خطبة بعنوان: (حادثة مركز سويف وحرمة الاعتداء على رجال الأمن) بتاريخ 18-3-1436هـ
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }(آل عمران: الآية 102).
عباد الله: إن بلادنا ـ حرسها الله ـ كغيرها من بلاد المسلمين لم تسلم من الحقد والحسد والضغينة، فأعداء الدين أذهلهم تماسك هذه البلاد، واجتماع كلمتها، ووحدة صفها، وأعمى أبصارهم هذا الخير المتدفق عليها ومنها، ورأوا ما عليه الناس من رغد في العيش، وأمن وأمان، فاجتهدوا في بث الأفكار المسمومة المنحرفة لتضليل شبابها وتفريق صفهم، وخلخلة بنائهم، فأوقعوا البعض منهم في شباك حبائلهم، وأوصلوهم إلى ترويع الآمنين، وسفك دماء المسلمين، والاعتداء على الحرمات والممتلكات.
إن الحادث الأليم الذي وقع في فجر يوم الاثنين الماضي الموافق: 14/3/1436هـ من اعتداء بعض أفراد الفئة الضالة ممن فسدت ضمائرهم وضعف إيمانهم، وتغلغل الشر في نفوسهم، وانعدم الخير في قلوبهم على بعض قوات حرس الحدود في مركز سويف الحدودي التابع لجديدة عرعر بمنطقة الحدود الشمالية ونتج عنه استشهاد قائد حرس الحدود واثنين من جنوده البواسل، وإصابة آخرين يعتبر جريمة بكل المقاييس والأعراف.
ولاشك أن ما قام به هؤلاء القتلة المعتدون من سفكٍ لدماء رجال الأمن يعتبر من أعظم الذنوب التي يقابلون بها الله يوم القيامة، والتي توعد فاعلها بالعذاب العظيم في نار جهنم، كما قال جل وعلا:[وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً] (النساء: 93).
وقال صلى الله عليه وسلم (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ)(رواه الترمذي، وابن ماجة، والنسائي، وصححه الألباني).
وقال أيضاً:(لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا)(رواه البخاري).
وما توقف هؤلاء القتلة المفسدون عند هذا الحد، بل إن أحدهم قام بتفجير نفسه بعد أن أظهر للقوات أنه يرغب تسليم نفسه، مما تسبب في قتل أنفس أخرى معصومة، فاجتمع فيه ــ والعياذ بالله ــ قتل نفسه وقتل أنفس مؤمنة بغير حق، خيانة وغدر، وكذب ونفاق، وإزهاق أنفس بريئة تقوم بواجبها في ظلام الليل والناس نائمون.
فواعجباً لهؤلاء النفر من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، كيف ألبس عليهم الشيطان أمرهم، وزين لهم طريق الزيغ والضلال، وأوقعهم في كبائر الذنوب والمعاصي، من سفك للدماء، وترويع للآمنين، وقتل لرجال الأمن المرابطين على حدودنا لحراسة بلادنا من عبث العابثين وفساد المفسدين .
ولقد قرر علماء الإسلام أن الخوارج أشد خطراً من اليهود والنصارى، لأنهم يقتلون كل من يخالفهم، ويستحلون دمه وماله عياذا بالله.
عباد الله: إن هذا الفكر الضال وما ترتب عليه من عمليات إرهابية وقعت بسببه مفاسد كثيرة من حصدٍ للأرواح، وهلاكٍ للأنفس، وتدميرٍ للممتلكات، ونشر الخوف والرعب في قلوب المستأمنين، وإضعاف الأمة، وتبديد مكاسبها، والتسبب في تسلط الأعداء عليها.
إن تلك الأعمال العدوانية التي تحدث الخوف في القلوب، والرهبة في النفوس، والاضطراب في الأمن لا يرتضيها الله جل وعلا، وقد رتب على من قام بها الجزاء العادل في الدنيا قبل جزاء الآخرة، فقال جل وعلا:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (المائدة: 33).
ودين الإسلام الذي جاء بالحنيفية السمحة، يحرم ويجرم الاعتداء على المستأمنين والمعاهدين، أو إزهاق أرواحهم، ويرفض كافة صور الإرهاب وأشكاله رفضًا قاطعًا لأنه عدوان على حقوق الخلق بغير حق، والله جل وعلا لا يحب المعتدين.
عباد الله: ومن فضل الله تعالى على بلادنا ـ حرسها الله ـ أنها استطاعت خلال السنوات الماضية معالجة مثل هذه المواقف بحزم وقوة، وهي بإذن الله وفضله لن تخضع لأي ابتزاز من أي جماعة إرهابية أو تنظيم ممن يمارسون أبشع الجرائم بحق مجتمعهم ووطنهم، من قتل للأنفس، وزرع للفتنة، وترويع للآمنين، وتفريق للصف، وتمزيق لوحدة هذه البلاد.
