خطبة بعنوان: ((من أسباب الرزق والحفظ التوكل على الله) بتاريخ: 18-2-1438هـ

الثلاثاء 7 جمادى الآخرة 1440هـ 12-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدالله ورسوله، صلى الله عليه و آله وصحبه ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران: 102]
عباد الله: في ظل تعقيدات الحياة ومشاغلها ومتاعبها ومصاعبها الكثيرة وفى ظل تقنياتها المتعددة يبقى الإنسان يبحث عن السعادة أين تكون وما هو الطريق الموصل إليها وكيف يستطيع أن يحققها لنفسه ولأهله وأولاده وهنا يلهث الناس ويركضون ينشدونها بين مقل وبين مكثر بين من يرى أن الاستكثار من الدنيا هو الطريق الموصل لإبعاد الهم والحزن والنكد ومنهم من يرى أن المنصب هو الطريق الأسلم لنيل السعادة ومنهم من يرى أن الطريق إلى الله جل وعلا هو بلزوم طريق محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأصحابه الطيبين الطاهرين بلزوم طريق الآخرة الدار الآخرة فهو يحسن العلاقة مع ربه وهنا نقول إن أقصر الطرق إلى الله هو التوكل عليه سبحانه واللجوء إليه وطلب العون منه سبحانه وتعالى بذلك يتحقق الخير الكثير والرزق الوفير ينشرح صدر المؤمن وصدق الله العظيم (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ً) (الطلاق) , نعم أخي المبارك توكل على الله واعلم أن الرزق مضمون وأن الأجل محدد وصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم «إنّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي أنّهُ لنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتّى تَسْتَوْفِي رِزْقَها وَأَجَلَهَا) رواه ابن حبان في ” صحيحه إذاً مالنا نلهث خلف شيء مضمون مالنا نركض خلف شيء ضمنه الله جل وعلا لنا ماكتب لك يا عبدَ الله من تمرة فستأكلها وما كتب لك من خطوة فستمشيها وما كتب لك من دينار فستحصل عليه اطمأن إذاً عليك بالعلاقة مع الله عليك بالتقوى ولهذا لجأ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في أحلك الظروف وأقساها لجأوا إلى الله سبحانه وتعالى ألا ترون أن الحبيب صلى الله عليه وسلم لما كانوا في الغار يوم الهجرة وقال أبوبكر رضي الله عنه وارضاه والله يارسول الله لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا ماذا كان جواب حبيبنا صلى الله عليه وسلم لم يتلكأ لم يتردد قال ماظنك باثنين الله ثالثهما وانظروا إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أضرمت عليه النيران قال حسبنا الله ونعم الوكيل وموسى لما أدركه فرعون وقومه وقال له أصحابه إنا لمدركون ما تلكأ وما تردد بل قال( كلا إن معى ربي سيهيدين ), ويونس لما رمى في البحر وابتلعه الحوت لجأ إلى ربه (لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ ) وأيوب لما مسه الضر لجأ إلى الله جل وعلا , إذاً أخي الحبيب توكل على الله والزم غرز الطاعة والعبادة وقوي علا قتك بربك وأبشر , يقول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً) رواه الترمذي، من الذي علم الطير ؟من الذي رزقه؟ من الذي جعله يتحرك ؟ إنه الله إنه الرزاق سبحانه وتعالى ولهذا يروى أن رجلا ودع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال إني ذاهب لأطلب الرزق لأن أخي تفرغ للعبادة وأنا أنفق على نفسي وعليه ذهب هذا الرجل و في عرض الطريق آواه غار لما جاء المساء عند غروب الشمس رأى حية عمياء تخرج من قعر الغار إلى فوهته إلى باب الغار ثم تفتح فاها فيأتي طير ويدخل في فمها من الذي جعلها تتحرك في هذا الوقت من الذي جاء بالطير وجعله يدخل في فمها إنه الله الرزاق سبحانه وتعالى رجع هذا الرجل فرآه عمر فقال له عمر مالك قال رأيت كذا وكذا قال ياهذا اليد العليا خير من اليد السفلى اذهب وابحث عن الرزق نعم نحن نطلب الأسباب نبذل الاسباب ولكن الرزق مضمون والأجل محدد (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (34)الأعراف
أيها المؤمنون : جاء في الصحيح عند البخاري وغيره أن رجلاً من بني إسرائيل جاء إلى أخ له وطلب منه أن يسلفه ألف دينار فقال له المقرض ائتني بكفيل , قال الله كفيل قال رضيت بالله كفيلا ثم قال ائتني بشهيد قال الله شهيد قال رضيت بالله شهيدا فرضي المقرض بأن الله جل وعلا هو الكفيل والشهيد ثم أخذ المقترض ألف دينار وركب البحر يطلب الرزق ليعمل في هذه الدنانير ثم أمهله صاحب القرض عاماً وقال له بعد عام ترد القرض فلما اشتغل وطلب الرزق وحصل خيرا كثيراً , وتم العام جاء يبحث عن مركب في البحر ليركب ويسدد القرض لصاحبه فلم يجد مركبا تردد ثلاثة أيام ولكنه لم يجد مركباً فأخذ لوحاً ونجره وسمره ووضع فيه الألف دينار وكتب معه ورقة اللهم إني جعلتك كفيلا وشهيدا ورضي بك الرجل اللهم فأوصلها إليه ثم سمرها ورماها في البحر لكن البحر لله الكون لله هو الذي يجري هذه الأملاك والأفلاك سبحانه وتعالى أمر الله الخشبة أن تسير حتى حطت الرحال عند بيت صاحب القرض وكان صاحب القرض يخرج يومياً يطلب صاحبه لعل المقترض أن يأتي ليسدد له القرض فلما رأى المقرض الخشبة قال آخذها حطباً لأهلي فأخذ الخشبة ولما كسروها تناثرت الدنانير ثم وجد ورقة بها وإذا هي رسالة من صاحبه ثم بعد أيام وجد المقترض مركباً فأتى وسلم الألف دينار لصاحبه قال ألم ترسل لي شيئاً قال بلى أرسلت لك رسالة أنى لم أجد مركباً قال لقد سدد الله عنك انظر رعاك الله إلى هذين الرجلين المقرض والمقترض كيف توكلا على الله جل وعلا كيف رضيا به سبحانه كيف اعتمد ا عليه , الله جلا وعلا رزقهما عوض المقرض خيراً ورد عن المقترض قرضه مع أن الأصل هلكة المال في هذا البحر لأن هذه خشبة تجريها الأمواج لكن الله جل وعلا حفظها فاحرص يا عبد الله على بذل الأسباب ولكن عليك بالتوكل على الله كيف وقد أمر الله جل وعلا نبيه بذلك ( وتوكل على الله)فاحرص على أن تتوكل على الله في شؤنك كلها ولكن حذارى حذار أن تقعد وتكسل ولا تبذل الأسباب فنحن مأمورون بالتوكل على الله وأيضاً مأمورون بفعل الأسباب وبذلها اعقلها وتوكل.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهدُ إن لا إله إلا الله ولىُّ المتقين وأشهدُ أن محمداً عبدُ الله ورسوله إمام المتقين وقائد الغُرِّ المحجلين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ….أما بعد
