خطبة بعنوان: (الصلاة وأهميتها في حياة المسلم) بتاريخ 11-6-1435هـ.

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي جعل الصلاة عمادَ الدين، وركناً من أركان الإسلام العظيم، وأولَ عبادة يُسأل عنها العبدُ يوم يقوم الناس لرب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله الذي أرسله الله جل وعلا رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران: 102).
عباد الله: لقد عظَّم الله جل وعلا شأنَ الصلاة، ورفع ذِكرَها، وأعلى مكانتَها، وخصّها من بين فرائض الإسلام وعموم الطاعات، بفرضها على نبيه صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات، وقد فرضها الله خمس صلوات مكتوبات في اليوم والليلة، وخمسين في الأجر. وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، قال صلى الله عليه وسلم:(بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)(رواه البخاري ومسلم).
وهي أول ما يُسأل عنه العبدُ المسلم من أعماله يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: (أول ما يُحاسب به العبدُ يومَ القيامةِ الصلاةُ، فإنْ صلحتْ، صلح سائرُ عمله، وإن فسَدَتْ، فَسَدَ سائِرُ عمله)(رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني في الصحيحة)
وهي الفارق بين المسلم والكافر؛ قال تعالى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}(التوبة: 11)، وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(بين الرجلِ وبين الشركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ) (رواه مسلم).
وهي الحاجز بين العبد والمعاصي؛قال تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت: 45).
وكان من آخر وصايا الحبيب صلى الله عليه وسلم في آخر حياته:(الصلاةَ الصلاةَ، وما ملكتْ أيمانُكم)(رواه ابن ماجة).
وهي من أعظم مظاهر الدين، وعلامةٌ على قوة الإيمان واليقين، وهي قرةُ عين الموحدين، وراحةُ النفس للمؤمنين، ومنفعةٌ لأبدان المكلفين، قال صلى الله عليه وسلم: (وجُعِلَ قرَّةُ عيِِني في الصلاة)(رواه النسائي).
عباد الله: إن للصلاة منزلة كبيرة، لا تصل إليها أية عبادة أخرى في الإسلام، فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(.. ألا أخبركَ برأسِ الآمرِ كله وعموِده، وذَرِوِة سَنَامهِ؟ قلت: بلي يا رسولَ الله، قالَ: رأس الأمرِ الإسلامُ، وعمودُه الصلاةُ، وذِروةُ سَنامِه الجهاد..)(رواه الترمذي).
وتأتي منزلتها بعد الشهادتين لتكون دليلاً على صحة الاعتقاد وسلامته، وبرهاناً على صدق ما وقر في القلب، قال صلى الله عليه وسلم:(بُنِي الإسلام على خمس: شهادةٍ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً عبدُه ورسوله، وإِقَامِ الصلاةِ وإيتاء الزكاةِ، وحجِّ البيت، وصوم رمضان)(رواه البخاري).
وهي عبادة جليلة تربط العبد بربه، وتحقق دوام ذكره، ودوام الصلة به، وتمام الطاعة والاستسلام والتجرد له، قال تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم {وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} (طه:14).
وهي تذكر بالله جل وعلا وعظمته وكبريائه، في كل وقت، حيث ينادى لها في كل يوم خمس مرات، {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(النور: 36ــ38).
فيها يقف المصلي في رحاب ربه، قانتاً، خاشعاً، خاضعاً، ذليلاً، منكسراً، راكعاً، ساجداً، مستشعراً بقلبه عظمتَه وحبَه والخوفَ منه، يستمد العون والتأييد منه، ليس بينه وبينه واسطة، فيشعر بمعيته، وقربه منه، فيمتلأ قلبُه طمأنينةٌ وثقةً ويقيناً، وينالُ الفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}(المؤمنون: 1، 2).
وهي تربي النفس، وتهذب الروح، وتحلَّي المرء وتجمِّله بمكارم الأخلاق، وتنير القلب، بما تغرسه من إجلال الله ومحبته وتعظميه. وبها تتوثق أسباب الاتصال بالخالق جل وعلا، ويتزود العبد من خلالها بطاقة روحية تعينه على مشقة التكليف.
