129 – حفظ الإسلام للضرورات الخمس

الثلاثاء 25 رجب 1445هـ 6-2-2024م

 

129 –  حفظ الإسلام للضرورات الخمس pdf

 

 

رسالة في

حفظ الإسلام

للضرورات الخمس

 

تأليف

أ.د/ عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

 

  

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران:102).

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(النساء:1).

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً}(الأحزاب:70، 71)، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أحبابي وإخواني في الله:

في هذه الليلة المباركة وفي مساء هذا اليوم الأربعاء الموافق للثالث والعشرين من شهر جمادى الأولى من العام التاسع والعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، وفي هذا المكان الطاهر في جامع (الشفا في حوطة سدير) ووسط هذا الجمع المبارك الطيب، وفي مجلس نرجو أن تحفه الملائكة، وتغشاه الرحمة، وتتنزل عليه السكينة، في مجلس ندعو أن يحبه الله تعالى ويباهي به ملائكته، في مجلس نسأل الله ألا يقوم فيه من حضره إلا وقد غفرت له ذنوبه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)([1])، وقال أيضاً:(ما جلس قوم يذكرون الله تعالى إلا ناداهم مناد من السماء قوموا مغفورا لكم) ([2]).

إخواني وأحبابي في الله:

لقد امتن الله عز وجل على أمة الإسلام بدين الإسلام، فختم به سائر الأديان، ورضيه للعالمين ديناً، ولم يقبل من أحد ديناً سواه، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا..}(المائدة:3)، وقال تعالى:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(آل عمران: 85).

لذلك كان حفظ هذا الدين من أهم ضرورات البشرية جمعاء، لأنه لا حياة للبشر بدونها، وقد تعددت صور حفظ هذا الدين عن طريق حفظ الأصلين العظيمين (كتاب الله تعالى، وسنة رسوله  صلى الله عليه وسلم)، قال صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله) ([3]).

فهما محفوظان بحفظ الله تعالى من التغيير والتبديل إلى أن يقوم الأشهاد لرب العالمين، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9).

ولقد هيأ الله تعالى لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم العلماء الربانيين المخلصين من أهل الحديث فاعتنوا بتدوينه، وحفظ أسانيده، وتمحيص صحيحه من ضعيفه، وهيأ علماء الفقه وأئمته لتأصيل الأصول وتقعيد القواعد ليؤخذ كل فرع من أصله، ويعود كل حكم إلى قاعدته، ووفق أئمة الفقه في الدين لاستنباط الأحكام من أدلتها، وفتح لهم باب الاجتهاد ليبينوا لكل حادثة تحدث حكماً، إما أخذاً من النصوص العامة والمطلقة، وإما إعطاء للنظير حكم نظيره.

وتوعد الله تعالى من كتم شيئاً من بيان هذا الدين للناس بأعظم الوعيد ليبقى هذا الدين معلوماً عند الناس أجمعين محفوظاً بالعلم والعمل، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(البقرة: 159، 160).

والذي يتتبع أبواب الأحكام التكليفية في نصوص الكتاب والسنة وشروح الحديث، وتفسير القرآن العظيم، وكتب الفقه، وكتب الأخلاق وغيرها من الكتب الإسلامية يتضح له ذلك تمام الإيضاح، ويحفظ هذا الدين (أي دين الإسلام) الذي يعتبر الضرورة الأولى من ضرورات الحياة تحفظ بقية الضرورات تبعاً لحفظه، لأنه يقتضي ذلك، وتلك الضرورات هي: النفس، والعقل، والنسل، والمال، والعرض وكلها تبع للدين.

واختيار هذا الموضوع يندرج تحت التوجيه الهام للمسلمين بأهمية هذه الضرورات، والنظر إلى حفظها، وعدم التفريط فيها، فبدون حفظ هذه الضرورات يعم الخراب والدمار، وينتشر الفساد، وتسوء الأخلاق، ويأكل القوي الضعيف، وتنتهك الحرمات، ويفرط في حق رب الأرض والسماوات.

لذا فحفظ هذه الضرورات ليست مسؤولية الحكام، أو المسؤولين، أو بعض الأفراد، إنما هي مسؤولية الجميع، لعلم الناس أن حياتهم وسعادتهم بحفظ هذه الضرورات.

ومن أسباب الحديث عن حفظ الضرورات الخمس ما يلي:

أولاً: الأثر العظيم المترتب على حفظ هذه الضرورات من السعادة في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فبأمن الناس على حياتهم وأعراضهم وأموالهم واطمئنانهم وسعادتهم، وحصول كل منهم على حقوقه وقيامه بواجباته، وعدم اعتداء أحد على الآخر.

وأما في الآخرة فما يناله الناس من الأجر العظيم والثواب الجزيل بحفظ هذه الضرورات والذي هو غاية العباد من ربهم سبحانه وتعالى.

