خطبة بعنوان: (عاصفة الحزم – دروس وعبر-) بتاريخ 5-7-1436هـ

الثلاثاء 7 جمادى الآخرة 1440هـ 12-2-2019م

 

 

 

الخطبة الأولى :

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا،{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(الحشر: 18).

عباد الله: اعلموا أن التدافع بين الحق والباطل أمر لابد منه إلى يوم القيامة، فإن وجود أحدهما يستلزم مزاحمة الآخر ودفعه وإزالته، أو إضعافه ومنعه، قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ}(البقرة: 251).

فأهل الباطل يتربصون بأهل الحق، ويسعون إلى إذلالهم وسحقهم، وصد الناس عنهم بشتى الوسائل والأسباب، قال جل وعلا:{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}(البقرة: 217)، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}(الأنفال: 36).

فكان ولابد من أهل الحق أن يتخذوا الأسباب الجالبة لعزهم ونصرهم وتمكينهم.

عباد الله: إن عاصفة الحزم التي قام بها التحالف الدولي المسلم وعلى رأسهم بلاد الحرمين الشريفين ضد جماعة الحوثيين في اليمن والتي أظهرت للعالم كله قوة الأمة الإسلامية عند اجتماعها ووحدة صفها،ترتب عليها دروس مستفادة ينبغي أن نعلمها، ومن ذلك:

الأول: أنه لابد أن يكون للحق قوة تحميه من طغيان الباطل وأهله، وهذا لن يتأتى إلا باجتماع أمة الإسلام وتكاتفها وتعاضدها وتلاحمها وتناصرها، ألم يقل الله جل وعلا:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا..}(آل عمران: 103)، فهي أمة واحدة، ودينها واحد، وربها واحد، وكتابها واحد، فالاجتماع فيه خير عظيم، من إخافة وإغاظة لأعدائها.
فكان ولابد من تحصيل القوة لصد عدوان المعتدين، ونصرة المظلومين، وحماية الدين والعرض والأنفس والأموال من الطغاة والمتكبرين والظالمين، ليعلوا الحق ويزهق الباطل، ألم يقل الله جل وعلا:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ } (الأنفال: 60)، وقال صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ) (رواه البخاري ومسلم). وقد وعد الله عباده المؤمنين بالنصر والتمكين لدينهم إذا هم أقاموه في حياتهم ونصروه وأعزوه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد: 7).

الدرس الثاني: لا ينفع مع العدو منطق الحوار إلا إذا عجزوا وسلبت قوتهم، وإلا فهم يتعالون ما دام أن لهم قوة، ولقد استغاث إخواننا الأشقاء من أهل اليمن مما آلت إليه أوضاعهم من فوضى وتدمير وقتل واحتلال لأراضيهم على يد فئة ظالمة باغية من الحوثيين الروافض؛ نقضت العهود والمواثيق حتى أوشكت بلادهم أن تسقط في أيدي تلك الفئة الباغية, فكان من حكمة ولي أمر هذه البلاد وقائدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله, أنه لبى تلك الاستغاثة فقاد تحالفاً دولياً سماه (عاصفة الحزم), نجح في القضاء على أغلب قواعدها ومعداتها العسكرية، وتدمير صواريخهم، بل وعمل على تشتيتهم وإضعافهم، إنَّ استنقاذَ اليمن من براثن الاحتلالِ الإيرانيِّ الصفويِّ الأثيم واجبٌ شرعي، يلزم أهل اليمن باختلافِ راياتهم أن يُجمِعوا أمْرَهم على تخليصِ بلادهم من المشروع الفارسيِّ البغيض.

الدرس الثالث: إن طائفة الشيعة الإمامية الإثني عشرية من أخطر الطوائف وأكثرها عداءً لأهل السنة والجماعة، وهؤلاء عندهم منَ الشِّركيَّات والكُفريات ما يُخرِج عن دائرة الإسلام، وقد نجحت هذه الطائفة في إقامة كيانات تابعة لها في كثير من البلدان العربية والإسلامية لنشر التشيع وحمايته وفرضه على المسلمين، وتُعد دولة إيران الصفوية اليوم من أكثر الدول تبنياً ودعماً لهذا المشروع الفاسد.

وهذه الطائفة عندها من الغدر والخيانة للإسلام والمسلمين، والتعاون مع أعداء الإسلام أكثر من أن تحصى أو تعد، ولا أدل على ذلك من احتلال التتار لبغداد بإيعاز من الوزير ابن العلقمي الرافضي، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عنهم: “وكذلك إذا صار لليهود دولة بالعراق وغيره، تكون الرافضة من أعظم أعوانهم، فهم دائما يوالون الكفار من المشركين واليهود والنصارى، ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم”. فلابد من التحذير منهم، والوقوف صفاً واحداً أمامهم لمنعهم من الانتشار والتمدد في بلاد المسلمين.

الدرس الرابع: أن ما أصاب أمة الإسلام وشعوبها من ذل وهوان، وآلام وعقوبات وفتن وابتلاءات، وتسلط الكفار والفجار، إلا بسبب البعد عن منهج الله جل وعلا، وهجر سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وترك الأوامر والنواهي، وانتشار الفواحش والموبقات، وكثرة الذنوب والمعاصي. والناظر بعين الإنصاف والبصيرة يعلم أن ما أصاب المسلمين إنما هو من جراء أنفسهم وذنوبهم، كما قال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}(الشورى:30)، وقال:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}(آل عمران:165). إن تلك المصائب والأحداث ما هي إلا نذر للمسلمين لكي يعودوا ويرجعوا إلى تصحيح حالهم مع خالقهم، ورفع المظالم وإقامة العدل، وتطبيق شرع الله، ونصرة الدين وأهله.

الدرس الخامس: عدم الاغترار بالقوة والسلاح والعتاد، فلن تنفع إلا بعون الله وتوفيقه، وأن النصر لا يـتأتى إلا بحوله وقوته، قال تعالى:{ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}(آل عمران: 126). فإذا لم ينزل النصر والتوفيق من الله تعالى فلن تغني كثرة العدة والعدد كما قال تعالى:{لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الأنفال: 25 ــ 27). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:

فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون: واعلموا أن التقوى خير زاد ليوم المعاد.

عباد الله: ومن الدروس المستفادة من عاصفة الحزم :

السادس: تعليق القلوب بالله تعالى وحده، والإلحاح عليه في الدعاء, ولزوم الاستغفار والتوبة، واللجوءِ إليه، والاعتصامِ بحَبْلِه، والثقةِ بنَصْرِه وبوعده، والوفاءِ بشَرْطه؛ كما قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد:7) وقال تعالى:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج: 40)، وقال جل وعلا:{واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(يوسف: 21).

أسأل الله جل وعلا أن يوفق ولي أمرنا لكل خير, وأن يحفظ جنودنا ويسدد رميهم, وأن يجعل النصر حليفهم، وأنْ يَحفظَ على أهلَنا في اليَمنِ أمنهم وأمانهم، وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وأنْ يَجمعَ على الحقِّ كَلِمتَهم, وأن ينصر دينه، وأن يعز أولياءه.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جلَّ من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

الجمعة:5-7-1436هـ