خطبة بعنوان: (الدواعش بين التكفير والقتل) بتاريخ 25-12-1436هـ
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فتلك وصيته جلَّ وعلا للأولين والآخرين، قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}(النساء: الآية 131)
عباد الله: لقد أصاب أمة الإسلام في هذا الزمان محن وبلايا وفتن عظيمة من إفساد وتكفير، وتفجير وتدمير، وترهيب وترويع، وقتل للأبرياء، وإثارة للفتن العمياء، وتشتيت للأمة، وتضييع وحدتها، وإتيانها من قبل أهلها، ولا يرتابُ أي عاقل في أنّ ما يحدث على الساحة اليوم في بلادنا يُعدّ من الجرائم الشنعاء التي لا يقرّها دين ولا عقل، ولا فطرة، ولا مروءة، ولا خلق، لأنه أمرٌ محرّمٌ وفعلٌ مُجرَّم وعملٌ إرهابيّ مفضوح. وكم تضرّر الدّين والمنتسبون إليه، وخاصة العلماء والدعاة ورجال الحِسْبة والإصلاح، وكم تضررت الدعوة والأعمال الخيرية بسبب تلك التصرفات الرعناء، وكم من مكاسب للأعداء حقّقها هؤلاء؟ .
لقد بيَّن لنا نبينا صلّى الله عليه وسلّم أوصاف هذه الفرقة الخارجة عن الإسلام ومن أمثلتها في وقتا الحالي داعش وغيرها من الأحزاب الضالة المضلة بفكرها المخالف وسلوكها المتطرّف، فهي تتخذ من التكفير سبيلاً لها لاستحلال دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، ولا يفرّقون بين كفر أكبر وكفر أصغر، ويكفّرون كل من خرج عن جماعتهم، ويكفّرون المعيّن دون مراعاة للضوابط الشرعية في ذلك، ويكفّرون كل من خالفهم في منهجهم ويقتلونهم، ويقولون بجاهليّة المجتمعات المسلمة، كما يستبيحون قتل المستأمَنين والمعاهَدين وغيرهم بحجّة كفرهم، ضاربين بالأدلّة الشرعيّة والسنّة النبويّة عرض الحائط ـ فإلى الله المشتكى ـ .
أيها المسلمون: وإن من تمام نعمة الله جل وعلا ورحمته بأمة الإسلام الإخبار بما يكون من الحوادث التي تصيب الأمة، منذ بعثة نبيه صلى الله عليه وسلم وحتى قيام الساعة، وبيان أسبابها وما يترتب عليها من التفرق والتحزب ووقوع القتال والتكفير، والأساليب المناسبة للوقاية والسلامة من تبعاتها ومفاسدها وأضرارها.
ومما ورد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم في بيان تلك الفرقة الضالة ما يلي:
قوله صلى الله عليه وسلم (يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يُسِيئُونَ الْأَعْمَالَ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ)، قَالَ يَزِيدُ لا أَعْلَمُ إِلا قَالَ:(يَحْقِرُ أَحَدَكُمْ عَمَلَهُ مِنْ عَمَلِهِمْ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلامِ فَإِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ فَطُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَطُوبَى لِمَنْ قَتَلُوهُ كُلَّمَا طَلَعَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قَطَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَرَدَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِشْرِينَ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ وَأَنَا أَسْمَعُ)(رواه أحمد).
وقوله صلى الله عليه وسلم:(يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ قِتَالُهُمْ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) (رواه أحمد).
وقوله صلى الله عليه وسلم:(سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَا يَرْجِعُونَ حَتَّى يَرْتَدَّ عَلَى فُوقِهِ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا سِيمَاهُمْ قَالَ التَّحْلِيقُ)(رواه أبو داود).
وروى البخاري في صحيحه:”بَابُ قَتْلِ الخَوَارِجِ وَالمُلْحِدِينَ بَعْدَ إِقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ”: (وكَانَ ابْنُ عُمَرَ، يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ، وَقَالَ: “إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ”).
عباد الله: إن لهذه الفرقة الضالة المضلة طرقاً ماكرة للوصول إلى فكر الشباب المسلم وخاصة صغار السن، ومن تلك الطرق:
1ـ الدخول عليهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وألعاب الإنترنت، ومقاطع الفيديو التي تحتوي على مشاهد ومؤثرات صوتية تجذبهم إلى حب ما هم عليه.
2ـ الحرص على ملء قلوب الشباب حقداً على ولاة أمورهم، وذلك عن طريق الإساءة إليهم، وذكرهم بما ليس فيهم، والتشهير بهم في المجالس الخاصة بهم.
3ـ الحرص على ملء قلوب الشباب بكره العلماء، وتزهيدهم فيهم، وعدم الأخذ منهم، ورميهم بالصفات الذميمة والمستقبحة لينفروا الناس عنهم.
4ـ الحرص على ملء قلوب الشباب كرهاً للمجتمع، وذلك بعرض سيئاته وسلبياته، وعدم ذكر ما يكون فيه من إيجابيات .
5ـ الحرص على عزل الشباب عن أقاربهم من الآباء والإخوة والأعمام والأخوال، وإبعادهم عنهم لكي لا يتأثروا بكلامهم المبني على الحكمة والخبرة والبعد عن الشبهات والشهوات.
