خطبة بعنوان: (من أسباب نصر الأمة) بتاريخ 14-6-1436هـ
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله،{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }(آل عمران: الآية 102).
عباد الله: إن من أسباب ما تعيشه أمة الإسلام، ويعاني منه المسلمون في زماننا هذا من أحوال مريرة، ومحنٍ وويلات، ومصائب وابتلاءات، وذل ومهانة، وتسلط الأعداء، تغير أحوالهم وبُعدَهم عن منهج الله جل وعلا، وإقصاءَهم لشريعة الله تعالى، وعدمَ التحاكم إليها، والوقوعَ في المعاصي والذنوب، فلا يستغرب أن تصيبهم سنن الله الكونيةُ والقدريةُ قال تعالى:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران:3). وقال صلى الله عليه و سلم 🙁 يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا، قُلْنَا: مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لا، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ، قِيلَ: وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)(رواه أبو داود، وأحمد وغيرهما).
فعلى الأمة إذا أرادت التمكين وتحصيل النصر على أعدائها أن تسير على ما سار عليه سلف هذه الأمة، فترجع إلى دينها، وتنصره في سائر شؤون حياتها، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد: 2)، فإنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلاَّ بما صلح به أولها، وقد وعد الله جل وعلا عباده المؤمنين بالنصر المبين على أعدائهم، قال تعالى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}(غافر: 4).
وما يدور في اليمن الآن من تسلط جماعة الحوثيين الروافض ومن عاونهم على أهل اليمن واحتلالهم لأرضهم يحتاج من الأمة أن تتلاحم وتتعاضد ويجتمع صفها، وأن تأخذ بأسباب القوة للوقوف أمامهم وصدهم، وأن تطلب العون والغوث من الله تعالى، وأن تتعلق القلوب به سبحانه. روى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا ; فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني. اللهم ائتني ما وعدتني . اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض . فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله تعالى:{إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين}، فأمده الله بالملائكة.
عباد الله: اعلموا أن من أسباب تحصيل النصر لهذه الأمة ما يلي:
أولاً: الإيمان بالله تعالى والعمل الصالح: قال تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(النور: 10).
ثانياً: نصر دين الله تعالى: وهو القيام به قولاً، واعتقاداً، وعملاً، ودعوةً؛ قال جلَّ وعلا:{الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}(الحج: 12).
ثالثاً: التوكل على الله والأخذ بالأسباب: قال تعالى:{إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ}(آل عمران:17)، وقال تعالى:{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}(الأنفال: 24)
رابعاً: الثبات عند لقاء العدو: فعن البراء رضي الله عنه أنه قال له رجل: يا أبا عمارة ولَّيتم يوم حنين؟ قال: لا والله ما ولَّى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ولَّى سرعان الناس، فلقيتهم هوازن بالنبل، والنبي صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)(رواه البخاري).
خامساً: الشجاعة والإقدام والتضحية في سبيل الله: فأهل الإيمان الذين امتلأت قلوبهم إيماناً هم أشجع الناس، وأكثرهم تضحية، وأقدم عند لقاء العدو، وأولهم في ذلك إمامهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي ظهرت شجاعته في كثير من المعارك الكبرى التي قاتل فيها، كما في بدر، وأحد، وحنين، وغيرها من المعارك .
فوصيتي لإخواننا المجاهدين البواسل المرابطين في الثغور على حدود بلادنا أن يتقوا الله جل وعلا، وأن يكثروا من ذكره، وأن يطلبوا النصر منه سبحانه.
سادساً: كثرة الدعاء وكثرة ذكر الله: فهو من أعظم وأقوى عوامل النصر، فالله جل وعلا القوي القادر على هزيمةِ أعدائه، ونصرِ أوليائه قال تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وقال تعالى:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ}(الأنفال: 37)، وقال جل وعلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ}(38).
سابعاً: عَدمُ العُجبِ والاغترارِ بالقوة والكثرة: فإن ذلك من أسباب الهزيمة والخذلان، قال تعالى:{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ}(49).
ثامناً: الاجتماع وعدم التفرق والتنازع: فهو سبب عظيم لتحصيل النصر، قال تعالى:{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}(55)،وقال:{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(54).
عباد الله: إن ما اتخذه خادم الحرمين الشريفين من قرار حكيم بالتعامل مع هذا الموقف بحزم وحكمة وقوة، وتدخله لوقف زحف هذه الفئة الباغية ودفاعه عن الشعب اليمني الشقيق بناء على طلب من قيادته الشرعية وشعبه الأعزل لهو موقف نبيل يحسب له، ويبين حرصه على المصلحة العامة لدول الخليج والجزيرة، ولقد كان لعاصفة الحزم مردودُها الإيجابيُ في ردع هذه الجماعة، وإيقاف تقدمهم، ومنعهم من بسط نفوذهم على أرجاء اليمن، وعلينا جميعاً أن نتفاءل وأن نعلي همتنا، وأن نعلم أن نصر الله قادم لا محالة، ومع ذلك علينا بتصحيح أحوالنا مع الله، وأن ندعو لإخواننا بالنصر والتمكين.
وصدق الله العظيم، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(الأنفال: 45، 46).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون: واعلموا أن تقواه خير زاد ليوم المعاد.
عباد الله: إن احتلال جماعة الحوثي لبعض أجزاء اليمن أمر خطير ومعضلة كبيرة وظلم عظيم، فقد روعوا الآمنين، وقتلوا الأبرياء، وانتهكوا الأعراض، وسرقوا الأموال. فالنصرة لإخواننا في اليمن واجبة على كل بلد مستطيع.
إن هذه الجماعة الإرهابية تسب الصحابة وتكفرهم وتلعن أمهات المؤمنين وتبيح الفاحشة، فعلى العالم الإسلامي أن يقف وقفة جادة وقوية مع اليمن في هذه الأزمة، بمساندتهم، ودعمهم، والدفاع عنهم، وتخليص البلاد من هذه الفئة الضالة المضلة، وأن يُعيد الشعب حساباتهِ وينظرَ إلى مصلحة بلاده، بالعمل على تقوية أواصر الوحدة والتلاحم وجمع الصف، وائتلاف القلوب، والاجتماع على كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
عباد الله: إن لدينا ثقة بالله تعالى، ونصره، وعونه، متى توكلنا عليه، فربنا سبحانه عزيز حكيم لا تغلب قوته ولا يهزم جنده، مستمدين ذلك من قوله تعالى:{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}(الأنفال: 12)، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا * الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}(الصفات:171-173).
أسأل الله جل وعلا أن ينصر دينه، ويعز أولياءه، وأن يكشف الغمة عن هذه الأمة، وأن يمكن لها في الأرض، وأن يحفظ علينا وعلى بلاد المسلمين الأمن والأمان والسلامة والإسلام.
وأن يجزي خادم الحرمين الشريفين خير الجزاء على هذه الوقفة المباركة مع أشقائنا في اليمن، وأن يحفظ الجنود البواسل الذين يدافعون عن الدين والعرض، وأن يمدهم بعونه وتوفيقه.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جلَّ من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
الجمعة:14-6-1436هـ