66 – المسائل الفقهية لأصحاب الرحلات البرية

الأربعاء 19 رجب 1445هـ 31-1-2024م

 

66  –  المسائل الفقهية لأصحاب الرحلات البرية pdf

 

 

 

المسائل الفقهية

لأصحاب الرحلات البرية

تأليف

أ. د/ عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة

وأصول الدين بجامعة القصيم

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله الذي جعل الأرض ذلولًا نمشي في مناكبها، والأنعام حَمولةً نستوي في مراكبها، والسماء بناءً نهتدي بكواكبها؛ نحمده على نعمه التي فتح أبواب مطالبها، ومننه التي قرن مستقبلها بذاهبها .

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، الحائز من العلا أشرف مراتبها، وعلى آله وصحبه، ما ترددت النجوم في مطالعها ومغاربها ، وبعد :

فهذا كتاب للغريب أنيسٌ، وللوحيد جليسٌ؛ يكون رفيقًا لأصحاب الرحلات البرية في ترحُّلهم، معينًا لهم على قضاء وطَرهم، مؤنسًا لهم بفوائده، مساعدًا لهم في مصادره وموارده.

سميته بــ (المسائل الفقهية لأصحاب الرحلات البرية)، أشار عليَّ به بعض الإخوة الفضلاء في رحلة حج عام 1430 هـ ، مع حملة الرسالة المباركة، وقد وجدت إشارتهم في محلها، وطلبت منهم ذكر بعض ما يقترحون من مسائل وأحكام ، فكتبوا إليّ مشكورين في ذلك، فاستخرت الله – جل وعلا – واستعنت به على تأليفه ، ناسجًا له على غير منوال، منشئًا له على غير مثال.

واللهَ سبحانه وتعالى أسألُ النفعَ والإثابة عليه، وأن يجعله خالصًا لوجهه مقربًا للفوز   لديه، إنه سميع مجيب .

وإني أرجو صادقًا من كل أخ محب يطلع على هذه الرسالة أن يفيدني بما يراه مناسبًا لتمامها وكمالها من مسائل وأحكام وفوائد وآدابٍ .

ورتبته على أربعة أبواب :

الباب الأول : في مدلول الرحلات البرية وفوائدها .

الباب الثاني : فيما يتعلق بالرحلات البرية من أحكام .

الباب الثالث : فيما يتعلق بأحكام الصيد وملحقاته .

الباب الرابع : في الآداب المتعلقة بالرحلات البرية .

 

توطئة بين يدي الرسالة

( وقفات بين يدي الإجازة )

تأتي الإجازة كلَّ عام بعد انقضاء العام الدراسي ونهاية أوقات الاختبارات، ويكون المنتسبون للتعليم من مدرسين وطلاب يتطلعون لهذه الإجازة، ويرقبون مجيئها بكل تلهف، لأنهم يرون أنهم بحاجة إلى ما يزيل عنهم عناء وتعب وإرهاق طوال العام الدراسي، ثم خاتمة ذلك أيام الاختبارات.

ولهذا تجد الناس يرتبونَ أمورهم لقضاء هذه الإجازة ، وقد اتخذوا أنماطًا متعددة من السلوك وتحقيق الرغبات والسعي فيما يُقضى فيه هذا الفراغ، وصارت هذه الترتيبات تتنوع ويزداد تنوعُّها شيئًا فشيئاَ من عام لآخر.

ولا ريب أن الفراغ نعمة من الله سبحانه وتعالى على عباده، فعَنِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: قَالَ النّبِيُّ: »نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»([1]).

والفراغ لا يبقى فراغًا أبدًا، بل لا بد له أن يُملأ بخير أو بِشرٍّ ، ومن لم يُشغِل نفسه بالحق شغلته بالباطل، وقد تنقلب نعمة الفراغ نقمة على صاحبها إذا لم يحسن الاستفادة من فراغه، ويشتد خطر الفراغ إذا اجتمع معه شباب قويُّ الغريزة، وجِدَةٌ: وهي القدرة المالية التي تمكن الإنسان من تحصيل ما يشتهي .

ومن هنا اهتم المربون والخطباء – لا سيما في زماننا هذا – بموضوع إجازة العام الدراسي، وراحوا يصفون للناس أفضل السبل وأنفع الطرق لقضائها، حتى تتم الاستفادة منها، وها أنا أضع بين يدي إخواني بعض الوقفات التي يجب مراعاتها قبل البدء في موضوع رسالتنا فأقول وبالله التوفيق :

الوقفة الأولى : مع قيمة الوقت :

إن الوقت – وهو الزمن الذي يعيشه الإنسان – نعمة عظيمة ومنحة كبرى، ذكرها الله تعالى في مواضع من كتابه، ممتنًا بها على عباده، ليستفيدوا منها، فقال سبحانه وتعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}[الفرقان :62] . أي: جعل الليل يخلف النهار، والنهار يخلف الليل، توقيتًا لعبادة عباده له، فمن فاته عملٌ في الليل استدركه في النهار، ومن فاته عملٌ في النهار استدركه في الليل.

وقد تقدم حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ»، قال العلامة المناوي رحمه الله([2]): «شَبَّهَ المكلف بالتاجر، والصحة والفراغ برأس المال، لكونهما من أسباب الأرباح، ومقدمات النجاح؛ فمن عامل الله بامتثال أوامره ربح، ومن عامل الشيطان باتباعه ضيع رأس ماله » .

وفي حديث آخر قال رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ , شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ , وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ , وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ , وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلُكَ , وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ » ([3]) .

والمراد بالفراغ في قوله صلى الله عليه وسلم : «وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلُكَ» خلو الإنسان من المشاغل والمعوقات الدنيوية المانعة من الاشتغال بالأمور الأخروية، فذلك نعمة جُلّى ولا يدخل في ذلك السعيُ في طلب الرزق ما دام ذلك لا يعطل عن القيام بحق الله عز وجل.

وهذه النصوص السابقة تدل بوضوح على عظم نعمة الزمن ، وهو ساعات العمر ولحظاته التي يعيشها الإنسان بالليل والنهار مدة حياته ، ولكن هذه النعمة لا يدرك قدرها ويستفيد منها إلا الموفَّقون من عباد الله الصالحين، الذين يعرفون قيمة العمر وثمن الحياة، فالمستفيد من نعمة الزمن هم القلة من خلق الله، وأكثر الناس مغبونون، تراهم يقتلون الأوقات، وينفقونها فيما لا نفع فيه، أو ما فيه ضرر في العاجل أو الآجل .

إن شكر نعمة الزمن أن يستفيد الإنسان من عمره ، ويحذر من إضاعته في المجالس الخاوية ، مجالس القيل والقال ، ومجالس اللهو والطرب ، ويحذر أن يكون أمره فُرطًا لا في أمر دينه ، ولا في أمر دنياه ، فتنقضي أيامه ولياليه في سهو وغفلة ، وتنقلب نعمة الفراغ نقمة يشقى بها صاحبها رجلًا كان أو امرأة.

فعلى كل مسلم أن يكسب الوقت، ويستفيد من العمل الصالح، سواء كان هذا العمل قاصر المنفعة عليه أو متعدي النفع على غيره من المسلمين ، ويحرص على طلب العلم الذي توفرت سبله، وتهيأت وسائله بفضل الله سبحانه وتعالى، وعليه أن يحذر مما وقع فيه كثيرٌ من الشباب من إضاعة أوقاتهم في مجالس الأرصفة الليلية، أو ميادين الكرة أو الاستراحات، فالوقت هو الحياة فمن عرف حق الوقت فقد أدرك قيمة الحياة .

الوقفة الثانية : الإحساس بقيمة الوقت :

لا يمكن للإنسان أن يعرف قيمة الوقت وأن يستفيد منه إلا إذا أحس بقيمته وعرف قدر أنفاسه في هذه الحياة ، وأدرك أهمية الاستفادة منه ، وحافظ عليه كما يحافظ على ماله أو أشد ، واستشعارُ قيمة الوقت يجعل الإنسانَ يبتكر أشياء للاستفادة منه مما قد لا يهتدي إليها غيره ، ولن يستفيد من هذه الإجازة من لم يعرف قيمة الوقت وأهمية الزمن أولًا ، ولن يستفيد من الإجازة من لم ينظم وقته ثانيًا .

وقد كان السلف الصالح من هذه الأمة أحرص ما يكونون على أوقاتهم ، لأنهم أعرف الناس بقيمتها؛ ولذا كانوا يحرصون على ألا يمر يومٌ أو بعضُ يوم أو برهةٌ من الزمن – وإن قصرت – دون أن يتزودوا منها بعلم نافع أو عمل صالح .

يقول ابن مسعود رضي الله عنه: « ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ، ولم يزد فيه عملي » .

وعن حماد بن سلمة رحمه الله قال: «ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاع الله فيها إلا وجدناه مطيعًا؛ إن كان في ساعة صلاة، وجدناه مصليًا؛ وإن لم تكن ساعة صلاة، وجدناه إما متوضئًا أو عائدًا مريضًا، أو مشيعًا لجنازة، أو قاعدًا في المسجد؛ قال: فكنا نرى أنه لا يحسن يعصي الله عز وجل»([4]) .

وعن سعيد الحريري رحمه الله قال: «كانوا يجعلون أول نهارهم لقضاء حوائجهم ، وإصلاح معايشهم ، وآخر النهار لعبادة ربهم ، وصلاتهم » ([5]) .

وعن الأوزاعي رحمه الله قال: «ليس ساعة من ساعات الدنيا، إلا وهي معروضة على العبد يوم القيامة، يومًا فيومًا، وساعة فساعة؛ ولا تمر به ساعة لم يذكر الله فيها إلا تقطعت نفسه عليها حسرات، فكيف إذا مرت به ساعة مع ساعة ، ويوم مع يوم ، وليلة مع ليلة » ([6]) .

الوقفة الثالثة : مع رَبِّ الأسرة :

تكثر الرحلات البرية لرب الأسرة في الإجازة الصيفية وحده ، فهذا لا أراه في غالب الأحوال ، ولا سيما إذا طالت المدة ؛ لما يترتب على ترك الأسرة  – لا سيما في مثل أيام الإجازة – من المفاسد والمساوئ الكثيرة ، لأن الغالب على كثير من الأسر أنه إذا غاب راعيها تعودت على الانفلات والتسيب والضياع ، لا سيما إذا تهيأت الأسباب وغاب الرقيب ، فتراهم يمارسون من التصرفات السيئة ، ما لا يفعلونه لو كان والدهم حاضرًا ، والنفس إذا اعتادت الانفلات صعب فطامها .

ومن الملاحظ أن الأب إذا غاب عن أسرته يومًا أو يومين رأى اختلافًا ، فكيف بمن يغيب أشهرًا ، وفي مثل هذه الأيام التي يرغب الناس فيها بمفارقة ما اعتادوه وألفوه ؟

الوقفة الرابعة : مع الأسرة في الرحلات البرية :

تكثر الرحلات الأسرية في الإجازة ، وذلك للنزهة والاستطلاع والتفكر في مخلوقات الله سبحانه وتعالى ، أو لكليهما معًا ، وهذا شيء مباح ، ومثل هذه الرحلات ، حق مشروع للأسرة المعاصرة ، يزيل عنها وعثاء الحياة ، ومشكلات المدنية ، ويسمح لها بقدر مناسب من الانطلاق بعيدًا عن أعين الآخرين .

لكن ينبغي ملاحظة الأمور التالية :

أولًا: لا يحل لإنسان أن يدع عمله – الواجب الوظيفي – ليتمتع باللهو والصيد أو غير ذلك مما يصده عن القيام بالواجب، لقول الله سبحانه وتعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة :1]، والوظيفة تعتبر عقدًا بين الإنسان وبين الجهة المسئولة ، ولقوله سبحانه وتعالى:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء :34] .

فالواجب على الإنسان أن يقوم بوظيفته حسب ما يقتضيه العقد ، كما أنه يُطالِب بالراتب الذي له على وجه الكمال ، وكثيرٌ من الناس يفرط فيما يجب عليه من عمل الوظيفة ، ويطالب بكل حقه من الراتب ، وهذا داخلٌ في قوله سبحانه وتعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطففين :6 :1] ، نسأل اللهَ لنا ولإخواننا الهداية ، وأن يعيننا جميعًا على أداء ما أوجب علينا ؛ إنه على كل شيٍء قدير .

ثانيًا : لا ينبغي للإنسان أن يقترض لأجل أن يمتع نفسه ومن معه ، ويبدد المال هنا وهناك ، لأن العاقل لا يقترض إلا عند الحاجة ، ومتى أمكنه أن يصبر فلا يقترض ، لأن الإنسان إذا عَوَّد نفسه الاقتراض سهل عليه ، وصار يقترض لأمور لا داعي لها، كما عليه بعض الناس، وقد جاء في نصوص الشريعة تعظيم أمر الدَّيْن ، وعِظَمُ حقوق العباد ، وهذا إذا كان يرجو وفاءً من مُرتَّبٍ أو أجرة عقار ونحوهما، أما إذا كان لا يرجو وفاءً فإن أقل أحوال الاقتراض الكراهة ، إن لم يصل إلى درجة التحريم ، ويجب عليه في هذه الحال أن يبين للمقترض حاله ، ليكون على بصيرة .

ثالثًا : احذر أن تقارف محرمًا ، أو تشاهد منكرًا ، أو تضيع واجبًا ،فإنك ما تدري فلعل أيام حياتك تنتهي قبل عودتك من رحلتكً .

ثالثًا : إذا ذهب الإنسان بأسرته إلى المنتزهات في الأماكن الباردة أو غيرها فعليه أن يحوط أسرته بسياج من الرعاية والصيانة ، وأن يحذر الجلوس في طرق الناس أو أماكن تجمعهم ، ويختار المواقع البعيدة عنهم ، فيرتاح هو وأسرته ، ويسلمون من أذى الناس ، ويسلم الناس منهم ؛ وسيأتي في آخر هذه الرسالة بابٌ خاصٌّ نبين فيه الآداب الشرعية التي ينبغي لمن خرج إلي الرحلات البرية أن يتحلى بها .

 

الباب الأول :

في مدلول الرحلات البرية وفوائدها

* الرّحْلَةُ : بالكسر والضم، لغةً اسم من (الارْتِحَالِ)، فبالكسر اسم من الارتحال لِلمسير، يُقال: دَنَتْ رِحْلَتُنا، ومنهُ قَوْلُه سبحانه وتعالى:{رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ}،  وبالضم الشيء الذي ترتحل إليه أي الوجه الذي تَقصِده، وتريده، وتَأخذ فيه، يقال: أَنتُم رُحلتِي، أي الذين أَرتَحِلُ إليهم، ويقال: مَكَّةُ رُحلتي، أي وجهي الذي أُريد أن أرتَحل إليه، و(البَرُّ): بالفتح خلاف البحر، و(البَرَّيَّةُ): نسبة إليه هي الصحراء ([7]) .

ذكر بعض فوائد الرحلات البرية :

نقول أولًا: إن الإسلام لا يحجر على أتباعه أن يروحوا على أنفسهم، أو يُدخلوا السرور على أهليهم وأبنائهم، وأن يعملوا بالوسائل المباحة في ذلك شرعًا ، فالترفيه البريء والترويح المباح لا غضاضةَ على الإنسان فيه، بل قد يكون مطلوبًا أحيانًا لأغراض شرعية، وأهدافٍ مرعية، لكن يجب أن يكون كل ترفيه وترويح في حدود ما هو مباحٌ شرعًا، أما أن يُستغل ذلك فيما يُضعف الإيمان، ويهز العقيدة، ويخدش الفضيلة، ويوقِع في الرذيلة، ويقضي على الأخلاق والقيم والمثل، فلا …. وكلا !!

وسنذكر هنا بعض الفوائد التي يمكن الحصول عليها لأهل هذه الرحلات ؛ فمن ذلك :

1- أن هذا النوع من الترفيه يطرد السأم والملل، ويقضي على الفتور والكسل، بحيث يعود المسلم إلى ممارسة نشاطه وكأنما ولد من جديد، أو صار خلقا آخر.

2- القيام بالنزهات البرية للأماكن الخلوية البعيدة عن أعين الناس والتبسط مع الزوجة والأبناء وإشباع رغباتهم في اللعب والجري وصعود الجبال واللعب بالرمال من أعظم وسائل ربط الأب بأسرته ، وهي خير من الذهاب بهم لأماكن اللهو التي تفشو فيها بعض المنكرات ولا يستطيع الأب أن يجلس مع أسرته وأبنائه بحرية تامة .

3- في هذه الرحلات أُنسٌ بالصديق ، وتفريج للضيق ، وكسب للمهارات والخبرات ، وتوسيع للمدارك ، وفوز بالسبق إلى الخيرات ؛ فهي طريق للقلب المعنّى ، ليبث فيها الراحل أشجانَه وهمومه ، ويفتح فيها قلبه ، ومكتوم أسراره .

4- تعويد المشتركين على مبادئ هامة ، وتحقيق معانٍ قد لا تتحقق إلا بالأسفار والترحال ، مثل: «معاني الأخوة، والإيثار، والانضباط، والترتيب، والسمع والطاعة … » .

5- فيها تلبية لرغبات فطرية في الإنسان من حب المخالطة والمرح والترفيه .

6- سهولة إيصال الأفكار وترسيخها في أذهان المشتركين ، إذ أن التربية والتوجيه مع الحدث من أشد ما يساعد على رسوخ المبادئ والمفاهيم .

7- ثبت من خلال التجارب العديدة أن الرحلات ترفع مستوى الأداء والعطاء ، وتنمي الحماس ، وتقدم أفضل ما يتحلَّى به الإنسان من الأخلاق في التعامل .

8- أن الرحلات الهادفة تفتح آفاق الأذهان على الأفكار الابتكارية والإبداعية لدى المنظمين لها أو المشتركين فيها ، في الإسهام في إعداد برامج الرحلة والترفيه ، وتقديم ما ينفع إخوانهم في تلك المناسبات .

إلى غير ذلك من الفوائد النفسية والتربوية الدعوية والعبادية ، التي يخرج بها المشارك في رحلة هادفة .

 

الباب الثاني :

فيما يتعلق بالرحلات البرية من أحكام

أولاً: الأحكام المتعلقة بالعقيدة:

للرحلات البرية أثر عجيب على الإيمان، ولا يشعر بذلك إلا من عايشها؛ فهي تزيد في إيمان العبد، ويشعر فيها بلذة الطاعة، بل ولذة المناجاة، وبخاصة عند سكون الليل وشدة ظلمته، والنظر إلى ملكوت الله الذي يورث الهيبةَ من الخالق، ومحبّته، حيث سخر هذا الكونَ بكل ما فيه لهذا الإنسان، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[آل عمران :190-191]. ففي هاتين الآيتين الكريمتين ربطٌ بين هذه المظاهر الطبيعية وبين الإيمان، وهو ربط لا يتسنى إلا لمن يشاهد هذه الظواهر ويوقن بوجودها، ثم يكون إنسانًا ذا عقل، وتفكُّر؛ فأولو الألباب هم الذين ينتقلون من المشاهدة إلى التفكر إلى الإيمان .

وقال أيضًا سبحانه وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}[إبراهيم : الآيات32-33]، وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت :20]، وقال: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} [الغاشية : الآيات من17إلى20]. فهذه الآيات وغيرها – مما جاءت بالحثِّ على النظر والتفكر في بديع صنع الله – تدل دلالة واضحة على أن ذلك يعطي الإيمانَ قوةً وتزيد منه ؛ ولذا ننصح من يخرج إلى هذه الرحلات البرية أن يُعطي جانب التفكر الحظ الأوفر من رحلته وألا يكون همه مجرد اللهو والمرح . ومع ما ذكرناه من أهمية الرحلات البرية – لما يحصل فيها من الزيادة في الإيمان – إلا أننا نجد البعض قد يحصل عنده نوعُ خلل في العقيدة ، وهذا كثير؛ فمن ذلك :

1- قد يحصل عند الخروج إلى الرحلة البرية أمر يكرهه الخارجون ، كأن تغرز بهم السيارة في مكان ما فيتعطل بهم السير، فما كان من بعضهم إلا أن يقول: (لو سلكنا طريق كذا ما حصل هذا لنا) ، فهذا الاعتراض محرم ؛ لأنه اعتراض على القدر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»([8]) .

فهذا التحسر عند فوات بعض الأمور خطأ شائع؛ فيجب منعه لأنه اعتراض على قدر الله تبارك وتعالى.

