خطبة بعنوان: (مسائل وأحكام حول زكاة بهيمة الأنعام) بتاريخ 3-7-1435هـ.

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي وصيته للأولين والآخرين:{.. وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ.. }(النساء: 131).
عباد الله: اعلموا أن الله جل وعلا الذي هداكم للإسلام، وامتن عليكم بنعمة الإيمان، وشرع أركاناً لهذا الدين العظيم، ومن تلك الأركان العظام زكاة المال، فهي الركن الثالث من أركان الإسلام، ومن دعائمه العظام، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)(رواه البخاري ومسلم).

وقد فرض الله تعالى هذا الركن لحكم جليلة ومصالح جمَّة، ولما يترتب عليه من فوائد عظيمة، وثمراتٍ كثيرة تعود على المجتمع المسلم والأمة جمعاء بالخير العميم، ومن ذلك سد حاجة المعوزين، وقضاء ديون المعسرين، وتيسير أمور الفقراء والمساكين، وأيضاً لما يكون فيه من معالجة صفات الشح والبخل في قلوب الأغنياء والموسرين، وإذهاب الحسد والغل والكراهية من قلوب الفقراء والمساكين.
وقد تساهل بعض المسلمين في هذا الركن العظيم، لضعف إيمانهم، وإيثارهم للعاجلة على الآجلة الباقية، ألم يسمع هؤلاء قول الله جل وعلا {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}(التوبة: 34، 35).

عباد الله: لقد ذكر الله جل وعلا الزكاة مقرونةٌ بالصلاة في كثير من آيات القرآن تنويهاً بذكرها، وتعظيماً لشأنها، وترغيباً في إخراجها، وتخويفاً وترهيباً من تركها والتساهل فيها، قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}(البقرة:43). إن الزكاة ليست تبرّعًا يتفضل به غني على فقير، إنما هي حق للفقراء وواجب في أموال الأغنياء، لا بد أن يؤدوه لأصحابه المستحقين طيبة به نفوسهم.
وهنا أقف بعض الوقفات حول هذا الموضوع فأقول وبالله التوفيق:

أولاً: على ولي الأمر أن يرسل الجباة للناس لأخذ الزكاة ويوصيهم بالرفق والعدل، وهذا هو المعمول به في بلادنا حيث يخرج جباة الزكاة كل سنة غرَّة رجب.

ثانياً: يجب على صاحب الأنعام أن يبتعد عن الكذب والتدليس، وأن يكون صادقاً مبيناً لما عنده.

ثالثاً: لا يجوز للجباة محاباة أحد من الناس، أو قبول هدية، أو كتمان ما يرونه حقيقة، ولا يتهاونون في أخذ المستحق، ولا يزيدون عليه.

رابعاً: الزكاة تكون من (الإبل والبقر والغنم) إذا حال عليها الحول، وبلغت النصاب المعلوم لها، مع توفر الشروط الأخرى الواجبة فيها، وهي أن تكون سائمة وهي التي ترعى جميع الحول أو أكثره، ولا يتكلف صاحبها الإنفاق عليها.

خامساً: الأنعام التي لا زكاة فيها هي التي يقوم صاحبها بإعلافها غالب العام إلا أن تكون للتجارة فإنه يخرج من قيمتها ربع العشر.

سادساً: الأنعام التي تُقتنى للنسل والدّر، لا زكاة فيها، إذ لا زكاة إلا في السائمة.

سابعاً: أقل نصاب الإبل خمس، وفيها شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض وهي بكرة صغيرة تم لها سنة، وفي ست وثلاثين بنت لبون، وهي ما تم لها سنتان، وفي ست وأربعين حقة، وهي ما تم لها ثلاث سنوات، وفي إحدى وستين جذعة، وهي ما تم لها أربع سنوات، وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان، وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون، ثم تستقر الفريضة في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.

ثامناً: إذا أراد صاحب الإبل أن يخرج بعيراً بدلاً من الشاة في زكاة إبله إذا لم تبلغ خمساً وعشرين، متبرعاً بذلك، فهذا زيادة خير وتجزىء في أصح قولي العلماء.

تاسعاً: تجب الزكاة في البقر إذا بلغت ثلاثين، وفيها تبيع أو تبيعة، وهو ما تم له سنة ودخل في الثانية، ثم في أربعين مسنة، وهي ما تم له سنتان ودخلت في الثالثة، وفي ستين تبيعان، وفي سبعين تبيع ومسنة، وهكذا في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة.

