خطبة بعنوان: (الاستعداد للاختبارات) بتاريخ 11-3-1436هـ

الثلاثاء 7 جمادى الآخرة 1440هـ 12-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإنه { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً }(الطلاق).
عباد الله: اعلموا أنَّ أعمالكم تحصى عليكم، وأنَّ أعماركم مطية تقتربون بها من نهاية آجالكم، وتبتعدون بها من دنياكم؛ فالله الله في إحسان العمل، فالموفق من كان في يومه خيراً من أمسه، ومن كان في غده خيراً من يومه، وأنتم ترون ما يعيشه أبناؤنا وبناتنا في هذه الأيام من جد واجتهاد وبذل وعناء استعداداً للاختبارات التي هي النتيجة الأخيرة لحصاد نصف عام دراسي قضوه في الذهاب إلى مدارسهم وكلياتهم لتحصيل دروس العلم، ومراجعته، والاستفادة من توجيهات أساتذتهم، حيث يؤمل كل واحد منهم النجاح ويخشى الرسوب.
ومن المسلَّم به أن من اجتهد وبذل أسباب التحصيل والفهم ثم استعان بالله تعالى للوصول إلى النجاح فهذا الذي يؤمل وصوله إلى هدفه وما يتمناه في حياته، أما من قصَّر وفرط، وترك التحصيل والفهم ولم يطلب العون من الله تعالى فستكون نتيجته الرسوب والخسران.
إن التفوق أيها الإخوة أمنية يتمناها الجميع ويسعى إليها كل مثابر وجاد ونشيط، ولكنه لا يتأتى من فراغ إنما هو حصيلة جهود مضنية من سهر وتعب وجد ومثابرة ونشاط.
والنجاح أيضاً يتطلب تعبيد الطريق الواصل إليه، ووضع خطة مدروسة بشكل صحيح بدءًا من تنظيم الوقت ومروراً بتأمين الجو المناسب وانتهاءً بمذاكرة مقررات المناهج الدراسية.
وهنا أهمس في أذن أحبابي الطلاب والطالبات فأقول:
أولاً: عليكم باصطحاب النية الصادقة والإخلاص لله في طلب العلم لئلا تذهب النية الفاسدة بأجر تعلمكم وثواب الصبر عليه، واستشعروا أنكم على ثغر من ثغور الإسلام، وأن أمتكم الإسلامية تحتاج إليكم لترفع من شأنها بين الأمم الأخرى، وبلدكم يحتاج إليكم للمساهمة في بناء مستقبله، فأنتم زينة الحاضر وأمل المستقبل.
ثانياً: حفزوا أنفسكم بالجد والمثابرة، وكونوا دائمي النظر إلى الأمام لكي تشتد عزيمتكم، وتقوى همتكم لتحصلوا على مؤهلاتكم العلمية متفوقين متألقين .
ثالثاً: خذوا بأسباب النجاح والصلاح، والتوفيق والفلاح، ولا تعتمدوا على ذكاءكم وحفظكم، ولا على نبوغكم وفهمكم؛ ولكن توكلوا على الحي الذي لا يموت، وعلقوا قلوبكم به، فإن الخير كل الخير في اعتمادكم عليه وحسن ظنكم به.
رابعاً: احذروا الصحبة السيئة ولاسيما في هذه الأيام؛ فهي طريق الوقوع في المحرمات، وانتبهوا لما يزينه لكم بعض ضعاف النفوس من تناول بعض السموم فهي طريق كل شر وفتنة.
خامساً: اعلموا أنكم لستم وحدكم في هذا العالم بل أنتم محاطون بدول وثقافات، وكل مجتمع يعتمد على أبنائه وبناته للمحافظة على الثوابت والمكتسبات والهوية والسيادة والمصالح والتنافس في الحياة بشرف وعزة، فلا يقف دوركم عند التحصيل العلمي والوظيفة والاندماج في المجتمع ومؤسساته المختلفة، بل عليكم بمنافسة أقرانكم في سائر دول العالم المختلفة حتى تحافظوا على أوطانكم ومجتمعاتكم وتسهموا مع غيركم في تنمية المعرفة والاختراع والنهوض بالإنسانية وبكرامة الإنسان وحماية الأوطان.
سادساً: احرصوا على طاعة الله تعالى، وابتعدوا عن المعاصي والذنوب، وخاصة الغش في أيام الامتحانات، فهو ذنب عظيم، ومصيبة كبرى يترتب عليها مفاسد كثيرة تضر بالفرد والمجتمع، وتذكروا قول الله تعالى{ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ..}(البقرة)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من غش فليس منا)(رواه مسلم).
وتذكروا أيضاً أن ما بين أيديكم من الكتب المدرسية تحتوي على الكثير من كلام الله ومن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتقوا الله وضعوها في أماكنها المناسبة، وتذكروا قوله تعالى { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}(الحج: 32).
