خطبة بعنوان: (جرائم اليهود في المسجد الأقصى) بتاريخ: 27-10-1438هـ
الخطبة الأولى :
الحمد للهِ الحكيم الخلاّق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذلّت لعظمتِه الأفئدة وهوَت لجبروته الأعناق، وأشهد أن نبيّنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين اقتفَوا أثرَه بأسمى المناقِب والأخلاق، وسلّم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فاتقوا الله وكونوا مع الصادقين.
عباد الله: المسجدُ الأقصى أولى القبلتين والمسرى النبوي الذي ذُكر في القرآن، قال ربنا سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير}[الإسراء:1].
وهو ثالثُ ثلاثةِ مساجد خصَّها الله بالتشريف والتكريم والإكبار، فشرع الرحلة إليها بنية العبادة والتقرب إلى الله، قال صلى الله عليه وسلم (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى)(رواه البخاري ).
وهناك داخل بيت المقدس وفي جنبات المسجد الأقصى جمع الله لرسوله الأمين جموع الأنبياء والمرسلين ليؤمهم في الصلاة.
إنه المسجد الأقصى الذي كان قريب العهد بالبناء مع المسجد الحرام بمكة عن أبي ذر أنه قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: «المَسْجِدُ الحَرَامُ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ (المَسْجِدُ الأَقْصَى) قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الفَضْلَ فِيهِ) (رواه البخاري).
إنه المسجد الأقصى الذي بارك الله الأرض التي حوله فَعَنْ مَيْمُونَةَ، مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ: (ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ. فَإِنْ لَمْ تَأْتُوهُ وَتُصَلُّوا فِيهِ، فَابْعَثُوا بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِي قَنَادِيلِهِ)(أخرجه أحمد بسندٍ صحيح).
وعن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله يقول: لما بنى سليمان بيت المقدس سأل الله أيما عبد أتى بيت المقدس لا يريد إلا الصلاة فيه رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)(صحيح أخرجه النسائي وأحمد).
إنه المسجد الأقصى الصلاة فيه بخمسمائة صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام والمسجد النبوي . فَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِائَةُ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَلْفُ صَلَاةٍ وَصَلَاةٌ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَمْسُمِائَةِ صَلَاةٍ) (رواه البخاري ومسلم).
إنه الأقصى الذي من أجله ذرفت عيون، ولترابه حنت قلوب، ومن أجله شد الرجال عزائم الأبطال، وأحيوا في نفوسهم الحماسة وعرفوا معنى الجهاد في سبيل الله وهو في الأرض المباركة. قال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِين}[الأنبياء:71]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: “هي بيت المقدس” ،
إنها فلسطين الأرض المقدسة بنص القرآن قال تعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ ..}[المائدة:21]، قال الزجاج: سماها مقدسة لأنها طهرت من الشرك وجعلت مسكناً للأنبياء والمرسلين .
إنه الأقصى أرض الأنبياء والمرسلين ومهبط رسالتهم ووحيهم ، فعلى أرضه عاش إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف ولوط وداود وسليمان وصالح وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وغيرهم كثير.
إنه المسجد الأقصى الذي تبسط عليه الملائكة أجنحتها فعن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا طوبي للشام يا طوبى للشام، قالوا يا رسول الله: وبم ذلك؟ قال: تلك الملائكة باسطة أجنحتها على الشام)(صححه الألباني ).
إنه الأقصى موئل الطائفة المنصورة الثابتة على الحق، فعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك ، قيل يا رسول الله وأين هم ؟ قال : ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)(رواه أحمد).
إنه الأقصى مصرع الدجال ومن يتبعه من اليهود ومقتله كما في حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي أنه قال عن الدجال: (..حتى يأتي أرض الشام مدينة بفلسطين بباب كد فينزل عيسى عليه السلام فيقتله)(حديث صحيح رواه أبو داود وأحمد).
ولهذا الفضل وهذه المكانة للمسجد الأقصى حرص المسلمون منذ تشرفت هذه البقاع الطاهرة بالإسراء بنبينا إليها وعروجه منها، حرصوا على تنفيذ القرار الربّاني بإسلاميتها ورعاية مسجدها ودفع غَوائل الأعداء عنها، فجاءها الصحابة رضوان الله عليهم فاتحين، وسكنوا أرضها، ورابطوا فيها، وجاوروا مسجدها المبارك، وحرصوا على حمايته ضد الأعداء و إعماره وعمارته، وغدت مدينة القدس تضجّ بالعلم والعلماء، وتحكي حضارة المسلمين من خلال مساجدها ومدارسها وأربطتها التي تنتشر حول أروقة المسجد الأقصى …وهي شواهد حَيّة على حضارة المسلمين وعروبة القدس مهما حاولت يد الطمس أن تنال منها لإحلال حضارة موهومة أو لإثبات حقوق مزعومة.
عباد الله: إن ارتباط المسلمين بالمسجد الأقصى ارتباط عقدي وليس ارتباطًا انفعاليًا عابرًا، وليس موسميًا مؤقتًا لفضله ومكانته الشرعية، حيث إنّ حادثة الإسراء من المعجزات، والمعجزات جزء من العقيدة الإسلامية، وكما نشاهد فإن المسجد الأقصى المبارك يتعرض في هذه الأيام لمؤامرات عديدة تسببت في تقويض بنيانه وزعزعة أركانه، جراء الحفريات الإسرائيلية المستمرة للأنفاق أسفل منه، وكذلك محاولات السلطات الصهيونية إقامة ما يُسمّى بالهيكل المزعوم بدلاً منه حيث يعبث اليهود بالحفريات والأنفاق أسفل المسجد الأقصى مما أثر بشكلٍ كبيرٍ على جدران المسجد وما جاوره من أحياء حتى أن المهتمين من أهل القدس يخشون الآن أن يقدم الصهاينة على إسقاط المسجد بسبب أفعالهم وحفرياتهم أخزاهم الله والمسلمون عنهم غافلون ولا حول و لا قوة إلا بالله ..
