية الفرد فإنه في نفس الوقت يعتني عناية كبيرة بتكوين الأسرة وتنشئتها على حسب الإسلام ومبادئه لتكون خليقة بحمل الأمانة الكبرى في تربية أفرادها.

ومن أبرز مظاهر عناية الإسلام واهتمامه بالأسرة والمجتمع وحمايتهم من وسائل الشر والفساد والتفكك والضياع ما يأتي:

أولاً: الأمر بحسن الاختيار في الزواج:

لنجاح الزواج واستمراره أسس يقوم عليها بناؤه وبها تحصل الثمرة المقصودة من تشريعه. ومن هذه الأسس ما يلي:

1ـ أن تكون الزوجة مسلمة:

فالزواج هو أقوى رابطة وأدومها بعد رابطة العقيدة فكان لا بد من التقاء الزوجين على دين واحد ليحقق الزواج الثمرة المقصودة منه ولئلا يعكر صفوه شوائب اختلاف المعتقد وواقع الحياة خير شاهد على ما نقول إذ المخدرات تجد طريقها ميسراً للأسرة التي تتكون من زوجين مختلفي المعتقد ويترتب على ذلك المشاكل التي لا عد لها ولا حصر.

2ـ أن تكون الزوجة المسلمة دينة وكذلك الزوج المسلم:

وتدين الزوجين يعني فهمهما للإسلام فهماً حقيقياً وتطبيقهما لأحكامه وآدابه وفضائله تطبيقاً عملياً والتزامهما التزاماً كاملاً بمنهجه ومبادئه. ويكفي في هذا الجانب توجيهه صلى الله عليه وسلم من رغب في الزواج أن يظفر بذات الدين فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)([193]).

3ـ أن يختار أحد الزوجين الآخر من أسرة عرفت بالأصالة والشرف والصلاح والطيب:

ذلك أن الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا. يتفاوتون فيما بينهم شرفاً ووضاعة وصلاحاً وفساداً وخيراً وشراً وكم من علاقة زوجية كانت بدايتها اختياراً سيئاً من أحد الزوجين للآخر فكانت نهايتها التشرد والضياع وهذا أمر مشاهد ومحسوس([194]).

ثانياً: المعاشرة بين الزوجين بالمعروف:

يقول الله تعالى: [وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً]([195]).

وكلمة المعروف في هذا السياق كلمة جامعة تشمل كل ما عرف بالشرع والعقل حسنه من السجايا والشمائل الكريمة والأخلاق الفاضلة وأداء الحقوق والواجبات التي أوجبها الله جل وعلا في ظل رباط الزوجية الوثيق، وقد ذكر أهل العلم وجوهاً كثيرة للمعاشرة بالمعروف منها:

التوسيع على الأهل بالنفقة. يقول تعالى: [لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ]([196]).

الاستشارة في كل شئون المنزل مما يتعلق بالأولاد وغيره والبيت الذي تسوده المحبة والألفة ويتعاون فيه الأبوان على شئون الحياة ترفرف عليه السعادة وينشأ فيه الأولاد غالباً نشأة صالحة.

إغضاء كل منهما نقائض الآخر خصوصاً إذا كانت المحاسن أكثر والمكارم أعم ومَنْ مِنَ الناس يسلم من العيوب فالكمال لله سبحانه وتعالى والإسلام الذي ينظر إلى البيت بوصفه سكناً وأمناً وسلاماً وينظر إلى العلاقة بين الزوجين بوصفها مودة ورحمة وأنساً ويقيم هذه الآصرة على الاختيار المطلق كي تقوم على التجاوب والتعاطف والتحاب… هو الإسلام ذاته الذي يقول للأزواج: [فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً] كي يستأني برباط الزوجية فلا تفصم لأول خاطر وكي يستمسك بعقدة الزوجية فلا تنفك لأول نزوة وكي يحفظ لهذه المؤسسة الكبرى جديتها فلا يجعلها عرضة لنزوة العاطفة المتقلبة وحماقة الميل الطائر هنا وهناك.

ثالثاً: حل المشكلات العائلية في جو أسري خاص:

يقول الله تبارك وتعالى: [وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً]([197]).

المنهج الإسلامي لا ينتظر حتى يقع النشوز بالفعل وتعلن راية العصيان وتسقط مهابة القوامة بل لا بد من المبادرة في علاج مبادئ النشوز قبل استفحاله لأن مآله فساد وتدمير هذه المؤسسة الخطيرة. لذا أبيح للمسئول الأول عن الأسرة أن يزاول بعض أنواع التأديب للمصلحة في حالات كثيرة للانتقام ولا للتعذيب ولكن للإصلاح ورأب الصدع في هذه المرحلة المبكرة من النشوز.

والإسلام وهو الدين الخالد الوافي بمتطلبات الحياة وعلاج ما يجد فيها من مشكلات لا يدعو إلى الاستسلام لبوادر النشوز والكراهية ولا إلى المسارعة بفصم عقدة النكاح وتحطيم مؤسسة الأسرة على رؤوس من فيها من الكبار والصغار ـ الذين لا ذنب لهم ولا يد ولا حيلة ـ فمؤسسة الأسرة عزيز على الإسلام بقدر خطورتها في بناء المجتمع وفي إمداده باللبنات الجديدة اللازمة لنموه ورقيه وامتداده.

ومتى وجد الفرد الصالح ووجدت الأسرة المتماسكة الآمنة وجد المجتمع القوي الذي يستطيع الوقوف أمام التيارات الجارفة مهما كانت خطورتها ومهما بلغت أساليبها ووسائلها التي منها في وقتنا الحاضر سلاح المخدرات الذي غزيت به ديار المسلمين ودمرت بسببه شبيبة الإسلام على حين غفلة من الدعاة المخلصين وأولياء الأمور وأساتذة الجيل في طول ديار المسلمين وعرضها.

وقد ربى الإسلام أتباعه على الطاعة وحثهم عليها وبين لهم أن الغاية من خلقهم هي عبادة الله. يقول الله تبارك وتعالى:[وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ]([198]).

ومتى تعلق المسلم بربه وقوى الإيمان في نفسه وأدى ما افترض الله عليه من الطاعات لم يكن لديه الوقت الذي يضيعه بالمخدرات لأن العبادات والفرائض توفر للمسلم الوقت الذي يتأمل فيه نفسه بالنسبة للكون الكبير والخالق العظيم وبالتالي يشعر بالطمأنينة والاستقرار لأنه يرى من حوله يشاركونه في العبادة والتذلل والتلذذ في صلتهم بالله جل وعلا.

وكلما ابتعد المسلم عن جلساء السوء وعرف مكائدهم وطرق إغوائهم وتبين له ما تنتهي به المخدرات إليه من الضياع والتشرد كلما ازداد اتصالاً بالله جل وعلا وبحثاً عن الصالحين وإقبالاً على العبادة بمفهومها الشامل في الإسلام وصدق الله جل وعلا: [قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ]([199]).

المطلب الثاني: الحث على الكسب الحلال ومحاربة البطالة

إن كل إنسان في مجتمع الإسلام مطالب أن يعمل، مأمور أن يمشي في مناكب الأرض ويأكل من رزق الله كما قال تعالى: [هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ]([200]).

وهذا العمل هو السلاح الأول لمحاربة الفقر وهو السبب الأول في جلب الثروة وهو العنصر الأول في عمارة الأرض التي استخلف فيها الإنسان وأمره أن يعمرها كما قال تعالى على لسان لصالح لقومه: [يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا]([201]).

ويبدو جلياً حث الإسلام على الكسب الحلال وتحذيره من الكسب الخبيث من خلال ما يأتي:

الإسلام يفتح أبواب العمل ـ أمام المسلم ـ على مصراعيها ليختار منها ما تؤهله له كفايته وخبرته وميوله ولا يفرض عليه عملاً معيناً إلا إذا تعين ذلك لمصلحة المجتمع.

الإسلام لا يسد في وجه المسلم أبواب العمل إلا إذا كان من ورائه ضرر لشخصه أو للمجتمع ـ مادياً كان الضرر أو معنوياً ـ وكل الأعمال المحرمة في الإسلام من هذا النوع.

الإسلام لا يطالب المسلم بشيء من حقوقه الخاصة التي حصل عليها من جراء عمله بل كل ما اكتسبه المسلم فهو حق له لا يشاركه فيه أحد ما دام لم يصل إلى الحد الذي تجب فيه الزكاة، أما إذا وصل إلى هذا الحد فيجب عليه دفع الزكاة لإخوانه الفقراء لأنهم يمرون بنفس المرحلة التي مر بها الغني سابقاً.

يمنع الإسلام منعاً باتاً بخس المسلم حقه بل ندب إلى إعطاء الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ويعطي أجره المناسب لجهده وكفايته بالمعروف بلا وكس ولا شطط لأن إعطاءه أقل مما يستحق من الظلم وهو من أشد المحرمات في الإسلام.

