خطبة بعنوان: (توجيهات في أيام الاختبارات) بتاريخ 4-8-1436هـ

الثلاثاء 7 جمادى الآخرة 1440هـ 12-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }(آل عمران: الآية 102).

عباد الله: يسير العبد في هذه الدنيا سيراً حثيثاً إلى الله جل وعلا، {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ}(الانشقاق: الآية 6)، فمنهم الظالم لنفسه، ومنهم المقتصد، ومنهم السابق بالخيرات بإذن الله، وعلى قدر ما يقدمه العبد في الدنيا من العمل الصالح، يكون أثر ذلك عليه في الآخرة. وقد ذكر الله جل وعلا في سورة الواقعة تقسيم الناس إلى ثلاثة أصناف: السابقون، وأصحاب اليمين، وأصحاب الشمال. فالسابقون قلّة، وأهل اليمين كثير، وأهل الشمال أكثر وأكثر.. وكلٌ له درجته على حسب ما عمل وقدم.

وهكذا طلابنا وطالباتنا يختلفون في مستوياتهم عند نهاية الاختبارات وظهور الدرجات، فكل واحد منهم تظهر نتيجته وثمرة جهده على قدر ما قدم وبذل، وتعب وسهر، ودرس وذاكر.

فالقليل منهم سابقوا إلى حصد المراكز الأولى، ممن كان هدفهم الوصول والمسابقة إلى القمة بعد اجتهاد وسعي حثيث، وأما الأقل منهم فهؤلاء اجتهدوا وقصروا، وأما قليلي الدرجات والراسبون فهؤلاء أضاعوا أوقاتهم وفرطوا كثيرا، فعاد عليهم ذلك بالوبال والخسران، والمعروف عند الناس أنه على قدر الجد والاجتهاد يصل العبد إلى مبتغاه، فمن جد وجد، ومن زرع حصد.

عباد الله: ونحن في نهاية هذا العام الدراسي يستقبل طلابنا وطالباتنا اختباراتهم بخوف وقلق ورهبة، خوف من صعوبة الامتحان، وقلق من قلة المذاكرة، ورهبة من نتيجته الحتمية التي ينتظرونها، حتى تكاد ترى استنفارا في كثير من البيوت استعدادا لها.

وهذه الاختبارات ـ برغم عنائها وجهدها ـ إلا أنها تعتبر مدرسة حقيقية يتربون فيها على بذل الأسباب للوصول إلى أحسن النتائج وأعلى الدرجات. لذا فإني أوصي طلابنا وطالباتنا ــ إذا أرادوا النجاح والتفوق ــ أن يأخذوا بتلك الأسباب، وهي كما يأتي:

أولاً: عليكم بالجد والاجتهاد في التحصيل والمذاكرة، مع إخلاص النية لله تعالى حتى تنالوا الثمرة الطيبة وتحوزوا أسمى الجوائز والتكريمات، ولتعلم الدنيا كلها أنكم ــ يا أحفاد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أهلٌ للتفوق والابتكارات والاختراعات، وأن ديننا هو مصدر تفوّقنا وتميّزنا.

ثانياً: احرصوا على تقوى الله جل وعلا، فهي رأس مالكم، وهي خير معين لكم على التفوق والنجاح، وتذكروا قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}(الطلاق: الآية 4).

ثالثاً: احرصوا على برِّ والديكم وطلب الدعاء منهم، فدعائهم مستجاب، فقد قال صلى الله عليه وسلم:(ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ: وذكر منهم: وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ)(رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني).

رابعاً: أحسنوا الظن بربكم، وتوكلوا عليه حق التوكل، فهو خير معين لكم للوصول إلى ما تتمنون من الفلاح، وأنكم إذا اجتهدتم وأخذتم بالأسباب فأبشروا بالخير.

خامسًا: احرصوا على طاعة الله تعالى، وألحوا عليه بالدعاء، فهو القريب المجيب، الذي ييسر أموركم، ويسهل عليكم اختباركم، {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }(غافر: الآية 60).

سادساً: إياكم والقلقَ وعدم الثقة بالنفس، فهي قاصمة الظهر، وما دمتم أنكم اجتهدتم وبذلتم الأسباب فتفاءلوا خيرا.

سابعًا: احذروا من مصاحبة الكسالى والبطالين والمثبطين، واربئوا بأنفسكم عن مجالستهم، فهم من أعظم الأسباب في عدم الوصول إلى التقدم والنجاح.

ثامنًا: لا تكثروا من السهر، فهو مرض فتاك يضيع ثمرة المذاكرة، وينسي الكثير من المادة العلمية، ويكون عاملاً قوياً في عدم التركيز والتأني في الجواب.

تاسعاً: إذا دخلتم قاعة الاختبار فعليكم بالسكينة والهدوء والاطمئنان، وأكثروا من ذكر الله، وتأنوا في قراءة أسئلة الامتحان، والتفكر في الجواب، واستمدوا العون من الله الكريم المنان.

