خطبة بعنوان: ((استغلال أصحاب الفكر الضال لوسائل التواصل )بتاريخ: 10-10-1437هـ بجامع الملك عبدالله بالأفلاج
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون }[آل عمران: 102].
أيها المؤمنون: خلق الله جل وعلا الخلق لعبادته، وصدق الله العظيم { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون}[الذاريات:56].
وهذه العبادة يتفاوت فيها الناس، فمنهم من يؤديها على أكمل وجه، ومنهم من يفرط فيها، ولكن الميزان في ذلك هو إخلاص العبادة لله جل وعلا ، وأن تكون على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ..}[البينة: 5]، وقال صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)(متفق عليه).
أيها المؤمنون: ولقد أنعم الله جل وعلا علينا بنعم كثيرة، فخلق لنا ما في الأرض، {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً..}[البقرة:29].
فكل ما على وجه الأرض يسَّره الله جل وعلا لنا، نستمتع به فيما أحل الله لنا، ولكن أقواماً استغلوا هذه النعم فجنت عليهم، ولعل من الأخطر والأكثر ضرراً في واقعنا اليوم وسائل التواصل الاجتماعي وما أحدثته من نُقله عظيمة بين الصغار والكبار، والذكور والإناث، ولكن بعض الناس استغلوها في معصية الله، بل وصل الحال ببعضهم أنه جعلها وسيلة للاصطياد وأذية الناس، بل بلغ الجرم بهم أنهم أصبحوا يقتلون عن طريقها الناس، وما فِعل الدواعش عنكم ببعيد، لقد استغلوا هذه الوسائل ولبسوا على الأبناء وروجوا أفكارهم الضالة، فأصبحوا يتصيدون هؤلاء الناشئة، من أجل تلويث أفكارهم، بهذا السمِّ الزعاف، وإن الفكر الضال الذي ينخُر في كثير من شبابنا، هذا الفكر أصبح من أعظم وسائله وأقوى تَقنياته وسائل التواصل، أصبحوا يصلون إلى أبنائنا وبناتنا في غرف نومهم، بل وفي فرشهم في غفلة من الآباء والأمهات.
أيها المؤمنون: وهنا نحتاج لوقفة جازمة حازمة، نحتاج إلى أن نسأل أنفسنا ما هي فوائد هذه الوسائل، وما هي أضرارها، وما هي آثارها، وما العلاج ، وكيف نحمي ناشئتنا من الآثار الخطيرة لها.
لقد أقدم أصحاب الفكر الضال على قتل المؤمنين، على قتل الركع السجد، بل وصل الحال بهم إلى أن أخافوا الراكعين الساجدين، في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد توعد الله جل وعلا من يقتل مؤمنا واحداً بأعظم الوعيد وأقساه، وصدق الله العظيم:{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء:93].
وقال صلى الله عليه وسلم (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراماً)(رواه البخاري). وقال صلى الله عليه وسلم (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة)(رواه البخاري).
فكيف بمن يروع الآمنين، ويخوف الراكعين الساجدين، بل كيف بمن يخيف أهل المدينة، وقد جاء في الحديث (من أخاف أهل المدينة أخافه الله عز وجل، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)(رواه أحمد والنسائي في الكبرى برجال الصحيح، والطبراني في الكبير).
وجاء في الحديث (لا يكيد لأهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء)(رواه البخاري).
أيها المؤمنون: وإن من آثار هذه الوسائل أن أصحاب فكر الشهوات والشبهات استغلوها في التأثير على الناشئة فأضلوهم بالانحراف بفكر التشدد أو فكر الشهوات، وأبعدوهم عن دينهم، بل زرعوا فيهم عداوة أقرب الناس إليهم، فأصبحوا يروجون أن أقاربهم لا يفهمون شيئا، ولا يدركون، ولا يعقلون، ولا يفهمون نصوص الكتاب والسنة.
وقد تأملتُ أهم الوسائل التي يصيد بها أصحاب الفكر الضال هؤلاء الناشئة فوجدت أن لهم طرقاً أربعةً يسلكونها:
الأول: أنهم يُزهدون الناشئة بعلمائهم، فيحاولون جاهدين إسقاط العلماء من أجل ألا يأخذ الشباب من هؤلاء العلماء، وبالتالي يتلقون عن أصحاب الفكر الضال .
الثاني: يحاولون إسقاط ولاة الأمر ويُحجمون الأخطاء ويجعلون بوناً شاسعاً بين الرعية والرعاة من أجل أن يزهدوا الناس بولاة أمرهم ويجعلوهم لا يطيعونهم ثم يحصل التفرق والتشتت في البلد .
الطريق الثالث: أنهم يزهدون الشباب بأقرب الناس إليهم بآبائهم وأمهاتهم وأعمامهم وأخوالهم وجيرانهم وأساتذتهم من أجل ألا يبقى أحد في نظر هؤلاء الشباب يمكن أن يستفاد منه أو يؤخذ منه.
الطريق الرابع: يسقطون المجتمع بوصفه بالجهل وعدم الفقه وعدم المعرفة ثم يصدرون حكمهم الجائر بكفر المجتمع وبالتالي يسترخص الشاب أن يقدم على قتل أقرب الناس إليه. ولقد مر بهذا البلد الأمن حالات لا تخفاكم من إقدام البعض على قتل أمه وأبيه وخاله وعمه وصهره وقريبه، فإلى الله المشتكى من هذا الفكر العفن.
