133 – ما لا يسع المسلم جهله في الفقه والأخلاق

الثلاثاء 25 رجب 1445هـ 6-2-2024م

 

133 –  ما لا يسع المسلم جهله

في الفقه والأخلاق pdf

 

 

ما لا يسع المسلم جهله

في الفقه والأخلاق

تأليف

أ.د/ عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

عضو الإفتاء بالقصيم

والأستاذ بكلية التربية بالزلفي جامعة المجمعة

 

 

المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي لـه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ([1]).

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تساءلون بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}([2]).

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}([3])،  وبعد.

فلما انتهيت من كتابة ما لا يسع المسلم جهله في بعض القضايا التي تخص العقيدة فقد طلب مني رئيس اللجنة الثقافية لجمعية الآل والأصحاب في مملكة البحرين فضيلة الشيخ/ صلاح حيدر الكاظمي – حفظه الله – أن استكمل ما تبقى مما لا يسع المسلم جهله في قضايا (الفقه والأخلاق) بأسلوب سهل واضح يعالج هذه القضايا فأجبته لطلبه رغبة مني في تحقيق النفع للمسلمين، فوضعت هذا الكتاب ليعالج ما يحتاجه المسلم في يومه من أمور العبادات والأخلاق والسلوك ليكون معيناً للمحتاجين ممن يجهلون بعض هذه الأمور.

والله أسأل أن يعلمني ما جهلت وأن يكتب الأجر والثواب لـمن أشار وأعان وشجع، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

                                                                   وكتبه

                                             أ.د/ عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

                                                        عضو الإفتاء بالقصيم

                                                 والأستاذ بكلية التربية بالزلفي

                                                          جامعة المجمعة

                                      في يوم السبت الموافق: 1/ 1/ 1436هـ

  

القسم الأول:

قضايا هامة في الفقه

  

المبحث الأول: ما لا يسع المسلم

جهله في الطهارة:

أولاً: من أحكام الطهارة وقضاء الحاجة:

أ – حكم الطهارة:

الطهارة واجبة بالكتاب والسنة. قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6]. وقال أيضاً: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]. وقال صلى الله عليه وسلم:(مفتاح الصلاة الطهور)([4]).

ب – أنواعها:

الطهارة نوعان: معنوية وحسية.

فالطهارة المعنوية:

يراد بها تطهير النفس من آثار الذنب والمعصية، وذلك بالتوبة الصادقة، وتطهير القلب من أقذار الشرك والشك والحسد والحقد والغل والكبر وحب الجاه والسلطان، ولا يكون ذلك التطهير إلا بالإخلاص وحب الخير والحلم والتواضع والصدق وإرادة وجه الله تعالى بالأعمال.

أما الطهارة الحسية:

فالمراد بها طهارة الخبث وطهارة الحدث.

فطهارة الخبث: تكون بإزالة النجاسات بالماء الطهور من لباس المصلي وبدنه ومكان صلاته. وطهارة الحدث: المراد بها الوضوء والغسل والتيمم.

ج – قضاء الحاجة وآدابها:

لقضاء الحاجة آداب منها:

1ـ أن يطلب مكاناً خالياً من الناس بعيداً عن أنظارهم.

2ـ أن لا يدخل معه ما فيه ذكر الله.

3ـ أن يقدم رجله اليسرى عند الدخول إلى الخلاء.

4ـ أن يقول إذا أراد الدخول: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.

5ـ أن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ستراً لعورته.

6ـ أن لا يجلس للغائط أو البول مستقبل القبلة أو مستدبرها.

7ـ أن لا يجلس للغائط أو البول في ظل الناس أو طريقهم أو مياههم أو أشجارهم المثمرة.

8ـ أن لا يستجمر بعظم أو روث، ولا بما فيه منفعة، ولا بما كان ذا حرمة: كمطعوم ونحوه.

9ـ أن لا يتمسح أو يستنجي بيمينه، أو يمس ذكره بها.

10ـ أن يقطع الاستجمار على وتر كأن يستجمر بثلاثة، فإن لم يحصل النقاء استجمر بخمس مثلاً.

11ـ إن جمع بين الماء والحجارة قدم الحجارة أولاً، ثُم استنجى بالماء وإن اكتفى بأحدهما أجزأه.

12ـ عند خروجه من الخلاء يقدم رجله اليمنى.

13ـ أن يقول عند خروجه: “غفرانك”.

ثانيـاً: من أحكام الوضوء:

قبل أن يبدأ العبد في الصلاة يجب أن يكون طاهراً من الحدث الأكبر والحدث الأصغر، ويرتفع الحدث الأكبر بالغسل والحدث الأصغر بالوضوء، وينوب التيمم عن الوضوء والغسل عند فقد الماء أو الضرر في استعماله.

أ – معنى الوضوء:

هو استعمال الماء الطهور في الأعضاء الأربعة: (الوجه، واليدين، والرأس، والرجلين) على صفة مخصوصة جاءت بها نصوص الكتاب والسنة.

ب – دليل الوضوء:

دليله من الكتاب: قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6]. دليله من السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)([5]).

ج – فضل الوضوء:

للوضوء فضائل عظيمة يشهد لها ما جاءت به نصوص السنة المطهرة ومن هذه النصوص:

1ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أمتي يُدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء؛ فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل)([6])

2ـ وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظافره)([7]).

3ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ العبد المسلم ـ أو المؤمن ـ فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياُ من الذنوب)([8]).

4ـ وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ ـ أو فيسبغ الوضوء ـ ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء)([9]).

زاد الترمذي: “اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين”.

د – فرائض الوضوء:

فرائض الوضوء ستة:

1ـ غسل الوجه مرة واحدة من أعلى الجبهة إلى منتهى الذقن، ومن وتد الأذن إلى وتد الأذن، لقوله تعالى:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}[المائدة:6]. ويدخل معه المضمضة والاستنشاق، لدخول الفم والأنف في حد الوجه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر)([10])

2ـ غسل اليدين إلى المرفقين، لقوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}  [المائدة:6].

3ـ مسح الرأس من الجبهة إلى القفا، لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6].

4ـ غسل الرجلين إلى الكعبين، لقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6].

وفي حديث عثمان رضي الله عنه: (ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ إِلَى الكَعْبَيْنِ)([11]). وفي لفظ: (ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ اليُمْنَى ثَلاَثًا، ثُمَّ اليُسْرَى ثَلاَثًا)([12]).

5ـ الترتيب: وذلك بأن يبدأ بالوجه أولاً ثم اليدين ثم يمسح الرأس ثم يغسل الرجلين لورودها مرتبة في أمر الله تعالى.

6ـ الموالاة: والمراد بها عمل الوضوء في وقت واحد بلا فاصل من الزمن، لكن إذا كان الفصل يسيراً يعفى عنه.

هـ – سنن الوضوء:

1ـ السواك.

2ـ غسل الكفين ثلاثاً، لكن إذا كان قائماً من نوم ليل فيجب غسلهما قبل أن يدخلهما في الإناء، لقوله صلى الله عليه وسلم:(إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)([13]).

3ـ المضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه. 

4ـ تخليل اللحية الكثيفة.

5ـ التيامن؛ وذلك بغسل الأعضاء اليمنى أولاً ثم اليسرى.

6ـ الدعاء بعد الفراغ من الوضوء.

7ـ صلاة ركعتين بعده، وهي التي تسمى سنة الوضوء.

ن – مكروهات الوضوء:

1ـ الوضوء في المكان النجس خشية أن يتطاير إليه شيء من النجاسة.

2ـ الزيادة على الثلاث.

3ـ الإسراف في الماء.

4ـ ترك سنة أو أكثر من سنن الوضوء؛ لأنه يترتب على تركها ضياع أجر ينبغي عدم تفويته.

و – صفة الوضوء:

للوضوء صفتان: وضوء مجزئ، ووضوء كامل.

1ـ صفة الوضوء المجزئ:

وهي أن ينوي الوضوء ثم يسمي فيقول: بسم الله، ثم يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه، ثم يديه إلى المرافق، ثم يمسح رأسه مع الأذنين، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين يغسل كل عضو من هذه الأعضاء مرة واحدة.

فهذه صفة الوضوء المجزئ.

2ـ صفة الوضوء الكامل:

وهي أن ينوي ثم يسمي ويغسل كفيه ثلاثاً، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثاً بثلاث غرفات، ثم يغسل وجهه ثلاثاً، ثم يغسل اليد اليمنى مع المرفق ثلاثاً، ثم اليسرى كذلك، ثم يمسح رأسه مرة واحدة من مقدمة الرأس إلى قفاه، ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه، ثم يدخل يديه في صماخي أذنيه ويمسح بإبهامه ظاهرهما، ثم يغسل رجله اليمنى مع الكعب ثلاثاً، ثم اليسرى كذلك.

فإذا فرغ من ذلك كله رفع بصره إلى السماء، وقال: “أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله”.

ي – نواقض الوضوء:

1ـ الخارج من السبيلين كالبول والغائط والريح.

2ـ زوال العقل بإغماء أو سكر أو جنون.

3ـ النوم الذي يزول معه الإحساس.

4 ـ الردة عن الإسلام.

5 ـ أكل لحم الجزور.

ثالثـاً: مسائل مهمة يحسن ذكرها:

المسألة الأولى: من تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على اليقين وهو الطهارة.

المسألة الثانية: من تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على اليقين وهو الحدث فيتطهر.

المسألة الثالثة: بول ما يؤكل لحمه وروثه، ومني الآدمي طاهر.

المسألة الرابعة: إذا شك المسلم في طهارة ماء أو نجاسته بنى على اليقين وهو أن الأصل في الأشياء الطهارة.

المسألة الخامسة: إذا اشتبه ماء طاهر بنجس تحرى ثم توضأ.

رابعاً: من أحكام المسح على الخفين:

أ ـ تعريف الخفين:

الخفان: هما ما يُلبس على الرِّجل من الجلود، وما يلحق به من الكتان والصوف ونحوه.

2ـ دليل مشروعية المسح على الخفين:

تواترت نصوص السنة المطهرة ببيان ذلك الحكم، فمن هذه الأدلة:

عن عبد الله بن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين، وأن عبد الله بن عمر سئل عن ذلك. فقال: نعم. “إذا حدثك شيئاً سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تسأل عنه غيره”([14]).

عن عمرو بن أمية الضمري قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه”([15]).

حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وفيه: ثم أهويت لأنزع خفيه، فقال (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين” ومسح على خفيه وصلى)([16]).

3ـ شروط المسح على الخفين:

يشترط للمسح على الخفين:

ـ أن يلبس على طهارة دليل ذلك حديث عروة بن المغيرة عن أبيه، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه، فقال: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين” فمسح عليها ([17]).

ـ وأن يكون الخف أو الجورب طاهراً فلو كان نجساً لا يصح المسح عليه.

ـ وأن يكون ساتراً لمحل الفرض. وأن يكون المسح في الوقت المحدد وهو يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر.

4ـ مدة المسح:

مدة المسح للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بليالهن، ويبدأ حساب زمن المسح من وقت البدء في المسح على الصحيح.

5ـ صفة المسح:

يدخل يده بالماء، ويمسح ظاهر الخف من أصابعه إلى ساقه مرة واحدة دون أسفله وعقبه.

6ـ مبطلات المسح:

1ـ إذا نزع الملبوس من القدم.

2ـ إذا لزمه غسل جنابة.

3ـ إذا تمت مدة المسح.

خامساً: من أحكام الغسل.

أ – موجبات الغسل:

1ـ الجنابة: وتشمل الجماع وهو التقاء الختانين ولو بدون إنزال، والإنزال هو خروج المني دفقاً بلذة في نوم أو يقظة من رجل أو امرأة، لقول الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6]، وقوله صلى الله عليه وسلم:(إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل)([18]).

2ـ انقطاع دم الحيض أو النفاس: لقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة:222].

ولقوله صلى الله عليه وسلم: (امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي)([19]).

ب – صفة الغسل:

أن يقول (بسم الله)، ناوياً رفع الحدث الأكبر باغتساله، ثم يغسل كفيه ثلاثاً، ثم يستنجي فيغسل ما بفرجه وما حوله من أذى، ثم يتوضأ إلا رجليه؛ فإن له أن يغسلهما مع وضوئه، وله أن يؤخرهما إلى الفراغ من غسله، ثم يغسل رأسه مع أذنيه ثلاث مرات بثلاث غرفات، ثم يفيض الماء على شقه الأيمن من أعلاه إلى أسفله، ثم الأيسر كذلك متتبعاً أثناء الغسل الأماكن الخفية كالسرة وتحت الإبطين والركبتين ونحوهما.

سادساً: من أحكام التيمم:

وهو من خصائص الأمة الإسلامية وهو بدل طهارة الماء.

أ – معناه:

التعبد لله تعالى بقصد الصعيد الطيب لمسح الوجه والكفين.

ب – متى يشرع التيمم؟

1ـ إذا لم يجد الماء.

2ـ إذا كان به جراحة أو مرض، وخاف أن يضره الماء.

3ـ إذا كان الماء شديد البرودة ولم يتمكن من تسخينه وخاف الضرر باستعماله الماء.

4ـ إذا احتاج إلى الماء لشربه أو شرب غيره وخاف العطش.

ج – مبطلات التيمم:

1ـ وجود الماء.

2ـ نواقض الوضوء السابقة.

د – صفة التيمم:

أن ينوي، ثم يسمي، ويضرب التراب مرة واحدة بباطن يده، ثم يمسح بهما وجهه وكفيه.

سابعاً: من أحكام الحيض والنفاس والاستحاضة.

ا – التعريف:

* الحيض: هو دم يرخيه الرحم إذا بلغت المرأة، فيخرج من فرج المرأة في أوقات معلومة، وأقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً.

* النفاس: هو الدم الخارج من فرج المرأة بسبب الولادة، ولا حد لأقله؛ فمتى رأت النفساء الطهر اغتسلت وصلَّت.

* المستحاضة: هي التي لا ينقطع عنها جريان الدم أكثر من خمسة عشر يوماً.

ولها ثلاث حالات:

1ـ أن تكون مدة الحيض معروفة لها، فتجلس تلك المدة ثم تغتسل وتصلي.

2ـ أن تكون مدة الحيض غير معلومة؛ ولا تمييز لها فهذه تجلس مثل عادة قريباتها؛ فإن لم يكن لها قريبات جلست غالب الحيض ستّاً أو سبعاً.

3ـ أن لا تكون لها عادة، ولكنها تستطيع تمييز دم الحيض الأسود من غيره؛ فإذا انقطع دم الحيض المميز اغتسلت وصلًّت.

ب – صفة دم الحيض:

دم الحَيْض يخرج من الرَّحِم، وهو أسود ساخنا كأنه مُحترق، وهو دمٌ تَغلب عليه السيولة وعدم التجلُّط، وله رائحة خاصَّة تُميِّزه عن الدَّم العادي.

ج – بداية سن الحَيْض:

ليس هناك سنٌّ معيَّنة لبدء الحَيْض، فهو يختلف بحسب طبيعة المرأة وبيئتها وجَوِّها، فمتى رأت الأنثى الحَيْض فهو حيضٌ، وإن كانت دونَ تِسْع سنين، أو فوق خَمْسين سنة؛ وذلك لأنَّ أحكام الحَيْض علَّقها الله ورسولُه صلى الله عليه وسلم على وجوده”.

د – مدَّة الحيض:

أقلِّ الحَيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً، وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما ولا حد لأكثره لأنه مبني على الحيض، فالحيض قد يزيد وقد ينقص.

ن – علامة الطُهر:

يُعرَفُ الطُهر مِن الحَيْض بخروج ما يُسَمَّى بـ “القَصَّة البيضاء”، وهو سائل أبيض يخرج إذا توقف الحَيْض، فإذا لم يكن من عادتها خروجُ هذا السائل، فعلامة طُهْرها “الْجفاف”؛ بأن تضع قطنة بيضاء في فرْجِها، فإن خرجَتْ ولم تتغيَّر بدم أو صُفرة أو كُدْرة (وهو لون بين الصُّفرة والسَّواد)، فذلك علامة طهرها.

هـ – مدة النفاس:

مدة النفاس أربعون يوماً فتدع المرأة الصلاة أربعين يومًا، إلاَّ أن ترى الطُّهر قبل ذلك، فتغتسل وتصلِّي، فإن زاد دم النُّفَساء على أربعين يومًا، فصادف عادة الحَيْض: فهو حيض، وإن لم يصادف الحَيْض: فهو استحاضة.

وإذا طهرت قبل الأربعين فهي طاهر، فتغتسل وتصلِّي وتصوم، ويُجامعها زوجها.

و – متى نعرف أنّ هذا الدم هو دم نفاس؟

لا يَثبُت النِفاس إلاَّ إذا وضعت المرأة ما تبيَّن فيه خَلْقُ إنسان، فلو وضعت سِقْطًا لم يتبيَّن فيه خلق إنسان، فدمها لا يكون دم نفاس، فتغتسل وتصلِّي وتصوم، ويُجامعها زوجها.

ي – بعض أحكام الحائض والنفساء:

1 – يَحْرُم على الحائض والنُّفساء: الصلاة (فرضًا ونفلاً)، فإن طَهُرَتْ فلا يجب عليها إعادة هذه الصلاة.

2 – يحْرُم على الحائض والنفساء: الصوم، وعليهما قضاؤه بعد رمضان، فإن صامت وهي حائض أو نُفَساء، فصومها غير صحيح، وتكون آثِمَة ولم تَبْرأ بذلك ذمَّتُها، ويجب عليها القضاء.

3 – يَحْرُم جماعُ الحائض وكذلك النُّفَساء؛ لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222]، ولما نزلت هذه الآية قال النبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ)([20]).

يعني الجماع؛ فله تقبيلُها ومباشرتُها دون الفَرْج، فإنْ جامعها فهو آثِمٌ، وعليه الكفَّارة، إن جامعها عالِمًا عامدًا، فإن كان ناسيًا أو جاهلاً بوجود الحَيْض، أو جاهلاً بتحريمه، أو مُكرَهًا فلا إثم عليه ولا كفارة.

والكفارة: هي أن يتصدَّق بدينار من الذهب، أو نصف دينار من الذَّهَب، والدينار يساوي تقريبًا (3.5) جرام من الذهب.

4 – المستحاضة: التي لا ينقطع عنها جريان الدم أكثر من خمسة عشر يوماً عليها أن تفعل ما يأتي:

– إذا انقضت مدَّة حيضها (على التفصيل السابق)، فإنَّها تغتسل غسلها من الحَيْض، ثُمَّ تربط ِخرقة على فرجها – ويسمَّى هذا تلجُّمًا واستثفارًا وتنوب عنه الآن الحفاظات النسائية – وبذلك يكون لها أحكام الطُّهر: فيُبَاحُ لها الصَّلاة، والصوم، والطَّواف، وغير ذلك مِمَّا كان مُحرَّمًا عليها بسبب الحَيْض، إلا أنَّها بالنِّسبة للصلاة: تتخيَّر أحد هذه الأمور:

الأول: تتوضَّأ لكلِّ صلاة؛ أي: إنَّها لا تتوضَّأ قبل دخول وقت الصلاة، ولكنْ بعد ما يدخل وقت الصلاة (بعد الأذان) وهذا الأمر هو الأيسر لها، ويُلاحَظ أنها تغسل فرْجَها قبل وضوئها، وتشد عليه خرقة.

الثاني: تؤخِّر الظهر إلى قبل العصر، ثم تغتسل، وتصلِّي الظهر، ثم لما يدخل وقت العصر: تصلي العصر بنفس الغسل (أي بدون إحداث غسل آخر)، وكذلك تؤخِّر المغرب إلى قبل العشاء، ثم تغتسل، وتصلِّي المغرب والعشاء (كما فعلت في الظهر والعصر)، وتغتسل للصُّبح وتصلِّي.

الثالث: الاغتسال لكلِّ صلاة.

 

المبحث الثاني: ما لا يسع المسلم

جهله في الصلاة:

ذكر الله الصلاة في كتابه في مواضع كثيرة، يأمر بها وينهى عن تركها، ويثني على أهلها المقيمين لها، ويذكر مالهم من الثواب، ويذم المتهاونين بها، ويذكر ما عليهم من الذم والعقاب، وهي حين يذكرها يعرفها المسلمون معرفة لا يمترون بها، قد عرفوها من هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم، ثم تناقلتها الأمة فعرفها الصغير والكبير، والعالم والجاهل، فمتى جاءت في القرآن فهموا أنَّها هذه الصلوات الخمس والجمعة، وما يتبعها من الرواتب والسنن المقيدة والمطلقة.

أولاً: تعريف الصلاة.

الصلاة: هي صلة بين العبد وربه، يعلن فيها العبد لربه الطاعة والمحبة والخضوع والاستكانة، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين؛ إذ هي عماد الدين، ونور اليقين، فيها طيب النفس، وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب، وهي زاجرة عن فعل المنكرات، وسبب لتكفير السيئات.

ثانياً: حكم تاركها.

إذا كان منكراً لوجوبها غير معذور كفر لجحده ولو فعلها، لإنكاره ما علم من الدين بالضرورة وتكذيبه لله ورسوله؛ ويقتل لقوله صلى الله عليه وسلم:(من بدل دينه فاقتلوه)([21]) ، وتطبق عليه أحكام المرتد.

وإن كان معتقداً وجوبها وتركها تكاسلاً حتى خروج الوقت، ففي ذلك خلاف

بين أهل العلم. قيل: كافر كفراً مخرجاً من الملة يقتل إذا لم يتب ويصلِّ، وقيل: لا يكفر بل يفسق؛ فإن تاب وإلا قتل حدًا. وقيل: لا يكفر ولا يقتل، بل يعزر ويحبس حتى يصلي أو يموت.

ثالثاً: أركان الصلاة:

أركان الصلاة التي لا تصح الصلاة إلا بها أربعة عشر ركناَ هي:

1ـ القيام مع القدرة.

2ـ تكبيرة الإحرام.

3ـ قراءة الفاتحة.

4ـ الركوع.

5ـ الاعتدال منه.

6ـ السجود على الأعضاء السبعة (الوجه، اليدين، الركبتين، القدمين).

7ـ الاعتدال من السجود.

8ـ الجلوس بين السجدتين.

9ـ الطمأنينة لكل ما ذُكر.

10ـ التشهد الأخير.

11ـ الجلوس للتشهد الأخير.

12ـ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

13ـ الترتيب في هذه الأركان.

14ـ التسليم.

رابعاً: شروط الصلاة:

شروط الصلاة تسعة وهي:

1ـ الإسلام؛ فلا تصح من الكافر وإن كان يحاسب عليها على الصحيح.

2ـ العقل، فغير العاقل ليس أهلاً للتكليف.

3ـ التمييز.

4ـ دخول الوقت.

5ـ الطهارة من الحدث.

6ـ اجتناب النجاسات.

7ـ ستر العورة.

8ـ استقبال القبلة.

9ـ النية.

خامساً: واجبات الصلاة:

الواجب: هو ما أمر الشارع به على وجه الإلزام، وتبطل الصلاة بتركه عمداً، ويجبره حال السهو سجود السهو.

وواجبات الصلاة ثمانية:

1ـ التكبيرات عدا تكبيرة الإحرام.

2ـ قول: سمع الله لمن حمده للإمام والمنفرد.

3ـ قول: ربنا ولك الحمد للإمام والمنفرد والمأموم.

4ـ قول: سبحان ربي العظيم في الركوع.

5ـ قول: سبحان ربي الأعلى في السجود.

6ـ سؤال الله المغفرة بين السجدتين.

7ـ التشهد الأول.

8ـ الجلوس للتشهد الأول.

سادساً: سنن الصلاة:

والمراد بها الأفعال المشروعة التي لا تبطل الصلاة بتركها عمداً ولا سهواً.

وسنن الصلاة كثيرة منها:

1ـ رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام.  

2ـ رفع اليدين عند الركوع.

3ـ رفع اليدين عند الرفع من الركوع.

4ـ وضع اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر حال القيام.

5ـ النظر إلى موضع السجود.               

6ـ دعاء الاستفتاح.

7ـ التعوذ أي قول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وغيرها من السنن.

سابعاً: صلاة الجماعة:

أ – فضلها: وردت أدلة كثيرة في بيان فضل صلاة الجماعة منها:

1ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)([22]).

2ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً…)([23]).

3ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – رجلٌ أعمى فقال: يا رسول الله! ليس لي قائد يقودني إلى المسجد؛ فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته. فرخص له؛ فلما َولَّى دعاه فقال له: (هل تسمع النداء بالصلاة؟)، قال: نعم، قال: (فأجبه)([24]).

ب – حكمها:

صلاة الجماعة: واجبة على الرجال حضراً وسفراً، لقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ}[النساء :102].

قال في شرح المنتهى([25]): “والأمر للوجوب، وإذا كان ذلك مع الخوف فمع الأمن أولى، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ” أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواَ ، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي رجال معهم حزم من الحطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار”([26])، ولقوله صلى الله عليه وسلم لما استأذنه أعمى لا قائد له أن يرخص له في بيته. قال: (هل تسمع النداء؟)، قال: نعم، قال: (فأجب)([27]).

ج – العدد المطلوب لانعقادها:

تنعقد صلاة الجماعة باثنين: إمام ومأموم ولو أنثى، لقوله – صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث رضي الله عنه: (وليؤمكما أكبركما)([28]).

د – الأعذار المبيحة لترك صلاة الجماعة:

1 – الخائف حدوث مرض.   

 2 – المدافع لأحد الأخبثين.

3 – من له ضائع يرجوه أو يخاف ضياع ماله أو فواته أو ضرراً فيه، أو خاف على مال استؤجر لحفظه([29]).

ن – بعض الأحكام التي تتعلق بالمأموم:

ـ يحرم أن يؤم بمسجد له إمام راتب إلا بإذنه ما لم يضق الوقت.

ـ إذا أقيمت الصلاة للفريضة فلا يجوز الشروع في صلاة نفل، لقوله صلى الله عليه وسلم : (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) ([30]).

ـ يحرم على المأموم أن يركع أو يسجد قبل إمامه، فإن فعل لزمه أن يعود، ومن سابق الإمام في أي عمل من أعمال الصلاة فهو آثم، إلا إن كان جاهلاً أو ناسياً.

ـ لا تصح صلاة المأموم الواحد خلف الصف إلا إذا كان الصف مكتملاً ولا مكان فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف)([31]).

هـ – بعض الأحكام التي تتعلق بالإمام:

أ ـ الأحق بالإمامة: الأقرأ لكتاب الله، ثم الأعلم بالسنة، ثم الأقدم هجرة، ثم أقدمهم إسلاماً، ثم الأكبر سناً.

ب ـ يسن للإمام التخفيف في صلاته مراعاة للمريض والكبير وذوي الحاجة.

ثامناً: صلاة المريض:

أ ـ يلزم أن يصلي المريض المكتوبة قائماً ولو مستنداً إلى جدار أو عصا، فإن لم يستطع فقاعداً، والمستحب في حقه عند صلاته قاعداً أن يجلس متربعاً، فإن لم يستطع أن يصلي قاعداً فعلى جنبه، فإن عجز صلى على حسب استطاعته ولو مستلقياً على ظهره لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، ولقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، وإن لم يقدر على ذلك أومأ برأسه فإن لم يقدر أومأ بطرفه ونوى بقلبه.

ب ـ إذا شق على المريض فعل كل صلاة في وقتها، فله الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في وقت أحدهما، والأفضل فعل الأرفق به من تقديم الجمع أو تأخيره.

ج ـ وإذا عجز المريض عن الوضوء وضأه غيره، وإذا كان في محل ولم يجد ماء ولا تراباً ولا من يحضر له الموجود منها صلى على حسب حاله، وليس له تأجيل الصلاة.

د ـ على المريض استقبال القبلة بما يقدر عليه كوجهه ورجليه، فإن عجز عن ذلك صلى على حسب حاله.

تاسعاً: صلاة الجمعة:

أ – حكمها:

صلاة الجمعة واجبة، وفرضها ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، وهي فرض عين، والظهر عوض عنها إن فاتت لعذر.

ب – تجب الجمعة بشروط ثمانية هي.

1ـ الإسلام. 

2ـ البلوغ.  

3ـ العقل.  

4ـ الذكورية.  

5ـ الحرية.

6ـ الاستيطان.   

7ـ انتفاء الأعذار المسقطة للجماعة.

8ـ أن يكون مقيماً بمكان الجمعة أو قريباً منها([32]).

ج – الحكمة من مشروعيتها:

شرع الله لعباده صلاة الجمعة لتنبيههم لعظمة نعمة الله عليهم، وشرع فيها الخطبة لما تشتمل عليه من تذكيرهم بهذه النعم وحثهم على شكرها، وفي صلاة الجمعة تعليم وتوجيه وموعظة وتذكير وتجديد للعهد مع الله وإحياء لعاطفة الأخوة وتركيز للوحدة وإظهار القوة([33]).

د – شروط صحة صلاة الجمعة:

1ـ الوقت: فلا تصح الجمعة قبل وقتها ولا بعده بالإجماع.

2ـ الجماعة: فلا تصح من مفرد.

3ـ الاستيطان.

4ـ أن يتقدم صلاة الجمعة خطبتان.

عاشرًا: صلاة العيدين

أ – حكمها:

اختلف أهل العلم في حكم صلاة العيدين بعد اتفاقهم على مشروعيتها، فذهب البعض إلى أنها فرض كفاية، وذهب آخرون إلى أنها سنة مؤكدة، وأدلة كل فريق مبسوطة في كتب الفقه([34]).

ب – وقت صلاة العيد:

ذهب عامة أهل العلم إلى أن وقت صلاة العيد هو ما بعد طلوع الشمس قدر رمح إلى زوال الشمس؛ حيث تحرم الصلاة وقت الشروق، وتكره بعده إلى أن ترتفع الشمس قدر رمح.

ج – مكانها:

السنة في صلاةُ العيد أن تصلى في المصلى خارج البلد، وذلك لفعله صلى الله عليه وسلم؛ هذا إذا لم يكن هناك عذر يمنع من صلاتها في المصلى([35]).