عاشراً: تجب زكاة الغنم إذا كانت سائمة ــ أي راعية للمباح جميع السنة أو أكثرها ــ فإذا بلغت أربعين رأساً ففيها رأس واحد، جذع ضأن أو ثني معز إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة وجب فيها رأسان إلى مائتين، فإذا زادت عن مائتين واحدة ففيها ثلاثة رؤوس، وبعد ذلك ففي كل مائة شاة.

أحد عشر: هل تجزئ القيمة في الزكاة أو لا؟ الصحيح أنها لا تجزئ وهو الأحوط، ولا بد من إخراج زكاة الغنم من جنسها، فتُملَّكُ للفقير، وفي هذا براءة لذمة المزكي بيقين، بأن يخرج الزكاة من عين ماله إلا إذا طلب ولي الأمر ذلك عن طريق جباة الزكاة، فله إخراج القيمة.

اثنا عشر: لا يلزم المزكي أن يعطى كل فقير شاة، بل يجوز له أن يعطي الشاة الواحدة لأكثر من فقير، إذا كان في ذلك مصلحة.

ثلاثة عشر: لا يجوز للمزكي أن يخرج زكاته ذكوراً إذا كان في النصاب إناث، بل يجب أن يخرج زكاته من وسط إناث سائمته.

أربعة عشر: لا يجوز للشخص أن يجمع أمواله الزكوية أو يفرقها من أجل الفرار من الزكاة، أو من أجل إنقاص الواجب فيها، لقول صلى الله عليه وسلم (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة)(رواه البخاري). ولا يسقط ذلك عنه الواجب، بل هو آثم وعليه بقية الواجب. والقاعدة عند أهل العلم (أن التحايل لإسقاط الزكاة لا يسقطها).

خمسة عشر: صغار الماشية تتبع أمهاتها في حولان الحول، فلو ولدت الشياة عدداً كبيراً بعد تمام النصاب حسبت هذه الصغار وإن لم يكن مرَّ عليها إلا أيامٌ يسيرة.

ستة عشر: تزكى الماشية سواء كانت لكبير أو صغير، أو ذكر أو أنثى، أو مجنون..

سبعة عشر: الماشية إذا كانت ثلثاً لميت لا زكاة فيها مهما كثرت وتنامت.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(التوبة: 103).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:

فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون والمؤمنات: واعلموا أن من المسائل الهامة أيضاً في زكاة بهيمة الأنعام ما يلي:

ثمانية عشر: من كان عنده طيور كالحمام والدجاج والبط والأوز وغيرها يربيها لاستعماله الشخصي، فلا زكاة فيها، أما إذا كانت للتجارة فيجب في قيمتها ربع العشر إذا مرَّ عليها الحول. وكذا الخيل والحمير إذا لم تكن معدة للتجارة.

تسعة عشر: لا بأس أن يأخذ العامل على زكاة بهيمة الأنعام ما ضربه الوالي من القيمة التي حددها لها؛ كأن يقال له خذ شاة أو خمسمائة ريال وهكذا، لأن الواجب الوسط، فلا حرج إن اجتهد ولي الأمر وقدّر القيمة .

العشرون: يُعطى الجباة من الزكاة بقدر عمالتهم فيها إذا كانوا لا يأخذون مرتبات، سواء كانوا أغنياء أم فقراء، لأنهم يأخذونها مقابل عملهم، وإن كانوا فقراء، فيعطون بالعمالة وبالفقر كذلك، ما يكفيهم لمدة سنة.

إحدى وعشرون: بعض أصحاب الماشية يذهب لجباة الزكاة ويزكي ما عنده زكاة سائمة وهي ليست بسائمة، أو هي عروض تجارة، ليأخذ مقابل ذلك عمالاً، وهذا تحايل لا يجوز.

الثاني والعشرون: الخلطة في الماشية لا تعني اختلاط المالين فقط، بل لابد من تحقق الأوصاف المطلوبة لتجب فيها الزكاة، وهي المسرح، والمحلب، والمشرب، والمراح، والراعي، والفحل.

الثالث والعشرون:من أخرج الواجب من زكاته ولم يتحايل على الجباة برئت ذمته.

أسأل الله جل وعلا أن يتقبل من أصحاب الزكاة زكاتهم، وأن يمن علينا وعليكم بالعلم النافع والعمل الصالح.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
الجمعة: 3-7-1435هـ