فاتقوا الله يا شباب الإسلام وتمسكوا بالوسطيّة والاعتدال، وإياكم والاغترار بهم والانجراف وراء أعمالهم، وعليكم بالأخذ من علماءكم الربّانيّين الذين رسخت أقدامهم في العلم وطالت أعمارهم في تحصيله وعلت مكانتهم في الأمة بما آتاهم الله عز وجل من العلم والحكمة والرزانة والأناة والنظر في عواقب الأمور وخاصة في ظل هذه الظروف التي تعيشها أمة الإسلام، فقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:”لا يزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلم من أصحاب محمد ومن أكابرهم ، فإذا أتاهم من أصاغرهم هلكوا “.
واعلموا أن أعداء الإسلام ـ من كل حدب وصوب ـ يتربصون بكم فانتبهوا لئلا تؤتى بلادكم من قبلكم، وإياكم وفتاوى أهل الغي والضلال والفكر المنحرف، فإنهم يريدون لكم الهلاك، ونزع نعم الله التي تتقلبون فيها ليل نهار، من أمن وأمان، واستقرار ورغد عيش، وتوحد الصف واجتماع الكلمة، وتآلف بين الراعي والرعية.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ }(الأنفال: 20 ـ 23).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن ما تم من الإنجازات الأمنية المتتابعة والمتسارعة ضد الفئة الضالة من الدواعش وغيرهم تدل على توفيق الله لبلاد الحرمين الشريفين قيادة وشعباً وتؤكد التماسك القوي واللحمة الوطنية، وتُظهر قدرات رجال الأمن الفائقة في متابعة أوكار الجريمة ولئن شرق الأعداء وأذنابهم بهذه الإنجازات، فإن أهل الإيمان فرحوا واستبشروا وواصلوا دعاءهم أن يمكن الله رجال أمننا البواسل من رقاب المجرمين من الداعشيين وغيرهم والمتعاطفين معهم من قريب أو بعيد.
حقاً لقد أوغل هؤلاء المجرمون في التخطيط والإجرام، وتشكلوا بكل صورة ولكن الله ناصر عباده المؤمنين ومبطل كيد المجرمين الظالمين مهما طال ليلهم وعظم تسلطهم.
لقد تسلط هؤلاء الدواعش على الصغار وضعاف العقول وتسللوا إليهم عن طريق وسائل التواصل وأوهموهم بنيل الشهادة ودخول الجنة ورغبوهم بالتقرب إلى الله بقتل أقرب الناس إليهم هذا يقتل أباه، وآخر يقتل أخاه، وثالث يقتل خاله، ورابع يقتل صهره، وخامس يقتل قريبه، أو من حوله، وهكذا دواليك.
ووالله إنه لمخطط إجرامي الهدف منه تمزيق الصف وزرع الفتنة وجعل الأبناء غصة في حلوق آبائهم فمزيداً من الجهود المباركة ومزيداً من التعاون مع رجال الأمن لاجتثاث بؤر هؤلاء وتطهير المجتمع منهم، كفانا الله شرهم ورد كيدهم إلى نحورهم وفضحهم وأخزاهم وطهر الله بلادنا منهم.
ووصيتي للآباء والأمهات: أن يهتموا بأولادهم، وأن يحيطوهم بالتربية الصحيحة والتوجيه الهادف، وأن يحرصوا عليهم ممن يسممون أفكارهم، وينحرفون بهم عن الجادة والوسطية، وألا يتركوا الحبل على الغارب لهم، يذهبون أينما شاءوا ومع مَن شاءوا، ويتأكدون من الصحبة لهم هل هم ممن يُستأمنون عليهم أم لا .
وعليهم بمراقبة تلك الأجهزة التي وضعوها بين أيديهم، والتعرف على أصدقائهم، ومن يتواصلون معهم، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي مكمن الخطورة على الأبناء، وعن طريقها يتعلمون ويأخذون كل شيء، مما نعرف ومما لا نعرف.
عباد الله: إن على الجميع أن يتحملوا مسؤوليتهم الدينية والوطنية تجاه أمن بلادنا ومقدساتنا ووحدتنا، وأن نكون جميعا يداً واحدة وصفاً واحدا خلف قيادتنا وولاة أمرنا ضد كل من يهدد أمن وطننا ولحمته وتماسكه ومقدراته، وعلينا أن ندرك عظم شأن هذه البلاد بين بلاد العالم كله، وأنها محسودة مستهدفة، وأن نحذر من التساهل مع هذا الفكر العفن وأهله مهما كان المعتنق له كائناً من كان.
مع ضرورة الالتفاف حول علماء هذه البلاد وولاة أمرها، وتوعية أفراد المجتمع بخطورة هذا الفكر الضال، وما يحمله من مشاريع وأفكار هدامة لا تمتُّ لدين الإسلام بصلة، وأهمية تكثيف الجهود العلمية والدعوية والإعلامية عن طريق المؤسسات الدينية ومنابر الجمعة والدروس والمحاضرات والكلمات لتفنيد الشبهات وبيان الطريق الصحيح لفهم الدين.
أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يكفي بلادنا شر الأشرار وكيد الفجار، وأن يحفظ علينا ديننا وأمننا وولاة أمرنا وعلمائنا واجتماع كلمتنا ووحدة صفنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة: 25 / 12 / 1436هـ