ولم يكتف اليهود بما ذكرناه، بل منعوا المصلين من صلاة الجمعة الماضية فيه على أثر اشتباكات مسلحة أدت الى مقتل ثلاثة فلسطينيين، نحسبهم والله حسيبهم أنهم على خير، ومقتل اثنين من الشرطة الاسرائيلية بالقرب من باب الأسباط بالقدس المحتلة.
وتعد هذه المرة الاولى التي تمنع فيها قوات الاحتلال المصلين من تأدية صلاة الجمعة في المسجد الأقصى منذ الاحتلال الاسرائيلي للقدس عام 1967.
وأغلق جنود الاحتلال مداخل البلدة القديمة ومنعوا المواطنين من الدخول او الخروج، ووضعوا السواتر الحديدية على محيط أبواب البلدة القديمة وأغلقوا جميع أبواب المسجد وأخرجوا جميع المصلين من ساحاته وتم إعلانه منطقة عسكرية مغلقة.
والمسجد الأقصى كما ذكرنا ليس كأي مسجد من المساجد ومنع المسلمين من الصلاة فيه يعتبر مخالفاً لكل الشرائع السماوية والمواثيق والدساتير والقوانين والاعراف الدولية وتعدياً على حقوق المسلمين بكل مكان.
ومنع الناس ظلماً وعدواناً من أداء شعائرهم الدينية كبيرة من الكبائر وجريمة من أكبر الجرائم المناقضة للشرائع السماوية ويحصل هذا زمن الحروب والفتن قال تعالى في محكم كتابه: {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ ..}[المائدة:64]، فهي جريمة نكراء تضاف إلى السجل الأسود للصهاينة المعتدين الغاصبين المحتلين والذين ينتسبون إلى اليهودية ومرجعياتهم في التوراة والتي بها ما لا يقل عن عشرين موضعاً لإراقة الدماء وانتهاك الأعراض وإتلاف الاموال وقد بغوا علي رب العزة سبحانه وتعالى بذاته العلية {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ ..} [المائدة:64]، زد على هذا أنهم قتلوا الأنبياء والرسل واعترضوا على رسالات السماوات ويكذبون رسالة الإسلام، فماذا ننتظر من الشوك إلا الأذى ومن الأفاعي الا السم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين}[المائدة:64].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه من كل ذنب وخطيئة إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى أله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن اليهود أمة موصوفة بالجبن والخَوَر، وخوف الملاقاة، وفزع الاقتتال، فحقيق بنصر المسلمين عليهم، لكن على المسلمين مؤازرة إخوانهم في الأراضي المباركة بالدعاء لهم قال الله تعالى:{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ..}[الحج:40]، فالنصر على الأعداء لن يتحقق إلا براية التوحيد ولن يكون إلا بالأخذ بالأسباب والرجوع إلى الله وتقوية الصلة به سبحانه قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُم}[محمد:7، 8] ، وبهذا تقوى الأمة وترهب عدوها، وإذا انغمست الأمة في عصيانها وغفلتها وبعدها عن خالقها ،فالأقصى عنها يقصى.
فعلينا إصلاح أنفسنا بالتسلح بسلاح العقيدة قولا وعملا واعتقادا، ولنحذر دسائس اليهود في تذييل المسلمين، كما أن علينا الحفاظ على شبابنا من المغريات والمحرمات، والاهتمام بنسائنا وشغلهن بما ينفعهن في دينهن وعدم تعريضهن للفتن ومنعهن من التبرج والسفور والاختلاط، ففي مراحل التاريخ لا يخلوا منه عقد إلا ولليهود في الإفساد يد، فاتقوا الله وخذوا بأسباب نصركم، وأصلحوا شبابكم ونسائكم، وأصلحوا بيوتكم وابتعدوا عن مشابهة أعدائكم واعتزوا بدينكم تنصروا على عدوكم، واحذروا مكرهم وغدرهم فإنهم لا يألون جهدا في إضعاف المسلمين وإفساد دينهم وعقيدتهم {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون}[يوسف:21].
وإنني أهيب بحكام العرب والمسلمين التحرك لنصرة المسجد الأقصى والدفاع عنه كلٌ حسب استطاعته وجهده.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجمعهم على الحق والهدى، اللهم أحقن دماءهم وآمنهم في ديارهم، وأرغد عيشهم، واكبت عدوهم.
يا من لا يُهزم جندك، ولا يخلفُ وعدك، سبحانك وبحمدك. اللهم إن الصهاينة قد بغوا وطغوا وأسرفوا في الطغيان. اللهم هيئ لهم يداً من الحق حاصدة؛ تكسر شكوتهم، وتستأصل شأفتهم، اللهم أنزل بهم بأسك ورجزك إله الحق.
اللهم لا تُقِم لهم راية، ولا تحقق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية، اللهم اهزمهم وزلزلهم وانصرنا عليهم يا رب العالمين.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة: 27-10-1438 هـ