117 – الأضحية .. أحكامها وبعض المسائل المتعلقة بها

الخميس 20 رجب 1445هـ 1-2-2024م

117 –  الأضحية .. أحكامها وبعض المسائل المتعلقة بها pdf

 

 

الأضحية وأحكامها

وبعض المسائل المتعلقة بها

 

تأليف

أ.د / عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

عضو الإفتاء بالقصيم

والأستاذ في كلية التربية بالزلفي جامعة المجمعة

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فهذه رسالة مختصرة عن الأضحية وأحكامها وبعض المسائل المتعلقة بها، لعل الله أن ينفع بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وذخراً لي ولوالدي، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وقد حرصت على أن تكون سهلة الأسلوب، واضحة في مبناها ومعناها، موجزة بعيدة عن بسط الخلاف والمناقشات، واكتفيت بما ترجح لي من كلام أهل العلم.

 

الأضحية

تشرع الأضحية يوم عيد الأضحى، وفي أيام التشريق، وهي عبادة عظيمة، تتجلّى فيها العبودية الخالصة لله، إذ يتقرّب المسلم إليه بسفك دم بهيمة الأنعام على الوجه المشروع.

الأضحية في اللغة: بضم الهمزة وكسرها، وبتخفيف الياء وتشديدها، وجمعها أضاحي، وأضاحيَّ.

ويقال: ضحية بفتح الضاد وكسرها، وجمعها ضحايا وأضحاة بفتح الهمزة وكسرها، وجمعها أضحىً منونة ومثله أرطى جمع أرطاة. (لسان العرب ص477، والمعجم الوسيط ص537).

وفي الاصطلاح: ما يذبح من النّعم تقرباً إلى الله – تعالى – من يوم عيد النحر إلى آخر أيام التشريق.

وسبب تسميتها بذلك: قيل مأخوذة من الضّحوة، سميت بأول أزمنة فعلها، وهو الضّحى، وبها سمي يوم الأضحى.(صحيح مسلم بشرح النووي ح13 ص109، وفتح الباري ح10 ص3، ونهاية المحتاج ح3 ص133).

 

الأصل في مشروعية الأضحية

الأضحية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع.

فمن الكتاب:

قوله تعالى : [فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ]( الكوثر، 2 ). قال ابن كثير وغيره: (الصحيح أن المراد بالنحر ذبح المناسك، وهو نحر البدن ونحوها)( تفسير ابن كثير ح4 ص558، وزاد المسير لابن الجوزي ح9 ص249، وتفسير القرطبي ح19 ص218).

ومن السنة:

ما روي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، وَيُسَمِّي، وَيُكَبِّرُ)(رواه البخاري ومسلم).

وما ثبت عن البراء بن عازب، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم النحر، فقال:( لا يُضَحِّيَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلِّيَ)، قَالَ رَجُلٌ: عِنْدِي عَنَاقُ لَبَنٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، قَالَ:(فَضَحِّ بِهَا، وَلا تَجْزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ)(رواه البخاري ومسلم).

ومن الإجماع

ما ثبت من إجماع المسلمين من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أيامنا هذه على مشروعية الأضحية، ولم ينقل عن أحد خلاف ذلك، ومستند الإجماع الكتاب والسنة.

قال ابن قدامة في المغني: (أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية)( المغني ح8 ص617).

قال ابن حجر: (ولا خلاف في كونها من شرائع الدين)( فتح الباري ح10 ص3).

 

حكمة مشروعية الأضحية

شرع الله الأضحية لتحقيق الحكم التالية:

1- اقتداء بأبينا إبراهيم، عليه السلام، الذي أمر بذبح فلذة كبده، فصدَّق الرؤيا، ولبّى، وتله للجبين، فناداه الله، وفداه بذبح عظيم. ففي ذبح الأضاحي إحياء لهذه السنة، وتضحية بشيء مما أفاء الله على الإنسان، شكراً لصاحب النعمة ومُسديها، وغاية الشكر محض الطاعة، بامتثال الأمر.

2- التوسعة على الناس يوم العيد، فحين يذبح المسلم أضحيته يُوسّع على نفسه وأهل بيته، ويُهدي منها إلى أصدقائه وجيرانه وأقاربه، ويتصدّق منها على الفقراء والمحتاجين.