فعلينا جميعاً ـ مواطنين كنَّا أو مقيمين ــ رؤساء أو مرؤوسين، أن نقف صفاً واحداً تجاه هؤلاء البغاة والمفسدين مهما كانت جنسياتهم أو توجهاتهم، وأن نؤدي واجبنا الذي أوجبه الله علينا في الحفاظ على أمن هذه البلاد، والتعاون مع رجال الأمن في كشف مخطط كل من يسعى في الفساد وزعزعة الأمن وأن نحول بينه وبين مراده، وهذا من التعاون على البر والتقوى الذي أمر الله به في كتابه، بقوله تعالى:{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ..}(المائدة: 2). فهذه الفئة الضالة تستهدف ديننا وأمننا ووطننا واجتماع كلمتنا ووحدة صفنا، ولن يعكر صفونا ـ بإذن الله ـ أحدٌ أبداً مهما كانت قوته أو تخطيطه.
واعلموا بارك الله فيكم أن أعظم صفعة لهؤلاء المارقين هي اللحمة الوطنية، والتماسك القوي، وتمام الولاء والطاعة لولاة أمرنا، فإذا تحقق تطبيقنا لشرع الله، والتفاف الرعية حول الراعي فلن يستطيع كائن من كان أن يخترق صفَّنا بحول الله .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون: واعلموا أن تقواه خير زاد ليوم المعاد.
عباد الله: إذا نظرنا إلى ما أصاب بعض البلاد من حولنا نجد أن الفتن قد ماجت فيها موج البحر، فالخلاف، والشقاق، والدمار، والخراب، والقتل، واستباحة أعراض الناس وأموالهم، وانتشار الخوف والهلع قد حل في كثير من أرجائها، وما ذاك إلا بسبب البعد عن منهج الله الذي تقوم عليه هذه البلاد، فلنتذكر نعمة الله علينا ، وما حبانا به من النعم، وأنه ليس بيننا وبين الله نسب.
وإذا كانت الدولة ــ حرسها الله ــ تقوم بجهود جبارة في تتبع هؤلاء الإرهابيين والمجرمين والكشف عنهم والقبض عليهم ومحاكمتهم.
وإذا كان رجال أمننا البواسل يدافعون عن البلاد والعباد ويتصدون لكل عدو في الداخل والخارج بكل شجاعة وبسالة، ويؤدون ما أوجب الله عليهم من حفظ سفينة المجتمع ومتابعة الأعمال الإجرامية، فهم يستحقون الإشادة والدعاء لهم بالتوفيق والإعانة والصلاح والفلاح في العاجل والآجل، فنحن ننام ويسهرون، ونرتاح ويتعبون، فنسأل الله لهم العون والثبات، وحسن النية والعمل، وأن يحفظهم من كل سوء ومكروه، فهنا يبقى دورنا في هذا الباب وهو كبير وكثير
عباد الله: اعلموا أن محاربة هذا الفكر الضال والقضاء على هذه الفئة المارقة واجب وطني ينبغي أن تتضافر حوله جهود الجميع، من خطباء، ودعاة، ومفكرين، وغيرهم كل حسب استطاعته، وهو من التعاون المأمور به شرعاً.
فلابد من الوقوف صفاً واحداً ضد هذا الفكر، وكل من يسير على خطاه، وأن نكون لحمة واحدة في وجه من يريد بهذه البلاد شراً.
واحرصوا رعاكم الله على حفظ ناشئتكم من تأثيراتهم فهم يتسللون للشباب من خلال هذه الحسابات المشبوهة في تويتر ويغررون بهم عن طريق أكاذيب وأضاليل وإشاعات لا أصل لها، ويلهبون عواطف الشباب للخروج على أهليهم ومجتمعهم وبلدهم.
فاحرصوا على ربط الناشئة بمن يعينهم على الصلاح والاستقامة، وقووا صلتهم بالعلماء الموثوقين الذين تؤخذ عنهم الفتوى، وازرعوا فيهم تمام الطاعة والولاء لولاة أمرهم، واجعلوا بينهم وبين شياطين الإنس سداً منيعاً لا يتسلل منه هؤلاء المفسدون.
فالله أسأل أن يحفظ رجال أمننا بحفظه وأن يمدهم بعونه وتوفيقه، وأن يرحم من قتلوا منهم، وأن يجعل ما قدموه لدينهم ووطنهم وأمتهم في ميزان حسناتهم.
ونسأله تعالى بمنه وكرمه أن يشفي خادم الحرمين الشريفين، وأن يوفقه وإخوانه لما فيه صلاح البلاد والعباد، وأن يحفظ علينا ديننا، وولاة أمرنا، وعلمائنا، وأن يحفظ لهذه البلاد أمنها وأمانها، واستقرارها، وأن يرد عنا شر الأشرار، وكيد الفجار، واعتداء الظالمين والمفسدين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب: 56). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
الجمعة: 18 / 3 / 1436هـ