خطبة بعنوان: (مع المرابطين في الحد الجنوبي) الجامع الأول في جبة – محافظة حائل بتاريخ 21 / 3 / 1437هـ

الثلاثاء 7 جمادى الآخرة 1440هـ 12-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا, أما بعد
فاتقوا الله عباد الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) آل عمران آية (102) عباد الله لقد حرم الله جلا وعلا الظلم وجعله بين العباد محرما , وأعد للظالمين عذاباً أليما (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) ابراهيم آية (42) ,الظلم من أشنع الذنوب وأفظعها , الظلم محرم في الأرض والسماء يقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه جلا وعلا : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ) (رواه مسلم)
أيها المؤمنون: وإن من أعظم الظلم في الأرض إزهاق النفوس البريئة والتعرض للأموال والأعراض وترويع الآمنين وكيف إذا كان الظلم على مجتمع بأسره وعلى بلد بأكمله , هنا يعظم الأمر, ويشتد الخطب , وهنا يجب على الناس أن تتضافر جهودهم لردع الظالم , ونصرة المظلوم , وصدق الحبيب صلَّى الله عليه وسلم : (انصر أخاك ظالما أو مظلوما قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تأخذ فوق يديه ) (رواه البخاري).
أيها المؤمنون : لقد تعرضت بلادنا المملكة العربية السعودية لظلم عظيم من عدو شرس تعرضت بلادنا لهذا الظلم , فهبَ ولاة أمرنا ورجال أمننا البواسل هبوا للدفاع عن البلاد دفاعاً عن الدين وعن المقدسات وعن الأعراض وعن الأموال هاهم جنودنا البواسل في الحد الجنوبي يرابطون دفاعاً عن دينهم ومقدساتهم , وإني لأرجوا أن يصدق عليهم قول الرسول صلَّى الله عليه وسلم 🙁 عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ “) (رواه الترمذي) . إنَّ هؤلاء الجنود الذين يدفعون الظلم ويردون المعتدي على بلادنا يستشعرون وهم في مواقعهم في رباطهم يستشعرون أنهم يؤمِّنون الراكعين الساجدين في المساجد ويؤمنون الطائفين في البيت العتيق بل ويؤمنون الطلاب والطالبات في مدارسهم , وجامعاتهم هؤلاء الجنود الذين تركوا أهليهم وتركوا ديارهم للدفاع عن دينهم لا يريدون علواً في الأرض ولا اعتداءاً , ولا ظلما , وإنما يدافعون , والله عزوجل أذن لمن يقاتل أذن له بالمقاتلة أذن له بالدفاع عن نفسه وعدوهم عدونا جميعاً عدوٌ شرس يشرك مع الله جلا وعلا لأنهم يعبدون القبور يعبدون الأولياء يدعون أصحاب القبورلايدعون الله جلا وعلا ولهذا فقتالهم مشروع والذي يقاتلهم يرجى له الخير العظيم
عباد الله : ولقد تشرفت بزيارة الحد الجنوبي خلال الأسبوع الماضي , وسرني ما رأيته وسمعته من رباط في سبيل الله لهؤلاء الجنود البواسل يسأل أحدهم أيكون لي أجر الصف الأول وأنا أرابط هنا في الصفوف الخلفية ويسأل الآخر هل أوتر بعد أن أصلي المغرب والعشاء جمعاً وقصرا, ويسأل الآخر عن قيام الليل وهو يحمل سلاحه لله درهم امتزج الإيمان عندهم بالجهاد في سبيل الله بل إن أحدهم يقول وهو قائد كتيبة يقول استأذنني أحد الضباط أن يذهب للصف الأول فقلت له لن يأتي وقتك بعد فألح عليَّ أن يذهب وأخذ يترجاني فأذنت له , ولكنني قلت له لماذا تُلح على هذا الأمر فقال لأني رأيت رؤيا البارحة وأرجو أن تتحقق يقول فلما أذنت له , والذي يحدثني هو الضابط المسؤول, طلب طيباً كان عنده في خيمته وتطيب , طيب رأسه ولحيته ثم طيبنا معه وودعنا وبعد نصف ساعة جاءنا اتصال باستشهاده نعم إن هؤلاء الجنود البواسل لا يطلبون منكم إلا الدعاء فهم يقولون نحن عندنا من العتاد , والقوة ما يكفينا بعد توفيق الله جلا وعلا ولا نريد من أحبابنا في أنحاء بلادنا إلا الدعاء لنا بالنصر والتمكين والتأييد.