د – صفتها:

صلاة العيد ركعتان، يكبر للأولى بتكبيرة الإحرام كسائر الصلوات، ثم يكبر بعدها ست تكبيرات، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب وسورة الأعلى أو يقرأ بسورة (ق)؛ فإذا فرغ من القراءة كبر وركع، ثم إذا أكمل الركعة وقام وكبر من السجود ثم كبر خمساً متوالية، فإذا أكمل التكبير أخذ في القراءة بفاتحة الكتاب وسورة الغاشية وإن قرأ بسورة القمر فهذا أيضاً سنة؛ غير أنه إذا قرأ في الأولى بـ (سبح اسم ربك الأعلى) فإنه يقرأ في الثانية بـ (هل آتاك حديث الغاشية) وإن قرأ في الأولى بـ (ق والقرآن المجيد) يقرأ في الثانية بـ (اقتربت الساعة وانشق القمر) .

الحادي عشر: صلاة الكسوف:

أ – الكسوف والخسوف:

كسوف الشمس وخسوف القمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده لينظر ما يحدث منهم من توبة ورجوع إليه وهما مظهر من مظاهر قدرة الخالق سبحانه وتعالى.

والكسوف والخسوف لا يحدثان لحياة أحد أو موت أحد، وإنما يحصلان بسبب ما يجنيه الناس من ذنوب ومعاصٍ في حق ملك الملوك سبحانه وتعالى.

ب – صفة صلاة الكسوف:

ينادى لها ليلاً ونهاراً بقول: (الصلاة جامعة). ثم يكبر الإمام ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة جهراً، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع من الركوع ويقرأ الفاتحة، ثم سورة أقل من الأولى، ثم يركع أقل من الركوع الأول ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين طويلتين الأولى أطول من الثانية ثم يقوم ويأتي بالركعة الثانية على هيئة الأولى لكنها أخف([36]).

الثاني عشر: صلاة الاستسقاء:

شرع الله لعباده المؤمنين إذا أجدبت الأرض وانحبس المطر أن يفزعوا إليه ويتضرعوا ويستسقوه ويستغيثوه، ويكون ذلك بالصلاة جماعة أو فرادى أو بالدعاء في خطب الجمعة، وهذا كله يدل على فقر بني آدم وحاجتهم إلى ربهم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}  [فاطر:15].

أ – حكم صلاة الاستسقاء:

هي سنة مؤكدة ثابتة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم لقول عبد الله بن زيد‏:‏ ‏رضي الله عنه “خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إِلَى القِبْلَةِ يَدْعُو وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءَةِ‏”‏([37])، وقد صلاها خلفـائه رضي الله عنهم من بعده، وأجمع المسلمون على مشروعيتها([38]).

ب – صفة صلاة الاستسقاء:

صفة صلاة الاستسقاء في موضعها وأحكامها كصلاة العيد؛ فيستحب فعلها في المصلى كصلاة العيد، وأحكامها كأحكام صلاة العيد في عدد الركعات والجهر بالقراءة، وفي كونها تصلى قبل الخطبة، وفي التكبيرات الزوائد في الركعة الأولى والثانية قبل القراءة؛ كما سبق بيانه في صلاة العيد‏.‏

ج – آداب ينبغي مراعاتها في الاستسقاء.

 – ينبغي أن لا يتأخر أحد من المسلمين يستطيع الخروج، حتى الصبيان والنساء اللاتي لا تخشى الفتنة بخروجهن.

– ينبغي أن يكثر في خطبة الاستسقاء من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به، لأن ذلك سبب لنزول الغيث، ويكثر من الدعاء بطلب الغيث من الله تعالى، ويرفع يديه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في دعائه بالاستسقاء، حتى يرى بياض إبطيه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك من أسباب الإجابة، ويدعو بالدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموطن؛ اقتداء به‏

– يسن أن يستقبل القبلة في آخر الدعاء، ويحول رداءه؛ فيجعل اليمين على الشمال والشمال على اليمين، وكذلك ما شابه الرداء من اللباس كالعباءة للحديث المتقدم والحكمة في ذلك – والله أعلم – التفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه من الشدة إلى الرخاء ونزول الغيث.

– إذا نزل المطر يسن أن يقف في أوله ليصيبه منه. ويقول‏:‏ اللهم صيبا نافعا، ويقول‏:‏ مطرنا بفضل الله ورحمته‏.

إذا زادت المياه وخيف منها الضرر؛ سن أن يقول‏:‏ اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر. ثم إن سقى الله المسلمين، وإلا أعادوا الاستسقاء ثانيا وثالثا؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك‏.‏

الثالث عشر: صلاة التطوع:

من حكمة الله ورحمته بخلقه أن شرع لهم صلاة التطوع، وجعل لكل عبادة واجبة تطوعاً من جنسها، ليكون جبراً لما قد يقع في الفرائض من نقص.

وصلاة التطوع ليست واجبة يطالب المكلف بفعلها، بل هي زيادة خير له.

أ – فضل صلاة التَطَوُّع:

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة”. قال:”يقول ربنا جل وعز لملائكته – وهو أعلم -: انظروا في صلاة عبدي؛ أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة؛ كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً، قال: انظروا؛ هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع؛ قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم)([39]).

يعني يُجبَر صيام الفريضة بصيام النوافل، وتُجبَر الزكاة بالصدقات وهكذا.

2- عن ربيعة بن كعبِ الأسلميِّ رضي الله عنه أنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: (سل). فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: (أو غير ذلك؟). قلت: هو ذاك! قال: (فأعني على نفسك بكثرة السجود) ([40]).

ب – أقسام صلاة التطوع.

صلاة التطوع تنقسم إلى قسمين:

1ـ راتبة مؤكدة.               

2ـ وراتبة غير مؤكدة.

فالمؤكدة: هي التي واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم في حال الحضر، ودعا إلى فعلها، وهي اثنتا عشرة ركعة: أربع قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر.

أما الصلاة غير المؤكدة: فهي التي كان يصليها النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً، ولكن يغلب عليه صلى الله عليه وسلم تركها مثل ركعتين أو أربع قبل العصر، وركعتين قبل المغرب، وركعتين قبل العشاء، فهذه سنن غير مؤكدة.

الرابع عشر: صلاة التراويح:

أ – تعريفها:

هي الصلاة التي تصلى جماعة في ليالي رمضان، والتراويح جمع ترويحة، سميت بذلك لأنهم كانوا أول ما اجتمعوا عليها يستريحون بين كل تسليمتين، وتعرف كذلك بقيام رمضان.

ب – حكم صلاة التراويح:

صلاة التراويح سنة للرجال والنساء، تؤدى عقب صلاة العشاء، ويستمر وقتها إلى آخر الليل، وتصلى جماعة وفرادى، والجماعة أفضل. ودليل فضلها قوله صلى الله عليه وسلم: (..من قام رمضان إيمانا واحتسابَا غفر له ما تقدم من ذنبه)([41]).

ج – عدد ركعاتها:

أرجح الأقوال فيها أنها إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة مع طول القيام والركوع والسجود، دليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها حين سألت عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، فقالت: “ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً لا تَسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً”([42]).

أما كونها ثلاث عشرة لما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: “ثلاث عشرة ركعة يعني بالليل”([43]).

الخامس عشر: صلاة الجنازة:

أ – مشروعيتها:

صلاة الجنازة شرعها الله سبحانه وتعالى تكريماً لأرواح المسلمين الذين انتقلوا من دار العمل إلى دار الحساب، وهي شعيرة عظيمة منَّ الله تعالى بها على عباده المؤمنين، فهي تدل على محبة بعضهم بعضاً، لأنها تشتمل على أسمى معاني الأخوة، ففيها الدعاء من المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب وفيها اتباع لجنازته حتى يدفن، وهذا عنوان على قوة الرباط الديني، فيالها من شعيرة! ما أعظمها! نسأل الله تعالى أن يرحم موتى المسلمين إنه سميع قريب.

ب – حكم صلاة الجنازة:

صلاة الجنازة فرض كفاية إذا قام بها البعض سقط عن الباقين؛ لأنه الثابت من فعله صلى الله عليه وسلم وكذلك من قوله.

ج – شروط صلاة الجنازة:

يشترط لصلاة الجنازة ما يشترط للصلاة المكتوبة من النية والتكليف واشتراط القبلة وستر العورة وطهارة الثوب والبدن والمكان وإسلام المصلي.

ويشترط للميت: إسلامه وطهارته وحضوره بين يدي المصلي إن كان بالبلد.

د – أركان صلاة الجنازة:

1ـ القيام مع القدرة.

2ـ التكبيرات الأربع.

3ـ قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى.

4ـ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية.

5ـ الدعاء للميت بعد التكبيرة الثالثة.

6ـ ترتيب الأركان.

7ـ التسليم.

ن – صفة صلاة الجنازة:

يقف الإمام عند رأس الرجل ووسط المرأة، ثم يقف المأمومون خلفه، ثم يكبر الأولى فيقرأ الفاتحة، ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكبر الثالثة فيدعو للميت ولنفسه وللوالدين والمسلمين، ثم يكبر الرابعة ويقف بعدها قليلاً ثم يسلم عن يمينه واحدة.

هـ – بعض المسائل المهمة في صلاة الجنازة.

1ـ من فاته شيء من التكبير قضاه على صفته، وإن لم يقضه وسلم مع الإمام صحت صلاته.

2ـ إذا اختلطت جنائز المسلمين والكفار جاز الصلاة على الكل، ونوى الصلاة على المسلمين.

3ـ السقط إذا بلغ أربعة أشهر ثم مات غسل وصُلِّي عليه.

4ـ من تعذر غسله لاحتراق أو تمزق ييمَّم، وتجوز الصلاة على بعض أجزاء الميت.

5ـ من دفن ولم يصل عليه صُلِّي عليه وهو في قبره.

 

المبحث الثالث: ما لا يسع المسلم

جهله في الزكاة:

أولاً: تعريف الزكاة:

هي حق واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص، لتحقيق رضا الله وتزكية النفس والمال والمجتمع.

ثانياً: أهميتها وحكمة تشريعها:

للزكاة أهمية عظيمة في الإسلام، ولذا كانت الحكمة في تشريعها تدل دلالة واضحة على أهميتها، وسنذكر جوانب عدة من حكمة تشريعها، والمتأمل في هذه الحكم سيرى أهمية هذا الركن العظيم.

بيان بعض حكم تشريع الزكاة:

1ـ تطهير النفس البشرية من رذيلة البخل والشح والشره والطمع.

2ـ مواساة الفقراء وسد حاجات المعوزين والبؤساء والمحرومين.

3ـ إقامة المصالح العامة التي تتوقف عليها حياة الأمة وسعادتها.

4ـ الحد من تضخم الأموال عند الأغنياء وبأيدي التجار والمحترفين، كيلا تحصر الأموال في طائفة محدودة أو تكون دولة بين الأغنياء.

5ـ أنها تجعل المجتمع الإسلامي كأنه أسرة واحدة يعطف فيها القادر على العاجز والغني على المعسر.

6ـ أنها تطفئ حرارة ثورة الفقراء وحقدهم على الأغنياء.

7ـ أنها تمنع الجرائم المالية مثل السرقات والنهب والسطو.

8ـ أنها تزكي المال أي تنميه.

9ـ أنها سبب لنزول الخيرات([44]).

ثالثاً: أدلة وجوبها:

جاءت نصوص الكتاب والسنة تدل دلالة واضحة على وجوب الزكاة، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها إحدى دعائم الإسلام القوية التي بُني عليها، ولذا كانت الركن الثالث من أركان هذا الدين. وهذه بعض الأدلة على وجوبها:

أدلة الكتاب:

قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:110].

وقال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}  [التوبة:5].

أدلة السنة منها:

1ـ حديث جبريل المشهور وفيه: (الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ الله، وَتُقِيْمَ الصَّلاَة، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البيْتَ إِنِ اِسْتَطَعتَ إِليْهِ سَبِيْلاً )([45]).

2ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً)([46]).

فهذه بعض نصوص الكتاب والسنة التي تدل دلالة واضحة على أن الزكاة هي أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام التي لا يتم الإسلام إلا به.

رابعاً: الفرق بين الزكاة والضريبة.

1ـ الزكاة تدفع بنية التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا المعنى غير قائم بالنسبة للضريبة؛ لأنها التزام وإلزام مدني محض.

2ـ الزكاة حق قدَّره الشارع على عكس الضريبة؛ فهي تحدد من قبل ولي الأمر، يزيد فيها متى شاء كيف شاء ما يرى فيه المصلحة.

3ـ الزكاة يتعين توزيعها في مصارفها الشرعية التي حددها الله، أما الضريبة فهي تجمع لخزانة الدولة، وتنفق في المصالح المختلفة للدولة.

4ـ الزكاة فريضة ثابتة دائمة ما دام في الأرض إسلام ومسلمون أما الضريبة فليس لها صفة الثبات والدوام([47]).

خامساً: هل تغني الضريبة عن الزكاة؟

من خلال الفروق السابقة بين الزكاة والضريبة يتبين لنا أنه لا يمكن بأي حال أن تغني الضريبة عن الزكاة، فإننا لو أجزنا ذلك لحكمنا بإعدام هذا الركن، أعني ركن الزكاة؛ فلا يجوز إطلاقاً أن تقوم الضريبة مقام الزكاة؛ لأن الزكاة تصرف في مصارف خاصة لا يجوز أن تتعداها إلى غيرها، وهي خاضعة لقيود خاصة في تحصيلها وفرضها ومن تجب عليه وغير ذلك مما ذكر. 

فخلاصة القول: أن الضريبة لا تقوم مقام الزكاة، وهذا هو رأي المحققين من أهل العلم([48]). لأن الزكاة تشريع من الله والضريبة من وضع البشر.

سادساً: شروط الزكاة:

الشروط التي تتعلق بالمزكي:

1ـ الإسلام.

2ـ التكليف.

3ـ الحرية.

4ـ النية.

الشروط التي تتعلق بالمال نفسه:

1ـ الملك التام للمال.

2ـ نماء المال.

3ـ بلوغ المال نصاباً.

4ـ حولان الحول على المال.

5ـ أن يكون فاضلاً عن حوائجه الأصلية.

سابعاَ: حكم مانع الزكاة:

لا يخلو مانع الزكاة من أمرين:

الأمر الأول: أن يمنعها إنكاراً لوجوبها وفرضيتها، وهذا لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون حديث عهد بإسلام أو نشأ في بادية؛ فهنا لا يحكم بكفره إلا بعد قيام الحجة عليه، بل يعرَّف بوجوبها ثم تؤخذ منه قهراً، فإن جحدها بعد ذلك حكم بكفره وقُوتل حتى تؤخذ منه.

الحالة الثانية: أن يكون مما لا يخفى عليه أمرها لكونه في بلد إسلامي مثلاً فإنه في هذه الحالة يحكم بكفره ويقاتل على منعها.

الأمر الثاني: أن يمنع الزكاة بخلاً مع اعترافه بوجوبها.

فإنه لا يحكم بكفره بل تؤخذ منه قهراً ويعزر حسب ما يراه الحاكم، هذا إذا كان الإمام عادلاً يصرف الزكاة في مصارفها الشرعية، ولا يأخذ أكثر مما توجبه الزكاة، أما إن كان الإمام ظالماً فإنه لا يعزر وتؤخذ منه([49]).

ثامناً: الأموال التي تجب فيها الزكاة:

تجب الزكاة في أربعة أشياء:

1ـ الذهب والفضة وما يقوم مقامهما:

فالذهب شرط زكاته أن يحول عليه الحول، وأن يبلغ نصاباً، ونصاب الذهب عشرون ديناراً، والواجب فيه ربع العشر، ففي كل عشرين ديناراً نصف دينار، وما زاد فبحسابه قل أو كثر.

وقد ثبت لي أن العشرين ديناراً تساوي سبعين جراماً من الذهب فيكون الواجب فيها (1,75جرام).

الفضة: وشرطها أن يحول عليها الحول وأن تبلغ النصاب، ونصابها خمس أواق، والأوقية أربعون درهماً، فيكون نصابها مائتي درهم، والواجب فيها ربع العشر كالذهب، ففي مائتي درهم خمسة دراهم وما زاد فبحسابه.

وقد ثبت لي أن نصاب الفضة بالجرامات يساوي (460) جراماً والواجب فيها ربع العشر وهو يساوي (11,5) جرام. وهنا مسألتان:

المسألة الأولى: إخراج زكاة الذهب والفضة بالعملات الورقية المتداولة:

إذا ملك المسلم نصاباً من الذهب أو الفضة، وأراد أن يخرج زكاتها بالعملات

الورقية المتداولة لزمه الآتي:

1 – أن يسأل عن سعر الجرام من الذهب والفضة حال وجوب الزكاة عليه.

2 – أن يخرج حاصل ضرب سعر الجرام من الذهب أو الفضة في ربع العشر مما يملك.

المسألة الثانية: النصاب بالعملات المتداولة:

قد يظن ظان أنه ما دام أنه لا يملك ذهباً ولا فضة، لا تجب عليه الزكاة في العملات الورقية؛ لأن النصوص الشرعية إنما وردت في الذهب والفضة. نقول له: هذا ظن فاسد، بل كل من كان عنده ما يساوي (70) جراماً من الذهب أو (460) جراماً من الفضة فقد وجبت عليه الزكاة، فيزكي ما عنده بنسبة ربع العشر أي (2,5%) أي: يجب عليه اثنان ونصف في المائة مما يملكه من نقود.

2ـ الماشية:

والمراد بها هنا بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم.

شروط زكاة الماشية:

أـ أن تبلغ النصاب فنصاب الإبل خمس، والغنم أربعون شاة، والبقر ثلاثون بقرة، وما دون ذلك فلا زكاة فيها.

ب ـ أن يحول عليها الحول عند مالكها.

ج ـ أن تكون الأنعام سائمة، والمرد بها التي ترعى أكثر العام.

د ـ أن لا تكون عاملة، وهي التي يستخدمها صاحبها في حرث وغيره.

جداول توضح نصاب زكاة الأنعام

والواجب إخراجه منها

جدول ببيان زكاة الإبل:

من إلى القدر الواجب في الزكاة
5 9 شاة
10 14 شاتان
15 19 ثلاث شياه
20 24 أربع شياه
25 35 بنت مخاض (ما لها سنة ودخلت في الثانية)
36 45 بنت لبون ( ما له سنتان ودخل في الثالثة)
46 60 حقه ( ما تم له ثلاث سنين ودخل في الرابعة)
61 75 جذعة (ما تم له أربع سنين ودخل في الخامسة)
76 90 بنتا لبون
91 121 حقتان

 جدول ببيان زكاة البقر.

من إلى القدر الواجب في الزكاة
30 39 عجل تبيع (ما كان له سنة كاملة)
40 59 مسنة (ما تم له سنتان كاملتان)
60 69 تبيعان
70 79 مسنة وتبيع

جدول ببيان زكاة الغنم:

من إلى القدر الواجب في الزكاة
40 120 شاة
121 200 شاتان
201 399 ثلاث شياه
400 499 أربع شياه
500 599 خمس شياه

3ـ عروض التجارة:

أ ـ تعريفها:

كل ما يعد للبيع والشراء بقصد الربح.

ب ـ شروط عروض التجارة:

1 – الملك التام لهذه العروض.

2 – بلوغ عروض التجارة النصاب، وذلك بتقويمها بأحد النقدين.

3 – حَوَلان الحول على هذه العروض.

ج ـ القدر الواجب في عروض التجارة:

يجب فيها ربع العشر مهما كانت، وهو اثنان ونصف في المائة.

د ـ أنواع عروض التجارة:

عروض التجارة نوعان:

مُدَارَة: (أي التي تباع ولا ينظر بها ارتفاع الأسعار).

ومحتكرة: (وهي التي ينتظر بها غلاء الأسعار).

فإن كانت مدارة فزكاتها بأن يقوِّم الموجود عنده إذا حال عليه الحول فإذا بلغ نصاباَ زكاه بنسبة ربع العشر، وإن كانت عروض التجارة محتكرة زكاها يوم بيعها لسنة واحدة، ولو مكثت أعواماً عنده ينتظر بها غلاء الأسعار.

4ـ الزروع والثمار:

أـ ما تجب فيه الزكاة من الزروع والثمار:

تجب زكاة الزروع والثمار في الحنطة والشعير والزبيب والتمر. واختلف في غير هذه الأربعة هل تجب بها الزكاة أم لا؟ جمهور أهل العلم يرون وجوبها في غير الأربعة المذكورة.

والذي نراه هو كل ما يقتات ويدخر تجب فيه الزكاة وما عداه فلا تجب.

ب ـ نصاب زكاة الزروع والثمار:

نصاب الزروع والثمار هي خمسة أوسق فأكثر فلا يجب فيما دون ذلك؛ ودليل ذلك قوله:(لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ)([50])، وهي تعادل (675) كيلو جرام.

ج ـ تنبيهات في زكاة الزروع والثمار:

1 – يشترط للحب والثمر أن يزهو الثمر يعني (يصفر أو يحمر) وأن يفرك الحب، وأن يطيب العنب والزيتون.

2 – إن كانت الزروع والثمار تسقى بلا كلفة أي عثرية (التي تشرب من ماء الأرض بدون سقي) أو تسقى بماء العيون والأنهار؛ فالواجب بها العشر. وإن كانت تسقى بكلفة كأن تسقى بالدلاء أو السواقي ونحوها؛ فالواجب فيها نصف العشر، لقوله: صلى الله عليه وسلم: (فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ)([51]).

3 – من كان يسقي مرة بآلة ومرة بدونها الواجب عليه ثلاثة أرباع العشر.

تاسعاً: مسائل عامة في الزكاة:

المسألة الأولى: من كان له دين على مليء فيخرج زكاته إذا قبضه لما مضى، والأفضل أن يزكيه قبل قبضه، وإن كان الدَّين على معسر فيزكيه إذا قبضه لسنة واحدة إذا حال عليه الحول.

المسألة الثانية: الأوقاف التي على جهة خيرية عامة كالمساجد والمدارس ونحوها ليس فيها زكاة.

المسألة الثالثة: الدور والعقارات والسيارات والآلات ونحوها إذا كانت معدة للتجارة فتقدر قيمتها وفيها ربع العشر إذا حال عليها الحول، وإن كانت معدة للأجرة فالزكاة على الأجرة ربع العشر إذا حال عليها الحول.

المسألة الرابعة: الدَّين لا يمنع وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة.

المسألة الخامسة: من مات ولم يخرج زكاته أخرجها الوارث من التركة قبل قسمتها.

المسألة السادسة: من ملك قسطًا من الذهب لم يبلغ النصاب وآخر من الفضة لم يبلغ النصاب يجمعهما معًا، فإذا بلغا نصابًا زكاهما معًا كلاً بحسابه، كما يجزئ إخراج أحد النقدين عن الآخر، وقيل بعدم ضم النقدين كلاهما للآخر، وهذا اختيار شيخنا محمد الصالح العثيمين رحمه الله([52]).

المسألة السابعة: في الركاز: المراد به دفن الجاهلية؛ فمن وجد في داره مالاً مدفونًا من أموال الجاهليـة وجب عليه أن يزكيـه بدفع خمسـه إلى الفقراء

والمساكين، لقوله: صلى الله عليه وسلم (في الركاز الخمس)([53]).

المسألة الثامنة: هل يشترط للركاز بلوغ النصاب وحلول الحول؟ الصحيح الذي تعضده الأدلة هو اعتبار النصاب كسائر الزكوات وعدم اعتبار الحول لحصوله دفعة واحدة، فأشبه الزروع والثمار.

المسألة التاسعة: زكاة الأسهم والسندات:

أولاَ: تعريف الأسهم والسندات:

الأسهم: هي حقوق مالية يمتلكها الأفراد في شركات أو مؤسسات ويقبض أرباحها حسب نظام المؤسسة أو الشركة.

السندات: هي تعهد مكتوب من جهة معينة كاملة بسداد مبلغ مقدر من قرض في تاريخ معين نظير فائدة مقدرة.

ثانياَ: كيف تخرج زكاة الأسهم والسندات؟

1ـ زكاة الأسهم:

صاحب الأسهم مخير بين أمرين:

الأمر الأول: مخير أن يزكي رأس ماله كل سنة، وإذا قبض الربح زكَّاه لما مضى أو لعام واحد على خلاف بين أهل العلم.

الأمر الثاني: أن يسأل رأس كل حول عن قيمة أسهمه ويزكيها حسب ما يفيده به القائمون على الشركة أو المؤسسة التي ساهم فيها أو ما يفيده به أهل الخبرة سواء كانت رابحة أو خاسرة.

وزكاتها زكاة النقدين إذا بلغت نصابًا وهو ربع العشر (5, 2%).

2ـ زكاة السندات:

ذكرنا أن السندات هي ديون مؤجلة، وعلى ذلك تكون زكاتها كما ذكرنا في زكاة الدّين؛ بمعنى أنها إن كانت الديون على موسرين زكاها كغيرها من الأموال الموجودة عنده إذا حال عليها الحول. أما إن كانت على معسرين فزكاتها حين قبضها لسنة واحدة.

المسألة العاشرة: في المال المستفاد:

والمراد به المال المستفاد بربح تجارة أو نتاج حيوان فهذا يزكى بزكاة أصله، ولا يلتفت إلى الحول فيه.

فإن كان المستفاد من غير ربح تجارة أو نتاج حيوان استقبل به إن كان نصابًا حولاً كاملاً ثم زكاه، فمن وُهِبَ له مال أو ورثه فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول.

المسألة الحادية عشرة: هل يجب إخراج الزكاة على الفورية؟

الراجح وجوبها على الفورية، فمتى بلغت النصاب وحال عليها الحول وجب إخراجها فورًا؛ لأن الأصل في الأوامر الفوريةُ.

لكنَّ هناك أمرًا آخر، وهو أنه يجوز أن يؤخرها لمصلحة وليس لضرر. فمثلاً في رمضان يكثر إخراج الزكاة ويغتني الفقراء أو أكثرهم، لكن في أيام الشتاء التي لا توافق رمضان يكونون أشد حاجة، ويقل من يخرج الزكاة فيها؛ فلهذا يجوز تأخيرها للمصلحة المترتبة على إخراجها ولكن بشرطين:

الأول: أن يبرزها عن ماله.

الثاني: أن يكتب وثيقة يبين فيها ذلك.

وأيضًا مما يجوز فيه تأخير الزكاة هو التحري من أجل أن يتعرف على مستحقيها؛ وذلك نظرًا لضياع الأمانة في وقتنا الحاضر([54]).

عاشراً: مصارف الزكاة:

المراد بمصارف الزكاة: بيان من تصرف لهم، وبمعنى آخر بيان المستحقين لها. وقد حدد الله تعالى المستحقين لها وقصر الاستحقاق بين ثمانية، وهم:

أولاً: الفقراء:

الفقير: هو من لا يجد شيئاً أصلاً، وقيل من له أدنى شيء من المال، ولكنه لا يكفيه.

والمعتبر في الفقر ليس كفاية الشخص وحده، بل كفايته وكفاية من يعوله، والمعتبر أيضاً ليس فقط ما يكفيه للأكل والشرب والسكن والكسوة فحسب، بل يشمل حتى الإعفاف، فلو فرض أن الإنسان محتاج إلى الزواج وعنده ما يكفيه لأكله وشربه وكسوته وسكنه لكن ليس عنده ما يكفيه من المهر فإنه يعطى من الزكاة ما يكفيه ولو كان كثيراً.

مسألة:

لو أن رجلاً قادراً على التكسب ليس عنده مال ويريد أن يتفرغ لطلب العلم هل يعطى من الزكاة؟ نعم يعطى من الزكاة؛ لأن طلب العلم نوع من الجهاد في سبيل الله.

ثانياً: المساكين:

وهو من كان أخف فقراً من الفقير، ولكن ما عنده لا يكفيه لسد حاجته، وقد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنِ المِسْكِينُ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ بِهِ، فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ)([55]). والمسكين يتبع الفقير في الحكم.

ثالثاً: العاملون عليها:

وهم الذين يبعثهم الإمام لجباية الصدقات؛ فهؤلاء يعطيهم الإمام ما يكفيهم هم وأعوانهم مدة ذهابهم وإيابهم، فهؤلاء يعطون أجر عملهم وإن كانوا أغنياء غير محتاجين.

رابعاً: المؤلفة قلوبهم:

وهؤلاء هم السادات المطاعون في عشائرهم؛ فهم الذين يطلب تأليف قلوبهم على أمور ثلاثة، وهي:

أـ رجاء إسلامه بحيث يكون كافراً فيرجى إسلامه، أما إن كان لا يرجى إسلامه فلا يعطى من الزكاة، ويعرف من يرجى إسلامه ببعض القرائن منها أن نعرف أنه يميل للمسلمين أو أنه يطلب كتباً أو ما شابه ذلك.

ب ـ أن يرجى كف شره بمعنى أن يكون شريراً على المسلمين وعلى أموالهم وأعراضهم، فيعطى لكف شره.

ج ـ أن يرجى بعطيته قوة إيمانه، كأن يكون رجلاً ضعيف الإيمان عنده تهاون في بعض الواجبات، فيعطى ليقوى إيمانه.

خامساً: الرِّقاب:

وهم على أنواع:

أ ـ المكاتبون وهم الذين اشتروا أنفسهم من أسيادهم فيعطى من الزكاة ليكون حراً بعد ذلك.

ب ـ أن يكون مسلماً وأسيراً في أيدي أعداء المسلمين فيعطى من الزكاة لفك أسره.

ج ـ أن يكون رقيقاً فيشترى ليعتق.

سادساً: الغارمون:

الغارم: وهو المدين الذي تحمَّل ديناً في غير معصية الله ورسوله. ويتعذر عليه تسديده فيعطى من الزكاة ما يسد به دينه.