عاشراً: احذروا من الغشّ، فهو محرم شرعا لقول نبيكم صلى الله عليه وسلم:(من غشنا فليس منا) (رواه مسلم)، واعلموا أنه حيلة العاجزين وطريق الفاشلين، وصفة ذميمة لا تليق بشباب المسلمين.

الحادي عشر: لا يغتر أحدكم بملكة حفظه أو ما بذله من جهد، بل عليه أن يتبرأ من حوله وقوته، وأن يلقي بحمله على الله في تيسير امتحانه، والوصول إلى الجواب المناسب له.

الثاني عشر: اعلموا أنه بقدر تحصيلكم وتفوقكم الدراسي ووصولكم إلى أعلى المراتب تحققون طموحاتكم، وتُوكّل إليكم المسؤوليات لخدمة دينكم ووطنكم ومجتمعكم.
أسأل الله تعالى أن يوفقكم لخيري الدنيا والآخرة.

عباد الله: ورسالتي إلى الآباء والأمهات، فأقول لهم:

أولاً: عليكم أن تجعلوا جانب التوفيق الإلهي والدّعاء نصب عيني أولادكم، وأن ترسّخا ذلك في نفوسهم، ففي ذلك خير عظيم لهم في الدنيا الآخرة.

ثانياً: لا تجعلوا نجاح أبنائكم أو إخفاقهم في الامتحان علامة على النجاح أو الفشل، بل اجعلوه وسيلة لتحصيل العيش في هذه الحياة والوصول إلى الدار الآخرة، فبعض الآباء والأمهات ـ هداهم الله ـ إذا نجح أحد أبنائهم كالوا له أنواع المديح والثناء، وإذا أخفَق ورسب عاتباه وأنّباه وعاقباه وكأنه أجرم جرماً عظيماً، فيكون ذلك سبباً في كرهه وبغضه لطلب العلم والسير في طريقه.

ثالثاً: إياكم وزرع رهبة الامتحانات في صدور أبنائكم ولا تجعلوها شبحاً وكابوسًا في حياتهم، بل عليكم بتهوين أمرها، وتحبيبهم فيها، والتعاون معهم، والرفق بهم، وإخبارهم بأنها مرحلة انتقال إلى الأحسن في حياتهم، للوصول إلى أحسن النتائج وأفضل الدرجات.

رابعاً: انتبهوا لأولادكم خلال هذه الفترة، فهناك من يتربص بهم ويريد لهم الشر، وتعانوا مع المدرسة في معرفة موعد خروجهم لئلا يقعوا فريسة في أيدي الفاسدين والفاسقين.
أسأل الله تعالى أن يعين الجميع على كل خير.

بسم الله الرحمن الرحيم:{ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(سورة العصر).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن تقوى الله خير زاد ليوم المعاد.

عباد الله: ورسالتي إلى المعلمين والمعلمات والمربين والمربيات، فأقول لهم:

أولاً: عليكم بالإخلاص لله تعالى في عملكم , والرغبة في تحقيق التفوق لطلابكم، ولا تبخلوا عليهم بالتوجيه والتشجيع لرفع معنوياتهم, وتعزيز ثقتهم بأنفسهم .

ثانياً: كونوا أحرص ما يكون على إزالة الخوف من نفوسهم، وبث الطمأنينة في قلوبهم، وتبشيرهم بما هم عليه من الجد والاجتهاد للوصول إلى أعلى المراتب والدرجات.

ثالثاً: اعلموا أن الامتحان وُضع لقياس المهارات والقدرات عند الطلاب, فابتعدوا قدر استطاعتكم عن وضع الأسئلة المعقدة والصعبة التي لا يستطيعون فهمها أو حلها، بل وسطوا أموركم في ذلك بحيث تجعلوا الطلاب مقبلين عليها فرحين بحلها.

رابعاً: اعلموا أنكم على ثغر من ثغور الإسلام، وعلى قدر حرصكم على نجاحهم وتفوقهم وإيصالهم لأفضل مراحل التعلم فأنتم على خير ولكم الأجر العظيم والثواب الجزيل عند الله جل وعلا. أسأل الله جل وعلا أن يعينكم وأن يسددكم وأن يوفقكم لما فيه الخير لهم ولدينهم ووطنهم ومجتمعهم.

عباد الله: لقد هل علينا شهر شعبان بما يحمله من خير، فهو شهر أحبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضَّله على غيره من الشهور؛ وكان يكثر فيه من الصيام، فقد روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ” كان رسول الله يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان”.

وروى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:”ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان”، وفي رواية عن النسائي والترمذي قالت: “ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلاً، بل كان يصومه كله”. فاحرصوا بارك الله فيكم على صيام أكثر أيامه اقتداءً بنبيكم صلى الله عليه وسلم، وتحصيلاً للأجر العظيم المترتب على صومه. أسأل الله جل وعلا أن يبارك لنا في شعبان، وأن يبلغنا رمضان، وأن يرزقنا وإياكم حسن الختام. هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦)

الجمعة:4-8-1436هـ