خطبة بعنوان: (توجيهات وتنبيهات حول زكاة بهيمة الأنعام) بتاريخ 28-6-1436هـ
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا،{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(الحشر: 18).
عباد الله: فرض الله جل وعلا الزكاة على عباده طاعة له وشكراً على ما وهبهم من نعمة المال، فهي ركن عظيم من أركان الإسلام، وصورة جميلة من صور التَّكَافُل الاجتماعي الذي يحفظ على المجتمع تَوَازُنه بالعَطْف والمودَّة والإيثار ونَبْذ جميع صور الحقد والحسد والتباغض.
وعلى كل مسلم وجبت عليه أن يخرجها ويؤديها حتى يستقيم إسلامه، ويتم إيمانه، وتصلح عقيدته، ولا يقبل منه إلا ذلك.
وهي واجبة على الأغنياء وأصحاب الأموال، وحق للفقراء والمساكين.
وهي شعار الباذلين الصادقين المخلصين، وديدن الصالحين، وطريق الفائزين،.
يخرجها المسلم استجابة لأمر ربه، وشكراً له على نعمه، وطلباً لمرضاته، وتأدية لحقوق خلقه، ومسارعة إلى جنته .
وللزكاة يا عباد الله: فضائل عظيمة، وآثار اجتماعيَّة كريمة، ومن ذلك:
أولاً: تطهير نفس الغني وماله، قال تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(التوبة: 103)، وهي كذلك تطهير لنفوس الفقراء وقلوبهم من الحقد والحسد على أصحاب الأموال؛ بسبب فاقتهم وحِرْمانهم.
ثانياً: إرساء قواعد البِرِّ والتعاوُن ونشر المودة والرحمة بين المسلمين،.
ثالثاً: أنها سببٌ في دخول مُنفقها جنات النعيم، فقد جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: دُلّني على عمل إذا عملته دخلتُ الجنة، قال:(تعبد الله ولا تُشْرِك به شيئًا وتقيم الصلاة المكتوبة وتُؤدِّي الزكاة المَفْرُوضة وتَصُوم رمضان)، قال: والذي نفسي بِيَده، لا أزيد على هذا، فلمَّا وَلَّى قال:(مَن سَرَّه أنْ ينظرَ إلى رجلٍ من أهل الجنة، فَلْيَنْظُر إلى هذا)(رواه البخاري).
رابعاً: تحصيل الفَلاَح والنجاح في الدنيا والآخرة، قال جل وعلا:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}، ثم ذكر منهم:{وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}(المؤمنون: 4)، ثمَّ أَرْدَفَ على ذلك قائلاً:{أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (المؤمنون: 10، 11).
عباد الله: لقد حذَّرَ الشَّارع الحكيم من مَنْع الزَّكاة؛ وتوعد مانِعيها بأشد الوعيد؛ قال تعالى:{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}(فصلت: 6، 7)، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}(التوبة: 34، 35).
وقال صلى الله عليه وسلم:(..والذي نفسي بِيَدِه، لا يموت رجل فَيَدَع إِبِلاً، أو بَقَرًا، لم يُؤَدِّ زكاتها إلاَّ جاءَتْهُ يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه، تَطَؤُه بِأَخْفافِها، وتنطحه بِقُرُونها، كلَّما نَفِدَتْ أُخْراها عادَتْ عليه أُولاَهَا، حتى يُقْضَى بين الناس)(رواه التِّرمذي).
وقال صلى الله عليه وسلم:(ما مِن صاحب ذَهَبٍ، ولا فِضة، لا يُؤَدِّي زكاتها، إلاَّ كانتْ يوم القيامة صُفِّحَتْ له صفائح من نار، فأُحْمِيَ عليها في نار جهنم، فَيُكْوَى بها جَنْبه، وجَبِينه، وظَهْره، كلَّما بَرَدَتْ أُعِيدَتْ له، في يومٍ كان مقدارُهُ خمسينَ ألف سنة، حتى يُقْضَى بين العباد، فيُرى سبيلُه؛ إمَّا إلى الجنة، وإما إلى النار)(رواه مسلم).
عباد الله: اعلموا رحمكم الله أن هناك أحكاماً هامة لإخراج زكاة بهيمة الأنعام ومن ذلك:
أولاً: وجوب النية عند إخراج الزكاة، لأنها إن لم تكن بنية الفرض عُدت تطوعاً وما أجزأت عن الواجب .
ثانياً: بلوغ النصاب الشرعي للأنعام، ومرور حول كامل عليها عند مالكها، وأن تكون سَائِمة وهي التي يكون غذاؤها على الرعي من نبات الأرض، والكلأ المباح، أما إن كان غذاؤها مما يزرعه هو فلا تُعَدّ سائمة ولا زكاة فيها إلا إذا أعدها للبيع، فهنا تزكى زكاة عروض التجارة.
ثالثاً: أن تكون مُعَدَّةً للاستفادة منها وهي سائمة، لا أن تكون عاملة، أما إذا أُعِدَّت للتأجير فإن الزكاة تكون فيما يحصل من أجرتها، إذا حال عليها الحَوْل.
