خطبة بعنوان: (وقفات مع خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله) بتاريخ 29-5-1436هـ

الثلاثاء 7 جمادى الآخرة 1440هـ 12-2-2019م

 

 

 

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله،{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }(آل عمران: الآية 102).

عباد الله: إن بلادنا ولله الحمد والمنَّة أفضل بلاد الدنيا لما حباها الله جل وعلا من نعم لا تعد ولا تحصى، وذلك بتمسكها بدينها، وعقيدتها، وثوابتها، وقد أكرمها الله تعالى بالأمن، والأمان، والاستقرار، وانتشار العلم الشرعي، ورغد العيش، وتلاحم الصف، واجتماع الكلمة، ومحبة الناس لولاتهم وعلمائهم وطاعتهم لهم في المعروف، وهذه نعمٌ تستحق أن نشكر المنعم بها، ليلاً ونهارا، سرا وعلانية.

ومن أعظم المنن علينا أن تُرزق بلادنا بقيادة تقوم على هذا النهج المبارك الذي سار عليه الأسلاف من قبل، ألا وهو تطبيق شرع الله، وتحكيمه في سائر شؤون الحياة، مع انطلاق مسيرة التواصل في البناء والنهضة والتنمية.

وفي هذه الخطبة لنا وقفات هامة مع خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله،كما يأتي:

أولاً: أكد حفظه الله تمسكه بالنهج القويم الذي سارت عليه المملكة منذ تأسيسها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله وعلى أيدي الملوك من أبنائه من بعده رحمهم الله جميعاً وأنه لن يحيد عن ذلك أبداً، فدستور هذه البلاد هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وأن هذه البلاد المباركة مستمرة في الدفاع عن قضايا الأمة، والعمل على وحدة الأمة العربية والإسلامية وتضامنها.

ثانياً: حرصه حفظه الله على وحدة هذه البلاد ولحمتها الوطنية، لأنها من أقوى الأسباب الداعية لأمن واستقرار وازدهار المملكة في حاضرها ومستقبلها، حيث قال حفظه الله: (ونؤكد حرصنا على التَّصدي لأسباب الاختلاف، ودواعي الفُرقة، والقضاء على كل ما من شأنه تصنيف المجتمع..)، فهو يؤكد برؤيته الوطنية الثَّاقبة على خطر الفُرقة والانقسام والاختلاف، واثر ذلك على أمن الوطن وتماسك بنيانه، ويدعو الجميع، خاصَّة وسائل الإعلام، إلى الالتزام بواجباتهم الوطنية بالمحافظة على هذه الوحدة، والحرص عليها ونبذ كل أسباب الفرقة، وتقوية أواصر التآلف، والتَّمسك بأدب الحوار والاختلاف، وأنه لابد من العمل الجادّ لخدمة الوطن، ورفع رايته عالياً في كل المحافل والمواقع.

ثالثاً: حرصه واهتمامه ورعايته لأبناء شعبه، فقد قال حفظه الله: «إنَّ كل مواطن في بلادنا وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي هو محل اهتمامي ورعايتي، فلا فرق بين مواطن وآخر، ولا بين منطقة وأخرى، وأتطلع إلى إسهام الجميع في خدمة الوطن..». فهي رسالة لكل مسؤول في الدولة ولكل مشارك في صنع القرار أو منفذٍ له ولكل فاعل في تشكيل الرأي العام أن الوحدة الوطنية هي خط أحمر لا يمكن السماح لأحد باختراقه، فأبناء الوطن متساوون في الحقوق والواجبات ولا فرق بين مواطن وآخر ولا بين منطقة وأخرى.

رابعاً: تطلعه حفظه الله إلى إسهام الجميع في خدمة الوطن: وذلك بحرصه على السعي المتواصل نحو التنمية الشاملة المتكاملة والمتوازنة في شتى مناطق المملكة، والعدالة لجميع المواطنين، وإتاحة المجال لهم لتحقيق تطلعاتهم وأمانيهم المشروعة في إطار نظم الدولة وإجراءاتها، وأنه لن يتأتي ذلك إلا في سياق تشكيل خارطة طريق وقيم راسخة في مسيرة الحكومة الجديدة بهدف تسريع عمليات التنمية والتطوير، وإسهام الجميع في خدمة الوطن في جميع مقومات الإنتاج والتطوير والمشاركة في العمل الوطني.

وأيضاً تأكيده حفظه الله على أن إنشاء مجلس للشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لوضع استراتيجيات تنموية وتطويرية تعمل على التيسير على المواطنين وتوفير سبل الحياة الكريمة لهم، ودعوته إلى التوجه التام نحو الإنتاجية الفاعلة سواء من الأفراد أو المؤسسات، أو الجهات الحكومية أو القطاع الخاص، والعمل على بناء منظومة تعمل على الاعتماد على شباب هذا الوطن في شتى مناحي العمل والإنتاج للسعي نحو التنمية الشاملة والمتوازنة في مناطق المملكة كافة.

خامساً: تأكيده حفظه الله على وسائل الإعلام بكافة صورها ووسائلها بالنأي عن كل مسببات الاختلاف والفرقة والعمل على تقريب وجهات النظر فيما يخدم مصلحة هذه البلاد ووحدتها، وتحقيق التماسك الوطني، وإعلاء منهج العمل والبناء وفق رؤية موحدة تأخذ في حسبانها أننا أبناء وطن واحد منهجاً ومساراً.