2- نسمع من بعض الناس عند خروجه من بيته لرحلة أو لسفر بعض العبارات المخالفة للعقيدة، كأن يأتيه من يطرق عليه أو يتصل به بالهاتف فيقول: (خير يا طير). وهذا أمر منتشر عند كثير من الناس؛ وهو من باب التطير بالطيور، الذي كان عند أهل الجاهلية ، وكان التطير على أنواع ، منهم من كان إذا وقعت على بيته بومة تطير منها، وبعضهم كان إذا أراد أن يسافر وجاءت الطيور عن يمينه مضى، وإذا جاءت عن يساره لم يسافر، فقول (خير يا طير) مبنيٌّ على مثل هذا؛ فينبغي الابتعاد عنه، وعن أمثاله.

3- نسمع من بعض الناس عند خروجه إلى البر قوله: (مطرنا في الوسم الفلاني، أو في المربعانية، أو غيرها) ، فإن أراد بقوله هذا الوقت فلا بأس، أما إن اعتقد أنها مُوجدة للمطر فهذا كفرٌ أكبر، فإن اعتقد أنها سببٌ بعد الوقوع فهذا كفر نعمة، فالواجب أن ننسب ذلك إلى مُوجدِها الحقيقي وهو رب العزة سبحانه وتعالى .

فعن زيْدِ بنِ خالدٍ الجُهَنِيِّ أنّه قال: صَلَّى لَنَا رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صلَاةَ الصُّبحِ بِالحُدَيْبِيةِ على إِثْرِ سماءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ (اللَّيْلِ) فلمَّا انْصَرَفَ أَقْبلَ عَلى النَّاسِ فَقَالَ: « هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ » قالُوا : اللهُ ورسُولُه  أَعلمُ .

قال: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ»([9]).

وجاء في أسباب نزول قوله سبحانه وتعالى:{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة: 57]، إلى قوله:{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}[الواقعة : 82]، أن بعض الصحابة قال: (لقد صدق نوء كذا وكذا)، فنزلت الآيات ([10]) .

2- قد يحصل أن تهب الريح على من بالبر فيسبها بعضهم ، وهذا خطأ، بل المشروع في حقه أن يسأل الله خيرها، وخير ما أُرسلت به، ويعوذ باللَّه من شرها وشر ما أُرسلت به، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ([11]) .

3- يكره البعض عبارة (قوس قزح) لما أخرجه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقولوا: قوس قزح، فإن قزح شيطانٌ؛ ولكن قولوا: قوس الله، فهو أمانٌ لأهل الأرض»([12])، وهذا الحديث موضوع، والصواب أنه لا بأس بهذا اللفظ، قال سماحة شيخنا عبد العزيز ابن باز رحمه الله: «لا دليل على الكراهة »([13]).

ثانيًا : الأحكام المتعلقة بالطهارة :

أولًا : عند قضاء الحاجة :

يشرع لمن كان في البرية عند قضاء الحاجة ما يشرع لغيره من أحكام ، فمن ذلك :

1- دعاء دخول الخلاء والخروج منه: فيقول عند إرادة قضاء حاجته – أي : عند تهيئه للجلوس لقضاء حاجته – : «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ»([14]) ؛ وهكذا إذا فرغ من قضاء الحاجة، إذا كان في الصحراء من بول أو غائط يستحب له أن يقول : «غُفْرَانَكَ»([15]) .

2- إِذا كان في مكان ليس فيه جُدران ، أو أشجار ساترة ، أو جبال ، يبعد في الفضاء حتى يستترَ ؛ لحديث المغيرة بن شُعبة رضي الله عنه عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في قضاء الحاجة، قال: « فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي، فَقَضَى حَاجَتَهُ»([16])، كما أن في ذلك من المروءة والأدب ما هو ظاهر؛ وهذا الحكم يغفل عنه الكثير ممن يخرجون إلى البر .

3- عليه أن يرتاد لبوله مكانًا رخوًا – أي : هشًا -، كما يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَرْتَادُ لِبَوْلِهِ مَكَانًا كَمَا يَرْتَادُ مَنْزِلًا([17])، وهو المكان اللِّين الذي لا يُخشى منه رشاش البول، فإِن كان في أرض ليس حولَه شيءٌ رخو، فإنه يُدني ذَكره من الأرض حتى لا يحصُل الرَّشاش .

4- لا يجوز الاستنجاء ولا الاستجمار باليد اليمنى، لقول سلمان رضي الله عنه في حديثه: نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِىَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ، أَوْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَنَهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ، وَقَالَ: «لاَ يَسْتَنْجِى أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ»([18]) . ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ، وَلاَ يَتَمَسَّحْ مِنَ الْخَلاَءِ بِيَمِينِهِ، وَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ»([19]). وإن كان أقطع اليسرى أو بها كسر أو مرض ونحوهما، استجمر بيمينه للحاجة ، ولا حرج عليه في ذلك .

5- الأفضل أن يتَحوَّلُ من موضع قضاء الحاجة؛ ويستَنْجي في مكان غيره إِن خافَ تلوُّثًا، كأن يخشى من أن يضربَ الماء على الخارج النَّجس فيصيب ثوبه، أو فخذه، أو ما أشبه ذلك، درءًا لهذه المفسدة .

6- المشروع في حقه أن يرفَعَ ثوبَه قبل أن يدنو من الأرض إذا كان في مكان بعيد عن أعين الناس، فإن كان حوله من ينظر إليه، فرفْعُ ثوبِه هنا قبل دنوِّه من الأرض محرَّم؛ لأنَّه كَشْفٌ للعورة لمن ينظر إِليها، وقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: «لاَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ»([20]) .

7- لا حرج في البول قائما، ولا سيما عند الحاجة إليه، إذا كان المكان مستورًا لا يرى فيه أحد عورة البائل، ولا يناله شيء من رشاش البول، لما ثبت عن حذيفة رضي الله عنه «لَقَدْ أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا»([21])، ولكن الأفضل البول عن جلوس؛ لأن هذا هو الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأستر للعورة، وأبعد عن الإصابة بشيء من رشاش البول، فإن أصاب بدنه أو ثوبه رشاش البول وجب عليه غسل ما أصابه.

8- لا ينبغي أن يتكلَّم حال قضاء الحاجة، إلا لحاجة كما قال الفقهاء رحمهم الله، كأن يُرشِدَ أحدًا، أو كلَّمه أحد لا بدَّ أن يردَّ عليه، أو كان له حاجة في شخص وخاف أن ينصرف، أو طلب ماء ليستنجي، فلا بأس، أما إِذا كان قاضِيَا الحاجة اثنين، ينظر أحدهما إِلى عورة الآخر ويتحدَّثان فهو حرام بلا شَكٍّ .

9- يكره البول في الشق، أي (الفتحةُ في الأرض)، وهو الجحر للهوام والدَّواب، وذلك لأنه يُخشى من أن يكونَ في هذا الجُحر شيء ساكن فتُفسد عليه مسكنه، أو يخرج وأنت على بولك فيؤذيك، وربما تقوم بسرعة فلا تسلم من رَشاش البول، والكراهة تزول بالحاجة، كأن لم يجدْ إلا هذا المكان المتشقق .

10- لا يجوز لمن خرج لرحلة برية أو لغيره من الناس أن يبول في الطريق، ولا أن يتغوط فيها ؛ لأن ذلك يؤذي المسلمين ، ويؤدي إلى تنجس أقدامهم وثيابهم ، وذلك لما رواه مسلمٌ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا اللَّعَّانَيْن» ، قالوا: وما اللَّعَّانان يا رسول الله؟ قال: «الذي يتخلَّى في طريق النَّاس، أو في ظلِّهم»([22]). وفي سنن أبي داود: «اتقوا الملاعن الثلاث : البِرَاز في الموارد ، وقارعة الطَّريق ، والظِّلّ»([23]) .

والعلة في ذلك أن البول في الطريق أذية للمارة، وإِيذاء المؤمنين محرم، قال الله سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[الأحزاب-58] .

والتخلي هنا يشمل البول والغائط ، لأن في كل منهما تخليًا ، وكذلك لا يجوز أن يتغوط الإنسان في مجالس الناس التي جرت العادة أن يجلسوا فيها ، سواء كان ذلك في الظل أو في الشمس؛ لأن الناس يحتاجون إلى المجالس، ويحتاجون في الشتاء إلى المجلس الذي فيه الشمس، وفي الصيف إلى المجلس الذي فيه الظل.

وكذلك لا يجوز التغوط تحت الأشجار المثمرة، سواء كانت ثمارًا مما يؤكل كالنخيل والعنب والبرتقال، وما أشبه ذلك لأن هذا فيه محظوران:

الأول: أنه ربما يتساقط من هذا الشجر ما هو طعام للناس، والطعام محترم.

الثاني: أنه يتأذى بذلك من يأتي يجني هذه الثمار.

وعلى هذا فإذا كانت الثمار لا تؤكل كثمار (القرظ) الذي يدبغ به وغير ذلك فإنه لا يجوز أن يتغوط أو يبول تحت هذه الأشجار التي فيها ثمار يتخذها الناس لحاجاتهم، لأن هذا يؤذي من أتى ليجنيها حتى وإن لم تكن مطعومة، والقاعدة العامة – هنا – أنه: « لا يجوز التغوط ببول أو غائط في أي مكان يؤذي المسلمين، سواء إن كان ظلًّا، أو مشمسًا، أو أشجارًا مثمرة، أو غيره؛ لما في ذلك من أذية المسلمين» .

11- لا يجوز لأصحاب الرحلة البرية استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة من بول أو غائط ، إذا كان الإنسان في الصحراء ؛ لحديث أبِي أيُّوبَ الأَنصارِيِّ أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» ، قَال أبو أيُّوبَ : فقَدِمْنَا الشّأْمَ ، فَوجَدْنا مَرَاحِيضَ بُنيتْ قِبلَ الْقِبلَةِ فنَنْحرِفُ، ونَسْتغْفِرُ الله تعالى([24])، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تستقبلوا ولا تستدبروا» نَهيٌ ، والأصلُ في النهي التَّحريم .

والحديث يفيد أن الانحرافَ اليسير لا يكفي؛ لأنه قال: «ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا»، وهذا يقتضي الانحراف التَّام .

ثانيا : الأحكام المتعلقة بالمياه :

1- الماء المكدر بالطين وبعض الأعشاب، يجوز الوضوء منه، والغسل به، والشرب منه؛ لأن اسم الماء باقٍ له، وهو بذلك طهور لا يسلبه ما وقع به من التراب والأعشاب اسم الطهورية .

2- ماء الغدير المتغير بمجَاورة مَيْتَة، وصار له رائحة كريهة جدًّا بسبب الجِيَفِ، الأَوْلَى التنزُّه عنه إن أمكن، فإِذا وُجِدَ ماء لم يتغيَّر فهو أفضل، وأبعد من أن يتلوَّث بماء رائحته خبيثة نجسة، وربما يكون فيه من النَّاحية الطبيَّة ضرر، فقد تحمل هذه الروائح مكروبات تَحُلُّ في هذا الماء .

3- ماء الغدير الذي نبت فيه عُشبٌ، أو طُحلب، أو تساقط فيه ورقُ شجر فتغيَّر بها، فإنَّه طهُور غير مكروه؛ ولو تغيَّر لونه وطعمه وريحه، وذلك لأنه يشقُّ التحرُّز منه، فيشق على الإنسان – مثلًا – أن يمنع هذه الأشجار من الرِّياح حتى لا تُوقع أوراقها في هذا المكان. وأيضًا يشُقُّ أن يمنع أحدٌ هذا الماء حتى لا يتغيَّر بسبب طول مُكثه .

وإِن تغير بِطينٍ – كما لو مشى رجل في الغدير برجليه، وأخذ يحرك رجليه بشدة حتى صار الماء متغيرًا جدا بالطّين – فإِن الماء أيضًا طهور غير مكروه؛ لأنه تغير بمكثِه .

5- من شك في نجاسة ماء، أي: في نجاسته إِذا كان أصله طاهرًا، كما لو كان عنده ماء طاهر لا يعلم أنَّه تنجَّس؛ ثم وجد فيه روثة لا يدري: أروثةُ بعير، أم روثة حمار؟ والماء متغير من هذه الروثة؛ فحصل شكٌّ: هل هو نجس أم طاهر؟ فيُقال: ابْنِ على اليقين، واليقين أنه طهُور، فتطهَّر به ولا حرج .

6- إذا كان مع الإنسان ماء يحتاجه للشرب وحان وقت الصلاة وليس عنده سوى هذا الماء ، فإنه يتيمم ؛ لأنه محتاجٌ إلى هذا الماء ، ودفع الضرورة أمر مطلوب ، والله – تبارك وتعالى – أباح للإنسان أن يتيمم إذا لم يجد ماءً ، وهذا الماء الذي يحتاجه لشربه وجودُه كالعدم بالنسبة للوضوء به .

7- الماء الدائم الذي لا يجري ، كالذي يوجد في البر مثل البرك التي يستمر فيها الماء مدة طويلة ، لا يجوز للجنب الاغتسال فيه ؛ لما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِى الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ». فَقَالَ: كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ : « يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا » ([25]) .

فإذا بلغ الماء الدائم قلتين فأكثر ولم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه بالاغتسال فيه من الجنابة أجزأ الوضوء والغسل منه ، وصلح لتطهير الأخباث والأحداث ، وإن تغير بنجاسة لم يصح استعمالُه في طهارة أحداث ولا أخباث إجماعًا ، وإن تغير بمجرد تتابع الاغتسال من الجنابة فيه لا بنجاسة ففي طهوريته خلاف ، وإن كان أقل من قلتين واغتسل فيه جُنبٌ فإن تغير بنجاسة جُنب كانت على بدنه لم يصح التطهر به من الأحداث ولا الأخباث ، وإن لم يتغير بنجاسة ففي صحة التطهر به من الأحداث والأخباث خلافٌ ، والأحوط ترك استعماله في الطهارات عند تيسر غيره .

8- ماء البرك المتجمع من سيول الأمطار ، إذا كان هذا الماء لم يتغير طعمه ولا ريحه ولا لونه بنجاسة فلا يضر ما تولد فيه من الدود وغيره ؛ لأن ذلك لا يمكن التحرز منه ، فيعفى عنه للمشقة ، ويجوز الوضوء منه .

ثالثًا : الأحكام المتعلقة بالوضوء والغسل والتيمم :

1- من خاف على نفسه ، أَو ماله إن ذهب للوضوء أو الغسل أن يهلك ، لما في الطريق إليه من السباع والهوام ونحو ذلك ، أو يخاف إن ذهب إليه أن يسرق ماله أو سيارته أو خيمته ، فهنا يشرع له التيمم .

2- إذا كان أناس في البريَّة وليس عندهم ماء ، فإنهم يُعذَرون بالتيمم إذا كان يُشَق عليهم طلب الماء ، والعبرة في ذلك العرف ، أعني : ما جرت العادة أو ما قال الناس : إنه بعيد ، فإنه بعيد ، وما قال الناس : إنه قريب ، فهو قريب ، أي : ليس فيه حد شرعي .

3- متى تعذر حصول الماء إلا بثمن كثير ، وهذا قد يحصل للإنسان أحيانًا كحال خروجه إلى البر مثلًا فلا يكون معه ماء فيذهب إلى المحلات لشرائه ، فهل يلزمه شراؤه لوضوئه وغسله؟ نقول : في ذلك تفصيل :

أولًا: إن كان الماء لا زيادة في قيمته ، بل ثمنه عادي ويستطيع فاقده أن يشتريه ، فهنا يجب عليه شراؤه ؛ لأنه يدخل في حكم الواجد له .

ثانيًا : أن يكون الماء فيه زيادة في السعر ، فينظر هنا إلى هذه الزيادة ، إن كانت الزيادة يسيرةً ولا يتضرر بشرائها لزمه الشراء ، وإن كانت الزيادة كثيرةً فينظر في هذه الزيادة هل تجحف بماله أم لا؟ فإن كانت لا تجحف بماله ففيها قولان ، والذي يظهر لي أنه إن كانت الزيادة باهظةً خارجةً عن العادة فلا يلزمه الشراء ، وإلا لزمه الشراء .

4- يتساهل بعض الناس عند خروجهم إلى البر في حمل الماء معه ، وقد يكتفي بحمل ما يحتاج إليه لشربه فقط ، وهذا خطأ ؛ فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحملون معهم الماء للوضوء مع أنهم يركبون على الإبل ، يحملونه في القرب والمزادات ، وذلك لكي يكون وضوؤهم كاملا ، وتكون صلاتهم كاملة ، ولكن قد يضربون مسافاتٍ طويلةً لا يستطيعون حمل الماء فيها إلا لقدر شربهم وطعامهم ؛ فلذلك أُمروا أو أبيح لهم التيمم .

أما في زماننا هذا فقد أصبح حمل الماء سهلًا لوجود السيارات ، فنرى أن على الإنسان الذي يسافر أن يصطحبَ معه ماء في هذه الكيسات وما أشبهها ؛ حتى يتيقن ويتحقق أنه قُبلت صلاتُه .

وكثير من الناس يذهبون معهم بمياه ، ومع ذلك يتيممون ، وهذا من الخطأ ، حتى أن بعضهم يخرج عن العمران أربعين كيلو أو ثمانين كيلو ، ويبنون لهم خيامًا ، ويكون معهم سيارات ، وربما يكون معهم براميل كبيرة ملآى ، ومع ذلك يتيممون ، ولو بدا لأحدهم -مثلا- حاجة يسيرة كملح أو سكر أو شاي أو نحو ذلك لأرسلوا سيارة ، فإذا كان كذلك فكيف لا يرسلون سيارة تأتي لهم بالماء إذا انتهى مع توفره؟! ويمكن أن يكونوا قريبين من مكان مزارع فيها الماء ، أو قريبين من بلاد ، أو محطات يوجد فيها الماء ، فالتساهل في هذا لا يجوز .

5- قد يفقد بعض من خرج إلى البر الماء ، ثم يجد سيارةً أو خيمةً أمامه بها ماء غير أنه لم يجد صاحبَها ، فهل يجوز له أن يتوضأ من هذا الماء دون أن يستأذن صاحبها؟

الجواب : لا يجوز له ذلك ، إلا إذا غلب على ظنه أن صاحب الماء يسمح له بذلك ، فإنه يجوز له أخذه ، ثم إن بان خلاف ظنه لزمه ضمانه وإلا فلا .

6- من أدركته الصلاة في مكان ولم يجد الماء للطهارة ، فإنه يجتهد في طلب الماء ، ولا يكون الشخص غير واجد للماء حقيقة إلا عندما يبذل ما في وسعه عرفًا في سبيل تحصيله فيعجز عن ذلك .

وصفة طلب الماء أن يطلب في رحله ، ثم إن رأى خضرة أو شيئًا يدل على الماء قصده ، وإن كان بقربه ربوة أو شيء قائم أتاه وطلب عنده ، وإن لم يكن نظر أمامه ووراءه وعن يمينه ويساره ، وإن كانت له رفقة يُدَلٌّ عليهم طلب منهم ، وإن وجد من له خبرة بالمكان سأله عن مياهه ، فإن لم يجد فهو عادم ، وإن دُلّ على ماء لزمه قصده إن كان قريبًا، ما لم يخف على نفسه أو ماله أو يخشَ فوات رفقته ولم يفت الوقت .

7- من كان على جنابة وهو في البر ولم يتمكن من تسخين الماء ، بمعني ليس عنده شيء يسخن به الماء ، وخاف على نفسه من البرد ، ففي هذه الحالة يتيمم ، فإذا ارتفع النهار وجاء الدفء اغتسل ، ولا يجوز أن يؤخر الصلاة عن وقتها لمثل هذه الأعذار .

8- من كان في البر واستيقظ جُنُبًا، وخشي الضرر باستعمال الماء لبرودة الجو، فإن أمكنه تسخين الماء لزمه ذلك، ولو خرج الوقت ؛ لأن النائم معذور، والوقت في حقه هو وقت استيقاظه ، فتلزمه الصلاة وما يشترط لها من الطهارة، وإذا لم يجد ما يسخن به الماء، جاز له التيمم حينئذ، وعلى من تيمم بلا عذر يبيح التيمم أن يعيد ما صلاه بذلك التيمم ؛ لتبرأ ذمته .

9- من دخل في الصلاة بالتيمم ثم إذا بصاحبه قد جاء بالماء وهو يصلي ، هل يخرج من الصلاة ويتوضأ ويعيد الصلاة، أو يستمر في صلاته؟ قال شيخنا: بل يخرج من الصلاة ويتوضأ، ويبدأ الصلاة من جديد؛ لأنه لما وجد الماء بطل التيمم، وإذا بطل التيمم في آخر الصلاة صار أولها صحيحًا وآخرها باطلا، والصلاة لا تتجزأ؛ إذا بطل آخرها بطل أولها، فنقول هذا يقطع صلاته ويتوضأ، ويعيد الصلاة من جديد.

