خطبة بعنوان: (توجيهات حول الإجازة) بتاريخ 18-8-1436هـ
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (الحشر: الآية 18).
عباد الله: اعلموا أن الحياة الدنيا دار ممر، وأنها مرحلة مؤقتة للانتقال إلى دار القرار، إما إلى نعيم وإما إلى عذاب مقيم، والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، والناصح لنفسه هو من جاهدها وأدى الحق الذي عليه لله، وابتعد عن مساخطه وغضبه .
فاتقوا الله واعلموا أن أعماركم هي رؤوس أموالكم، وأن اليوم الذي يمر من حياتكم يقربكم إلى النهاية المحتومة التي كتبها الله جل وعلا على خلقه، فمن تزود بالخير فاز بالحياة الطيبة في الدنيا، والجزاء الحسن في الدار الآخرة، وأما من أساء وظلم، وفرط وضيع، فلا يلومن إلا نفسه، قال الله جل وعلا{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ* وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }(النمل: الآيتان 89، 90).
عباد الله: وها هي إجازة الطلاب قد حلَّت، وبدأ الجميع يستعد للنظر في أي الاتجاهات يمضي، وإلى أي الدول يسافر، وفي أي مكان يستمتع، وهذا هو ديدن الناس جميعاً، فهم يتركون أماكن إقامتهم ويسافرون مِن أجْل الترويح والاستجمام، ودفْع السآمة عن النفْس، وهروبًا من شِدَّة الحر وأذى الصيف، فقد ورد عن أبي الدَّرْداء رضي الله عنه أنه قال: “إني لأستجِمُّ نفسي بشيءٍ من اللهوِ غيرِ المحرَّم، فيكون ذلك عونًا لي على الحقّ”.
وقال عليُّ بن أبي طالِب رضي الله عنه: “أجِمُّوا ــ روِّحوا ــ هذه القلوب، والتمِسوا لها طرائفَ الحِكمة، فإنَّها تملُّ كما تملُّ الأبدان”.
غير أنَّهم يتفاوتون في ذلك:
فالبعض منهم يبحث عما يعود عليهم بالخير والنفع، واستثمار الوقت، فتراهم يستغلون هذه الإجازة في السفر إلى مكة لأداء العمرة، والصلاة في الحرم، والجلوس فيه لذكر الله وتلاوة القرآن، والدعاء، والصدقة، والتزود من الحسنات الماحيات، فهم يستحضرون قول الرسول صلى الله عليه وسلم (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)(رواه البخاري ومسلم)، وكذا زيارة المدينة النبوية والسلام على الحبيب صلى الله عليه وسلم، والصلاة في مسجده لما يترتب على ذلك من فضل عظيم وأجر جزيل، وكذا زيارة الأقارب وصلة الأرحام.
والبعض الآخر يسافر إلى الطائف وأبها وغيرهما من الأماكن الباردة للتمتع بالجو الجميل فيها، والنظر إلى الجمال الرباني الذي حباهما الله به من خضرة ومطر وجمال طبيعة .
والبعض يسافر إلى المدن الساحلية كجدة والدمام وينبع وغيرها للتمتع بجو البحر الهادىء، والسباحة والغطس وصيد السمك، ولكن على هؤلاء أن يحفظوا أبصارهم عما حرم الله عليهم من النظر إلى النساء الأجانب، استجابة لقوله تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}(النور: 30 31)، وعليهم أن يبتعدوا عن أماكن الاختلاط فهي والله من أخطر ما يؤثر على الأولاد.
والبعض يجمع بين كل ذلك في سفرة واحدة، فيقسم أيام إجازته بين الذهاب إلى مكة لأداء العمرة، وكذا زيارة المدينة النبوية، وغيرها من المدن والمحافظات ليدخل على أهله الفرح والسرور، وهؤلاء جميعاً على خير إذا أحسنوا النية لله.
وأقول لهم مذكراً: لا تجعلوا إجازتِكم إجازةً للمعاصي وإغضابِ الربِّ سبحانه، فالمسلِم ملتزمٌ بدِينه وخُلقه أينما حلَّ وارتحل، فلابد من حفظ النفس والأهل عما حرم الله، وذلك بالعمل على إبعادهم عن أماكن الاختلاط واللهو المحرم؛ وليتذكر كل واحد ممن ولاه الله أمر أهله وأولاده قوله جل وعلا، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } (التحريم: الآية 6)، وقوله صلى الله عليه وسلم:(أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (رواه البخاري ومسلم واللفظ له).
عباد الله: على كل من أراد السفر أن يتذكر بعض الآداب والأحكام ليكون سفره على خير، ومن ذلك:
أولاً: النية الصالحة، فكل عمل يؤديه العبد ابتغاء وجه الله يؤجر عليه وإن كان لهواً مباحاً.
ثانياً: الاستعداد والأخذ بالأسباب عند إرادة السفر، وذلك بالتأكد من صلاحية السيارة وصيانتها والنظر في كفراتها وغير ذلك.
