85 – الجماعات الحزبية خنجر مسموم طعنت به أمة الإسلام

الأربعاء 19 رجب 1445هـ 31-1-2024م

 

85 –  الجماعات الحزبية خنجر مسموم

طعنت به أمة الإسلام pdf

 

 

 

الجماعات الحزبية

خنجر مسموم

طعنت به أمة الإسلام

 

تأليف

أ.د عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. وبعد:

بعث الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من جزيرة العرب إلى الإنس والجن عامة ينذرهم عن الشرك ويدعوهم إلى التوحيد الذي هو إفراد الله بالعبادة، والبراءة من الشرك وأهله، والولاء للتوحيد وأهله.

وقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين يثبت العقيدة في نفوس أصحابه حتى قويت جذورها واشتد أصلها، وبعد ذلك عرج به إلى السماء وفرضت الصلوات الخمس، ثم أمر بالهجرة إلى المدينة، ولما استقر بها أمر ببقية الشرائع من الزكاة والصوم والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وغيرها من شرائع الإسلام.

وعاش المجتمع المدني في أمن وطمأنينة بعد أن أنعم الله عليهم بفضله بالألفة والاجتماع بعد اجتماع القلوب على إخلاص الدين لله ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا هو منطلق الإسلام ومبنى جماعة المسلمين ومنهج النبي المصطفى  صلى الله عليه وسلم التربية على العقيدة وتصديق ذلك بالعمل.

وبهذا الأمر أصبح الصحابة سادة العالم ثم لا يزال الأمر كذلك حتى بدأت الفرق والأحزاب تنخر في جسم الأمة وتمزقها متخذة كل وسيلة لهدم كيان الأمة المتماسك المبني على عقيدة الإسلام، والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، وقد أخبر عن ذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بقوله: (إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ)([1])، وفي رواية: “قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي)”([2]).

وهذا يؤكد أن الاختلاف واقع لا محالة، وأن عامة المختلفين هالكون إلا أهل السنة الجماعة ذلك أن المختلفين المتفرقين خالفوا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وابتعدوا عن سنته واتبعوا غير سبيل المؤمنين، وصاروا شيعاً وأحزاباً كل حزبٍ بما لديهم فرحون، وتبع كل فريقٍ وحزب ما في قلوبهم من الهوى المخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم فحل ما حل بالمسلمين من الكوارث والنكبات التي سببها البعد عن الاعتصام بالكتاب والسنة وسلوك طريق غير طريق المؤمنين وسبيل غير سبيلهم، وكل يغني على ليلاه، وكل يظن أنه يدعو إلى الخير.

لكن ميزان الدعوة في الإسلام الذي يعرف به صواب منهج الدعوة وخطؤه في أي زمان ومكان وعلى أي حال يتلخص في الآتي:

1- مطابقة سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبلاغ رسالة ربه جل وعلا.

2 – أن يكون الداعي إلى الله على بصيرة بما يدعو إليه أي على علم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه سلف الأمة.

3- أن تقوم الدعوة إلى الله على الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.

4- التزام الداعي إلى الله بما يدعو إليه ليقرن القول بالعمل ويكون قدوة لمن يدعوهم.

وعلى قدر القرب من هذا الميزان والبعد عنه يكون التوفيق والسداد للداعي في كل زمان ومكان، وعلى كل حال، وهذا من حيث الجملة أما بلاد الحرمين مهبط الوحي ومتنزل الرسالة ومهوى أفئدة المسلمين فلها شأن آخر، لأن الله ميزها بميزات ليست لغيرها منها:

1- وجود البيت العتيق فيها الذي هو قبلة المسلمين في صلاتهم ومحط رحالهم في حجهم وعمرتهم.

2- انطلاق رسالة التوحيد منها إلى الثقلين في كل زمان ومكان، فمنها بعث خاتم الأنبياء والمرسلين، ومنها انطلقت جحافل الإيمان تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

3- الحكم بتطهيرها من الشرك وأهله حتى لا يجتمع فيها دينان.

وها هي بلاد الحرمين الشريفين تتميز على بلاد الدنيا بميزات ظاهرة للعيان ومنها:

1- قيام دولتها على الدعوة إلى التوحيد ونبذ ما سواه.

2- تحكيم شرع الله وإقامة حدوده.

3- شعارها في رايتها الشهادتان وهذه الراية ترتفع خفاقة حتى ولو نكست الرايات لموت عظيم أو كبير لم تنكس مهما كانت الظروف.