قلت: والذي أميل إليه أنه يحولها نافلةً، أي يكملها نافلة ثم يصلي الفريضة بطهارة الماء ، وبهذا يجمع بين الأدلة ؛ لأن تحويل الفريضة إلى نافلة جائز ، فلو كان الإنسان يصلي منفردًا ثم حضرته جماعة يجوز له أن يحول هذا الفرض إلى نافلة ، ثم يصلي مع الجماعة الفريضةَ ، وما ذكرناه هو الأحوط من قولنا إن صلاته تبطل ؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال :{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}[سورة محمد -33] .

10- إمرار الماء على الرجلين دون دلكهما مجزئ عند جمهور أهل العلم، بل اتفق الجمهور على أنه يكفي في غسل الأعضاء في الوضوء والغسل جَريان الماء على الأعضاء، ولا يشترط الدلك؛ فمن غسل رجليه أو يديه في الغدير دون أن يدلكهما أجزأه ذلك .

11- لا يجوز الإسراف في الماء ؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال : « كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ »([26]) ، وورد عن عبد اللَّه بن زيد رضي الله عنه: أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم: « أُتِىَ بِثُلُثَىْ مُدٍّ مِنْ مَاءٍ ، فَتَوَضَّأَ فَجَعَلَ يَدْلُكُ ذِرَاعَيْهُ »([27]) ؛ وذلك لأن الماء الذي توضأ به كان قليلًا فثلثا مُد يساوي بالنسبة للصاع عندنا 2 من 15 ؛ لأن الصاع المعروف عندنا خمسة أمداد بالمُد النبوي، وهذا يدل على أنه ينبغي على المسلم أن يقلل من استعمال الماء في الوضوء، وأن لا يسرف فيه.

والسّرف هو : تجاوز الحد في الشيء والغلو فيه ، وليس معنى إسباغ الوضوء كثرة صب الماء, بل معناه تعميم العضو بجريان الماء عليه كله, وأما كثرة صب الماء; فهذا إسراف منهي عنه, بل قد يكثر صب الماء ولا يتطهر الطهارة الواجبة, وإذا حصل إسباغ الوضوء مع تقليل الماء, فهذا هو المشروع فعن عبد اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاص رضي الله عنهما ، أنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرّ بِسَعْدٍ وَهُو يَتَوضَّأُ ، فقال: «مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟» قَال: أفِي الوُضُوء سرَفٌ؟ قال: «نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ»([28])، وإن كان الحديث ضعيفًا لكن أهل العلم أجمعوا على النهي عن الإسراف في الماء، قال النووي في شرح مسلم : « وأجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء ولو كان على شاطئ البحر » ([29]) .

12- من انغمس في ماء السيول ونوى بذلك الوضوء ، فإنه لا يلزمه إعادة الماء على ما غسله من الأعضاء ، وكذلك لو أنه اغتسل وغسل جميع بدنه مثل أن ينغمس في بركة ، فإنه يكفيه عن الوضوء ؛ لكن لا بد أن يتمضمض ويستنشق .

13- قد يحصل أن ينام أحد الأشخاص عند أحد الأصدقاء في البر ثم يحتلم وهو نائم ومنعه حياؤه أن يخبر صديقه بهذا ، ولم يغتسل من الجنابة حياءً من أصدقائه ، ثم عدل إلى التيمم ، وهذا من أعظم الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس ، فقد أوجب الله سبحانه وتعالى في كتابه الاغتسال من الجنابة ، فقال سبحانه وتعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا}[المائدة : 6] .

وجعل التيمم بديلًا عن الاغتسال في حالة عدم وجود الماء أو العجز عن استعماله لسبب شرعي، فقال سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا…}[النساء :43] .

و لم يذكر أحد من الفقهاء أن مجرد الاستحياء من الاغتسال وخوف الحرج من الناس عذر يوجب الانتقال إلى التيمم، ومن صلى – والحالة هذه – يكون قد صلى على غير طهارة، وقد ورد في صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ »([30]) .

ويجب ألا يكون الحياء مانعًا للإنسان عن الحق، لأنه حينئذ يكون حياءً مذمومًا، فقد كان نساء الصحابة يأتين النبي صلى الله عليه وسلم ، ويسألن عن أخص خصوصيات النساء من الحيض وغيره، لم يمنعهن الحياء من ذلك. فإن حصل من بعض الناس هذا الفعل فعليه أمران :

الأول : التوبة والاستغفار مما فعل .

ثانيًا : إعادة الصلوات التي صلاها وهو جنب خلال تلك الفترة ، وذلك لقول الله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ..} [النساء :43] .

14- يعمد بعض الإخوة النائمين في البر عند قيامهم من النوم إلي ما فيه مياه وضوئهم فيضع فيه يده مباشرة دون أن يغسلها خارج الإناء الموجودة به ، وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ » ([31]) .

والحديث يدل على النهي عن غمس اليدين في الإناء بعد القيام من نوم الليل قبل غسلهما ثلاثا ؛ فإن فعل الإنسان ذلك ، بأن غمسهما ناسيًا أو متعمدًا ، عالما أو جاهلا: فهل يعتبر الماء نجسًا، أو طاهرًا غير مطهر، أو أنه باقٍ على طهوريته؟

قولان عند الفقهاء :

الأول : أنه طاهر غير مطهر، فإن لم يجد غيره استعمله ، ثم تيمم احتياطًا .

والثاني : أن الماء باق على طهوريته ولو أدخل يديه فيه ، وهو الصواب ؛ ويأثم من فعل ذلك متعمدًا لتعمده فعل المنهي عنه .

والحكمة في غسل اليد ، فيها ثلاثة أقوال :

الأول : خوف النجاسة ، مثل أن تمرَّ يده على موضع الاستجمار ، لا سيما مع العرق ونحو ذلك .

الثاني : أنه من باب التعبد ؛ فنسلم به ، ولو لم نعقل معناه .

الثالث : أن ذلك لشيء معنوي؛ وهو أن الشيطان يبيت على يد النائم ويلامسها، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إِذَا اسْتَيْقَظَ أُرَاهُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ »([32]). فعلم أن ذلك الغسل ليس مسبَّبًا عن النجاسة، بل هو مُعَلَّلٌ بمبيت الشيطان على خيشومه ؛ فتكون هذه العلة من العلل المؤثرة التي شهد لها النص بالاعتبار .

15- من وجد ماء يكفي بعض طهارته أيستعمله ويتيمم للباقي أم يكتفي ولا يتوضأ لما يستطيع؟ نقول: اختلف العلماء في ذلك ، والصحيح أنه إذا وجد ماء لا يكفي إلا بعض أعضائه، فإنه يستعمله ويتيمم؛ لقوله سبحانه وتعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن : 16] ، وهذا وجد ما يغسل به بعض الأعضاء فيستعمله ، ويتيمم ؛ لأن بقية الأعضاء لا يستطيع غسلها ، وهذا أقوى الأقوال وأحوطها .

16- قد يحصل لأصحاب الرحلات البرية أن يصاب في قدمه بشوكة فيخرج منه الدم، والصحيح أن الدم الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، سواء خرج من الأنف كالرعاف، أو خرج من جرح، أو خرج بسبب شوكة وغير ذلك، فكل هذا لا ينقض الوضوء، سواء كان قليلًا أم كثيرًا، هذا هو القول الراجح؛ وذلك لعدم الدليل على النقض، والنقض حكم شرعي يحتاج إلى دليل ، والوضوء قد ثبت بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي لا يرتفع إلا بدليل شرعي، وليس هناك دليل شرعي يدل على انتقاض الوضوء بخروج شيء من البدن من غير السبيلين، سواء كان دمًا أم قيحًا أم قيئًا ما دام من غير السبيلين ؛ فإنه لا ينقض لا قليله ولا كثيره، كما وضحنا ذلك في كتابنا (وبل الغمامة في شرح عمدة الفقه لابن قدامة)([33])، ولكن إذا خرج من العضو وكان كثيرًا فإنه يغسله، كما ورد في الحديث الصحيح أن فاطمة رضي الله عنها كانت تغسل الدم من وجه الرسول صلى الله عليه وسلم حين جرح في غزوة أحد ([34]) .

17- قد دلت الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لحم الإبل ينقض الوضوء ، فمن الأدلة على ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم: « تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ ، وَلاَ تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ ، وَصَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ ، وَلاَ تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ »([35]), وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه، قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَسَأَلُوهُ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ فَقَالَ: «إِنْ شِئْتُمْ فَتَوَضَّئُوا، وَإِنْ شِئْتُمْ لَا تَتَوَضَّئُوا» ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «نَعَمْ تَوَضَّئُوا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، نُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالُوا: نُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ قَالَ : « لَا » ([36]) .

وهل يدخل الكرش والكبد والشحم والكلية وما هو دون اللحم المعروف في وجوب الوضوء منه؟ قولان لأهل العلم :

الصحيح عندي : القول أن أكل هذه الأعضاء (الكرش ، والكبد ، اللسان ، والأذنين …. وغيرها) ناقض للوضوء؛ لأنها تدخل في مسمى اللحم، ولأنه ليس في شريعتنا حيوانٌ تتبعض أجزاؤه حلًا وحرمة، وطهارة ونجاسة، ونحو ذلك، لكون أجزاء الإبل كلها واحدة .

أما المرق, وهكذا اللبن فليس ذلك من نواقض الوضوء, فلا تسمى لحماً؛ فمثل هذه الأمور توقيفية لا دخل للقياس فيها .

18- لشدة برودة البر قد يسبغ بعضهم الوضوء، مع أن العبادة التي لا تأتي إلا بالتعب والمشقة أعظم أجرًا ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرفع الله به الدرجات ويكفر به الخطايا: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»([37]) ، وليس معنى قوله: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ » ، أن الإنسان يتقصد الماء البارد مع وجود الماء الساخن ، فإن هذا ليس من السنة ؛ بل إذا يسر الله لك ما فيه راحةٌ لك فهو أفضل وأكمل وأقرب إلى كمال الطهارة ، لكن إذا قُدّر أنك في بر أو في بلدٍ ليس فيها سخانات ، ولا يمكن تسخين الماء ، ثم توضأت على الكُره لشدة البرد ، فإن هذا هو الذي يراد بهذا الحديث .

19- صفة التيمم المشروعة ، هو أن يضرب التراب بيديه ضربة واحدة ، فيمسح وجهه كله بباطن كفه، ثم يمسح يده اليمنى باليسرى، وبالعكس؛ هذه هي الصفة المشهورة. قال أهل العلم : وينبغي أن يخلل أصابعه ، وأما ما يبطل به التيمم ، فإن التيمم إن كان عن جنابة بطل بكل ما يوجب الغسل ، وإن كان عن وضوء بطل بما يوجب الوضوء ، هذا ما دامت إباحة التيمم قائمةً . فأما إذا لم يبح التيمم ، مثل أن يتيمم لفقد الماء ثم يجده ، فإنه يبطل تيممه بوجود الماء ، ولا يبطل التيمم بخروج الوقت على القول الراجح؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا»([38])، وقال الله سبحانه وتعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[المائدة : 6] ، فدل هذا على أن التيمم مُطهر، وإذا كان مطهرًا فإنه لا تبطل طهارته إلا بما تبطل به طهارة الماء ؛ لأن التيمم بدل عنه ، والبدل له حكم المبدل ، فلو تيمم الإنسان عن جنابة – مثلًا – فإنه يرتفع حدثه ولا يعيد التيمم عن هذه الجنابة إلا إذا حصل له جنابة أخرى، أو موجب للغسل سواها، وإذا تيمم عن ناقض من نواقض الوضوء فإنه يبقى على طهارته حتى يوجد أحد النواقض ؛ فلو تيمم الرجل لصلاة الفجر وبقي على طهارته إلى صلاة الظهر أو إلى صلاة العصر ولم يأتِ بناقض من نواقض الوضوء من بولٍ ولا نومٍ ولا غائطٍ ولا أكل لحمِ إبل، ولا غيرها مما ينقض الوضوء، فإنه في هذه الحال يصلي بالتيمم الذي تيمم به لصلاة الفجر .

20- من كان في البر وليس عنده إلا قليل ماء لوضوئه ، فالسنّة في حقه أن يتوضأ مرة مرة، ولا يلزمه الزيادة عن ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرةً مرة([39])، ومرتين مرتين([40])، وثلاثًا وثلاثًا([41]) ، فكون الإنسان يقتصر على الأقل في الوضوء نظرًا لشحة الماء ، فإن هذا يكون هو الأفضل في حقه .

رابعًا : الأحكام المتعلقة بالصلاة :

أولًا : استقبال القبلة :

1- استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة ، والعلماء – رحمهم الله – يجمعون على ذلك ، ودليله : قول الله سبحانه وتعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ..}[البقرة: 144] ، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة المسيء صلاته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ»([42]) .

وقد جعل الشارع للقبلة علامات ، وقد ذكر العلماء – رحمهم الله – أن من العلامات الكونية الأفقية للاستدلال على القبلة: مثل القطب، والنجوم، والشمس، والقمر، والجبال، ومهاب الرياح، ومحاريب المسلمين، كل ذلك مما يستدل به على القبلة .

ويجمع الفقهاء على أنه لا بأس من الاعتماد على الآلات في تحديد القبلة، قالوا: لأنها تفيد الظن، وقد وُجِد ما يسمى بالبوصلة, ووجد الآن ما يسمى بساعة العصر، وكذلك ساعة الفجر، ففيهما برامج لتحديد القبلة، وكذلك البوصلة الإلكترونية؛ فهذه البوصلة تقوم بتحديد جهة الشمال وجهة الجنوب بدقة تامة، ولا تتأثر بمؤثرات أخرى كالكهرباء والمغناطيس، وإذا حصل فيها تأثر فإنها توضح ذلك . وأما البوصلة القديمة قد يُعترض عليها بأنه يحصل فيها شيء من التأثر بالكهرباء أو المغناطيس، أما بالنسبة للبوصلة الإلكترونية فإنها تقوم بتحديد جهة الشمال والجنوب بدقة تامة، وإذا كان كذلك فإنها تفيد الظن؛ والظن معتبر في باب العبادات .

2- هناك طريقة لمعرفة القبلة، إن كان الإنسان في البر وذلك بمشاهدة الشمس، والقمر، والنجوم ، فإنها تشرق من المشرق وتغرب من المغرب ، فإذا كان الإنسان غربًا عن مكة اتجه شرقًا ، وإذا كان عنها شرقًا اتجه إلى الغرب، وإذا كان عنها شمالًا اتجه إلى الجنوب، وإذا كان عنها جنوبًا اتجه إلى الشمال، وهذه من أكبر العلامات. وإذا صلى الإنسان بالتحري، ثم تبين له خطأ فعله ، فإنه لا إعادة عليه إذا كان في مكان لا يستطيع فيه سؤال الناس . وقد يسر الله سبحانه وتعالى في زماننا هذا ما يعرف به جهة القبلة بواسطة دلائل القبلة التي سبق ذكرها ، فإذا أراد الإنسان أن يسافر إلى جهة ما ، فليأخذ معه هذه الآلة حتى يكون على بصيرة من أمره .

3- من كان في البر وصلى منحرفًا عن القبلة ، فإذا كان الانحراف عن القبلة يسيرًا فلا بأس، أما إذا كان كثيرًا بحيث تكون القبلة وراءه أو عن يمينه أو عن شماله فعليه إعادة الصلاة التي مضت ، أما الانحراف اليسير فهذا لا يضر .

4- إن خرج شخصان إلى البر فاختلفا في تحديد جهة القبلة، فقال أحدهما: إن القبلة إلى الشّمال؛ وقال الثاني: القبلة إلى الجنوب، فالمذهب أنه لا يجوز أن يتبع أحدُهما الآخر، لأن كلَّ واحد منهما يعتقد خطأ الآخر، فالإمام يرى أن القِبْلة جنوبًا، والمأموم يرى أن القِبْلة شمالا ؛ فيتجِه الإمامُ إلى الجنوب والمأموم إلى الشَّمال، فصار المأموم قد استدبر الإمام، فإذا ركع الإمامُ إلى الجنوب ركع المأموم إلى الشَّمال، وهذا تضادٌّ، والمقصود من الجماعة هو الائتلاف .

وقال بعض أهل العلم: بل يجوز أن يتبعه في الائتمام، وإذا كانت الصَّلاة صلاةَ جماعة واجبة وجب أن يَتْبَعه ويأتمَّ به، لأن كلَّ واحد منهما يعتقد خطأ الآخر بالنسبة لاجتهاده، ويعتقد صوابه بالنسبة لاجتهاد نفسه، فالذي خالفه في القِبْلة قد اتفق معه على الحكم ؛ وهو أن استقبال القِبْلة شرطٌ ، لكن اختلفا في الحال ، وهذا القول أقرب للصَّواب ، وهو جواز اتباع أحدهما الآخر في الائتمام مع اختلافهما في جهة القِبْلة . والتضاد هنا لا يمنع من الائتمام .

أما إذا اختلفا في جهة واحدة؛ بأن اختلفا في الانحراف في جهة واحدة ، فهنا لا بأس أن يتبع أحدهما الآخر، مثل: أن يتجها إلى الجنوب لكن أحدهما يميل إلى الغرب، والآخر يميل إلى الشَّرق فلا بأس للذي يميل إلى الغرب أن يتبع الذي يميل إلى الشرق، ويميل معه إلى الشرق أو العكس؛ لأن الانحراف في الجهة لا يضر؛ ولا يُخلّ بالصلاة – كما سبق – ([43]) .

5- إذا اجتهد الشخص في تحري القبلة حال كونه في الصحراء ، ثم صلى باجتهاده ، وبعد ذلك ظهر أنه صلى إلى غير القبلة، قال بعض أهل العلم: فإنه يعمل باجتهاده الأخير إذا ظهر له أنه أصح من اجتهاده الأول، وصلاته الأولى صحيحة؛ لأنه أداها عن اجتهاد وتحرٍّ للحق، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم حين تحولت القبلة من جهة بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة ما يدل على ذلك ، وقال بعضهم : إذا كان قد اجتهد متحريًا القبلة وتبين الخطأ فإنه لا يعيد؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[ البقرة: 115]، والقول الأول هو الأحوط .

6- من كان في البر وخفي عليه اتجاه القبلة لَزِمَه أن يسأل إن كان في مكان يمكنه السؤال، كأن يكون قريبًا من قرية، أو خيمة .. وغير ذلك؛ فإن صلي باجتهاده وتبين خطأَه لزمه إعادة الصلاة، وذلك لإمكانه معرفة اتجاه القبلة بالسؤال، أما إن كان بعيدًا ولا يمكنه السؤال فلا يلزمه تأخير الصلاة حتى يصل إلى مكان قريب ليسأل عن القبلة، بل عليه أن يجتهد ويعمل باجتهاده .

ثانيًا : الأذان والصلاة :

1- متى خرج جماعة في رحلة إلى البر فالواجب عليهم أن يؤذنوا ويقيموا؛ لأن الأذان والإقامة فرض كفاية في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك ابن الحويرث وأصحابه رضي الله عنهم : «فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ»([44])، ويجوز تأخير الأذان عن أول وقته ، لكن الأفضل البدار بالأذان والصلاة في أول الوقت .

2- من خرج إلى البر فيشرع له الأذان وإن كان وحده ؛ لما ثبت في الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال لرجل: « إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ (لِلصَّلَاةِ)، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([45])، ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ وأيضًا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يَعْجَبُ رَبُّكُمْ مِنْ رَاعِى غَنَمٍ في رَأْسِ شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ يُؤَذِّنُ بِالصَّلاَةِ وَيُصَلِّى، فَيَقُولُ اللَّهُ – عَزَّ وَجَلَّ -: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِى هَذَا، يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلاَةَ، يَخَافُ مِنِّى، فَقَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِى، وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ»([46])، ولعموم الأحاديث الأخرى في شرعية الأذان وفائدته.

3- لا يجوز الأذان قبل دخول الوقت، ومن أذّن وتبيّن له أن أذانه وقع قبل دخول وقت الصلاة التي أذن لها وجب عليه أن يعيد الأذان بعد دخول الوقت، إلا صلاة الفجر، فإنه يؤذن لها الأذان الأول قبل دخول الوقت، ثم يؤذن لها بعد دخول الوقت .

4- من الأمور المهمة التي يجب مراعاتها في الأذان الموالاة، فهي شرط في الأذان والإقامة؛ حيث إن كلَّ واحد منهما عبادة، فاشترطت الموالاة بين أجزائها كالوُضُوء، فلو كبَّر أربع تكبيرات ثم انصرف وتوضَّأ ثم أتى فأتمَّ الأذان ، فإن هذا الأذان لا يصحُّ ، بل يجب أن يَبْتَدِئَهُ من جديد .