وأما رسالتي إلى الآباء والأمهات فأقول:
أولاً: بعض الآباء لا يكترثون بنجاح أولادهم أو إخفاقهم، والبعض الآخر يبلغ به الاهتمام حد الغلو والتشدد لتحصيل النجاح والتفوق، وهذا خطأ كبير، فلا بد من توسط الأمور في ذلك، بأن يكون الرفق والحكمة في التربية والتوجيه هي الطريقة الصحيحة لتحصيل الثمرة المرجوة وهو نجاح الأولاد.
ثانياً: على الآباء والأمهات تنمية الشعور بالحاجة إلى الله تعالى لدى أولادهم، وتعليق قلوبهم به، وحسن التوكل عليه، وطلب التوفيق منه، فإذا حالف أبناءك النجاح فاغرس فيهم الشعور بشكر المنعم، وأن ذلك بتوفيق منه سبحانه:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (النحل:53).
ثالثاً: اغرسوا في قلوب أولادكم الخوف من الله؛ فمن امتلأ قلبه بالخوف من الله ومراقبته لم يقع في الغشِ أبداً.
رابعاً: الثقة في الأولاد مطلوبة؛ ولكن لا تخلط بين الثقة والاحتياط، فالثقة أصل والاحتياط مطلوب، والتربية أمانة، والمسؤولية كبيرة، والوقاية خير من العلاج، وبعض الآباء ــ هداهم الله ــ لا يدرون أين يذهب أبنائهم ومع من يركبون ومن يجالسون؟ بعد نهاية كل اختبار، فتكون النتيجة انحرافاً وانتكاساً.
خامساً: بعض الآباء يزرعون في نفوس أولادهم الحرص على التميُّزِ والدرجات العالية، وهذا مطلوب، ولكن لماذا لا نُنمِّي فيهم التنافس الحقيقي للحصول على الدرجات العُلَى في جنات النعيم، فذلك خيرٌ وأبقى.
سادساً: لا يكون المقياس الحقيقي لديك بالنجاح في الدراسة فقط، بل يكون في صلاح أبنائك واتصافهم بمحاسن الأخلاق.
سابعاً: لا تمارس ضغوطاً على أبنائك بالتهديد والوعيد أيام الامتحانات لئلا يكون لها الأثر السلبي أثناء حضورهم وإجابتهم للاختبارات، فتكون قد ضيعت مجهودهم بتلك الضغوط، وكنت السبب الرئيسي في رسوبهم أو ضعف نتائجهم.
وأخيراً: أقول لكل أم وأب: يا ليتكم تجعلون هم الآخرة هو الأصل في حياة أولادكم، فإن الآخرة هي دار القرار والنعيم المقيم، ومَن جَعَلَ الآخرة همَّه جمع الله شمله، ويسَّر أمره، وجعل غناه في قلبه.
وصدق الله العظيم:{ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }(الحج: 78).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون: واعلموا أن الدنيا دار ممر، والآخرة هي دار المقر، فمن قدَّم وجد، ومن زرع حصد، ومن فرَّط وضيَّع لم يحصد إلا الشوك والحطب.
وأنتم أيها المعلمون والمعلمات: أعلم أنكم لم تألوا جهداً في تدريس طلابكم، وتعليمهم، وتثقيفهم، وتوجيههم، ولكن عليكم بمراقبة الله عند وضعكم للأسئلة، وملاحظة الطلبة، وتصحيح الأجوبة، فإن تلك الاختبارات حصيلة عملكم التربوي خلال فصل دراسي كامل يجني فيه المجتهد ثمرة اجتهاده ، ويحصد فيه المهمل نتيجة إهماله وتقصيره .
ويا من ائتُمِنْتَم على مراقبة الطلاب في اختباراتهم أوصيكم بتقوى الله جل وعلا، والحرص على أداء هذه الأمانة العظيمة والرسالة الجليلة، أدوها بكل صدقٍ وإخلاص لأنكم مسئولون عنها أمام الله جل وعلا .
وتذكَّروا أن عملكم في مراقبة الطلاب وملاحظتهم جزءٌ من مهمتكم ورسالتكم، التي تقتضي منكم أن تكونوا بهم رحماء، وأن توفروا لهم الجو الخالي من التوتر والقلق، حتى يقبلوا على أداء اختبارهم بكل هدوء وسكينة .
وإياكم أن تُمكِّنوا أحداً من الغش بأية وسيلة كانت لأن ذلك أمرٌ مُحرَّم لا يجوز.
وعليكم بحسن التصرف واستعمال الحكمة والأناة عند حدوث ما يُخِلُ بسير الاختبار ، أو ما يخالف أنظمته دونما إزعاج أو إرباك أو تسرع وفقاً لما لديكم من أنظمة وتعليمات.
وختاماً: اعلموا أن الله سائلكم إن أغفلتم أو أهملتم أو قصرتم، ومُكافئكم إن أحسنتم وأجملتم وأتقنتم، وتذكَّروا أن الله سبحانه يحب منكم الإتقان في عملكم، فأنتم الذين شرَّفكم الله بحمل هذه الأمانة .
أسأل الله تعالى أن يعين أبنائنا وبناتنا في اختباراتهم، وأن يوفقهم لما فيه الخير والصلاح لهم في الدنيا والآخرة.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب: 56). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
الجمعة: 11-3-1436هـ