خطبة عيد الفطر المبارك بتاريخ: 1-10-1437هـ

الثلاثاء 7 جمادى الآخرة 1440هـ 12-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين،

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.

الله أكبر، الله أكبر.. لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر. ولله الحمد.

الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.

الله أكبر عز جاهه، وعم إحسانه، وعنت الوجوه لعظمته، وخضعت الخلائق لقدرته.

الله أكبر ما تنسمت الألسن بذكره، وسبحته الخلائق من إنسه وجنه وطيره.

الله أكبر ما هلله المهللون، وحمده الحامدون، وكبره المكبرون، وأثنى عليه الشاكرون.

الله أكبر ما صام صائم وأفطر، الله أكبر ما تلى قارئ كتاب ربه فتدبر وتأثر.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن.

العزيزٌ الذي لا يضام، والجبار الذي لا يرام، والقيوم الذي لا ينام، له العظمة والجلال، والعز

والكبرياء.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح

الأمة، وكشف الله به الغمة، ألهمه سبحانه وتعالى ــ يوم القيامة ــ محامدَ لم تُفتح لأحدٍ

قبله، وسجد تحت العرش يثني على ربه بما هو أهله.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

فيأيها المسلمون والمسلمات، أهنئكم بعيد فطركم وأسأل الله جل وعلا أن يعيده علينا

وعليكم وعلى أمة الإسلام بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام.

عباد الله: احمدوا الله جل وعلا، واشكروه على ما أعطاكم؛ وما امتن به عليكم، فإنكم لو

عدَدْتم نِعَمه عليكم فلن تحصوها أبداً؛ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}(إبراهيم: 34).

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

أيها المسلمون والمسلمات: لقد أنعم الرب جل وعلا عليكم بصيام رمضان وقيامه، وصلاته

ودعائه وتلاوة كتابه، والتقرُّب إليه بأنواع البرِّ والإحسان، فاشكروه جل وعلا على ذلك

بقلوبكم وأعمالكم، وواصلوا العهد بطاعته بعد رمضان؛ فإنه سبحانه يُعبَد في كل وقت

وزمان، فرب رمضان هو رب سائر الشهور والأعوام.

فيا أهل الصيام استمروا على الدرب في صيام النفل بعد رمضان، فالحسنة بعشر أمثالها

إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.

ويا أهل القرآن، والتهجد والتضرع والدعاء، يا من قمتم بالليل والناس نيام، لا تتركوا لذَّةَ

مناجاة ربكم بعد أن ذقتم حلاوتها في رمضان؛ فإن ربكم جل وعلا يتودَّدُ إليكم في كل آن،

فاستمروا على طريق الاستقامة وتقرَّبوا إليه بصالح الأعمال، فلا غنى لكم عنه طرفة عين،

واعلموا أن الدنيا راحلة مدبرة، ولن ينفعكم منها إلا ما قدمتم فيها؛ {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ

خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ

إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(النمل: 89، 90).

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

عباد الله: لقد مرّ خلال هذا العام أحداث عظيمة وفتن شديدة اهتزت لها قلوب المؤمنين،

وتصدعت معها قلوب المنافقين، سُلبَ الملك من أناس، وأعطي لآخرين.

ولدت دول، وسقطت أنظمة مستبدة، وانطفأ نور الباطل في بعض البلاد، واشتد الظلم في

أخرى.

وصدق الله العظيم إذ يقول {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ

نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ *

وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ

جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}(آل عمران: 140ــ 142).

ففي سوريا إبادةٌ جماعية وحرب طائفية، وفي فلسطين اعتداء غاشم من اليهود الغاصبين،

وفي بورما يذبح المسلمون بدم بارد، وفي كل شبر من أرض الله يعاني أهل الإسلام الظلم

والاضطهاد والمعاناة.

وفي حدودنا مع اليمن يقف جنودنا البواسل يدافعون عن الدين والمقدسات والأعراض،

والظالمون يروعون الآمنين ويخيفون السبيل ويهلكون الحرث والنسل.

فعلينا بالوقوف مع إخواننا المستضعفين في كل مكان بالمساعدة، والإلحاح على الله جل

وعلا أن يفرج عنهم، وأن يعجل بنصرهم.