والثاني: أن كثيراً من المسلمين فرطوا في حفظ هذه الضرورات على الرغم من علمهم بضرورة حفظها، وعلى الرغم من رؤيتهم ما لحق البشرية من الآثار السيئة بسبب تضييع حفظ هذه الضرورات، وهذا بسبب تفريطهم في دين الإسلام الذي جاء شاملاً كاملاً لكافة حقوق البشر كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم.

الأدلة من الكتاب والسنة على أهمية حفظ الضرورات الخمس:

إن المتأمل لكثير من النصوص الشرعية من الكتاب والسنة يجد فيها العناية الكاملة بحفظ هذه الضرورات، وقد وجه فيها الشارع الحكيم توجيهاً عظيماً لأنه بها تقوم حياة البشرية على الخير والسعادة لهم في العاجل والآجل.

ومن الأدلة على أهمية حفظ الضرورات الخمس، ما يلي:

أولاً: من كتاب الله تعالى:

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(الأنعام: 151- 153).

* ففي هذه الآيات الكريمة تُظهر عناية الشرع بحفظ هذه الضرورات جلية واضحة، فقد جاء في حفظ الدين نهيه سبحانه وتعالى عن الشرك به، والأمر بتوحيده، وإخلاص العبادة له، والقيام بحقه فيما أمر به ونهى عنه.

* وجاء في حفظ النفس قوله تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ}(الأنعام: 151)، وقوله تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}(الإسراء:33)، وقوله:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}(النساء:29)، وقوله:{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}(النساء:93).

ففي هذه الآيات وغيرها أمر الله تعالى بحفظ النفس من الهلاك، والنهي عن قتل النفس إلا بالحق، والحق المشار إليه هنا هو من باب القصاص، في الحدود والمظالم، وهذا فيه حفظ للدين، وحفظ للنفوس من الهلاك.

* وجاء في حفظ النسل والعرض قوله تعالى:{وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}، وقوله تعالى:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}(الإسراء:32).

والجمع بين حفظ النسل والعرض فيه أهمية بالغة، لأنه بحفظ العرض يحفظ النسل، وبضياع العرض يضيع النسل، وإذا تم الاعتداء على العرض كان ذلك اعتداءً على النسل.

* وجاء في حفظ المال قوله تعالى:{وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}(الأنعام:152)،وقوله تعالى:{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة:188)، وقوله تعالى:{وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} (الأنعام:152)، وقوله تعالى:{أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}(الشعراء :181-183).

* وأما حفظ العقل فبإبعاده عن جميع المؤثرات التي تغيبه عن عالمه الذي يعيش فيه ليعبد الله تعالى بعلم وبصيرة، عن طريق النظر إلى آياته ومخلوقاته، وتأمله في نفسه، وتفكره بعقله بما يوصله إلى الإيمان بالله تعالى خالق هذا الكون ومدبره، وهذا العقل هو الذي أثنى الله عليه في كتابه بآيات كثيرة تشير إلى أهميته وضرورته للبشرية جمعاء، قال تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} (آل عمران:190)، وقوله:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}،{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

ومن الآيات الدالة على حفظ العقل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}(النساء :43)، وهذا في بداية أمر المؤمنين بعدم القيام بطاعة الله تعالى وهم مغيبوا العقول بسبب الخمر، ثم أمرهم بعد ثبات الإيمان في قلوبهم باجتنابها إطلاقاً فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(المائدة :90).

والناظر في هذه الآيات يتبين له أن كل مسكر للعقل لابد أن يمتنع عنه كي يحفظ عقله، وهذا هو الحفظ الذي يعود عليه بالخير والفلاح، لأنه كلما كان حاضر العقل والذهن كلما كان أقرب إلى الصواب وأنفع إلى نفسه وغيره.

وأما أدلة السنة على حفظ هذه الضرورات، فهي ما  يلي:

* ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وأول دم أضعه من دمائنا دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال اللهم أشهد) ([4]).

* وفي رواية أخرى للبخاري ومسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة؟) قالوا: ألا شهرنا هذا، قال (ألا أي بلد تعلمون أعظم حرمة؟) قالوا: ألا بلدنا هذا، قال: (ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة؟) قالوا: ألا يومنا هذا، قال (فإن الله تبارك وتعالى قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟ ثلاثاً، كل ذلك يجيبونه ألا نعم، قال: ويحكم – أو ويلكم – لا ترجعنَّ بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض) ([5]).

* ومن شدة عنايته أيضاً صلى الله عليه وسلم بحفظ هذه الضرورات مبايعته أصحابه رضوان الله عليهم على حفظها، كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس، فقال:(تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئاً من ذلك في الدنيا فستره الله عليه فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه) ([6])، قال: فبايعناه على ذلك.

ففي هذا الحديث بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على حفظ بعض من هذه الضرورات الخمس، وهي حفظ الدين في قوله {أن لا تشركوا به شيئاً}، وحفظ العرض في قوله (ولا تزنوا)، وحفظ المال في قوله (ولا تسرقوا).