رابعاً: أقل نصاب الإبل خمس، وفيها شاة، ومن عشر إلى أربع عشرة شاتان، ومن خمس عشرة إلى تسع عشرة فيها ثلاث شياه، ومن عشرين إلى أربع وعشرين فيها أربع شياة، ومن خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين فيها بنت مخاض تم لها سنة، ومن ست وثلاثين إلى خمس وأربعين فيها بنت لبون تم لها سنتان، ومن ست وأربعين إلى ستين فيها حقة تم لها ثلاث سنوات، ومن إحدى وستين إلى خمس وسبعين فيها جذعة تم لها أربع سنين، ومن ست وسبعين إلى تسعين فيها بنتا لبون، ومن إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين فيها حقتان، وما زاد على ذلك في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.
خامساً: تجب الزكاة في البقر إذا بلغت ثلاثين، وفيها تبيع أو تبيعة، وهو ما تم له سنة ودخل في الثانية، ثم في أربعين مسنة، وهي ما تم له سنتان ودخلت في الثالثة، وفي ستين تبيعان، وفي سبعين تبيع ومسنة، وهكذا في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة.
سادساً: تجب زكاة الغنم إذا كانت سائمة ــ أي راعية للمباح جميع السنة أو أكثرها ــ فإذا بلغت أربعين رأساً ففيها رأس واحد، جذع ضأن أو ثني معز إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة وجب فيها رأسان إلى مائتين، فإذا زادت عن مائتين واحدة ففيها ثلاثة رؤوس، وبعد ذلك في كل مائة شاة.
سابعاً: القيمة لا تجزيء في زكاة الأنعام في أصح قولي العلماء، ولا بد من إخراج الزكاة من جنسها، فتُملَّكُ للفقير، وفي هذا براءة لذمة المزكي بيقين، لكن إذا طلب ولي الأمر إخراج قيمتها عن طريق جباة الزكاة، فله إخراج القيمة.
ثامناً: يجوز للمزكي أن يعطي الشاة الواحدة لأكثر من فقير إذا كان في ذلك مصلحة.
تاسعاً: لا يجوز للمزكي أن يخرج زكاة أنعامه ذكوراً إذا كان في النصاب إناث، بل يجب أن يخرج زكاته من وسط إناث سائمته.
عاشراً: لا يجوز للشخص أن يجمع أمواله الزكوية أو يفرقها من أجل الفرار من الزكاة، أو من أجل إنقاص الواجب فيها، لقوله صلى الله عليه وسلم (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة)(رواه البخاري). ولا يسقط ذلك عنه الواجب، بل هو آثم وعليه بقية الواجب. والقاعدة عند أهل العلم (أن التحايل لإسقاط الزكاة لا يسقطها).
قال تعالى،{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }(التوبة: الآية 103).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون: واعلموا أن التقوى خير زاد ليوم المعاد.
عباد الله: ومن أحكام زكاة بهيمة الأنعام ما يلي:
الحادي عشر: صغار الماشية تتبع أمهاتها في حولان الحول، فلو ولدت الشياه عدداً كبيراً بعد تمام النصاب حسبت هذه الصغار وإن لم يكن مرَّ عليها إلا أيامٌ يسيرة.
الثاني عشر: تزكى الماشية سواء كانت لكبير أو صغير، أو ذكر أو أنثى، أو مجنون.
الثالث عشر: الماشية إذا كانت ثلثاً لميت لا زكاة فيها مهما كثرت وتنامت.
الرابع عشر: الواجب في الزكاة أن يكون من وسط المال، لا من خياره، ولا من شراره، فيجب على الساعي مراعاة السن الواجبة، إذ لا يجزئ أقلّ منها؛ لأنه إضرار بالفقراء، ولا يأخذ أعلى منها؛ لأنه إجحاف بالأغنياء، ولا يأخذ المريضة، والمعيبة، والكبيرة الهرمة؛ لأنها لا تنفع الفقير، وبالمقابل لا يأخذ الأكولة، وهي السمينة المعدّة للأكل، ولا الرُّبى، وهي التي تربي ولدها، ولا الماخض وهي الحامل، ولا خيارها التي تحرزها العين؛ لأنها من كرائم الأموال، وأخذها إضرار بالغني؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ)(رواه البخاري).
الخامس عشر: ينبغي أن تحسن الجهة المسئولة اختيار السُّعاة والجباة، بأن يكونوا متصفين بالأمانة والأهلية، عالِمين بأحكام الزَّكاة؛ حتى لا يقعوا في أخطاء شرعية، وحتى لا يحصل ظلم لمن تجبى منهم الزكاة، أو بخس لحق بيت المال.
وينبغي على هؤلاء الجباة والسُّعاة أن يسلموا إلى بيت المال كل ما يجمعونه ويأخذونه من الناس؛ لقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:(من استعملناه منكم على عمل فكتمَ مِخْيطًا فما فوقه، كان غُلولاً يأتي به يوم القيامة)، و(المِخْيط): الإبرةُ، و(الغُلول): الخيانة (رواه مسلم).
عباد الله: لقد كان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إخراج السعاة لجباية الزكاة، ومشى على ذلك خلفاؤه من بعده، وبلادنا تسير على هذا النهج؛ فولي الأمر يخرج السعاة غرَّة شهر رجب من كل عام، فعلينا أن نتعاون معهم، وأن نؤدي ما وجب علينا طهرة لأموالنا.
أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جلَّ من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. ا
الجمعة:28-6-1436هـ