4- خلو أرضها ولله الحمد والمنة من التماثيل والأوثان والأضرحة والمقامات التي تنتشر في سائر بلاد المسلمين، ولكن الله حمى هذه البلاد منها لأنها قامت على التوحيد الخالص.

5- خلو المساجد في هذه البلاد المباركة من البدع التي تعج بها المساجد في كثير من الأصقاع الإسلامية.

6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعار معلن تفخر به هذه البلاد وقد وضعت له الأنظمة واللوائح وتصرف من أجله الملايين في كل عام.

7- الالتزام بالحجاب الشرعي للنساء وتوفير الأماكن الخاصة لهن سواء في الحرمين أو في أماكن الدراسة والعمل وغيرها حفاظاً على خصوصيتهن.

8- لا تمنح جنسية هذه البلاد إلا لمسلم، وهذا أمر تفخر به هذه البلاد تنفيذاً لوصية المعصوم صلى الله عليه وسلم: (لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إِلَّا مُسْلِمًا)([3]).

هذه حال بلاد الحرمين الشريفين ولله الحمد والمنة، والمتأمل لحال كثير من البلاد الإسلامية التي عصفت بها رياح الفتن والاختلافات ودخلها التفرق وتغلغلت بها الحزبيات والجماعات يرى العجب، لقد وصل الحال بالمسلمين نتيجة لتعدد الجماعات والأحزاب والفرق والطوائف إلى أن تعدى بعضهم على بعض بالتهم والإشاعات الكاذبة والسباب حتى اعتدى بعضهم على بعض.

والعجيب الغريب أن هؤلاء الذين وقف بعضهم في طريق بعض وآذى بعضهم بعضاً كل منهم يدَّعي أن همَّهم الأول تجميع الصفوف ووحدة المسلمين، ونحن نقول كيف تجتمع الصفوف ويتحد المسلمون بواسطة جماعات وطوائف وأحزاب متفرقة كل طرف منها يحاول بكل وسيلة أن يثبت أنه على الحق وغيره على الباطل، وكل ما كان يؤدي لخدمة حزبه وجماعته يسارع إليه ويشجع عليه، وما وقف في طريق حزبه أو خالفه يبذل الغالي والنفيس للتخلص منه. أما الموازين الشرعية عند هؤلاء فهي غائبة فالقرب منهم والبعد والحب والكره كل ذلك منوط بالانضمام معهم والانخراط في حزبهم وكان الأجدر بهؤلاء أن يتحدوا على السنة لأنها أساس الاتحاد وأصل جمع الصفوف وسفينة النجاة. نعم لأن السنة أمارة الوحدة والبدعة أمارة الفرقة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “البدعة مقرونة بالفرقة كما أن السنة مقرونة بالجماعة، فيقال أهل السنة والجماعة كما يقال أهل البدعة والفرقة” ([4]).  فهذه الجماعات وهذا التفرق الحاصل على الساحة اليوم لا يقره دين الإسلام بل ينهى عنه أشد النهي ويأمر بالاجتماع على عقيدة التوحيد وعلى منهج الإسلام جماعة واحدة وأمة واحدة كما أمرنا الله  سبحانه وتعالى بذلك، والتفرق وتعدد الجماعات إنما هو من كيد شياطين الجن والإنس لهذه الأمة فما زال الكفار والمنافقون من قديم الزمان يدسون الدسائس لتفريق الأمة. وعليه فإذا انعقدت فرقة أو جماعة أو حزب إسلامي تحت شعار معين مستحدث يعقد عليه الولاء والبراء وإذا انعقدت ملتزمة بعضاً مما أمر الله به دون بعض وإذا انعقدت لا توالي إلا من انتظم في سلكها دون من سواهم.

وإذا انعقدت في بلد أهله على منهاج النبوة التي درج عليها السلف الصالح أهل السنة والجماعة مخالفة في أمر كلي أو جزئي باسم أو رسم.