والغارمون نوعان:

الأول: لإصلاح ذات البين، وهو أن يكون بين جماعة وأخرى عداوة وفتنة، فيصلح بينهما، لكن قد لا يمكن من الإصلاح إلا ببذل المال، فيقول: أنا ألتزم لكل واحد منكم بكذا من المال بشرط الصلح. ويوافقون على ذلك، فيعطى هذا الرجل من الزكاة ما يدفع به هذه العداوة ولو كان غنياً.

الثاني: الغارم لنفسه مع الفقر أي لشيء يخصه مع الفقر فهنا فقره للعجز عن الوفاء وإن كان عنده ما يكفيه ويكفي عياله.

مسألة: في إبراء الغريم الفقير بنية الزكاة:

هذه المسألة صورتها رجل له مبلغ معين على مدين فقير، والدائن عليه من الزكاة نفس المبلغ الذي هو على الغريم، فهل يسقط الدائن المبلغ الذي هو على المدين بنية الزكاة؟

الصحيح أنه لا يجوز ولا يجزئ ذلك؛ لأن الزكاة أخذ وإعطاء، ولأن هذا بمنزلة إخراج الخبيث من الطيب، ولأنه يجر حظاً لنفسه بزكاته.

السابع: في سبيل الله:

وهم الغزاة وأسلحتهم وكل ما يعينهم على الجهاد في سبيل الله، فهؤلاء يعطون من الزكاة. وقد أدخل بعض أهل العلم أعمال الخير والبر مما هو في سبيل الله؛ وهذا فيه نظر؛ إذ لو كان صحيحًا لبينه القرآن الكريم. ولبينته سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فالصحيح هو قصره على المجاهدين في سبيل الله وكل ما يعين على الجهاد في سبيل الله وما عداه فلا.

الثامن: ابن السبيل:

وهو المسافر المنقطع به وليس معه ما يوصله إلى بلده، فيعطى من الزكاة ما يسد حاجته في غربته وإن كان غنيًا في بلاده، نظرًا لما عرض له من الفقر في حال سفره وانقطاعه بشرط أن يكون السفر مباحًا؛ لأن سفر المعصية فيه إعانة على الشر.

الحادي عشر: من لا يجوز إخراج الزكاة لهم:

1 ـ الأغنياء.

2ـ الكفار؛ وذلك لأن في صرفها لهم إعانة لهم على كفرهم وإقرارهم عليه.

3ـ من تجب عليه نفقته؛ كالزوجة، والآباء، والأمهات، والأجداد، والجدات، والفروع من الأولاد، وأولاد الأولاد.

4ـ آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم، وبنو عبد المطلب، وقيل: بنو هاشم فقط.

الثاني عشر: زكاة الفطر:

أ – حكمها:

زكاة الفطر واجبة على أعيان المسلمين، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ “([56]).

ب – الحكمة في تشريعها:

1ـ أنها إحسان للفقراء وكف لهم عن السؤال في أيام العيد، ليشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم.

2ـ فيها تطير للصائم مما يحصل في صيامه من نقص ولغو وإثم.

ج – وقت إخراجها:

يجب إخراجها بحلول ليلة العيد، وأوقات إخراجها: وقت جواز، ووقت فضيلة.

أما وقت الجواز: فهو إخراجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين، أما وقت الفضيلة: وهو من بعد صلاة فجر يوم العيد إلى قبيل صلاة العيد.

د – مصارف زكاة الفطر:

تدفع زكاة الفطر للفقراء والمساكين. ولكن هل هي خاصة لفقراء بلد المزكي؟

الصحيح أنه يجوز نقلها تحقيقاً للمصلحة العامة للمسلمين.

هـ – هل يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر؟

الصحيح أنه لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر؛ لأنها عبادة مفروضة من جنس معين، فلا يجوز إخراجها من غير الجنس المعين([57]).

 

المبحث الرابع: ما لا يسع المسلم

جهله في الصيام:

أولاً: مكانة الصيام في الإسلام:

1ـ الصيام أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو من أفضل العبادات؛ لأن الله اختصه لنفسه، فقال في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم؛ فإنه لي، وأنا أجزي به..) ([58]).

2ـ الصوم سرّ بين العبد وخالقه، يتمثل فيه عنصر المراقبة الصادقة في ضمير المؤمن؛ إذ لا يمكن أن يتطرق له الرياء بحال؛ فهو يربي في المؤمن مراقبة الله وخشيته؛ وتلك غاية نبيلة وهدف سام تقصر دونه مطامع كثير من الناس([59]).

3ـ أنه يعود الأمة النظام والاتحاد وحب العدل والمساواة، ويكوّن في المؤمنين عاطفة الرحمة وخلق الإحسان، كما يصون المجتمع من الشرور والمفاسد.

4ـ أن الصيام يجعل المسلم يشعر ويحس بآلام أخيه، فيدفعه ذلك إلى البذل والإحسان إلى الفقراء والمساكين، فتتحقق بذلك المحبة والأخوة بين المسلمين.

5ـ الصيام تدريب عملي على ضبط النفس وتحمل المسؤولية وتحمل المشاق.

ثانياً: فضائل الصيام:

1ـ أنه وقاية للإنسان من الوقوع في الإثم، وأنه يجزى به الخير الكثير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم، مرتين. والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه من أجلي، الصيام لي، وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها)([60]).

2ـ أنه تكفير للذنوب والآثام: عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة)([61]).

3ـ أنه خصه الله تعالى بباب لا يدخل منه أحد إلا الصائمون. عن سهل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد)([62]).

ثالثاً: دليل وجوب الصوم:

صيام رمضان أحد أركان الإسلام وفرض من أهم فرائض الله معلوم من الدين بالضرورة مجمع عليه بين المسلمين، وقد دل على فرضيته الكتاب والسنة والإجماع.

دليل الكتاب:

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ..} ، إلى قوله: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:183- 185].

دليل السنة:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا)([63]).

دليل الإجماع:

فقد أجمعت الأمة على أن الصيام ركن من أركان الإسلام، وأنه معلوم من الدين بالضرورة، بل وأجمعوا على أن من أنكر وجوبه كفر([64]).

رابعاً: على من يجب الصوم؟

يجب صيام رمضان على كل مسلم بالغ عاقل مقيم قادر خال من الموانع.

فقولنا: (على كل مسلم) خرج منه الكافر، فلا يجب عليه الصوم، ولا يصح منه؛ لأنه ليس أهلاً للعبادة، ومتى أسلم لزمه الصيام من حين إسلامه ولا يقضي ما مضى. وقولنا: (عاقل) خرج منه ضده، وهو فاقد العقل كالمجنون والمعتوه وكذا المهذري أي المخرف. وقولنـا: (بالغ) خرج منه الصغير الذي لم يبلغ، وذلك لرفع القلم عنه حتى يبلغ. ويحصل البلوغ بواحدة من ثلاث:

1ـ إنزال المني من احتلام أو غيره.

2ـ نبات شعر العانة.

3ـ بلوغ تمام خمس عشرة سنة وتزيد المرأة أمراً رابعاً وهو الحيض([65]).

وقولنا: (مقيم) ضده المسافر، فلا يجب عليه الصوم، بل هو مخير بين الفطر والصيام، والأفضل له فعل الأيسر عليه.

وقولنا: (قادر) خرج به العاجز عن الصيام لمرض أو كبر، فلا يجب عليه الصيام، بل يقضيه بعد رمضان، والكبير يطعم عن كل يوم مسكيناً.

وقولنا:(خال من الموانع) أي خالٍ من موانع الصوم: كالحيض والنفاس للمرأة([66]).

خامساً: رؤية هلال رمضان وأحكامها:

أ – تثبت رؤية هلال رمضان بشهادة عدل وخروجه بشهادة اثنين، ويشترط لقبول الشهادة بالرؤية أن يكون الشاهد بالغاً عاقلاً مسلماً موثوقاً بخبره لأمانته وبصره([67]).

ب – حكم صيام يوم الشك:

يوم الشك: هو ليلة الثلاثين من شعبان إذا لم يُرَ فيها الهلال لغيم أو قتر أو غير ذلك.َ

والصحيح من أقوال أهل العلم وجوب الفطر فيه حال الغيم والقتر لقوله صلى الله عليه وسلم:(فإن غم عليكم فاقدروا له)([68]). ولقوله صلى الله عليه وسلم : (فأكملوا شعبان ثلاثين)([69]).

سادساً: الأعذار المبيحة للفطر:

1ـ السفر: قال الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185]. فهذا نص صريح في إباحة الفطر للمسافر وأن عليه القضاء بقدر الأيام التي أفطرها.

2ـ العاجز عن الصيام عجزاً مستمراً لا يرجى زواله: لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:16]،وقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}  [البقرة:286].

ولكنه متى أفطر وجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً([70]).

3ـ المريض مرضاً يرجى برؤه: فقد رخص له الشارع الفطر، وأوجب عليه القضاء. وهذا القسم له ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن لا يشق عليه الصوم ولا يضره، فيجب عليه الصوم.

الحالة الثانية: أن يشق عليه الصوم ولا يضره، فيفطر ولا ينبغي له الصوم، لأنه خروج عن رخصة الله تعالى وتعذيب لنفسه.

الحالة الثالثة: أن يضره الصوم فيجب عليه الفطر، ولا يجوز له الصوم، لقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29].

4ـ الحائض والنفساء: يحرم على الحائض والنفساء الصوم، ولو صامتا لم يصح منهما، ويجب عليهما القضاء بعدد الأيام التي أفطرتا فيها([71]).  

أما دليل عدم صيامها: فحديث أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؛ فذلك نقصان دينها)([72]).

أما دليل وجوب القضاء عليها: فقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}  [البقرة:184].

وحديث عائشة رضي الله عنها وفيه: “كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة”([73]).

5ـ الحامل والمرضع:

ولهما ثلاث حالات:

الحالة الأولى: إذا خافتا على نفسيهما وولديهما أفطرتا وقضتا، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:(إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم، وعن الحبلى والمرضع الصوم)([74]).

الحالة الثانية: إذا خافتا على ولديهما فقط لزمهما مع القضاء الكفارة على الصحيح من كلام أهل العلم.

الحالة الثالثة: أن تخافا على نفسيهما فقط، فتقضيان فقط يعني لا زيادة على ذلك([75]).

سابعاً: مفسدات الصوم:

يفسد الصوم بحصول أحد هذه المفسدات السبع:

1ـ الجماع.

2ـ إنزال المني.

3ـ الأكل والشرب عمداً.

4ـ ما كان بمعنى الأكل والشرب كحقن الدم بحيث يستغني بها عن الأكل والشرب، وكذا الإبرة المغذية.

5ـ القيء عمداً، أما إذا خرج القيء من غير اختياره فإنه لا يؤثر على صيامه.

6ـ الحجامة، وهي شرط الجلد المتصل قصداً لإخراج الدم من الجسد دون العروق.

7ـ خروج دم الحيض والنفاس([76]).

ثامناً: آداب الصيام:

للصوم آداب واجبة ومستحبة.

الآداب الواجبة هي:

1ـ أن يجتنب الصائم الكذب؛ لأنه محرم في كل وقت، وفي وقت الصيام أشد تحريماً.

2ـ أن يجتنب الصائم الغيبة.

3ـ اجتناب النميمة، وهي نقل الكلام من شخص لآخر. بغية حصول الإفساد بينهما؛ فهي من كبائر الذنوب.

4ـ اجتناب الغش في جميع المعاملات من بيع وإجارة وصناعة وغير ذلك.

5ـ اجتناب الصائم شهادة الزور؛ لأنها مما ينافي الصوم لقوله صلى الله عليه وسلم:(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)([77]).

الآداب المستحبة للصائم:

1ـ السحور: يسن للصائم التسحر، لقوله صلى الله عليه وسلم:(تسحروا؛ فإن في السحور بركة)([78]).

2ـ تأخيره أي تأخير السحور؛ لأنه ثابت من فعله صلى الله عليه وسلم؛ فعن زيد بن ثابت قال: “تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة”. قال أنس بن مالك لزيد: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: “قدر خمسين آية”([79]).

3- تعجيل الفطر لقوله صلى الله عليه وسلم:(لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر..)([80]).

4- حفظ اللسان عن فضول الكلام.

5- غض البصر عما حرم الله، لأن للعين صياماً كسائر الجوارح وصيامها غضها عن الحرام.

6- كثرة قراءة القرآن والذكر الدعاء والصلاة والصدقة([81]).

ثامناً: صوم التطوع:

صوم التطوع هو الذي وردت النصوص الشرعية باستحبابه، وهو:

1ـ صيام ستة أيام من شوال، لقوله صلى الله عليه وسلم:(من صام رمضان، ثم أتبعه ستَا من شوال كان كصيام الدهر)([82]).

2ـ صيام يوم عرفة لغير الحاج، لقوله صلى الله عليه وسلم:(صيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية)([83]).

3ـ صيام يوم عاشوراء مع يوم قبله أو يوم بعده لقوله صلى الله عليه وسلم في صيام يوم عاشوراء: (يكفر السنة الماضية)([84]).

4ـ صيام أيام البيض، وهي: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر، لقوله صلى الله عليه وسلم في فضلها:(صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله)([85]).

5ـ صوم يومي الاثنين والخميس، لقوله صلى الله عليه وسلم:(تعرض الأعمال يومي الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)([86]).

6ـ الإكثار من الصيام في شهري شعبان والمحرم لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم …)([87]).

ولقول عائشة رضي الله عنها: “لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر أكثر من شعبان.”([88]).

تاسعاً: الآثار المترتبة على صوم النافلة:

1ـ أنه مما يتقرب به العبد لربه؛ لأن معاودة الصيام بعد رمضان علامة على قبول العمل إن شاء الله.

2ـ الصيام بعد رمضان علامة على شكر العبد لربه سبحانه وتعالى: لأن صيام رمضان إيماناً واحتساباً يوجب مغفرة الذنوب قبله، ولذا شرع الصيام بعده، شكراً لله على هذه النعمة.

3ـ صيام النافلة عهد من المسلم لربه بأن موسم الطاعة مستمر وأن الحياة كلها عبادة.

4ـ نافلة الصوم سبب في محبة الله لعبده وإجابة دعائه وتكفير سيئاته.

أسأل الله تعالى أن يضاعف لنا الأجر، وأن يرحمنا برحمته إنه سميع قريب مجيب.

عاشراً: ذكر بعض نوازل الصيام:

1- إذا قدم الإنسان من بلد تأخر صومه إلى بلد تقدم صومه فإنه يجب عليه إذا أفطر أهل البلد الذي قدم إليه أن يفطر معهم؛ وما نقص فإنه يقضيه بعد العيد، فإذا كان قد صام ثمانية وعشرين يوماً، فإنه إذا أفطر يقضي يوماً، والعكس بالعكس، يعني لو قدم من بلد صاموا قبل البلد الذي قدم إليه فإنه يبقى حتى يفطروا، لقول النبي “الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ”([89]). وقال بعض العلماء: إنه إذا أتم ثلاثين يوماً فإنه يفطر سرًّا، لأن الشهر لا يمكن أن يزيد على ثلاثين يوماً، ولا يعلن إفطاره؛ لأن الناس صائمون([90]).

2 – الإبر المغذية تفطر الصائم لأنها في معنى الأكل والشرب فبعض المرضى يجلس الساعات أو الأيام يتغذى على هذه الإبر فقط لا يعطى أي طعام أو شراب، وهذا يدل دلالة أكيدة على أنها في معنى الأكل والشرب، ولهذا أفتى مجمع الفقه الإسلامي([91])وأكثر العلماء المعاصرين منهم سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز([92])، والشيخ ابن عثيمين([93])  على أنها تفطر.

3 – مريض الربو الذي يستخدم بخاخ الربو اليدوي في أثناء صومه لا مانع للصائم له من استخدامه وصيامه صحيح، لأنه لا يشبه الأكل والشرب فأشبه سحب الدم للتحليل والإبر غير المغذية، وهذا هو اختيار سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز([94])، وشيخنا محمد بن صالح العثيمين([95])، وبه أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية([96]). ومع القول بالإباحة فالخروج من الخلاف مستحب، فإذا أمكن لمريض الربو مثلاً أن يؤخر تعاطي هذا البخاخ ولا يترتب على ذلك مشقة ولا ضرر فالأفضل أنه يؤخره إلى الإفطار خروجاً من الخلاف، لكن إذا احتاج إليه فإننا نقول إنه لا يحصل الفطر به.

4 – حكم الحقن العلاجية وقطرة الأنف والعين.

أولاً: الحقن العلاجية:

الحقن العلاجية التي تؤخذ عن طريق “الجلد أو العضل أو الوريد” لاتصل إلى المعدة بل تكون عن طريق الجلد أو عن طريق الدم ولا تأخذ حكم الأكل ولا الشرب فيما يحصل بها من تقوية للبدن ونشاط وحيوية وغير ذلك، ولهذا فإننا نقول بأن الصيام صحيح ولا تأثير لها عليه، وأن هذه الحقن ليست من المفطرات التي نص الشرع على التفطير بها، وليست في معناها، وبهذا قال أعضاء مجمع الفقه الإسلامي في دورته العاشرة([97]) فقد اتخذوا قراراً بالإجماع أن هذه الحقن لا تفطر، وهو قول الشيخين ابن باز([98])، وابن عثيمين([99]) عليهما رحمة الله.  

ثانياً: قطرة الأنف:

الأنف منفذ إلى الحلق، ولذلك فإن القطرة في الأنف إن وجد طعمها ووصلت إلى جوفه فإنه تفطر على القول الراجح، وقال به شيخنا عبد العزيز بن باز([100])، وشيخنـا محمد ابن عثيمين([101]).

ثالثاً: القطرة عن طريق الأذن:

الصواب أن يقال: إذا كانت طبلة الأذن غير مخرقة فإن قطرة الأذن لا تفطر، وإن كانت طبلة الأذن مخرقة فإن كانت القطرة تصل إلى الحلق والجوف فإنه يفطر.

رابعاً: القطرة عن طريق العين:

ذهب أكثر أهل العلم ومنهم: سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز([102])، وشيخنا محمد بن صالح بن عثيمين([103]) عليهما رحمة الله،  وبه أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء([104]) إلى أنه لا يفطر الصائم بوضع قطرة في عينه، لأنه ليس بأكل ولا شرب، ولا بمعنى الأكل والشرب، والدليل إنما جاء في منع الأكل والشرب فلا يلحق فيها ما ليس في معناهما، ولأن الصيام ثبت بيقين فلا يرفع إلا بيقين، وما يصل مما يوضع في العين من قطرة لو وصل فإنه لا يزيد على ما يعفى عنه مما يتبقى بعد المضمضة.

4 – الحجَّامة تفسد الصوم على القول الصحيح من أقوال أهل العلم وهو اختيار شيخ الإسلام بن تيمية([105])، والشيخين ابن باز([106])، وابن عثيمين([107])  لقوله صلى الله عليه وسلم:(أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ)([108]).

لكن هناك بعض النوازل المتعلقة بالحجامة نذكرها على وجه الإجمال:

1ـ هل يلحق بالحجامة الفصد، والشرط، والإرعاف؟

الراجح أن هذه الأشياء المذكورة لا تفطر إلا إذا أضعفت الشخص مثل الحجَّامة فإنه يفطر بها.

2ـ الحجامة بالآلات الحديثة لا يفطر بها الحاجم، أما المحجوم فإنه يفطر بها، وذلك لأن المحجوم رُبَّما أعْجَزَته الحجامة عن الصَّوْم، وأمَّا الحاجِم فلاَ يَأمَنُ أن يَصِلَ إلى حَلْقه شيء من الدَّمِ فيَبْتَلِعَه أو مِن طَعْمِه وهو متعذر مع الآلات الحديثة.

أما التبرع بالدم فالصواب أنه يفطر إذا كان كثيراً، والكثير حده أن يؤثر على البدن. فهذا يفطر به الصائم، إلحاقاً له بالحجامة على أحد القولين.

3 – التخدير ينقسم إلى قسمين: تخدير جزئي يقتصر مفعوله على جزء من البدن، ويبقى الوعي وإدراك المعالج لما يجري حوله طبيعياً، وهذا لا يؤثر في الصيام.

وتخدير كامل للبدن، بحيث يفقد المعالج معه الوعي بما حوله، فإن أفاق في جزء من النهار صح صيامه على الراجح، لأنه جمع بين ركني الصيام، النية والإمساك عن المفطرات، وإن لم يفق فإنه يقضي بلا خلاف، قاله ابن قدامة([109]).

 

المبحث الخامس: ما لا يسع المسلم

جهله في الحج:

أولاً: حكمه:

الحج ركن من أركان الإسلام، وفرض بإجماع المسلمين، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة والإجماع

فمن أدلة الكتاب:

قوله تعالى: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97].

ومن أدلة السنة:

حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(بني الإسلام على خمس” وذكر منها الحج)([110]).

وكذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا)، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قالها ثلاثاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم)([111]).

أما الإجماع فقد نقل الإجماع على فرضية الحج غير واحد من أهل العلم، منهم الكاساني في بدائع الصنائع([112]). وابن قدامة في المغني([113]).

ثانياً: فضائل الحج:

للحج فضائل عظيمة بينتها نصوص الكتاب والسنة، ونذكر بعضها على سبيل الإجمال:

1ـ أنه يهدم ما كان قبله من الشرك والكفر وسائر الذنوب والمعاصي.

2ـ أن الحاج يعود من حجه كيوم ولدته أمه.

3ـ الحج ضرب من ضروب الجهاد وهو أفضلها.

4ـ الحج سبب الفوز بأعلى المطالب وهي الجنة.

ثالثاً: أهداف الحج:

للحج أهدافه العظيمة التي من أجلها شرع، ولو أردنا أن نحصي أهدافه لطال بنا المقام، ولكن نذكر بعضها فمنها:

1ـ الحج فيه امتثال لأوامر الله واستجابة لندائه، هذه الاستجابة وهذا الامتثال تتجلى فيهما الطاعة الخالصة والإسلام الحق.

2ـ الحج فيه ارتباط بروح الوحي؛ إذ أن الديار المقدسة هي مهبط الوحي، وكلما ارتبط المسلمون بهذه البقاع الطاهرة كلما كانوا أقرب إلى الرعيل الأول، الذين جاهدوا في سبيل الله وبلغوا شرعه.

3ـ في الحج إعلان عملي لمبدأ المساواة بين الناس، وذلك حينما يقف الناس موقفاً واحداً في صعيد عرفات، لا تفاضل بينهم في أي عرض من أعراض الدنيا.

4ـ في الحج توثيق لمبدأ التعارف والتعاون، حيث يقوى التعـارف ويتم التشاور ويحصل تبادل الآراء، وذلك بالنهوض بالأمة ورفع مكانتها القيادية([114]).

رابعاً: شروط الحج:

يشترط للحج شروط خمسة وهي:

1ـ الإسلام: فلا يصح من الكافر، فإن الشارع رتب وجوب التكاليف الشرعية على من نطق بالشهادتين.

2ـ العقل: فلا يصح من المجنون؛ لأن العقل شرط للتكليف. والمجنون ليس مكلفاً، فلا يجب عليه الحج.

3ـ البلوغ: فالصبي قبل بلوغه غير مكلف للحج، فإذا حج صح حجه، ولكن لا يكفيه عن حجة الإسلام.

4ـ الحرية: فالرق مسقط لوجوب الحج، فلو حج حال رقه صح حجه تطوعاً، ويلزمه حجة الإسلام؛ هذا عند كثير من أهل العلم، وقيل: تكفيه عن حجة الإسلام.

5ـ الاستطاعة: فهي شرط لوجوب الحج، لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران:97].

والاستطاعة قسمان:

قسم يشترك فيه الرجال والنساء. وقسم يختص به النساء.

القسم الأول: فيما يشترك فيه الرجال والنساء، وهي أربع خصال:

1ـ القدرة على الراحلة والزاد.

2ـ صحة البدن.

3ـ أمن الطريق.

4ـ إمكان السير.

القسم الثاني: فيما يشترط في الاستطاعة مما يختص به النساء. يشترط للنساء نفس الشروط سابقة الذكر، ويختص النساء بشرطين آخرين هما:

1ـ اشتراط المحرم.

2ـ أن لا تكون المرأة محادة -أي معتدة عن وفاة – مدة إمكان السير للحج([115]).

خامساً: مواقيت الحج:

المواقيت التي وقتها الله للحج والعمرة نوعان:

ميقات زماني: يختص به الحج عن العمرة، ويبدأ من شهر شوال إلى العاشر من ذي الحجة، قال الله تعالى في ذلك {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197]. أما العمرة فليس لها توقيت زماني؛ فله أن يحرم بها متى شاء.

الميقات المكاني: وهو يشمل الحج والعمرة.

والمراد بها: الحدود التي لا يجوز للحاج أن يتعداها إلى مكة بدون إحرام، وهي:

1ـ ذو الحُليفة: وهي ميقات أهل المدينة.

2ـ الجُحفَة: وهي ميقات لأهل الشام ومصر والمغرب.

3ـ قرن المنازل: وهو ميقات لأهل نجد ويسمى الآن بالسيل الكبير.

4ـ يلملم: وهو ميقات لأهل اليمن.

5ـ ذات عرق: وهو ميقات لأهل العراق وأهل المشرق.

سادساً: بعض المسائل المهمة بالنسبة للمواقيت:

المسألة الأولى:

هذه المواقيت سابقة الذكر يُحرم منها أهلها المذكورون، ويُحرم منها من مر بها من غيرهم وهو يريد حجًا أو عمرة.

المسألة الثانية:

من كان منزله دون هذه المواقيت، فإنه يحرم من منزله للحج أو العمرة، ومن حج من أهل مكة فإنه يحرم من مكة، ولا يحتاجون إلى الخروج للميقات للإحرام منه بالحج، أما العمرة فإنهم يخرجون للإحرام بها من أدنى الحل([116]).

المسألة الثالثة:

من كان مسافرًا بالطائرة فإنه يحرم إذا حاذى هذه المواقيت من الجو، ولا يجوز له تأخير الإحرام إلى أن يهبط إلى مطار جدة كما يفعله بعض الحجاج؛ فإن جدة ليست ميقاتًا وليست محلاً للإحرام؛ فمن فعل ذلك فقد ترك واجبًا من واجبات الحج وعليه الفدية.

المسألة الرابعة:

من تعدى الميقات بدون إحرام وجب عليه الرجوع إليه، ويحرم منه؛ لأنه واجب يمكنه إدراكه، فلا يجوز تركه فإن لم يرجع وأحرم من دونه فعليه دم([117]).

سابعاً: مناسك الحج:

أ – الإحرام:

وهو أول ركن من أركان الحج والمراد به نية الدخول في النسك، وسمِّي بالإحرام؛ لأن المسلم يحرِّمُ على نفسه بنيته ما كان مباحًا له قبل الإحرام من النكاح والطيب وتقليم الأظفار وحلق الرأس وأشياء من اللباس.

ب – أنواع الإحرام:

1ـ التمتع: وهو أن ينوي العمرة وحدها في أشهر الحج؛ ثم إذا انتهى منها وتحلل أحرم بالحج من عامه هذا، ويقول في هذا النوع من الإحرام: (لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج).

2ـ القران: وهو قرن الحج بالعمرة، يعني ينوي أداءهما معاً بإحرام واحد وسفر واحد، ويقول في هذه الحالة: (لبيك عمرة وحجاً).

3ـ الإفراد: وهو أن ينوي أداء الحج وحده، فيقول: (لبيك حجاً).

ويلزم المتمتع والقارن هدي، وأما المفرد فلا شيء عليه([118]).

ج – واجبات الإحرام:

1ـ الإحرام من الميقات لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك وفعله.

2ـ التجرد من المخيط في حق الرجال.

وليعلم أنه متى ترك الحاج واجباً من واجبات الإحرام فإنه يطالب بفدية وهي على التخيير صيام ثلاثة أيام أو طعام ستة مساكين أو ذبح شاة. توزع على فقراء الحرم، جبراً لما أصاب إحرامه من خلل بترك الواجب.

د – سنن الإحرام:

1ـ الاغتسال: فكل من أراد الإحرام استحب له الغسل حتى الحائض والنفساء.

2ـ تقليم الأظافر ونتف الإبط وقص الشارب وحلق شعر العانة ومس الطيب قبل الإحرام.

3ـ الإحرام في رداء وإزار أبيضين.

4ـ التلبية من حين إحرامه حتى يبدأ بالطواف بالبيت.

5ـ وقوع الإحرام بعد صلاة، والأفضل أن تكون فريضة.

هـ – محظورات الإحرام:

أولاً ما يحرم على الذكور والإناث:

1ـ إزالة الشعر من الرأس وكذا سائر الجسد بحلق أو غيره.

2ـ تقليم الأظفار من اليدين أو الرجلين.

3ـ استعمال الطيب بعد الإحرام في الثوب أو البدن وغيرهما.

4ـ الجماع ودواعيه كعقد النكاح والنظر بشهوة ونحوه.

5ـ لبس القفازين وهما شراب اليدين.

6ـ قتل الصيد والمراد به الحيوان البري المتوحش.

ثانياً: ما يحرم على الذكور دون الإناث:

1ـ لبس المخيط كالثياب ونحوها.

2ـ تغطية الرأس بملاصق بعمامة أو غترة أو طاقية وغير ذلك.

ثالثاً: ما يحرم على الإناث دون الذكور:

وهو شيء واحد فقط وهو: النقاب، وهو ما يسمى بالبرقع، وهو غطاء تغطي به المرأة وجهها، فيه نقبان على العينين، فلا تلبسه المحرمة بل تغطي المحرمة وجهها بغيره من الخمار والجلباب([119]).

ثامناً: التلبية:

وهي قول الحاج أو المعتمر: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك). وهي سنة عقب الإحرام، وتنتهي حين يستلم المحرم الحجر الأسود ويبدأ بالطواف.

تاسعاً: الطواف:

أ – تعريف الطواف:

هو دوران الحاج أو المعتمر حول الكعبة سبع مرات بنية التعبد بذلك، مبتدئاً بالحجر الأسود منتهياً به، جاعلاً الكعبة عن يساره.

ب – حكمه:

يختلف حكم الطواف باختلاف نوعه.