ثالثاً: تقوى الله جل وعلا، والخوفُ من معصيته، والبعدُ عما يغضبه، وبذلُ الأسباب التي ترضيه.
رابعاً: تذكير الأهل والأولاد بفضل الله ونعمه، وأنه سخر هذه النعم التي بين أيديهم لطاعته وشكره.
خامساً: تذكيرهم بأدعية السفر، والحرص على ذكر الله تعالى، والاستفادة من الوقت فيما ينفعهم سواء كان ذلك في السيارة أو في غيرها، عن طريق المسابقات الترفيهية، والمناقشات المفيدة، والقصص الهادفة، وتخصيص جوائز لذلك تشجيعاً لهم.
سادساً: حث الأهل والأولاد على التأمَّل في مخلوقات الله جل وعلا، والتعرف على عظيم قدرته وبديع صنعته، وتعليق قلوبهم به سبحانه.
سابعاً: الإكثار مِنَ الدعاء أثناء السفر؛ فقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم:(ثلاثُ دعواتٍ يستجاب لهنَّ لا شكَّ فيهن: دَعْوة المظلوم، ودَعْوة المسافِر، ودعوة الوالِد لولدِه)(رواه ابن ماجه).
ثامناً: بعض المسافرين يقفون في بعض الأماكن على طريق السفر إما للصلاة أو للاستراحة، فعليهم أن يتذكروا وصية النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله:(إذَا نزَل أحدُكم منزلاً فليقلْ: أعوذ بكلماتِ الله التامَّاتِ من شرِّ ما خَلَق، فإنَّه لا يضرُّه شيء حتى يرتحلَ منه)(رواه مسلم)، فإن فيها خير عظيم.
تاسعاً: اعلموا أن أعماركم هي رؤوس أموالكم، فهي غنيمة يجب المحافظة عليها، فلا تضيعوها فيما لا ينفع، بل احرصوا قدر المستطاع على استغلالها فيما ينفعكم ويقربكم إلى ربكم جل وعلا.
بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(العصر).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فيأيها المؤمنون والمؤمنات: وصيتي لكم في مثل هذه الإجازات أن تنتبهوا لأولادكم، فهم نعمة ومنة من الله تعالى يجب المحافظة عليها، ولقد حملكم الله تعالى مسؤولية تربيتهم وتنشئتهم على الخير والعبادة، فإذا أحسنتم رعايتهم وتربيتهم وتوجيههم جنيتم من وراء ذلك ثواباً وأجراً عظيماً.
وليعلم كل من فرط في حق أهله وأولاده في مثل هذه الإجازات أو غيرها ممن شغلته أعماله أو سفراته عنهم أن الله جل وعلا سائله عما استرعاه، فكم من أب ترك الحبل على الغارب لأولاده ذكوراً وإناثاً يخرجون متى شاءوا ولا يعلم مع من خرجوا، ولا أين ذهبوا، ومع من جلسوا، والبعض يتركهم يسهرون إلى آخر الليل وينامون أكثر النهار وربما ضاعت عليهم كثير من الصلوات بسبب ذلك.
وأقول لأبنائنا وبناتنا: اعلموا أنكم ذخر الأمة وعمادها وسر نهضتها وبناة مجدها ومستقبلها، فبصلاحكم واستقامتكم تصلح الأمة وتستقيم، فعليكم بحفظ أوقاتكم بما يعود عليكم بالنفع والخير، وإياكم والفراغ والبطالة فإنهما أصل كثير من الانحراف ومصدر أكثر الضلال، وابتعدوا عن الصحبة السيئة من الغالين أو المفرِّطين، واجتنبوا الأفكار الهدامة التي تتسبب في زعزعة أمن واستقرار بلادكم، وأقبلوا على علمائكم ودعاتكم، وانتفعوا بما يقولونه لكم، فإن الخير كل الخير في سلوك طريقهم والأخذ من معينهم.
عباد الله: إن ما حدث من تفجير في حي العنود بالدمام، وما ترتب عليه من قتل لأنفس بريئة معصومة، وإفزاع وتخويف للناس عمل إجرامي آثم، وهي جريمة عظيمة في حق الوطن والمواطنين يترتب عليها من المفاسد ما الله به عليم.
واعلموا رحمكم الله أن أعداء هذه البلاد يتمنون لها عدم الاستقرار، ويجتهدون في زعزعة الأمن، وبث الشر والفساد والدمار، ولن يتحقق لهم ذلك إذا خلصت النيات، وتضافرت جهود الجميع في الوقوف صفاً واحدا مع ولاة الأمر وتصدى الجميع لتلك الأعمال الإرهابية المجرمة ومنعوها بكل وسيلة متاحة.
أسأل الله جل وعلا أن يحفظ شبابنا من كل شر وفتنة، وأن يحفظ علينا ديننا وأمننا واستقرارنا وولاة أمرنا وعلمائنا، وأن يديم علينا وحدة الصف واجتماع الكلمة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة:18-8-1436هـ