علاج الإسلام لبواعث البطالة:

لقد عالج الإسلام كافة البواعث النفسية والمعوقات العملية التي تثبط الناس عن العمل والسعي في الرزق والمشي في مناكب الأرض علاجاً حاسماً يقف المرء معه إجلالاً وإكباراً لهذا المنهج الرائع الذي بدأت البشرية تتلمسه بعد قرون من التخبط والضياع.

ومن مظاهر هذا العلاج ما يلي:

من الناس من يعرض عن العمل والسعي بدعوى التوكل على الله وانتظار الرزق منه.

وهؤلاء خطأهم الإسلام وبين في منهجه القويم أن العمل لا يعارض التوكل على الله بل لا بد من فعل الأسباب مع التوكل على الله وشعار المسلم في هذا اعقلها وتوكل.

لقد اقتضت حكمة الحكيم العليم أن هذه الأرزاق في البر والبحر التي ضمنها للناس والأقوات التي قدرها والمعايش التي يسرها لا تنال إلا بجهد يبذل وعمل يؤدى ولهذا رتب الله سبحانه وتعالى الأكل من رزقه على المشي في مناكب أرضه فقال: [فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ] فمن مشى أكل ومن كان قادراً على المشي ولم يمش كان جديراً ألا يأكل([202]).

ومن الناس من يدع العمل بحجة التبتل لطاعة الله والانقطاع للعبادة التي من أجلها خلق الله الإنس والجن: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ]([203]).

وهؤلاء علمهم رسول البشرية صلى الله عليه وسلم، أن لا رهبانية في الإسلام وأن العمل الدنيوي إذا صحت فيه النية وأتقنه صاحبه وراعى فيه أحكام الإسلام فهو عبادة لله يتقرب بها المسلم لربه ومن أولى ذلك وأحقه سعي الإنسان على نفسه ومن يعول بل رفع الإسلام منزلة هذا العمل ليجعله نوعاً من الجهاد يقول تعالى: [وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]([204]).

وبعض الناس يدع العمل إما لظنه أن هذه المهنة أو تلك مهنة ممتهنة أو لأنه عجز عن أن يجد عملاً لنفسه في بلده الذي ولد وعاش فيه أو لأنه يعيش على ما يأتيه من الزكوات والصدقات وكل هؤلاء أخطئوا في مسلكهم فالعمل مهنة شريفة مهما كان نوعه فكل ميسر لما خلق له والناس يخدم بعضهم بعضاً في هذا المجال، وتلك من سنن عمارة هذا الكون ولا عجب أن رأينا أعلام المسلمين ومشاهيرهم ينتسبون إلى حرفهم وما يزاولون من أعمال. ولقد ملأ سمع الدنيا وبصرها أسماء لامعة مثل البزاز والقفال والزجاج والخراز والجصاص والخواص والخياط والصبان والقطان وغيرها ممن كان لهم أثر بارز في تشييد حضارة الإسلام الخالدة.

المطلب الثالث: غرس القيم الإسلامية وتعميم الوعي بأضرار المخدرات

إن غرس القيم الإسلامية والحث على التمسك بالإسلام والتزامه منهج حياة. وبيان موقفه من تعاطي المخدرات وتفصيل ما ينتج عنها من أضرار ومخاطر تهدد أمن الفرد والأسرة والمجتمع إن ذلك كله من أبلغ الوسائل المعينة على تقليص هذه المشكلة الخطيرة.

ولقد أثبتت التجارب القليلة جداً التي قام بها بعض الدعاة مع بعض المتعاطين جدوى هذا الأسلوب المتميز إذ كثيراً ما يبتعد المتعاطي عن هذه المخدرات خلال جلسة أو جلستين مع هؤلاء الدعاة.

وهنا ينبغي أن يكون للمساجد ووسائل الإعلام والمناهج الدراسية والأندية الرياضية والمؤسسات الاجتماعية دور متميز في التنفير والتحذير من هذه السموم الفتاكة ولو أن أئمة المساجد ركزوا على هذا الموضوع في خطب الجمعة وتناوله أساتذة الجامعات بالمناقشة والتحليل وقام بإيضاحه الشعراء والأدباء بأسلوب سهل جذاب لو حصل ذلك لاختفى الشيء الكثير من خطورة هذه المشكلة ونحن نعلم يقيناً أن الوقاية خير من العلاج وهذا من أفضل وسائل الوقاية وهو ميسور ومتاح لكل أحد، ولكننا نرى الجهد فيه قليل جداً فإلى الله المشتكى.

 

المبحث الثاني

مكافحة المخدرات عن طريق العلاج

 

وتحته ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: المداواة بالعبادة.

المطلب الثاني: العقوبة.

المطلب الثالث: الجهود المبذولة في مكافحة المخدرات.

 

المطلب الأول: المداواة بالعبادة

سبق أن بينا أن من طرق الوقاية من شرور المخدرات غرس القيم الإسلامية.

ومتى تم ذلك تبعه ترغيب الناس في العبادة وتحبيبها لهم ليعيشوا في جو إيماني بعيد كل البعد عن جو الرذيلة وحب المنكرات لأن القلب الإنساني دائم الشعور بالحاجة إلى الله وهو شعور أصيل صادق لا يملأ فراغه شيء في الوجود إلا حسن الصلة برب الوجود وهذا ما تقوم به العبادة إذا أديت على وجهها المشروع فليس عند القلوب السليمة والأرواح الطيبة والعقول الزاكية أجل ولا ألذ ولا أطيب ولا أسر من محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه.

والحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه نتيجة لذلك فوق كل حلاوة فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يطمئن ولا يسكن إلا بعبادة ربه والإنابة إليه، وكلما تمكنت محبة الله من القلب أخرجت محبة من سواه مهما كان هذا المحبوب، ولهذا كانت العبادة من أنفع الأدوية لعلاج كثير من الأمراض والسموم ومنها تعاطي المخدرات.

والعبادة التي نشير إليها هي ما تعنيه هذه اللفظة من الشمول والكمال ويكفي في هذا أن نجتزئ، هنا تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية للعبادة حيث يقول: (العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة.

وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر والحكمة والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك هي من العبادات لله)([205]).

فحياة المسلم كلها عبادة لله سبحانه وتعالى فلا مكان فيها لانحراف أو شذوذ ولا مجال فيها لجلسة فسق أو تعاط لمخدر وصدق الله العظيم: [قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ]([206]).

المطلب الثاني: العقوبة

الشريعة الإسلامية شريعة الكمال والخلود، ولهذا جاءت بما يكفل مصالح الناس في معاشهم ومعادهم ومن ذلك تشريع بعض العقوبات لمن يخل بنظام المجتمع أو يمس كرامة فرد من أفراده أو يعتدي على حق من الحقوق الخاصة والعامة.

وهذه العقوبات ثابتة بالنص من الكتاب، والسنة، والإجماع، أو بالقياس.

يقول ابن القيم رحمه الله: (فكان من بعض حكمته سبحانه ورحمته أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض في النفوس والأبدان والأعراض والأموال كالقتل والجراح والقذف والسرقة فأحكم سبحانه وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الأحكام وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع. . )([207]).

تعريف العقوبة:

العقوبة في اللغة:

هي الجزاء الذي يوقعه ولي الأمر أو من ينوب عنه على من ارتكب مخالفة شرعية باعتداء على حق خاص أو عام مأخوذة من الفعل عاقب يعاقب معاقبة وعقوبة وعقاباً.

قال في لسان العرب: (والعقاب والمعاقبة أن تجزى الرجل بما فعل سواءً والاسم العقوبة وعاقبه بذنبه معاقبة وعقاباً أخذ به، وتعقب الرجل إذا أخذته بذنب كان منه. . )([208]).

وقال في تهذيب اللغة: (والعقاب والمعاقبة أن تجزى الرجل بما فعل سواءً والاسم العقوبة ويقال أعقبته بمعنى عاقبته)([209]).

العقوبة في الاصطلاح:

تدور تعريفات أهل العلم للعقوبة في الاصطلاح حول أهداف العقوبة وما تحققه من أغراض سيما ما يتصل باستئصال الجريمة واستصلاح المجرمين ومن هذه التعريفات:

عرف الماوردي الحدود بأنها: (زواجر وضعها الله تعالى للردع عن ارتكاب ما خطر وترك ما أمر)([210]). وعرفها ابن الهمام بأنها: (موانع قبل الفعل زواجر بعده)([211]).

وقال ابن عابدين: (والتحقيق ما قال بعض المشايخ أنها موانع قبل الفعل زواجر بعده أي العلم بشرعيتها يمنع الإقدام على الفعل وإيقاعها بعده يمنع من العود إليه..)([212]).

مما سبق يمكن أن نستخلص أن العقوبة هي الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على عصيان أمر الشارع.

وأن الغرض منها هو إصلاح حال البشر وحمايتهم من المفاسد واستنقاذهم من الجهالة وإرشادهم من الضلالة وكفهم عن المعاصي وبعثهم على الطاعة ([213]).