سادساً: تلمُّسه حفظه الله لاحتياجات المواطنين، وعمله على تيسير سبل عيشهم، ودراسة أحوالهم عن كثب، مما يبشر بسنوات مقبلة زاخرة بالإنجازات؛ عمادها تحقيق العدالة للجميع.

سابعاً: تشديده حفظه الله في القضاء على الفساد؛ والعمل على حفظ المال ومحاسبة المقصرين، وتأكيده أن الأمن نعمة عظيمة، وهو الأساس في رخاء الشعوب واستقرارها، وهو مسؤولية الجميع، وأنه لن يسمح لأحد مهما كان بالعبث بأمن هذه البلاد.

ثامناً: رغبته الصادقة في توفير فرص العمل للمواطنين، وذلك بحثّه رجال الأعمال على الالتزام بمسؤولياتهم الوطنية تجاه أبناء هذا الشعب، مع ضرورة إيجاد حلول عاجلة لتوفير السكن للسعوديين؛ وتوفير تعليم تتوافق مخرجاته مع خطط التنمية وسوق العمل، مؤكدًا أن هذا الوطن ينتظر من أبنائه الكثير.

تاسعاً: تأكيده حفظه الله على تجنيب اقتصاد المملكة تداعيات هبوط النفط، وحرصه على بناء اقتصاد قوي، قائم على أسس متينة، تتعدد فيه مصادر الدخل وتنمو من خلاله المدخرات وإيجاد فرص العمل في القطاعين العام والخاص، وتشجيع المؤسسات المتوسطة والصغيرة على النمو، ودعمها؛ لتكوين قاعدة اقتصادية متينة لشريحة كبيرة من المجتمع.

عاشراً: التزم حفظه الله بمناصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية في المحافل الدولية بشتى الوسائل، وفي مقدمة ذلك تحقيق ما سعت إليه المملكة دائما من حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف؛ مؤكّدًا التزامه وسعيه إلى” تحقيق التضامن العربي والإسلامي بتنقية الأجواء وتوحيد الصفوف؛ لمواجهة المخاطر والتحديات المحدقة بهما.

الحادي عشر: حرصه حفظه الله على التصدي لجميع مسببات الفرقة والتنافر ودواعي التعصب وذلك بالحفاظً على بنية المجتمع وتماسك اللحمة الوطنية، وهو مقصد شرعي عظيم دل عليه القرآن الكريم وجاءت به السنة النبوية، وهو أحد ركائز المحافظة على أمن واستقرار هذه البلاد. وهذا يجعلنا جميعاً شركاء في هذه المسؤولية العظيمة، وأن نعمل جاهدين على نبذ جميع صور الفرقة والتنافر، فديننا واحد، وملتنا واحدة، والوطن الذي نعيش فيه واحد، فلا يسوغ بحال من الأحوال أن نفتح المجال لأي شخص أو جماعة في تفريق وحدة صفنا، أو العمل على تنافر قلوبنا.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }(النساء: الآية 59).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:

فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون: واعلموا أن تقواه خير زاد ليوم المعاد.

عباد الله: لقد أثنى خادم الحرمين الشريفين حفظه الله على رجال القوات المسلحة جميعاً مخاطبا إياهم بقوله: «أنتم محل القلب من الجسد، وأنتم حماة الوطن ودرعه»، نعم لأنهم الدرع الواقي بعد الله تعالى في حفظ أمن هذه البلاد، والذود عنها، وحمايتها من كيد الكائدين وعبث العابثين.

لقد طمأن حفظه الله من خلال خطابه جميع المواطنين، لأنه خطاب خرج من القلب، تضمن الكثير من دلالات الخير لهذه البلاد وللأمة الإسلامية والعربية جمعاء؛ من حرصٍ على مصلحة الوطن والمواطنين، وتوفير كل متطلبات البناء والوحدة، والعمل على بناء اقتصاد ثابت وقوي، والتفاؤل بعهد زاهر يحفظ لهذه البلاد كرامتها وسمعتها، ويحافظ على عقيدتها وأمنها، ويحرص على محاربة الفكر المتطرف والإرهاب، ونبذ الفرقة والخلاف، وتوحيد الصف وجمع الكلمة؛ فهناك ثوابت لا يمكن أن نقبل المساس بها من أي فرد أو جهة وهي العقيدة والوطن والأمن.

وقد أشاد حفظه الله بالشرف المنيف لهذه الدولة في خدمة الحرمين الشريفين وتحقيق تطلعات المسلمين في دوام الراحة والطمأنينة لهم في أداء مناسك الحج والعمرة بكل يسر وسهولة.

أخوة الإيمان: هذه بعض مضامين خطاب خادم الحرمين الشريفين، الواثق بالله ثم برجاله في تحمل المسؤولية؛ والمضي إلى الأمام من دون خوف أو تردد، والأخذ بهذه البلاد إلى الأحسن والأفضل، وهذا هو المؤمل، ونحن على ثقة بالله جل وعلا أن عهده سوف يكون من أفضل العهود التي مرت علينا.

أسأل الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وأن يمد في عمره على طاعته، وأن يمتعه بالصحة والعافية، وأن يجزيه عنَّا وعن جميع المسلمين خير الجزاء.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جلَّ من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

الجمعة:29-5-1436هـ