فاعلموا أيها المؤمنون : أن للتوكل على الله ثمرات كثيرة منها انشراح الصدر واليقين والرضا بالقضاء والقدر والصبر والتحمل وأيضاً طلب الدنيا ورغد العيش وأيضاً برد اليقين وتحمل التبعات الكثيرة فكل ما كان الإنسان متوكلاً على ربه جل وعلا كلما كان مرتاح الضمير كلما كان قرير العين كلما كان منشرح الصدر فاحرص يا عبد الله على أن تكون علاقتك بربك علاقة قوية وثيقة عن طريق العبادة لله جل وعلا بالمحافظة على الفرائض والاستكثار من السنن والحرص على السلامة من حقوق الخلق فكم من إنسانٍ يحقد على نفسه بأكل أموال غيره من غير طريق شرعي وهذه الأموال ستقف مع صاحبك يوم العرض على الله ولن يغفر لك إلا إذا تنازل صاحب هذه الأموال ولله درُّابنة حاتم الأصم حينما حن أبوها للحج ولكنه لا يجد نفقة الحج ولا يجد نفقة أولاده وقت غيبته فجاءت إليه ابنته وقالت ياأبتاه أراك حزيناً أراك باكياً أراك علاك الهم أراك كثير الإطراق لرأسك فقال يا بنية أنى أتوق إلى الحج لكنى لا أجد نفقته فقالت يا أبتاه يرزقك الله جل وعلا فقال لكن الأمر لأمك لابد أن تأذن لي لظروفها وظروف إخوانك وأخواتك فأقنعت البنت التقية الصالحة أمها وإخوانها وأخواتها وقالت لأبيها أنت لست رزاقاً وإنما أنت آكل رزق فاذهب إلى الحج والله جل وعلا يرزقنا فذهب ولم يترك عندهم إلا ما يكفيهم ثلاثة أيام ولم يكن معه شيء فكان في ذيل القافلة يعنى في آخر القافلة وبعد خروجهم من البلد لدغ قائد القافلة فقال هل من راقٍ فقيل معنا حاتم الأصم كان تقياً صالحاً فرقاه فشفاه الله فقال صاحب القافلة عليَّ مؤنته ذهابا وإيابا فقال حاتم اللهم هذا تدبيرك يا ربي لي فقد رزقتني فأرنى يا حكيم يا عليم يارزاق يا كريم تدبيرك لأهلى ثم إنه بعد ثلاث ليال نفذ ما عندهم فضجوا على البنت يقولون لها أنت السبب فيما نحن فيه وهى تضحك وتقول أبي رزاق أم آكل رزق قالوا بل آكل رزق قالت ذهب آكل الرزق والرزاق حي لا يموت ثم مالبثوا أن طرق الباب وإذا الخليفة بالباب جاء من رحلته فقال الطارق بالباب إن الخليفة يستسقيكم الماء فملأوا القربة وأعطوه إياها فشرب منه فوجده ماءاً حلواً عذباً فقال من أين هذا ؟ فقالوا من بيت حاتم فقال ادعوه لي من أجل أن أكافأه فقالوا في الحج فخلع حزامه وكان مرصعاً بالجواهر وقال من يحبني فليخلع عليهم ما عنده فخلع الوزراء والأمراء فاجتمع مال كثير فاشتراه أحد التجار بمال وفير حتى ملأ بيتهم ثم أعاد الخليفة منطقة حزامه وأعاد إلى الأمراء ما أخذه لأنه اشتراه بماله بكت البنت فقالت لها أمها ما خبرك نجوع ونبكى وتضحكين ونفرح ونُسرّ فتبكين فقالت أبكي لأن هذا المخلوق الضعيف نظر إلينا نظرة عطف فملأ بيتنا فكيف بالخالق العظيم الرزاق الكريم تلجأ إليه توكل عليه ولا تهتم من الدنيا كلها مهما كانت قوة الأعداء مهما كان جبروتهم والله لا يساوى شيئا لكن نحتاج إلى الوحدة نحتاج إلى الاجتماع نحتاج إلى الصدق نحتاج إلى التوكل على الله نحتاج إلى أن يحمى بعضنا بعضا وأن يرفق بعضنا ببعض وأن لا يتعرض بعضنا لبعض وهنا أبشروا بالخير.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة في : 18 / 2 / 1438هـ