والعقوبة على ضربين: عقوبة أخروية، وعقوبة دنيوية.

والعقوبة الأخروية على قسمين:

عقوبة مؤبدة، وعقوبة مؤقتة.

1ـ فالمؤبدة:

هي ما قضى الله جل وعلا به من مصير الكفار والمنافقين على تفاوت في دركاتهم يدل لذلك قوله تعالى: [يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ]([214]).

وقوله تعالى: [وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ]([215]).

وقوله تعالى: [إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ]([216]).

2ـ المؤقتة:

ما قضى الله جل وعلا به من عقوبة لعصاة الموحدين الذين ماتوا على عصيانهم من غير توبة على تفاوت بينهم في شدة العذاب وخفته يدل لذلك قوله تعالى: [وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ]([217]).

والعقوبة الدنيوية على قسمين:

1ـ عقوبة مقدرة من الشارع بحيث لا يجوز أن يزاد عليها أو ينقص منها.

2ـ عقوبة غير مقدرة: يجوز أن يزاد فيها وينقص حسب ما يراه الحاكم مناسباً لحال الجاني وكافياً في ردعه بإزالة آثار جنايته على الفرد أو المجتمع([218]).

عقوبة المتعاطي والمروج والمهرب والمزارع:

أولاً: عقوبة المتعاطي:

لا خلاف بين أهل العلم في حرمة المخدرات ووجوب تشديد العقوبة على متعاطيها لأنه يقدم من خلال تعاطيها على ما فيه هلاك نفسه وقد حذر الله من ذلك في كتابه بقوله: [وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ]([219]).

كما أنه بطيشه وسفهه يعتدي على نعمة من أجل النعم وأشرفها، بل هي مناط التكليف وهي نعمة العقل لكن أهل العلم رحمهم الله اختلفوا في العقوبة التي يستحقها متعاطي المخدرات هل هي عقوبة الخمر أم أنها عقوبة تعزيرية ولهم في ذلك قولان مشهوران مبنيان على قوليهما في إسكار المخدرات وعدم إسكارها.

القول الأول:

ذهب بعض أهل العلم من الحنفية([220]) والمالكية([221]) والشافعية([222]) والحنابلة([223]) إلى أن عقوبة متعاطي المخدرات عقوبة تعزيرية متروكة لاجتهاد الحاكم حسب حال المتعاطي والآثار المترتبة على تعاطيه فقد تكون هذه العقوبة ضرباً، وقد تكون حبساً، وقد تكون غير ذلك لكن لا يثبت على المتعاطي حد السكر لأن المخدرات غير مسكرة ولا يتناولها اسم الخمر([224]).

فقياسها على الخمر مردود من وجهين:

أحدهما: أن شرط القياس في الحدود المساواة، وهذه الأشياء لا تشبه الخمر في تعاطيها لأنها لا تورث عربدة وغضباً بخلاف المسكر فهو يغطي على العقل ويعطيه قوة ونشاطاً في الظاهر بخلاف تعاطي المخدرات فإنه وإن زال عقل متعاطيها إلا أنه يسكن شره لفتور بدنه وتخديره وكثرة نومه.

ثانياً: أن المخدرات طاهرة والخمر نجسة ـ على خلاف في نجاستها هل هي حسية أو معنوية ـ ولذا ناسب في تأكيد الزجر عنها إيجاب الحد على شاربها([225]).

القول الثاني:

وذهب بعض أهل العلم إلى أن عقوبة متعاطي المخدرات هي حد السكر ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية([226])، وابن القيم([227])، والذهبي([228])، والزركشي([229])، وغيرهم قالوا: إن الأدلة الواردة في الخمر تشمل سائر المسكرات مائعها وجامدها مأكولها ومشروبها والمخدرات داخلة في هذا العموم.

الترجيح:

الراجح في نظري هو القول الثاني القائل بأن المخدرات تعطى حكم المسكرات ويجب على متعاطيها الحد الشرعي للخمر بل إنني أميل إلى أنه إن لم يرتدع بإقامة الحد عليه يتم تعزيره من قبل الحاكم حسب اجتهاده بإيقاع العقوبة الكافية في ردعه ولو كان ذلك بقتله والله أعلم.

وقد انتهت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية إلى هذه النتيجة وذلك بقرارها رقم (85) وتاريخ 11/11/1401هـ حيث جاء في القرر: (من يتعاطاها للاستعمال فقط فهذا يجري في حقه الحكم الشرعي للسكر فإن أدمن على تعاطيها ولم يجد في حقه إقامة الحد كان للحاكم الشرعي الاجتهاد في تقرير العقوبة التعزيرية الموجبة للزجر والردع ولو بقتله)([230]).

ثانياً: عقوبة المروج:

ترويج المخدرات هدم للأخلاق والقيم في المجتمع المسلم وهو من باب إشاعة المنكرات والتعاون على الإثم والعدوان الذي حذر الله منه في كتابه: [وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ]([231]).

ولذا ينبغي أن تكون العقوبة له رادعة زاجرة ولو بلغ بها الحاكم إلى القتل عقوبة تعزيرية، وقد نص على ذلك قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم (58) وتاريخ 11/11/1401هـ حيث جاء في القرار: (من يروجها سواء كان ذلك بطريق التصنيع أو الاستيراد بيعاً وشراءً أو إهداءً ونحو ذلك من ضروب إشاعتها ونشرها فإن كان ذلك للمرة الأولى فيعزر تعزيراً بليغاً بالحبس أو الجلد أو الغرامة المالية أو بهما جميعاً حسبما يقتضيه النظر القضائي وإن تكرر منه ذلك فيعزر بما يقطع شره عن المجتمع ولو كان ذلك بالقتل لأنه بفعله هذا يعتبر من المفسدين في الأرض وممن تأصل الإجرام في نفوسهم وقد قرر المحققون من أهل العلم أن القتل ضرب من   التعزير. . )([232]).

ثالثاً: عقوبة المهرب:

تهريب المخدرات له من الآثار السيئة على الفرد والمجتمع مثل ما لترويجها أو أكثر، ولذا ينبغي أن تكون عقوبة المهرب مثل عقوبة المروج أو تزيد وهذا ما انتهت إليه هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية وذلك بقرارها (138) وتاريخ 20/6/1407هـ    حيث جاء في القرار: (. . بالنسبة للمهرب فإن عقوبته القتل لما يسببه تهريب المخدرات وإدخالها البلاد من فساد عظيم لا يقتصر على المهرب نفسه وأضرار جسيمة وأخطار بليغة على الأمة بمجموعها ويلحق بالمهرب الشخص الذي يستورد أو يتلقى المخدرات من الخارج فيمون بها المروجين. . )([233]).

رابعاً: عقوبة المزارع:

من يقوم بزراعة المخدرات أو تصنيعها فهو داخل ضمناً في دائرة المروجين ولهذا فعقوبته عقوبة المروجين متروكة لاجتهاد الحاكم فإن رأى أن إحراق المزارع وإتلاف المخدرات والتعزير بالجلد أو الحبس أو الغرامة المالية كافٍ في قطع شر المزارع فله ذلك وإن تمادى بالمزارع الأمر وعاد لما كان عليه فله أن يبلغ بالعقوبة القتل تعزيراً لأن زراعة المخدرات من أشد أنواع الفساد في الأرض ونشر الرذيلة وإعلان المنكرات وقد ذكرنا عقوبة المروج سابقاً وهي تنطبق على المزارع تماماً. والله أعلم.

المطلب الثالث: الجهود المبذولة في مكافحة المخدرات

أصبح تعاطي المخدرات وتهريبها والاتجار بها وزراعتها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم ومنذ أن أحس العالم بخطورة هذه المشكلة وهو يبذل جهوداً متواصلة لوضع نظام شديد لإحكام الرقابة عليها وقصر استخدامها على الأغراض الطبية والعلمية، ولذا تم عقد العديد من المؤتمرات والاتفاقيات الهادفة إلى تقليص حجم هذه المشكلات.

وإنشاء العديد من المراكز الدولية وكان للمملكة العربية السعودية مع شقيقتها من الدول العربية الأخرى والدول الإسلامية جهود متميزة في هذا المجال وتتلخص الجهود العالمية والجهود المحلية بما يأتي:

أولاً: المؤتمرات والاتفاقيات العالمية لمكافحة المخدرات:

من الجهود التي تمت في مطلع القرن التاسع عشر عقد المؤتمر الدولي الأول للمخدرات في (شنغهاي سنة 1909م) الذي دعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية ليتولى المجتمعون فيه دراسة مشكلة المخدرات والآثار الناجمة عنها، وقد لبت الدعوة للمؤتمر أربعة عشرة دولة، وقد صدرت عن هذا المؤتمر عدة قرارات تهدف إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف انتشار هذا العدو الخطير.