أولاً: طواف القدوم، وهو مستحب لمن دخل المسجد الحرام.

ثانياً: طواف العمرة، والإفاضة كلاهما ركن من أركانهما.

ثالثاً: طواف الوداع، وهو واجب من واجبات الحج.

ج – شروط الطواف:

1ـ النية عند الشروع في الطواف.

2ـ الطهارة من الحدث والخبث.

3ـ سترة العورة.

4ـ كون الطواف داخل المسجد الحرام.

5ـ أن يكون الطواف حول البيت فلو طاف من الحطيم لم يصح طوافه.

6ـ أن يكون البيت عن يساره فإن كان عن يمينه لم يصح.

7ـ أن يبدأ بالحجر الأسود فإن بدأ من غيره لم يصح. لكن لو بدأ قبله لم يعتد إلا من الحجر فقط.

8ـ أن يكون الطواف سبعة أشواط.

9ـ الموالاة في ذلك إلا من عذر كصلاة فريضة أو تعب ونحوه.

د – سنن الطواف:

1ـ الرَّمَل وهو سنة في حق الرجال فقط، وذلك في طواف القدوم خاصة في الأشواط الثلاثة منه.

2ـ الاضطباع في طواف القدوم فقط.

3ـ تقبيل الحجر الأسود.

4ـ عدم الكلام أثناء الطواف إلا لحاجة.

5ـ الدعاء والذكر ونحوه.

6ـ استلام الركن اليماني باليد دون تقبيله.

7ـ صلاة ركعتين بعد الطواف.

8ـ الشرب من ماء زمزم بعد الفراغ من الركعتين([120]).

عاشراً: السعي:

ا – حكم السعي:

السعي ركن من أركان الحج لا يتم إلا به.

ب – شروطه:

يشترط لصحة السعي ما يلي:

1ـ أن يكون بعد طواف صحيح.

2ـ الترتيب وذلك بأن يبدأ من الصفا وينتهي بالمروة.

3ـ كون السعي سبعة أشواط كاملة.

الحادي عشر: الوقوف بعرفة:

أ – حكمه:

الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يتم حج المسلم إلا به، لقوله صلى الله عليه وسلم: “الحج عرفة”([121]).

ب – حكم من فاته الوقوف بعرفة:

من فاته الوقوف بعرفة فإنه يتحلل بعمل عمرة أي ينقلب حجه إلى عمرة، وتسقط عنه توابع الوقوف بعرفة كالمبيت بمزدلفة وبمنى ورمي الجمار، فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر وعليه قضاء الحج الذي فاته وإن كان مندوباً، وعليه أيضاً ذبح شاة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع لأهله.

ج – مسائل تتعلق بالوقوف بعرفة:

المسألة الأولى: من دفع من عرفة قبل غروب الشمس فعليه دم لتركه واجباً.

المسألة الثانية: من تأخر فلم يستطع الوقوف إلا ليلاً فلا شيء عليه؛ لأنه معذور.

المسألة الثالثة: يصح الوقوف من الحائض والنفساء والمحدث؛ لأنه لا يشترط للوقوف بعرفة طهارة.

الثاني عشر: المبيت بمزدلفة:

أ – حكم المبيت بمزدلفة:

المبيت بها واجب من واجبات الحج من تركه لزمه أن يجبره بدم.

ب – حكم من ترك المبيت بمزدلفة:

إن تركه لعذر كمن لم يتيسر له أن يقف بعرفة إلا آخر الليل فلا شيء عليه وحجه صحيح. وإن تركه لغير عذر فعليه دم([122]).

الثالث عشر: رمي الجمرات:

أ – حكم رمي الجمرات:

ذهب جماهير أهل العلم إلى وجوب رمي الجمار؛ فمن تركها أو ترك بعضاً منها لزمه دم.

ب – وقت الرمي:

أما جمرة العقبة فإنه يبدأ بعد طلوع الشمس من يوم النحر، ويستمر إلى غروب الشمس أما الضعفة فلهم أن يرموا بعد الدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس.

أما أيام التشريق فيبدأ وقت الرمي بعد الزوال، ولا يجوز قبله، ويستمر حتى غروب الشمس.

ويجوز الرمي بالليل يوم النحر وفي يومي التشريق، وذلك لشدة الزحام وكثرة الناس وهذا ما عليه الفتوى في الوقت الحاضر.

ج – شروط رمي الجمرات:

1ـ أن تكون سبع حصيات لكل جمرة.

2ـ أن تكون سبع رميات، فلو رماها دفعة واحدة أو دفعتين ونحوه وقعت واحدة.

3ـ أن يكون الرمي بحصيات؛ فلا يجوز غيرها.

4ـ أن يتحقق من وقوع الحصيات في المرمى (الحوض).

5ـ الترتيب بين الجمرات؛ وذلك بأن يبدأ بالصغرى، ثم الوسطى، ثم العقبة الكبرى.

د – حكم الإنابة في الرمي:

1ـ يجوز لولي الصغير أن يرمي عنه إذا خاف عليه من الزحام.

2ـ يجوز للعاجز لكبر أو مرض أو امرأة حامل ونحوهم أن يوكلوا غيرهم، شريطة أن يكون الوكيل حاجاً([123]).

الرابع عشر: الحلق أو التقصير:

أ – حكمه:

واجب من واجبات الحج، يجبر بدم، لقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} [الفتح:27].

ب – زمان الحلق:

زمان الحلق أيام النحر، ويجوز تأخيره إلى آخر أيام التشريق.

ج – بعض مسائل الحلق والتقصير:

المسألة الأولى: اتفق أهل العلم على أن الحلق أو التقصير جائز وكاف في تحقيق النسك، وأن المرأة لا تحلق ولا تقصر.

المسألة الثانية: اتفق أهل العلم على أن الحلق أفضل من التقصير إلا في حق التمتع؛ فإنه يقصر ويؤخر الحلق للحج.

المسألة الثالثة: الراجح وجوب تعميم الرأس بالحلق أو التقصير؛ لأنه أحوط في أداء العبادة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم استوعب رأسه بالحلق([124]).

الخامس عشر: ذبح الهدي:

أ – تعريفه:

هو ما يقدمه الحاج أو المعتمر تقرباً إلى الله من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم.

ب – أقسامه:

ينقسم الهدي إلى قسمين:

1ـ هدي الشكران: وهو الهدي الواجب على المتمتع والقارن، شكراً لله تعالى أن وفقه لأداء هذه الشعيرة العظيمة، وحكمه واجب.

2ـ هدي الجبران: أي لجبر الخلل الواقع في الحج أو العمرة، وذلك بترك واجب من واجبات الحج أو بارتكاب محظور من المحظورات، وكذا الهدي الواجب للإحصار، وهذا القسم من الهدي واجب.

ويختلف هدي الشكران عن الجبران في أن الأول (هدي الشكران) يجوز بل يستحب أن يأكل منه الحاج. أما الثاني (هدي الجبران) فلا يجوز أن يأكل منه، بل يجب التصدق به على فقراء الحرم.

ج – الشروط التي يجب توافرها في الهدي:

1ـ أن يكون من بهيمة الأنعام.

2ـ أن يكون سليماً خالياً من العيوب.

3ـ أن يكون عمر الإبل خمس سنوات، والبقر سنتين، والمعز سنة، والضأن ستة أشهر.

4 ـ أن يذبح في الحرم.

5 ـ أن يذبح في الوقت المحدد وهو يوم العيد وأيام التشريق([125]).

السادس عشر: المبيت بمنى:

أ – حكمه:

ذهب جمهور أهل العلم إلى وجوب المبيت بمنى؛ وعلى ذلك فمن ترك المبيت بمنى لزمه دم، سواء ترك الليالي كلها أو ترك ليلة واحدة.

ب – من يسقط عنه المبيت بمنى:

يسقط عن المريض أو من يقوم على شؤونه، وكذا المرابطين في المهمات الرسمية التي تتعلق بمصالح الحجاج، ويكون ذلك بتقدير أهل العلم المعتبرين.

ج – المبيت المطلوب:

والمراد به أن يقضي الحاج بمنى معظم الليل ليلتي الحادي عشر والثاني عشر إن تعجل، وليلة الثالث عشر إن تأخر([126]).

السابع عشر: أخطاء يقع فيها بعض الحجاج:

هذه جملة من الأخطاء التي قد يقع فيها البعض أحببنا التنبيه عليها:

1ـ أن يقصد الحج بحجه التكسب أو الرياء والسمعة والمفاخرة.

2ـ سفر المرأة بغير محرم، وهذا يحصل كثيراً مع الخادمات اللواتي يأتين بغير محرم ثم يؤدين فريضة الحج.

3ـ اصطحاب بعض الآلات المحرمة كآلات التصوير وكذا الغناء ونحوه؛ فإننا نجد بعض الحجاج بعد لبس ملابس الإحرام يطلب من غيره أخذ صورة فوتوغرافية وهذا خطأ ظاهر.

4ـ بعض الحجاج يعتقد بأنه لا يجوز له لبس الحذاء والساعة والنظارة وغير ذلك مما يحتاجه، وهذا خطأ، فالصحيح أنه لا حرج في ذلك.

5ـ بعض الحجاج يظن أن الإحرام يبدأ من حين لبس ملابس الإحرام، فيمتنع عن محظورات الإحرام بمجرد لبس ملابس الإحرام، والصحيح أن الإحرام يبدأ بنية الإحرام لا بمجرد اللبس.

6ـ أكثر الحجاج يلتزمون بأدعية خاصة عند الطواف، سواء كانوا فرادى أو جماعات، وهذا خطأ، فليس للطواف دعاء خاص.

7ـ بعض الحجاج يقبل الركن اليماني وهذا خطأ؛ فالركن اليماني يُستلم، فإن لم يتيسر استلامه فإنه لا يشير إليه كما يفعله البعض.

8ـ بعض الحجاج حال الزحام يدخلون وسط الحطيم الذي يسمَّى (حجر إسماعيل) وهؤلاء أخلوا بطوافهم؛ لأن الحجر من الكعبة.

9ـ بعض الحجاج يبقى مضطبعاً بعد الطواف ويصلي ركعتي الطواف، وهو على هذه الحالة وهذا خطأ بل ينبغي أن يستر كتفيه.

10ـ بعض الحجاج يظن أن ركعتي الطواف لابد أن تكونا خلف المقام، وهذا غير صحيح، بل في أي مكان من المسجد صلاها أجزأته؛ فلا ينبغي للحجاج أن يؤذوا إخوانهم فيزاحموهم بغرض أداء هاتين الركعتين([127]).

 

المبحث السادس: ما لا يسع المسلم

جهله من العمرة وأحكامها:

أولاً: تعريف العمرة:

هي التعبد لله بالطواف بالبيت وبالصفا والمروة والحلق أو التقصير.

ثانياً: حكم العمرة:

الصحيح من أقوال أهل العلم أنها واجبة. لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ حينما سألت النبي صلى الله عليه وسلم: هل على النساء جهاد؟ قال: (نعم عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة)([128]).

ثالثاً: صفة العمرة:

إذا أراد المسلم أن يحرم بالعمرة فالمشروع في حقه:

1 – أن يغتسل ويتنظف ويزيل ما به من شعر تحت إبطه وكذا عانته ويقلم أظفاره ويتطيب بما شاء، وهذا كله سنة في حق الرجال، وكذا النساء وحتى الحائض والنفساء فإنها تفعله.

2 – بعد ذلك يصلي غير الحائض والنفساء فإنهما لا تصليان.

3 – ثم ينوي الإحرام قائلاً: لبيك عمرة.

4 – ثم يلبي التلبية المعروفة: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) يرفع بها صوته، أما النساء فتسر بها.

5 – إذا كان من يريد الإحرام خائفاً فإنه ينبغي له أن يشترط عند إحرامه قائلاً: (فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني).

6 – إذا وصل المسجد الحرام قدم رجله اليمنى قائلاً: (بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك).

7 – ثم يذهب فيبدأ بالطواف فيستلم الحجر الأسود بيده اليمنى، ويقبله إن تيسر له ذلك فإن لم يتيسر استلامه بيده أشار إليه بيده ولا يقبلها ويقول عند ذلك: الله أكبر.

8 – وفي أثناء طوافه بالبيت يدعو الله بما شاء ويذكره ويكثر من ذلك، فإذا انتهى إلى الركن اليماني استلمه بيده إن أمكن وإن لم يتيسر له فإنه لا يشير إليه.

9 – والمعتمر الذي أراد الطواف بالبيت يضطبع من ابتداء الطواف إلى انتهائه، وصفة الاضطباع أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، وهذا خاص بطواف القدوم للعمرة أو الحج.

10 – وفي أثناء طوافه فإنه يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط بحيث يسرع في المشي، أما إن كان في رمله أذية للحجاج والمعتمرين فإنه لا يفعله.

11 – فإذا انتهى من طوافه تقدم إلى مقام إبراهيم وصلى خلفه ركعتين. ثم يخرج إلى المسعى فإذا دنا من الصفا قرأ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158]. ثم يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة فيستقبلها ويرفع يديه فيحمد الله ويدعو بما شاء.

12 – فإذا انتهى من دعائه نزل إلى المروة ماشياً، فإذا بلغ العلم الأخضر ركض قدر استطاعته مع عدم إيذاء أحد حتى إذا بلغ العلم الآخر عاد إلى مشيه حتى يصل إلى المروة، ويفعل عليها ما فعل على الصفا.

13 – فإذا انتهى من الأشواط السبعة حلق رأسه أو قصره كله، أما المرأة فإنها تأخذ من كل ضفيرة قدر أنملة. وبهذا يكون قد انتهى المسلم من عمرته.

رابعاً: أركان العمرة:

للعمرة ثلاثة أركان وهي:

1ـ الإحرام. فمن ترك الإحرام لم ينعقد نسكه.

2ـ الطواف بالبيت.

3ـ السعي بين الصفا والمروة.

خامساً: واجبات العمرة:

1ـ الإحرام من الميقات.

2ـ الحلق أو التقصير([129]).

 

القسم الثاني:

قضايا هامة في الأخلاق

  

ما لا يسع المسلم جهله في الأخلاق

الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على هديه إلى يوم الدين. وبعد:

 فإن للأخلاق أهمية بالغة لما لها من تأثير كبير في حياة الإفراد والجماعات والأمم، ولهذا لا عجب أن ترى القرآن الكريم يعتنى بها أشد عناية  فقد بينت أكثر سوره وآياته  أسس الأخلاق ومكارمها.

وكذلك من نظر إلى السنة النبوية يجد أنها اعتنت بالأخلاق عناية فاقت كل التصورات ، بل جعلها النبي صلى الله عليه وسلم إحدى الغايات التي بعث من أجلها كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعثت لأتممَ مكارم الأخلاق)([130])، فقد شبه صلى الله عليه وسلم مكارمَ الأخلاق بالبناء الذي شيَّده الأنبياء من قبله ، وبُعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتم هذا البناء، فيكتمل صرح مكارم الأخلاق ببِعثته صلى الله عليه وسلم ولأن الدِّينَ بغير خُلق كمحكمة بغير قاضٍ، كذلك فإن الأخلاقَ بغير دِين عبث، والمتأمل في حال الأمَّة اليوم يجد أن أَزْمَتَها أزمةٌ أخلاقية؛ لذلك نتناول في هذه الأسطر بعضَ المفاهيم الأخلاقية، وبعضَ محاسن الأخلاق التي يجب على المسلم أن يتحلى بها، ومساوئ الأخلاق التي يجبُ على المسلم أن يتخلَّى عنها.

 

المبحث الأول: فضائل الأخلاق الحسنة

في الإسلام:

للأخلاق في الإسلام فضلٌ كبير، ومكانة عظيمة، وهذا يظهر من وجوه كثيرة، منها ما يأتي:

أولاً: تعليل الرسالة بتقويم الأخلاق وإشاعة مكارمها، والعمل على إصلاح ما أفسدته الجاهلية منها. فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما بُعِثت لأُتمم صالح الأخلاق)([131]). وهذا يعني أن حُسْن الخُلُق رُكْن الإسلام العظيم الذي لا قيام للدين بدونه.

ثانيًا: تعريف البِرِّ بأنه حُسْن الخُلُق، وهذا يدل على أن حسن الخلق جامع لكل أقسام الخير وخِصال البر. فعن النواس بن سمعان الأنصاري قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم، فقال: (البِرُّ حُسْن الخُلُق، والإثم ما حاك في صدرك، وكَرهتَ أن يطَّلِع عليه الناس)([132]).

 ثالثًا: أن حُسْن الخُلُق من أكثر ما يُرجِّح كِفَّة الحسنات، ويثقل به موازين الأعمال يوم الحساب. فعن أبي الدرداء قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من شيء يُوضَع في الميزان أثقل من حُسْن الخلق، وإن صاحب حُسْن الخُلُق لَيَبلُغُ به درجة صاحب الصوم والصلاة)([133]).

 رابعًا: إن المؤمنين يتفاوتون في إيمانهم، ولكن أفضل المؤمنين في إيمانهم هم أحسنهم أخلاقًا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا، وخياركم خياركم لنسائهم خُلُقًا)([134]).  بل إن من أهم عناصر الخيرية المُطلَقة بين المؤمنين هو تحليهم بالأخلاق الفاضلة، والخِصال الحميدة. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أخيركم أحسنكم خلقًا)([135]).

خامسًا: إن كل المؤمنين يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتمنَّون قُربَهم منه يوم القيامة، وأكثر المسلمين ظَفَرًا بحب رسول الله والقرب منه مجلسًا يوم القيامة هم الذين حَسُنت أخلاقُهم، حتى صاروا فيها أحسن من غيرهم.

 ففي الحديث الشريف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا أُخبِركم بأحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة؟)، فسكت القوم، فأعادها مرتين أو ثلاثًا، قال القوم: نعم يا رسول الله، قال: (أحسنكم خُلُقًا)([136]).

سادسًا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه أن يُحسِّن خُلقه – وهو ذو الأخلاق الحسنة – وأن يَهديه لأحسنها.

فلقد كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه:(اللهم حسَّنت خَلْقي، فأَحسِن خُلُقي)([137]).

ويقول:(اللَّهُمَّ اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ لاَ يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ ، اصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ)([138]).

ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدعو إلا بما يحبه الله ويُقرِّبه منه، وهذا يدل على فضلِ الأخلاق العظيم.

سابعًا: مدح الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بحُسْن الخُلُق، فقد جاء في القرآن الكريم في وصْف النبي الكريم قوله عز وجل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}  [القلم:4].

 ثامنًا: كثرة الآيات القرآنية المتعلِّقة بموضوع الأخلاق، أمرًا بالحسَن منها، ومدحًا للمتَّصِفين به، ومع المدح الثواب، ونهيًا عن القبيح منها وذم المتصفين به، ومع الذمِّ العقاب. ولا شك أن كثرة الآيات في موضوع الأخلاق يَدُل على أهميتها([139]).

 

المبحث الثاني: أهمية الأخلاق

في الإسلام:

يمكن تبيُّن أهمية الأخلاق في الإسلام من عدة أمور، منها:

أولاً: جعل النبي صلى الله عليه وسلم الغاية من بِعثته الدعوة للأخلاق.

فقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم:(إنما بُعِثت لأُتمم صالح الأخلاق)([140]).

 لقد بين رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب أهمية الخُلق، بالرغم من أنه ليس أهمَّ شيء بُعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم من أجله؛ فالعقيدة أهم منه، والعبادة أهم منه، ولكن هذا أسلوب نبوي لبيان أهمية الشيء، وإن كان غيرُه أهمَّ منه.

ثانيًا: تعظيم الإسلام لحُسن الخُلق:

لم يعُدِ الإسلام الخلق سلوكًا مجرَّدًا، بل عده عبادةً يؤجر عليها الإنسان، ومجالاً للتنافس بين العباد كما سبق بيانه من ذكر الأدلة التي تدل على ذلك في المبحث الأول.

ثالثًا: أن حسن الخلق هو أساس بقاء الأمم:

فالأخلاق هي المؤشِّر على استمرار أمَّة ما أو انهيارها؛ فالأمة التي تنهار أخلاقُها يوشك أن ينهارَ كيانُها.

رابعًا: أن الأخلاق الحميدة من أسبابِ المودة، وإنهاء العداوة: قال الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فُصِّلَت:34]. والواقع يشهد بذلك، فكم من عداوةٍ انتهت لحُسن الخُلق؛ كعداوة عمرَ وعكرمة، بل عداوة قريش له – صلى الله عليه وسلم.

خامسًا: إن الخُلق أفضلُ الجمالينِ:

الجمال جمالان؛ جمال حسي، يتمثل في الشَّكل والهيئة والزينة والمركَب والجاه والمنصب، وجمال معنوي، يتمثل في النفس والسلوك والذكاء والفطنة والعلم والأدب، كما قال القائل:

ليس الجمالُ بأثواب تُزيِّنُنا  *  إن الجمالَ جمالُ العلم والأدبِ([141]).

 

المبحث الثالث: فوائد الأخلاق:

فوائد حُسن الخُلق كثيرة منها:

1- حسن الخلق من أفضل ما يقرِّبُ العبد إلى الله – تعالى.

2- إذا أحسن العبدُ خُلقه مع الناس أحبَّه الله والناس.

3- وجود الأُلفة والمحبة بين الناس.

4- لا يكرم العبد نفسه بمثل حُسن الخُلق، ولا يُهينها بمثل سوئِه.

5- حُسن الخُلق سبب في رفع الدرجاتِ وعلو الهمم.

6- حُسن الخلق سبب في حبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرب منه يوم القيامة.

7- حُسن الخلق يدل على سماحة النفس وكَرَمِ الطَّبع.

8- حسن الخلق يحوِّل العدوَّ إلى صديق.

9- حُسن الخلق سبب لعفو الله، وجالبٌ لغفرانه.

10- يمحو الله بحُسن الخُلق السيئات.

11- يُدرِكُ المرءُ بحُسن خُلقه درجةَ الصائم القائم.

12- حُسن الخُلق من أكثرِ ما يُدخِلُ الناسَ الجنَّةَ.

13- حُسن الخُلق يجعل صاحبَه ممن ثقلت موازينه يوم القيامة.

14- حُسن الخلق يُصلِحُ ما بين الإنسان وبين الناس.

15 – سيادة التعاون والتكافل الاجتماعي بين المجتمع؛ فالمسلمون أمة واحده، يعطف غنيُّهم على فقيرهم.

16 – حسن الخلق ينشر الأمن والأمان بين الأفراد والمجتمع.

17 – حسن الخلق يبث روح التسامح وينشرها بين الناس

18- وبالخلق الحسَن يكثر المُصافُون، ويقِلُّ المعادون([142]).

 

المبحث الرابع:

نماذج من الأخلاق الحميدة:

أولاً: حسن الخلق في معاملة الخالق سبحانه وتعالى:

حسنُ الخلق في معاملة الخالق جل جلاله يجمع ثلاثة أمور:

1- تلقي أخبار الله تعالى بالتصديق.

فمن حسن الخلق مع الله تعالى أن تتلقي أخبار الله تعالى بالتصديق فلا يقع عندك  شك , أو تردد في تصديق خبر الله تبارك وتعالى , لأن خبر الله تعالى صادر عن علم , وهو سبحانه أصدق القائلين كمال قال تعالى عن نفسه {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]، ولازم تصديق أخبار الله أن يكون الإنسان واثقاً بها، مدافعاً عنها، ومجاهداً بها وفي سبيلها، بحيث لا يداخله شك أو شبهة في أخبار الله عز وجل وأخبار رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا تخلق العبد بهذا الخلق أمكنه أن يدفع أي شبهة يوردها المغرضون على أخبار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، سواء أكانوا من المسلمين الذين ابتدعوا في دين الله ما ليس منه، أم كانوا من غير المسلمين الذين يلقون الشبه في قلوب المسلمين بقصد فتنتهم وإضلالهم .

ولنضرب لذلك مثلاً – حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالْأُخْرَى شِفَاءً)([143]).

وهذا الخبر يجب علينا أن نقابله بحسن الخلق وحسن الخلق نحو هذا الخبر يكون بأن نتلقاه بالقبول والانقياد، فنجزم بأن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فهو حق وصدق، وإن اعترض عليه من اعترض، ونعلم علم اليقين أن كل ما خالف ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه باطل، لأن الله تعالى يقول: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}  [يونس:32].

2 – تلقي أحكامه بالتنفيذ والتطبيق.

ومن حسن الخلق مع الله عز وجل، أن يتلقى الإنسان أحكام الله بالقبول والتنفيذ والتطبيق فلا يرد شيئاً من أحكام الله، فإذا رد شيئاً من أحكام الله فهذا سوء خلق مع الله عز وجل، سواءٌ ردها منكراً حكمها، أو ردها مستكبراً عن العمل بها، أو ردها متهاوناً بالعمل بها، فإن ذلك كله منافٍ لحسن الخلق مع الله عز وجل.

3- تلقي أقداره بالصبر والرضا.

وحسن الخلق مع الله نحو أقداره، هو أن يرض الإنسان ويستسلم ويطمئن، ولهذا امتدح الله الصابرين فقال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156].

ثانياً: حسن الخلق في معاملة الخَلق.

أما حسن الخلق مع المخلوق فصوره كثيرة جداً منها ما يأتي:

*الإحْسَان:

أ – تعريفه: الإحْسَان ضِدُّ الإساءة. مصدر أحسن أي جاء بفعل حسن.

ومعناه في حقوق الخَلْق: “بذل جميع المنافع مِن أي نوعٍ كان، لأي مخلوق يكون، ولكنَّه يتفاوت بتفاوت المحْسَن إليهم، وحقِّهم ومقامهم، وبحسب الإحْسَان، وعظم موقعه، وعظيم نفعه، وبحسب إيمان المحْسِن وإخلاصه، والسَّبب الدَّاعي له إلى ذلك”([144]).

ب – أدلة الحثُّ عليه من الكتاب والسنة:

أولًا: الأدلة من القرآن الكريم:

– قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}  [النحل:90].

قال السعدي: “الإحْسَان فضيلة مستحبٌّ، وذلك كنفع النَّاس بالمال والبدن والعِلْم، وغير ذلك مِن أنواع النَّفع حتى إنَّه يدخل فيه الإحْسَان إلى الحيوان البهيم المأكول وغيره”([145]).

– وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ}  [البقرة:83].

أي: أحسنوا بالوالدين إحسانًا، وهذا يعمُّ كلَّ إحسان قولي وفعلي ممَّا هو إحسان إليهم، وفيه النَّهي عن الإساءة إلى الوالدين، أو عدم الإحْسَان والإساءة؛ لأنَّ الواجب الإحْسَان، والأمر بالشَّيء نهيٌ عن ضِدِّه.

وللإحْسَان ضِدَّان: الإساءة، وهي أعظم جرمًا، وترك الإحْسَان بدون إساءة، وهذا محرَّم، لكن لا يجب أن يلحق بالأوَّل، وكذا يقال في صلة الأقارب واليتامى، والمساكين، وتفاصيل الإحْسَان لا تنحصر بالعَدِّ، بل تكون بالحَدِّ.

ثمَّ أمر بالإحْسَان إلى النَّاس عمومًا فقال: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، ومِن القول الحَسَن: أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وتعليمهم العِلْم، وبذل السَّلام، والبشاشة وغير ذلك مِن كلِّ كلام طيِّب. ولمَّا كان الإنسان لا يسع النَّاس بماله، أُمِر بأمرٍ يقدر به على الإحْسَان إلى كلِّ مخلوق، وهو الإحْسَان بالقول، فيكون في ضمن ذلك النَّهي عن الكلام القبيح للنَّاس حتى للكفَّار ([146]).

– وقوله: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}  [القصص:77].

قال الشَّوكاني في تفسير قوله: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ}: أي: أحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليك بما أنعم به عليك مِن نعم الدُّنْيا”([147]).

ثانيًا: الأدلة من السُّنَّة النَّبويَّة

– عن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال:(إنَّ الله كتب الإحْسَان على كلِّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبح، وليُحِدَّ أحدكم شَفْرَتَه، فليُرح ذبيحته)([148]) .

قال المباركفوري: قوله: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء). أي: إلى كلِّ شيء، أو (على) بمعنى: في، أي: أمركم بالإحْسَان في كلِّ شيء، والمراد منه العموم الشَّامل للإنسان حيًّا وميتًا”([149]).

– عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهليَّة؟ قال: (مَن أحسن في الإسلام لم يُؤاخذ بما عمل في الجاهليَّة، ومَن أساء في الإسلام أُخذ بالأوَّل والآخر)([150]).

– وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: أقبل رجلٌ إلى نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر مِن الله. قال: (فهل مِن والديك أحدٌ حيٌّ؟) قال: نعم، بل كلاهما. قال:(أفتبتغي الأجر مِن الله؟)قال: نعم، قال:(فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما)([151]).

– وعن سليمان بن عمرو بن الأحوص؛ قال: حدَّثني أبي، أنَّه شهد حجَّة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فحمد الله وأثنى عليه، وذكَّر ووعظ. فذكر في الحديث قصةً فقال:(ألا واستوصوا بالنِّساء خيرًا، فإنَّما هنَّ عَوَان عندكم ليس تملكون منهنَّ شيئًا غير ذلك، إلَّا أن يأتين بفاحشة مُبَيِّنَة، فإن فعلن فاهجروهنَّ في المضاجع، واضربوهنَّ ضربًا غير مُبَرِّح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلًا. ألا إنَّ لكم على نسائكم حقًّا، ولنسائكم عليكم حقًّا. فأمَّا حقُّكم على نسائكم فلا يُوطِئْن فرشكم مَن تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقُّهنَّ عليكم أن تحسنوا إليهنَّ في كسوتهنَّ وطعامهنَّ)([152]).

– وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل لرسول الله صلى – الله عليه وسلم-: كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت؟ قال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم:(إذا سمعت جيرانك يقولون: أن قد أحسنت فقد أحسنت. وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت)([153]).

