خطبة بعنوان: (العلم والتعليم والزواج الصحي) بتاريخ 3-11-1435هـ.

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون واعلموا أن تقواه خير زاد ليوم المعاد، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(الحشر: الآية 18).
عباد الله: إن شرف العلم وفضله لا يخفيان على عامة الناس، فضلاً عن العلماء، إذ هو الذي خصّ الله به الإنسانية دون سواها من المخلوقات، وإنما شُرِّف العلم لكونه وسيلة إلى التقوى والعمل الصالح، التي يتأهل بها المرء إلى أعلى الدرجات، ونيل الكرامة والسعادة الدائمة من رب الأرض والسماوات، ذلك لأن العلم مع الإيمان، رفعة في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. ويكفي العلم شرفًا أن العلماء هم ورثة الأنبياء. يقول الله جل وعلا:{يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ..}(المجادلة: الآية 11)، ويقــول تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(فاطر: الآية 28).
فالعلم هو الطريق إلى محبة الله وخشيته وحسن عبادته والتفكر في آياته ومخلوقاته، وهو حياة القلوب وإمام العمل، وإنما العَملُ تابع له، فهو وحده الإمام المتَّبع في الأقوال والأفعال والاعتقادات، فمن عَمِلَ بغير عِلمٍ، فقد ضلَّ سواءَ السبيل، قال تعالى{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}(الزمر: الآية 9).
ولا يتأتى ذلك العلم إلا بالتعلّم وبذل الجهد، قال الله تعالى مخاطَباً نبيَّه محمد صلى الله عليه وسلم:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق: 1ــ 5)، وهذا يدل على أهمية العِلْم التعلّم.
فيا عباد الله، اتَّقوا الله جلَّ وعلا وتفقَّهوا في دينكم؛ فإن نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول:(مَن يُرِد الله به خيرًا يفقّهه في الدين)(رواه البخاري ومسلم).
تعلَّموا دينكم لتعبدوا الله على بصيرة وتدعو إلى الله على بصيرة؛ فإن مَن يعبد الله على غير علمٍ كالذي يمشي في الفيافي بغير دليل، يقول جل وعلا {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي}(هود: الآية 108).
احرصوا على طلب العلم؛ فإنه نورٌ وهداية، والجهل ظُلَّمة وضلالة.
احرصوا على طلب العلم لأنه أفضل من المال وأعظم أجرًا وأدوم فائدة؛ فالمال لابُدَّ أن يفنى، أما العلم فيبقى.
احرصوا على طلب العلم ليكن لكم لسان صدق في الآخرين؛ لأن آثار العلْم تبقى بعد فناء أهله، فالعلماء الربَّانيون لم تزل آثارهم محمودة، وطريقتهم مأثورة، وسعيهم مشكورًا، وذكرهم مرفوعًا.
احرصوا على طلب العلم مُبتغين به الأجر من الله لا لتنالوا عَرَضًا من الدنيا؛ فإن مَن تعلَّم علمًا مِمّا يُبتغى به وجه الله لا يتعلّمه إلا ليصيب به عَرَضًا من الدنيا لم يجد عُرْف الجنة يوم القيامة.
احرصوا على طلب العلم لترفعوا به الجهل عن أنفسكم؛ وعن أهليكم.
احرصوا على طلب العلْم لترفعوا به الجهل عن عباد الله وتنشروه بين الخلق؛ قال صلى الله عليه وسلم:(بلِّغوا عنِّي ولو آية)(رواه البخاري)، وقال أيضاً: (ليبلّغ الشاهدُ منكم الغائب)(رواه البخاري، ومسلم).
احرصوا على العلم لتحفظوا به شريعة الله؛ وتدافعوا به عنها.
إن طلب العلم من أفضل الأعمال لِمَا فيه من هذه المطالب العالية ولاسيما في وقتنا الحاضر الذي كثر فيه الانشغال بطلب الدنيا والتكالب عليها.
عباد الله: إن ثمرة العلم هي العمل والدعوة إلى الله به؛ فمَن لم يعمل بعلمه كان علمه وبالاً عليه، ومَن لم يدعُ الناس به كان علمه قاصرًا عليه.
مَن عمل بِمَا عَلم ورّثه الله علم ما لم يعلم، قال الله جل وعلا:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}(محمد: الآية 17).
وقد قيل:«العلم يهتف بالعمل فإن أجاب وإلا ارتحل».
عباد الله: اعلموا أنه لا حياة إلا بالعلم، وإنما العلم بالتعلم، فلن يكون عالمًا إلا مَن كان مُتعلمًا، كما لن يَصْلُحَ معلمًا إلا مَن قد كان متعلمًا.
والإنسان إذا لم ينل حظاً من التعليم ظل يعتريه النقص حتى يتعلم، والإسلام يولى أهمية بالغة للعلم والتعلم حتى أن أول ما نزل من القرآن كان {اقرأ}، فالتعلم والمعرفة من الأمور المفروضة على المسلمين رجالاً ونساءً يقول المولى عز وجل في كتابه العزيز:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}(الزمر: 9).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:(مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيهِ عِلْماً سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِهِ، وَإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ..)(رواه مسلم).