وعلى ثرى بلادنا يوجد شباب أغرار غسلت أدمغتهم وتأثروا بالفكر الضال، دفعهم غيهم

وضلالهم لقتل أقرب الناس إليهم حتى وصل الحال بهم أن قتلوا والديهم عياذا بالله،

واعتدوا على رجال الأمن الذين يدافعون عن الدين والمقدسات والأنفس والأعراض، بل وصل

بهم الحال أن يقدموا على التفجير في المدينة، وهذا بحول الله علامة على نهايتهم، فقد

توعد صلى الله عليه وسلم من أخاف أهل المدينة بأن يذيبه كما يذوب الملح في الماء (لا

يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء)(رواه ).

وبهذه المناسبة نزجي شكرنا ودعاءنا لولاة أمرنا ــ حفظهم الله ــ على ما قدموه وما

يقدمونه من دعم لإخواننا في اليمن وسوريا وفلسطين وغيرها من بلاد الإسلام، وما

يبذلونه لخدمة الحجاج والمعتمرين والعناية بالحرمين الشريفين ما يقومون به من مقاومة

لهذا الفكر وتتبع ذيوله وملاحقة أتباعه. مكن الله منهم عاجلاً غير آجل، وجزى الله ولاة

أمرنا خير الجزاء عنا وعن المسلمين.

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

عباد الله: لقد أمر الله جل وعلا عباده بإخلاص العبادة له، واتباع رسوله صلى الله عليه

وسلم وخلفائه الراشدين، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والعدل والإحسان، والصدق والنصح

والأمانة، وسائر الأخلاق الكريمة. وأمرهم بتطهير قلوبهم من الغل والحقد والحسد

والنفاق، وسائر الأخلاق والأعمال السيئة.

ونهاهم عن الرياء والشرك، والبدع في الدين، والعقوق، وقطيعة الرحم، والظلم والكذب،

والغش، والخيانة، والعداوة والبغضاء، وأكل الربا، وشرب المسكرات، ومقارفة الفواحش

والآثام، والبعد عن كل شر وفساد.

وأنتِ أيتها المرأة المسلمة المؤمنة العفيفة، أيتها الصائمة القائمة، التي تحب ربها ونبيها

ودينها، اعلمي أن مكر أعداء الإسلام كبيرٌ، وكيدهم عظيم، يريدون رِقَّكِ باسم تحريرك،

ويطمعون في عِرضك وعفافك باسم تكريمك، حتى تكوني سلعة رخيصة ممتهنة بأيديهم،

وحتى تكوني أداة هدم لمجتمعك.

فإياكِ يا أمة الله أن تُخدعي بدعاواهم، أو ينطلي عليك تزويرُهم؛ فإن الله جل وعلا يحب لك

الستر والحشمة والعفاف ومحاسن الأخلاق، فلا تفرطي في دينك، ولا حجابك، ولا أخلاقك

كي تكوني رفيقة أمهات المؤمنين في الجنة بإذن الله تعالى. حفظ الله نسائنا ونساء

المسلمين من كل سوء وفتنة، وأسبغ عليهن ستره، وأفاض عليهن من برِّه وإحسانه وفضله.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله

وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن

سار على نهجه إلى يوم الدين.

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ. *

عباد الله: اتقوا الله تعالى، وأطيعوه واحرصوا على ما يرضيه، واجتنبوا نواهيه. واعلموا أن

العيد في الإسلام غبطة في الدين، وبهجة في الحياة، ومظهر للقوة والإخاء، إنه فرحة

بانتصار إرادة المسلم الخيِّرة على أهوائه وشهواته، والرضا بطاعة مولاه وخالقه، وانتظار

وعده الكريم بالفردوس والنجاة من النار.

والمجتمع الصالح السوي هو الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروة وتمتد فيه مشاعر

الإخاء إلى أبعد مدى، حيث يبدو متماسكًا متعاونًا متراحمًا، تخفق القلوب فيه بالحب والود،

والبر والصفاء، والتواصل.