تم عقد المؤتمر الثاني في (لاهاي) عام 1912م، وتم الاتفاق فيه على (اتفاقية الأفيون الدولية) حيث تعهدت الدول المشاركة بمراقبة إنتاج الأفيون الخام وتقييد الخام وتقييد تصديره واستعماله وقصر المواد المخدرة على الأغراض الطبية.

تم عقد مؤتمر (جنيف) عام 1925م وركز المجتمعون فيه على منع الاتجار بالأفيون ومعاقبة من يقوم بتهريبه.

تم عقد مؤتمر (جنيف) الثاني عام 1936م وكان أهم قرارته تسليم المجرمين وسرعة وسهولة الاتصال بالسلطات المختصة بمتابعة المخدرات.

ثم تمت الاتفاقية الوحيدة للمخدرات عام 1961م والتي جمعت معظم الاتفاقيات التي سبقتها ثم عدلت هذه الاتفاقية عام 1972م لتكون الرقابة الدولية أشد إحكاماً.

الاتفاقية الثانية وهي اتفاقية العقاقير النفسية عام (1971م)التي وضعت نظاماً للرقابة لى المواد ذات التأثير النفسي والعقلي([234]).

ثانياً: اللجان والمراكز الدولية لمكافحة المخدرات:

1ـ لجنة المخدرات:

أنشئت لجنة المخدرات عام 1961م من ثلاثين عضواً يتم اختيارهم من الدول المنتجة للمخدرات والدول المصنعة للمخدرات والدول التي تعاني من مشكلة تعاطي المخدرات أو الاتجار بها.

2ـ هيئة الرقابة الدولية على المخدرات:

أنشئت هذه الهيئة بموجب الاتفاقية الوحيدة التي تمت عام 1961م، ومن أبرز مهامها منع زراعة المخدرات والاتجار بها وتحديد الاحتياج الطبي منها وتوزيعه عالمياً.

3ـ الصندوق الدولي لمكافحة إساءة استخدام المخدرات:

أنشئ هذا الصندوق عام 1971م ومصادر تمويله تبرعات الدول الأعضاء ومن أبرز مهامه القيام بدور فعال في الحد من خطورة مشكلة المخدرات وذلك بإحلال زراعة نافعة مكان زراعة المخدرات وتدعيم أجهزة المكافحة في الدول الأعضاء ورفع مستوى العاملين من رجال الأمن في مجالات المكافحة.

4ـ منظمة الصحة العالمية:

أهم مسؤوليات هذه المنظمة هو الجانب الصحي لمشكلة المخدرات حيث تقوم دورياً بتحليل أنواع المخدرات وبيان أضرارها الصحية وتقديم برامج عملية للتوعية بالتعاون مع المؤسسات والهيئات العاملة في هذا المجال كما تقوم بتقديم الخدمات الطبية العلاجية للمدمنين لانتشالهم من الموت المحقق.

ثالثاً: المراكز العربية لمكافحة المخدرات:

المكتب الدولي العربي لشئون المخدرات ومقره في الأردن، وهو تابع لمجلس وزراء الداخلية العرب وللمكتب جهود كبيرة في سبيل مكافحة المخدرات تتمثل بعقد الندوات والدورات وإعداد البحوث الجيدة وتهيئة اللقاءات الموسعة للعاملين في مجال المكافحة.

الجهود المنبثـقة من مجلس وزراء الداخلية العرب ومنها:

أ ـ القانون العربي الموحد لمكافحة المخدرات وقد أقره مجلس وزراء الداخلية العرب في الدار البيضاء عام 1986م.

ب ـ الإستراتيجية العربية لمكافحة الاستعمال غير المشروع والتي أقرها المجلس عام 1986م ومؤداها التعاون الجاد بين الدول العربية على سد الثغرات لترويج المخدرات وتمويل مشروعات بديلة عن زراعة نباتات المخدرات.

المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب يقوم هذا المركز بجهود كبيرة في تضييق الخناق على تعاطي وترويج المخدرات ولعل من أبرز جهوده الملموسة عقد اللقاءات المتميزة لكبار المختصين وأساتذة الجامعة لعلاج هذه الظاهرة ثم ما ينتج عن هذه اللقاءات من بحوث متميزة وتوصيات هادفة تساهم مساهمة كبيرة في تقليص حجم هذه المشكلة.

رابعاً: المراكز والهيئات العاملة في المملكة العربية السعودية في مجال مكافحة المخدرات:

المملكة العربية السعودية واحدة من دول العالم التي كان لها وما يزال جهد متميز في مجال مكافحة المخدرات ولكن الجهود المبذولة في المملكة تنبع من صميم عقيدة كل مواطن مسلم على ثرى هذه الأرض الطيبة ذلك أن مكافحة المخدرات في هذه البلاد واجب شرعي يحتمه الإسلام على كل مسلم، كل حسب جهده وما وهبه الله من إمكانات وقدرات والهيئات التي تقوم بواجب المكافحة في هذه البلاد هيئات عامة وهيئات خاصة فالهيئات العامة كل أجهزة الدولة الكبيرة والصغيرة المنتشرة في أنحاء هذه البلاد إذ عليها مسئولية عامة في متابعة المتعاطين والمهربين والمروجين وذلك بتبليغ الجهات ذات الاختصاص التي تتولى شئون هؤلاء.

وأما الهيئات الخاصة فهي على نوعين: هيئات متخصصة في مكافحة المخدرات وتتمثل في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات وهيئات تتولى المخدرات وغيرها من المخالفات، وهذا بيان موجز لأهم الهيئات الخاصة التي تتعاون في مكافحة المخدرات.

1ـ الإدارة العامة لمكافحة المخدرات:

وهذه الإدارة تتبع وزارة الداخلية ولها جهود موفقه في متابعة المتعاطين والمروجين والمهربين داخل المملكة من المواطنين والمقيمين وتستخدم كافة الوسائل المتاحة لها لتحقيق ما أنيط بها من مهام وتنادي باستمرار كافة المواطنين والمقيمين بالتعاون معها لحماية المجتمع من ويلات هذه السموم الفتاكة ولا تكتفي هذه الإدارة بالقبض على المتعاطين والمروجين، بل تقوم بجهود كبيرة في التوعية بأضرار المخدرات وكثيراً ما عقدت اللقاءات والندوات وأقامت المعارض لتحقيق هذا الغرض النبيل.

2ـ مصلحة الجمارك العامة:

ترتبط هذه المصلحة بوزارة المالية والاقتصاد الوطني ومركزها الرئيس بالرياض ولها فروع عديدة في مختلف المنافذ البرية والبحرية والجوية وتقوم بمهام جسمية في متابعة وفحص الصادر والوارد عبر هذه المنافذ ولعل جهودها الكبيرة في ضبط كميات كبيرة من المخدرات المهربة للمملكة كان له الأثر البالغ في نفوس المواطنين بارتياحهم واطمئنانهم لقيام هذه المصلحة بوظيفتها على أتم وجه وأكمله مع أني أطمع من المسئولين عن هذه المصلحة أن يدعموها بالكفاءات الشابة المخلصة الملتزمة بالإسلام سلوكاً ومنهج حياة لتؤدي رسالتها على الوجه المطلوب بمشيئة الله.

3ـ سلاح الحدود:

هذا الجهاز يتبع وزارة الداخلية وله جهود كبيرة في ملاحقة التهريب والمهربين للمخدرات وغيرها وتتضح جهوده من خلال الإحصائيات الكبيرة التي تبين مقدار الكميات التي ضبطت من قبل رجال سلاح الحدود وهو يشمل الحدود البرية والبحرية.

4ـ مراكز أبحاث مكافحة الجريمة:

هذا المركز يتبع وزارة الداخلية ويعتبر هذا المركز أحد المراكز الوقائية من الجريمة بكل أشكالها وخصوصاً جريمة تعاطي المخدرات وترويجها وتهريبها وتتضح مهامه من خلال ما يقوم به من أبحاث حول الجريمة أسبابها ودوافعها وسبل الوقاية منها، علاجها، أماكن انتشارها وقد قدم هذا المركز مجموعة من الأبحاث المتميزة التي استفاد منها كثير من الباحثين والاختصاصيين الذين ساهموا في الحد من ظاهرة انتشار المخدرات في العالم.

5ـ وزارة الصحة:

ولعل أبرز المهام التي تقوم بها هذه الوزارة في سبيل مكافحة المخدرات هي الناحية العلاجية حيث تتولى علاج المدمنين في المستشفيات المتخصصة لهذا الغرض، ولقد ساهمت مستشفيات الأمل في المملكة بجهد ملحوظ في علاج الكثير ممن وقعوا في شرك المخدرات فخرجوا من هذه المستشفيات وهم عوامل بناء وإصلاح في المجتمع بعد أن كانوا معاول هدم فيه وتلك نعمة كبيرة ولله الحمد والمنة.