* قال الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه الموافقات عن مقاصد الشريعة الإسلامية، وأن رجوع الشريعة كلها تعود إلى حفظ هذه الضرورات أو ما يكملها، فقال رحمه الله: ” تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام أحدها: أن تكون ضرورية، والثاني: أن تكون حاجية، والثالث: أن تكون تحسينية.  فأما الضرورية فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج وفوت حياة وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين، والحفظ لها يكون بأمرين أحدهما ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود. والثاني ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم. فأصول العبادات راجعة إلى حفظ الدين من جانب الوجود كالإيمان”([7]).

ومن وسائل حفظ الإسلام للضرورات الخمس ما يلي:

حفظ الدين:

أولاً: بوجوب العمل به، فكل فرد من الأمة مكلف بإقامة الدين في نفسه، بحيث يقوم بما فرض الله عليه عينا من عبادته تعالى ما دام أنه أهل للتكليف، قادر على الفعل الذي كلفه الله إياه، ويقوم بأداء حقوق الآدميين من معاملات وأخلاق وغيرها. وهكذا الأمة كلها فهي مأمورة أيضاً بالإتيان بما فرض الله عليها الإتيان به. وكيف يحفظ الدين مع عدم العمل بأوامره ونواهيه، أليس هذا هو الضياع بعينه.

وثانياً: الدعوة إلى هذا الدين، والعمل على نشره بين الأمم، وتعليم الجاهل، فالدعوة إلى الدين ضرورة من ضرورات حفظه وبقائه في الأرض وبلوغه إلى الناس الذين لا حياة لهم بدون الدين.

وثالثاً: الجهاد في سبيل الله تعالى: فلا يحفظ الدين إلا بقوة الأمة، وقدرتها على الوقوف أمام أعدائها المتسلطين عليها من كل جانب، وبدونه تصبح الأمة ذليلة حقيرة بين الأمم، لكن مفهوم الجهاد اختلط على الناس وفهمه بعض ضعاف النفوس فهماً أهوج أعوج كما سنوضحه إن شاء الله.

ورابعاً: وجوب الحكم بهذا الدين، وتطبيق أوامره ونواهيه في حياة البشر، لأنه بذلك تحفظ الضرورات، ويأمن المجتمع، ويسعد في الدنيا والآخرة.

حفظ النفس:

وذلك بضرورة إقامة البينة في القصاص وغيره مما فيه إزهاق للنفوس، وأيضاً جواز تأخير تنفيذ حد القتل فيمن وجب قتله إذا خيف الضرر من قتله على غيره، كقصة المرأة التي أتت النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه مسلم عن بريدة رضي الله عنه قال: جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول الله طهرني. فقال: (ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه)، فقالت: تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك إنها حبلى من الزنا، فقال: (أنت؟) قالت: نعم، قال لها:(حتى تضعي ما في بطنك)، قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال قد وضعت الغامدية، فقال: (إذاً لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه)، فقام رجل من الأنصار فقال إليَّ رضاعه يا نبي الله. قال: فرجمها.

وفي رواية أنه قال لها: (اذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت قال: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضح الدم على وجه خالد فسبها فقال النبي   صلى الله عليه وسلم: (مهلا يا خالد فو الذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت) ([8]). وهذا فيه تعليم للأمة بعدم التعجل في إزهاق النفس إلا بعد إقامة البينة، وهذا يحتاجه أولي الأمر من الحكام والقضاة.

وأيضاً ينبغي توجيه الناس إلى عظم شأن النفس، وعظم قتلها، والاعتداء عليها، والوعيد الشديد المترتب على من انتهك حرمتها وتسبب في سفكها.

حفظ النسل:

وذلك بترغيب العباد في النكاح، وأنه من أقوى وسائل حفظ النسل والعرض، وأنه سبيل لحفظ المجتمعات المسلمة من الانحراف عن الجادة التي خلقهم الله لها بالخلافة في الأرض، وأنه سنة الأنبياء والمرسلين، وأن قوة الأمة في كثرة نسلها كما قال صلى الله عليه وسلم 🙁تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) ([9]).

وأيضاً بتحريم قتل الأولاد وإجهاض الحوامل، وأن إيجاد الذرية لها الأثر العظيم للآباء في حياتهم وبعد مماتهم، قال  صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ([10]). وأيضاً تحريم الزنا، ونكاح المحارم، والإرشاد إلى كل ما يوصل إلى حفظ النسل.

حفظ العقل:

وذلك ببيان أهمية العقل، وأنه مناط تكليف العباد، وأنه لا تقبل طاعة أو عبـادة من البشر إلا إذا كان الواحد منهم سليم العقــل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق) ([11]).

