خطبة بعنوان: (زكاة الفطر وبيعة ولي العهد) بتاريخ: 28-9-1438هـ
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشْهدُ أنْ لا إِله إِلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له، وأشْهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آله وأصحابِه والتابعينَ لهم بإحسانٍ وسلَّم تسليماً مزيدا، أما بعدُ:
فأوصيكم عبادَ اللهِ ونفسي بتقوى اللهِ جلَّ وعلا، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:102].
عباد الله: بالأمسِ القريبِ كنا نرحبُ بشهرِ رمضانَ، واليومُ نودعهُ وقد امتلأتْ قلوبُنا حزناً وأسىً على فراقِه، ولا تزال أرواحُنا متعلقةً به. لقد حل علينا ضيفاً كريماً، وسوف يرحلُ عنا كما جاءنا، إنه سوقٌ قام ثم انفضَّ، ربِح فيه مَنْ جاهدَ واجتهدَ وبذلَ وأعطى، وقدَّم للأخرى، وخَسَرَ فيه من فرَّط وأساءَ، وقصَّر وظلمَ، ولم يقدِّمْ ما ينفعُه لموقفِ الحسابِ ونشرِ الكتابِ.
مضى رمضانُ كما تمضي لحظاتُ أعمارِنا، وقد أحسن فيه أقوامٌ وأساء آخرون، مضى وهو شاهدٌ علينا بما استودعناه فيه من أعمالِنا، مضى وقد حِوتْ صحائِفُه أسماءَ من نالوا رحمةَ الله وأُعتقت رقابُهم من النار، فهنيئاً لهم الفوزَ والنجاةَ والسعادةَ في الدنيا والآخرة.
تذكر أيها الصائمُ وأنتَ تودِّعُ شهرَك سرعةَ مرورِ الأيامِ، وانقضاءِ الأعوامِ، فإن في مرورِها وسرعتِها عبرةً للمعتبرين، وعظةً للمتعظينَ، والعمرُ فرصةٌ لا تمنحُ للإنسانِ إلا مرةً واحدةً، فإذا ما ذهبتْ ووَّلتْ، فهيهاتَ أن تعودَ، قال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه: “ما ندمتُ على شيءٍ ندمي على يومٍ غربت شمسُه نقصَ فيه أجلي ولم يزدْ فيه عملي”.
وقد كان السلفُ يجتهدون في إتمامِ العملِ وإتقانِه، ثم يسألون الله تعالى قبوله.
قال علي رضي الله عنه: “كونوا لقبولِ العملِ أشدَّ اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الحق عز وجل: {إنما يتقبل الله من المتقين}[المائدة:27].
وكان ينادي في آخرِ ليلةٍ من شهرِ رمضان: “يا ليت شعري! من هذا المقبولُ منَّا فنهنيه، ومن هذا المحرومُ فنعزيه، أيها المقبولُ هنيئاً لك، أيها المردود جَبَر اللهُ مصيبتِك”.
أيها الصائمون والصائمات: وإن من صدقِ العبدِ وحرصه على قبولِ عملهِ في وداع هذا الشهر إخراجُ زكاةِ فطرتِه، التي تزرعُ المحبةَ وتعملُ على تأليفِ القلوبِ، وسلامةِ الصدورِ، ونشرِ الإحسانِ في المجتمعِ المسلمِ.
وزكاةُ الفطرِ فَرَضَهَا اللهُ جلَّ وعلا طهرةً للصائمِ، وطعمة للفقراءِ والمساكينِ، وهي واجبةٌ على الكبيرِ والصغيرِ، والذكرِ والأنثى، والحرِ والعبدِ، ويستحبُ إخراجُها عن الحملِ في بطنِ أمهِ إذا نُفختْ فيه الروحُ، وهي من غالبِ قوتِ البلدِ تمراً أو براً أو شعيراً أو زبيباً أو أقطاً أو أرزاً، وهي عبارةٌ عن صاعٍ، أي ما يعادلُ: ثلاثة كيلو جرامات تقريباً، ويجزئ عن هذهِ الخمسةِ كل شيءٍ يُقتَاتُ في البلدِ: الأرزُ والذرةُ والدُّخنُ وغيرُها.
ولا يجوزُ إخراجُها مالاً، لأنه خلافُ سنةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الذي أَمَرَ بإخراجِها
طعاماً وقدَّرهُ بالصاع.
قال الإمامُ أحمدُ رحمه الله: لا يعطي القيمةَ، قيل له: قومٌ يقولون: عمرُ بنُ عبدِ العزيز كان يأخذُ بالقيمةِ، قال: يَدعَون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: قال فلانٌ، فما دام في المسألة قولٌ للرسول فلا قولَ لأحدٍ يُقدَّمُ عليه.
والحكمةُ من صدقةِ الفطرِ أنَّها طهرةٌ للصائمِ من اللغوِ والرفثِ، وطعمةٌ للمساكين وشكرٌ لله تعالى على إكمالِ الصيامِ، فأدُّوها رحمكم اللهُ على الوجهِ المشروعِ طيبَةً بها نفوسُكم من أوسطِ ما تَطعمونَ أهليِكم.