6ـ وزارة الإعلام:

تتمثل جهود وزارة الإعلام في مكافحة المخدرات بما تبثه وتنشره عبر وسائلها المقروءة والمسموعة والمرئية من توعية شاملة بأضرار هذه المخدرات وما تجنيه من ويلات مدمرة تزلزل المجتمع الآمن المطمئن. ولقد قامت هذه الوزارة بجهود ملموسة ولكن المؤمل أن تواصل جهودها وأن ترسم خطة عمل جادة يتولاها صفوة المثقفين في هذه البلاد من العلماء وأساتذة الجامعات وغيرهم([235]).

7ـ هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

قامت هذه الهيئات بدور بارز في متابعة متعاطي المخدرات ومروجيها وقد وفقت إلى حد كبير ولله الحمد ولعل مرد ذلك إخلاص القائمين عليها واحتسابهم ما يقومون به من هذه الجهود ويتضح ذلك من خلال الكميات التي ضبطتها الهيئات ومن خلال أوسمة التكريم التي أعطيت لأفراد الهيئات في مناسبات خاصة وعامة.

هذه هي أهم الجهات التي تقوم بجهود متميزة في مكافحة المخدرات ولعل عامل التشجيع الذي تلقاه هذه المؤسسات من ولاة الأمر في هذه البلاد كان له الأثر الكبير في حفزهم وعطائهم المتزايد.

إن المنهج الإسلامي المتميز في مكافحة المخدرات يقوم على عنصرين رئيسين:

أحدهما: الوقاية بمفهومها الشامل فكل وسيلة متاحة تقي من شرور المخدرات فالإسلام يدعو إليها ما لم يترتب عليها انتهاك أمر محرم أو التهاون بأمر واجب.

ثانيهما: العلاج وذلك بطريق السبل الكفيلة لاقتلاع هذه السموم حتى ولو كانت ذلك باستئصال بعض الجراثيم في المجتمع التي تحب أن تعيش على حساب الآخرين.

فمتى حصل التوجيه في البيت والمدرسة والشارع والمسجد وقام كل راع بمسؤوليته على أتم وجه فلن تجد المخدرات إلى المجتمع طريقاً مهماً خطط لذلك المجرمون والعابثون.

 

 

الفصل الثامن

من نتائج الدراسات الميدانية

 

آثرت أن أضع مجموعة من الجداول التي تدل أصدق

دلالة على كثير من المعلومات المسجلة في ثنايا هذا

البحث ولم أشأ التعليق عليها فهي صورة صادقة للمبحوثين

 

من نتائج الدراسات الميدانية

قام قسم الاجتماع بكلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم بدراسة ميدانية داخل سجن بريدة، وقد كنت أتابع هذه الدراسة بكل اهتمام لأستفيد من نتائجها وها أنذا أذكر نماذج من نتائجها من خلال عرض الجداول التالية([236]).

جدول رقم (1)

صلة المبحوثين بالمخدرات

والنوعيات المتعامل معها 

الصلة/ النوع قات حشيش حبوب مارجوانا أنواع أخرى غير مبين مجموع %
عدد % عدد % عدد % عدد % عدد % عدد %
حيازة ــ ــ 1 0.98 8 7.84 ــ ــ ــ ــ ــ ــ 9 8.82
تعاطي ــ ــ 2 1.98 74 72.55 ــ ــ ــ ــ ــ ــ 76 74.51
ترويج واتجار ــ ــ ــ ــ 16 15.69 ــ ــ ــ ــ ــ ــ 16 15.69
تهريب ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ
زراعة ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ
غير ذلك ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ
غير مبين ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ 1 0.98 1 0.98
المجموع ــ ــ 3 2.94 98 96.08 ــ ــ ــ ــ 1 0.98 102 100

 

جدول رقم (2)

ما ينفقه المبحوثين على المخدرات

(بالريال / شهرياً) ومصدره 

المبلغ المنصرف

/ مصدره

من مصرف الأسرة من الدخل الخاص من مصادر أخرى غير مبين  

عدد

 

%

عدد % عدد % عدد % مجموع %
أقل من 500 ــ ــ 42 41.18 1 0.98 ــ ــ 42 42.17
500 – 1000 5 4.90 32 31.37 ــ ــ ــ ــ 37 36.27
1000 -2000 1 0.98 11 10.78 ــ ــ ــ ــ 12 11.76
2000 فأكثر ــ ــ 6 5.88 1 0.98 ــ ــ 7 6.86
غير مبين ــ ــ ــ ــ ــ ــ 3 2.94 3 2.94
المجموع 6 5.88 91 89.22 98 1.96 3 2.94 102 100

جدول رقم (3)

طرق حصول المبحوثين على المخدرات

المصدر العدد النسبة المئوية
طريق ذاتي ــ ــ
الصيدليات 5 4.90
الأصدقاء بالداخل 38 37.25
الأصدقاء بالخارج 4 3.92
التجار والمروجين 54 92.95
طريق آخر ــ ــ
غير مبين 1 0.98
المجموع 102 100%

جدول رقم (4)

دوافع وأسباب تعامل المبحوثين مع المخدرات

الدافع / السبب العدد النسبة المئوية
مشكلات الحياة اليومية 4 3.92
الاعتقاد في فوائدها 14 13.73
الفراغ والملل 10 9.80
توفر المال 6 5.8
التقليد 10 9.80
الأصدقاء 39 38.25
كسب الأصدقاء 8 7.84
مجاراة البيئة 5 4.90
دوافع أخرى 5 4.90
غير مبين 1 0.98
المجموع 102 100%

 

جدول رقم (5)

رؤية المبحوثين لعلاج المشكلة 

الرأي العدد النسبة المئوية
زيادة سنوات العقوبة 4 3.92
زيادة سنوات العقوبة + فرض غرامات مالية 9 8.82
زيادة العقوبة + فرض غرامات + التشهير الاجتماعي 4 3.92
التخلص من المتعاملين (العائدين) 8 7.84
علاج المتعاملين كمرضى اجتماعيين 15 14.71
زيادة فعاليات مؤسسات الدفاع الاجتماعي 19 18.63
تنشيط وسائل الإعلام 20 20.61
تنشيط أجهزة الوعظ والإرشاد 21 20.59
رؤى أخرى 1 0.98
غير مبين 1 0.98
المجموع 102 100%

الخاتمة

من خلال نظرة متأنية للبيانات السابقة ظهرت لي النتائج التالية:

أولاً: جميع الفئات التي لها علاقة بالمخدرات تعاطياً أو ترويجاً أو تهريباً تؤكد أنها سبب رئيس للمشاكل الأسرية والحوادث المرورية وجرائم السطو والخطف والاعتداء على الأموال والأعراض والممتلكات.

ثانياً: معظم المتعاطين لها من فئات الشباب والعمالة الوافدة ويتعاطونها هروباً من الواقع الذي يعيشونه والبعض من العمالة يتعاطاها لإيقاع أكبر عدد ممكن من الشباب حقداً منه على وسلامة هذه البلاد.

ثالثاً: معظم المهربين والمروجين يهدفون إلى تحقيق أغراض دنيئة من مطمع دنيوي أو فساد أخلاق أو عرض زائل.

رابعاً: كثير من الذين يتعاطون المخدرات لا عمل لهم فتجدهم يقدمون على تعاطيها لقتل أوقات فراغهم حسب زعمهم، وليت شعري هل لدى المسلم وقت فراغ وأنى له ذلك وحياته كلها عبادة لله سبحانه وتعالى متى وجدت النية الصالحة والصدق مع الله، وصدق الله العظيم: [قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ]([237]).

خامساً: أضحت المخدرات مشكلة عالمية تحتاج إلى جهود دولية مكثفة وما يبذل الآن عن طريق الهيئات والمراكز غير كاف لإزالة آثار هذا العدو المدمر.

سادساً: لما أحس العالم من أقصاه إلى أقصاه بخطورة المخدرات على أمن البلاد ورعاياها أسهم بجهد في سبيل مكافحتها وبدأت البلاد الغربية والشرقية تتعاون للقضاء عليها ونتج عن هذا التعاون عدد من الاتفاقيات الدولية للمساهمة في ملاحقة المهربين والمروجين.

سابعاً: للبيت المسلم أثر كبير في منع انتشار المخدرات فمتى تمت الملاحظة والمراقبة من قبل ولي الأمر وحرص على اختيار الجلساء الأخيار لأولاده فلن يكون للمخدرات طريق إلى أسرته.

ثامناً: وللمسجد دور كبير في التوعية والتوجيه إذ ينبغي أن يركز أئمة المساجد وخطباؤها على أضرار المخدرات وما تخلفه من نكبات وكوارث تعصف بأمن المجتمع وتزلزله.

تاسعاً: وللأساتذة جهد ينبغي أن يستثمر في هذا المجال، ففي كل مدرسة مئات الطلاب وعلى قدر ما تتبنى المدارس التوجيه والتوعية بأضرار المخدرات والتحذير منها بقدر ما تكون النتائج إيجابية بإذن الله.

عاشراً: كما ينبغي استثمار طاقات أعضاء هيئة التدريس في الجامعات ومراكز البحوث لتؤتي ثمارها بحوثاً أصيلة تستفيد منها الهيئات والمراكز العاملة في مكافحة المخدرات.