 

حكم الأضحية

اختلف أهل العلم في حكمها على أقوال أشهرها قولان، هما:

القول الأول: الأضحية سنة مؤكدة، يُثاب فاعلها، ولا يأثم تاركها. وإلى هذا القول ذهب جماهير أهل العلم من السلف ومن بعدهم.

القول الثاني: الأضحية واجبة شرعاً على المسلم الموسر المقيم، ويأثم إن لم يضح. وذهب إلى هذا الإمام أبو حنيفة، وغيره من أهل العلم. والذي تطمئن إليه النفس وتُعضّده الأدلة في نظري أن الأضحية سنة مؤكدة، وليست واجبة.

قال ابن حزم: (الأضحية سُنة حسنة، وليست فرضاً، ومن تركها غير راغب عنها فلا حرج عليه في ذلك)( المحلى ح8 ص3).

وقال النووي: (واختلف العلماء في وجوب الأضحية على الموسر، فقال جمهورهم: هي سنة في حقه إن تركها بلا عذر لم يأثم، ولم يلزمه القضاء. وقيل هي واجبة على الموسر) (صحيح مسلم بشرح النووي ح13 ص110).

 

وقت الذبح

وقت ذبح الأضحية من بعد صلاة العيد يوم النحر، إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.

فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد بعد الصلاة، وثلاثة أيام بعده. فمن ذبح أضحيته قبل فراغ صلاة العيد أو بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر لم تصح. وهذا هو القول الرّاجح.

ويجوز الذبح ليلاً ونهاراً، ولكن الذبح في النهار أفضل. وكل يوم من أيام الذبح أفضل مما يليه، لأن في تقديم الذبح مبادرة إلى فعل الطاعة.

قال النووي: (وأما وقت الأضحية فينبغي أن يذبحها بعد صلاته مع الإمام، وحينئذ تجزيه بالإجماع. قال ابن المنذر وأجمعوا أنها لا تجوز قبل طلوع الفجر يوم النحر. واختلفوا فيما بعد ذلك)( صحيح مسلم بشرح النووي ح13 ص110). وقال ابن حجر: (واتفقوا على أنها تُشرع ليلاً، كما تُشرع نهاراً، إلا رواية عن مالك وعن أحمد – أيضاً -)( فتح الباري ح10 ص8).

 

من تجزئ عنه الأضحية؟

تجزئ الأضحية الواحدة من الغنم عن الرجل وأهل بيته، ومن شاء من المسلمين، من حي أو ميّت. وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما ذبح أضحيته، قال: (اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ)(رواه مسلم). ويجزئ سُبْعُ البعير أو البقرة، عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم. فلو ضحّى المسلم في سُبْع ِبعير أو بقرة عنه وعن أهل بيته أجزأه ذلك. ولو اشترك سبعة أشخاص يُضحون أو يهدون في بعير أو بقرة أجزأهم ذلك.

 

من تشرع في حقه الأضحية

الأصل في الأضحية: أنها مشروعة في حق الأحياء، لما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم ضحّى عن نفسه وأهل بيته.

وأما ما يفعله بعض الناس من تقديم الأموات على أنفسهم وأهليهم تبرعاً منهم، فلا أصل له فيما نعلم. لكن لو ضحى عن نفسه وأهل بيته، وأشرك الأموات معهم، أو ضحى للأموات استقلالاً تبرعاً منه فلا بأس بذلك. وهو مأجور – إن شاء الله -.

أما ضحايا الأموات التي هي وصايا عنده، فهذه يجب تنفيذها، ولو لم يضح عن نفسه، لأنه مأمور بتنفيذ الوصية.

 

الاشتراك في الأضحية

لا تُجزئ الواحدة من الغنم عن شخصين فأكثر، يشتريانها فيضحيان بها، لعدم ورود ذلك في الكتاب والسنة.

كما لا بجزيء أن يشترك أكثر من سبعة في بعير أو بقرة لأن العبادات توقيفية.

والثابت الاشتراك بين سبعة فأقل. وهذا في غير الثواب، إذ لا حصر للاشتراك فيه لأن فضل الله واسع.