ومن أراد معرفة أخلاق الأمة فليراقبها في أعيادها، ففيه تنطلق السجايا على فطرتها،

وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها، فكونوا مثالاً يقتدى لأمة الإسلام في

التمسك بالأخلاق الطيبة، والسجايا الكريمة.

عباد الله: ويستحب التهنئة بالعيد فقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا

يوم العيد، يقول بعضهم لبعض: ” تقبل الله منا ومنك” (رواه أحمد، وحسنه الحافظ في

الفتح). وهذه التهنئة المباركة مع البسمة المشرقة، لها أثرها بين الأفراد، فهي تزيد الحب

والود والتآلف في قلوب الناس.

واحرصوا بارك الله فيكم على زيارة الأهل والأقارب وصلة الرحم، لأن في ذلك إدخال السرور

عليهم، وهو من تمام الإحسان الذي رغّب فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال:

(مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)(رواه البُخَارِي ومسلم).

ومن الصلة والإحسان أيضاً الرحمة باليتيم والعطف عليه, وإدخال السرور على الفقراء

والمساكين، ولو بالكلمة الطيبة.

ولا حرج على المسلم أن يوسع على أهله في الأكل والشرب والنفقة وخاصة في هذه

الأيام المباركة ويكون ذلك من غير إسراف أو تبذير.

وعلى أولياء الأمور أن يحذروا مما يشتريه أولادهم من الألعاب النارية التي تؤذي من يلعب

بها أو غيره، ويترتب عليها أخطار جسيمة.

ولا حرج في اللهو المباح في أيام العيد: لما رواه أنس رضي الله عنه قال: لما قدم النبي

صلى الله عليه وسلم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين، فقال عليه الصلاة والسلام: (كان

لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله خيراً منها: يوم الفطر ويوم الأضحى)(رواه أبو

داود، والنسائي).

وروى الشيخان وأحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول

الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لي منكبيه فجعلت

أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت).

عباد الله: إن العيد مناسبة لإطلاق الأيدي الخيّرة في مجال الخير بالإنفاق والبذل في سبيل

الله، فإن ذلك يعود بالخير على المنفقين، والآخذين، وبسببه تعلو البسمة الشفاه، وتغمر

البهجة القلوب، وتزول الضغائن والأحقاد من قلوب المسلمين.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: ابتهجوا بعيدكم في حدود ما أحلَّ الله لكم، واحتسبوا ما تنفقونه على

أولادكم، وشاركوهم في لهوهم وفرحهم وسعادتهم؛ فإن العيد شعيرة عظيمة من شعائر

ربكم، والفرح مظهر من مظاهره، فافرحوا بنعمة الله تعالى، وهدايته لكم، وأظهِروا السرور

والحبور بهذا اليوم العظيم، واحرصوا على ما يرضي ربكم تنالوا الخير والبركة في الدنيا

والآخرة.

وأتبعوا رمضانَ بصيام الست من شوال؛ فإن من صامها بعد رمضان كان كمن صام الدهر كله.

عباد الله: لقد أفاض الله جل وعلا علينا في هذه البلاد المباركة الكثير من الخيرات والبركات

وأحل علينا الأمن والأمان والمعافاة في الأهل والأولاد، ورغد العيش، وأساس ذلك ورأسه

نعمة الدين فتمسكوا به، وعضوا عليه بالنواجذ.

وعليكم بالدعاء لولاة الأمر، وطاعتهم بالمعروف، والتفوا حولهم، وشدوا أزرهم، واعلموا إن

صلاح الراعي من صلاح الرعية.

واحذروا ممن يحسدكم على هذه النعم التي تتقلبون فيها، ويسعون إلى زوالها، وكونوا

نعم الرعية في نصح الراعي والتعاون معه فيما يرضي ربكم جل وعلا.

واحذروا فكر الشبهات والشهوات، فكلاهما ينخر في المسلمين كفانا الله شرهم ورد

كيدهم إلى نحورهم. أعاده الله تعالى علينا وعليكم وعلى أمة الإسلام جمعاء باليُمْنِ

والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبَّل الله منا ومنكم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد

وعلى آله وصحبه أجمعين.

1/10/1437هـ