والتحذير من مفسدات العقل من الشبهات التي يلقيها أعداء الإسلام في قلوب المسلمين ضعفاء الإيمان، وأيضاً الشهوات التي تؤثر عليه كشرب الخمر وغيرها من المسكرات التي تفنن أعداء الدين في استخراجها لنشرها بين أمم الأرض كافة كالحشيش، والهيروين، والكوكايين، وغيرها من أنواع السموم الأخرى.

حفظ المال:

وذلك بالحث على السعي المشروع في طلبه من حله، والعمل على تنميته، قال تعالى:{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك:15)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده) ([12]).

والعمل على إحياء الموات من الأراضي المهجورة التي ليست ملكاً لأحد، قال صلى الله عليه وسلم: (من أعمر أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها) ([13]).

وأيضاً القيام بالزراعة، فقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك بقوله: (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة) ([14]).

والعمل على إنفاق المال في الأوجه المشروعة ففي ذلك حفظ للمال من التلف، بحيث ينتفع به أصحاب الحاجات من الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام وغيرهم.

وحماية المال من التلف عن طريق الإسراف فيه بغير حق، والانكباب على الشهوات والملذات التي تكون عاملاً في ضياعه، والبعد عن مسببات هلاكه بعدم التعامل به في أوجه محرمة من طريق الشرع، كالتعامل بالربا، أو التجارة في مشروعات غير مباحة وغير ذلك.

وأيضاً العمل على حماية المال من السفهاء عن طريق الحجر عليهم لئلا يضيعوا أموالهم وأموال مستحقيها من ورثتهم، قال صلى الله عليه وسلم : (ما تزال قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه ماذا عمل فيه) ([15]).

ولعل من أهم الأمور التي عايشناها وابتلينا فيها في مجتمعنا مما يخل بهذه الضرورات ظاهرة الإرهاب وظاهرة المخدرات.

وهذا الأمران وهما متنافران أحدهما جاء عن طريق الغلو والتشدد والإفراط، والثاني جاء عن طريق التساهل والبعد والتفريط في الدين، ولذا سأقف مع هذين الداءين اللذين أصابا المجتمع المسلم وأثرا فيه كثير ففيهما اعتداء على الكليات والقواعد والضرورات التي جاءت الشرائع السماوية بها فأقول:

الإرهاب اعتداء على الكليات والقواعد والضرورات التي جاءت بها الشرائع السماوية.

ظاهرة الإرهاب غريبة على مجتمعنا، فالإسلام ينبذ العنف والإرهاب، ويدعو إلى اللين والسماحة {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..} (النحل:125).

ووصف الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه رؤوف رحيم، وأنه رؤف رحيم وأنه ليس بفظ غليظ {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(آل عمران: 159).

وقد أنعم الله علينا بهدايتنا لهذا الدين وأكمله لنا {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}(المائدة:3).

فهو الدين الكامل الشامل في العقائد والمعاملات والعبادات وفي أبواب الأسرة والقضاء فيه صلاح البلاد والعباد وسعادتهم في الدنيا والآخرة.

وقد جاءت شريعة الإسلام بكليات وقواعد فيها تحقيق المصالح ودفع المفاسد وليس لأحد كائنا من كان مخالفتها أو تجاوزها فحرمت الظلم وأوجبت العدل وقدمت المصالح العامة على المصالح الخاصة وأكدت على الكليات الخمس (حفظ الدين – والنفس- والعقل – والمال – والنسل).

وما حصل من التكفير والتفجير والتخويف وزعزعة الأمن والاعتداء على الأموال والممتلكات.

ينافي هذه القواعد ولذا فتحريم هذا الفعل ظاهر لكل مسلم فضلاً عن المعالم وطالب العلم.

قال تعالى:{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}(النحل:116).

وقال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}(الأعراف:133).

وقال صلى الله عليه وسلم : (أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما).

وقال صلى الله عليه وسلم : (ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه).

وقال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}(النساء:93).

وقال صلى الله عليه وسلم : (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة).

وقال صلى الله عليه وسلم: (لزوال الدنيا بأسرها أهون على الله من سفك دم امرئ مسلم بغير حق).

وجاء في الحديث (من أعان على قتل مسلم جاء بوم القيامة مكتوب على جبينه آيس من رحمة الله).

وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا).

وقال صلى الله عليه وسلم: فيما يرويه عن ربه (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).

 

العواقب الوخيمة لهذه الأفعال

هذه البلاد المباركة منطلق الإسلام ومأرز الإيمان ومعقل الدعوة انطلقت منها جحافل الخير تحمل النور والهداية للبشرية جمعاء تنزل كتاب ربنا على أرضها وبعث هادي البشرية من بطاحها وبلادنا بلاد الحرمين الشريفين ـ المملكة العربية السعودية ـ ابتلت بالحسد والحقد من قبل الأعداء فراحوا يخططون لها مكراً وكيداً وعدوانا أذهلهم تماسكها وخنقهم أمنها وأقض مضاجعهم الخير المتدفق منها فاجتهدوا في محاولة التأثير عليها عبر قنوات داعرة وأفكار مظللة وركزوا على شبابها محاولين تفريق الصف وخلخلة البناء.

