خطبة بعنوان: (لزوم الجماعة) بتاريخ 4 / 3 / 1436هـ – بجامع الراجحي بحائل.

الثلاثاء 7 جمادى الآخرة 1440هـ 12-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبدُ الله ورسوله صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا… أما بعد فاتقوا الله عباد الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) آل عمران آية (102)
عباد الله : خلق الله الخلق لعبادته كما قال الله جلا وعلا( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات آية (56) وهذه العبادة يتفاوت فيها الناس, يتفاوتون فيها كما يتفاوت الناس في معاشهم , وطلب أرزاقهم ويكون الأجر لهم على قدر طاعتهم , وعبادتهم وهذه العبادة لا تتحقق على الوجه الأكمل إلا بالأمن في الأوطان , وقد امتن الله جلا وعلا على عباده بنعمة الأمن فقال جلا وعلا (لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) سورة قريش , إن نعمة الأمن أيها المؤمنون لا تعدلها نعمة فإذا اختل الأمن لم يستطع المسلم أن يؤدي عبادته على الوجه الأكمل , وإذا اختل الأمن خاف الإنسان على نفسه وعلى عرضه , وعلى ماله ولهذا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) (رواه الترمذي) , أجل أيها الإخوة إنه الأمن الوارف الذي معه يتحقق الخير للمجتمع والذي يخل بالأمن يجني على نفسه , ويجني على بلده ويجني على مجتمعه بل يجني على دينه ألا ترون كيف أوصى الله جلا وعلا بلزوم الجماعة والحرص عليها يقول ربنا جلا وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) النساء آية(59) لقد استقر عند أهل السنة والجماعة أنه لا إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بطاعة هذه الأمور الثلاثة متلازمة , ولابد منها ليستقر الإسلام قوياً منيعاً فبتمام الطاعة يهنأ الناس , ويتحقق الأمن وبتمام لزوم الجماعة يتحقق الخير للمجتمع قال صلَّى الله عليه وسلم حينما سأله حذيفة بن اليمان عن الشر قال في آخره فقلت: يا رسول الله: وما تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال( “تلزم جماعة المسلمين وإمامهم”) رواه البخاري ويقول صلى الله عليه وسلم : (من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني) (رواه البخاري) وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذنب من الغنم القاصية) (رواه أبو داود) , وهو القائل صلى الله عليه وسلم : إنَّ اللَّهَ لا يجمعُ أمَّتي – أو قالَ : أمَّةَ محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ – علَى ضلالةٍ ويدُ اللَّهِ معَ الجماعةِ ، ومَن شذَّ شذَّ إلى النَّارِ)| للألباني وقال عنه صحيح دون ( ومن شذ)
فاحرصوا أيها المؤمنون , أحرصوا على لزوم الجماعة وتمام الطاعة واحذروا ممن يريد خرق السفينة لأنه يغرق نفسه ويغرق المجتمع معه ولقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم أقواماً من بني جلدتنا ويتكلمون بلغتنا , وأحياناً يجالسون بعضنا وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله صلى الله عليه وسلم (إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم قال ثم نظر إليه وهو مقف فقال إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وأظنه قال لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود ) (رواه البخاري) وهم في كل زمان ومكان , ومن علاماتهم , وسماتهم أنهم يغلون غلواً فاحشاً , ويكفرون الناس , يكفرون على القليل والكثير والنقير والقطمير , وتجد أحدهم متكئاً على أريكته لم يبلغ العشرين من عمره , ومع ذلك يكفر مجتمعات كاملة فإلى الله المشتكى من هؤلاء السفهاء الأغرار الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله ( سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة ) (رواه البخاري),
أيها المؤمنون : وإن مما يعين على لزوم الجماعة وتمام الطاعة توحد الصف ألا ترون كيف يصطف المسلمون في صلاتهم صفوفا واحدة لا يتقدم الواحد على الآخر هذا هو مثالٌ للجماعة المتراصة المترابطة المتعاونة على الخير تحقيقاً لقول الله جلا وعلا (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)المائدة آية (2) وإن من أعظم ما يخرق سفينة المجتمع ولا يحقق لزوم الجماعة تلك الأحزاب المتناحرة وهذه الجماعات البدعية التي كل واحدة منها تدعي أنها على الحق , والميزان في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة” قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: “من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي”) (رواه أبو داود وابن ماجه واللفظ له). الجماعة أيها المؤمنون واحدة وليست متعددة هي من يقوم على الكتاب والسنة ويحقق الدعوة إليهما ويعمل بهما ويحكم الكتاب والسنة في القليل والكثير