ج – فوائد الإحْسَان:

1– للإحْسَان ثمرة عظيمة تتجلَّى في تماسك بنيان المجتمع، وحمايته مِن الخراب والتَّهلكة ووقايته مِن الآفات الاجتماعيَّة.

2- المحسن يكون في معيَّة الله عزَّ وجلَّ، ومَن كان الله معه فإنَّه لا يخاف بأسًا ولا رهقًا.

3- المحسن يكتسب بإحسانه محبَّة الله عزَّ وجلَّ.

4- للمحسنين أجر عظيم في الآخرة حيث يكونون في مأمن مِن الخوف والحزن.

5- المحسن قريب مِن رحمة الله عزَّ وجلَّ.

6- الإحْسَان هو وسيلة المجتمع للرُّقي والتَّقدُّم، وإذا كان صنوه، أي: العدل وسيلة لحفظ النَّوع البَشَريِّ فإنَّ الإحْسَان هو وسيلة تقدمه ورقيِّه؛ لأنَّه يؤدِّي إلى توثيق الرَّوابط وتوفير التَّعاون.

7- الإحْسَان وسيلة لإزالة ما في النُّفوس مِن الكدر وسوء الفهم وسوء الظَّنِّ ونحو ذلك.

8- الإحْسَان إلى النَّاس سببٌ مِن أسباب انشراح الصَّدر.

9- الإحْسَان إلى النَّاس يطفئ نار الحاسد([154]).

د – صور الإحْسَان:

قبل أن نُـفَصِّلَ في صور الإحْسَان نذكر هذه الصور على جهة الإجمال، والتي منها الإحسان في العبادات، والإحسان في المعاملات، والإحسان إلى الحيوانات، والإحسان في الأعمال البدنية، فــ (الإحْسَان في باب العبادات أن تؤدِّى العبادة أيًّا كان نوعها؛ مِن صلاة أو صيام أو حجٍّ أو غيرها أداءً صحيحًا، باستكمال شروطها وأركانها، واستيفاء سننها وآدابها، وهذا لا يتمُّ للعبد إلَّا إذا كان شعوره قويًّا بمراقبة الله عزَّ وجلَّ حتى كأنَّه يراه تعالى ويشاهده، أو على الأقلِّ يشعر نفسه بأنَّ الله تعالى مطَّلع عليه، وناظرٌ إليه، فبهذا وحده يمكنه أن يحسن عبادته ويتقنها، فيأتي بها على الوجه المطلوب، وهذا ما أرشد إليه الرَّسول صلى الله عليه وسلم في قوله: “الإحْسَان أن تعبد الله كأنَّك تراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك”.

وفي باب المعاملات فهو للوالدين ببرِّهما بالمعروف، وطاعتهما في غير معصية الله، وإيصال الخير إليهما، وكفِّ الأذى عنهما، والدُّعاء والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما.

وهو للأقارب ببرِّهم ورحمتهم والعطف عليهم، وفعل ما يَجْمُل فعله معهم، وترك ما يسيء إليهم.

وهو لليتامى بالمحافظة على أموالهم، وصيانة حقوقهم، وتأديبهم وتربيتهم بالحسنى، والمسح على رؤوسهم.

وهو للمساكين بسدِّ جوعهم، وستر عورتهم، وعدم احتقارهم وازدرائهم، وعدم المساس بهم بسوء، وإيصال النَّفع إليهم بما يستطيع، وهو لابن السَّبيل بقضاء حاجته، وسدِّ خلَّته، ورعاية ماله، وصيانة كرامته، وبإرشاده إن استرشد، وهدايته إن ضلَّ.

وهو للخادم بإتيانه أجره قبل أن يجفَّ عرقه، وبعدم إلزامه ما لا يلزمه، أو تكليفه بما لا يطيق، وبصون كرامته، واحترام شخصيَّته.

وهو لعموم النَّاس بالتَّلطُّف في القول لهم، ومجاملتهم في المعاملة، وبإرشاد ضالِّهم وتعليم جاهلهم، والاعتراف بحقوقهم، وبإيصال النَّفع إليهم، وكفِّ الأذى عنهم.

وهو للحيوان بإطعامه إن جاع، ومداواته إن مرض، وبعدم تكليفه ما لا يطيق، وحمله على ما لا يقدر، وبالرِّفق به إن عمل، وإراحته إن تعب.

وهو في الأعمال البدنيَّة بإجادة العمل، وإتقان الصَّنعة، وبتخليص سائر الأعمال مِن الغش، وهكذا ([155])

*الألفة:

أ – تعريفها: الأُلْفَة من الائتلاف، وهو الالتئام والاجتماع.

وقد جاءت نصوص الوحيين بالحث عليها في غير موضع فمن ذلك:

ب – أدلتها من الكتاب والسنة:

أولاً: في القرآن الكريم:

– قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103].

قال الرَّاغب الأصفهاني: “قوله: وَلاَ تَفَرَّقُواْ حث على الأُلْفَة والاجتماع، الذي هو نظام الإيمان واستقامة أمور العالم، وقد فضَّل المحبَّة والأُلْفَة على الإِنصاف والعدالة، لأنَّه يحُتاج إلى الإِنصاف حيث تفقد المحبَّة. ولصدق محبَّة الأب للابن صار مؤتمنًا على ماله، والأُلْفَة أحد ما شرَّف الله به الشَّريعة سيَّما شريعة الإِسلام”([156]).

– وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران:103].

قال الزَّمخشريُّ: “كانوا في الجاهليَّة بينهم الإحَن والعداوات والحروب المتواصلة، فألَّف الله بين قلوبهم بالإسلام، وقذف فيها المحبَّة، فتحابوا وتوافقوا وصاروا إخوانًا متراحمين متناصحين مجتمعين على أمرٍ واحد، قد نظم بينهم وأزال الاختلاف، وهو الأخوَّة في الله”([157]).

وقال السُّيوطي: “إذ كنتم تذابحون فيها، يأكل شديدكم ضعيفكم، حتى جاء الله بالإسلام فآخى به بينكم وألف به بينكم، أما والله الذي لا إله إلَّا هو إنَّ الأُلْفَة لرحمة، وإنَّ الفُرْقَة لعذاب”([158]).

– وقال سبحانه: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}  [الأنفال:62، 63].

قال القرطبي: في قوله تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ}. ” أي: جمع بين قلوب الأوس والخزرج. وكان تألُّف القلوب مع العصبيَّة الشَّديدة في العرب مِن آيات النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ومعجزاته؛ لأنَّ أحدهم كان يُلْطَم اللَّطمة فيقاتل عنها حتى يستقيدها. وكانوا أشدَّ خَلْق الله حميَّة، فألَّف الله بالإيمان بينهم، حتى قاتل الرَّجل أباه وأخاه بسبب الدِّين. وقيل: أراد التَّأليف بين المهاجرين والأنصار. والمعنى متقارب”([159]).

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة:

– عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(المؤمن يأْلَف ويُؤْلَف، ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف، وخيرُهُمْ أنفعُهُمْ لِلنَّاسِ)([160]) .

قال المناوي في شرح قوله: (المؤمن يأْلَف) قال: “لحسن أخلاقه وسهولة طباعه ولين جانبه… إلى أن قال: وقوله (ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف) لضعف إيمانه، وعُسْر أخلاقه، وسوء طباعه. والأُلْفَة سببٌ للاعتصام بالله وبحبله، وبه يحصل الإجماع بين المسلمين وبضِدِّه تحصل النُّفْرة بينهم، وإنَّما تحصل الأُلْفَة بتوفيقٍ إلهي… ومِن التَّآلف: ترك المداعاة والاعتذار عند توهُّم شيء في النَّفس، وتَرْك الجدال والمراء وكثرة المزاح”([161]).

وقال الماورديُّ في شرحه للحديث:”بيَّن به أن الإنسان لا يُصْلِح حاله إلَّا الأُلْفَة الجامعة؛ فإنَّه مقصود بالأذيَّة، محسود بالنِّعمة، فإذا لم يكن إلفًا مألوفًا تختطفه أيدي حاسديه، وتحكَّم فيه أهواء أعاديه، فلم تسلم له نعمة، ولم تَصْفُ له مدَّة، وإذا كان إلفًا مألوفًا انتصر بالأُلْف على أعاديه، وامتنع بهم مِن حسَّاده، فسلمت نعمته منهم، وصفت مودَّته بينهم، وإن كان صفو الزَّمان كدرًا ويُسْرُه عسرًا وسلمه خطرًا”([162]).

– وعن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خيار أئمتكم: الذين تحبُّونهم ويحبُّونكم، ويصلُّون عليكم، وتصلُّون عليهم، وشرار أئمتكم: الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم)([163]).

فخيار النَّاس في نظر الشَّرع هم الذين يأْلَفون ويُؤْلَفون، وخاصَّة حين يكونون في منصب أو مسؤوليَّة، إذ قد ينزلقون إلى صورٍ مِن الغلظة والجفوة حين يكونون مطلوبين لا طالبين([164]).

ج – فوائد الأُلْفَة:

1- قيام الأُلْفَة بين المؤمنين مِن أسباب النَّصر والتَّمكين.

2- الأُلْفَة تجمع شمل الأمَّة وتمنع ذلَّهم.

3- الأُلْفَة سببٌ للاعتصام بالله وبحبله.

4- الألفة من أسباب محبَّة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

5- تُحقق التَّماسك الاجتماعي، وتُشيع روح المودَّة بين المسلمين.

6- داعية إلى التَّناصر وسلامة المجتمع المسلم.

7- توفِّر جوًّا اجتماعيًّا سليمًا لنمو الإنسان المسلم نموًّا سليمًا في إطار مبادئ الإسلام.

8- داعية إلى التَّوحد الاجتماعي، ونبذ أسباب الفُرْقة والمعاداة.

9- تُشيع التَّعاون بين المسلمين، وفي ذلك مدعاة لرضا الله تعالى ثمَّ رضا النَّاس([165]).

د : أسباب الأُلْفَة :

هناك أسبابٌ كثيرةٌ تؤدِّي إلى الأُلْفَة والمحبَّة، وتقوي الروابط والعلاقات بين أفراد المجتمع المسلم فمنها:

1- التَّعارف ومعاشرة النَّاس.

2- خفض الجنَاح ولين الكَلِمَة وتَرْك الإغلاظ.

3- القيام بحقوق المسلمين والالتزام بها.

4- إفشاء السَّلام.

5- زيارة المسلم وعيادته إذا مرض.

6- الكلام اللَّين.

7- التَّعفُّف عن سؤال النَّاس.

8- السَّعي للإصلاح بين النَّاس.

9- الاهتمام بأمور المسلمين والإحساس بقضاياهم.

10- تقديم الهدايا.

11 – حسن الخلق([166]).

*الأمانة:

أ – تعريف الأمانة:

الأمانة ضد الخيانة، وأصل الأَمْن: طمأنينة النفس وزوال الخوف، وهي كلُّ حقٍّ لزمك أداؤه وحفظه.

ب – أدلة الحث عليها من الكتاب والسنة:

أولًا: في القرآن الكريم:

– قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58].

قال الشَّوكاني: “هذه الآية مِن أمَّهات الآيات المشتملة على كثير مِن أحكام الشَّرع؛ لأنَّ الظَّاهر أنَّ الخطاب يشمل جميع النَّاس في جميع الأمانات، وقد رُوِي عن علي، وزيد بن أسلم، وشهر بن حوشب أنَّها خطاب لولاة المسلمين، والأوَّل أظهر، وورودها على سبب… لا ينافي ما فيها مِن العموم، فالاعتبار بعموم اللَّفظ لا بخصوص السَّبب، كما تقرَّر في الأصول، وتدخل الولاة في هذا الخطاب دخولًا أوَّليًّا، فيجب عليهم تأدية ما لديهم مِن الأمانات، وردُّ الظُّلامات، وتحرِّي العدل في أحكامهم، ويدخل غيرهم مِن النَّاس في الخطاب، فيجب عليهم ردُّ ما لديهم مِن الأمانات، والتَّحرِّي في الشهادات والأخبار. وممَّن قال بعموم هذا الخطاب: البراء بن عازب، وابن مسعود، وابن عبَّاس، وأبيُّ بن كعب، واختاره جمهور المفسِّرين، ومنهم ابن جرير، وأجمعوا على أنَّ الأمانات مردودة إلى أربابها: الأبرار منهم والفجار، كما قال ابن المنذر”([167]).

– وقوله عزَّ وجلَّ: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:72، 73].

ففي هذه الآية: “عظَّم تعالى شأن الأمَانَة، التي ائتمن الله عليها المكلَّفين، التي هي امتثال الأوامر، واجتناب المحارم، في حال السِّرِّ والخفية، كحال العلانية، وأنَّه تعالى عرضها على المخلوقات العظيمة، السَّماوات والأرض والجبال، عَرْض تخيير لا تحتيم، وأنَّكِ إن قمتِ بها وأدَّيتِهَا على وجهها، فلكِ الثَّواب، وإن لم تقومي بها، ولم تؤدِّيها فعليك العقاب. فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا أي: خوفًا أن لا يقمن بما حُمِّلْنَ، لا عصيانًا لربِّهن، ولا زهدًا في ثوابه، وعَرَضَها الله على الإنسان، على ذلك الشَّرط المذكور، فقَبِلها، وحملها مع ظلمه وجهله، وحمل هذا الحمل الثقيل”([168]).

– وقال تعالى في ذكر صفات المفلحين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}[المؤمنون: 8، والمعارج: 32]، “أي: مراعون لها، حافظون مجتهدون على أدائها والوفاء بها، وهذا شامل لجميع الأمانات التي بين العبد وبين ربِّه، كالتَّكاليف السِّرِّيَّة، التي لا يطَّلع عليها إلَّا الله، والأمانات التي بين العبد وبين الخلق، في الأموال والأسرار”([169]).

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة:

– عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما قال: ” أخبرني أبو سفيان أنَّ هرقل قال له: سألتك ماذا يأمركم؟ فزعمت أنَّه يأمر بالصَّلاة والصِّدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمَانَة. قال: وهذه صفة نبي”([170]).

– وعنه أيضًا رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)([171]). “يعني إذا ائتمنه النَّاس على أموالهم أو على أسرارهم أو على أولادهم أو على أي شيء مِن هذه الأشياء فإنَّه يخون -والعياذ بالله-، فهذه مِن علامات النِّفاق”([172])

– وعن ابن عباس أيضًا قال: “بينما النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدِّث القوم، جاء أعرابيٌّ فقال: متى السَّاعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدِّث. فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال: أين أُراه السَّائل عن السَّاعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله. قال: فإذا ضُيِّعت الأمَانَة فانتظر السَّاعة. قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر السَّاعة”([173]).

ج – فوائد الأمَانَة:

1- الأمَانَة مِن كمال الإيمان وحسن الإسلام.

2- يقوم عليها أمر السَّموات والأرض.

3- هي محور الدِّين وامتحان ربِّ العالمين.

4- بالأمَانَة يُحْفَظ الدِّين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والمعارف والعلوم والولاية والوصاية والشَّهادة والقضاء والكتابة.

5- الأمين يحبُّه الله ويحبُّه النَّاس.

6- مِن أعظم الصِّفات الخُلقيَّة التي وصف الله بها عباده المؤمنين بقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8، والمعارج: 32].

7- مجتمع تفشو فيه الأمَانَة مجتمع خيرٍ وبركة([174]).

د – صور الأمَانَة:

هناك مجالات وصور تدخل فيها الأمَانَة وهي كثيرة فـ (الأمانة باب واسعٌ جدًّا، وأصلها أمران:

أمانة في حقوق الله: وهي أمانة العبد في عبادات الله عزَّ وجلَّ. وأمانة في حقوق البشر. وفيما يلي تفصيل ما يدخل تحتهما من صور:

1- الأمَانَة فيما افترضه الله على عباده:

فمِن الأمَانَة: ما ائتمنه الله على عباده مِن العبادات التي كلَّفهم بها، فإنَّها أمانة ائتمن الله عليها العباد.

2- الأمَانَة في الأموال:

 فمن الأمانة في الأموال تأدية ما عليه مِن حقٍّ لذويه، وتأدية ما تحت يده منه لأصحاب الحقِّ فيه، وتدخل في البيوع والديون والمواريث والودائع والرهون والعواري والوصايا وأنواع الولايات الكبرى والصُّغرى وغير ذلك.

3– الأمَانَة في الأعراض:

 فمِن الأمَانَة في الأعراض: العفَّة عمَّا ليس للإنسان فيه حقٌّ منها، وكفُّ النَّفس واللِّسان عن نيل شيء منها بسوء، كالقذف والغيبة.

4- الأمَانَة في الأجسام والأرواح:

فمِن الأمَانَة في الأجسام والأرواح: كفُّ النَّفس واليد عن التَّعرُّض لها بسوء، من قتل أو جرح أو ضرٍّ أو أذى.

5– الأمَانَة في المعارف والعلوم:

 فمِن الأمَانَة في المعارف والعلوم تأديتها دون تحريف أو تغيير، ونسبة الأقوال إلى أصحابها، وعدم انتحال الإنسان ما لغيره منها.

6- الأمَانَة في الولاية:

فمِن الأمَانَة في الولاية: تأدية الحقوق إلى أهلها، وإسناد الأعمال إلى مستحقِّيها الأكفياء لها، وحفظ أموال النَّاس وأجسامهم وأرواحهم وعقولهم، وصيانتها ممَّا يؤذيها أو يضرُّ بها، وحفظ الدِّين الذي ارتضاه الله لعباده مِن أن يناله أحدٌ بسوء، وحفظ أسرار الدَّولة وكلِّ ما ينبغي كتمانه مِن أن يسرَّب إلى الأعداء، إلى غير ذلك مِن أمور.

7– الأمَانَة في الشَّهادة:

وتكون الأمَانَة في الشَّهادة بتحمُّلها بحسب ما هي عليه في الواقع، وبأدائها دون تحريف أو تغيير أو زيادة أو نقصان.

8 – الأمَانَة في القضاء:

وتكون الأمَانَة في القضاء بإصدار الأحكام وفْقَ أحكام العدل التي استُؤْمِن القاضي عليها، وفُوِّض الأمر فيها إليه.

 9– الأمَانَة في الكتابة:

وتكون الأمَانَة في الكتابة بأن تكون على وفْقِ ما يمليه ممليها، وعلى وفْقِ الأصل الذي تُنْسَخ عنه، فلا يكون فيها تغيير ولا تبديل ولا زيادة ولا نقص، وإذا كانت مِن إنشاء كاتبها فالأمَانَة فيها أن تكون مضامينها خالية مِن الكذب، والتَّلاعب بالحقائق، إلى غير ذلك.

 10– الأمَانَة في الأسرار: التي يُستأمن الإنسان على حفظها وعدم إفشائها.

11– الأمَانَة في الرِّسالات:

 وتكون الأمَانَة فيها بتبليغها إلى أهلها تامَّة غير منقوصة ولا مزاد عليها، وعلى وفْقِ رغبة محمِّلها، سواء أكانت رسالة لفظيَّة أو كتابيَّة أو عمليَّة.

12– الأمَانَة في السَّمع والبصر وسائر الحواس:

وتكون الأمَانَة فيها بكفِّها عن العدوان على أصحاب الحقوق، وبحفظها عن معصية الله فيها، وبتوجيهها للقيام بما يجب فيها مِن أعمال، فاستراق السَّمع خيانة، واستراق النَّظر إلى ما لا يحلُّ النَّظر إليه خيانة، واستراق اللَّمس المحرَّم خيانة.

13- الأمَانَة في النُّصح والمشورة:

ومِن صور الأمَانَة أن تنصح مَن استشارك، وأن تَصْدُق مَن وَثَقَ برأيك، فإذا عرض عليك أحدٌ مِن النَّاس موضوعًا معيَّنًا، وطلب منك الرَّأي والمشورة والنَّصيحة، فاعلم أنَّ إبداء رأيك له أمانة، فإذا أشرت عليه بغير الرَّأي الصَّحيح، فذلك خيانة([175]).

*الإيثار:

يعتبر الإيثَار مِن محاسن الأخلاق الإسلاميَّة، فهو مرتبة عالية مِن مراتب البذل، ومنزلة عظيمة مِن منازل العطاء، لذا أثنى الله على أصحابه، ومدح المتحلِّين به، وبيَّن أنَّهم المفلحون في الدُّنْيا والآخرة كما سيأتي في أدلة الحث عليه.

أ – تعريف الإيثار:

الإيثار معناه التَّقديم والاختيار والاختصاص، نقول: فآثره إيثارًا اختاره أي قدِّم غيره على نفسه في النَّفع له، والدَّفع عنه، وهو النِّهاية في الأخوة([176])..

قال ابن مسكويه: “الإيثار: هو فضيلة للنَّفس بها يكفُّ الإنسان عن بعض حاجاته التي تخصُّه حتى يبذله لمن يستحقُّه”([177]).

ب – الفرق بين الإيثَار والسَّخاء والجود:

ذكر ابن قيِّم الجوزية فروقًا بين كلٍّ مِن الإيثار والسَّخاء والجود، مع أنَّها كلَّها أفعال بذلٍ وعطاء، قال ابن القيِّم في مدارج السالكين: “وهذا المنزل – أي الإيثَار-: هو منزل الجود والسَّخاء والإحْسَان، وسمِّي بمنزل الإيثَار؛ لأنَّه أعلى مراتبه، فإنَّ المراتب ثلاثة:

إحداها: أن لا ينقصه البذل ولا يصعب عليه، فهو منزلة السَّخاء.

الثَّانية: أن يعطي الأكثر ويبقي له شيئًا، أو يبقي مثل ما أعطى فهو الجود.

الثَّالثة: أن يؤثر غيره بالشَّيء مع حاجته إليه، وهي مرتبة الإيثَار”([178]).

ج – أدلة القرآن والسنة في الحث على الإيثار:

أولًا: في القرآن الكريم:

– قال الله تبارك وتعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}  [الحشر:9].

قال ابن كثير: “أي: يقدِّمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدؤون بالنَّاس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك”([179]).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:”وأمَّا الإيثَار مع الخصاصة فهو أكمل مِن مجرَّد التَّصدق مع المحبَّة، فإنَّه ليس كلُّ متصدِّق محبًّا مؤثرًا، ولا كلُّ متصدِّق يكون به خصاصة، بل قد يتصدَّق بما يحبُّ مع اكتفائه ببعضه مع محبَّة لا تبلغ به الخصاصة”([180]).

– وقال الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران:92]. يعني: “لن تنالوا وتدركوا البرَّ، الذي هو اسمٌ جامعٌ للخيرات، وهو الطَّريق الموصل إلى الجنَّة، حتى تنفقوا ممَّا تحبُّون، مِن أطيب أموالكم وأزكاها. فإنَّ النَّفقة مِن الطَّيب المحبوب للنُّفوس، مِن أكبر الأدلَّة على سماحة النَّفس، واتِّصافها بمكارم الأخلاق، ورحمتها ورقَّتها، ومِن أدلِّ الدَّلائل على محبَّة الله، وتقديم محبَّته على محبَّة الأموال، التي جبلت النُّفوس على قوَّة التَّعلُّق بها، فمَن آثر محبَّة الله على محبَّة نفسه، فقد بلغ الذِّروة العليا مِن الكمال، وكذلك مَن أنفق الطَّيبات، وأحسن إلى عباد الله، أحسن الله إليه ووفَّقه أعمالًا وأخلاقًا، لا تحصل بدون هذه الحالة”([181]).  

– وقال تبارك وتعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177].

فبين الله تبارك وتعالى أنَّ مِن البرِّ بعد الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والأنبياء.. إطعام الطَّعام لمحتاجيه، وبذله لمريديه، مع حبِّه واشتهائه والرَّغبة فيه، وقد جاء به الله تعالى -أي: إطعام الطَّعام- بعد أركان الإيمان مباشرة، وفي ذلك دلالة على عظمته وعلو منزلته.

– وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}  [الإنسان:9].

أي: ويطعمون الطَّعام على حُبِّ الطَّعام؛ لِقِلَّته عندهم وحاجتهم إليه.

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة:

– عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الأشعريِّين إذا أرملوا ـ نفد زادهم ـ في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثمَّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسَّويَّة، فهم منِّي، وأنا منهم)([182]).

يقول العيني: “فيه منقبة عظيمة للأشعريين من إيثارهم ومواساتهم بشهادة سيدنا رسول الله وأعظم ما شرفوا به كونه أضافهم إليه…وفيه فضيلة الإيثَار والمواساة”([183]).

وقال أبو العبَّاس القرطبي:”هذا الحديث يدلُّ على أنَّ الغالب على الأشعريِّين الإيثَار، والمواساة عند الحاجة….. فثبت لهم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّهم…….كرماء مؤثرون”([184]).

– وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الصَّدقة أعظم أجرًا؟ قال: (أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم ، قلتَ: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان)([185]).

قال ابن بطَّال: “فيه أنَّ أعمال البرِّ كلَّما صعبت كان أجرها أعظم، لأنَّ الصَّحيح الشَّحيح إذا خشي الفقر، وأمَّل الغنى صعبت عليه النَّفقة، وسوَّل له الشَّيطان طول العمر، وحلول الفقر به، فمَن تصدَّق في هذه الحال، فهو مؤثر لثواب الله على هوى نفسه، وأمَّا إذا تصدَّق عند خروج نفسه، فيخشى عليه الضِّرار بميراثه والجوار في فعله”([186]).

د – فوائد الإيثَار:

للإيثَار فوائد عظيمة وثمار جليلة يجنيها أصحاب هذا الخُلُق العظيم منها:

1- دخولهم فيمن أثنى الله عليهم مِن أهل الإيثَار، وجعلهم مِن المفلحين.

2- الإيثَار طريق إلى محبَّة الله تبارك وتعالى.

3- تحقيق الكمال الإيماني، فالإيثَار دليلٌ عليه، وثمرة مِن ثماره.

4- ومِن أعظم الثِّمار والفوائد: أنَّ التَّحلِّي بخُلُق الإيثَار فيه اقتداءٌ بالحبيب محمَّد صلى الله عليه وسلم.

5- أنَّ المؤْثر يجني ثمار إيثاره في الدُّنْيا قبل الآخرة وذلك بمحبَّة النَّاس له وثناؤهم عليه، كما أنَّه يجني ثمار إيثاره بعد موته بحسن الأحدوثة وجمال الذِّكر، فيكون بذلك قد أضاف عمرًا إلى عمره.

6- الإيثَار يقود المرء إلى غيره مِن الأخلاق الحسنة والخِلال الحميدة كالرَّحمة وحبِّ الغير والسَّعي لنفع النَّاس، كما أنَّه يقوده إلى تَرك جملةٍ مِن الأخلاق السَّيِّئة والخِلال الذَّميمة كالبخل وحبِّ النَّفس والأَثَرَة والطَّمع وغير ذلك.

7- الإيثار جالبٌ للبركة في الطَّعام والمال والممتلكات.

8- وجود الإيثَار في المجتمع دليلٌ على وجود حس التَّعاون والتَّكافل والمودَّة، وفقده مِن المجتمع دليلٌ على خلوِّه مِن هذه الركائز المهمَّة في بناء مجتمعات مؤمنة قويَّة ومتكاتفة.

9- بالإيثَار تحصل الكفاية الاقتصاديَّة والمادِّيَّة في المجتمع، فطعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثَّلاثة، والبيت الكبير الذي تستأثر به أسرة واحدة مع سعته يكفي أكثر مِن أسرة ليس لها بيوت تؤويها وهكذا.

*الصدق:

أ – تعريف الصدق: الصدق نقيض الكذب، وهو قول الحق ، والمطابق للواقع والحقيقة، والصادق هو المخبر بما يطابق اعتقاده. وقيل في معناه أيضاً: “هو الوصف للمخبَر عنه على ما هو به”([187]).

ب – أدلة الحث على الصدق:

أولًا: في القرآن الكريم:

أمر الإسلام بالصدق وحث عليه في كل المعاملات التي يقوم بها المسلم، والأدلة كثيرة من القرآن الكريم على هذا الخلق النبيل:

– قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119].

أي: ” اصدُقوا والزموا الصدق تكونوا مع أهله، وتنجوا من المهالك، ويجعل لكم فرجًا من أموركم ومخرجًا” ([188]).

– وقوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}  [النساء:69].

– وقوله: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة:119].أي: ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم في الآخرة، ولو كذبوا ختم الله على أفواههم، ونطقت به جوارحهم فافتضحوا([189])

– وقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35]. أي: أعد الله لهؤلاء الموصوفين بتلك الصفات الجميلة، والمناقب الجليلة، التي هي ما بين اعتقادات، وأعمال قلوب، وأعمال جوارح، وأقوال لسان، ونفع متعدٍّ وقاصر، وما بين أفعال الخير، وترك الشرِّ، الذي من قام بهنَّ، فقد قام بالدين كلِّه، ظاهره وباطنه، بالإسلام والإيمان والإحسان.

فجازاهم على عملهم بالمغفرة لذنوبهم؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات وَأَجْرًا عَظِيمًا لا يقدر قدره، إلا الذي أعطاه، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله أن يجعلنا منهم([190])

ثانيًا: أدلة الحث على الصدق في السنة النبوية:

جاءت الأحاديث النبوية متضافرة في الحث على الصدق، والأمر به، وأنَّه وسيلة إلى الجنة.

– فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إنَّ الصدق يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنة، وإنَّ الرجل ليصدق حتى يكون صِدِّيقًا، وإنَّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنَّ الفجور يهدي إلى النار، وإنَّ الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذَّابًا)([191]).

قال النووي في شرحه لهذا الحديث: “قال العلماء: هذا فيه حث على تحرِّي الصدق، وهو قصده والاعتناء به، وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه؛ فإنَّه إذا تساهل فيه كثر منه، فعرف به، وكتبه الله لمبالغته صِدِّيقًا إن اعتاده، أو كذَّابًا إن اعتاده. ومعنى يكتب هنا يحكم له بذلك، ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم، أو صفة الكذابين وعقابهم، والمراد إظهار ذلك للمخلوقين، إما بأن يكتبه في ذلك؛ ليشتهر بحظِّه من الصفتين في الملأ الأعلى، وإما بأن يلقي ذلك في قلوب الناس وألسنتهم، وكما يوضع له القبول والبغضاء، وإلا فقدر الله تعالى وكتابه السابق بكلِّ ذلك”([192])

– وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أربع إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك في الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة)([193]).