ويُخرج ُالمسلمُ صدقةَ الفطرِ عن نفسِه وعمَّن يقومُ بنفقتِه، ومحلُّ إخراجِها بالبلدِ الذي وافاه تمامُ الشهرِ وهو فيه، ومن كانَ في بلدٍ وعائلتُه في بلدٍ آخر فإنه يخرجُ فطرتَهم في بلدِهم، ويخرجُ عن نفسِه في البلدِ الذي هو فيه، وإن عمَّدهم يخرجونَ عنه وعنهم في بلدِهم جاز، وإن أخرجَ عنهم في بلدِه جاز.
والذين يُعْطونَ صدقةَ الفطرِ هم فقراءُ البلد الذين تحلُّ لهم زكاة ُالمال، سواءٌ كانوا من أهلِ البلدِ أو من الفقراءِ القادمينَ عليه من بلدٍ آخر.
وعلى المسلمِ أن يتحرَّى من يعطيه زكاةَ فطرهِ لأن بعضَ الناس يتعاملُ بزكاةِ الفطرَ وكأنَّها هديةٌ، فوجَبَ على من يخرجُها أن يتحرَّى من يستحقُّها لكي تجزئهُ.
ولا يجوزُ نقلُ صدقةِ الفطر إلى بلدٍ آخرَ بأن يرسلَها إلى فقراءِ بلدٍ غير بلدهِ إلا إذا لم يوجدْ في بلدهِ فقراءُ من المسلمين، فإنه يرسلُها إلى فقراءِ أقربِ بلدٍ إليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بإخراجِها إلى فقراءِ البلدِ الذي يفطر فيه الصائمُ ليلةَ العيدٍ.
ومن فاتَه إخراجُها في يومٍ العيدِ فإنه يخرجُها بعده قضاءً صدقةً من الصدقاتِ، ويجوزُ إخراجُها قبلَ العيدِ بيومٍ أو يومين ولابد أن تُدفَع في وقتِ الإخراجِ إلى المستحقِ أو إلى وكيلهِ، ولا يكفي أن يجعلَها أمانةً عند شخصٍ ليس وكيلاً للمستحق.
ويجوز للفقيرِ أن يُخرج فطرتَه مما أُعطي من الصدقات، ويجوزُ دفعُ صدقةِ الجماعةِ إلى فقيرٍ واحدٍ، ويجوزُ دفعُ صدقةِ الشخصِ الواحدِ إلى جماعةٍ من الفقراء.
أيها الصائمون والصائمات: ومما يشُرعَ في ختامِ شهرِكم سنةُ التكبيرِ، فإذا غربتْ شمسُ آخر يومٍ من رمضان، ودخلتْ ليلةُ العيدِ فيسنُّ التكبيرِ، ويُجهُر به في المساجدِ والبيوت ِوالأسواقِ تعظيمًا لله وشكرًا له على تمامِ النعمةِ.
ومما يُشرعُ أيضاً في ختامِ هذا الشهرِ المباركِ صلاةُ العيد ِفي يومِ العيد، وهي فرض كفايةٍ على كل مسلمٍ، وهي من تمام ذكر الله.
وعلينا أن نُودعَ شهرنا بكثرةِ الاستغفارِ وصدقِ التوبةِ والإلحاحِ على الله.
وصدق الله العظيم :{قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:14، 15]
بارك اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكم إنه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على فضلِه وإحسانِه، والشُّكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له تعظيماً لشأنِه، وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه الداعي إلى جنتهِ ورضوانِه، صلى الله عليه وآله وصحبِه ومن سارَ على نهجِه إلى يومِ الدينِ وسلَّم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واحمدوه واشكروه على ما تم في بلادنا من مبايعة لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز بولاية العهد، وقد تم ذلك وفق الشرع المطهر حيث أن البيعة الشرعية تقتضي السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وها نحن رأينا كيف تمت مبايعة هيئة البيعة والعلماء والأمراء وجموع المواطنين في قصر الصفا، وفي سائر مناطق المملكة ومحافظاتها، وهذا من توفيق الله لهذه البلاد ونحن مع ولي أمرنا فيما يرى فيه المصلحة الظاهرة للبلاد والعباد، وهذا هو مقتضى البيعة الشرعية.
عباد الله:
إن من نعمة الله تعالى على بلادنا أن جعل مصلحة الدين والوطن من أولويات من يقوم على حكم هذه البلاد المباركة، وما رأيناه بحمد الله تعالى من انتقال ولاية العهد بهذه الصورة الرائعة السهلة بمبايعة الأمير محمد بن نايف للأمير محمد بن سلمان على ولاية العهد، لتدل دلالة واضحة على أن بلادنا تنطلق في مسألة هذه البيعة من الشرع المطهر، فنحمد الله جل وعلا ونشكره، ونسأله تعالى أن يزيد بلادنا من الأمن والأمان ورغد العيش والتمسك بالشرع المطهر ووحدة الصف واجتماع الكلمة، وأن يحفظها من كل سوء ومكروه.
عباد الله: ونحن نرحب باختيار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد لرؤيته الصائبة لما فيه المصلحة العامة للوطن ، ونعلن بيعته على الكتاب والسنة في العسر واليسر، والمنشط والمكره.
أسأل الله تعالى أن يوفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين ونائبه لكل خير وأن يجعلهما رحمة وبركة على البلاد والعباد، وأن يعينهما ويوفقهما ويسددهما في جميع أمورهما، وأن ترى بلادنا على يديهما مستقبلاً نيّراً، وأن يرزقهما البطانة الصالحة التي تدلهما على الخير وتأخذ بيدهما لما فيه الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جلَّ من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة: 28 / 9 /1438هـ