عباد الله : إن هذه البلاد محسودة على تمسكها بشرع الله ومحسودة على ما أنعم الله به عليها من الخيرات والأرزاق ومحسودة على توحد صفها واجتماع كلمتها والتفاف رعيتها مع رعاتها ولهذا يكيد الأعداء لها كيداً عظيما ولعل من أهم ما وصلوا إليه هو زرع تلك النابتة في هذه البلاد أولئك الأغرار السفهاء الذين يعتدون على الأبرياء نسأل الله جلا وعلا أن يتم علينا الأمن والأمان والطمأنينة وتحكيم شرعه المطهر وصدق الله العظيم (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) آل عمران آية (103) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفرلي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا …أما بعد فاعلموا رحمكم الله أن من علامات هؤلاء الخوارج الذين يكفرون الناس ويعتدون على حرماتهم يعتدون على أموالهم وعلى أعراضهم , وعلى أنفسهم أن من علاماتهم قتل الأبرياء بغير حق وقد جاء الوعيد الشديد لمن يقتل مؤمناً بغير حق كما قال ربنا جلا وعلا (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )النساء (93) , قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ( لايزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يُصِبْ نفساً حراماً) (رواه البخاري) وقال صلى الله عليه وسلم (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة, وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما) (رواه البخاري) , فالاعتداء على الأنفس المعصومة من علامات هؤلاء , والأنفس المعصومة تشمل المسلم وتشمل الذمي والمعاهد والمستأمن كل هؤلاء معصومي الدماء والأموال والأعراض وهؤلاء الذين يعتدون على هذه الأنفس بين الفينة والأخرى بل ويعتدون على رجال الأمن الذين يحرسون البلاد والعباد , ويؤدون واجبهم يعتدي عليهم هؤلاء الأغرار السفهاء بغير وجه حق ماذا سيقول الواحد منهم إذا وقف بين يدي الله وسأله المقتول قال يارب سله لما قتلني؟ ماذا سيكون الجواب أيقول قتلته بشبهة كذا , أم يقول قتلته لأني كفرته , أم يقول قتلته لأنه يتبع الحزب الفلاني أم يقول قتلته لأني أعتقد كذا وكذا إن الأمر جد خطير والمسؤولية عظيمة والموقف شديد وسيجثو الخصوم بين يدي الله جلا وعلا , الحكم هو الديان سبحانه وتعالى , ولا يظلم ربك أحدا الحكم هو الديان والشهود من نفسك أيها العبد فأعد للسؤال جوابا , وليكن الجواب صوابا , وإن من أعظم ما يحقق الجماعة وينبذ هؤلاء ويضعف كيدهم بإذن الله هو نبذ الشائعات وتركها والوقوف في وجهها ومحاولة معرفة من يصدرها وإبلاغ الجهات المختصة عنه لأن هذه الشائعات التي تزرع الفتنة عبر وسائل التواصل الاجتماعي إنما هي من كيد الأعداء وقد ينشرها بعض ضعاف العقول وهولا يعرف نتائجها ولا آثارها وإن من أعظم ما يحقق الاجتماع وينبذ هذه الشائعات , ويحمي ناشئتنا من الأفكار الضالة والانحراف أفكار الشهوات والشبهات , من أعظم ما يحميهم أن يتعاون البيت والمدرسة والشارع والمسجد في توجيه الناشئة , وتحصينهم ضد هذه الأفكار ضد الفكر التكفيري والتفجير والإرهاب وتحصينهم أيضا ضد فكر الشهوات والانحراف والإلحاد عياذاً بالله فإذا تعاون البيت والمدرسة وتعاون أئمة المساجد تحقق الخير الكثير للمجتمع بإذن الله وعلى كل واحد منا أن يقف في وجه هذه الشائعات , وأن يصدها ولعل من أعظم ما يجب علينا أن نميتها في وقتها فلا ننشرها ولا نبحث عنها إلا إذا استطعنا أن نعرف مصادرها لإبلاغ الجهات المختصة من أجل أن يحاسب من يصدرها
أيها الإخوة : إننا مطالبون أن نكون يداً واحدة متعاونين على الخير والمحبة والمرحمة نحقق الجسد الواحد كما قال صلَّى الله عليه وسلم (مثل الْمُؤمنِينَ فِي توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كَمثل الْجَسَد الْوَاحِد إِذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْو تداعى لَهُ سَائِر الْجَسَد بالحمى والسهر) (رواه البخاري, ومسلم ) وكما قال صلى الله عليه وسلم (“المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً”) (رواه البخاري , ومسلم ), فتعاونوا على الخير وقفوا في وجه الأعداء الذين لا يريدون لبلادنا خيراً , قفوا في وجههم بكل وسيلة تستطيعونها وحذروا من الأحزاب المتناحرة والجماعات المتفرقة فإنها لم تأتي على بلادنا بخير ولا على غيرها من البلاد الإسلامية
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة في : 4 / 3 / 1436هـ