خطبة بعنوان: (من أحكام قضاء رمضان) بتاريخ 4-10-1429هـ
الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين، خلق العباد لطاعته فلم يتركهم هملاً ولا سُدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله خير من عبد ربه وأطاعه وعمل بأمره ونهيه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره وسار على نهجه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن الدنيا دار امتحان وابتلاء، فمن وفى وفيَّ له، ومن فرط في أيامه وشهوره وسنواته لم يجد إلا الحسرة والندامة يوم القيامة.
عباد الله: لقد مرت علينا أيامٌ مباركة نقية، عذبة المذاق، طيبة العيش، تقلب المسلمون فيها بين نعم الله العظيمة من صيام، وقيام، وصدقة، وبر، وتلاوة للقرآن وغير ذلك من الصالحات، عاشوا فيها لحظات جميلة، وأوقاتاً سعيدة، عاشوا فيها وهم يتمنون ألا تنقضي من بين أيديهم، ولكن هيهات هيهات لأحد أن يمسك الزمن ولو لبرهة يسيرة، فهكذا الدنيا تمر مروراً سريعاً، تحمل بين طياتها ما قدمنا فيها، فيا سعادة من ختم له بالقبول والعتق من النيران، ويا حسرة من ختم له بغير ذلك.
عباد الله: يا من ودعتم قبل أيام شهراً كريماً، وموسماً عظيماً، صمتم نهاره وقمتم ليله، وأقبلتم فيه على كتاب ربكم تتلونه ليلاً ونهاراً، وأكثرتم فيه من الذكر والدعاء، وامتلأت قلوبكم بالخوف والرجاء، وتصدقتم وبذلتم، وتقربتم إلى ربكم طالبين الأجر والثواب، وحُق لمن كان ذلك ديدنه أن يفوز بأفضل تجارة مع الله لينال الرحمة والمغفرة والرضوان.
عباد الله: لقد ودعنا شهرنا الحبيب بما أودعناه فيه من أعمال صالحات، فهنيئاً لمن كان شاهداً له عند الله بخير، شافعاً له بدخول الجنة والعتق من النار، ويا خسارة من كان شاهداً عليه بسوء عمله، قال صلى الله عليه وسلم:(.. رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ..) (رواه الترمذي وأحمد).
عباد الله: علينا أن نلتزم بتقوى الله تعالى في كل آن، وأن يكون ذلك شعارنا طيلةَ أعمارِنا، ومن كان صادقاً مع الله لا بد أن يكون مواظباً على الطاعات، واجتناب المعاصي والمحرمات، وأن يكون ذلك منهاجاً له إلى أن يتوفاه الله، فيكون في مواسم الخير مجتهداً، وحريصاً على الطاعة، فإذا انقضت تلك المواسم فإن آثارها تبقى في حياته، سائراً على الحق المبين، لا يحيد عنه طرفة عين، وتكون حياته صوراً حية من الصدق في التعامل مع الله ومع خلقه.
عباد الله: هناك بعض المسائل التي تتعلق بقضاء رمضان ينبغي توضيحها لمن أفطر في نهار رمضان لعذر شرعي من مرض أو سفر، وكذا حيض ونفاس بالنسبة للمرأة، وهي مسائل يكثر السؤال عنها ويقع فيها بعض الناس بأخطاء كبيرة ولذا يحسن بيانها في مثل هذا الوقت ومن هذه المسائل:
1ـ من أفطر في رمضان بعذر شرعي فعليه القضاء، وهو في ذمته، ويتأكد في حقه التعجيل به لأنه لا يدري ما يعرض له.
2ـ الأولى تقديم القضاء على صيام الست من شوال، ومن أخره فلا حرج عليه لفعل عائشة رضي الله عنها ذلك.
3ـ يحرم الفطر في صيام القضاء من غير عذر.
4ـ لا يلزم التتابع في صيام القضاء، بل يجوز أن يصومه المسلم متفرقاً.
5ـ لابد من تبييت النية من الليل في صيام القضاء، وهكذا كل صيام واجب كالنذر والكفارة.