أيها المؤمنون: وإن هذه الوسائل التي دخلت على الناس وأصبحوا الآن يحتاجون إليها كما يحتاجون إلى أكلهم وشربهم ونومهم، أرأيت أخي المبارك كيف يجلس الناس في مجلس واحد بعدد كبير ولكنهم لا يتحدث بعضهم مع بعض. لماذا؟ لأنهم مشغولون بجوالاتهم، يبحثون عن المقطع الفلاني ويستمعون للمقطع الفلاني ويدخلون على الجهة الفلانية، فهم مجتمعون متفرقون، يضمهم سقف واحد ولكن قلوبهم بعيدة بعضهم عن بعض.
بل إن الأنكى والأدهى والأمر أن بعض الناس يجلس مع والديه أو أحدهما، أو يجلس مع شيخه أو أستاذه أو قريبه يجلس معهم في مجلس واحد ولكن سرعان ما يخرج الجهاز وينشغل به وقتا طويلاً، فلا يعطي سمعا ولا بصرا، أليس هذا من العقوق للوالدين، وجحود حق من له حق ونكران حقوق المجالس.
أخي المبارك احذر من أن تستولي عليك هذه الوسائل وتفصلك عن أقرب الناس إليك، وتبعدك عن برِّ والديك وصلة رحمك.
وإن مما يقلق أيها المؤمنون أن أصحاب الفكر الضال استغلوا الآن الألعاب التي يهواها صغار السن فأصبحوا يوظفونها لخدمة فكرهم الضال فيذهب الشاب الناشئ يذهب للإقدام على هذه اللعبة ويبدأ مراحلها ولكنه أحيانا لا تستسلم له المرحلة اللاحقة إلا بعد أن يؤدي القسم لطاعة هؤلاء الذين ضلوا عن الطريق السوي.
أيها المؤمنون: لابد أن تتوافر الجهود، جهود العاملين المخلصين ، جهود الآباء والأمهات، جهود المعلمين والمعلمات، جهود المؤسسات التربوية والمؤسسات العلمية والدعوية والمؤسسات الأهلية والمؤسسات الخيرية، أن تتوافر الجهود وأن نضع أيدينا بأيدي علمائنا وولاة أمرنا من أجل إيقاف هذا الزحف الغاشم، لهذا الفكر الضال الذي يريد ببلادنا شراً، ويريد بولاة أمرنا شرا، ويريد بعلمائنا شراً، ويريد برجال أمننا شرا .
أسأل الله أن يحفظ البلاد والعباد ، وأن يتم الأمن والأمان ، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إن هذه البلاد الآمنة التي التزمت بشرع الله ومدت يدها لخدمة المسلمين ، وقامت برعاية الحرمين الشريفين، وقام ولاتها وشعبها بمد أيديهم الخيّرة لمساعدة من يحتاج من أبناء المسلمين في شتى بقاع الأرض.
إن هذا الأمر لم يرق للأعداء فراحوا يخططون ويكيدون لهذه البلاد ، ولعل من أعظم وسائلهم التي اختصروا بها الجهد والوقت أنهم استغلوا ثلّة من أبنائنا فجعلوهم سكاكين طعن لمجتمعهم، وجعلوهم يفسدون في هذا المجتمع ، وإلا فكيف يقدم من يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الآخر، يقدم على قتل نفسه، وقتل المؤمنين الراكعين الساجدين في بيوت الله، أو يقدم على قتل رجال الأمن الذين يحرسون المقدسات.
إلى الله المشتكى من أصحاب هذا الفكر الضال الذين يخدمون الأعداء من حيث يشعرون أو من حيث لا يشعرون، فلابد أيها المؤمنون من وقفة صادقة في وجه هؤلاء الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم (حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)(رواه البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم (اقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة) (رواه البخاري).
وقال (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)(رواه البخاري ومسلم) .
أيها المؤمنون: كم يزين أهل الباطل باطلهم ويزوقونه حتى يظن الظَّان أن هذا هو الحق الصراح. فمزيداً من الطاعة، مزيداً من الولاء ، مزيداً من توحيد الصف، وربنا جل وعلا يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ..}[النساء:59].
ويقول صلى الله عليه وسلم (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني)(رواه البخاري).
وحدوا صفكم وسيروا خلف علمائكم وولاة أمركم واجمعوا كلمتكم على الحق وقفوا في وجه كل من يريد ببلادنا شراً.
لنكن واضحين صرحاء ونحذر من الخلايا النائمة التي تعمل في الخفاء ، فوالله الذي لا إله غيره لأن يبلغ الأب أو تبلغ الأم عن ولدها الذي تلاحظ عليه اقتناعا بهذا الفكر الضال ، لئن تبلغ عنه فيتحفظ عليه ، إن هذا أهون وأسلم وأخف وأنفع له ولهم وللمجتمع من أن يبتلي نفسه بشر، ويبتلي أهله ومجتمعه ووالديه بشر .
أيها المؤمنون: نحن نعيش في هذا البلد الآمن المبارك الذي امتن الله جل وعلا عليه بالأمن والأمان، وصدق الله العظيم {لإِيلاَفِ قُرَيْش*إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْف * {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف} [قريش].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا)(رواه البخاري في الأدب المفرد، والترمذي).
ونحن مجتمع واحد متكاتف متعاون فلا ينبغي أن يخترق هذا المجتمع أولئك الشانئون، أولئك الحاقدون، (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى)(رواه البخاري ومسلم).
(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)(رواه البخاري ومسلم).
أسأل الله بمنه وكرمه أن يحفظ بلادنا، من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، وأن يتم علينا الأمن والأمان، والسلامة والطمأنينة ورغد العيش.هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة: 10-10-1437هـ