والموالاة: هي التتابع([47])، معناها ألاَّ يَفْصِل بعضَه عن بعض، فإن فَصَلَ بعضَه عن بعض بزمن طويل لم يجزئ ، فلا بُدَّ أن يكون متواليًا؛ لأنَّه عبادة واحدة ، فلا يصحُّ أن تتفرَّق أجزاؤها، فإن حَصَل له عُذرٌ مثل أن أصابه عُطاس أو سُعَال فإنه يبني على ما سبق؛ لأنه انفصل بدون اختياره، وليس للرجل أن يبنى على أذان غيره؛ لأنه عبادة بدنية، فلا يصح من شخصين , كالصلاة .

ولا يستحب أن يتكلم في أثناء الأذان، وكرهه طائفة من أهل العلم. وما يحصل من بعض الشباب في الرحلات البرية من إضحاك من يؤذن فهذا لا ينبغي، والواجب على القائمين على مثل هذه الرحلات أن يأخذوا على أيدي هؤلاء؛ لأن الأذان عبادة – كما سبق – . فإذا طال الفصل بين كلمات الأذان بكلام كثير، ولو مضطرًّا فيبطل الأذان، ويجب استئنافه؛ وكذا إذا حدث أثناء الإقامة .

5- عندما يؤذن أو يقام للصلاة يحصل لغط وكلام كثير، فهذا لا ينبغي؛ فوقت الأذان من مواطن إجابة الدعاء الذي يستحب الدعاء فيه ؛ لما رواه أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أذن المؤذنُ فُتِحَت أبوابُ السماءِ واسْتُجِيب الدعاءُ ؛ فإذا كان عند الإقامةِ لم ترد دعوةٌ»([48]).

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَاسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ؛ وَلا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ»([49]).

ومعلوم أن رفع اليدين عند الدعاء مستحب إلا ما استثناه الشرع، كالدعاء أثناء الخطبة، فلا يشرع رفع اليدين أثناءه، وكذلك الدعاء أثناء الصلاة في غير القنوت، فلا يشرع رفع اليدين فيه .

6- من المواضع التي لا تصح الصلاة فيها أعطان الإبل، وأعطان الإبل هي الأمكنة التي تقيم فيها، وتأوي إليها، وليس في المرابض التي تربض فيها ثم تقوم ولا تعود([50])؛ وكذلك الأماكن التي مرت بها ولها بقايا روث فيها، فهذه لا بأس بالصلاة بها، فمثلا لو وجدت في البر مكانًا لإبل فصلِّ فيه، أما إذا كان مما تأوي إليه وتقيم فيه وتعطن فيه بعد الشرب فإن ذلك لا تجوز الصلاة فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك بقوله: «صلُّوا في مرابضِ الغنم، ولا تُصَلّوا في أعطان الإبل»([51])، أما مرابض الغنم والبقر فلا بأس بالصلاة فيها ([52]).

7- يستحب لأصحاب الرحلات البرية الإبراد بالظهر في الصيف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « أبردوا بالظهر، فإن شدة الحر من فيح جهنم » ويستحب تعجيله في الشتاء والربيع والخريف ، لحديث أنس رضي الله عنه عند البخاري: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ ، وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ، يَعْنِي الْجُمُعَةَ»([53])، والإِبراد: أصحُّ شيء فيه أن يكون ظِلُّ كلِّ شيء مثله مضافًا إليه فيء الزَّوال، يعني: أنه قُرب صلاة العصر .

8 – بول وروث ما يؤكل لحمه من الحيوان – كالإبل ، والبقر ، والغنم ، والدجاج ، والحمام ، وجميع الطيور – شيء طاهر ، فمتى أصاب الثوب شيء منها فالصلاة بها صحيحة ، بخلاف بول ما لا يؤكل لحمه ، فإنها نجسة ، كبول الحمار وروثه مثلًا ؛ فهذه إذا أصابت الثوب أو البدن فإنه يجب تطهير ما أصابها .

9- الصلاة على الأرض المبتلة أو على الوحل والطين لا حرج فيها ، إذا كانت طاهرة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي : نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ ، وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً » ([54]) .

10- من خرج إلى البر وكانت المسافة التي يقصدها مسافة قصر صح له التطوع على المركوب من راحلة ، وسيارة ، وغيرها من وسائل النقل ، أما الفريضة فلا بد من النزول لها إلا عند العجز ؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ ، يُومِئُ إِيمَاءً صَلَاةَ اللَّيْلِ، إِلَّا الْفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ»([55]). وفي لفظ: «غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ»([56]).

ويستحب استقبال القبلة عند تكبيرة الإحرام ؛ لحديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم « كَانَ إِذَا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ ، ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ»([57])، فإذا لم يفعل ذلك فالصلاة صحيحة عملًا بالأحاديث الصحيحة.

11- يلاحظ عند أصحاب الرحلات البرية التهاون في إدراك تكبيرة الإحرام مع ما جاء في فضل إدراكها، وهذا أمر لا ينبغي؛ بل المطلوب من كل مسلم أن يعتني بالصلاة، وأن يتهيأ للدخول فيها حتى لا تفوته تكبيرة الإحرام .

12- تأخير صلاة العشاء حتى منتصف الليل أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنْ اَلْعِشَاءِ»([58])، وخرج ذات ليلة إلى أصحابه وقد مضى عامة الليل فقال: « إِنَّهُ لَوَقْتُهَا ، لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» ([59]) ، لكن الرجل إذا كان يلزم من تأخيره إياها أن يدع الجماعة فإن تأخيره إياها حرامٌ عليه في هذه الحال ؛ لوجوب صلاة الجماعة عليه ، ويجب إذا أُخرت أن لا تتجاوز نصف الليل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت صلاة العشاء إلى نصف الليل فقط ، فلا يجوز أن تؤخر إلى ما بعد نصف الليل ؛ لأن ما بعد نصف الليل ليس وقتًا لها ، وإن أخرها كسلًا فلا حرج عليه ، لأن تأخيرها هو الأفضل ، هذا إذا كان ممن لا تجب عليه الجماعة – كما سبق – .

13- يلاحظ أن بعض المصلين وبخاصة الذين يخرجون إلى البر يتجولون بأبصارهم أثناء الصلاة ، فمرة إلى جهة اليمين ، ومرة إلى اليسار ، ومرة إلى المارين ، ومرة إلى الطيور في السماء وغير ذلك . والصواب أن هذا خلاف الخشوع المأمور به في الصلاة ، فلو خشعت قلوبهم لخشعت أبصارهم ، ثم إن رفع البصر إلى السماء في الصلاة قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : « لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِى الصَّلاَةِ أَوْ لاَ تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ » ([60]) ، وأما الالتفات فإذا كان من غير حاجة فإنه يُنقص من أجر الصلاة .

14- مما يلاحظ عند البعض أنه يغطي فمه وأنفه أثناء الصلاة ، وهذا العمل مكروه ، فيكره أن يُغطي المسلم فمه بثوبه ، أي يُكره التلثُّم في الصلاة ، لما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قَالَ : « نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ فِي الصَّلَاةِ » ([61]) .

15- ذكر بعض الفقهاء كراهة استقبال النار أثناء الصلاة ، وعللوا هذا بأنه يشبه المجوس في عبادتهم للنيران ، والمقصود بالنار هنا ما كان لها لهب ، فإن كانت النار قد أُطفِأت أو لم يبق منها ألا الجمر ، فلا حرج في استقبالها ؛ فالمجوس لا يعبدون النار على هذا الوجه .

وعلى هذا نقول أيضًا لا حرج من وضع حامل البخور أمام المصلي ، ولا من وضع الدفايات الكهربائية أمام المصلي أيضًا ، لا سيما إذا كانت أمام المأمومين وحدهم دون الإمام .

13- يلاحظ عند بعض من يخرجون إلى البر إذا ضاق بهم مكان الفرش للصلاة تقدم البعض وصلى بجانب الإمام ، ليس لضيق المكان وإنما لقلة الفرش التي يصلى عليها ، وهذا خلاف الصواب والأولى ، فعلى الجميع أن يجتهد في أن يكون الإمام مستقلًا بإمامته وفي صفه وحده ، لأن هذا هو المعهود من إمامة النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن جاء بعض الناس ولم يجد مكانًا في الصف هل يشرع أن يتقدم فيصلى بجانب الإمام؟ نقول: هذا محل خلاف عند العلماء ، فذهب سماحة شيخنا عبد العزيز ابن باز رحمه الله ([62]) إلى جوازه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « لا صلاةَ لمن صلى خَلْفَ الصفِّ وحدَه » ([63]) ، وذهب شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ([64]) ، إلى النهي عن ذلك ، وقال : يصلي خلف الصف وحده ، وأن صلاته صحيحة .

14- يحدث من بعض الشباب أنه يضحك من يصلي ، ويكثر هذا في الرحلات البرية ، وهذا أمر مناف لقدسية الصلاة ؛ فالضحك في الصلاة يبطلها بإجماع أهل العلم ، وهكذا لو تكلم عمدًا بطلت صلاته ، إلا إذا كان ناسيًا أو جاهلا ، فلا تبطل صلاة الناسي والجاهل ، لكن الضحك يبطل الصلاة مطلقًا ؛ لأنه استخفاف بالصلاة وتهاونٌ بها .

15- إذا خرج المسلم لرحلة برية مسافتها ( 80 ) كيلو مترًا تقريبًا أو أكثر ، للنزهة أو للصيد ، أو لغير ذلك من الأسباب المباحة شرع له القصر ، فيصلي الأربع اثنتين ، ويجوز له الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، جمع تقديم أو جمع تأخير ، على حسب ما يراه أرفق به ، وإذا كان نازلًا مستريحًا فترك الجمع أفضل ، فيصلي كل صلاة في وقتها قصرًا .

16- من يصلي في البر قد يعلق بعض التراب في وجهه ، فله أن يمسحه بعد السلام ، وإنما يكره مسحه قبل السلام ؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض صلواته أنه سلم من صلاة الصبح في ليلة مطيرة ويُرى على وجهه أثر الماء والطين ([65])، فدل ذلك أن الأفضل عدم مسحه قبل الفراغ من الصلاة .

17- متى خرجت مجموعة من الناس إلى البر وتقيم فيه قرابة الأسبوع يتخلل هذا الأسبوع يوم الجمعة ، فليس على هذه الجماعة أن تقيم صلاة الجمعة ، لأنها لا تجب عليهم ، بل يصلون الظهر ، وإن رغبوا أن يصلوا الجمعة فليقصدوا أحد الجوامع القريبة من مكانهم – إن شاؤوا – .

18- إذا خرج الإنسان للنزهة فعلى تفصيل : إذا أراد إقامة أكثر من أربعة أيام في محله وعزم على هذا ، فالذي عليه الجمهور أنه يتم الصلاة الرباعية أربعًا ، أما إذا ما كان عنده جزم ؛ هل يقيم يومين أو ثلاثة أو أربعة؟ فهذا الأفضل له أن يصلي قصرًا ، اثنتين اثنتين ، ولا بأس أن يجمع ، لكن ترك الجمع أفضل .

19- إذا دخل وقت الصلاة وهو في البلد وقد نوى الخروج إلى البر ثم ارتحل قبل أن يصلي جاز له الجمع ، وكذا القصر في أصح أقوال أهل العلم ، فمتى غادر معمور البلد جاز له الجمع والقصر ، فالعبرة هنا بوقت الفعل  ، لا بوقت الخروج من البلد .

20- من خرج من بيته وفي نيته الذهاب إلى بر قريب ثم واصل السير إلى بر أبعد منه غير قاصد له ثم تبين له أنه في مسافة قصر ، فلا يجوز له القصر لعدم وجود نية السفر ، كمن خرج من بلده يتمشى أو يتتبع الصيد  -مثلًا -، أو خرج فضلَّ الطريق، كل ذلك بلا نية للقصر ، فهنا لا يجوز له القصر لأنه لم ينوِ مسافة القصر ، وكذا مَن خرج لطلب إبل شاردة ؛ لأنه لم ينو مسافة القصر .

21- من خرج من بلده إلى الصحراء القريبة وهو يرى مباني هذه البلدة فلا يلزمه الذهاب إلى هذه البلد ، بل له أن يصلي في مكانه ، إلا إذا كانت صلاة جمعة ، فتلزمه إذا سمع النداء إن كان مكانه قريبًا من تلك البلدة ، أي : يجب عليه الذّهاب إليها وإقامة الجمعة فيها ، وإلاّ لم تجب عليه ، وضابط القرب : أن تصل أصوات المؤذّنين إلى ذلك المكان عندما يؤذّنون في أماكن مرتفعة ، وبأصوات عالية ، مع توسّط حالة الجوّ من حيث الهدوء والضّجيج .

22- مما ينبغي أن يحرص عليه المصلي في البرية أن يصلي إلى سترة، وأن يدنو منها، وهي مشروعة في حق الإمام والمنفرد، وكذا المسبوق إذا قام لقضاء ما فاته إن أمكن، حتى ولو كان المصلي في مكان لا يخشى فيه مارًّا؛ لعموم الأدلة لكل مصلٍّ؛ ولأنه قد يكون المارّ من الجنس الذي لا يراه الإنسي، وهو الشيطان، ومن الأدلة على ذلك ما يلي:

عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُّتْرَةٍ ، وَلْيَدْنُ مِنْهَا ، لاَ يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلاَتَهُ»([66]) .

وعن سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ ، فَلْيَسْتَتِرْ لِصَلَاتِهِ ، وَلَوْ بِسَهْمٍ » ([67]) .

والسهم : عود من الخشب يسوّى ، في طرفه نصل يرمى به عن القوس ، يقدر بحوالي ستة عشر سنتيمترًا تقريبًا .

وعن ابن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم « كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ ، فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ ؛ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الْأُمَرَاءُ » ([68]) .

والحربة : آلة قصيرة من الحديد ، محددة الرأس ، تستعمل في الحرب .

وعَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي « أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ، تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ » ([69]) .

والعنزة : أطول من العصا، وأقصر من الرمح، في أسفلها زج كزج الرمح، يتوكأ عليها الشيخ الكبير .

ولا فرق في مشروعية اتخاذ السترة بين الرجال والنساء ، على أن التساهل فيها موجود ، فمن المتنفلين من لا يصلي إلى سترة ، وهذا من الجهل وعدم الفقه في الدين . والنساء يتساهلن في السترة ، فلا تكاد تجد امرأة تصلي حتى في بيتها  – فضلًا – عن البر إلى سترة إلا القليل النادر .

وقد دلت السنة القولية والفعلية على تأكيد اتخاذ السترة ، وقد واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتركها حضرًا ولا سفرًا ، وأمر بها في عدة أحاديث ، حتى ذهب فريق من أهل العلم إلى وجوبها .

23- السنة أن تكون السترة شيئًا قائمًا ، مثل مؤخرة الرحل ، أو أكثر من ذلك ، كالجدار والعمود والكرسي ونحو ذلك , فإن لم يجد طرح عصًا أو نحوَها قُدامه إذا كان إمامًا أو منفردًا , أما المأموم فسترة الإمام سترة له ، وإن كان في أرض ولم يجد سترة خط خطًّا ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْئًا ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَخُطَّ خَطًّا ، ثُمَّ لاَ يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامَهُ » ([70]) .

24- من السنن التي ينبغي إحياؤها في البر الصلاة بالنعال ، وبخاصة إذا صلوا على غير فرش ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في نعليه كما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه([71]) ، وعن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خَالِفُوا الْيَهُودَ؛ فَإِنَّهُمْ لاَ يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ ، وَلاَ خِفَافِهِمْ»([72])، فينبغي للمسلم أن يصلي في نعليه أحيانًا ، لا سيما إذا كان في الصحراء لسفر أو نزهة ونحوهما ، ومن فوائد ذلك تطبيق السنة ، وإشاعتها بين الناس .

أما إذا كان في المسجد وكان المسجد مفروشًا ، فإنه لا يصلي في نعليه لأمرين :

الأول: أن المساجد لا تسلم من تلويث فرشها حتى مع العناية بالنعال وتفقدها؛ لأن الفرش سريعة التأثر باللون والرائحة .

الأمر الثاني: أن الغالب على الناس الغفلة عن العناية بنعالهم حين يدخلون المسجد، لا سيما إذا اعتادوا دخول المساجد بها ، فإنه مع طول الزمن تضعف عنايتهم بها .

25- لا حرج علي الإنسان – إذا صلي في البرية في أيام الصيف ، إذا كانت الأرض حارة ، أو في أيام الشتاء إذا كانت الأرض باردة بردًا يذهب الخشوع ، أو كان فيها حصى يذهب الخشوع ، أو ما أشبه ذلك ، أن يضع بينه وبين هذه الأرض طرفَ ثوبه ، أو طرف غترته ، أو ما أشبه ذلك ؛ لأن هذا يؤذي الإنسان إذا سجد عليه ، ويذهب عنه الخشوع ، فإذا وضع علي الأرض ما يذهب به هذا الذي يحصل به هذا الضرر فلا حرج .

 

الباب الثالث:

المسائل المتعلقة بالصيد وأحكامه

 

1- الصيد يدور حكمه بين الجواز والكراهة والتحريم :

فالجائز منه : هو ما كان لحاجة ، كالأكل أو نحوه ، فهذا مما أحله الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وأجمع عليه المسلمون .

أما المكروه : فهو ما كان لغير حاجة ، ولا يبالي بصيده ؛ فهذا يدور بين الكراهية والتحريم ، وإن كان القول بتحريمه أولى من القول بكراهيته ؛ لأنه عبث بمخلوقات الله سبحانه وتعالى وأذية لها بدون حاجة .

أما المحرم : فهو ما كان فيه أذية ، كأن يلتزم نزول مزارعهم وإفساد أموالهم ، فهذا لا شك في أنه محرم .

2- ذكر أهل العلم مجموعة من الشروط التي يجب توافرها في الصائد ، منها :

أولًا : الأهلية :

ومعناها كون الصائد من أهل الذكاة ، والمراد به : المسلم العاقل ،  والكتابي العاقل، وكذا المميز؛ وما عداهما – كالمجنون ، وغير الكتابي – فلا يجوز صيده ، ولا أكل صيده.

ثانيًا :القصد :

ونعني بها كون الصائد قاصدًا للصيد ، فلو أن رجلًا صوب سهمه نحو هدف ما ، وأثناء سير السهم مر بطير من غير الصيد كدجاجة فقتله ، فإنها لا تحل ؛ لعدم القصد .

ثالثًا : الآلة :

والمراد بها ما يستخدم في الاصطياد ، وهي نوعان :

الأولى : آلة محددة .

الثانية : آلة جارحة .

فالآلة المحددة: المراد بها ما يصاد به ، كالسهم والرمح والسيف وغيره ، ويشترط فيه ما يشترط في آلة الذبح ، أي: ليس سنًّا ، ولا ظُفرًا لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: « مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا ، لَيْسَ السِّنَّ ، وَالظُّفُرَ ؛ وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ : أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ » ([73]) .

ويشترط أيضًا أن تجرح، فإن لم تجرح فهنا يحرم الذبح أو الصيد بها.

وهنا ذكر بعض المسائل في الآلة المحددة .

حكم الصيد بالآلة المسروقة :

اختلف أهل العلم في هذه المسألة ، والصحيح – إن شاء الله – أن ما صيد بمسروق حلال مع الإثم ، أي : إثم السارق أو الغاصب .

حكم الصيد بالبندق :

البندق والمراد به الطين اليابس، والغالب أنه من الخزف، وحجمه كالحمصة أو أكبر؛ فهذا لا يكون آلة صيد ، ومثاله ما نراه في أيدي أطفالنا ما يسمى ( بالنباطة ) ؛ فهذا لا يجوز الاصطياد به ، فعن سعيد بنِ جُبَيْرٍ : أَنَّ قَرِيبًا لعبْدِ الله بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه خَذَفَ – قَالَ – : فَنَهَاهُ ، وَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْخَذْفِ ، وَقَالَ : « إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْدًا وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوًّا وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ». قَالَ: فَعَادَ . فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهُ ثُمَّ تَخْذِفُ ، لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَدًا » ([74]) .

أما البندق الذي يستعمل بالرصاص المعروفة لدينا ، فالصحيح جواز الاصطياد بها ؛ بخلاف من قال بعدم الجواز .

3 – في حكم الاصطياد بالشبكة :

أما الشبكة والفخ فلا يحل الاصطياد بهما ، لأنهما يقتلان المصيد ، لكن إذا أمسكت الشبكة أو الفخ المصيد ثم قام الصائد بأخذ المصيد فذبحه بعد الإمساك به ، فهذا جائز ؛ أما استقلال الشبكة أو الفخ بالقتل فهذا لا يحل .