ولذا لا بد أن نكون صرحاء واضحين مع شبابنا نضع النقاط على الحروف مهما كلفنا ذلك ولا ينفع هنا التخاذل والمجاملات والنار تسعر من تحتنا والسؤال الذي يطرح نفسه هل فكر هؤلاء الشباب في عواقب أفعالهم الشنيعة من التكفير والتفجير الذي راح ضحيته أبرياء آمنون عجائز وشيوخ وأطفال ورجال أمن.

أين إعمال المصالح ودرء المفاسد هؤلاء يعتدون على الأمن والآمنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم.

يترك بعض الأعمال مع قناعته أنها حق وأنها الدين لكنه يراعي المصالح والمفاسد في هذا الباب.

ألم يترك الكعبة على قواعد ـ الكفار ـ وكان حريصاً على بنائها على قواعد إبراهيم عليه الصلاة السلام الم يقل لعائشة (لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لنقضت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم).

ألم يترك المنافقين الذين فضحهم الله في قرآن يتلى إلى يوم القيامة {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ..}(التوبة:66).

ألم يجتهد المنافقون في إلقاء الصخرة عليه ومع ذلك تركهم ولم يتعرض لهم بل درء المفسدة وقدم المصلحة وترك أمرهم إلى الله.

ألم يفقد عهداً مع اليهود دو صلحاً مع قريش ويستميل القبائل هذا هو منهج رسول الله في التعامل مع الأعداء فكيف بالأصدقاء والأبرياء والآمنين.

إن طالب العلم الذي يرميه هؤلاء بالتخاذل والمداهنة أفضل له ألف مرة من أن يمدحه هؤلاء الذين تجاوزوا حدود الشرع والعقل والعاطفة في تعاملهم مع الآخرين.

إن طلاب العلم والعلماء يجب أن يقودوا الشباب لمصلحة الدين والأمة والبلاد أما أن يقود الشباب أنفسهم بعضهم بعض أو يدفعوا بطالب العلم لتحقيق رغباتهم فهذا خطره عظيم على طالب العلم وعلى المجتمع.

ولذا فهؤلاء الشباب لم يفكروا في عواقب الأمور التي عملوها وعظائم الجرائم التي ارتكبوها لكن شياطين الجن والإنس ممن يزينون الشر والباطل حرصوا على إيقاع هؤلاء الناشئة فيما وقعوا فيه.

 

سبل تحصين الشباب من هذه الأفكار

المسؤولية تبدأ من محاضن الجيل:

(الأسرة ـ المدرسة ـ الجامعة ـ المسجد)
التربية الروحية العبادات.
التربية الوجدانية الشعور والعواطف.
التربية العقلية القراءة ـ والثقافة.
التربية الخلقية الأخلاق.
التربية الاجتماعية العلاقات.
التربية البدنية تهيئتهم صحياً ونفسياً.

 

الرد على جميع الشبهات

يرد أهل السنة بأربعة أصول مقررة عندهم:

الأول: المسلم مأمور بالتثبت في ما يسمع من الأخبار.

الثاني: أجمع أهل السنة والجماعة على أنه لا يجوز الخروج على ولي الأمر إلا في حالة مواقعته للكفر البواح.

الثالث: ليس كل من وقع في الكفر يصبح كافراً إذ قد يوجد عنده ما يمنع من تكفيره.

الرابع: لا يسوغ الإنكار العلني إذا ترتب عليه مفاسد تضر البلاد والعباد.

 

الثبات في المواقف والأزمات والفتن

العلماء ـ الصادقون ـ العاملون ـ لا تتغير مواقفهم بل هم ثابتون لإيمانهم الجازم بالله وأن هذا الكون لله ويقينهم بالقضاء والقدر والتوكل على الله وأن ما قدره الرحمن كائن لا محالة مهما أدلهمت الخطوب وتعاظمت المصائب.

 

أخذ العلم عن أهله

جاء في الحديث (إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عن الأصاغر).

وقال عمر  رضي الله عنه : “فساد الدين إذا جاء العلم من قبل الصغير استعصى عليه الكبير وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبير تابعه عليه الصغير”.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه : “لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعلمائهم فإذا أخذوا عن صغارهم وشرورهم هلكوا”.

وجاء رجل إلى عمر رضي الله عنه فسأله عن الناس في الأمصار قال: تسارعوا في أخذ القرآن وحفظه ، وكان عنده ابن عباس رضي الله عنه فقال: ليتهم لم يفعلوا. فقال عمر: مالك، فحزن ابن عباس وذهب([16]).

ولله در شيخ الإسلام ابن تيمية حينما قال: “من فارق السبيل كان كمن يمشي في الصحراء بغير دليل، فهلاكه أقرب إليه من نجاته”.