أيها المؤمنون: إن هذا البلد المملكة العربية السعودية بلد محسود على ما أنعم الله جلا وعلا به من الخيرات ومنها تحكيم شرع الله واللحمة الوطنية وهذا التآلف والتآزر وهذ التعاون وهذا الاجتماع وهذه الطاعة التامة , وربنا جلا وعلا يقول ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)النساء: آية(59) ويقول صلَّى الله عليه وسلم (من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني) (رواه البخاري) , إن لزوم الجماعة وتمام الطاعة مما يحسدنا عليه كثيرٌ من الناس , ويحسدون هذا البلد على رغد العيش الذي ننعم به ويحسدون هذا البلد على الأمن والأمان فها نحن ولله الحمد والمنة نمارس حياتنا الطبيعية , وكأننا لا نخوض حرباً فإلى الذين شرقت نفوسهم لهذه اللحمة الوطنية وإلى الذين شرقت نفوسهم لهذا الاجتماع وهذا التوحد وإلى الذين شرقت نفوسهم بتحكيم شرع الله نقول لهم هذا البلد عقد عقداً على أن يحكم شرع الله وعقد عهداً على التضامن والتعاون والترابط والتناصر والتآزر وعقد عهد اًعلى أن يحفظ الأمن والأمان وأن يتعاون على الخير والهدى وصدق الله العظيم (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة : آية(2)
أيها المؤمنون : إن ما رأيته في الحد الجنوبي أثلج صدري وأفرحني كثيراً لأني رأيت نماذج ترفع الرأس وتسر الخاطر , وتبهج النفوس , رأيت من الشباب الذين لم تتجاوز أعمارهم الثلاثين ولكنهم يحملون قلوباً كبيرة وعقولاً عظيمة رأيتهم يتسابقون إلى الصفوف الأمامية لأنهم يستشعرون عظم المهمة التي أنيطت بهم فنحمد الله ونشكره على ما أنعم به على هذا البلد المبارك قيادة وشعباً ونسأله سبحانه أن يتم علينا الأمن والأمان والطمأنينة والسلام وأن يكبت عدونا وأن يرد كيدهم إلى نحورهم وصدق الله العظيم (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) التحريم : آية (9) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم , ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهدُ أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهدُ أن محمداً عبدالله ورسوله إمام المتقين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً , أما بعد
فاعلمواأيها المؤمنون : أن الأعداء حرصوا على خلخلة الصف وزعزعة الأمن بكل ما أوتوا من قوة ولهذا راحوا يزرعون نابتة في قلب هذا البلد من أجل أن تفجر بعد أن تُكَّفر ومن أجل أن تفرق الصف ولكنهم لم يشعروا بما عليه هذا البلد من تلاحم وترابط هذه النابتة التي تبنت فكر الإرهاب وزرعت في جوف هذه البلد تخدم الأعداء وتظلم نفسها قبل أن تظلم المجتمع كيف وقد وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأبشع الأوصاف يقول عليه الصلاة والسلام يَقُولُ: يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ ويقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَتَمَارَى فِي الْفُوقِ) (رواه البخاري ),ويقول عنهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ويقول عنهم لأن لقيتهم لا قتلنهم قتل عاد ويقول اقتلوهم فإن في قتلهم أجراً ويقول صلى الله عليه وسلم قال: « من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة, وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما. » (رواه البخاري). وهؤلاء يسفكون الدم الحرام ويقتلون النفوس المعصومة ويعتدون على الآمنين بل وصل الحال بهم إلى الاعتداء على الناس في مساجدهم وهم آمنون وهم راكعون ساجدون يتلون كتاب الله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا)البقرة آية (113)
أيها المؤمنون : ألم يدعو هؤلاء عن غيهم وضلالهم وفكرهم السيء ألم يتفكروا في قول الله جلا وعلا (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) النساء آية (93) ألم يتأمل هؤلاء عظم الجرم الذي يمارسونه ولهذا ينبغي على المجتمع بأسرِه أن يكون صفاً واحداً في وجه هؤلاء أليست الحدود شرعت لتأمين الناس ولوجود الأمن والطمأنينة ألم يقل الله جل وعلا (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) المائدة آية ( 32) ) (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) البقرة آية (179) فالذي يعتدي على النفس المعصومة هذا من أعظم الجرم بعد الشرك بالله من أعظم الذنوب وأشنعها فشرعت الحدود زواجر وجوابر, وشرعت لتأمين الناس ولهذا جاءت الشرائع السماوية بالمحافظة على الضرورات الخمس , الدين, والنفس , والمال , والعرض , والعقل , وجاءت الحدود لتأمين الناس وتأمين أنفسهم وتأمين أعراضهم وتأمين أموالهم وتأمين عقولهم , وإقامة الحدود فيها خير عظيم لأن فيها أماناً للمجتمع وطمأنينة له وإقامة الحدود سلامة للسفينة التي تسير لأن من يقع في الجريمة يريد أن يخرق السفينة فإن لم يتضامن ربان السفينة مع من فيها ويضرب على يد هؤلاء السفهاء فإن السفينة تغرق ولذلك وصف الرسول صلى الله عليه وسلم أولئك الذين يريدون خرق السفينة بأنهم سفهاء الأحلام , وأنهم صغار, قال على رضي الله عنه إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة ) (رواه البخاري ), والواقع الآن يشهد لهذا الأمر أنهم سفهاء وصغار فينبغي أيها المؤمنون أن تتضافر جهودنا جميعاً للوقوف في وجه كل من يريد في بلادنا شراً من الأعداء سوآءاً أكان عدواً خارجيا أوكان عدواً داخليا وأن نتعاون في الإبلاغ عمن يلاحظ عليه تغير في فكره وأن نتعاون في الإبلاغ عن الخلايا النائمة وأن يحذر الذين يتعاطفون مع هذا الفكر لأن مرد ذلك عليهم.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة في : 21 / 3 / 1437هـ