4 – في حكم الاصطياد بالعصا :

في هذه المسألة تفصيل :

إن أرسل عصاه فأصاب طيرًا فقتله فلا يحل ؛ أما إن أصابه في شيء من بدنه فلم يقتل فقام فذبحه فهذا يحل .

5 -ومن الأحكام المتعلقة بالصائد :

أولًا : إرسال الآلة :

ومعناه أن يرسل الصائدُ آلةَ الصيد قاصدًا بذلك الصيد ، والآلة هنا بنوعيها ، سواء كانت محددة أو جارحة ؛ فإن كان ممسكًا بها فانطلق منها سهم  – مثلًا – غير قاصدٍ للصيد فأصاب طيرًا من غير الصيد كدجاج بدون قصد الإرسال فإنها لا تحل ، فلا بد من قصد الإرسال. ولكن نضيف هنا – أيضا – أنه إن كان ممن يصيد بالجارحة – أي: بالكلب ، أو الصقر – فهل يحل له صيده إن لم يرسله قاصدًا ؟

الصحيح : أنه لا يحل له ذلك ؛ فلا بد من قصد الإرسال ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَمْسَكَ وَقَتَلَ فَكُلْ ، وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ ؛ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ . وَإِذَا خَالَطَ كِلَابًا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهَا فَأَمْسَكْنَ وَقَتَلْنَ فَلَا تَأْكُلْ ؛ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهَا قَتَلَ. وَإِنْ رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلَّا أَثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ » ([75])، فعلق الحكم بالإرسال.

ثانيًا : التسمية عند إرسال الآلة بنوعيها وفيها مسائل :

المسألة الأولى : في حكمها :

اختلف أهل العلم في حكم التسمية عند الصيد والصحيح وجوبها بخلاف من قال بغير ذلك، لأمره سبحانه وتعالى بقوله:{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}[الأنعام: 118 ]، ولنهيه عن الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه بقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}[الأنعام: 121]. ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَرْسَلْتَ سَهْمَكَ وَكَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَقَتَلَ سَهْمُكَ فَكُلْ »([76]) .

المسألة الثانية : متى يسمي ؟

الصحيح أنه يسمي عند إرسال السهم لا عند التعبئة، فهناك من يخطئ في ذلك، ويقول: إنني سميت عند التعبئة، وهذا غير صحيح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أرسلت سهمك وذكرت اسم الله عليه» ، والواو تقتضي الاشتراك والاجتماع في الزمن .

المسألة الثالثة : في حكم من نسي التسمية عند الإرسال :

اختلف أهل العلم في ذلك ، والصحيح أن التسمية تسقط سهوًا وجهلًا، لكن نجعل هنا شيئًا من التفصيل في حق الصائد، وهو أنه إذا شك هل سمى أم لا؟ يعني: أنه بعد ما صاد شك، فهنا إن كان ممن هو كثير الشكوك فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك، وصيده حلالًا .

أما إن كان ممن لا يشك كثيرًا ، فهنا ننظر إلى حاله . فإن كان ممن يحافظ على التسمية – أي : معتادًا لذلك – فهنا لا يلتفت إلى الشك ، وإن كان ممن لا يبالي بذلك بل يتعمد أحيانًا يسمي وأحيانا لا يسمي ، فهنا الأولى ألا يأكل منها ، بخلاف كثيرِ الشكوك .

المسألة الرابعة : فيمن ترك التسمية عند الإرسال ثم سمى بعده :

ذكرنا فيما سبق أن التسمية تكون عند الإرسال لا قبله ، أي لا تكون عند التعبئة ، أما كونه لم يسمّ إلا بعد الإرسال ، فالصحيح عدم الحل ؛ أَرأيتَ لو أنه ذبح فلما فرغ من الذبح سمى ، هل تحل ذبيحته ؟ الصحيح : لا . هكذا الصيد ، هذا إن تركها قاصدًا ، أما نسيانًا فالصحيح كما ذكرنا أنها تحل .

المسألة الخامسة : هل يشترط التسمية عند نصب الحديدة ونحو ذلك ؟

نعم يشترط ذلك ؛ لأننا قلنا سابقًا  أنه لا بد من إرادة القصد ، فما دام أنه قاصدٌ الصيد ، فإنه يشترط لذلك التسمية .

المسألة السادسة : إذا سمى على طائر معين فأصاب غيره :

اختلف أهل العلم في هذه المسألة ، وأصح الأقوال فيها الحل ، ما دام أنه عيّن صيدًا عند الإرسال ؛ وإن لم يعين صيدًا فأرسل سهمًا فأصاب بغير تعيين فهذا – أيضًا – محل خلاف ، والصواب في هذه المسألة الحل .

المسألة السابعة : إذا صاد الصائد المجموعة من الطيور فخلطها ، ثم تذكر أنه لم يأت بالتسمية على بعض منها ، فما الحكم ؟

في هذه المسألة عليه أن يتحرى ، فما غلب على ظنه أنه لم يُسمّ عليه متعمدًا تركه ، وقام بتنحيته ، والباقي هو حلال له .

المسألة الثامنة: حكم إضافة (الله أكبر) بعد التسمية : أي يعني قول الذابح: (بسم الله، الله أكبر)؟

الصحيح أنه يسن ذلك ، فالواجب التسمية ، وزيادة ذلك مستحب .

المسألة التاسعة : إذا وجد طيرًا مجروحًا ، فهل يأخذه وهو لم يسم عليه ؟

إذا وجد طيرًا مجروحًا وهو لم يسم عليه فهنا له حالتان :

الأولى : أن يكون الطير به رمق فإنه يُذكيه .

الثانية : إن لم يكن به رمق فمات بجرحه وهو متيقن من عدم التسمية ، فهنا لا يجوز أخذه .

ومن الأحكام الأخرى المتعلقة بالصائد :

ثالثًا : أن يكون الصائد مأذونًا له بالصيد :

هذا – أيضًا – شرط من الشروط المعتبرة في الصائد، ومعنى هذا الشرط أن لا يكون مُحرِمًا، ولا يكون في حَرَمٍ، فإن صاد بالحرم، أو صاده وهو مُحرِم، فلا يحل لقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}[المائدة:95]، والمقصود بالصيد هنا : صيد البر ، لقوله سبحانه وتعالى :{ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } [ المائدة : 96 ] . وهاتان الآيتان في حق الصائد .

أما في حق المصيد والنهي عن صيده في الحرم، فدليله قول النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم مكة: «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا»([77])، فإذا كان النهي واردًا في تنفيرها فقتلها من باب أولى، وكذا الآيات السابقة تدل دلالة واضحة على النهي عن صيدها.

6 – الأحكام المتعلقة بالمصاد:

أولًا : الشروط المعتبرة في المصيد :

أ – أن يكون المصاد مأذونًا بأكله من قبل الشارع ، فإن كان غير مأذون له فيه فلا يجوز صيده ، إلا أن يخاف على نفسه منه ، فإنه يجوز له قتله دفعًا لشره ؛ ودليل ذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير ([78]) ، لكن إذا صاد طيرًا وهو لا يعلم حرمته أو حله فالصحيح أنه يباح له الأكل منه ؛ لأن الأصل الحل .

ب – أن لا يكون المصاد مملوكًا لأحد ، فإن كان مملوكًا لأحد فإنه لا يجوز صيده ؛ وإن صاده فإنه حلال ، لكن حرام أكله .

ج – أن يكون المصاد متوحشًا بطبعه .

ثانيًا : ذكر بعض المسائل المتعلقة بالمصاد :

المسألة الأولى : في حكم المصاد إذا كان في أملاك الناس :

هذه المسألة مبناها على إذن صاحب الملك في الصيد في ملكه ، فإن كان ممن أذن في ذلك فلا حرج في صيده ، لكن بلا ضرر على المزروع ونحوه ؛ أما إذا كان صاحب الملك لا يأذن بذلك فلا يجوز الاصطياد ، ويصبح الصيد محرمًا ؛ وإن صاد فقد حل الصيد ، وأصبح الأكل منه محرمًا .

المسألة الثانية : هل يلزم ذبح الطير المراد إذا سقط وبه رمق ؟

في هذه المسألة تفصيل :

أولًا : إذا كان المصاد لم يبق به رمق إطلاقًا ، كأن يسقط ميتًا ، وذلك بقطع عضو من أعضائه – مثلا – ، فإنه في هذه الحالة يحل من غير ذكاة بالإجماع ، لأن السهم هو الذي قتله .

ثانيًا : إذا كان المصاد فيه رمق ، وذلك كأن تكون به حركة ، فإنه لا بد أن يذكى ، أي : يقوم بذبحه ، فإن مات دون التذكية : هل يحل له ؟

فيه تفصيل : إن مات بتفريط من الصائد وإهمال منه لا يحل ؛ أما إن مات مع إفراغ الوسع لتذكيته فإنه يحل ؛ لكونه لم يقدر على ذكاته .

المسألة الثالثة : حكم المصاد إذا وقع في الماء :

إذا قام شخص فصاد طيرًا فوقع الطير في الماء فقد جاءت نصوص السنة بالنهي عن أكله ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « وَجَدتَهُ غَرِيقًا فِي المْاَءِ فَلاَ تأكلْ ، فإِنَّكَ لاَ تَدْرِي ، الماءُ قَتَله أم سَهْمُك » ([79]) .

لكن هنا شيء من التفصيل وضعه بعض أهل العلم ، فقال : إن كان جرح الطائر بالغًا ويوحي بأن الماء لم يؤثر في موته فإنه يكون حلالًا ، أما إن كان فيه شك – بمعنى أنه لا يعرف هل الماء الذي قتله أم السهم – ، فإنه لا يحل للحديث السابق .

المسألة الرابعة : في حكم المصاد إذا أصيب ثم غاب عن صائده فترة فوجده :

هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم ، بين الحل وعدمه ، وبين التفصيل في ذلك ، والذي يظهر لي – والله أعلم – : أنه إن وجده وبه أثر سهمه ولم يوجد به أثر آخر فإنه يحل .

دليل ذلك حديث عدي بن حاتم عند البخاري ، وفيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يرمي الصيد فيفتقر – وفي رواية : فيقفو – أثره اليومين والثلاثة ، ثم يجده ميتًا وفيه سهمه ، قال  – يعني النبي صلى الله عليه وسلم – : « يأكل منه إن شاء » ([80]) .

غير أنه مشروط بعدم النتن ، فإن نتن فإنه لا يجوز أكله ، وإن كان واجدًا لأثر سهمه به ، دليل ذلك ما رواه مسلم عن أبي ثعلبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَغَابَ عَنْكَ فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ » ([81]) .

المسألة الخامسة : إذا صاد طيرًا ثم سقط معه غيره ؟

هذه المسألة فيها تفصيل :

أولا: إن رأى أثر سهمه في كلا الطائرين ، فهنا يحل له ذلك بأن يصيب سهمه كلا الطائرين .

ثانيا : إن وجد سهمه في أحدهما دون الآخر فلا ، لأنه قد يكون مات من أثر ما فجع به .

المسألة السادسة : في حكم ذبح الطير بالعود والحجر :

يصح الذبح بكل ما أنهر الدم، ويستثنى من ذلك السن والظفر، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها([82])، لكن يراعى عدم تعذيب المذبوح بذلك، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ»([83])، ومن تمام الإحسان بالذبيحة ألا تعذب حال الذبح ، ولا شك أن العود والحجر قد يكونان من أسباب حصول التعذيب ، لكونهما غير محددين جيدًا ، فينبغي على الصائد أن يكون معه آلة حادة تريح المصاد حال ذبحه ، لكن إن اضطر إلى استخدام العود والحجر فلا حرج في ذلك .

المسألة السابعة : إذا رمى صيدًا ظنه حجرًا فأصاب صيدًا :

هذه المسألة على خلاف عند أهل العلم ، كما ذكرناه آنفًا في هل يشترط القصد عند الرمي أم لا ([84]) ، فمن رأى أنه لا يشترط القصد عند الإرسال أحل أكله ، ومن يرى اشتراط القصد لم يحل له أكله .

المسألة الثامنة : إذا رمى الصائد صيدًا فأصابه فمات بسبب آخر :

كسقوط من على سطح دار ، أو سقوط من مكان شاهق ونحوه ، هنا إن تأكد أنه لم يمت بسبب سهمه فإنه لا يحل ، أما إن تأكد أنه مات من سهمه ثم تردى من شاهق ونحوه ، فإنه يحل له لأنه لم يمت من أثر السقوط ، وإنما من السهم .

7 – في ذكر بعض آداب الصيد :

إنه مما ينبغي التنبيه عليه أن الله سبحانه وتعالى حينما أباح لعباده الصيد لم يجعل هذه الإباحة مطلقة دون قيد يضبطها ، بل قيده حفاظًا على حياة الإنسان في الدنيا والآخرة ، وإن مما يؤسف له جهل الكثير ممن اعتادوا الصيد بالآداب الشرعية التي ينبغي مراعاتها ؛ ولذا كم نسمع عن أُسر ضاعت بسبب تفريط الزوج بحقهم وانشغاله بالصيد ، وكم كنا نسمع عن أناس لا يزال لسانه رطبًا من ذكر الله وفجأة تغير الحال فتراه مشغولا بهذه المهنة والحرفة ، بل أصبح قلبه متعلقًا بها ، وتجده قد يتأخر عن الصلاة في الجماعة ، وإذا صلى قام فنقر الصلاة كنقر الغراب ، وذلك كله لانشغال القلب بالاصطياد.

وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : « مَنْ بَدَا جَفَا ، وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ » ([85]) ، ومعنى الحديث: « من بدا جفا »  أي : من سكن البادية جفا ، وذلك لبعده عن المدن التي يتعلم فيها ، ويتعرف فيها على حدود الله سبحانه وتعالى وشرعه ، « ومن تبع الصيد غفل » أي : من تتبعه وصار يطارده فإنه – لا شك – يغفل ، ويشغله عن مصالح دنياه وآخرته .

وسأذكر إخواني ببعض الآداب الشرعية التي يجب مراعاتها عند الاصطياد لعل الله أن ينفع بها .

من هذه الآداب :

أولًا : أن يقصد بصيده التعبد لله سبحانه وتعالى بذلك ، فإن المباح إذا خرج بنية التعبد لربه فإنه يؤجر عليه ، فالأكل – مثلا – مباح ، فإذا أكل الإنسان بنية التقوي على طاعة الله ، أو بمثابة إعداد القوة لإرهاب أعداء الله ، فإنه يؤجر على ذلك ؛ وكذا الاصطياد إن خرج بنية التعبد من أكل الصيد الذي يقويه على طاعة الله فإنه يؤجر .

ثانيًا : أن لا يشغله الصيد عن الواجبات التي أوجبها الله سبحانه وتعالى عليه ، فلا يدع أهله وأولاده مدة يخشى عليهم من الضياع فيها ، وأن يحافظ على الطهارة والصلاة في أوقاتها في جماعة ، وغير ذلك من الواجبات .

ثالثًا : اجتناب إيذاء المسلمين ، وذلك بانتهاك حرمات مزارعهم ، فلا يجوز له الاصطياد في مزرعة أحد إلا بإذنه ، وبخاصة إذا علم أنه ممن لا يأذن بالاصطياد في مزرعته .

رابعًا : بعض الناس يأخذ إجازة من المؤسسة أو الهيئة التي يعمل بها ، أو الطالب من مدرسته من أجل هذه الهواية ، وهذا لا ينبغي ؛ لأنه يؤدي لترك العمل وهو الواجب الوظيفي لشيء ليس بواجب ، بل ولا مطلوب ولا مستحب .

خامسًا : عدم رفع السلاح أي آلة الصيد في وجه أخيه بحجة المزاح ؛ لعموم النهي عن ذلك ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ »([86]) ، وعند مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ » ([87]) .

سادسًا : عدم اتخاذ صيد الطيور غرضًا ، أي : لمجرد اللهو واللعب والعبث ؛ فإن هذا منهي عنه ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « لاَ تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا » ([88]) ، بل لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك ، فعَنْ سعيدِ بنِ جبَيرٍ قَالَ : « كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ ، فَمَرُّوا بِفِتْيَةٍ أَوْ بِنَفَرٍ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا ، فَلَمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا عَنْهَا ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : مَنْ فَعَلَ هَذَا ؟ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا » ([89]) .

سابعًا : عدم الذهاب إليه إلا بعد رضا الأبوين في ذلك ، فإن البعض  – عافانا الله وإياهم – يذهبون من غير رضا الوالدين ، فإذا منعاه من ذلك حرم عليه الذهاب لأن طاعتهما واجبة ، والذهاب إلى الصيد مباح ، فكيف يقدم المباح على الواجب .

ثامنًا : ومن الأمور التي تحصل بين الناس المفاخرة بالصيد ويجعلونه ديدنهم في مجالسهم مفاخرة ومباهاة ، وكل هذا منهي عنه ، فليتق هؤلاء ربهم ، فإن المفاخرة وما شابهها أمور محرمة ، ولا تجوز في ديننا ، بل هي من عادات الجاهلية .

8 – فيما يتعلق بصيد الضب :

أولا : في حكم أكله :

اختلف أهل العلم في حل أكل الضب ، والأكثرون على حله ، وهو الصحيح ؛ لورود الأخبار الصحيحة في ذلك ، وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل من الضب لا يدل على تحريم أكله ([90]) ، وإنما لكونه لم يكن معهودا أكله في قومه ، كما بين ذلك صلى الله عليه وسلم بل أُكل الضب على مائدته ، قال ابن عبَّاسٍ : « فَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»([91]) .

وما ورد في النهي عن عبد الرحمن ابن شبل أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «نَهَى عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ»([92]) ، ليس محمولا على نهي التحريم ولا الكراهة المطلقة ، وإنما هو كراهة التنزيه ؛ كمن عافت نفسه الأكل منه .

ثانيا : طرق إخراج الضب من جحره وصيده :

لا شك أن الشريعة الإسلامية جاءت رحمة للخلق جميعًا ، سواء كان إنسانًا أو حيوانًا أو طيرًا وغيره ، وهذا يدل على شمول رحمتها ، ولذا كان ولا بُدّ عند صيد الضب ونحوه من استخدام أسهل الطرق في صيده ، حتى لا يكون ذلك تعذيبًا له ، فعلى من أراد صيد الضب وغيره أن يكون رحيمًا عند صيده ، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِى السَّمَاء » ([93]) ، فالرحمة تشمل كل شيء ، نسأل الله تعالى أن يرحمنا وإخواننا المسلمين .

ثم أريد أن أنبه على أمر ، وهو أن الوسائل لها أحكام مقاصدها ، فمتى كانت نية الصائد عدم التعذيب وذلك باتقاء الله سبحانه وتعالى عند صيده فإنه لا بأس بذلك .

وهذه جملة من طرق إخراج الضب من جحره :

  • السيول التي جاءت من المطر، فإنها تكون سببًا في إخراج الضب من جحره.
  • صب الماء في جحر الضب .
  • إرسال النار في جحره لإخراجه .
  • استخدام دخان السيارة .
  • استخدام السيارة بدهسه .
  • صيده عن طريق الشبكة .
  • وضع بعض الأطعمة التي يرغبها عند جحره لكي يخرج .

فهذه جملة من طرق صيد الضب ، لكن هناك تنبيه ، وهو أنه متى مات الضب باستخدام إحدى هذه الطرق – كالخنق بالدخان ، أو الغرق بالماء ونحوه – فإنه لا يحل أكله .

ثالثًا : ذكر بعض عجائب وغرائب الضب :

– طول النفس ، وشدة انعقاد الحياة والروح فيه ، وبقاؤها بعد الذبح وهَشم الرأس .

– طول عمره ، فقد قيل إنه يعيش سبعمائة سنة .

– أنه لا يشرب الماء ، وإنما يكتفي بالنسيم وبرد الهواء ، وذلك عند الهرم وفناء الرطوبة ، ونقص الحرارة .

– أن ذكور الضب لها ذكران ، وللأنثى فرجان .

– أنه لا يخرج في الشتاء من جحره ، ويأكل من روثه .

– أن بينها وبين العقارب محبة ، لذلك نرى الضب يؤويها في جحره لكي تلسع من أراد أن يقوم بصيده ؛ فعلى كل صائد الاحتياط لنفسه عند إرادة إخراج الضب من جحره .

– أنه يأكل أولاده .

– أن بينه وبين الحية عداوة .

– أن بيض الأنثى يصل إلى ستين ، أو يزيد .

– اختياره مكانًا مرتفعًا لجحره ، ومكانًا صلبًا ليصعب الوصول إليه .

من فوائد أكل الضب :

– قيل بأنه ينفع من وجع الظهر .

– وقيل أن خرء الضب صالح للبياض الذي يصير في العين ، ولكن هل يستخدم أم لا ؟ هذا مبني على نجاسته .