6ـ لا يحل للمرأة أن تفطر إذا صامت القضاء وطلب زوجها منها الفطر، لأن هذا معصية عظيمة، ولأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
7ـ إذا حصلت مناسبة واجتمع أفراد الأسرة وكان بعضهم صائماً لقضاء رمضان فأحياناً يطلب منه بعض الحاضرين الفطر ويقولون تصوم مكانه يوماً آخر، وهذا قول على الله بغير علم، فليس الاجتماع عذراً يبيح الفطر، فما دام الرجل أو المرأة عزما على الصيام وبدءا به فلا يحل لهما أن يفطرا إلا من عذر يبيح لهما الفطر في رمضان كالسفر والمرض والحيض والنفاس بالنسبة للمرأة.
8ـ لا ينبغي للزوجة أن تصوم القضاء إذا منعها زوجها وكان في الوقت متسعاً، ولكن لو خالفت أمره وصامت فلا يحل له أن يلزمها بالفطر.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً}(الأحزاب: 36).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، وتمسكوا بصراطه المستقيم تنالوا الفوز في الدنيا والآخرة.
عباد الله: ومن المسائل الهامة المتعلقة بالصيام والقضاء ما يلي:
9ـ لا يحل للمرأة أن تصوم ستاً من شوال ولا أي صيام نفل إذا منعها زوجها لأن طاعة الزوجة لزوجها واجبة، وهذا صيام مستحب، ولا يقدم المستحب على الواجب.
10ـ لا يجوز أن يجمع المسلم نيتي القضاء وست من شوال، بل القضاء يجب أن يكون بنية مستقلة، وإذا رغب في صيام ست من شوال فيكون بعد القضاء.
11ـ إذا كان المسلم صائماً صيام نفل وحصلت مناسبة وطُلب منه أن يفطر فينبغي له ذلك لإدخال السرور على المجتمعين.
12ـ يجب على الزوجة طاعة زوجها إذا دعاها للفراش وكانت صائمة صيام نفل، ولا يحل لها أن تمتنع منه بحجة أنها صائمة، وقد ذكرنا أن طاعة الزوج واجبة، والواجب يقدم على المستحب.
13ـ صيام ست من شوال لا يحتاج إلى نية من الليل في أصح قولي العلماء، وإذا أصبح المسلم ولم ينو الصيام بالليل جاز له الصيام من النهار في أي وقت إذا كان لم يأكل أو يشرب، ولم يفعل مفطراً من المفطرات.
14ـ يجوز لمن صام الست من شوال أن يفرد يوم الجمعة بالصيام ما دام من الست، ولا حرج في ذلك إن شاء الله.
15ـ من لم يرغب في صيام هذه الست فلا يكون سبباً في منع غيره من صيامها، فالتطوع أجره عظيم.
16ـ إذا أفطر المسلم في رمضان لعذر المرض واستمر مرضه إلى أن مات فلا قضاء عليه ولا إطعام لأنه لم يتمكن من القضاء.
17ـ إذا أفطر المسلم لعذر المرض أو السفر أو الحيض أو النفاس بالنسبة للمرأة ومات بعد يوم العيد فلا قضاء ولا إطعام لأنه لم يتمكن من القضاء.
18ـ إذا أخر المسلم قضاء رمضان إلى أن جاء رمضان الآخر من غير عذر فعليه مع القضاء أن يطعم عن كل يوم مسكيناً.
أيها المؤمنون: لقد ودعت هذه المحافظة بالأمس صالحاً من صلحائها، وداعية من دعاتها، ومحتسباً من خيرة المحتسبين، كان له أثر واضح في نشر الخير وبذله، وكان مفتاح خير لكثير من الأمور عند سماحة الشيخ ابن باز رحمهما الله جميعاً، كما أنها ودعت شاباً من خيرة شبابها، وهكذا الموت يهدم الملذات، فلعينا أن نستعد له بمواصلة الطاعة وكثرة العمل الصالح.
أسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتجاوز عن التقصير والزلل والعصيان، وأن يأخذ بأيدينا وأيديكم إلى طريق الهدى والرشاد.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب:٥٦)، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك وخليلك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وتقبل صالح أعمالهم، واستجب دعاءهم يا كريم.
اللهم فرج عن إخواننا المسلمين في كل مكان.
اللهم أنج المستضعفين والمظلومين يا جبار السموات والأراضين.
اللهم انتقم من الطغاة الجبابرة، وخذهم أخذ عزيز مقتدر يا قوي يا متين.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(النحل:90)، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الجمعة: 4-10-1429هـ