وأخيراً فلوسائل الإعلام أهمية كبرى في معالجة هذه القضية المعقدة فينبغي على الجهات المسئولة عن الإعلام توظيفها لتؤدي رسالتها على أكمل وجه متعاونة مع هيئات ومراكز المكافحة ناشرة عبر وسائلها المسموعة والمقروءة والمرئية كل جهد مبارك من قبل رجال المكافحة معدة مختلف البرامج في التوعية والتوجيه بما يناسب الصغار والكبار الذكور والإناث لتنعم البلاد والعباد بوارف الأمن وتتفيأ ظلال السلام مستفيدة من تجارب الغير ممن هم عنها ليسوا ببعيد وصدق الله العظيم: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ]([238]).

فهرس الموضوعات

الموضوع الصفحة
تقديم بقلم: فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان  
المقدمة  
تمهيد في تعريف المخدرات:  
أولاً: تعريف المخدرات في اللغة
ثانياً: تعريف المخدرات في الاصطلاح
المناسبة بين المعنى الشرعي واللغوي
الفريق الأول
الفريق الثاني
الفصل الأول: تاريخ ظهور المخدرات وأسباب انتشارها  
المبحث الثاني: أسباب انتشار المخدرات  
تمهيد: أسباب انتشار المخدرات  
المطلب الأول: ضعف الوازع الديني
المطلب الثاني: الفراغ
المطلب الثالث: قرناء السوء
المطلب الرابع: المشاكل الأسرية
المطلب الخامس: السفر إلى الخارج
المطلب السادس: العمالة الأجنبية
المطلب السابع: الفقر وقلة ذات اليد
المطلب الثامن: التقليد الأعمى والمجاملة للآخرين
المطلب التاسع: رواج بعض الأفكار الكاذبة عن المخدرات
المطلب العاشر: الاستعمار
الفصل الثاني: أقسام المخدرات  
المبحث الأول: أقسام المخدرات  
أولاً: التصنيف على أساس لون المخدرات
ثانياً: تصنيف المخدرات وفق طريقة إنتاجها
أـ المخدرات الطبيعية
ب ـ المخدرات المصنعة
ج ـ المخدرات التخليقية
ثالثاً: تصنيف المخدرات حسب تأثيرها
رابعاً: تصنيف المخدرات حسب خصائص الإدمان
خامساً: تصنيف المخدرات على أساس المخدرات الكبرى والمخدرات الصغرى
سادساً: تصنيف المخدرات على أساس
المبحث الثاني: الحشيش والماريجوانا  
طريق التعاطي
الآثار الناجمة عنهما
المبحث الثالث: الأفيون  
طريقة التعاطي
آثار الأفيون
المبحث الرابع: المورفين  
طريقة التعاطي
آثار المورفين
المبحث الخامس: الهيروين  
طريقة التعاطي
آثار الهيروين
المبحث السادس: القات  
طريقة التعاطي
آثار القات
المبحث السابع: الكوكايين  
طريقة التعاطي
آثار الكوكايين
المبحث الثامن: البنج  
المبحث التاسع: جوزة الطيب  
طريقة التعاطي
آثار جوزة الطيب
المبحث العاشر: المذيبات الطيارة  
المبحث الحادي عشر: تصنيف تعاطي ومتعاطي المخدرات  
الفصل الثالث: آثار المخدرات على الأمة الإسلامية  
تمهيد: آثار المخدرات على الأمة الإسلامية  
المبحث الأول: أضرار المخدرات الدينية  
المبحث الثاني: أضرار المخدرات الصحية  
1ـ التسمم الكحولي
2ـ ضمور خلايا قشرة المخ
3ـ ضمور خلايا المخيخ
4ـ انحلال نخاع القنطرة الوسطى
5ـ النوبات الدماغية الكبدية
6ـ التهاب الأعصاب المتعددة
7ـ التهاب عصب العين المؤدي إلى العمى
8ـ التهاب البلعوم
9ـ سرطان المرىء
10ـ القيء
11ـ فقدان الشهية
12ـ التهاب الأمعاء الغليظة والدقيقة
13ـ تضخم الطحال
المبحث الثالث: أضرار المخدرات الاجتماعية  
المبحث الرابع: أضرار المخدرات الاقتصادية  
المبحث الخامس: أضرار المخدرات السياسية  
المبحث السادس: أضرار المخدرات الأمنية  
المبحث السابع: أضرار المخدرات النفسية  
الفصل الرابع: حكم المخدرات في الإسلام وحكمة تحريمها  
تمهيد حكم المخدرات في الإسلام  
المبحث الأول: هل هذه المواد مسكرة أم مخدرة  
القول الأول:
القول الثاني:
المبحث الثاني: أدلة تحريم المخدرات  
المبحث الرابع: حكم زراعة المخدرات والاتجار بها  
المبحث الخامس: حكم تحريم المخدرات  
الفصل الخامس: أقوال أهل العلم وفتاويهم في المخدرات  
أقوال أهل العلم وفتاويهم في المخدرات
الفصل السادس: بعض القصص الواقعية لمتعاطي المخدرات  
القصة الأولى
القصة الثانية
القصة الثالثة
القصة الرابعة
القصة الخامسة
القصة السادسة
الفصل السابع: مكافحة الإسلام للمخدرات  
تمهيد مكافحة الإسلام للمخدرات
المبحث الأول: مكافحة المخدرات عن طريق الوقاية  
المطلب الأول: العناية بتربية الفرد والأسرة والمجتمع
أولاً: الأمر بحسن الاختيار في الزواج
1ـ أن تكون الزوجة مسلمة
2ـ أن تكون الزوجة المسلمة دينة وكذلك الزوج المسلم
3ـ أن يختار أحد الزوجين الآخر من أسرة عرفت بالأصالة والشرف والصلاح والطيب
ثانياً: المعاشرة بين الزوجين بالمعروف
ثالثاً: حل المشكلات العائلية في جو أسري خاص
المطلب الثاني: الحث على الكسب الحلال ومحاربة البطالة
علاج الإسلام لبواعث البطالة
المطلب الثالث: غرس القيم الإسلامية وتعميم الوعي بأضرار المخدرات
المبحث الثاني: مكافحة المخدرة عن طريق العلاج  
المطلب الأول: المداواة بالعبادة
المطلب الثاني: العقوبة
تعريف العقوبة
العقوبة في الاصطلاح
عقوبة المتعاطي والمروج والمهرب والمزارع
أولاً: عقوبة المتعاطي
ثانياً: عقوبة المروج
ثالثاً: عقوبة المهرب
رابعاً: عقوبة المزارع
المطلب الثالث: الجهود المبذولة في مكافحة المخدرات
اولاً: المؤتمرات والاتفاقيات العالمية لمكافحة المخدرات
ثانياً: اللجان والمراكز الدولية لمكافحة المخدرات
1ـ لجنة المخدرات
2ـ هيئة الرقابة الدولية على المخدرات
3ـ الصندوق الدولي لمكافحة إساءة استخدام المخدرات  
4ـ منظمة الصحة العالمية
ثالثاً: المراكز العربية لمكافحة المخدرات
رابعاً: المراكز والهيئات العاملة في المملكة العربية السعودية في مجال مكافحة المخدرات
1ـ الإدارة العامة لمكافحة المخدرات
2ـ مصلحة الجمارك العامة
3ـ سلاح الحدود
4ـ مراكز أبحاث مكافحة المخدرات
5- وزارة الصحة
6ـ وزارة الإعلام
7ـ هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الفصل الثامن: من نتائج الدراسات الميدانية  
من نتائج الدراسات الميدانية
الخاتمة  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) سورة الإسراء الآية 70.

([2]) رواه مسلم .انظر :صحيح مسلم ج 3 ص 58 .

([3]) سورة الأنعام ,الآية 162 .

([4]) انظر: لسان العرب لابن منظور، مادة خدر، وتاج العروس للزبيدي مادة خدر، وتهذيب اللغة للأزهري مادة خدر، والقاموس المحيط للفيروز أبادي مادة خدر.

([5]) القرافي ج1 ص217.

([6]) الزواجر لابن حجر الهيثمي ج1 ص212. 

([7]) عون المعبود للعظيم آبادي ج10 ص129. 

([8]) الموسوعة الفقهية تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بدولة الكويت ج4 ص258.

([9]) الخمر وسائر المسكرات والمخدرات لأحمد بن حجر ص147. 

([10]) مجموع فتاوى ابن تيمية ج34 ص204. 

([11]) فتح الباري لابن حجر العسقلاني ج10 ص47. 

([12]) الكبائر للذهبي ص86. 

([13]) النهاية في غريب الحديث ج2 ص13. 

([14]) عون المعبود ج10 ص129. 

([15]) المخدرات والعقاقير المخدرة , الكتاب الرابع في سلسلة كتب مركز أبحاث الجريمة بالمملكة ص 67وما بعدها. وجحيم المخدرات للأستاذ يوسف العريني ص17, 18 . 