وهنا يجب التنبيه على خطأ يتساهل فيه بعض الناس ممن يتولون تنفيذ الوصايا، حيث يجمع وصايا أكثر من قريب له في أضحية مشتركة، وهذا لا يسوغ. لكن لو كان الموصي واحداً بحيث أوصى بعدة ضحايا فجمعت له في أضحية واحدة فلا بأس – إن شاء الله -.

 

الصدقة بثمنها

ذبح الأضحية شعيرة ظاهرة من شعائر دين الإسلام، ولذا فالذّبح أفضل من الصدقة بالثمن، لما يأتي:

1-أن الذبح عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم، من سلف الأمة.

2-أن الذبح من شعائر الله، فلو عدل الناس عنه إلى الصدقة بالثمن لتعطلت شعيرة ذبح الأضحية!!

3-ذبح الأضحية عبادة ظاهرة والصدقة بالثمن ألصق بالعبادة السرّية.

4-لو كانت الصدقة بالثمن مساوية لذبح الأضحية أو أفضل منها لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله أو فعله، لأنه لم يترك خيراً إلا ودلّنا عليه، ولا شراً إلا وحذّرنا منه.

5-من المعلوم أن الصدقة بثمن الأضحية أيسر وأسهل من ذبحها، لما يصاحب الذبح ويسبقه في كثير من الأحيان من المشقة التي يعرفها الناس. ولو كان التصدق بالثمن أفضل أو مساوياً لما ترك الرسول صلى الله عليه وسلم بيانه، وهو الرحيم بأمته المشفق عليهم الذي يختار لهم دائماً الأيسر، والأخف، فعلم بهذا أن الذبح أفضل قطعاً. والله أعلم.

قال ابن تيمية: (والأضحية والعقيقة والهدي أفضل من الصدقة بثمن ذلك، فإذا كان معه مال يريد التقرب به إلى الله كان له أن يضحي به، والأكل من الأضحية أفضل من الصدقة، والهدي بمكة أفضل من الصدقة بها)( مجموع الفتاوى ح26 ص304).

وقال ابن القيم: (الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه. قال: ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقران بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه. وكذلك الأضحية)( أحكام الأضحية والذكاة ص14).

 

شروطها

يشترط للأضحية شروط، لا تُجزئ إلا بتوافرها، وهي:

1ـ أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم، ضأنها ومعزها.

2ـ أن تبلغ السن المطلوبة شرعاً، بأن تكون جذعة من الضأن أو ثنية من غيره. (الثني من الإبل: ما تم له خمس سنوات ـ الثني من البقر: ما تم له سنتان ـ الثني من الغنم: ما تم له سنة ـ الجذع: ما له ستة أشهر).

3ـ أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء، وهي المنصوص عليها في الحديث. ( العور البين ـ المرض البين ـ العرج البين ـ الهزال المزيل للمخ).

ويلحق بهذه العيوب ما كان مثلها أو أشدّ ، فلا تجزئ الأضحية به كالعمياء، ومقطوعة اليدين ، والرجلين ، والكسيحة.

4ـ أن تكون ملكاً للمضحي، أو مأذوناً له فيها. فلا تصح التضحية بالمغصوب والمسروق، والمشترك بين اثنين، إلا بإذن الشريك.

5ـ ألا يتعلّق بها حق للغير، فلا تصح التضحية بالمرهون، ولا بالموروث قبل قسمته.

6ـ أن تقع الأضحية في الوقت المحدد شرعاً، فإن ذبحت قبله أو بعده لم تجزئ (انظر بداية المجتهد ح1 ص450، والمغني ح8 ص637 وما بعدها، وبدائع الصنائع ح6 ص2833، والمحلى ح7 ص30).

 

الأفضل من الأضاحي

والمكروه منها

الأفضل من الأضاحي جنساً: الإبل، ثم البقر، إن ضحى بها كاملة، ثم الضأن، ثم المعز، ثم سُبْع البُدنة، ثم سُبْع البقرة .

والأفضل منها صفة ما توافرت فيه صفات التمام والكمال في بهيمة الأنعام، وهي معروفة لأهل الخبرة في هذا المجال، ومنها: (السمن ـ كثرة اللحم ـ كمال الخلقة ـ جمال المنظر ـ غلاء الثمن).