– وعن أبي سفيان في حديثه الطويل في قصة هرقل عظيم الروم قال هرقل: “فماذا يأمركم – يعني النبي صلى الله عليه وسلم – قال أبو سفيان قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والصدقة، والعفاف، والصلة”([194]) .

ج – فوائد الصدق:

إذا تمكن الصدق من القلب سطع عليه نوره، وظهرت على الصادق آثاره، في عقيدته وعباداته، وأخلاقه وسلوكياته، ومن هذه الآثار:

1- سلامة المعتقد:

فمن أبرز آثار الصدق على صاحبه: سلامة معتقده من لوثات الشرك ما خفي منه وما ظهر.

2- البذل والتضحية لنصرة الدين:

فالصادق قد باع نفسه وماله وعمره لله، ولنصرة دين الله؛ إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، همه رضا مولاه.

3- الهمة العالية:

الصادقون أصحاب همة عالية، وعزيمة قوية ماضية، همهم رضا ربهم، يسيرون معها أين توجهت ركائبها، ويستقلون معها أين استقلت مضاربها؛ ترى الصادق قد عمَّر وقته بالطاعات، وشغله بالقربات، فبينما هو في صلاة إذ رأيته في ذكر ثم في غزو، ثم في حجٍّ، ثم في إحسان للخلق بالتعليم وغيره من أنواع النفع، ثم في أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو في قيام بسبب فيه عمارة الدين والدنيا، ثم في عيادة مريض، أو تشييع جنازة، أو نصر مظلوم – إن أمكن – إلى غير ذلك من أنواع القرب والمنافع.

4- تلافي التقصير واستدراك التفريط:

الصادق قد تمر به فترة ولكنها إلى سنة، وقد يعتريه تقصير ولكنه سرعان ما يتلاقاه بتكميل، وقد يلم بذنب ولكنه سريع التيقظ والتذكر، فيقلع ويندم ويرجع: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}[الأعراف:201]. وقد يحصل منه تفريط فيستدرك، فبالصدق يتلاقى كل تفريط، فيصلح من قلبه ما مزقته يد الغفلة والشهوة، ويعمر منه ما خربته يد البطالة، ويلم منه ما شعثته يد التفريط والإضاعة.

5- حب الصالحين وصحبة الصادقين:

من علامات الصادق وأثر الصدق في قلبه، أنه يضيق بصحبة أهل الغفلة، ولا يصبر على مخالطتهم إلا بقدر ما يبلغهم به دعوة الله، وينشر الخير بينهم، فلا يصحبهم إلا لضرورة من دين أو دنيا.

6- الثبات على الاستقامة:

فمن آثار الصدق تمسك الصادق بدينه عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، سلوكًا وهديًا؛ فالتزامه بهذا الدين ليس انتقائيًّا، يلتزم بما يهوى، ويترك ما لا يروق له ولا تشتهيه نفسه، كما أنَّه التزام ثابت راسخ غير متذبذب ولا متردد، لا تغويه الشبهات، ولا تغريه الشهوات، ولا تستزله الفتن، ولا تزلزله المحن.

7- البعد عن مواطن الريب.    

8- حصول البركة في البيع والشراء:

قال صلى الله عليه وسلم : (البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)([195]).

9- الوفاء بالعهود:

فمن علامة الصادق: ألا يتحمل داعية تدعو إلى نقض عهد([196]).

د – صور الصدق:

الصدق يستعمل في ستة معان: صدق في القول، وصدق في النية والإرادة، وصدق في العزم، وصدق في الوفاء بالعزم، وصدق في العمل، وصدق في تحقيق مقامات الدين كلها، فمن اتصف بالصدق في جميع ذلك فهو صدِّيق.

1- صدق اللسان:

 وهو أشهر أنواع الصدق وأظهرها. وصدق اللسان لا يكون إلا في الإخبار، أو فيما يتضمن الإخبار وينبه عليه، والخبر إما أن يتعلق بالماضي أو بالمستقبل، وفيه يدخل الوفاء بالوعد والخلف فيه، وحقٌّ على كلِّ عبد أن يحفظ ألفاظه، فلا يتكلم إلا بالصدق.

 فمن حفظ لسانه عن الإخبار عن الأشياء على خلاف ما هي عليه فهو صادق، ولهذا الصدق كمالان، فالأول في اللفظ أن يحترز عن صريح اللفظ وعن المعاريض أيضًا، إلا عند الضرورة، والكمال الثاني أن يراعي معنى الصدق في ألفاظه التي يناجي بها ربه.

2- صدق النية والإرادة:

ويرجع ذلك إلى الإخلاص، وهو أن لا يكون له باعث في الحركات والسكنات إلا الله تعالى، فإن مازجه شوب من حظوظ النفس بطل صدق النية، وصاحبه يجوز أن يسمى كاذبًا.

3- صدق العزم:

 فإنَّ الإنسان قد يقدم العزم على العمل؛ فيقول في نفسه: إن رزقني الله مالًا تصدقت بجميعه أو بشطره، أو إن لقيت عدوًّا في سبيل الله تعالى قاتلت ولم أبال، وإن قتلت، وإن أعطاني الله تعالى ولاية عدلت فيها ولم أعص الله تعالى بظلم وميل إلى خلق، فهذه العزيمة قد يصادفها من نفسه وهي عزيمة جازمة صادقة، وقد يكون في عزمه نوع ميل وتردد وضعف يضاد الصدق في العزيمة، فكان الصدق ها هنا عبارة عن التمام والقوة.

4- صدق الوفاء بالعزم:

فإنَّ النفس قد تسخو بالعزم في الحال؛ إذ لا مشقة في الوعد والعزم والمؤنة فيه خفيفة، فإذا حقت الحقائق، وحصل التمكن، وهاجت الشهوات انحلت العزيمة، وغلبت الشهوات، ولم يتفق الوفاء بالعزم، وهذا يضاد الصدق فيه.

5- صدق في الأعمال:

وهو أن يجتهد حتى لا تدلَّ أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف هو به.

6- الصدق في مقامات الدين:

وهو أعلى الدرجات وأعزها، ومن أمثلته: الصدق في الخوف والرجاء والتعظيم والزهد والرضا والتوكل وغيرها من الأمور([197]).

*التعاون:

أ – تعريفه:

العون: الظَّهير على الأمر، وأعانه على الشَّيء: ساعده، واستعان فلانٌ فلانًا وبه: طلب منه العون. ومعنى التَّعاون: “المساعدة على الحقِّ ابتغاء الأجر مِن الله سبحانه”([198]).

ب – أهمية التَّعاون:

التَّعاون ضرورة مِن ضروريَّات الحياة، التي لا يمكن الاستغناء عنها، فبالتَّعاون يُنْجز العمل بأقصر وقت وأقلِّ جهد، ويصل إلى الغرض بسرعة وإتقان.

وللتعاون أهمية بالغة في تماسك المجتمع وقوته ونشر المحبة فيه، وتحقيق التكافل بين أفراده، لذلك شرع الإسلام الزكاة ورغب فِي الصدقة والوقف بكل أنواعه وجميع أبوابه، وحث على الإحسان للجيران ومعاونتهم، وعيادة المرضى والوقوف بجانبِهم, ومساعدة المحتاجين وإدخال السرور على قلوبهم، ودعا جميع أفراد المجتمع الواحد أنْ يتعاونوا فيما بينهم في جميع أمورهم وأحوالهم، روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِى مُوسَى رضى الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً” وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ)([199]).

وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ َتدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)([200]).

التَّعاون سبيل النجاح وإدراك الغايات السامية والأهداف النبيلة, ففي ميدان التعليم يجب أن تتضافر جميع الجهود لتحقيق الأهداف المرجوة من التعليم، فالمعلم لا يعمل من أجل المرتب آخر الشهر بل لأنه صاحب رسالة، فالآباء والأمهات بالمراقبة والمتابعة, والمدرسون والمدَّرساتِ بأداء الأمانة والطُّلاب بالجدِّ والاجتهاد, والمفكِّرون بتقديم أبحاث لتطوير التَّعلِيم, والإعلاميُّونَ ببثِّ النشاط وتقوية العزيمة في نفوس أبناء المجتمع, ورجال الأعمال بدعم العلم والأبحاث العلميَّة عن طريق الوقف والمساهمة فِي تطوير المؤسسات التعليميَّة , ورعاية الْمُبْدعين والمتفوقين وهكذا.

ج – أدلة الحث على التعاون:

أولاً: من القرآن الكريم:

– قال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3].

قال العلامة بن سعدي رحمه الله : “والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه”([201]).  

وقال شيخنا عبد العزيز ابن باز رحمه الله: “فهذه السورة العظيمة القصيرة اشتملت على معان عظيمة من جملتها التواصي بالحق وهو التعاون على البر والتقوى”([202]).

– وقال سبحانه:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2].

قال ابن كثير رحمه الله: “يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطـل والتعاون على المآثم والمحارم”([203]).

وقال القرطبي:”وهو أمرٌ لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى، أي ليعن بعضكم بعضًا، وتحاثوا على ما أمر الله تعالى واعملوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعوا منه”([204]).

– وقال عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}  [آل عمران:103].

قال الإمام الطبري: “يعني بذلك جل ثناؤه: وتعلقوا بأسباب الله جميعًا. يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عهده في كتابه إليكم، من الألفة والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله”([205]).

ثانياً: أدلة الترغيب والحث على التعاون من السنة النبوية:

(الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً) وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ([206])

قال ابن بطال: “تعاون المؤمنين بعضهم بعضًا في أمور الدنيا والآخرة مندوب إليه بهذا الحديث”([207]).

_ وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)([208]).

– وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)([209]).

د – فوائد التعاون:

(1) إمكان إنجاز الأعمال الكبيرة الّتي لا يقدر عليها الأفراد.

(2) شعور الفرد بالقوّة ونزع شعور العجز من نفسه.

 (4) مواجهة الأخطار المحدقة بالإنسان ممّن حوله من الإنسان والحيوان.

(5) ثمرة من ثمرات الإيمان فضلا عن كونه حاجة ملحّة للإنسان.

(6) أساس التّقدّم والإنتاج والنّجاح والتّفوّق.

(7) من ثمرات الأخوّة الإسلاميّة.

(8) الشّعور بالمساواة في الإنسانيّة يدفع إليه ويحضّ عليه.

(9) ينزع الحقد من القلوب الضّعيفة ويزيل أسباب الحسد.

(10) طريق موصّل إلى محبّة الله ورضاه وجنّته.

(11) سبب من أهمّ أسباب الألفة والمحبّة بين النّاس.

(12) يحقّق سنّة الله في خلقه ويوافق طبيعة الأشياء.

(13) إمكان إنجاز الأعمال الكبيرة الّتي لا يقدر عليها الأفراد.

(14) إظهار القوة والتماسك.

(15) يزيد في الإخلاص في العمل.

(16) تنظيم الوقت وتوفير الجهد.

(17) ثمرة من ثمرات الأخوة الإسلامية.

(18) رفع الظلم عمن وقع عليه.

(19) دليل حبّ الخير للآخرين.

(20) استغلال الملكات والطاقات المهدرة الاستغلال المناسب لما فيه مصلحة الفرد والمجتمع([210]).

هـ – مضار التعاون على الإثم والعدوان:

1 – تقلب نظام المجتمع وتساعد على فساد الذمم.

2 – تفتح أبواب الشر وتطمس معالم الحق ليرتع الباطل.

3 – تنبئ عن خسة صاحبها ودناءة نفسه.

4 – دليل كامل على ضعف الإيمان وقلة المروءة.

5 – يبشر صاحبها بعاقبة وخيمة وعذاب أليم.

6 – ينبذ صاحبها ويهمل شأنه إذا كان المجتمع صالحا.

7 – تساعد على طغيان الحاكم وترخص له الظلم.

8 – إذا تحققت في مجتمع كانت سببا في خرابه.

9 – تضيع الحقوق، وتصل لغير أهلها ومستحقيها([211]).

*التواضع:

أ – تعريفه:

مأخوذ من مادّة (و ض ع) الّتي تدلّ على الخفض للشّيء وحطّه، يقال: وضعته بالأرض وضعا، ووضعت المرأة ولدها.

ومعناه في الاصطلاح: هو تعظيم من فوقه لفضله، أو هو:”الاستسلام للحقّ وترك الاعتراض في الحكم”([212]).

ب – الأدلة الواردة في الحث على التواضع:

أولاً  الآيات الواردة في التواضع:

– قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}  [المائدة:54].

{لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحِجر:88].

{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}  [الإسراء:37].

6- {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان:63].

7- {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215].

8- {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}  [لقمان:18].

ثانياً: الأدلة من السنة النبوية في الحث على التواضع:

أتت السنة النبوية المطهرة متابعة لمنهج القرآن الكريم في ترغيب المؤمنين إلى هذا الحلق العظيم، ومما جاءت به السنة:

–  ما ثبت عَنْ قَتَادَةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ)([213]).

–  وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلَّا عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ)([214]).

–   وعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعاً لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الْإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا)([215]).

ج – من فوائد التواضع:

(1) التّواضع خلق كريم من أخلاق المؤمنين ودليل محبّة ربّ العالمين.

(2) وهو طريق موصل إلى مرضاة الله وإلى جنّته.

(3) وهو السّبيل إلى القرب من الله ومن ثمّ القرب من النّاس.

(4) التّواضع عنوان سعادة العبد في الدّارين.

(5) يحبّ الله المتواضعين ويكلؤهم برعايته ويحيطهم بعنايته.

(6) المتواضعون آمنون من عذاب الله يوم الفزع الأكبر.

(7) وهو دليل على حسن الخاتمة وعلى حسن الخلق.

(8) التّواضع يؤدّي إلى حصول النّصر والبركة في المال والعمر([216]).

د – صور التواضع:

1 – تواضع الإنسان في نفسه:

ويكون ذلك بألا يظن أنه أعلم من غيره، أو أتقى من غيره أو أكثر ورعاً من غيره، أو أكثر خشية لله من غيره، أو يظن أن هناك من هو شر منه، ولا يظن أنه قد أخذ صكاً بالغفران!! وآخر بدخول الجنة!!؛ لأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، يقول الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24]. وليعلم أن المستكبر صاحب نفسية متعاظمة لا يكاد يمدح أحداً أو يذكره بخير، وإن احتاج على ذلك شفعه بذكر بعض عيوبه.

أما إن سمع من يذكره ببعض عيوبه فهيهات أن ينصاع أو يلين، وما ذاك إلا لمركب النقص في نفسه، ولهذا كان من كمال الإنسان أن يقبل النقد والملاحظة بدون حساسية أو انزعاج أو شعور بالخجل والضعف وها هو أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يحمل الراية، ويرفع الشعار: رحم الله امرءاً أهدى إلينا عيوبنا.

2 – التواضع في التعلّم:

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “تعلّموا العلم، وتعلّموا له السكينةَ والوقار، وتواضعوا لمن تعلّمون، وليتواضع لكم من تعلِّمون، ولا تكونوا جبابرة العلماء، ولا يقوم علمكم مع جهلكم”([217]).

وكتب الإمام مالك إلى الرشيد: “إذا علمت علماً فليُرَ عليك أثره وسكينته وسمته ووقاره وحلمه”([218]).

وقال الشافعي: لا يطلب هذا العلم أحد بالملك وعزة النفس فيفلح، لكن من طلبه بذلة النفس، وضيق العيش، وخدمة العلم، وتواضع النفس أفلح([219]).

3- التواضع مع الناس:

فالمسلم يخالط الناس ويدعوهم إلى الخير وإلى الأخلاق الإسلامية، ومن طبيعة الناس أنهم لا يقبلون قول من يعظم نفسه ويحقرهم، ويرفع نفسه ويضعهم، وإن كان ما يقوله حقا، بل عليه أن يعرف أن جميع ما عنده هو فضل من الله، فالمسلم المتواضع هو الذي لا يعطي لنفسه حظاً في كلامه مع الآخرين، ومن تواضع المسلم مع الناس أن يجالس كل طبقات المجتمع، ويكلم كلا بما يفهمه، ويجالس الفقراء والأغنياء.

4 – التواضع مع الأقران:

ومن التواضع أن يتواضع المرء مع أقرانه، وكثيراً ما تثور بين الأقران والأنداد روح المنافسة والتحاسد، وربما استعلى الإنسان على قرينه، وربما فرح بالنيل منه، والحط من قدره وشأنه، وعيبه بما ليس فيه، أو تضخيم ما فيه، وقد يظهر ذلك بمظهر النصيحة والتقويم وإبداء الملاحظات.

5 – تواضع الإنسان مع من هو دونه:

ومن التواضع: التواضع مع من هو دونك، فإذا وجدت أحداً أصغر منك سناً، أو أقل منك قدراً فلا تحقره، فقد يكون أسلم منك قلباً، أو أقل منك ذنباً، أو أعظم منك إلى الله قرباً.

وكذا لو رأيت إنساناً فاسقاً وأنت يظهر عليك الصلاح فلا تستكبر عليه، واحمد الله على أن نجاك مما ابتلاه به، وتذكر أنه ربما يكون في عملك الصالح رياء أو عجب يحبطه، وقد يكون عند هذا المذنب من الندم والانكسار والخوف من خطيئته ما يكون سبباً في غفران ذنبه.

فلا تستكبر على أحد، وحتى حين ترى الفاسق فلا تستعل عليه، أو تعامله بأسلوب المتسلط المستكبر.

6 – تواضع صاحب المال:

فإن مَن مَنَّ الله عليهم بالمال، والجاه، والقوة، والنفوذ، أحوج الخلق إلى خلق التواضع. لأن هذه النعم مدعاة إلى الكبر والفخر.

وما ابتليت الأمة بمصيبة الكبر إلا من هؤلاء، ولو نظر صاحب المال مثلاً إلى سالف أمره، إذا ما رزق مالاً أن يشكر ربه الذي أغناه بعد فقر، وأعطاه بعد حرمان، وأشبعه بعد جوع، وأمنه بعد خوف، وأن يجعل التواضع فراشه، ودثاره، وزينته، هذا هو الشكر العملي الحقيقي.

أما أن يتكبر وهذا حاله، فلا أدري بما يوصف هذا الإنسان، وقد بدلت لديه المفاهيم والموازين.

وكذلك يقال لصاحب كل نعمة عليك بالتواضع، فلربما دارت عليك الأيام، وبدل الحال.

7 – تواضع القائد مع الأفراد:

القائد الناجح هو الذي يخفض جناحه للأفراد الذين هم تحته؛ لأنه كلما تواضع لهم وخفض لهم جناحه كان أقرب إلى نفوسهم، وكان أمره لهم محبباً إليهم، فهم يطيعونه عن حب وإخلاص، يقول تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}  [الشعراء:215].

ومن مظاهر هذا التواضع، عدم الاستبداد بالرأي والانفراد باتخاذ القرار، وذلك أن استفراغ ما عند الأفراد من آراء وأفكار لاشك أن ذلك يفتح أبواباً كانت مغلقة على القادة، والاستماع إليها والنزول عن الرأي إليها يقلل من نسبة الخطأ في القرار([220]).

هـ – الأسباب التي تعين على التواضع:

1 – تقوى الله:

وهذا من أول الأمور والأسباب التي تعين المرء على التواضع، وتردعه عن أخلاق أهل السفه والكبر. لأن التقوى وقاية من كل ما يغضب الله تعالى، وفعل جميع الطاعات التي أمر الله تعالى بها، فالكبر كبيرة من الكبائر ولا يتصف بها أهل التقوى، والتواضع من محاسن الأخلاق وصاحبه يكون في أهل التقوى. قال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}  [القصص:83].

2 – عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به:

مما لا شك فيه أن المرء يحب أن يتواضع له الناس، ويخفضوا جناحهم له، ويعاملوه برفق ولين، ويبغض من ناحية أخرى، من يغلظ له، ومن يتكبر عليه بأي صورة من الصور. ولو كان المرء جراباً حشي كبراً لتألم وتأفف أيضاً ممن يتكبر عليه، فلم الكيل بمكيالين؟!!

3 – التفكر في أصل الإنسان:

إذا عرف الإنسان نفسه، علم أنه أذل من كل ذليل، ويكفيه نظرة في أصل وجوده بعد العدم من تراب، ثم من نطفة خرجت من مخرج البول، ثم من علقة، ثم من مضغة، فقد صار شيئاً مذكوراً، بعد أن كان لا يسمع ولا يبصر، ولا يغني شيئاً، فقد ابتدأ بموته قبل حياته، وبضعفه قبل قوته، وبفقره قبل غناه([221]).

4 – معرفة الإنسان قدره:

قال تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء:37].

قال العلامة الشنقيطي: أي أنت أيها المتكبر المختال: ضعيف حقير عاجز محصور بين جمادين أنت عاجز عن التأثير فيها، فالأرض التي تحتك لا تقدر أن تؤثر فيها بشدة وطئك عليها، والجبال الشامخة فوقك لا يبلغ طولك طولها، فاعرف قدرك، ولا تتكبر، ولا تمش في الأرض مرحاً. ([222]) اهـ .

5 – تذكر الأمراض والأوجاع والمصائب:

لو رأيت أهل البلاء بشتى صنوفهم للمست التواضع يعلو وجوههم وأبدانهم!

انظر إلى من غله المرض، واستوثق منه الوجع، وهده الألم، انظر إليه إذا جاء الزائر يزوره! وطالع محياه، فسترى فاقة وكسرة وحاجة إلى كل إنسان!

فهو يأنس بهذا! ويشد على يد هذا! ويطلب الدعاء من آخر! ويتشوف إلى رنين الهاتف فلربما سمع كلمة تشد من أزره أو ربما سعد بدعوة مجابة أليس في هذا الحال درس لكل من اختال يوماً، أو تطاول حيناً، أو تكبر زمناً؟! بلى والله.

وما قيل هنا، يقال في أهل المصائب كافة، فلماذا التجمل بالتواضع عند الضر، والافتخار والمباهاة والأشر والكبر عند الرخاء والنعمة في العلن والسر؟!

6 – تطهير القلب:

القلب إذا صلح صلُح العمل كله بإذن الله تعالى فعلى من أراد اكتساب خلق التواضع أن يطهر قلبه من الأمراض التي عصفت به من حقد وحسد وعجب وغرور لأن القلب هو موطن هذه الأمراض كلها([223]).

*الحلم:

أ – تعريفه:

الحلم هو: ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب. وقيل هو: الطمأنينة عند سورة الغضب. وقيل: تأخير مكافأة الظالم([224]).

ب – ذكر الأدلة في الترغيب في صفة الحلم من القرآن والسنة:

أولاً: الترغيب في الحلم من القرآن الكريم:

وردتْ آيات قرآنية كثيرة تشير إلى صفة الحلم، ووصف الله نفسه بالحلم، وسمى نفسه الحليم، ووردت آيات تدعو المسلمين إلى التحلي بهذا الخلق النبيل، وعدم المعاملة بالمثل ومقابلة الإساءة بالإساءة، والحث على الدفع بالتي هي أحسن، والترغيب في الصفح عن الأذى والعفو عن الإساءة.

– قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}  [آل عمران:133، 134].

قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}، ” أي: لا يعملون غضبهم في الناس، بل يكفون عنهم شرهم، ويحتسبون ذلك عند الله عز وجل….ثم قال تعالى:{وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، أي: مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم مَوجدة على أحد، وهذا أكمل الأحوال، ولهذا قال: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، فهذا من مقامات الإحسان “([225]).

– وقال عز وجل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]، ووصف بعضَ أنبيائه بالحلم؛ فقال: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}  [الصافات:101]. 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:”وقد انطوت البشارة على ثلاث: على أن الولد غلام ذكر، وأنه يبلغ الحلم، وأنه يكون حليما، وأي حلم أعظم من حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح فقال: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}  [الصافات:102]. وقيل: لم ينعت الله الأنبياء بأقل من الحلم وذلك لعزة وجوده ولقد نعت إبراهيم به في قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:114]، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود:75].

لأن الحادثة شهدت بحلمهما: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102] ([226]).

– وقال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فُصِّلَت:34]. قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم”([227]).

ثانياً: الترغيب في الحلم من السنة النبوية:

– قوله صلى الله عليه وسلم لأشجّ عبد القيس: (إنّ فيك لخصلتين يحبّهما الله: الحلم والأناة)([228]).

– وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الشّديد بالصّرعة، إنّما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب)([229]).

قال ابن عبد البر: “في هذا الحديث من الفقه فضل الحلم وفيه دليل على أن الحلم كتمان الغيظ وأن العاقل من ملك نفسه عند الغضب لأن العقل في اللغة ضبط الشيء وحبسه منه”([230]).

ج – آثار وفوائد خلق الحلم:

1 – الحليم يفوز برضى الله وثوابه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهْ، دعاه الله -عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة، يخيره من الحور العين ما شاء)([231]).

2 – الحليم عظيم الشأن، رفيع المكان، محمود الأمر، مرضي الفعل([232]).

3 – أن صفة الحلم دليل كمال العقل وسعة الصّدر، وامتلاك النّفس.

4 – قليل من الخلق من يتّصف به.

5 – صفة من صفات الله سبحانه، وهي من صفات أنبيائه، وأوليائه أيضا.

6 – تعمل على تآلف القلوب ونشر المحبّة بين النّاس.

7 – تزيل البغضاء بين الناس وتمنع الحسد وتميل القلوب.

8 – يستحقّ صاحبها الدّرجات العلى والجزاء الأوفى([233]) .

9 – صفة الحلم عواقبها محمودة.

10 – أن أوّل عِوَض الحَليم عن حِلْمه أن الناسَ أنصارُه على الجاهل .

11 – الحليم له القوة في التحكم في انفعالاته، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ليس الشديد بالصُّرْعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)([234]).

*الحياء:

أ – معنى الحياء:

قال الحافظ ابن حجر: ” الحياء: خلق يبعث صاحبه على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير فيحق ذي الحق”([235]). وقيل هو: “تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم ومحله الوجه ومنعه من القلب” ([236]).

ب – الترغيب والحث على الحياء من القرآن والسنة:

أولاً: الترغيب والحث على الحياء من القرآن الكريم:

– قال تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص:25]. قال مجاهد: “يَعْنِي: وَاضِعَةً ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا لَيْسَتْ بِخَرَّاجَةٍ وَلَا وَلَّاجَةٍ”([237]). وقال الطبري: “فَأَتَتْهُ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ، وَهِيَ تَسْتَحْيِي مِنْهُ”([238]).

– وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب:53].

قال ابن كثير رحمه الله: “وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّ دُخُولَكُمْ مَنْزِلَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيَتَأَذَّى بِهِ، لَكِنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ حَيَائِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ”([239]).

ثانياً: الترغيب والحث على الحياء من السنة النبوية:

– عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت)([240]).

معناه: أن الحياء لم يزل أمره ثابتاً واستعماله واجباً منذ زمان النبوة الأولى وأنه ما من نبي إلاّ وقد ندب إلى الحياء وبعث عليه وأنه لم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم ولم يبدل فيما بدل منها([241]).

– وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعبة، أَعْلَاهَا: قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَدْنَاهَا: إِمَاطَةُ الْأَذَى عن الطريق. والحياء شعبة من الإيمان)([242]) .

قال الخطابي: “ومعنى قوله الحياء شعبة من الإيمان أن الحياء يقطع صاحبه عن المعاصي ويحجزه عنها فصار بذلك من الإيمان”([243]).

– وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتي إلّا بخير)([244]).

قال ابن بطال: “معناه أن من استحيا من الناس أن يروه يأتي الفجور ويرتكب المحارم، فذلك داعية له إلى أن يكون أشد حياء من ربه وخالقه، ومن استحيا من ربه فإن حياءه زاجر له عن تضييع فرائضه وركوب معاصيه؛ لأن كل ذي فطرة صحيحة يعلم أن الله تعالى النافع له والضار والرزاق والمحي والمميت، فإذا علم ذلك فينبغي له أن يستحى منه عز وجل”([245]).

– ومَرَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجُلٍ، وَهُوَ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِي حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (دَعْهُ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإيمَانِ)([246]).

قال ابن بطال: “معناه أن الحياء من أسباب الإيمان وأخلاق أهله. وذلك أنه لما كان الحياء يمنع من الفواحش، ويحمل على الصبر والخير كما يمنع الإيمان صاحبه من الفجور، ويقيده عن المعاصي ويحمله على الطاعة صار كالإيمان لمساواته له في ذلك، وإن كان الحياء غريزة والإيمان فعل المؤمن فاشتبها من هذه الجهة”([247]).

– وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ). قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ: (لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ)([248]).

قال ابن رجب:”يدخل فيه حفظ السمع والبصر واللسان من المحرمات، وحفظ البطن وما حوى: يتضمن حفظ القلب عن لإصرار على ما حرم الله ويتضمن أيضًا حفظ البطن من إدخال الحرام إليه من المآكل والمشارب، ومن أعظم ما يجب حفظه من نواهي الله عز وجل اللسان والفرج”([249]).

ج – فوائد الحياء:

– الحياء من خصال الإيمان.

– هجر المعصية خجلا من الله سبحانه وتعالى.

– الإقبال على الطاعة بوازع الحب لله عز وجل.

– يبعد عن فضائح الدنيا والآخرة.

– أصل كل شعب الإيمان.

– يكسو المرء الوقار فلا يفعل ما يخل بالمروءة والتوقير ولا يؤذي من يستحق الإكرام.

– لا يمنع من مواجهة أهل الباطل ومرتكبي الجرائم.

– هو دليل على كرم السجية وطيب المنبت.

– صفة من صفات الأنبياء والصحابة والتابعين.

– من استحى من الله ستره الله في الدنيا والآخرة.

– يعد صاحبه من المحبوبين عند الله وعند الناس.

– يمنع الشخص عن الفواحش، ويجعله يستتر بها إذا هو سقط في شيء من أوحالها.