– وقيل بأن أكل طحاله نافع لوجع الطحال ، ويأمن منه أبدًا .

– وقيل بأن أكل لحمه نافع – بإذن الله – من الأمراض المزمنة ، ويزيد في ضوء البصر ، ويقوي البدن ، ويعين على الجماع ، ومن أكل منه فلا يعطس زمنًا طويلًا .

رابعًا : إذا انقطع من الضب شيء وهرب فهل يحل ذلك الذي انقطع منه وصار في يد الشخص ؟

لا يحل أي شيء قُطع من الضب حال صيده ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ ، فَهُوَ مَيْتَةٌ » ([94]) .

9 – في أحكام الصيد بالجوارح :

إن من يسر الشريعة الإسلامية أنها حينما أباحت الصيد للعباد لم تجعل ذلك مقصورًا على الصيد بالآلة فقط ، بل وسَّعت الأمر على العباد ، فأباحت الصيد بعموم الجوارح المكلبة عدا الكلب الأسود ؛ لأن النصوص وردت في النهي عن اقتنائه ، والأمر بقتله ، والعلة في ذلك كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم: أنه شيطان ([95]) ، وعندما نقول : ( الكلب الأسود ) ، فإننا نعني الكلب الأسود البهيم ، ليس فيه بياض إطلاقًا . فالحاصل أن الشريعة أباحت للأمة الاصطياد بالجوارح ، فإن الإنسان قد يعجز عن الاصطياد بالآلة أحيانًا ، فرخص الله سبحانه وتعالى لعباده الاصطياد بها .

المسألة الأولى : في أدلة الاصطياد بالجوارح :

جاءت نصوص الكتاب والسنة تدل على جواز الاصطياد بها ، فمن الكتاب قوله سبحانه وتعالى : {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [ المائدة : 3 ] .

فدلت الآية على إباحة الصيد بالكلاب المعلمة ، شريطة التسميةِ عند إرسالها .

أما الأدلة من السنة فكثيرة ، نذكر منها :

حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه وفيه: قلت: يا رسول الله! إِنَّا نُرْسِلُ الْكِلَابَ الْمُعَلَّمَةَ، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: «كُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ»، قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: «وَإِنْ قَتَلْنَ»([96]).

المسألة الثانية : هل الحكم بإباحة صيد الجارحة مقصور على الكلاب ؟

هذه المسألة على قولين عند أهل العلم ، منهم من قصرها على الكلاب ، ومنهم من جعل الحكم عامًّا في كل ما عُلّم من الجوارح ، سواء كان كلبًا ، أو طيرًا ، أو فهدًا ، أو أسدًا ، وهذا هو قول جمهور أهل العلم ، وهو الصحيح .

المسألة الثالثة : الشروط التي يجب توافرها عند الصيد بالجارحة :

الشرط الأول : أن تكون الجارحة معلمة:

لأدلة الكتاب والسنة الواردة في اشتراط ذلك ، فإن أرسل كلبًا غير معلم فاصطاد له فهنا إن أدرك ذكاته فذكّاه صار حلالًا ،وإن لم يدرك ذكاته فلا يحل له ، بخلاف المعلم فإنه مذكّى إن قتله .

ولكنْ هناك سؤال : كيف أعرف أن الجارحة معلمة ؟

نقول : يمكنك معرفة ذلك بثلاثة أمور :

أ – إذا أرسلته استرسل، ومعناه أن الإنسان يغري هذه الجارحة بهذا الصيد ويأمرها بصيده ، فإذا دعاه لذلك هاج واندفع نحو المصاد لاصطياده ، فإن استرسل دون أمرِ صاحبه لا يعد معلمًا .

ب – إذا زجره انزجر ، والمعنى أنه إذا دعاه بالكف عن المصيد امتثل أمره بالكف عنه ، فهذا دليل على تعلمه .

جـ – أنه إذا أمسك الصيد فلا يأكل منه ، وسوف نقوم ببيانه – إن شاء الله – .

سؤال آخر : إذا كان الكلب أو الجارحة المعلمة قد قام بتعليمها من هُم ليسوا من أهل التذكية ، كأن تكون جاءت من بلاد وثنية ، أو كان الذي علّمه وثنيًّا في ديار المسلمين ، هل يصح الصيد به ؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة ، وأصح الأقوال فيها جواز الاصطياد به ، فلا يشترط في تعليم الجارحة أن يكون المعلم مسلمًا ، فما دام الكلب مُعلمًا صحّ الاصطياد به .

الشرط الثاني : أن لا يأكل من المصيد عند إمساكه :

وهذا الشرط محل خلاف بين أهل العلم، وأصحُّ الأقوال في ذلك التفصيلُ، وهو :

إذا أكل الجارح من الصيد حال اصطياده فإنه لا يحل؛ لكونه أمسك لنفسه.

أما إذا صاده وجاء به لصاحبه فأعطاه إياه ، ثم أكل منه بعد أن صاده ، فهذا لا يحرم لأنه أمسكه لصاحبه .

الشرط الثالث : التسمية عند إرسال الجارحة :

وهذا الشرط تكلمنا عنه عند كلامنا عن الأحكام المتعلقة بالصائد فليراجع([97]) .

المسألة الرابعة : إذا شرب الكلب من دم الصيد ولم يأكل منه ، فهل يحل الصيد عندئذ؟

هذه المسألة محل خلاف عند أهل العلم ، والصحيح أن شرب الكلب من دم الصيد لا يجعله حرامًا ، بل هو حلال على صاحبه ؛ وذلك لأن شرب الدم ليس فيه معنى الأكل، ولأن الأدلة التي جاءت إنما وردت في الأكل، فأصبح الحكم مقصورًا على ذلك.

المسألة الخامسة : هل يشترط خروج الدم عند إمساك الجارح للمصيد ؟

هذه المسألة فيها تفصيل :

أولًا: إن أمسك الجارح بالصيد فأتى به حيًا إلى صاحبه دون إحداث أي جرح فيه، فهنا يقوم صاحبه بتذكيته .

ثانيًا : أن يمسكه وقد أخرج منه الدم ثم مات ، فهنا يحل بلا خلاف .

ثالثًا : أن يمسكه فيقتله بخنق ونحوه ولم يخرج منه دم إنما لم يصبه بجرح ، فهذا محل خلاف بين أهل العلم، وأصح الأقوال في ذلك أنه لا يحل لاشتراط إنهار الدم في المصيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ» ([98]) .

المسألة السادسة : في حكم اقتناء الكلاب :

إن من المؤسف جدًّا أن نرى الكثير من أبناء الأمة الإسلامية يسيرون خلف أمم الضلال والكفر ، حذو القذة بالقذة ، فقد رأينا الكثير من أبناء هذه الأمة – شبابًا وفتيات – يحملون على صدورهم أنواعًا من الكلاب ، وهو وإن كان غير موجود في بلادنا لكنه موجود في بلاد إسلامية أخرى ، غير أنني رأيت بعض شبابنا – هداهم الله – يمسكون بالكلاب ويفتخرون بها ، هذا كله جريًا وراء دول الغرب الكافرة التي لا تعرف من المنكر والمعروف شيئًا ، ولهذا أحذر شبابنا من الجري وراء هذه الحضارة المزعومة الزائفة ، فإنها تورث الإنسان الذلة والمهانة ؛ ولخطورة هذا الأمر نُوضّح هنا حكم اقتناء هذه الكلاب ، مع بيان شروط الاقتناء :

أولا ً: ما جاء في السنة من تحريم اتخاذ الكلاب، إلا لصيد أو ماشية، أو زرع. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ ، أَوْ ضَارِيًا ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ » ([99]) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ ، إِلَّا كَلْبَ حَرْثٍ ، أَوْ مَاشِيَةٍ » ([100]) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَصْحَبُ الْمَلاَئِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ ، وْلاَ جَرَسٌ » ([101]) .

وبالنظر إلى هذه النصوص النبوية يتبين لنا أنه لا يجوز اقتناء الكلاب إلا بشرطين :

الأول : إما أن يكون بغرض الاصطياد به .

الثاني : أو لحراثة بيت، أو زرع، أو ماشية، لكن يراعى عند اقتنائه للحراسة اجتناب الألفاظ الشركية المنهي عنها، كقول بعض الناس: لولا الكلب في الدار لسرق اللص البيت، أو قولهم: لولا الكلب لضلت الماشية ونحوه .

المسألة السابعة : في حكم ثمن الكلب :

بيع الكلب لا يجوز، كما جاء في صحيح البخاري عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ»([102]).

فثمن الكلب محرم ، لكن استثنى بعض أهل العلم الكلب المعلّم للصيد ، وهو الصحيح ، ويكون الثمن من أجل التعليم فقط .

المسألة الثامنة: حكم اقتناء الكلاب المعلمة لاكتشاف المجرمين، كحاملي المخدرات وغيرها ؟

يجوز اقتناء الكلاب المعلمة لاكتشاف المجرمين وحاملي المخدرات وغيرها ، ويجوز شراؤها لذلك ، ويكون الثمن كما ذكرناه آنفًا من أجل التعليم فقط لا من أجل الكلب . لكن هناك تنبيه وهو أنه عند استخدام هذا النوع من الكلاب يجب أن لا يكون التعويل عند الإمساك بالمجرمين عليه ، وإنما هو وسيلة فقط لاكتشافهم ، فإذا أمسك أحدًا فلا بد من إقراره ، أو وجود البينة الدالة على اتهامه .

المسألة التاسعة: في حكم ناب الكلب هل ينجس موضع نابه أم هو طاهر؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة ، فمنهم من قال بأن موضع الكلب في الصيد نجس يجب غسله ، وقال بعضهم إنه طاهر لا يحتاج إلى غسل ، وهذا هو الصحيح ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فقد قال : «وأيضًا فإن لعاب الكلب إذا أصاب الصيد لم يجب غسله في أظهر قولي العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحدًا بغسل ذلك، فقد عفي عن لعاب الكلب في موضع الحاجة، وأمر بغسله في غير موضع الحاجة، فدل على أن الشارع راعى مصلحة الخلق وحاجاتهم»([103]) .

تنبيه :

هذا الحكم خاص بكلب الصيد المعلم ، وما عداه من الكلاب يبقى حكم نجاسة لعابها .

المسألة العاشرة : فيما إذا وجدت جارحًا مع جارحك المعلم :

ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه متى خالط الجارحُ المعلمُ غيرَه مما ليس معلمًا في إمساك الصيد ، فإنه لا يحل ، وهو الصحيح ؛ وذلك لحديث عديِّ بنِ حاتمٍ رضي الله عنه قال: سألتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ، فَقَالَ: «مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْهُ ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ»، وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ الْكَلْبِ، فَقَالَ: «مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ ؛ وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ أَوْ كِلَابِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ فَخَشِيتَ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مَعَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ فَلَا تَأْكُلْ ، فَإِنَّمَا ذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَى كَلْبِكَ ، وَلَمْ تَذْكُرْهُ عَلَى غَيْرِه»([104]).

لكن هذا الحكم مقصور على ما إذا قتلاه، لكن إذا أمسكا به دون أن يقتلاه ، فإنه إن أدركه حيًّا ذكاه ، وإلا فلا ، لما ذكرناه من الدليل السابق .

المسألة الحادية عشرة : حكم الصيد بالكلب المغصوب :

من سرق كلبًا معلمًا أو ما يقوم مقامه من الطيور المعلمة فصاد به فالأصح أن الصيد للصائد، ولا شيء على صاحبه، لكنه يأثم بسرقته ، فالصيد هنا حلال للغاصب، لا يحل له الأكل منه (للمغصوب منه ) .

10 – مسائل في الصيد :

المسألة الأولى : في حكم إصابة الثوب بدم المصاد :

الدم الذي يخرج من الحيوانات والطيور عند صيدها أو ذبحها نوعان ، مسفوح وغير مسفوح .

المسفوح : الذي يخرج من الحيوان أو الطير قبل زهوق روحه ، فهذا نجس لقوله سبحانه وتعالى : {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}  [ الأنعام : 145 ] .

فإذا أصاب ثوبَ الصائد أو بدنَه دمٌ مسفوحٌ فواجب غسله لنجاسته ؛ لكن إذا كان ما أصاب الثوب قليل ، فهنا قال بعض أهل العلم إنه يعفى عن اليسير ، لمشقة التحرز منه .

أما الدم غير المسفوح : فهو الخارج بعد زهوق الروح ، كالباقي في العروق ، ودم الكبد ، والقلب ، ونحوه ، فإنه لا يجب غسل ما أصاب الثوب والبدن منه .

المسألة الثانية : في صيد الطيور من أجل أن يلعب بها الأطفال :

لا بأس بذلك، لما جاء في صحيح البخاري ومسلم، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ – قَالَ: أَحْسِبُهُ فَطِيمٌ (فَطِيمًا) -، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ»([105])؛ والنغير تصغير (نغر) وهو طائر يشبه العصفور، أحمر المنقار([106]) .

فيؤخذ من هذا الدليل جواز اصطياد الطيور بغرض تسلية الصغار بها ، ولكن لا بد من ملاحظة الصبي حتى لا يؤذي هذا الطير ، أو يعذبه .

المسألة الثالثة : حكم أكل صيد تارك الصلاة والمتهاون بها :

ذكرنا – فيما سبق – أن من الشروط الواجب توافرها في الصائد أن يكون من أهل الذكاة ، أي أن يكون مسلمًا ، أو يهوديًا ، أو نصرانيًا ([107]) .

وتارك الصلاة جاءت نصوص الكتاب والسنة بكفره ، فإذا تبين ذلك فإنه إن ترك الصلاة كلية فإنه لا تحل ذبيحته ؛ لكونه ليس من أهل الذكاة .

أما إن كان يتهاون بها فإن ذبيحته حلال ، لأنه ليس كافرًا ، بل هو في جملة الفساق .

المسألة الرابعة : في حكم من خرج للصيد في مسافة يجوز الجمع والقصر فيها ، هل يجمع الصلاة ويقصر ؟

هذه المسألة فيها تفصيل :

أولًا : كون الصائد خارجًا من داره أو بلده غير قاصد للسفر ، وإنما خرج فأخذ يمشي فتبين أن المسافة التي مشاها مسافة قصر ، فهنا لا يجوز له الجمع والقصر لعدم انعقاد نية السفر .

ثانيًا : أن يخرج من داره أو بلده قاصدًا السفر بغرض الصيد ، فهذا يجوز له القصر والجمع ؛ لعموم الأدلة التي جاءت في جواز ذلك بغير تقييد ، لكن إذا خرج قاصدًا السفر دون تحديد معين للمدة التي سيجلسها في سفره خمسة أو عشرة أيام أو نحوها ، هل يجوز له الجمع والقصر ؟

هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم:

فمنهم من ذهب إلى جواز القصر والجمع ولو طالت المدة ، ما دام الإنسان لم ينو إقامة مطلقة أو استيطانًا، وذلك لعدم ورود الأدلة التي تحدد مدة ينقطع بها حكم السفر.

القول الثاني: – وهو الراجح ، إن شاء الله – أنه إن عزم على الإقامة أربعة أيام فأكثر فليس له الترخص برخص السفر ، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم ، وهو ترجيح شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .

المسألة الخامسة : في حكم الصيد ليلاً :

ذهب بعض أهل العلم إلى القول بكراهية الصيد ليلًا ، لعلتين :

الأولى : لما يخشى على الصائد من هوام الأرض فتؤذيه .

الثانية : ولأن الطيور آمنة في وكناتها ، فلا ينبغي أن تفاجأ بالصيد .

واحتج من قال بذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِنَاتِهَا»([108]). ولما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَطْرُقُوا الطَّيْرَ فِي أَوْكَارِهَا ، فَإِنَّ اللَّيْلَ لَهُ أَمَانٌ»([109]).

والصحيح جواز الصيد ليلًا، فقد قال الإمام أحمد رحمه الله: «لا بأس بصيد الليل»، فقيل له: فقول النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «هذا كان أحدهم يريد الأمر فيثير الطير ، حتى يتفاءل إن كان عن يمينه قال كذا، وإن كان عن يساره قال كذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أقروا الطير في مكانتها » .

أما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقد ضعفه أحمد – أيضًا – ، فإذا ثبت ضعف الحديث فلا عبرة بالقول بعدم جواز الصيد ليلًا .

المسألة السادسة : في حكم صيد أمهات صغار الطير التي تقوم بإطعامها :

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه رأى امرأة تعذب في النار في هرة حبستها حتى ماتت جوعًا ، لا هي أطعمتها ولا أرسلتها تأكل من خشاش الأرض([110]).

فالشاهد في هذا الحديث أن فعل المرأة من جنس فعل هذا الصائد ، لأنه يكون قد تسبب في قتل صغار الطير . فإذا تبين له أن هذه أمهات طير فلا شك أنه لا يقوم بصيدها ، لأن في صيدها إزهاقًا لروح أبنائها .

المسألة السابعة : يقوم ولي الأمر بمنع الصيد في وقت ما أو في مكان ما ، فما حكم الصيد حينئذ ؟

أمر الله بطاعة ولاة الأمر في غير معصية الله ، وطاعتهم في غير معصية الله واجبة بأدلة الكتاب والسنة كما هو معروف ، فإذا منعوا الناس من الصيد في مكان معين ، أو وقت معين ، فطاعتهم هنا واجبة ؛ فلا يجوز الصيد في هذه الحالة .

المسألة الثامنة : إذا انفلت الصيد من يد صائده ، فأمسك به آخر ، فلمن يكون ؟

اختلف أهل العلم في هذه المسألة :

 فقال بعضهم : هو للثاني ، ولصائده الأول أجرة تحصيله فقط .

والقول الثان : – وهو الصحيح – أن الصيد إذا انفلت من صائده فأمسك به غيره فهو للأول ، وعلى من أمسك به أن يرده إلى صاحبه إن كان معروفًا له .

المسألة التاسعة : في حكم صيد الأعمى :

اختلف أهل العلم في هذه المسألة ، فذهب البعض إلى عدم الجواز ، ولا يحل ما اصطاده من الحيوانات ، سواء كان الاصطياد بمحدد أو جارح ، لأن الإبصار شرط عندهم لجواز الصيد .

وذهب جمهور أهل العلم إلى جواز صيد الأعمى وحل صيده ، وهذا هو الصحيح قياسًا على الذبح ، فلما كان الذبح لا يشترط له الإبصار ، فكذا الصيد .

المسألة العاشرة : قواعد في المحرَّم من الحيوان البري :

القاعدة الأولى : كل ما له مخلب من الطير يصيد به .

القاعدة الثانية : كل ما له ناب من السباع يفترس به .

القاعدة الثالثة : كل ما يأكل الجيف قيل بأنه يكره .

القاعدة الرابعة : كل ما أمر بقتله كالعقرب أو نهى عن قتله كالنمل .

المسألة الحادية عشر : في حكم صيد المُحْرِم :

جاءت نصوص الكتاب والسنة تدل على تحريم صيد المحرم ، فلا يحل له إذا ارتكب هذا الفعل أكله ، أو بيعه ، أو الانتفاع به بأي شكل من الأشكال ، لكن هل يحل لغير المحرم الانتفاع بهذا الصيد ؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة، فذهب البعض إلى القول بأن صيد المحرم حرام عليه وعلى غيره ؛ لأنه أصبح في حكم الميتة، واحتج من قال بهذا بقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } [ المائدة : 95]، فالله سبحانه وتعالى نهى المحرِم عن قتل الصيد، والنهي عام يقتضى فساد المنهي عنه، ولا يعد صيد المحرم وقتله للصيد ذكاة له بل يصبح ميتة .

وذهب آخرون – وهو الصحيح – أن صيد المحرم حلال لغيره حرام عليه ، والحرمة في هذه المسألة تقتصر على من قام بالصيد حال إحرامه ، ولا تتعدى إلى غيره ، فنهيه عن الانتفاع بالصيد عقوبة له على ما اقترفه .

المسألة الثانية عشر : إذا قطع رأس الطير بيده ، أو ظفره ، فما الحكم ؟

أما اليد فليست آلة يباح بها الذبح ، فلا يجوز استخدامها مجردة عند الذبح .

وأما الظفر فقد ورد النهي عن استخدامه حال التذكية ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ، لَيْسَ السِّنَّ، وَالظُّفُرَ»([111]) .

وقد حمل بعض أهل العلم النهي هنا على الكراهة مع حل الذبيحة ، لكن عدم استخدام الظفر للنهي عن ذلك ، لكن هنا ننبه أنه إذا تم خروج روح الذبيحة ولم يكن لها حركة فهنا يجوز استخدام اليد والظفر في ذلك ، لكن النهي محمول على كونها قبل الذبح وخروج روح المذبوح .