والمكروه من الأضاحي: (مقطوع الأذن والذنب، أو مشقوق الأذن طولاً أو عرضاً ـ مقطوع الإلية والضّرع، أو مقطوعة بعضهما، كحلمة الضرع – مثلاً – المجنونة وهي التي تستدبر المرعى ـ فاقدة الأسنان ـ الجماء ومكسورة القرن).

وقد نص الفقهاء يرحمهم الله على كراهية العضباء، وهي (ما ذهب أكثر أذنها أو قرنها)، والمقابلة، وهي (التي شقت أذنها من الأمام عرضا من الخلف)، والمدابرة، وهي (التي قطع مؤخرة أذنها)، والشرقاء، وهي (التي تشق أذنها من الأمام طولاً)، والخرقاء، وهي (التي خرقت أذنها)، والبخقاء وهي (التي بخقت عينها فذهب بصرها وبقيت العين بحالها)،  والبتراء، وهي (التي لا إلية لها)، والمشيعة، وهي (التي لا تتبع الغنم لضعفها إلا بمن يشيعها فيسوقها لتلحق)، والمصفرة وهي (التي قطعت أذنها حتى ظهر صماخها. وقيل المهزولة إذا لم تصل إلى حد تفقد فيه المخ)، (المغني ح9 ص442 ، وبدائع الصنائع ح6 ص2846، ونهاية المحتاج ح8 ص128، والمحلى ح8 ص41).

هذه هي المكروهات التي وردت الأحاديث بالنهي عن الأضحية بما تعيب بها أو الأمر باجتنابها.

وحمل ذلك على الكراهة للجمع بينها وبين حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يُتقى من الأضاحي؟ فأشار بيده وقال: (أربعاً: العرجاء البين ضلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى) رواه مالك في الموطأ.

إذا طرأ العيب على الأضحية بعدما عينها صاحبها، فينظر في العيب، فإن كان قصور، فهذه الأضحية مثل الأمانة عند الإنسان، إن قصر فيها تحملها، وإن لم يقصر فيها لا يتحملها، فإذا تعيبت بعدما تعينت، ولم يكن قصور من صاحبها، فإنها تجزئ على أرجح الأقوال، أما إن قصر صاحبها، كأن حملها ما لم تحتمل، أو وضعها في برد، أو غير ذلك، فطرأ عليها عيب، أو أنها تغيبت قبل أن تتعين، فلابد أن يشتري أضحية ثانية، والله أعلم.

أما إن فرت أو ماتت بعد ما عينها فله أن يشتري غيرها، ما لم يفرط، بناء على القاعدة السابقة، فإن وجدها بعدما فرت وكان قد ذبح غيرها فلا شيء عليه.

 

ما يؤكل من الأضحية، ويهدى ويتصدق به

يستحب للمضحي أن يأكل من أضحيته، ويُهدي، ويتصدّق، والأمر في ذلك واسع، من حيث المقدار. لكن المختار عند أكثر أهل العلم أن يأكل ثلثاً، ويهدي ثلثاً ويتصدق بثلث. ولا فرق في جواز الأكل والإهداء من الأضحية بين أن تكون تطوعاً، أو واجبة، ولا بين أن تكون عن حيّ أو ميّت أو وصية.

ويحرم بيع شيء من الأضحية من لحمها، أو جلدها، أو صوفها، ولا يعطى الجزار منها شيئاً أجرة عن ذبحه، لأن ذلك بمعنى البيع(انظر: المغني مع الشرح ح11 ص109، وتحفة الفقهاء ح3 ص135، وصحيح مسلم بشرح النووي ح13 ص130).

وقد ذهب ابن حزم إلى أبعد من هذا، فقرر وجوب الأكل من الأضحية، حيث قال: (وفرض على كل مضحي أن يأكل من أضحيته، ولابد ولو لقمة فصاعداً. وفرض عليه أن يتصدق – أيضاً – منها بما شاء قلّ أو كثر. ولابدّ ومباح له أن يُطعم منها الغني، والكافر، وأن يهدي منها – إن شاء ذلك – (المحلى ح8 ص54).