([16]) مجموع الفتاوى ج 34 ص 205 .

([17]) زهر العيش في تحريم الحشيش لبدر الدين الزركشي , تحقيق أحمد فرج ص 90 .

([18]) دول الإسلام لشمس الدين الذهبي ج2 ص11 .

([19])الخطط للمقريزي ج 2 ص 517.

([20])البداية والنهاية  لابن كثير ج 12 ص 159.

([21]) تهذيب الفروق بهامش الفروق ج1 ص216. 

([22]) سيأتي مزيد من الإيضاح للجهود المبذولة لمكافحة المخدرات في الفصل الخاص بذلك. 

([23]) سورة العنكبوت الآية 45.  

([24]) رواه البخاري ومسلم. صحيح البخاري ج8  ص196، وصحيح مسلم ج1 ص54. 

([25]) سورة الأنعام، الآيتان 162ـ 163.  

([26]) قائله الشاعر أبو العتاهية. انظر: مرجع المساجل للبيت والقائل للحقيل ص19.  

([27]) رواه البخاري. صحيح البخاري ج8  ص109.  

([28]) سورة الزخرف: الآية 67.   

([29]) سورة الفرقان: الآية 27.    

([30]) رواه البخاري ومسلم. انظر: صحيح البخاري ج7  ص125، وصحيح مسلم ج3  ص38.    

([31]) رواه الترمذي. صحيح الترمذي ج2  ص280. قال في المشكاة: رواه أحمد والترمذي وأبو داود والبيهقي في شعب الإيمان، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. انظر السلسلة الصحيحة ج2  ص633، حديث رقم927.       

([32]) قائله الشاعر عدي بن زيد العبادي ونسب إلى طرفة بن العبد. انظر قول على قول للكرمي ج1 ص250.     

([33]) سورة النساء: الآية 6.    

([34]) قائله أبو العلاء المعري من قصيدة له. انظر: اللزوميات للعمري 2/413.

([35]) من أفضل ما اطلعت عليه في ذكر أسباب انتشار المخدرات ذلك البحث الجيد الذي أطال فيه النفس الأستاذ يوسف العريني في كتابه جحيم المخدرات من ص93 إلى  ص177.     

([36]) المخدرات والمواد المشابهة المسببة للإدمان ص17، وانظر في تصنيف المخدرات:

     1ـ المخدرات والعقاقير المخدرة ص123.

    2ـ جريمة تعاطي المخدرات في القانون المقارن، للدكتور محمد فتحي عيد ج1 ص1234.

    3ـ المخدرات بداية النهاية للأستاذ محمد السماعيل ص26.

([37]) الزواجر ج1 ص215.

([38]) الزواجر ج1 ص212. 

([39]) انظر: على سبيل المثال:

     أـ الزواج ج1 ص212 وما بعدها.

    ب ـ الشباب والمخدرات في دول الخليج العربية ص28 وما بعدها.

    ج ـ المخدرات والعقاقير المخدرة ص117 وما بعدها.

     د ـ المخدرات بداية النهاية ص26 وما بعدها.

([40]) انظر عل سبيل المثال:

     أـ المخدرات والعقاقير المخدرة ص41 وما بعدها. 

    ب ـ الشباب والمخدرات في دول الخليج العربية ص92،  وما بعدها.

    ج ـ المخدرات والمؤثرات العقلية ص144 وما بعدها.

([41]) سورة المائدة، الآية 91.   

([42]) سورة الأعراف: الآية 16.

([43]) سورة ص: الآية 82.  

([44]) سورة الحجر: الآية 39.  

([45]) سورة النساء: الآية 29.  

([46]) سورة البقرة : الآية 195.

([47]) رواه البخاري. انظر صحيح البخاري ج8  ص109.   

([48]) د. محمد الهواري: المخدرات من القلق إلى الاستعباد ص173.   

([49]) للاستزادة من الأضرار الصحية للمخدرات. انظر: المخدرات الخطر الداهم لمحمد علي البار وحكمة تحريم الخمر في الإسلام للشيخ سعيد الأحمري ص79.   

([50]) قائل هذا البيت المعري. انظر: اللزوميات للمعري ج2  ص413.   

([51]) رواه البخاري ومسلم. صحيح البخاري ج2  ص118، وصحيح مسلم ج8  ص52.   

([52]) سورة المائدة، الآية 91.    

([53]) سورة المائدة، الآية 33.    

([54]) المخدرات والمواد المشابهة المسببة للإدمان. د. محمد إبراهيم الحسن ص36.     

([55]) سورة البقرة الآية 286.    

([56]) المخدرات بين الطب والفقه ص58، 59.     

([57]) فتح الباري ج10  ص38.     

([58]) المجموع ج9  ص30.     

([59]) روضة الطالبين ج10  ص171.     

([60]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج34  ص204.     

([61]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام من ج34  ص205.

([62]) زهر العريش ص101.     

([63]) زهر العريش ص102ـ 103.     

([64]) عون المعبود ج10 ص132، وحاشية ابن عابدين ج6 ص457.     

([65]) تهذيب الفروق بهامش الفروق ج1 ص214.     

([66]) زاد المعاد ج4 ص463.     

([67]) المحلى ج7 ص562 مسألة 1098.     

([68]) الضمير يعود إلى المخدرات التي تحدث عنها المؤلف قبل ذلك.     

([69]) الزواجر ج1 ص212.     

([70]) الضمير يعود على بعض المحرمات التي ذكرها المؤلف مثل الحشيش والبنج والأفيون وجوزة الطيب.     

([71]) حاشية ابن عابدين ج6 ص458.

([72]) سورة المائدة: الآية 91. 

([73]) سورة الحجر: الآية 15.

([74]) لسان العرب لابن منظور ج3 ص2048.  

([75]) رواه البخاري ومسلم. صحيح البخاري ج5 ص205، وصحيح مسلم ج6 ص101.  

([76]) سورة الأعراف: الآية 157.   

([77]) زهر العريش ص117.    

([78]) المرجع السابق ص112.   

([79]) قائل هذا البيت حسان بن ثابت. ديوان حسان ص60، دار الأندلس لبنان.   

([80]) الفروق للقرافي ج1 ص217، 218.   

([81]) تهذيب الفروق بهامش الفروق ج1 ص214.   

([82]) حاشية الدسوقي علي خليل ج1 ص46.   

([83]) ترتب ثلاثة أحكام: أ ـ تحريم القليل والكثير من المسكر. ب ـ وجوب الحد فيه. ج ـ نجاسته.   

([84]) مواهب الجليل ج1 ص90.   

([85]) عون المعبود ج10 ص137، الزواجر ج1 ص213، 214.   

([86]) رواه الإمام أحمد. المسند ج4 ص273. وأبو داود. سنن أبي داود ج4 ص90، قال المنذري: شهر بن حوشب وثقه الإمام أحمد بن حنبل ويحي بن معين وتكلم فيه غير واحد والترمذي. يصحح حديثه. انظر: مختصر سنن أبي داود ج5 ص369.

([87]) الزواجر ج1 ص213، 214.

([88]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج34 ص210.   

([89]) تهذيب الفروق بهامش الفروق ج1 ص214.   

([90]) حاشية ابن عابدين ج6 ص455.   

([91]) رواه مسلم، صحيح مسلم ج6 ص89.   

([92]) السياسة الشرعية ص127. 

([93]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج34 ص211.   

([94]) زاد المعاد لابن القيم ج3 ص240.

([95]) الزواجر ج1 ص212.

([96]) روضة الطالبين ج10 ص171. وانظر: المجموع ج9 ص30.

([97]) حاشية ابن عابدين ج6 ص455.     

([98]) الفروق للقرافي ج1 ص218.      

([99]) حاشية الدسوقي ج1 ص46.      

([100]) مواهب الجليل ج1 ص90.      

([101]) زهر العريش ص135.    

([102]) المحلى لابن حزم ج7 ص562 مسألة 1098.    

([103]) المحلى ج7 ص500 مسألة 1025.     

([104]) قائل هذا البيت هو كليب وائل، من القائل لابن خميس ج1 ص512.     

([105]) المخدرات بين الطب والفقه ص65 ـ 67.     

([106]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج34 ص206، 207.     

([107]) حاشية ابن عابدين ج6 ص455.     

([108]) تهذيب الفروق ج1 ص218.     

([109]) روضة الطالبين ج10 ص171.     

([110]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج34 ص204.      

([111]) زهر العريش ص115، 120.     

([112]) الكبائر للذهبي ص86.     

([113]) واد المعاد ج4 ص463.     

([114]) الزواجر ج1 ص213.     

([115]) سبل السلام ج4 ص50.    

([116]) سورة الأعراف: الآية 157.     

([117]) سورة المائدة: الآيتان 90، 91.      

([118]) سورة البقرة: الآية 219.        

([119]) سورة النساء: الآية 43.        

([120]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج34 ص254.        