إن مشاكل الأمة لا تحل بقول فلان أو فلان، بل بالرجوع إلى الحق، ولزوم غرز العلماء، والأخذ عن الراسخين في العلم.

 

المخدرات وأضرارها على المجتمع

إخواني في  الله:

الله جل وعلا ما أمرنا بشيء إلا وفيه خير لنا، وما نهانا عن شيء إلا وفيه شرٌ لنا، وهو العليم بشؤون عباده، ومن دلائل عظمته سبحانه وتعالى أنه وضع كل أمر في موضعه اللائق به، فشرح صدور قوم لطاعته لما فيهم من الخير والانقياد لأمره، وطبع على قلوب بعض عباده لما فيهم من الشر والانصراف عن أمره ونهيه.

ومن علامات ذلك ما نجده الآن في أحوال بعض المسلمين حينما انتشرت بينهم المخدرات انتشار النار في الهشيم حيث بدلوا الخبيث بالطيب، والحرام بالحلال، وهكذا كلما ابتعد الناس عن أوامر ربهم تبارك وتعالى وقعوا فيما يعود عليهم بالضرر في العاجل والآجل.

وتعلمون ما للمخدرات من تأثير على العباد، وأنها سبيل للهلكة والدمار، والفساد والعار، فكم أزهقت من أرواح، وكم أضاعت من عقول، وكم فرَّقت من أسر، وكم أتلفت من أموال، وكم تسببت في هتك للأعراض، وسرقة للأموال، وظلم للآخرين، وهلم جرَّا.

وإن من أهم وأخص أسباب وعوامل انتشار المخدرات بين الناس ما يأتي:

أولاً: ضعف الوازع الديني لدى المتعاطي:

حيث أن المتمسك بدينه يبتعد كل البعد عن التعامل بها بيعاً وشراءً وترويجاً وتهريباً، بل وتعاطياً، قال تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}(العنكبوت :45)، ومتى كان الشخص بعيداً عن ربه، مفرطاً في أوامره، واقعاً في معاصيه ففي الغالب أنه يكون قريباً من الوقوع في شباكها.

ثانياً: الفراغ:

فكثيراً ممن يتعاطون المخدرات وخاصة الشباب منهم تجدهم فارغين بلا عمل، ولا بذل، واجتهاد في شؤون حياتهم، فهم أكثر عرضة للوقوع في براثنها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)، فكيف يليق بالمسلم أن يكون فارغاً وهو مخلوق لعبادة ربه، وحياته كلها له، ألم يسمع هؤلاء قول الله تعالى {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}(الحجر:99)، وقوله تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(الأنعام:162، 163).

ثالثاً: قرناء السوء:

وما أدراك ما قرناء السوء، فهم واقفون بالمرصاد لمن خالطهم وتعامل معهم، فهم يؤثرون تأثيراً عظيماً على أصحابهم وأصدقائهم، قال صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة)([17]).

فكم من شاب كان لا يعرف طريق الشر، وليس له صلة به ولكنه بسبب قرين السوء وقع شيئاً فشيئاً حتى أصبح أداة هدم للمجتمع، وخاصة إذا سلك طريق المخدرات.

رابعاً: المشاكل الأسرية:

فهي من أهم أسباب وقوع بعض الأبناء في طريق المخدرات، حيث أن الخلافات الزوجية، أو الطلاق لها أثرٌ كبيرٌ في حصول الهدم للبيت والشتات للأولاد، فيكون ذلك سبباً في وقوع البعض منهم في طريق المخدرات.

خامساً: السفر إلى خارج البلاد:

وهذه طامة كبرى وقع فيها بعض الشباب، ممن عايشوا واقع هذه البلاد ورأوا أحوالها وما فيها من الفتن، وتيسر الحصول على كل شيء بالمال، وقد حرص أعداء الإسلام على إغوائهم فوقع الكثير منهم في شراك العهر والمخدرات، فإذا رجع إلى بلاده بحث عنها بكل وسيلة ولو دفع كل ماله من أجل الحصول عليها.

سادساً: العمالة الوافدة:

فهم ـ إلا ما رحم الله منهم ـ يأتون إلينا بعادات وتقاليد وأخلاق مخالفة لواقع مجتمعنا، وما يأتي به هؤلاء من المخدرات لبيعها داخل بلادنا وخاصة ممن يأتون من بلاد الكفر والعهر والإباحية، فعاد ذلك على شبابنا بالشر المستطير.

سابعاً: الفقر وقلة ذات اليد:

فحينما لا يجد الشاب في بيته ما يكفيه لغذائه وملبسه، ولا يجد من يعينه على أمور حياته الضرورية، ولا يحصِّل فرصة العمل التي تتيح له بناء حياة كريمة يهرب من البيت إلى خارجه فتتلقفه الأيدي الآثمة الخبيثة لتوقعه في براثن المخدرات، فيتعاطى ثم يكون بائعاً ومروجاً لها بعد ذلك.