 

ما يطلب من المضحي

إذا أراد المسلم أن يضحي عن نفسه وأهل بيته أو أن يتبرع لحي أو ميت ودخل شهر ذي الحجة؛ إما برؤية هلاله أو إكمال ذي القعدة ثلاثين يوماً، فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره، أو أظفاره، أو جلده، حتى يذبح أضحيته.

ودليل ذلك ما روته أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ) (صحيح مسلم بشرح النووي ح13 ص139).

 

الحكمة في منع الأخذ

من الشعر والظفر والبشرة

ذكر أهل العلم طرفاً من حكمة النهي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة. ومن ذلك:

1_ قيل: إن المضحي لما كان مشاركاً للمحرم في بعض أعمال النسك وهو التقرب إلى الله بذبح الأضحية ناسب أن يعطى بعض أحكامه في المنع من أخذ الشعر والظفر.

2_ وقيل: الحكمة أن يبقى المضحي كامل الأجزاء للعتق من النار.

3_ وقيل: إن الحكمة توفير الشعر والظفر ليأخذه مع الأضحية، فيكون ذلك من الأضحية عند الله، وكمال التعبد بها، ولعل ذلك كله وغيره مراد. والله أعلم.

هنا أمور يحسن التنبيه عليها:

1_ كثيراً ما يسأل الناس ليلة الثلاثين من ذي القعدة هل يأخذون من شعرهم وأظفارهم؟

ونقول: إذا لم يثبت دخول الشهر ليلة الثلاثين فلهم ذلك ولا حرج عليهم، فالأمر متعلّق بدخول شهر ذي الحجة، وهو يثبت برؤية هلاله أو تمام ذي القعدة ثلاثين يوماً، لكن من أراد الاحتياط فله ذلك.

2_ إذا دخل عشر ذي الحجة والمسلم لم ينو الأضحية فأخذ من شعره وظفره، ثم بدا له بعد يومين أو ثلاثة أو أكثر أن يضحي فعليه أن يمسك من حين نوى، ولا حرج عليه فيما مضى ولله الحمد.

3_ اختلف أهل العلم هل أخذ الشعر والظفر حرام أو مكروه أو مباح _ ممن أراد أن يضحي _؟ والصحيح أنه حرام، لأن الأصل في النهي التحريم. ولا صارف له عن الأصل، لكن لو أخذ المسلم من شعره وظفره فلا فدية عليه، وعليه النوبة والاستغفار من ارتكاب المنهي.

4_ من أراد أن يضحي ثم أخذ من شعره وظفره فله أن يضحي ولا يمنعه من الأضحية أخذه من شعره وظفره. فهذا أمر، وهذا أمر آخر، لكن هذا الشخص أثم بارتكاب المنهي، وأما ما يظنه العامة من عدم قبول أضحيته فلا أصل له في الشرع.

5_ من احتاج إلى أخذ الشعر والظفر وشيء من البشرة فلا حرج عليه، كأن ينكسر ظفره فيحتاج إلى قصّه أو تتدلّى قشرة من جلده فتؤذيه فله قصّها، أو يحصل به جرح فيحتاج إلى قص الشعر. وهكذا.

6_ النهي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة خاص بمن أراد أن يضحي عن نفسه وأهل بيته، أو يضحي تبرعاً لحي أو ميت، وأما من يضحى عنه من الزوجة والذرية فلا يشملهم النهي، لأنه خاصّ بمن أراد أن يضحي.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يشملهم لأنهم يشاركون المضحي في الثواب، فشاركوه في الحكم. والأول أظهر. والله أعلم.

7_ لا أثر للتوكيل في المنع من أخذ الشعر والظفر والبشرة، فالذي يمنع من أخذها هو من أراد أن يضحي. أما الوكيل والوصي فلا يمتنعان، وما يظنه كثير من الناس أنه إذا وُكلّ له أن يأخذ من شعره وظفره وبشرته، فهو غير صحيح. فلينتبه لذلك.

8_ من أراد أن يُضحي وعقد العزم على الحج أو العمرة فلا يأخذ من شعره وظفره عند الإحرام. أما الحلق أو التقصير للحج والعمرة فيجب ولو كان الحاج أو المعتمر سيضحي، لأن هذا التقصير أو الحلق نسك، فلا يشمله النهي عن أخذ الشعر والظفر.