المسألة الثالثة عشر : إذا سقط الطير حيًا ثم تركه ليصيد غيره ،فمات الطير الأول فهل هذا حلال ؟

اختلف أهل العلم في هذه المسألة، والذي يظهر – والله أعلم – أن الصائد إذا تمكن من تذكية الطير الأول ثم تركه بالانشغال بغرض صيد غيره فتركه حتى مات حرم أكله، لأنه ترك تذكيته باختياره مع القدرة، هذا إذا تمكّن من ذبحه ، وكانت فيه حياة مستقرة .

المسألة الرابعة عشر: ما حكم دهس الطيور والحيوانات بالسيارة، وهل ذلك ذكاة لها ؟

أما دهس الطيور والحيوانات بالسيارة فقد تكلمنا عن ذلك في طرق إخراج الضب من جحره ([112]) ، أما كون ذلك يعد ذكاة لها ، فهذا غير صحيح ، بل لا بد إذا كانت بها حياة مستقرة أن تذكى ، فإن ماتت بسبب السيارة فلا تعد مذكاة ، بل هي ميتة .

المسألة الخامسة عشر : هل يحل صيد الصرّد ، والهدهد ، والقوبع ؟

أولًا : صيد الصرد :

ويسمى : السميط ، والأخطر ، والأخبل ، والأنثى صردة .

* التعريف به: قيل بأنه طائر فوق العصفور ؛ وقيل بأنه طائر أبقع ضخم المنقار ، أصابعه عظيمة ، ولا يُرى إلا في شعبة أو شجرة لا يقدر عليه ، وهو طير صغير الحلق ، شديد النفس والنفرة ، يتغذى على اللحم ، له صفير مختلف ، يصفر لكل طائر يريد صيده بلغته ، فيدعوه إلى التقرب منه ، فإذا اجتمعن إليه شد على بعضهم ، وله منقر مؤذٍ إذا نقر واحدًا قده من ساعته وأكله .

أما مأواه ففي الأشجار ورؤوس القلاع والتلال .

أما شكله فهو أبيض البطن أخضر الظهر .

* حكم صيده :

اختلف أهل العلم في ذلك ، فذهب البعض إلى تحريمه لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله ، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : « إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ : النَّمْلَةُ ، وَالنَّحْلَةُ ، وَالْهُدْهُدُ ، وَالصُّرَدُ » ([113]) .

وذهب البعض إلى الإباحة ، وعللوا النهي عن قتله بأنه لم يكن لأجل كراهته ، وإنما لأن العرب كانت تتشاءم به فيقتلونه لا أنه حرام .

والصحيح هو ما ذهب إليه الأولون من القول بتحريمه ؛ لعموم النهي عن قتله .

ثانيًا : الهدهد :

هو طائر منتن الريح ، ولذا تراه يطلب الزبل ، وينقله إلى وكره ، ويفرشه تحته ، ويقتات الخبائث من الدود وغيره ، وما يقتات الخبيثَ خبيثٌ .

ومن عجائب الهدهد أن سليمان عليه السلام كان يأمر الهدهد في أوقات الصلاة فيدله على الماء ، لأنه يراه تحت الأرض ، فإن سطح الأرض بالنسبة للهدهد كالزجاجة يرى باطنها من ظاهرها ، فسبحان من خلقه فصوره .

والقول في حله وحرمته كالقول في الصرد ، فقد ورد الاختلاف فيه ، والصحيح تحريمه .

ثالثًا : القوبع :

هو طائر أحمر الرجلين ، كأن رأسه شيب مصبوغ ، ومنها ما يكون أسود الرأس وسائر خلقه أغبر ، وهو يوطوط ، والقول في حكم حله من عدمه كالقول فيما سبق ، فهو لا يحل أكله .

المسألة السادسة عشر : هل يحل صيد الحمام الموجود في النوافذ والسطوح علمًا أنه لا يعرف مالكه ؟

الحمام نوعان : بري وإنسي – بلدي – .

فالبريُّ : هو الذي يستفرخ من البيوت ، ويقتنى في البروج ، وفي عرف الناس يسمى بريًّا لما عنده من النفور ، وعدم التأنس ، فهذا يجوز صيده .

أما البلدي : فهو الذي يقوم الناس بتربيته ، وهو ما يتخذ للبيض والفرخ ونحوه ، فهذا لا يجوز صيده ، حتى وإن لم يعلم مالكه .

المسألة السابعة عشر : ما حكم ضرب الطير بالحجر وهل يكون ذلك ذكاة له ولو لم يخرج منه دم ؟

يجوز ضرب الطير بالحجر وغيره بغرض الصيد ، دون إتلافه أو أذيته فقط ، لكن لا يكون ذلك ذكاة له ، بل لا بد من تذكيته إن لم يُخرِج دمًا ، كما ذكرناه في المسائل السابقة من اشتراط خروج الدم .

المسألة الثامنة عشر: لو اتخذ إنسان برجًا للحمام فأوكرت فيه حمامات الناس فباضت فيه وأخرجت فراخًا ؟

أما الأمهات فلا يجوز ذبحها وأخذها ، أي : لا تحل له ، أما فراخها فتحل له ، لأنها بمنزلة اللقطة يصنع بها ما يصنع باللقطة .

المسألة التاسعة عشر: كثيرًا ما نذكر جملة (إذا كان به حياة مستقرة) فما هو حدها ؟

الحياة المستقرة تعرف بقرائن يدركها الناظر، ومن علامتها الحركة الشديدة بعد قطع الحلقوم والمريء وجريان الدم ، فإذا حصلت قرينة مع واحد منها حل الحيوان .

والمختار عند بعض أهل العلم الحل بالحركة الشديدة وحدها ، فإذا شك في ذلك : هل به حياة مستقرة أم لا ؟ فالاحتياط تركه .

المسألة العشرون : في حكم الصيد بالمعراض :

تعريف المعراض: هو خشبة محددة الطرف ، وقيل بأنه سهم لا ريش له ولا نصل ، وقيل المعراض سهم له أربع قذذ رقاق ، فإذا رُمي به اعترض . وفي الصيد به تفصيل .

إن خرق المصيد وأخرج منه دمًا فهنا يحل، وإن لم يخرج منه دمًا فلا يحل، ولا يؤكل؛ لأن الحيوان هنا مات ضربًا ، وقد نهينا عن أكل الموقوذة .

دليل ذلك : ما رواه البخاري عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعراض فقال: «إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ وَإِذَا أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْ»([114]).

المسألة الحادية والعشرون : في أمور مهمة عند إرادة الذبح :

يراعى ما يكون عند إرادة الذبح سببًا في تعذيب المذبوح ، وسأذكر هنا جملة من الأمور التي يتم بها التعذيب ، فمن هذه الأمور :

– إضجاع الذبيحة ، ثم يقوم بحد الشفرة ، بل ينبغي أن يحدها قبل أن يضجعها ، ولا تراه المذبوحة حال حده للآلة .

– وإمداد رأس الذبيحة حتى يظهر مذبحها .

– وكسر عنق المذبوح قبل أن يسكن من الاضطراب .

– وجر ما يريد ذبحه برجله إلى المذبح ، بل متى أمكن أن يسحبه بحبل من رأسه دون أذنيه فهذا أولى .

– والسلخ قبل أن يبرد المذبوح ، يعني قبل أن يسكن الاضطراب .

فكل هذه الأمور وغيرها مكروهة ، لأن فيها معنى زيادة الألم قبل الذبح ، أو بعده ، فيراعى الرفق بالمذبوح متى أمكن ذلك .

 

الباب الرابع :

في الآداب المتعلقة بالرحلات البرية

قال الله سبحانه وتعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[آل عمران:190]، والرحلات البرية، ذات طابع ترويحي مميز جدًا، وخاصة مع هطول الأمطار واعتدال الأجواء، بعيدًا عن الازدحام والاختلاط المفسدَيْن، وأماكن اللهو والمنكرات. غير أن هذا اللهو وهذا المرح لا بد له من ضوابط وآداب تتعلق به لتحميه من الانحراف الذي يحوِّله من المباح إلى المحرم أو المكروه ؛ ومن هذه الآداب :

1- إخلاص النية في ترويح القلب، وإراحة الجسم للتقوِّي على طاعة الله سبحانه وتعالى، والعودة لتنفيذ أوامر الله بهمة أعلى ، وعزيمة أقوى .

2- أن لا يترتب على تتبع السيول والأمطار والبحث عن مظانها تضييع الساعات الطويلة، والأوقات الكثيرة ، فيضيع بسبب ذلك مشاغل الأهل والأولاد .

3- ضبط تلك الرحلات البرية ، فلا تضيع صلاة مكتوبة ، بل المشروع التأذين لكل صلاة ، وجمع الأهل والأولاد وكل من خرج للصلاة جماعة .

4- أنه يجب عليهم الحرصُ على الاستيقاظِ لصلاة الفجر، فإن الغالب على من يخرج إلى مثل هذه الأماكن السهرُ الطويل الذي يفوِّتُ عليهم أداءها في وقتها . وعليهم معرفة دخول الوقت والحرص على الصلاة في وقتها، لما صح عنه عندما سئل عن أفضل الأعمال، فعن أبي عمرٍو الشَّيبانيِّ قال: حدَّثَنا صاحِبُ هذه الدَّار – وأشارَ إلى دار عَبْد الله – قال: سَأَلْتُ النبي صلى الله عليه وسلم (أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى الله؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا». قَالَ : ثُمَّ أَيُ ؟ قَال: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ». قَالَ: ثُمَّ أي؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».  قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي)([115]) .

ومما يبشَّر به من خرج للبر أن في محافظته على الصلاة في ترحاله أجرًا عظيمًا ، فعنْ أَبِي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ وَحْدَهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً ، وَإِنْ صَلاَّهَا بِأَرْضِ فَلاَةٍ فَأَتَمَّ وُضُوءَهَا وَرُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ صَلاَتُهُ خَمْسِينَ دَرَجَةً»([116]) .

وكذا الأذان في الفلاة، فعن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني عن أبيه، أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري قال له: «إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ([117]) .

ومن المسائل المهمة التأكد من القبلة والاجتهاد في ذلك، فإن اجتهد وصلّى وتحرّى القبلة فصلاته صحيحة، ولو اكتشف بعد الانتهاء من الصلاة أنه صلّى إلى غير القبلة فلا يعيد، وصلاته صحيحة .

5- ومما ينبغي مراعاته في البر عدم تقذير الأماكن التي يرتادها الناس من ظلّ أو عشب، فعنْ مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ: الْبَرَازَ فِى الْمَوَارِدِ ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ ، وَالظِّلِّ » ([118]) .

ويقاس على ذلك رمي مخلّفات الأكل الورقية والبلاستيكية ، وأقبح منه ما تفعله بعض النساء من رمي حفائظ الأطفال . وما أحسن إحراق هذه المخلفات قبل الارتحال من المكان ؛ ليسلم من أذاها من أتاها من إنسان أو حيوان .

6ـ عدم إيذاء الناس، وخصوصًا ما يقع من بعض الشباب – هداهم الله – من التفحيط والتطعيس، والمرور أمام النساء في البر، والتعرّض لهن فجأة، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[الأحزاب:58]. أي: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بقول أو فعل من غير ذنب عملوه، فقد ارتكبوا أفحش الكذب والزور، وأتوا ذنبًا ظاهر القبح، يستحقون به العذاب في الآخرة.

وعنْ حُذيْفةَ بن أُسَيد، أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: «مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ » ([119]) .

7- وعلى المرأة المسلمة إذا خرجت للبر الاحتشام وحفظ حيائها، ومراقبة ربها، وعدم تبرجها بحضرة الرجال الأجانب ، فالحجاب لا يرتبط بمكان أو زمان معين ؛ بل هو أمرٌ من الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [ الأحزاب : 59 ] .

8- ذِكْرُ الدعاء عند النزول وتعويد الأطفال عليه ، فعن أَبِى هريْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : لَدَغَتْ عَقْرَبٌ رَجُلًا ، فَلَمْ يَنَمْ لَيْلَتَهُ فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ : إِنَّ فُلاَنًا لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ فَلَمْ يَنَمْ لَيْلَتَهُ . فَقَالَ : « أَمَا إِنَّهُ لَوْ قَالَ حِينَ أَمْسَى : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ . مَا ضَرَّهُ لَدْغُ عَقْرَبٍ حَتَّى يُصْبِحَ » ([120])  ، لكن هذا الدعاء لا يعني تركَ الأخذ بالأسباب الواقية من الأذى ، ومِن أخذ الأسباب عند المبيت والنزول : أن يحذر الأماكن الخطرة ، كأماكن جريان السيول ، وأما الذين يخاطرون بالذهاب لمواقع تنقطع فيها أسباب النجاة أو تَقِلُّ فهم آثمون .

9- السمع والطاعة للمشرف على الرحلة ، أو النزهة ، بشكل كامل ومطلق .

10- التقيد التام ، والالتزام المطلق ببرنامج الرحلة ، ومواقيت حركاته ، وخطوات تنقلها .

11- تجنب الابتعاد عن الركب ، وترك الجماعة لأي سبب كان ، إلا بإذن من المشرف .

12- التحلي بالأخلاق الحسنة الخاصة بالمعاملات ، كالصدق ، والأمانة ، والإيثار ، والصبر ، والحلم ، والتواضع ، وطلاقة الوجه ، ولين الكلام .

13- اغتنام الوقت بالتفكير في بديع صنع الله ، وذكر الله تعالى ، وأداء فرائض الله والمحافظة عليها، وسرد الأحاديث المعينة والممتعة لجميع الحاضرين. فعنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ ، شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلُكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ » ([121]) .

14- المسارعة إلى الخدمة ، والمشاركة في إعداد متطلبات الرحلة ، وتحضير لوازمها .

15- تجنب الاختلاط ، والابتعاد عن الممنوعات والمحرمات ، والحرص على راحة الأصدقاء .

16- القيام بالاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتي هي أحسن ، عند الحاجة إلى ذلك .

17- أن لا يكون هذا الفرح على حساب آخرتنا ، فما نراه من أحبابنا الشباب من العبث بالسيارات ، وإيذاء الآخرين ، ورفع صوت الموسيقى الصاخبة من السيارة ، ينافي شكر هذه النعمة .

18- كم هو جميل أن تشرك أهلك ووالديك في الاستمتاع بمشاهدة ما فيه عجيب صنع الله ، وأن لا تقصر ذلك على أصحابك وأحبابك .

19- عدم الغفلة عن الأبناء في ذهابهم مع من يشاؤون بحجة الاستمتاع بهذه الأجواء ، فقد يستغلّ ذلك ضعاف النفوس في أمور لا تحمد عواقبها .

20- وفي هذه الأجواء يحسن التنبيه والتأكيد بتوخّي الحذر أثناء قيادة السيارة خاصة عند السفر ، ويتأكد عند انعدام الرؤية أحيانًا ، فكم حصلت حوادث مروعة مؤلمة بسبب ذلك !

21- ومثله كذلك الابتعاد عن أماكن اجتماع السيول ، وعدم الاقتراب منها ، أو السباحة فيها ، خاصة من قبل الأطفال .

22- مما يستغل به الوقت في الرحلات البرية أن يُجعل وقتٌ لتنمية المهارات ، واستدراك ما فات تعلمه ، ومراجعة ما تم تعلمه ، وذلك من خلال المسابقات الثقافية ؛ وتكون بإعداد جملة من الأسئلة المناسبة لقدرات ومهارات الموجودين ، وعليها بعض الجوائز المناسبة لشغل الوقت بما ينفع ، ولزرع روح التنافس – في الخير- فيما بينهم ، وتوصيل بعض المعلومات إليهم من طرف خفي! عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قَال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: « أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ، وَلَا تَحُتُّ وَرَقَهَا (وَلَا تُحَتُّ وَرَقُهَا) » ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، فَلَمَّا لَمْ يَتَكَلَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: « هِيَ النَّخْلَةُ » ، فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَبِي قُلْتُ : يَا أَبَتَاهُ ! وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ ، قَالَ : مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا ؟ لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : مَا مَنَعَنِي إِلَّا أَنِّي لَمْ أَرَكَ وَلَا أَبَا بَكْرٍ تَكَلَّمْتُمَا فَكَرِهْتُ » ([122]) .

23- اتخاذ الجرائد كمفارش أو استخدمها فيما يهين ، لا سيما إذا علم أن في هذه الجرائد آيات من القرآن أو أسماء من أسماء الله عز وجل أو أحاديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا يجوز استخدامها في الأكل ، أو للجلوس عليها ، إذا كانت الأرض ترابية أو ما أشبه ذلك ؛ لما في هذا من ابتذال كلام الله سبحانه وتعالى وأسمائه ، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وامتهانها . وإنك لتعجب من قوم يستعملون هذا مع أن في الإمكان أن يستعملوا بدل ذلك السماطات المعروفة ، أو الأوراق التي تباع ، وهي رخيصة قليلة الكلفة ، ولكن بعض الناس – نسأل الله السلامة – يُزيّن له سوءُ عمله فيختار هذه الجرائد مع تيسر غيرها تيسرًا ظاهرًا ، وكل هذا من الأمور التي يجب على المسلم أن يتنبه لها ، وأن يعظم كلام الله عز وجل وأسماء الله ، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم ، حتى يكون بذلك مُعظمًا للرب عز وجل تمام التعظيم .

24- رهب الإسلام من قطع الأشجار البرية النافعة عبثًا، وتوعد الفاعلين بالنار، قال صلى الله عليه وسلم: « مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِى النَّارِ»([123])، سئل أبو داود عن معنى هذا الحديث، فقال: «هذا الحديث مختصر، يعنى من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم، عبثًا وظلما، بغير حق يكون له فيها صوب الله رأسه في النار»([124]).

فلا يجوز قطع الشجر الذي يستظل به الناس، ويستفيدون منه في الرعي، لا سيما إذا كان النهي عن قطعه قد جمع بين نهي الشارع الحكيم ونهي ولي الأمر .

25- ينبغي إطفاء المصباح عند النّوم ، خوفًا من الحريق المحتمل بالغفلة ، فإن وجدت الغفلة حصل النّهي . وقد وردت أحاديث كثيرةٌ للرّسول صلى الله عليه وسلم تدلّ على هذا، منها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خَمِّرُوا الْآنِيَةَ، وَأَوْكُوا الْأَسْقِيَةَ، وَأَجِيفُوا الْأَبْوَابَ، وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ الْعِشَاءِ (الْمَسَاءِ)؛ فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً، وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ؛ فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا اجْتَرَّتِ الْفَتِيلَةَ، فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ» ([125]) .

فقوله : « خمّروا الآنية » أي : غطّوها .

وقوله : « وأجيفوا الأبواب » أي : أغلقوها .

وقوله : «وأطفئوا المصابيح، فإنّ الفويسقة ربّما جرّت الفتيلة، فأحرقت أهل البيت» المراد بالفويسقة الفأرة ، لخروجها من جحرها على الناس وإفسادها .

 

والخلاصة فيما أُذكر به أصحاب الرحلات البرية من آداب الرحلات :

  • انوِ برحلتك وتنزُهُك رضى الله سبحانه وتعالى ، لكي تُؤجر عليها .
  • حدد المكان المناسب ، والأغراض التي تحتاجها في سفرك .
  • أَشرِكْ أبناءَك معك في مهام السفر والرحلة .
  • اصطحب معك من أشرطة القرآن وأهل العلم ما يؤنسك .
  • احرص على تغيير المنكر الذي تراه أو تسمعه بكلمة طيبة ، أو مناصحة رقيقة .
  • احرص على دعاء نزول المنزل ، فعن خولةَ بنت حكيم رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ . لَمْ يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ » ([126]) .
  • حافظ على أداء الصلاة في أوقاتها .
  • احرص على أذكار الصباح والمساء، والتفكير في مخلوقات الله العظيمة.
  • احرص على دفن الجمر والرماد ، وإطفاء النار قبل مغادرة المكان .
  • احرص على نفض الفراش قبل النوم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ عَنْ فِرَاشِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ إِزَارِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ بَعْدُ، فَإِذَا اضْطَجَعَ فَلْيَقُلْ: بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، فَإِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ»([127]).

وفي الحديث فوائد، منها استحباب نفض الفراش قبل النوم، ومنها أن النفض يكون ثلاثا، ومنها التسمية عند النفض، ومنها أن من قام من فراشه ثم رجع إليه فيستحب له أن ينفضه مرة أخرى. والعلة في ذلك بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: « فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ بَعْدُ » .