فكل هذه عقود محرمة لا تجوز لما فيها من البغي بغير الحق وهضم لجوانب في الإسلام وميل عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة، وشذوذ عن الأصل جماعة المسلمين، وإيذان بتفرقهم وتشتيت لشملهم وكسر لوحدتهم، والمتأمل في حال الأمة الإسلامية اليوم يرى أن البدن الإسلامي  مثخن بمحنة الأحزاب حيث لا يرضاها لبوسا ولا يهضمها فهو بها يعايش علة انتحار داخلي في الأمة لأنها قضت على حرية الرأي والإبداع في الأمة، وقد تساقطت الفرق في الماضي الواحدة تلو الأخرى ومن نهج نهجها سيقتفي أثرها في السقوط مهما كانت جذور حزبيته ضاربة في الأرض لأن هذه سنة الله في خلقه، والحزبية كانت وما تزال حجاباً عن معرفة الحق لداء التعصب المقيت الذي يلازمها وهي كذلك من أسباب ضعف الغيرة على التوحيد الخالص ودليلنا على ذلك سكوت بعض الحزبيين عن أخطاء جوهرية في المعتقد لتأليف القلوب بزعمهم وساء ما يزعمون.

والحزبية كذلك سبب للفرقة التي هي من أقوى المعاول التي حطمت بها الأمة ولا تزال، فالحزبيون لا يهمهم إلا أنفسهم ومن على شاكلتهم. وأما غيرهم فمهما كان صلاحه وتقاه فهو عقبة في طريقهم والحزبيون لا يرون الدعاء لولي الأمر. وهذا من جهلهم وفاحش غلطهم، سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن من يمتنع عن الدعاء لولي الأمر فأجاب: “هذا من جهله وعدم بصيرته، الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات ومن أفضل الطاعات ومن النصيحة لله ولعباده والنبي لما قيل له أن دوسا عصت فقال: (اللهم أهد دوسا وأتِ بهم)([5])، يدعو للناس بالخير والسلطان أولى من يدعى له لأن صلاحه صلاح للأمة، فالدعاء له من أهم الدعاء.

ومن أهم النصح أن يوفق للحق وأن يعان عليه وأن يصلح الله له البطانة، وأن يكفيه الله شر نفسه وشر جلساء السوء، فالدعاء له بأسباب التوفيق والهداية وبصلاح القلب والعمل من أهم المهمات ومن أفضل القربات”([6]).

إن الذين يمتنعون عن الدعاء لولاة الأمور ويجتهدون في بذر الفرقة والخلاف بين عامة الناس وولاة أمورهم بنشر الكذب والزور وتضخيم بعض الأمور فوق حجمها هم الحزبيون الذين أقلقهم ما تعيش فيه هذه البلاد من أمن وطمأنينة وتلاحم بين قيادتها وشعبها، ولكن الله حافظ دينه وناصر كلمته ومعز سلطانه ولو كره الحاقدون.

إن ولاة الأمر في هذه البلاد، بلاد الحرمين الشريفين حين يأخذون على أيدي بعض السفهاء والحاقدين ويحاسبونهم كل حسب جرمه وخطئه وينفذون فيهم شرع الله عن طريق المحاكم الشرعية إنما يستجيبون لتوجيه العلماء ودعوتهم للأخذ على أيدي العابثين والمتربصين بهذه البلاد الدوائر، أما أن يترك الحبل على الغارب ويتغلغل إلينا الحزبيون وأصحاب الولاءات فهذا مالا ترضاه هذه البلاد قيادة وعلماء وشعبا لأن الجميع عاهدوا الله على تحكيم شرعه وبايعوا ولي الأمر على ذلك.

وستبقى هذه البلاد بمشيئة الله قوية بإيمانها متمسكة بشرع الله يتعاون فيها ولاة الأمر والعلماء وسائر أفراد الشعب على الضرب بيد من حديد على من تسول له نفسه تعكير الصفو أو تمزيق الصف أو بذر الخلاف والفرقة، والله غالب على أمره ولوكره المجرمون.

اللهم احفظ بلادنا ومقدساتنا وولاة أمرنا وعلماءنا من كيد الكائدين وحقد الحاقدين اللهم أيد بالحق ولاة أمرنا وأقمع بهم الباطل وأهله اللهم أصلح بهم البلاد والعباد وأجمع بهم كلمة المسلمين واحفظهم بالإسلام قائمين قاعدين وأعنهم على أمور دينهم ودنياهم يا كريم …. أمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) رواه أبو داود (4597) ، وحسنه ابن حجر في  تخريج الكشاف (63) ، وصححه ابن تيمية في  مجموع الفتاوى (3/345)، والعراقي في ” تخريج الإحياء ” (3/199).

([2]) رواه الترمذي (2641)، وحسَّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2641).

([3]) رواه مسلم (1767).

([4]) الاستقامة (1/42).

([5]) أخرجه البخاري (8/101) ومسلم (4/1957).

([6]) مجموع فتاوى بن باز (8/210).