([121]) سورة البقرة: الآية 195.         

([122]) سورة النساء: الآية 29.          

([123]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج34 ص205.          

([124]) زهر العريش ص102، ومن أراد الاستزادة فليراجع إلى ما ذكره الزركشي ص101 وما بعدها فقد أفاض في كلام الأطباء والعلماء رحمه الله  رحمة واسعة.          

([125]) رواه البخاري ومسلم. صحيح البخاري ج5 ص205، وصحيح مسلم ج6 ص205.          

([126]) رواه أبو داود، سنن أبي داود ج4 ص87، والنسائي سنن النسائي ج8 ص300، والترمذي سنن الترمذي ج4 ص292، وقال عنه حديث حسن غريب من حديث جابر، وابن ماجه سنن ابن ماجه ج2 ص1125، وأحمد بن حنبل، والمسند ج2 ص167.                              

([127]) رواه الإمام أحمد. المسند ج4 ص273، وأبو داود، سنن أبي داود ج4 ص90، سبق تخريجه والحكم عليه.          

([128]) فتح الباري ج10 ص38.          

([129]) عون المعبود ج10 ص127.          

([130]) نيل الأوطار ج8 ص184.          

([131]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج34 ص2043.

([132]) زهر العريش ص119، 120.

([133]) تهذيب الفروق ج1 ص214.          

([134]) عون المعبود ج10 ص127.          

([135]) الزواجر لابن حجر الهيتمي ج1 ص212.          

([136]) سبل السلام ج4 ص51.          

([137]) سورة المائدة الآية 91.          

([138]) لن نتعرض هنا لحكم المروج والمهرب وغيرهما لأنا سنذكره إن شاء الله عند بحثنا لعلاج المخدرات.           

([139]) سورة المائدة: الآية 2.           

([140]) رواه البخاري ومسلم. صحيح البخاري ج3 ص110، صحيح مسلم ج1 ص41.           

([141]) رواه البخاري ومسلم. صحيح البخاري ج3 ص110، وصحيح مسلم ج5 ص41.           

([142]) سورة البقرة: الآية 188.           

([143]) رواه الدار قطني ج3 ص7، قال: السيد هاشم المدني رواته كلهم ثقات محتج بهم التعليق على سنن الدار قطني ج3 ص7ـ 8.

([144]) رواه الطبراني في الكبير ج9 ص50، قال في مجمع الزوائد وفيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس. المجمع ج4 ص90.            

([145]) المحلى ج7 ص562، مسألة 1098.

([146]) حاشية ابن عابدين ج6 ص454.            

([147]) زاد المعاد ج4 ص463           

([148]) سورة الأنبياء: الآية 107.           

([149]) سورة آل عمران: الآية 103.            

([150]) سورة البقرة: الآية 220.             

([151]) سورة البقرة الآية 219.               

([152]) سورة النساء الآية 43.                

([153]) سورة المائدة: الآيتان 90، 91.                

([154]) سورة التوبة: الآية 128.                 

([155]) سورة الملك: الآية 10.                  

([156]) سورة ق: الآية 37.                   

([157]) انظر مجلة البحوث العدد 23 ص27.                    

([158]) سورة الذاريات: الآية 56.                    

([159]) سورة المائدة: الآيتان 90، 91.                     

([160]) سورة النساء: الآية 5.                      

([161]) سورة البقرة: الآية 195.                       

([162]) سورة النساء: الآية 29.                         

([163]) السياسة الشرعية ص131.

([164]) شرج الجوهرة على متن القدوري ج2 ص270.

([165]) معين الحكام للطرابلسي ج180.

([166]) حاشية ابن عابدين ج6 ص457.                       

([167]) الفروق للقرافي بتصرف يسير ج1 ص218.                        

([168]) تهذيب الفروق بهامش الفروق ج1 ص214.                        

([169]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج1 ص46.                        

([170]) مواهب الجليل ج1 ص90.

([171]) مغني المحتاج ج4 ص187.                        

([172]) إعانة الطالبين ج4 ص156.                        

([173]) الزواجر ج1 ص212.                        

([174]) كشاف القناع ج6 ص188.                        

([175]) الدرر السنية ج6 ص452.                        

([176]) مجلة البحوث الهدد 23 ص50، 51، الفتوى موجودة في رسالة مطبوعة بمكتبة الرياض تحت رقم 80/25.                        

([177]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج34 ص204.                        

([178]) زاد المعاد ج4 ص463.                        

([179]) فتح الباري ج10 ص38.                        

([180]) المجموع ج9 ص30.                        

([181]) روضة الطالبين ج10 ص171.                      

([182]) الكبائر ص86.                         

([183]) زهر العريش ص115.                        

([184]) زهر العريش ص120.                        

([185]) عون المعبود ج10 ص126.                        

([186]) نيل الأوطار ج8 ص184.                        

([187]) سبل السلام ج4 ص50.                        

([188]) فقه السنة ج2 ص533.                        

([189]) سيأتي نص القرار إن شاء الله عند الحديث على عقوبة متعاطي المخدرات ومهربها ومروجها.

([190]) سيأتي خلاصة ما انتهى إليه المؤتمر عند بحث عقوبة المخدرات.

([191]) أفاض أخونا وزميلنا الأستاذ فايز الفايز في بحث هذا الجانب بما يشفي ويكفي في رسالته للماجستير بعنوان منهج الإسلام في مكافحة المخدرات) فلتراجع.                        

([192]) لمزيد من معرفة أثر القدوة على الناشئة. انظر: القدوة وأثرها في تربية النشء إعداد بريكان القرشي ص21 وما بعدها.                         

([193]) رواه البخاري ومسلم. وصحيح البخاري ج7 ص9، وصحيح مسلم ج4 ص175.

([194]) أفاض الشيخ عبدالله علوان في ذكر هذه الأسس وغيرها في كتابه تربية الأولاد في الإسلام ج1 ص33 وما بعدها فليراجع.                        

([195]) سورة النساء: الآية 19. 

([196]) سورة الطلاق: الآية 7.  

([197]) سورة النساء: الآيتان 34، 35.   

([198]) سورة الذاريات: الآية 56.    

([199]) سورة الأنعام: الآيتان 162، 163.

([200]) سورة الملك: الآية 15.

([201]) سورة هود: الآية 61.

([202]) مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام ص44

([203]) سورة الذاريات: الآية 56. 

([204]) سورة المزمل: الآية 20. 

([205]) العبودية ص2.  

([206]) سورة الأنعام: الآيتان 162، 163.   

([207]) أعلام الموقعين ج2 ص114.   

([208]) لسان العرب مادة عقب ج1 ص219.   

([209]) تهذيب اللغة مادة عقب ج1 ص277.   

([210]) الأحكام السلطانية ص221.   

([211]) شرح فتح القدير ج5 ص3.   

([212]) حاشية رد المحتار على الدر المختار ج4 ص3.   

([213]) أفاض الشيخ عبد القادر عودة في بيان هذا الجانب، فليراجع التشريع الجنائي الإسلامي ج1 ص609.

([214]) سورة المائدة: الآية 37. 

([215]) سورة البقرة: الآية 167.  

([216]) سورة النساء: الآية 145.   

([217]) سورة الأنعام: الآية 160.   

([218]) انظر: بداية المجتهد ج2 ص395، الحسبة لابن تيمية ص59، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز ص353، التشريع الجنائي الإسلامي ج1 ص634، العقوبة لأبي زهرة ص52ـ 63.

([219]) سورة البقرة: الآية 195. 

([220]) حاشية ابن عابدين ج6 ص458. 

([221]) الفروق للقرافي ج1 ص218. 

([222]) روضة الطالبين للنووي ج10 ص171. 

([223]) جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي ص398. 

([224]) سبق تفصيل الكلام في هذه المسألة عند بحث هذه المواد هل هي مسكرة أم مخدرة، فليراجع. 

([225]) الفتاوى الكبرى الفقهية ج43 ص233. 

([226]) السياسة الشرعية ص128، ومجموع الفتاوى ج34 ص204. 

([227]) زاد المعاد ج4 ص463.

([228]) الكبائر ص86.

([229]) زهرة العريش ص115. 

([230]) مجلة البحوث الإسلامية العدد 12 ص78 عام 1405هـ. 

([231]) سورة المائدة: الآية 2.  

([232]) مجلة البحوث الإسلامية، العدد الثاني عشر عام 1405هـ، ص78.  

([233]) مجلة البحوث الإسلامية العدد الحادي والعشرون عام 1408هـ ، ص356.  

([234]) المخدرات والعقاقير المخدرة ص202.  

([235]) المرجع السابق ص203 وما بعدها.   

([236]) تمت هذه الدراسة في العام الجامعي 1405هـ ، وكنت وقتها عميداً للكلية وقد قام الدكتور عبد المنعم بدر رئيس قسم الاجتماع بالإشراف على هذه الدراسة.

([237]) سورة الأنعام: الآية 162.

([238]) سورة المائدة: الآية 2.