9_ لا حرج أن تذبح المرأة الأضحية، وما يظنّه بعض العامة من عدم جواز ذبح المرأة فلا أصل له في الشرع. قال في المغني: ( قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة المرأة والصبي)( المغني ح8 ص581). وقد روى البخاري بإسناده عن كعب بن مالك: (أَنَّ جَارِيَةً لَهُمْ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ، فَأَبْصَرَتْ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا مَوْتًا، فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا، فَقَالَ لِأَهْلِهِ: لاَ تَأْكُلُوا حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ – أَوْ حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ – «فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَوْ بَعَثَ إِلَيْهِ – فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْلِهَا)( فتح الباري ح12 ص51).

10_ هناك من يتساهل في الوصايا التي بين يديه، فيتبرع لميته القريب، ويترك وصيته وهذا لا يجوز. إذ تنفيذ الوصية واجب وإن زاد عليها وتبرع من نفسه فلا حرج. ولقد رأينا من لديهم وصايا لوالديهم أو أحدهما ويوفرون ذلك محتجين بأنهم يتبرّعون لهم سنوياً بأضحية أو أكثر، وهذا الحكم يشمل الوصايا للأقارب وغيرهم، فلينتبه لذلك.

11_ يعمد بعض الناس إذا سفك دم أضحيته إلى أخذ شيء من الدم ورش الجدار به زاعماً أن هذا يشهد له يوم القيامة، ويترك الدم حتى يزول. وهذا لا أصل له في الشرع، بل يخشى على صاحبه إذا لم يكن جاهلاً _والعياذ بالله_.

12_ ظهرت في الآونة الأخيرة بادرة طيبة تنم عن تكافل المسلمين وتعاونهم، وهي نقل الأضاحي إلى اللاجئين والمهاجرين المسلمين في البلاد الإسلامية المختلفة، وقد منع ذلك بعض أهل العلم وأجازه البعض الآخر، والذي يظهر لي – والعلم عند الله – أن هناك فرقاً بين أضحية المسلم عن نفسه وأهل بيته، وما عنده من الوصايا للآخرين، وبين الأضاحي المتبرع بها. أما أضحية المسلم عن نفسه وأهل بيته، وكذا الوصايا المحدّدة مكاناً ومصرفاً فالذي يبدو أن عدم نقلها أولى. بل تذبح في مكان الشخص المضحّي. وأما الأضاحي المتبرع بها فالأمر فيها واسع – إن شاء الله -. ” ولو قيل إن الأمر متروك لتقدير المفتي حسب حاجة الناس وما يترجح له من أولويات لكان صواباً “.

13_ لو فات وقت الأضحية وكان المسلم معذوراً أو استمرّ عذره حتى فوات الوقت كأن تهرب الأضحية ولا يجدها إلا بعد فوات وقت الذّبح أو يُوكِّلْ من يذبحها فينسى الوكيل، ثم يعلم الموكل بأنه لم يذبح فهل يُسوّغ الذبح هنا، ويكون العذر مبرراً لإجزاء الأضحية، هذا محل نظر عند أهل العلم، وقد رفع الله الحرج عن هذه الأمة، ولم يكلفها فوق طاقتها، وشرع لمن نام عن صلاة أو نسيها أن يُصليها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك.

14_ إذا تعينت الأضحية وجب تنفيذها ولا يُسوّغ له العدول عنها، ولا تبديلها إلا بخير منها، وما يفعله بعض الناس من شراء الأضحية ثم بيعها والتساهل في ذلك فهذا خطأ ينبغي التنبيه له. وإن ولدت بعد التعيين فحكم ولدها حكمها تماماً. وإن تَلِفَت قبل الذبح، فإن كان بتفريط منه ضمنها، وإن كان بفعل فاعل لزمه ضمانها. وإن تلفت بعد الذبح، أو سرقت، فإن كان بتفريط منه ضمن ما يتصدّق به فقط. وإلا فلا شيء عليه.

15_ من أُهدي إليه شيء من الأضحية أو تصدِّق به عليه، فله التصرف فيه بما شاء، من بيع أو إهداء أو صدقة، لكن لا يبيعه على من أهداه أو تصدّق به.

والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.