– يدفع المرء إلى التحلي بكل جميل محبوب، والتخلي عن كل قبيح مكروه([250]).

*الرفق:

أ – معنى الرفق:

الرِّفْق: هو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل وهو ضد العنف.

وقيل في معناه أيضاً: هو المداراة مع الرفقاء ولين الجانب واللطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها ([251]).

ب – ذكر أدلة الحث على الرفق في القرآن والسنة:

أولاً: الترغيب والحث على الرفق من القرآن الكريم:

– قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159]. يقول تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم، ممتنا عليه وعلى المؤمنين فيما ألان به قلبه على أمته، المتبعين لأمره، التاركين لزجره، وأطاب لهم لفظه:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ}، أي: أي شيء جعلك لهم لينا لولا رحمة الله بك وبهم([252]).

– وقال سبحانه مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم:{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحِجر:88]، أي: أرفق بهم وألن جانبك لهم([253]).

– وقال سبحانه: { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:43، 44]. فقوله تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا}، أي: سهلا لطيفا، برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف، ولا غلظة في المقال، أو فظاظة في الأفعال، لَّعَلَّهُ بسبب القول اللين يَتَذَكَّرُ ما ينفعه فيأتيه، أَوْ يَخْشَى ما يضره فيتركه، فإن القول اللين داع لذلك، والقول الغليظ منفر عن صاحبه([254]).

ثانياً: الترغيب والحث على الرفق من السنة النبوية:

– عن عائشة رضي الله عنها أَنَّ يَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ. قَالَ:(مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ وَالفُحْشَ)، قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: (أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ)([255]).

– وعن جرير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ)([256]).

قال شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله:”يعني أن الإنسان إذا حرم الرفق في الأمور فيما يتصرف فيه لنفسه، وفيما يتصرف فيه مع غيره، فإنه يحرم الخير كله أي فيما تصرف فيه، فإذا تصرف الإنسان بالعنف والشدة فإنه يحرم الخير فيما فعل وهذا شيء مجرب ومشاهد أن الإنسان إذا صار يتعامل بالعنف والشدة؛ فإنه يحرم الخير ولا ينال الخير، وإذا كان يتعامل بالرفق والحلم والأناة وسعة الصدر؛ حصل على خيرٍ كثير، وعلى هذا فينبغي للإنسان الذي يريد الخير أن يكون دائماً رفيقاً حتى ينال الخير”([257]).

– وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: (اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ)([258]).

قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: “قد يظن بعض الناس أن معنى الرفق أن تأتي للناس على ما يشتهون ويريدون وليس الأمر كذلك بل الرفق أن تسير بالناس حسب أوامر الله ورسوله ولكن تسلك أقرب الطرق وأرفق الطرق بالناس ولا تشق عليهم في شيء ليس عليه أمر الله ورسوله فإن شققت عليهم في شيء ليس عليه أمر الله ورسوله فإنك تدخل في الطرف الثاني من الحديث وهو الدعاء عليك بأن يشق الله عليك”([259]).

– وعنها أيضاً رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ)([260]).

ج – فوائد الرفق:

1 – طريق موصل إلى الجنة. 

2 – دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.

3 – يثمر محبة الله ومحبة الناس.   

4 – ينمي روح المحبة والتعاون بين الناس.

5 – دليل على صلاح العبد وحسن خلقه.

6 – بالرفق ينشأ المجتمع سالما من الغل والعنف.

7 – عنوان سعادة العبد في الدارين.       

8 – الرفق يزين الأشياء.

9 – رفق الوالي بالرعية مدعاة لأن يرفق الله بالرعية

10 – الرفق بالحيوان في إطعامه أو ذبحه من مظاهر الإحسان.

11 – الرفيق دليل على فقهه وأناته وحكمته.

12 – الرفق ينتج منه حسن الخلق.      

13 – بالرفق ينال الخير([261]).

د – صور الرفق:

1 – الرفق بالنفس في أداء ما فرض عليه:

المسلم لا يحمل نفسه من العبادة ما لا تطيقه فالإسلام دين يسر وسهولة فالمتبع له يوغل فيه برفق.

قال ابن القيم رحمه الله: “نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشديد في الدين بالزيادة على المشروع، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن تشديد العبد، على نفسه هو السبب لتشديد الله عليه إما بالقدر وإما بالشرع. فالتشديد بالشرع: كما يشدد على نفسه بالنذر الثقيل، فيلزمه الوفاء به، وبالقدر كفعل أهل الوسواس. فإنهم شددوا على أنفسهم فشدد عليهم القدر، حتى استحكم ذلك وصار صفة لازمة لهم”([262]).

2 – الرفق مع الناس عامة:

وذلك بأن يكون بلين الجانب وعدم الغلظة والجفاء، والتعامل مع الناس بالسماحة.

3 – الرفق بالرعية:

الراعي سواء كان حاكما، أو رئيسا، أو مسئولا عليه أن يرفق برعيته، فيقضي حاجتهم، ويؤدي مصالحهم برفق.

4 – الرفق بالمدعوين:

الداعية عليه أن يرفق في دعوته، فيشفق على الناس ولا يشق عليهم، ولا ينفرهم من الدين بأسلوبه الغليظ والعنيف، فالدعوة إلى الله لا تؤثر ما لم تقترن بخلق الرفق في دعوة الخلق إلى الحق، وتعليم الناس لا يؤتي ثمراته الطيبات ما لم يقترن بخلق الرفق الذي يملك القلوب بالمحبة.

5 – الرفق بالخادم والمملوك:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: (للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق)([263]).

قال الشنقيطي: “فأوجب على مالكيهم الرفق والإحسان إليهم، وأن يطعموهم مما يطعمون، ويكسوهم مما يلبسون، ولا يكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، وإن كلفوهم أعانوهم; كما هو معروف في السنة الواردة عنه صلى الله عليه وسلم مع الإيصاء عليهم في القرآن”([264]).

6 – الرفق بالحيوان:

فمن الرفق بالحيوان توفيرَ حاجتها مِن الطعام والشراب، ومكان ملائم يؤويها ويقيها الحرَّ والبَرد، وعدم إجهادها أو تحميلها فوقَ طاقتها، ومداواتها إنْ مرِضت، وأن نحسن ذبْحَها إنْ كانت من تلك التي سخَّرها الله وذلَّلها لنا لخِدمتنا وأكْلنا، وأن تدفع عنه أنواع الأذى كالعطش والجوع والمرض والحمل الثقيل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا، فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ”، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ:(فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ)([265]).

– وعن سعيد بن جبير قال: “مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا، وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا لَعَنِ اللهُ، مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا”([266]).

*الصبر:

أ – معنى الصبر:

الصَبْرُ: حَبس النفس عن الجزع. عرَّفه ابن القيم بقوله: “هو خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها” ([267]).

ب – فضل الصبر والحث عليه من القرآن والسنة:

أولاً: من القرآن الكريم:

الصبر من أكثر الأخلاق التي اعتنى بها القرآن الكريم. قال الإمام أحمد رحمه الله: “ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن في تسعين موضعاً”([268]).

– أحدها: الأمر به كقوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:127]. وقال: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الطور:48].

– الثاني: النهي عما يضاده كقوله تعالى: {وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ}[الأحقاف:35]، وقوله: {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم:48].

– الثالث: تعليق الفلاح به، كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران:200] فعلق الفلاح بمجموع هذه الأمور.

– الرابع: الإخبار عن مضاعفة أجر الصابرين على غيره، كقوله:{أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا}[القصص:54]. وقوله تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزُّمَر:10].

– الخامس: تعليق الإمامة في الدين، به وباليقين، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}[السجدة :24] ([269]).

ثانياً: فضل الصبر والحث عليه من السنة النبوية:

– عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه: إِنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: (مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ)([270]).

– وعن أنس رضي الله عنه قال: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: (اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي)، قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ:(إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى)([271]).

ومعناه كما يقول ابن القيم رحمه الله: “فإن مفاجئات المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمها فإن صبر الصدمة الأولى انكسر حدها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر وأيضا فإن المصيبة ترد على القلب وهو غير موطن لها فتزعجه وهى الصدمة الأولى وأما إذا وردت عليه بعد ذلك توطن لها وعلم أنه لا بد له منها فيصير صبره شبيه الاضطرار وهذه المرأة لما علمت أن جزعها لا يجدي عليها شيئا جاءت تعتذر إلى النبي كأنها تقول له قد صبرت فأخبرها أن الصبر إنما هو عند الصدمة الأولى”([272]).

– عن عطاء ابن رباح قال: قال لي ابن عباس: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: (إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ)، فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا “([273]).

ج – فوائد الصبر:

1 – أن الصبر دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام.

2 – أنه يورث الهداية في القلب.

3 – يثمر محبّة الله ومحبّة النّاس.

4 – سبب للتّمكين في الأرض.

5 – الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار.

6 – معيّة الله للصّابرين.

7 – الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة.

8 – مظهر من مظاهر الرّجولة الحقّة وعلامة على حسن الخاتمة.

9 – صلاة الله ورحمته وبركاته على الصّابرين. ([274]).

د – صور الصبر:

إن صور الصبر ومجالاته كثيرة في حياة الإنسان فلا يستغني عنه بحال من الأحوال يقول ابن القيم: “إن الإنسان لا يستغني عن الصبر في حال من الأحوال، فإنه بين أمر يجب عليه امتثاله وتنفيذه، ونهي يجب عليه اجتنابه وتركه، وقدر يجري عليه اتفاقا، ونعمة يجب عليه شكر المنعم عليها، وإذا كانت هذه الأحوال لا تفارقه فالصبر لازم له إلى الممات، وكل ما يلقى العبد في هذه الدار لا يخلو من نوعين: أحدهما يوافق هواه ومراده، والآخر يخالفه، وهو محتاج إلى الصبر في كل منهما”([275]).

ومن هذه المجالات التي ينبغي للإنسان أن يضبط نفسه عليها:

1 – ضبط النفس عن الضجر والجزع عند حلول المصائب ومس المكاره.

2 – ضبط النفس عن السأم والملل، لدى القيام بأعمال تتطلب الدأب والمثابرة خلال مدة مناسبة.

3 – ضبط النفس عن العجلة والرعونة، لدى تحقيق مطلب من المطالب المادية أو المعنوية.

4 – ضبط النفس عن الغضب والطيش، لدى مثيرات عوامل الغضب في النفس.

5 – ضبط النفس عن الخوف لدى مثيرات الخوف في النفس.

6 – ضبط النفس عن الطمع لدى مثيرات الطمع فيها.

7 – ضبط النفس عن الاندفاع وراء أهوائها وشهواتها وغرائزها.

8 – ضبط النفس لتحمل المتاعب والمشقات والآلام الجسدية والنفسية([276]).

هـ – موانع التحلي بالصبر:

1 – الاستعجال: فالنفس مولعة بحب العاجل؛ والإنسان عجول بطبعه.

2 – الغضب: فقد يستفز الغضب صاحب الدعوة، إذا ما رأى إعراض المدعوين عنه، ونفورهم من دعوته، فيدفعه الغضب إلى ما يليق به من اليأس منهم، أو النأي عنهم. مع أن الواجب على الداعية أن يصبر على من يدعوهم، ويعاود عرض دعوته عليهم مرة بعد مرة.

3 – شدة الحزن والضيق مما يمكرون، فليس أشد على نفس المرء المخلص لدعوته من الإعراض عنه، والاستعصاء عليه. فضلاً عن المكر به، والإيذاء له، والافتراء عليه، والافتنان في إعناته.

4 – اليأس: فهو من أعظم عوائق الصبر، فإن اليأس لا صبر له، لأن الذي يدفع الزارع إلى معاناة مشقة الزرع وسقيه وتعهده، هو أمله في الحصاد، فإذ غلب اليأس على قلبه، وأطفأ شعاع أمله، لم يبق له صبر على استمرار العمل في أرضه وزرعه. وهكذا كل عامل في ميدان عمله ([277]).

*الوفاء بالعهد:

أ – معنى الوفاء بالعهد:

الوفاءُ ضد الغَدْر: إذا تمم العهد ولم ينقض حفظه([278]).

ب – أهمية الوفاء بالعهد:

الوفاء أخو الصدق والعدل، والغدر أخو الكذب والجور وذلك أن الوفاء صدق اللسان والفعل معاً، والغدر كذب بهما لأن فيه مع الكذب نقض العهد.

والوفاء يختص بالإنسان فمن فقد فيه فقد انسلخ من الإنسانية كالصدق، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان وصيره قواماً لأمور الناس، فالناس مضطرون إلى التعاون ولا يتم تعاونهم إلا بمراعاة العهد والوفاء، ولولا ذلك لتنافرت القلوب وارتفع التعايش، ولذلك عظم الله تعالى أمره فقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}[البقرة:40]، وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل:91].

والصدق في الوعد وفي العهد من الفضائل الخلقية التي يتحلى بها المؤمنون، والكذب في الوعد وفي العهد من الرذائل الخلقية التي يجتنبها المؤمنون.

وقد وصف القرآن الذين يوفون بالعهد بأحسن الصفات فقال: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177].  

وقال: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}  [آل عمران:76].

ونقض الميثاق يؤدي إلى سوء السلوك والأخلاق، قال تعالى:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} [المائدة:13] ([279]).

ج – الأمر بالوفاء بالعهد والوعد في القرآن والسنة:

أولاً: الأمر بالوفاء بالعهد والوعد من القرآن الكريم:

وردت آيات في كتاب الله تحث على الوفاء بالعهد والوعد بسياق مختلف، منها:

– قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:60].

– وقوله سبحانه: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}  [الإسراء:34].

قال الطبري في تفسير هذه الآية: “وأوفوا بالعقد الذي تعاقدون الناس في الصلح بين أهل الحرب والإسلام، وفيما بينكم أيضا، والبيوع والأشربة والإجارات، وغير ذلك من العقود {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} يقول: إن الله جلّ ثناؤه سائل ناقض العهد عن نقضه إياه، يقول: فلا تنقضوا العهود الجائزة بينكم وبين من عاهدتموه أيها الناس فتخفروه وتغدروا بمن أعطيتموه ذلك وإنما عنى بذلك أن العهد كان مطلوبا”([280]).

– وقال عزّ من قائل: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} [الرعد: 19، 20].

قال الشوكاني في تفسير هذه الآية: “أي بما عقدوه من العهود فيما بينهم وبين ربهم، أو فيما بينهم وبين العباد {وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ}، الذي وثقوه على أنفسهم، وأكدوه بالأيمان ونحوها”([281]).

– وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:10]. 

– وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}  [المائدة:1]. 

قال السعدي:”هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود، أي: بإكمالها، وإتمامها، وعدم نقضها ونقصها. وهذا شامل للعقود التي بين العبد وبين ربه، من التزام عبوديته، والقيام بها أتم قيام، وعدم الانتقاص من حقوقها شيئا، والتي بينه وبين الرسول بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب، ببرهم وصلتهم، وعدم قطيعتهم. والتي بينه وبين أصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقر، واليسر والعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات، كالبيع والإجارة، ونحوهما، وعقود التبرعات كالهبة ونحوها، بل والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها الله بينهم في قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحُجُرات:10] بالتناصر على الحق، والتعاون عليه والتآلف بين المسلمين وعدم التقاطع”([282]).

ثانياً: الأمر بالوفاء بالعهد والوعد من السنة النبوية:

وردت أحاديث تأمر بالوفاء بالعهد وتبين حقيقة الغدر وتنهى عنه وهي كثيرة فمنها:

– ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم)([283]).

– وعن سليم بن عامر قال: كان بين معاوية، وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة، ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء” فرجع معاوية”([284]).

ومعنى قوله ينبذ إليهم على سواء أي يعلمهم أنه يريد أن يغزوهم وأن الصلح الذي كان بينهم قد ارتفع فيكون الفريقان في ذلك على السواء.

– وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الصبح، فهو في ذمة الله. فلا تخفروا الله في عهده. فمن قتله، طلبه الله حتى يكبه في النار على وجهه)([285]). أي في عهده وأمانه في الدنيا والآخرة وهذا غير الأمان الذي ثبت بكلمة التوحيد.

– وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)([286]).

د – فوائد وآثار الوفاء بالعهد:

الآثار المترتبة على الالتزام بالعهد والميثاق متنوعة ومتعددة، فهناك الآثار التي تخص الفرد وأخرى تعم الجماعة، بعضها في الحياة الدنيا، وأخرى يوم القيامة، فمن هذه الآثار:

1 – حصول التقوى:

التقوى أثر من آثار الوفاء بعهد الله وثمرة من ثمرات الالتزام بميثاقه قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}  [البقرة:63].

2 – محبة الله:

أثبت الله محبته للمتقين الموفين بعهدهم، المستقيمين على عهودهم ومواثيقهم حتى مع أعدائهم ما استقاموا هم على تلك العهود، قال تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}[التوبة :7]. 

3 – حصول الأمن في الدنيا وصيانة الدماء:

لم تقتصر آثار الوفاء بالعهد والميثاق على المسلمين وحدهم، وإنما شمل عدل الله الكفار الذين لم يدخلوا في دين الإسلام ولهم عهود مع أولئك المسلمين، فجاءت الآيات صريحة بوجوب الوفاء لهم وصيانة دمائهم.

4- الحياة الطيبة والجزاء الحسن والأجر العظيم:

وعد الله الموفين بعهدهم بجزاء عظيم قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب:23، 24]، وقال:{وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:10]. 

5 – تكفير السيئات وإدخال الجنات:

ومن الآثار التي وردت في أكثر من آية جزاء لمن وفَّى بعهده والتزم بميثاقه الوعد بدخول الجنة وتكفير السيئات، قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة:40]([287])

هـ – صور الوفاء:

الوفاء خلق إسلامي رفيع وله صور وأنواع عدة منها:

1 – الوفاء بالعهد الذي بين العبد وربه:

وذلك بأداء ما أوجبه الله تعالى على العباد من توحيده سبحانه واتباع رسله وأداء فرائضه ما أوجبه الله عليهم والانتهاء عما نهاهم عنه فهذه هي أعلى العهود مكانة، وأقدسها ذماماً، قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [يس:60، 61].

2 – الوفاء في سداد الدين:

اهتم الإسلام بالدَّين لأن أمره عظيم، وشأنه جسيم، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على قضاء الدين، وكان لا يصلي على الميت إذا كان عليه دين حتى يُقضى عنه. وقد قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)([288])

3 – الوفاء بشروط عقد النكاح.

4 – الوفاء بين الزوجين:

الوفاء بين الزوجين يجعل الأسر مستقرة والبيوت مطمئنة، فيكون رابط الوفاء بينهما في حال الشدة والرخاء وفي العسر واليسر.

5 – الوفاء بإعطاء الأجير أجره:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)([289]).

6 – وفاء العامل بعمله:

وذلك بأن يعمل العامل ويعطي العمل حقه باستيفائه خالياً من الغش والتدليس.

7 – الوفاء بالنذر:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)([290]). ويجب الوفاء بالنذر إذا كان نذر طاعة.

8 – الوفاء بما التزم به من بيع أو إجارة:

الوفاء بما التزم به من بيع أو إجارة، وغير ذلك من المعاملات المالية ما دامت مشروعة يقول تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة:1]، وسواء كانت هذه العقود مبرمة بين المسلم والمسلم، أو المسلم وغير المسلم”. 

9 -الوفاء بما التزم به الولاة والأمراء من العهود والمواثيق في علاقاتهم مع الدول([291]).

وأخيراً:

سأذكر جملة من محاسن الأخلاق نجمل من خلالها ما تم بيانه مفصلا ونستدرك من خلالها ما لم نذكره لتكون مصابيح نهتدي بها في وقت عزت فيه هذه الأخلاق والله المستعان.

فمن هذه الأخلاق:

– برُّ الوالدين، وصلة الأرحام، ولإحسانُ إلى الجيران، وإيصال النفع إليهم. ونفع النَّاس بالمال والبدن والعِلْم، وغير ذلك مِن أنواع النَّفع حتى إنَّه يدخل فيه الإحْسَان إلى الحيوان البهيم المأكول وغيره.

 – ومن حُسن الخُلق: إفشاء السلام على الخاص والعام، وطِيب الكلام، وإطعام الطعام.

 – ومن حسن الخُلق: أن تسلِّمَ على أهل بيتك إذا دخَلْتَ عليهم، وهذه سنَّة مشهورة، وقد أصبحت عند الكثير من الناس اليوم مهجورة، مع أنها بركة على الداخل المسلِّم وأهل بيته، كما بيَّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

 – ومن حسن الخلق: معاشرة الزوجة بالإكرام والاحترام، وبشاشة الوجه، وطيب الكلام؛ قالصلى الله عليه وسلم:(خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي)([292]).

 – ومن حُسن الخُلق: معاشرة الناس بالحفاوة والوفاء، وترك التنكُّر لهم والجفاء، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، والنصيحة لهم؛ فذلك من أهم أخلاق الإيمان والديانة.

– ومن مكارم الأخلاق أن تصل من قطعك: من الأقارب ممن تجب صلتهم عليك، إذا قطعوك، فصلهم ولا تقل: من وصلني وصلته، فإن هذا ليس بصلة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ -قُطِعَتْ- رَحِمُهُ وَصَلَهَا)([293]).

– ومن مكارم الأخلاق أن تعطي من حرمك. أي: من منعك ولا تقل: منعني، فلا أعطيه. وتعفو عمن ظلمك، أي من انتقصك حقك: إما بالعدوان وإما بعدم القيام بالواجب. فكمال الإنسان أن يعفو عمن ظلمه.

– ومن مكارم الأخلاق أيضاً ترك الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق: فالفخر بالقول والخيلاء بالفعل والبغي والعدوان والاستطالة: الترفع والاستعلاء. فالإنسان منهي أن يتفاخر على غيره بقوله، فيقول: أنا العالم، أنا الغني، أنا الشجاع، وإن زاد على ذلك يستطيل على الآخرين ويقول: ماذا أنتم عندي؟ فيكون هذا فيه بغي واستطالة على الخلق.

والخيلاء تكون بأفعال، يتخايل في مشيته وفي وجهه وفي رفع رأسه ورقبته إذا مشي، كأنه إلى السماء، والله عز وجل وبخ من هذا الفعل فقال: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء:37].

فالواجب أن تكون متواضعاً في القول وفي الفعل، لا تثن على نفسك بصفاتك الحميدة.

– ومِن حُسن الخلق: استعمال النظافة في الجسم والثياب، وفي المنزل؛ فإن الله جميلٌ يحب الجمال، طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، وإن الله إذا أنعم على عبدِه نعمة يحبُّ أن يرى أثرَها عليه.

فالحاصل أنه ينبغي على المسلم أن يتخلق بمكارم الأخلاق أي أطايبها، وذلك بأن تكون سريرته كريمة، فيحب الكرم، والشجاعة، والحلم، والصبر، وأن يلاقي الناس بوجه طلق، وصدر منشرح، ونفس مطمئنة؛ فكل هذه الخصال من مكارم الأخلاق. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا)([294]).

فينبغي أن يكون هذا الحديث دائماً نصب عين المؤمن، لأن الإنسان إذا علم بأنه لن يكون كامل الإيمان إلا إذا أحسن خلقه كان ذلك دافعاً له على التخلق بمكارم الأخلاق ومعالي الصفات وترك سفاسفها ورديئها ([295]).

والله أسأل أن يرزقني وإخواني العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 فهرس الموضوعات

الموضوع
المقدمة:
القسم الأول: قضايا هامة في الفقه:
المبحث الأول: ما لا يسع المسلم جهله في الطهارة:
أولاً: من أحكام الطهارة وقضاء الحاجة.
أ – حكم الطهارة:
ب – أنواعها:
الطهارة المعنوية:
الطهارة الحسية:
ج – قضاء الحاجة وآدابها:
ثانيـاً: من أحكام الوضوء.
أ – معنى الوضوء:
ب – دليل الوضوء:
ج – فضل الوضوء:
د – فرائض الوضوء:
هـ – سنن الوضوء:
ن – مكروهات الوضوء:
و – صفة الوضوء:
1ـ صفة الوضوء المجزئ:
2ـ صفة الوضوء الكامل:
ي – نواقض الوضوء:
ثالثـاً: مسائل مهمة يحسن ذكرها:
رابعـاً: من أحكام المسح على الخفين
1 ـ تعريف الخفين:
2ـ دليل مشروعية المسح على الخفين:
3ـ شروط المسح على الخفين:
4ـ مدة المسح:
5ـ صفة المسح:
6ـ مبطلات المسح:
خامسـاً: من أحكام الغسل.
أ – موجبات الغسل:
ب – صفة الغسل:
سادسـاً: من أحكـام التيمم
أ – معناه:
ب – متى يشرع التيمم؟
ج – مبطلات التيمم:
د – صفة التيمم:
سابعـاً: من أحكام الحيض والنفاس والاستحاضة.
ا – تعريف الحيض والنفاس والاستحاضة:
ب – صفة دم الحيض:
ج -بداية سن الحَيْض:
د – مدَّة الحيض:
ن – علامة الطُهر:
هـ – مدة النفاس:
و – متى نعرف أنّ هذا الدم دم نفاس؟
ي – بعض أحكام الحائض والنفساء:
المبحث الثاني: ما لا يسع المسلم جهله في الصلاة:
أولاً: تعريف الصلاة:
ثانياً: حكم تاركها:
ثالثاً: أركان الصلاة:
رابعاً: شروط الصلاة:
خامساً: واجبات الصلاة:
سادساً: سنن الصلاة:
سابعاً: صلاة الجماعة:
أ – فضلها.
ب – حكمها:
ج – العدد المطلوب لانعقادها:
د – الأعذار المبيحة لترك صلاة الجماعة:
ن – بعض الأحكام التي تتعلق بالمأموم:
هـ – بعض الأحكام التي تتعلق بالإمام:
ثامناً: صلاة المريض:
تاسعاً: صلاة الجمعة:
أ – حكمها:
ب – شروط وجوب صلاة الجمعة.
ج – الحكمة من مشروعيتها:
عاشراً: صلاة العيدين:
أ – حكمها:
ب – وقت صلاة العيد:
ج – مكانها:
د – صفتها:
الحادي عشر: صلاة الكسوف:
أ – الكسوف والخسوف:
ب – صفة صلاة الكسوف:
الثاني عشر: صلاة الاستسقاء
أ – حكم صلاة الاستسقاء:
ب – صفة صلاة الاستسقاء:
ج – آداب ينبغي مراعاتها في الاستسقاء.
الثالث عشر: صلاة التطوع:
أ – فضل صلاة التَطَوُّع:
ب – أقسام صلاة التطوع.
الرابع عشر: صلاة التراويح:
أ – تعريفها:
ب – حكم صلاة التراويح:
ج – عدد ركعاتها:
الخامس عشر: صلاة الجنازة:
أ – مشروعيتها:
ب – حكم صلاة الجنازة:
ج – شروط صلاة الجنازة:
د – أركان صلاة الجنازة:
ن – صفة صلاة الجنازة:
هـ – بعض المسائل المهمة في صلاة الجنازة.
المبحث الثالث: ما لا يسع المسلم جهله في الزكاة:
أولاً: تعريف الزكاة:
ثانياً: أهميتها وحكمة تشريعها:
ثالثاً: أدلة وجوبها:
أدلة الكتاب:
أدلة السنة:
رابعاً: الفرق بين الزكاة والضريبة.
خامساً: هل تغني الضريبة عن الزكاة؟
سادساً: شروط الزكاة:
الشروط التي تتعلق بالمزكي:
الشروط التي تتعلق بالمال نفسه:
سابعاَ: حكم مانع الزكاة:
ثامناً: الأموال التي تجب فيها الزكاة:
1ـ الذهب والفضة وما يقوم مقامهما:
المسألة الأولى: إخراج زكاة الذهب والفضة بالعملات

الورقية المتداولة:

المسألة الثانية: النصاب بالعملات المتداولة:
2ـ الماشية:
شروط زكاة الماشية:
جدول ببيان زكاة الإبل:
جدول ببيان زكاة البقر.
جدول ببيان زكاة الغنم:
3ـ عروض التجارة:
أ ـ تعريفها:
ب ـ شروط عروض التجارة:
ج ـ القدر الواجب في عروض التجارة:
د ـ أنواع عروض التجارة:
4ـ الزروع والثمار:
أـ ما تجب فيه الزكاة من الزروع والثمار:
ب ـ نصاب زكاة الزروع والثمار:
تاسعاً: مسائل عامة في الزكاة:
عاشراً: مصارف الزكاة:
الحادي عشر: من لا يجوز إخراج الزكاة لهم:
الثاني عشر: زكاة الفطر:
أ – حكمها:
ب – الحكمة في تشريعها:
ج – وقت إخراجها:
د – مصارف زكاة الفطر:
هـ – هل يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر؟
المبحث الرابع: ما لا يسع المسلم جهله في الصيام:
أولاً: مكانة الصيام في الإسلام:
ثانياً: فضائل الصيام:
ثالثاً: دليل وجوب الصوم:
رابعاً: على من يجب الصوم؟
خامساً: رؤية هلال رمضان وأحكامها:
سادساً: الأعذار المبيحة للفطر:
1ـ السفر:
2ـ العاجز عن الصيام عجزاً مستمراً لا يرجى زواله:
3ـ المريض مرضاً يرجى برؤه:
4ـ الحائض والنفساء:
5ـ الحامل والمرضع:
حالات الحامل والمرضع:
سابعاً: مفسدات الصوم:
ثامناً: آداب الصيام:
الآداب الواجبة:
الآداب المستحبة للصائم:
تاسعاً: صوم التطوع:
عاشرًا: الآثار المترتبة على صوم النافلة:
عاشراً: ذكر بعض نوازل الصيام:
المبحث الخامس: ما لا يسع المسلم جهله في الحج:
أولاً: حكمه:
ثانياً: فضائل الحج:
ثالثاً: أهداف الحج:
رابعاً: شروط الحج:
خامساً: مواقيت الحج:
سادساً: بعض المسائل المهمة بالنسبة للمواقيت:
سابعاً: مناسك الحج:
أ – الإحرام:
ب – أنواع الإحرام:
ج – واجبات الإحرام:
د – سنن الإحرام:
هـ – محظورات الإحرام:
1 – ما يحرم على الذكور والإناث:
2 – ما يحرم على الذكور دون الإناث:
3 – ما يحرم على الإناث دون الذكور:
ثامناً: التلبية:
تاسعاً: الطواف:
أ – تعريف الطواف:
ب – حكمه:
ج – شروط الطواف:
د – سنن الطواف:
عاشراً: السعي:
ا – حكم السعي:
ب – شروطه:
الحادي عشر: الوقوف بعرفة:
أ – حكمه:
ب – حكم من فاته الوقوف بعرفة:
ج – مسائل تتعلق بالوقوف بعرفة:
الثاني عشر: المبيت بمزدلفة:
أ – حكم المبيت بمزدلفة:
ب – حكم من ترك المبيت بمزدلفة:
الثالث عشر: رمي الجمرات:
أ – حكم رمي الجمرات:
ب – وقت الرمي:
ج – شروط رمي الجمرات:
د – حكم الإنابة في الرمي:
الرابع عشر: الحلق أو التقصير:
أ – حكمه:
ب – زمان الحلق:
ج – بعض مسائل الحلق والتقصير:
الخامس عشر: ذبح الهدي:
أ – تعريفه:
ب – أقسامه:
ينقسم الهدي إلى قسمين:
ج – الشروط التي يجب توافرها في الهدي:
السادس عشر: المبيت بمنى:
أ – حكمه:
ب – من يسقط عنه المبيت بمنى:
ج – المبيت المطلوب:
السابع عشر: أخطاء يقع فيها بعض الحجاج:
المبحث السادس: ما لا يسع المسلم جهله من العمرة وأحكامها:
أولاً: تعريف العمرة:
ثانياً: حكم العمرة:
ثالثاً: صفة العمرة:
رابعاً: أركان العمرة:
خامساً: واجبات العمرة:
القسم الثاني: قضايا هامة في الأخلاق:
المبحث الأول: فضائل الأخلاق الحسنة في الإسلام:
المبحث الثاني: أهمية الأخلاق في الإسلام:
المبحث الثالث: فوائد الأخلاق:
المبحث الرابع: نماذج من الأخلاق الحميدة:
أولاً: حسن الخلق في معاملة الخالق سبحانه وتعالى:
حسنُ الخلق في معاملة الخالق يجمع ثلاثة أمور:
1- تلقي أخبار الله تعالى بالتصديق.
2 – تلقي أحكامه بالتنفيذ والتطبيق.
3- تلقي أقداره بالصبر والرضا.
ثانياً: حسن الخلق في معاملة الخَلق:
(1) الإحْسَان:
أ – تعريفه:
ب – أدلة الحث عليه من الكتاب والسنة:
أولًا: الأدلة من القرآن الكريم:
ثانيًا: الأدلة من السُّنَّة النَّبويَّة:
ج – فوائد الإحْسَان:
 د – صور الإحْسَان:
(2) الألفة:
أ – تعريفها:
ب – أدلتها من الكتاب والسنة:
ج – فوائد الأُلْفَة:
(3) الأمانة:
أ – تعريف الأمانة:
ب – أدلة الحث عليها من الكتاب والسنة:
ج – فوائد الأمَانَة:
د – صور الأمَانَة:
(4) الإيثار:
أ – تعريف الإيثار:
ب – الفرق بين الإيثَار والسَّخاء والجود
ج – أدلة القرآن والسنة في الحث على الإيثار:
د – فوائد الإيثَار:
(5) الصدق:
أ – تعريف الصدق:
ب – أدلة الحث على الصدق:
ج – فوائد الصدق:
د – صور الصدق:
(6) التعاون:
أ – تعريفه:
ب – أهمية التَّعاون:
ج – أدلة الحث على التعاون:
د – فوائد التعاون:
هـ – مضار التعاون على الإثم والعدوان:
(7) التواضع:
أ – تعريفه:
ب – الأدلة الواردة في الحث على التواضع:
ج – من فوائد (التواضع)
د – صور التواضع
1 – تواضع الإنسان في نفسه:
2 – التواضع في التعلّم:
3- التواضع مع الناس:
4 – التواضع مع الأقران:
5 – تواضع الإنسان مع من هو دونه:
6 – تواضع صاحب المال:
7 – تواضع القائد مع الأفراد:
هـ – الأسباب التي تعين على التواضع:
1 – تقوى الله:
2 – عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به:
3 – التفكر في أصل الإنسان:
4 – معرفة الإنسان قدره:
5 – تذكر الأمراض والأوجاع والمصائب:
6- تطهير القلب:
(8) الحلم:
أ – تعريفه:
ب –ذكر الأدلة في الترغيب في صفة الحلم من القرآن والسنة
ج – آثار وفوائد خلق الحلم
(9) الحياء:
أ – معنى الحياء:
ب – الترغيب والحث على الحياء من القرآن والسنة:
أولاً: الترغيب والحث على الحياء من القرآن الكريم:
ج – فوائد الحياء:
(10) الرفق:
أ – معنى الرفق:
ب – ذكر أدلة الحث على الرفق في القرآن والسنة:
ج – فوائد الرفق:
د – صور الرفق:
1 – الرفق بالنفس في أداء ما فرض عليه:
2 – الرفق مع الناس عامة:
3 – الرفق بالرعية:
4 – الرفق بالمدعوين:
5 – الرفق بالخادم والمملوك:
6 – الرفق بالحيوان:
(11) الصبر:
أ – معنى الصبر:
ب – فضل الصبر والحث عليه من القرآن والسنة:
ج – فوائد الصبر:
د – صور الصبر:
(12) الوفاء بالعهد:
أ – معنى الوفاء بالعهد:
ب – أهمية الوفاء بالعهد:
ج – الأمر بالوفاء بالعهد والوعد في القرآن والسنة:
د – فوائد وآثار الوفاء بالعهد:
1 – حصول التقوى:
2 – محبة الله:
3 – حصول الأمن في الدنيا وصيانة الدماء:
4- الحياة الطيبة والجزاء الحسن والأجر العظيم:
5 – تكفير السيئات وإدخال الجنات:
هـ – صور الوفاء.
فهرس الموضوعات:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1])  آل عمران: (102).

([2])  النساء: (1).

([3])  الأحزاب: (70،71).

([4]) رواه الترمذي (1/9)، وابن ماجة (275)، وأحمد (1/123)، وحسنه الألباني في الإرواء (2/9).

([5]) رواه البخاري (1/43)، ومسلم برقم (1/204).

([6]) البخاري (1/207)، ومسلم، برقم (146).

([7]) رواه مسلم، برقم (245).

([8]) رواه مسلم، برقم (244).

([9]) رواه مسلم، برقم (234)، وزيادة الترمذي ضعفها الألباني (55).

([10]) رواه مسلم، برقم (237).

([11]) رواه البخاري، برقم (159)، ومسلم، برقم (226).

([12]) رواه البخاري، برقم (1934)، ومسلم، برقم (226).

([13]) أخرجه الإمام مالك (1/21/9)، والبخاري (1/54)، ومسلم (1/16-161).

([14]) رواه البخاري، برقم (202).

([15]) رواه البخاري، برقم (205).

([16]) رواه البخاري، برقم (206)، ومسلم، برقم (274)

([17]) سبق تخريجه، ص11.

([18]) أخرجه الترمذي (1/80-81)، وابن ماجة (1/221)، وأحمد (6/161).

([19]) رواه مسلم، برقم (334).

([20]) رواه مسلم، برقم (302).

([21]) رواه البخاري (8/50).

([22]) رواه البخاري، برقم (2/109)، مسلم، برقم (650).

([23]) رواه البخاري، برقم (2/112)، مسلم، برقم (649).

([24]) رواه مسلم، برقم (653).

([25]) انظر: شرح المنتهى (1/244)، المغنى مع الشرح الكبير (1/2).

([26]) رواه البخاري، برقم (2/107)، مسلم، برقم (651).

([27]) رواه مسلم، برقم (653).

([28]) رواه البخاري، برقم (1/165-171-178)، مسلم، برقم (2/134).

([29]) المغني (2/83).

([30]) رواه مسلم، برقم (2/153).

([31]) رواه أبو داود (682)، الترمذي (1/448)، وصححه الألباني في الإرواء (2/323).

([32])  انظر: كتاب “الصلاة”، للمؤلف، (ص207).

([33])  انظر: “العبادة في الإسلام”، للقرضاوي، (ص223).

([34])  انظر: كتاب الصلاة، للمؤلف، (ص331).

([35])  انظر: المغنى (3/260).

([36]) مختصر الفقه الإسلامي، (ص65).

([37]) رواه البخاري، برقم (1024)، ومسلم، برقم (894).

([38]) كتاب “الصلاة” للمؤلف، (ص354).

([39]) رواه أحمد في “المسند” (2/290)، وأبو داود، برقم (864) واللفظ له، وكذا صححه الألباني في “صحيح سنن ابن ماجه”(1/240)، وفي “صحيح سنن الترمذي”(1/130)، وفي “صحيح سنن النسائي” (1/101) وفي “صحيح سنن أبي داود” (1/163).

([40]) رواه مسلم، برقم (489).

([41]) رواه البخاري، برقم (3/39)، مسلم، برقم (3/177).

([42]) رواه البخاري، برقم (3/40).

([43]) رواه البخاري، برقم (2/46)، مسلم، برقم (2/178).

([44]) انظر: الشرح الممتع على زاد المستنقع لشيخنا محمد بن صالح بن عثيمين (6/12-14)،”منهاج المسلم”، أبو بكر الجزائري، (ص367).

([45]) رواه مسلم، برقم (155).

([46]) رواه البخاري، برقم (8)، مسلم، برقم (16).

([47]) انظر: كتاب الزكاة، للمؤلف (ص57).

([48])) انظر: فتاوى ابن تيمية (25/93)، موجز من فقه العبادات، محمد الحسيني، (ص65)، فقه الزكاة، للقرضاوي (2/1119).

([49]) انظر: المغني (2/435)، كتاب الزكاة، للمؤلف (ص75 – 76).

([50]) رواه البخاري، برقم (1459)، ومسلم، برقم (979).

([51]) رواه البخاري، برقم (1483) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

([52]) الممتع في شرح زاد المستنقع (6/107- 108).

([53]) رواه البخاري، برقم (1449).

([54]) انظر: الممتع في شرح زاد المستنقع (6/189-190).

([55]) رواه البخاري، برقم (1479)، ومسلم، برقم (1079).

([56]) رواه البخاري، برقم (1503)، ومسلم، برقم (984).

([57]) انظر: مجالس شهر رمضان لشيخنا محمد بن عثيمين (ص228).

([58]) رواه البخاري (3/22)، ومسلم (3/157).

([59]) انظر: كتاب “الصيام” للمؤلف (ص14).

([60]) رواه البخاري (3/157).

([61]) رواه البخاري (3/22)، ومسلم (3/ 173).

([62]) رواه البخاري (3/23)، ومسلم (3/57).

([63]) رواه البخاري (1/8)، ومسلم (1/34).

([64]) انظر بدائع الصنائع (2/75)، المجموع (6/248)، المغني (4/324).

([65]) الممتع في شرح زاد المستنقع لشيخنا محمد الصالح العثيمين (6/ 332).

([66]) انظر: بداية المجتهد (1/274)، بدائع الصنائع (2/73)، السيل الجرار (2/308).

([67])كتاب “الصيام” للمؤلف (ص47).

([68]) رواه البخاري (3/24)، ومسلم (3/ 122).

([69]) رواه البخاري (3/24)، مسلم (3/ 122).

([70]) تفسير ابن كثير (1/215)، فتح القدير (1/180).

([71]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (25/220).

([72]) رواه البخاري (3/36).

([73]) صحيح البخاري مع فتح الباري (1/420).

([74]) رواه أبو داود (1/796)، النسائي (4/190)، الترمذي (2/109).

([75]) انظر: الممتع شرح زاد المستنقع (6/360- 361).

([76]) أنظر: كتاب “الصيام” للمؤلف (ص99-108).

([77]) رواه البخاري (3/24).

([78]) رواه البخاري (2/76)، ومسلم (3/130).

([79]) رواه البخاري (3/26)، مسلم (3/131).

([80]) رواه البخاري (3/33)، مسلم (3/131).

([81]) انظر: المحلي لابن حزم (6/541)، المجموع للنووي (6/359)، نيل الأوطار للشوكاني (4/107).

([82]) رواه مسلم، برقم (1164).

([83]) رواه مسلم، برقم (1162).

([84]) رواه مسلم، برقم (1162).

([85]) رواه البخاري (4/192)، مسلم، برقم (1159).

([86]) رواه الترمذي، برقم (747).

([87]) رواه مسلم، برقم (1163).

([88]) رواه البخاري، برقم (1970).

(1) رواه الترمذي (697)، وصححه الألباني في جامع الترمذي (3/80).

(2) فتاوى اللجنة الدائمة (10/123) الفتوى رقم(2665) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (19/209).

([91])  مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي قرار رقم: 99/ 1/ د 10.

([92])  مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز (15/257).

([93])  مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (19/209).

([94])  مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز (15/264).

([95])  مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (19/209).

([96])  مجلة البحوث الإسلامية (43/155).

([97])  مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي قرار رقم: 99/ 1/ د 10.

([98])  مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز (15/257).

([99])  مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (19/ 213).

([100])  مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز (15/261).

([101])  مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (19/ 206).

(1) مجموع فتاوى العلامة عبدا لعزيز بن باز (15/ 264).

(2) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (19/ 20 يث 9).

(3)  فتاوى اللجنة الدائمة (10/250).

(1) الاختيارات الفقهية، ص193.

(2) مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله (15/258).

(3) الشرح الممتع على زاد المستقنع (6/378).

(4) رواه أبو داود (2367)، والترمذي (774)، وابن ماجه (1680)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2074).

([109]) المغني بالشرح الكبير (3/21).

([110]) البخاري، برقم (8)، ومسلم، برقم (16).

([111]) مسلم (4/102).

([112]) بدائع الصنائع (2/118).

([113]) المغني (5/6).

([114]) انظر: كتاب “الحج” للمؤلف (ص: 27).

([115]) انظر: شروط الاستطاعة في “أحكام القرآن” لابن العربي: (1/288)، و” الجامع لأحكام القرآن” للقرطبي: (4/148) و” أضواء البيان” للشنقيطي: (5/74).

([116]) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع لشيخنا محمد بن صالح العثيمين (7/376).

([117]) انظر: المرجع السابق (7/58).

([118]) انظر: كتاب “الحج والعمرة” للمؤلف، ص (66 – 69).

([119]) انظر: بدائع الصنائع (ـ2/183)، بداية المجتهد (4/375)، والمجموع (6/249)، والمغني (5/53).

([120]) انظر: كتاب “الحج والعمرة” للمؤلف، ص (77- 83).

([121]) أخرجه أحمد (4/309، 335)، وأبو داود في المناسك، باب من لم يدرك عرفة (1949)، والترمذي في الحج، باب ما جاء في من أدرك الإمام بجمع… (889)؛ والنسائي في الحج، باب فرض الوقوف بعرفة (5/256)، وابن ماجه في المناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع (3015)، وصححه ابن خزيمة (2822)، وابن حبان (3892) إحسان، والحاكم (1/464)، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي ـ رضي الله عنه ـ، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

([122]) انظر: كتاب “الحج والعمرة” للمؤلف، ص (109 – 112).

([123]) انظر: كتاب “الحج والعمرة” للمؤلف، ص (113 – 118).

([124]) انظر: كتاب “الحج والعمرة” للمؤلف، ص (119 – 122).

([125]) انظر: كتاب “الحج والعمرة” للمؤلف، ص (125 – 129).

([126]) انظر: كتاب “الحج والعمرة” للمؤلف، ص (73).

([127]) انظر: الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر في كتابنا “الحج والعمرة” للمؤلف، ص (155-168).

([128])  رواه الإمام أحمد (6/71، 165) وابن ماجه في المناسك، باب الحج جهاد النساء (2901) قال الحافظ في البلوغ (709) بإسناد صحيح.

([129]) انظر: كتاب “الحج والعمرة” للمؤلف، ص (173 – 184).

([130]) أخرجه أحمد (8595) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وسنده صحيح، قال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وصحَّح العجلوني سندَه في كشْف الخفاء، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (2349).

([131]) سبق تخريجه، ص99.

([132]) رواه مسلم، برقم (4633) من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه.

([133]) رواه أبو داود (4166)، والترمذي (1925) وقال: حسن صحيح، وجوَّد المنذري سنده، وصحَّحه الألباني في صحيح الترهيب والترغيب (2641).

([134]) رواه أبو داود، كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، برقم (4682) قال الشيخ الألباني: حسن صحيح انظر: صحيح الترغيب والترهيب، برقم (1923).

([135]) رواه البخاري، برقم (5569) عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه.

([136]) رواه أحمد (6447) وسنده صحيح، قال الهيثمي: إسناده جيد، وصحَّحه الألباني في صحيح الترهيب والترغيب (2650).

([137]) رواه أحمد (3632) وسنده صحيح، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح، وصحَّحه الألباني في الإرواء (1/ 115).

([138]) رواه مسلم، برقم (1290) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

([139]) انظر: أصول الدعوة؛ عبدالكريم زيدان (ص: 154).

([140]) سبق تخريجه، ص99.

([141]) انظر: معالم الشخصية الإسلامية المعاصرة. د. عصام بن عبد المحسن الحميدان، د عبد الرحمن بن عبد الجبار هوساوي، ص (13)، وكتاب الأخلاق الإسلامية وأسسها لعبد الرحمن الميداني (1/82).

([142]) انظر: معالم الشخصية الإسلامية المعاصرة. د/ عصام بن عبد المحسن الحميدان، د/ عبد الرحمن بن عبد الجبار هوساوي، ص (13).

([143]) رواه البخاري، برقم (3320).

([144]) انظر: بهجة قلوب الأبرار للعلامة السعدي، ص (204 – 206).

([145]) تيسير الكريم الرحمن، ص (57).

([146]) انظر: تيسير الكريم الرحمن، ص (57).

([147]) انظر: فتح القدير (4/261).

([148]) رواه مسلم، برقم (1955).

([149]) تحفة الأحوذي (4/664 – 665).

([150]) رواه البخاري، برقم (6921)، ومسلم، برقم (120).

([151]) رواه مسلم، برقم (2549).

([152]) رواه الترمذي، برقم (1163)، وابن ماجة، برقم (1852)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (7880).

([153]) رواه أحمد، برقم (2808)، وابن ماجة، برقم(4223) وصححه أحمد شاكر في تخريج المسند (5/309).

([154]) انظر: نضرة النعيم لمجموعة من العلماء (1/91).

([155]) انظر: منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري (169 -171).

([156]) تفسير الأصفهاني (2/765).

([157]) الكشاف (1/395).

([158]) الدر المنثور (2/287).

([159]) الجامع لأحكام القرآن (7/42).

([160]) رواه الطبراني في الأوسط (5787)، وأحمد، برقم (9187)، وصححه الألباني في صَحِيح الْجَامِع برقم (6662) الصَّحِيحَة، برقم (426) وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن،الحاكم برقم (9147).

([161]) فيض القدير (6/329).

([162]) فيض القدير (6/329).

([163]) رواه مسلم، برقم (1855).

([164]) انظر: كتاب “هذه أخلاقنا” محمود محمد الحزندار، ص (195).

([165]) انظر: نضرة النعيم (2/506).

([166]) انظر: كتاب “أدب الدنيا والدين” للماوردي، ص (147 -161).

([167]) فتح القدير (1/719).

([168]) انظر: تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص (673).

([169]) انظر: تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص (887).

([170]) رواه البخاري، برقم (7).

([171]) رواه البخاري، برقم (33)، ومسلم، برقم (59).

([172]) انظر: شرح رياض الصالحين لشيخنا محمد بن صالح العثيمين (4/48).

([173]) رواه البخاري برقم (59).

([174]) انظر: كتاب نضرة النعيم (3/ 257).

([175]) انظر: كتاب الأخلاق الإسلامية لعبد الرحمن الميداني (1/595) وشرح رياض الصالحين لشيخنا محمد بن صالح العثيمين (2/462).

([176]) انظر: المعجم الوسيط (1/5)، والتعريفات للجرجاني (1/59).

([177])كتاب “تهذيب الأخلاق”، ص (19).

([178]) مدارج السالكين (2/292).

([179]) تفسير القرآن العظيم (8/70).

([180]) منهاج السنة النبوية (8/70).

([181]) تفسير السعدي (1/970).

([182]) رواه البخاري، برقم (2486)، ومسلم، برقم (2500).

([183]) عمدة القاري في شرح صحيح البخاري (13/44).

([184]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (6/452).

([185]) رواه البخاري، برقم (5329)، ومسلم، برقم (2058).

([186]) شرح صحيح البخاري (3/417).

([187]) انظر: لسان العرب لابن منظور (1/193). وإحكام الفصول للباجي، ص (235)، الصدق وأثره في حياة الفرد والأمة، صفوت محمود ص (13).

([188]) انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثر (4/230).

([189]) معالم التنزيل للبغوي (3/123).

([190]) انظر: تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص (664).

([191]) رواه البخاري، برقم (6094)، ومسلم، برقم (2604).

([192]) شرح صحيح مسلم للنووي (16/241-243).

([193]) رواه أحمد، برقم (6652)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم (1718).

([194]) رواه البخاري، برقم (7)، ومسلم، برقم (1773).

([195]) رواه البخاري، برقم (2079)، ومسلم، برقم (1532).

([196]) انظر: كتاب الرائد “دروس في التربية والدعوة”، مازن بن عبد الكريم الفريح (3/258).

([197]) انظر: إحياء علوم الدين للغزالي (3/387).

([198]) انظر: لسان العرب لابن منظور (13/298). والمعجم الوسيط، لإبراهيم مصطفى وآخرون (2/ 638).

 وموسوعة الأخلاق لخالد الخراز، ص (441).

([199]) رواه البخاري، برقم (481)، ومسلم، برقم (2585).

([200]) رواه البخاري، برقم (5665)، ومسلم، برقم (2586).

([201]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير الكريم المنان (1/ 934).

([202]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/ 87).

([203]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/ 12).

([204]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6/ 46 – 47).

([205]) جامع البيان في تأويل القرآن للطبري (5/ 643).

([206]) رواه البخاري، برقم (481)، ومسلم، برقم (2585).

([207]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 227).

([208]) رواه البخاري، برقم (5665)، ومسلم، برقم (2586).

([209]) رواه البخاري، برقم (2442)، ومسلم، برقم (2580).

([210]) انظر: نضرة النعيم لمجموعة من الباحثين (3/1027).

([211]) انظر: نضرة النعيم لمجموعة من الباحثين (9/ 4209).

([212]) انظر: مختار الصحاح للجوهري (3/1300)، تهذيب الأخلاق للجاحظ (ص25)، والذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب الأصفهاني (ص299)، فتح الباري لابن حجر (11/341).

([213]) رواه مسلم، برقم (5109).

([214]) رواه مسلم، برقم (4689).

([215]) رواه الترمذي، برقم (2405)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (ج2/ص 718).

([216]) انظر: نضرة النعيم لمجموعة من الباحثين (4/ 1268).

([217]) انظر: الزهد لوكيع (275).

([218]) انظر: تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة (ص15-16).

([219]) انظر: المرجع السابق (ص71-72).

([220]) انظر: الأخلاق الإسلامية ودورها في بناء المجتمع. لجمال نصار- بتصرف – (ص 238)، وكتاب دروس إيمانية في الأخلاق الإسلامية لخميس السعيد – بتصرف (ص 39)، وكتاب من أخلاق الداعية لسلمان العودة – بتصرف (ص 29).

([221]) انظر: التواضع في ضوء القرآن والسنة الصحيحة، ص (31، 32) سليم الهلالي.

([222]) أضواء البيان (3/ 592).

([223]) انظر: دروس إيمانية في الأخلاق الإسلامية (ص 57) لخميس السعيد – بتصرف.

([224]) انظر: مفردات ألفاظ القرآن للراغب (ص253)، والتعريفات للجرجاني (ص92).

([225]) تفسير القرآن العظيم (2/122).

([226]) مجموع الفتاوى (4/332).

([227]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (7/181).

([228]) رواه مسلم، برقم (18) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

([229]) رواه البخاري، برقم (6114)، ومسلم، برقم (2609).

([230]) التمهيد لابن عبد البر (6/322).

([231]) رواه أبو داود (4777)، وابن ماجه (4186)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم (3394).

([232]) روضة العقلاء لابن حبان البستي (208).

([233]) انظر: نضرة النعيم – بتصرف لمجموعة من العلماء (5/ 1752).

([234]) سبق تخريجه، ص 156.

([235]) فتح الباري (1/ 52).

([236]) التبيان في تفسير غريب القرآن (ص61).

([237]) تفسير مجاهد، ص (529).

([238]) جامع البيان للطبري (18/ 221).

([239]) تفسير ابن كثير (6/ 454).

([240]) رواه البخاري، برقم (3484).

([241]) انظر: معالم السنن للخطابي (4/ 109).

([242]) رواه مسلم، برقم (35).

([243]) معالم السنن للخطابي (4/ 312).

([244]) رواه البخاري، برقم (6117)، ومسلم، برقم (37).

([245]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 297).

([246]) رواه البخاري، برقم (24) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

([247]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 298).

([248]) رواه الترمذي (2458) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وقال: غريب. وحسن إسناده النووي في المجموع (5/ 105)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2458).

([249]) جامع العلوم والحكم، ص (464).

([250]) انظر: نضرة النعيم (5/ 1814)، وكتاب الأخلاق الإسلامية. لعبد الرحمن الميداني (2/491).

([251]) انظر: لسان العرب لابن منظور (10/118)، وفتح الباري لابن حجر (10/449)، ومرقاة المفاتيح للقاري (8/3170).

([252]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/148).

([253]) معالم التنزيل للبغوي (6/207).

([254]) تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص (506).

([255]) رواه البخاري، برقم (6030).

([256]) رواه مسلم، برقم (2592).

([257]) شرح رياض الصالحين (3/ 592).

([258]) رواه مسلم، برقم (1828).

([259]) شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (3/ 634).

([260]) رواه مسلم، برقم (2594).

([261]) انظر: كتاب نضرة النعيم لمجموعة مؤلفين (6/ 2168).  

([262]) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم (1/ 132).

([263]) رواه مسلم، برقم (1662).

([264]) أضواء البيان للشنقيطي (3/ 427).

([265]) رواه البخاري، برقم (2363).

([266]) رواه مسلم، برقم (1958).

([267]) عدة الصابرين لابن القيم، ص (34).

([268]) عدة الصابرين لابن القيم (113).

([269]) انظر: عدة الصابرين لابن القيم، بتصرف يسير، ص (114).

([270]) رواه البخاري برقم (1469).

([271]) رواه البخاري برقم (1283).

([272]) رواه البخاري برقم (1283).

([273]) رواه البخاري، برقم (5653).

([274]) انظر: نضرة النعيم لمجموعة مؤلفين (6/ 2471 – 2472).

([275]) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن القيم الجوزية، ص (101).

([276]) انظر كتاب: ملخص من كتاب الأخلاق الإسلامية لعبد الرحمن حبنكة الميداني (2/ 294).

([277]) انظر: كتاب الصبر في القرآن الكريم للدكتور يوسف القرضاوي، ص (109)

([278]) انظر: لسان العرب لابن منظور (15/ 398)، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني، ص (878).

([279]) انظر: كتاب العهد والميثاق في القرآن الكريم لناصر العمر، ص (183).

([280]) جامع البيان في تأويل أي القرآن للطبري (17/ 444).

([281]) فتح القدير للشوكاني (4/ 105).

([282]) تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص (218).

([283]) رواه أحمد (5/323)(22809)، وابن حبان (1/506)(271)، والحاكم (4/399)(8066)، وصحح إسناده الحاكم، وقال الذهبي: فيه إرسال. وقال الهيثمي في (المجمع)(4/148)، رجاله ثقات إلا أن المطلب لم يسمع من عبادة.

([284]) رواه أبو داود (2759)، والترمذي (1580)، وأحمد (4/ 385) (19455) من حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألباني في (صحيح الجامع)(6480).

([285]) رواه ابن ماجه (3945)، والضياء في (المختارة)(1/152). قال البوصيري في (مصباح الزجاجة) (4/167)، رجاله ثقات إلا أنه منقطع. وصححه لغيره الألباني في (صحيح الترغيب)(421)، وقد رواه مسلم (657) بلفظ مقارب، من حديث جندب رضي الله عنه.

([286]) رواه البخاري، برقم (34)، ومسلم، برقم (58).

([287]) انظر: العهد والميثاق في القرآن الكريم لناصر العمر، ص (204).

([288]) رواه البخاري، برقم (2387) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([289]) رواه ابن ماجه (3443) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه، ورواه أبو يعلى(6682)، والطحاوي في (شرح مشكل الآثار)(8/13)(3014)، وأبو نعيم في (الحلية)(7/142) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([290]) رواه البخاري، برقم (6696) من حديث عائشة رضي الله عنها.

([291]) انظر: خلق المسلم لمحمد الغزالي، ص (50)، والأخلاق الإسلامية لحسن المرسي، ص (218).

([292]) رواه الترمذي في المناقب، باب فضل أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم (3895)، وابن حبان (4177)، ـ إحسان ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ وقال الترمذي: «حسن غريب صحيح»، وصححه ابن حبان، وأخرجه ابن ماجه في النكاح، باب حسن معاشرة النساء (1977) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وصححه ابن حبان (4186).

([293]) رواه البخاري، برقم (5991).

([294]) رواه أبو داود كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، برقم (4682)، قال الشيخ الألباني: حسن صحيح انظر: صحيح الترغيب والترهيب، برقم (1923).

([295]) انظر: رسالة مكارم الأخلاق لشيخنا محمد بن صالح العثيمين، ص (13-36).