  • احذر التنزه والرحلة وقت صلاة الجمعة، ففيه تفريط بفريضة الله سبحانه وتعالى الواجبة .
  • احذر إيذاء الآخرين بالجلوس قريبًا منهم، ومن عوائلهم.
  • احذر الذهاب لأماكن الاختلاط من حدائق ومنتزهات ومراكز ألعاب وغيرها .
  • احذر التبول في الماء الراكد، أو قضاء الحاجة في ظل الناس، أو طريقهم .
  • احذر العبث بالمرافق العامة، أو وضع القاذورات بها ؛ فهي لك ولغيرك .
  • اترك المكان أفضل مما كان .

 

الفهرس

توطئة بين يدي الرسالة

الوقفة الأولى : مع قيمة الوقت

الوقفة الثانية : الإحساس بقيمة الوقت

الوقفة الثالثة : مع رَبِّ الأسرة

الوقفة الرابعة : مع الأسرة في الرحلات البرية

الباب الأول : في مدلول الرحلات البرية وفوائدها

ذكر بعض فوائد الرحلات البرية

الباب الثاني : فيما يتعلق بالرحلات البرية من أحكام

أولاً : الأحكام المتعلقة بالعقيدة

ثانيًا : الأحكام المتعلقة بالطهارة

أولًا : عند قضاء الحاجة

ثانيا :الأحكام المتعلقة بالمياه

ثالثًا : الأحكام المتعلقة بالوضوء والغسل والتيمم

رابعًا :الأحكام المتعلقة بالصلاة

أولًا : استقبال القبلة

ثانيًا : الأذان والصلاة

الباب الثالث : المسائل المتعلقة بالصيد وأحكامه

1- الصيد يدور حكمه بين الجواز والكراهة والتحريم

2- ذكر أهل العلم مجموعة من الشروط التي يجب توافرها في الصائد ، منها

أولًا : الأهلية

ثانيًا :القصد

ثالثًا : الآلة

حكم الصيد بالآلة المسروقة

حكم الصيد بالبندق

3 – في حكم الاصطياد بالشبكة

4 – في حكم الاصطياد بالعصا

5 -ومن الأحكام المتعلقة بالصائد

أولًا : إرسال الآلة

ثانيًا : التسمية عند إرسال الآلة بنوعيها وفيها مسائل

المسألة الأولى : في حكمها

المسألة الثانية : متى يسمي ؟

المسألة الثالثة : في حكم من نسي التسمية عند الإرسال

المسألة الرابعة : فيمن ترك التسمية عند الإرسال ثم سمى بعده

المسألة الخامسة : هل يشترط التسمية عند نصب الحديدة ونحو ذلك ؟

المسألة السادسة : إذا سمى على طائر معين فأصاب غيره

المسألة السابعة : إذا صاد الصائد المجموعة من الطيور فخلطها

المسألة الثامنة : حكم إضافة ( الله أكبر ) بعد التسمية

المسألة التاسعة : إذا وجد طيرًا مجروحًا ، فهل يأخذه وهو لم يسم عليه ؟

ثالثًا : أن يكون الصائد مأذونًا له بالصيد

6 – الأحكام المتعلقة بالمصاد

أولًا : الشروط المعتبرة في المصيد

ثانيًا : ذكر بعض المسائل المتعلقة بالمصاد

المسألة الأولى : في حكم المصاد إذا كان في أملاك الناس

المسألة الثانية : هل يلزم ذبح الطير المراد إذا سقط وبه رمق ؟

المسألة الثالثة : حكم المصاد إذا وقع في الماء

المسألة الرابعة : في حكم المصاد إذا أصيب ثم غاب عن صائده فترة.

المسألة الخامسة : إذا صاد طيرًا ثم سقط معه غيره ؟      

المسألة السادسة : في حكم ذبح الطير بالعود والحجر

المسألة السابعة : إذا رمى صيدًا ظنه حجرًا فأصاب صيدًا

المسألة الثامنة : إذا رمى الصائد صيدًا فأصابه فمات بسبب آخر

7 – في ذكر بعض آداب الصيد

8 – فيما يتعلق بصيد الضب

أولا : في حكم أكله

ثانيا : طرق إخراج الضب من جحره وصيده

ثالثًا : ذكر بعض عجائب وغرائب الضب

من فوائد أكل الضب

رابعًا : إذا انقطع من الضب شيء وهرب فهل يحل ذلك الذي انقطع منه

9 – في أحكام الصيد بالجوارح

المسألة الأولى : في أدلة الاصطياد بالجوارح

المسألة الثانية : هل الحكم بإباحة صيد الجارحة مقصور على الكلاب ؟

المسألة الثالثة : الشروط التي يجب توافرها عند الصيد بالجارحة

الشرط الأول : أن تكون الجارحة معلمة

الشرط الثاني : أن لا يأكل من المصيد عند إمساكه

الشرط الثالث : التسمية عند إرسال الجارحة

المسألة الرابعة : إذا شرب الكلب من دم الصيد ولم يأكل منه

المسألة الخامسة : هل يشترط خروج الدم عند إمساك الجارح للمصيد ؟

المسألة السادسة : في حكم اقتناء الكلاب

المسألة السابعة : في حكم ثمن الكلب

المسألة الثامنة : حكم اقتناء الكلاب المعلمة لاكتشاف المجرمين

المسألة التاسعة : في حكم ناب الكلب هل ينجس موضع نابه أم هو طاهر؟

تنبيه :

المسألة العاشرة : فيما إذا وجدت جارحًا مع جارحك المعلم

المسألة الحادية عشرة : حكم الصيد بالكلب المغصوب

10 -مسائل في الصيد

المسألة الأولى : في حكم إصابة الثوب بدم المصاد

المسألة الثانية : في صيد الطيور من أجل أن يلعب بها الأطفال

المسألة الثالثة : حكم أكل صيد تارك الصلاة والمتهاون بها

المسألة الرابعة : في حكم من خرج للصيد في مسافة يجوز الجمع والقصر فيها

المسألة الخامسة : في حكم الصيد ليلاً

المسألة السادسة : في حكم صيد أمهات صغار الطير التي تقوم بإطعامها

المسألة السابعة : يقوم ولي الأمر بمنع الصيد في وقت ما أو في مكان ما

المسألة الثامنة : إذا انفلت الصيد من يد صائده ، فأمسك به آخر

المسألة التاسعة : في حكم صيد الأعمى

المسألة العاشرة : قواعد في المحرَّم من الحيوان البري

المسألة الحادية عشر : في حكم صيد المُحْرِم

المسألة الثانية عشر : إذا قطع رأس الطير بيده ، أو ظفره ، فما الحكم ؟

المسألة الثالثة عشر : إذا سقط الطير حيًا ثم تركه ليصيد غيره

المسألة الرابعة عشر : ما حكم دهس الطيور والحيوانات بالسيارة

المسألة الخامسة عشر : هل يحل صيد الصرّد ، والهدهد ، والقوبع ؟

أولًا : صيد الصرد

ثانيًا : الهدهد

ثالثًا : القوبع

المسألة السادسة عشر: هل يحل صيد الحمام الموجود في النوافذ والسطوح

المسألة السابعة عشر : ما حكم ضرب الطير بالحجر     

المسألة الثامنة عشر : لو اتخذ إنسان برجًا للحمام فأوكرت فيه حمامات الناس

المسألة التاسعة عشر : كثيرًا ما نذكر جملة ( إذا كان به حياة مستقرة )

المسألة العشرون : في حكم الصيد بالمعراض

المسألة الحادية والعشرون : في أمور مهمة عند إرادة الذبح

الباب الرابع : في الآداب المتعلقة بالرحلات البرية

الفهرس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) أخرجه البخاري ( 6412 ) .

([2]) فيض القدير ( 6 / 375 ) .

([3]) أخرجه الحاكم (4/306)، وصححه الألباني، انظر حديث رقم (1077) في صحيح الجامع.

([4]) حلية الأولياء ( 3 / 28 ) .

([5]) حلية الأولياء ( 6  / 200 ) .

([6]) حلية الأولياء ( 6 / 142 ) .

([7] ) انظر : لسان العرب ( 11 / 279 ) ، تاج العروس ( 29 / 60 ) .

([8]) أخرجه مسلم (2664) .

([9] ) أخرجه البخاري ( 846 ) ، ومسلم ( 71 ) .

([10] ) انظر : تفسر ابن كثير ( 4 / 300 ) ، والبغوي ( 4 / 290 ) .

([11] ) أخرجه مسلم ( 899 ) .

([12]) قال ابن عراق في تنزيه الشريعة (1/199) (أخرجه الخطيب من حديث ابن عباس، من طريق زكريا بن حكيم الحبطي) ، قال فيه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين : ليس بشيء ، وقال ابن المديني : هالك .

([13]) الدرر البازية على زاد المعاد : ص ( 84 ) .

([14]) أخرجه البخاري ( 142 ) , ومسلم ( 375 ) .

([15]) أخرجه أحمد ( 6 / 155 ) ، وأبو داود ( 30 ) ، والترمذي ( 7 ) ، وابن ماجه ( 300 ) ، وصححه الألباني في الإرواء برقم ( 52 ) .

([16]) أخرجه البخاري ( 203 ) ، ومسلم ( 274 ) ، واللفظ له .

([17] ) أخرجه الترمذي ( 20 ) ، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه برقم ( 3301 ) .

([18]) أخرجه مسلم ( 386 ) .

([19]) أخرجه البخاري ( 153 ) ، ومسلم ( 267 ) واللفظ له .

([20]) أخرجه مسلم ( 338 ) ، من حديث أبي سعيد الخدري ط .

([21]) أخرجه البخاري ( 224 ) ، ومسلم ( 273 ) . والسُّباطة : هي المِزبلة .

([22]) أخرجه مسلم رقم ( 269 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([23]) أخرجه أبو داود رقم ( 26 ) ، وابن ماجه ( 328 ) ، وحسنه الألباني في الإرواء برقم ( 62 ) .

([24]) أخرجه البخاري رقم ( 144 ) ، ومسلم ( 264 ) .

([25]) أخرجه مسلم ( 684 ) .

([26]) أخرجه البخاري ( 201 ) ، ومسلم ( 763 ) .

([27]) أخرجه ابن خزيمة ( 1 / 62 ) ، وابن حبان ( 3 / 364 ) ، والحاكم ( 576 ) ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه ، ووافقه الذهبي .

([28]) أخرجه ابن ماجه ( 425 ), وأحمد ( 7065 ), وكان الألباني : قد ضعف الحديث في إرواء الغليل (1/171 ، رقم140) ، وفي الرد على بليق (ص 98) ، وضعيف ابن ماجه ( ص /35 رقم 425 – القديمة ) ، والمشكاة ( 1 /133 ، رقم427 ) , ثم تراجع الشيخ : عن تضعيفه فحسنه في السلسلة الصحيحة ( 7 / 860 – 861 ، رقم 3292 ) .

([29]) شرح النووي على صحيح مسلم ( 4 / 2 ) .

([30]) أخرجه مسلم ( 224 ) .

([31]) أخرجه البخاري ( 162 ) ، ومسلم ( 278 ) .

([32]) أخرجه البخاري ( 3295 ) ، ومسلم ( 238 ) .

([33] ) انظر : وبل الغمامة في شرح عمدة الفقه لابن قدامة ( ج 1 /ص 36 ) .

([34] ) أخرجه البخاري ( 2911 ) ، ومسلم ( 1790 ) .

([35]) أخرجه ابن ماجه (497)، قال الألباني: (صحيح) انظر: حديث رقم: 3005 في صحيح الجامع.

([36]) أخرجه مسلم (360)، وابن ماجه (495), وأحمد (5/ 106)، واللفظ له .

([37]) أخرجه مسلم ( 610 ) .

([38] ) أخرجه البخاري ( 335 ) .

([39] ) أخرجه البخاري ( 157 ) .

([40] ) أخرجه البخاري ( 158 ) .

([41] ) أخرجه مسلم ( 230 ) .

([42]) أخرجه البخاري ( 5897 ) , ومسلم ( 397 ) .

([43] ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بين المشرق والمغرب قبلة »، أخرجه الترمذي (2/173، رقم 344)، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (1/323، رقم 1011)، وصححه الألباني: في إرواء الغليل (292).

([44]) أخرجه البخاري ( 631 ) ، ومسلم ( 674 ) .

([45]) أخرجه البخاري ( 584 ) .

([46]) أخرجه أبو داود ( 1205 ) ، قال الألباني : في السلسلة الصحيحة ( 1 / 65 ) : صحيح .

([47] ) نهاية المحتاج (1/194)، وحاشية ابن عابدين (1/122)، والفتاوى الهندية (1/8).

([48]) أخرجه أبو يعلى (4109)، قال الهيثمي (1/334): فيه يزيد الرقاشي، وهو مختلف في الاحتجاج به . وأخرجه ابن أبى شيبة (6/31، رقم 29248 ) بنحوه .

([49]) أخرجه الطبراني ( 485 ) ، وأبو نعيم في الحلية ( 3 / 54 ) ، وضعفه السيوطي في الجامع الصغير برقم ( 881 ) ، والجزء الأخير من الحديث صحيح .

([50] ) والأعطان للإبل كالمرابض للشاء ، وهي المواضع التي تربض فيها وتأوي إليها عند رجوعها من المرعى ، وقيل : لا تكون أعطان الإبل إلا على الماء ، فأما مباركها في البرية وعند الحي فهو المأوى .  تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم  ( ج 1 / ص 277 ) .

([51]) سبق تخريجه .

([52] ) انظر المسألة ( 17 ) من ( ص 32 ) من هذا الكتاب .

([53]) أخرجه البخاري ( 906 ) .

([54]) أخرجه البخاري ( 328 ) ، ومسلم ( 521 ) .

([55]) أخرجه البخاري ( 1000 ) .

([56]) أخرجه البخاري ( 1098 ) ، ومسلم ( 700 ) .

([57]) أخرجه أحمد ( 3 / 203 ) ، وأبو داود ( 1225 ) ، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم ( 1110 ) .

([58]) أخرجه البخاري ( 547 ) ، ومسلم ( 647 ) .

([59]) أخرجه البخاري ( 566 ) ، ومسلم رقم ( 638 ) .

([60]) أخرجه مسلم ( 994 ) .

([61]) أخرجه سنن ابن ماجة ( 966)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم (789)، والمشكاة برقم ( 764 ) .

([62]) مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز : ( 12 / 227 ) .

([63] ) أخرجه أحمد ( 4 / 23 ) ، وابن ماجه ( 1003 ) ، قال البوصيرى : ( 1 / 122 ) : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات .

([64]) الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/289).

([65] ) أخرجه البخاري ( 669 ) ، ومسلم ( 1167 ) .

([66]) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ( 803)، وقال الألباني: (صحيح) ، انظر حديث رقم ( 650 ) في صحيح الجامع .

([67]) أخرجه الإمام أحمد ( 15340 ) ، وابن خزيمة ( 810 ) ، وصححه ؛ والحاكم ( 1 / 252 ) ، وقال : « صحيح على شرط مسلم » .

([68]) أخرجه البخاري ( 494 ) ، ومسلم ( 1143 ) .

([69]) أخرجه البخاري ( 495 ) .

([70]) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة برقم ( 7087 ) و ( 7149 ) و (7297 ) ، وأبو داود في الصلاة برقم ( 591 ) ، والحديث حسنه ابن حجر في بلوغ المرام ، وقال : « لم يصب من زعم أنه مضطرب ، بل هو حسن » ، حديث رقم ( 236 ) ، والحديث ضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه برقم ( 933 ) .

([71] ) أخرجه البخاري ( 386 ) ، ومسلم ( 555 ) .

([72]) أخرجه أبو داود ( 652 ) ، وقال الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : ( 3210 ) في صحيح الجامع .

([73]) أخرجه البخاري ( 2507 ) ، ومسلم ( 1968 ) .

([74]) رواه البخاري (5479) ، ومسلم (1954) .واللفظ له .

([75]) أخرجه البخاري ( 5483 ) ، ومسلم ( 1929 ).

([76]) أخرجه النسائي ( 4299 ) ، قال الألباني : صحيح . انظر صحيح الترمذي ( 1511 ) .

([77]) أخرجه البخاري ( 112 ) ، ومسلم ( 1355 ) .

([78] ) أخرجه مسلم ( 1934 ) .

([79]) أخرجه مسلم ( 943 ) .

([80]) أخرجه البخاري ( 495 ) .

([81]) أخرجه مسلم ( 5094 ) .

([82] ) انظر ( ص 52).

([83]) رواه مسلم ( 1955 ) عن شداد بن أوس.

([84] ) انظر ( 51 ) .

([85]) أخرجه أحمد (2/371 ، و440)، و ابن عدي (14/1)، قال الشيخ الألباني:(صحيح ) انظر حديث رقم ( 6123 ) في صحيح الجامع . 

([86]) أخرجه البخاري ( 7072 ) .

([87]) أخرجه مسلم ( 6832 ) .

([88]) أخرجه مسلم ( 5171 ) .

([89]) أخرجه البخاري ( 5515 ) .

([90] ) أخرجه البخاري ( 5391 ) ، ومسلم ( 1944 ) .

([91] ) أخرجه البخاري ( 2575 ) ، ومسلم ( 1947 ) .

([92]) أخرجه أبو داود ( 2 / 143 ) ، والطبري في تهذيب الآثار ( 1 / 191 / 311 ) ، والبيهقي ( 9 / 326 ) ، قال الألباني : ( حسن ) ، انظر حديث رقم ( 6856 ) في صحيح الجامع .

([93]) أخرجه أبو داود (4941) ، والبيهقي ( 17683 ) ، وأحمد ( 2 / 160 ) ، والترمذي (1924 ) قال : حسن صحيح . والحاكم (4/175 ، رقم 7274) .

([94]) أخرجه أحمد ( 21903 ) ، وأبو داود ( 2475 ) ، قال الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم ( 5652 ) ، في صحيح الجامع .

([95] ) أخرجه مسلم ( 510  ) .

([96]) سيأتي تخريجه .

([97] ) انظر ( ص 56 ) .

([98]) أخرجه البخاري ( 2507 ) ، ومسلم ( 1968 ) .

([99]) أخرجه البخاري ( 5163 ) ، ومسلم ( 1574 ) .

([100]) أخرجه البخاري ( 2322 ) ، ومسلم ( 1575 ) .

([101]) أخرجه مسلم ( 5668 ) .

([102]) أخرجه البخاري ( 2237 ) ، ومسلم ( 1567 ) .

([103]) مجموع الفتاوى (21/620) .

([104]) رواه البخاري (5475) ومسلم (5086) .

([105]) رواه البخاري (6129)، ومسلم (2150).

([106] ) انظر : مختار الصحاح (1/279)، ولسان العرب (5/223).

([107] ) انظر : (ص53).

([108]) أخرجه أبو داود (2835)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1177)، والإرواء (4/391) ، والمشكاة (4152)، ثم ضعفه في السلسلة الضعيفة (5862)، وضعيف الموارد    (172).

([109]) أخرجه الطبراني (3/131، رقم 2896). قال الهيثمي (4/30): فيه عثمان بن عبد الرحمن القرشي وهو متروك . وأخرجه الحارث كما في بغية الباحث (1/478، رقم 409).

([110] ) أخرجه البخاري ( 745 ) ، ومسلم ( 904 ) .

([111])  سبق تخريجه (ص 54).

([112] ) انظر: (ص66، و67).

([113]) أخرجه أبو داود (5267), وأحمد (1/332), والدارمي (1999). وصححه الألباني: صحيح ابن ماجه (3224).

([114]) سبق تخريجه (ص 75).

([115]) أخرجه البخاري (7096)، ومسلم (264).

([116]) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه حديث رقم (8390)، وابن أبي شيبة في « المصنف » (2/479 ـ 480)، وصححه الألباني في الصحيحة (3475).

([117]) أخرجه البخاري ( 584 ) .

([118]) أخرجه أبو داود ( 26 ) ، وابن ماجه ( 328 ) ، والحاكم ( 1 / 167 ) ، وحسنه الألباني في الإرواء برقم ( 62 ) .

([119] ) أخرجه الطبراني (3/179، رقم 3050)، قال الهيثمي (1/204): إسناده حسن، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (5923).

([120]) أخرجه مسلم (7053).

([121]) أخرجه الحاكم (7846)، وقال: صحيح على شرط الشيخين. والبيهقي في شعب الإيمان (10248)، قال الألباني: (صحيح)، انظر حديث رقم (1077)، في صحيح الجامع .

([122]) رواه البخاري (4421)، ومسلم (7280) .

([123]) أخرجه أبو داود (5241)، قال الألباني: صحيح، الصحيحة (614).

([124]) ذكره أبو داود عند الحديث رقم (5241).

([125]) رواه البخاري (6295).

([126]) أخرجه مسلم (7053).

([127]) أخرجه الترمذي ( 3401 ) ، قال الألباني : حسن ( 716 ) ، في صحيح الجامع ، وصحيح سنن الترمذي ( 3401 ) .