ثامناً: التقليد الأعمى ومجاملة الآخرين:

وخاصة في حياة المراهقين، فهم يقلدون من يحبونه ويعتبرونه مثلهم الأعلى ولو كان من الفجار والفاسقين، ومن أسوأ صور التقليد تقليد متعاطي المخدرات، ومروجها، والذي يتاجر فيها فينساق وراء هذا التقليد حتى يجد نفسه سائراً في ركبهم واقعاً في براثنهم، فتحيط به الهموم والمشكلات، ويقع في المنكرات والمحظورات.

تاسعاً: سعي البعض وراء الأفكار الكاذبة عن المخدرات:

فتجد البعض من الناس يسمعون بعض الأفكار عن المخدرات وخاصة في الجانب الجنسي، فيظن أنها تقوي الجنس وتجلب المتعة والسرور، وتلك والله أفكار كاذبة، فالمخدرات عكس ما يتصور كل من سمع هذه الأفكار، فتجد من وقع فيها قد جلب لنفسه الحزن والشقاء، فربما خسر زوجته وأولاده، وربما جلب لزوجته الضرر العظيم الحسي والمعنوي، وأثر بحاله على أولاده فكان بئس الأب لهم.

فهذه يا عباد الله أبرز الأسباب التي تؤدي بصاحبها إلى الوقوع في براثن المخدرات وغيرها كثير.

ولو نظرنا لحال من يتعاطى المخدرات لوجدناه مضيعاً لحقوق الله من صلاة وزكاة وصيام وحج وغير ذلك من العبادات، ونراه أيضاً مضيعاً لحقوق نفسه فيهلكها، ويدمر حياته بيده، ويشوه سمعته، ويترك عمله، ويضيع بيته وأولاده، ويقطع رحمه وجيرانه، وغير ذلك كثير مما يعيشه من يتعاطى المخدرات أو يتاجر فيها.

ولقد أوجب الله تعالى حفظ الضرورات الخمس، وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال، والمخدرات تهدم هذه الضرورات وتقضي عليها لأن من آثارها المحسوسة أن متعاطيها يضيع الصلاة والصيام وسائر الأعمال، ويرتكب أشد المنكرات دون خجل أو حياء.

كما أنها تزهق النفوس والأرواح إذ كثيراً ما ينتحر المتعاطون، أو يقتل بعضهم بعضاً، والإحصاءات العالمية خير شاهد على ذلك.

أما تضييعها للعقل فهو معروف لكل عاقل، فمن غاب عقله فعل الأفاعيل وهو لا يدري، ومن غاب عقله هان عليه هتك عرضه، وقتل والده أو والدته، أو سرق مالهما، أو مال غيرهما، وهذا أمر مشاهد في عالم المخدرات والمتعاطين لها.

أما إتلافها للمال فحدث ولا حرج، فكم من غني بات بسبب تعاطيها فقيراً، وكم من مالك لمسكن ومركب خرج من مسكنه ونزل عن مركوبه بسببها، وكم من شاب ترك عمله وهجره بسببها، وكم بيت خَرب وتهدَّمت أركانه بسببها، وهكذا دواليك.

إخواني في الله:

إن المخدرات سلاح استغله أعداء الإسلام ليحطموا به شباب المسلمين، تخديراً لهم، وشلاً لجهودهم، وإهداراً لطاقاتهم، وقبل ذلك تدميراً لدينهم وقضاءً على مستقبلهم، ومع ما ذكرنا فقد امتدت أيدي بعض من لا خلاق لهم من المسلمين لتناولها، بل والأدهى من ذلك معاونة أعداء الإسلام على ترويجها، فأظلمت حياتهم بعد البصيرة، وانطفأت بصائرهم بعد النور، وألغوا عقولهم بعد استنارتها بهدى الله، فعبدوا اللذة والشهوة المؤقتة، وأقدموا على الجريمة، فأيتموا أطفالهم، ورملوا نسائهم، و أشاعوا الفساد في الأرض بعد إصلاحها.

وإن من القصص المحزنة التي نسمعها ونراها بسبب هذه المخدرات هذه الصور التي تقشعر لها الجلود، وترتجف بسببها الأبدان، وخاصة في بلاد الكفر والإلحاد، وأيضاً فهي موجودة في بلاد المسلمين، كما ذكرت ذلك دراسات وتقارير أعدتها هيئات دولية، ومن ذلك:

  • شخص وضع رأسه تحت عجلات القطار بسببها.
  • وشخص قتل زميله في الدراسة ثم أسقط نفسه من الدور السابع والثلاثين.
  • وامرأة قتلت طفلتها الرضيعة الوحيدة دهساً بأقدامها.
  • وشخص وقع على أخته بسببها.
  • وبعضهم أرخص عرض زوجته وبنته للحصول على المخدر.
  • وشاب تحايل على أمه كي تجمع له مالاً ليتزوج، وكان يأخذ منها المال ويشتري به المخدرات، حتى آل الأمر به إلى أن اختل عقله وأخذ يضرب أمه، فبلغت عنه وأودع السجن متلبساً بجريمته الشنعاء.
  • وشخص كان يعيش سعيداً مع أهله وأولاده، فسافر في إحدى المرات إلى بلد مشبوه، فتعرف على صديق قاده إلى الهاوية، فانساق وراء المخدرات حتى ضاع عقله وماله وأودع السجن، وأصيب بانهيار نفسي بحيث لا يعرف أحداً من أهله وأولاده.
  • زوج خرج بزوجته إلى الصحراء فتناول المخدر حتى غاب عقله، ثم أخذ يطارد زوجته المسكينة حتى أمسكها وأدخل رأسها داخل السيارة ثم أغلق عليها الزجاج الخلفي بغية خنقها، ثم أدار محرك السيارة، والمسكينة تصارع لكسر الزجاج، واستطاعت بعد جهد أن تفلت منه وتأخذ مفتاح سيارته وهربت بالمفتاح في الصحراء كي لا يلحقها، وسارت طول الليل لا تلوي على شيء حتى بلغت إحدى المزارع القريبة من البلد، فأبلغت عن زوجها فقبض عليه وأودع السجن.

فكل هذه القصص وغيرها قصص واقعية، ونحن أردنا من إيرادها إيقاظ النفوس الضعيفة، وتذكير القلوب الغافلة وتنبيه العقول الشاردة التي انساقت وراء تلك المخدرات.

فعلينا أن نهتم بتربية الفرد والمجتمع على السلوك الإسلامي الصحيح كي ينجو أولادنا من براثنها، فلا يمكن التغلب على هذه المشكلة إلا بتحذير النشء منها ولزوم طريق الاستقامة، فيجب أن تكون الأسرة مصباح هداية لأبنائها، وأن تعطي القدوة الحسنة لجميع أفرادها قولاً وفعلاً.

ومن ذلك أيضاً:

الحرص على الكسب الحلال، ومحاربة البطالة والفراغ:

فالجميع مطالب بالعمل والكسب الحلال لمحاربة هذه الأمراض الخطيرة، فكلما كان المجتمع عاملاً مكتسباً للمال من أوجهه الحلال عاش طيباً كريماً محاطاً بعناية الله تعالى، بعيداً عن الرذائل والموبقات.

ومن ذلك: غرس القيم الإسلامية وتعميم الوعي بأضرار المخدرات:

فينبغي للمسجد ووسائل الإعلام والمناهج الدراسية والأندية الرياضية والمؤسسات الاجتماعية أن يكون لهل دورٌ متميزٌ في محاربة هذه المشكلة الكبيرة.

فلو قام الجميع بدورهم الهام في نشر أضرارها، ومعرفة عقوبة متعاطيها والمتاجر فيها في الدنيا والآخرة لحرص الناس على محاربتها.

وإن من فضل الله تعالى علينا أن ولاة أمور هذه البلاد عملوا على تقويض بنائها بفرض العقوبات اللازمة في حق من يتعاطاها أو يتعامل بها، فعلى الجميع الحرص على ذلك فالجهود لابد أن تكون من جميع الأطراف، ولا تتكل جهة على جهة أخرى في محاربة هذه المشكلة، بل على الجميع بذل الغالي والنفيس من أجل محاربتها والقضاء عليها.

 

فهرس الموضوعات

الموضوع
أهمية الضرورات الخمس في الإسلام
الأدلة من الكتاب والسنة على أهمية حفظ الضرورات الخمس
وأما أدلة السنة على حفظ هذه الضرورات فهي كما يلي
حفظ الدين
حفظ النفس
حفظ النسل
حفظ العقل
حفظ المال
الرد على جميع الشبهات
الثبات في المواقف والأزمات والفتن
أخذ العلم عن أهله
المخدرات وأضرارها على المجتمع
فهرس الموضوعات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) رواه مسلم.

([2])  صححه الألباني في صحيح الجامع رقم (5609).

([3]) رواه في الموطأ.

([4]) رواه مسلم.

([5]) رواه البخاري ومسلم.

([6]) رواه البخاري ومسلم.

([7]) الموافقات (2/8).

([8]) رواه مسلم.

([9]) رواه أبو داود والنسائي.

([10]) رواه مسلم.

([11]) رواه أبو داود.

([12]) رواه البخاري.

([13]) رواه البخاري.

([14]) رواه البخاري.

([15]) رواه الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.

([16]) إلى بيته مهموماً حتى ظنوا به مرض، وبعد مدة ناداه عمر فقال مالك؟ أبوك قال: إذا تسارعوا تشاحنوا واختلفوا ثم تخاصموا ثم لم ينفع بهم فقال..

([17]) رواه البخاري ومسلم.