فالتعلم له أهمية كبيرة لا يمكننا إنكارها لاسيما في عالمنا اليوم، فلقد غدا للتعليم دوراً حيوياً وهاماً وضرورياً لدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
والدولة ــ حرسها الله ــ تَبذُلُ الكثير من الجهد والمال من أجل دفع عجلة التعليم والتنمية، ولن يكون لأمة مكانة بين الأمم إلا إذا سلكت مسلك العلم والتعليم، وعلى قدر أخذ أبنائها بالعلم وحرصهم عليه، والتزود منه، وبذل الأسباب في تحصيله كان ذلك سبباً في تقدمها وعلو شأنها.
لذا فإني أوصي طلابنا وطالباتنا: بأن يصلحوا نياتهم في طلب العلم، وأن يبذلوا قصارى جهدهم في تحصيله من بداية العام كي يرسخ في أذهانهم، ولينفعوا به أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم ووطنهم وأمتهم.
ووصيتي لإخواني من المعلمين والمعلمات: عليكم أن تكونوا صادقين مخلصين في تعليم العلم وإيصاله بيسر وسهولة للطلاب والطالبات، وأن تصبروا عليهم، وترفقوا بهم، وأن تعلموا أنكم على طريق الجادة، وعلى قدر جهدكم وبذلكم وصبركم أثمر ذلك ثماراً يانعة ترونها حينما تكبرون وترون تلك الأجيال التي علمتموها في مصاف العلماء والأطباء والمهندسين وغيرهم من أصناف الناس، واعلموا أن سلوككم وأخلاقكم وأدبكم صورة معبّرة لها تأثيرها القوي في حياة طلابكم، فكونوا قدوة مؤثرة يُنتفع بها.
وعلى إدارات المدارس والمعاهد والكليات أن يرعوا مَن تحت مسؤوليتهم من مدرسين ومراقبين وطلاب وإداريين؛ وأن يتعاونوا جميعاً في تحمل الأمانة التي وكِّلوا بها أمام الله تعالى، ثم أمام مرؤوسيهم.
ووصيتي لأولياء أمور الطلاب والطالبات:بأن ينتبهوا لأبنائهم وأن يتفقدوهم، وأن يكونوا عوناً لهم على طلب العلم، والاجتهاد في تحصيله، وبذل الأسباب التي تعينهم على دراستهم، وعلى قدر إخلاصكم يُبارَك الله لكم فيهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً}(الإسراء: الآيات 107ــ 109). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الكريم محمد بن عبد الله الذي علم أمته كل خيرٍ، وحذَّرهم من كل شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن الزواج نعمة عظيمة من الله، وخطوة إيجابية في حياة الإنسان، قال تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الروم: الآية 21)، وهو نقطة تحول كبيرة في حياته، وبه تزداد المسؤولية الاجتماعية عليه، وتتضاعف قوة علاقاته، وفاعليته في مجتمعه.
وغالب من يقدمون على الزواج لا يعطونه ما يستحقه من الاهتمام ظنًا منهم أن الزواج مسألة فطرية فقط لا تحتاج إلى دُرّبة أو تّدريب، والنتيجة أن ما نراه أزمات ومشكلات زوجية، وأسر مفككة، وأخرى متناحرة، تدفع بأبناء قد أثرت عليهم تلك المشكلات، فيخرجون وقد أصبحوا عامل هدم ينخر في بنية المجتمع، وفاقد الشيء لا يعطيه.
لذا فقد وضعت الدولة ــ وفقها الله ــ برنامجاً مناسباً للمقدمين على الزواج ــ يسمى بالزواج الصحي ــ كي تكون حياتهم من بدايتها على وضوح رؤى، وحسن أخلاق، وسلامة من الأمراض المزمنة والوراثية، ولكي يرزقوا بذرية تحيا حياة طيبة خالية من الأكدار والأمراض.
وهذا البرنامج وضع من أجل سعادة الزوجين، وإصلاح المجتمع، والنجاح في بناء بيت يقدم جميع مقومات الزواج من مودة ورحمة وذرية صالحة، وتحقيق العفاف، وتدعيم التواصل بين العائلات.
فالزواج في بدايته يكون هو الفيصل في وضوح تلك الشراكة الزوجية، وأن الزوجين إذا اجتازا بداية فترة زواجهما على توافق، واتزان في الأمور، وعلاج ما يصاحب حياتهما من أزمات يُحصنا ــ بإذن الله ــ من باقي مشكلات الحياة الزوجية، وتنجو سفينة الأسرة من الغرق في براثن العداوة والفرقة والخلاف والطلاق.
عباد الله: إن الحياة الزوجية والأسرية فن جدير بتعلم قواعده وأصوله، ولا بد فيه من مناهج علمية سليمة مبنية على الواقع الذي يعيشه الناس، وهذا البرنامج الذي تقوم به الدولة ــ حرسها الله ــ عون لكل زوجين على بدأ حياة نقية من المنغصات والكوادر، وبدأ حياة سعيدة طيبة.
فعلى من أراد الإقبال على الزواج أن يأخذ بالأسباب الموجبة للسعادة الزوجية كي لا يندم كل واحد منهما في يوم من أيام حياتهما.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في تأسيس الزواج الناجح.
أسأل الله جل وعلا أن يمنَّ على شبابنا بزوجات صالحات، وأن يمن على فتياتنا بالشباب الصالحين، وأن يجمع كل زوجين على الخير والصلاح والتقوى.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).

الجمعة: 3-11-1435هـ