فرضها الله جل وعلا على المسلمين للثناء عليه بما يستحقه وليذكرَهم بأوامره، وليستعينوا بها على تخفيف ما يلقونه من أنواع الابتلاءات والمحن في الحياة الدنيا.
وإقامتها تكون بأدائها كاملة بشروطها، وأركانها، وواجباتها، وسننها، وأقوالها وأفعالها، وخشوعها في أوقاتها المخصوصة، قال تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً}(النساء: 103).
ولا يمنع العبدَ عن إقامة الصلاة عذرٌ من مرض أو سفر، فحيثما انتقل لازمته، يؤديها كيفما تيسر له، قال صلى الله عليه وسلم:(.. وجُعلَت ليِ الأرضُ مَسجِداً وطَهُوراً، وأيَّما رجلٍ من أمتي أدركتهُ الصلاةُ فَلُيصَلِّ..)(رواه البخاري ومسلم).
عباد الله: على الرغم من كثرة عدد المصلين، إلا أن الناظر إلى حالهم يجد ضعف أثر الصلاة في حياتهم وسلوكهم، لأنهم لم يؤدوها إلا بهيئتها فقط، دون حضور القلب وخشوع الجوارح، مما يؤكد تفاوت المصلين في روح الصلاة ولبها، وبقدر حضور القلب تكون إقامتها، ويكون أثرها ومدى انعكاسِه على سلوك صاحبها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}(البقرة: 238، 239).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الكريم محمد بن عبد الله الذي علم أمته كل خيرٍ، وحذَّرهم من كل شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن الصلاة هي آخر ما يفقد من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله، قال صلى الله عليه وسلم:(لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة)(رواه أحمد وابن حبان والحاكم، وصححه الألباني). فينبغي على كل مسلم أن يحرص على أداء الصلاة في أوقاتها، وألا يتكاسل أو يسهو عنها، لما ورد من الوعيد الشديد لمن أخرها أو تكاسل عنها، قال تعالى:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} (الماعون:4، 5).
ومن عظيم فضل الله علينا كمسلمين أن جعل للصلاة آثاراً تربوية في حياتنا، فهي تربي النفس على طاعة الخالق، وتعلمه آداب العبودية، وواجبات الربوبية، بما تغرسه في قلب صاحبها من عظمة الله وجلاله وعظيم سلطانه، وبطشه وشدته، ورحمته ومغفرته، كما تسمو بنفسه عن صفات الخسة والدناءة، فتجده صادقاً أميناً، قانعاً وفياً، حليماً متواضعاً عدلاً، ينأى عن الكذب والخيانة والطمع، والغدر والغضب والكبر والظلم، يشعر بالتآلف والوحدة مع إخوانه، فيتربى بذلك على العدل في جميع أمور حياته.
عباد الله: وفي الأسبوع القادم سيقام مناسبتان مهمتان تتعلقان بالصلاة؛
الأولى: في كلية التربية بعنوان (صلاتي قرة عيني)، وسيكون فيها دورات ومحاضرات ولقاءات ومسابقات وتفاعل داخل الكلية وسائر فئات المجتمع، وقد استعدت الكلية لهذه المناسبة استعداداً كبيراً تذكيراً للناس بعظم هذه الشعيرة وفضلها والحرص على المحافظة عليها.
والثانية: تنظمها هيئة الزلفي؛ وهي بعنوان (النهر الجاري)، وفيها لقاءات ومحاضرات ومسابقات وتوزيع هدايا ومطويات وقد بذلت الهيئة جهوداً كبيرة لنجاح هذه المناسبة. وهذه تضاف إلى جهود الهيئة المباركة، وهي من باب الأمر بالمعروف، فالهيئة تُعنى بالأمر والنهي في آن واحد.
فعلينا جميعاً التفاعل مع هذه المناسبات لأن فيها تذكيراً بأعظم الواجبات بعد التوحيد، وإذا تضافرت جهود المخلصين تحقق للمجتمع الأمن والأمان والطمأنينة، وقام بما أوجب الله عليه خير قيام.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة: 11-6-1435هـ