خطبة بعنوان: (المسجد الأقصى ميراثنا نحن أمة الإسلام)بتاريخ: 4-4-1439هـ
الخطبة الأولى :
الحمد لله معزِّ الإسلامِ بنصرِهِ، ومذلِّ الشركِ بقهرهِ، ومصرِّفِ الأمورِ بأمرهِ، ومديمِ النِّعمِ بشكرِهِ، ومستدرجِ الكافرينَ بمكرِهِ، الذي قدّرَ الأيامَ دُوَلاً بعدلِهِ، وجعل العاقبةَ للمتقينَ بفضلِهِ، وأظهرَ دينَهُ على الدّينِ كُلِّهِ.وأشهدُ أن لا إِلَهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعدُ: فاتّقُوا الله أيُّها المؤمنونَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران: الآية 102). عبادَ الله: لقد أحبَّ اللهُ – تعالى – واصطفى من خلقِهِ ما شاءَ من الرُّسُلِ والأنبياءِ والبلادِ والبقاعِ، ومن هذه الأماكنِ مكانٌ قدَّسهُ الله وشرَّفهُ وعظَّمهُ وكرَّمهُ.. إنه (المسجدُ الأقصى) إرْثُ الأُمَّةِ الخاتمةِ الذي يسكنُ قلبَ كلِّ مسلمْ، إنه المسجدُ الأقصى أُولَى القبلتينِ والمسرى النبوي ذكره الله في القرآن العظيمِ بلفظِ التقديسِ والأرضِ المقدسةِ والمسجدِ الأقصى، وهي أرضٌ مباركةٌ نصَّ القرآنُ على بركتِهَا في أكثرَ مِن موضعٍ منها: قولُهُ تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ..} وقوله: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}وقوله تعالى:{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} وقد وردتْ عِدّةُ أحَاديثٍ نبويَّةٍ في فضلِ المسجدِ الأقصى منها: قال صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ [لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى] رواه البخاري . وعن أبي ذرٍ أنَّهُ قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: «المَسْجِدُ الحَرَامُ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ (المَسْجِدُ الأَقْصَى) قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الفَضْلَ فِيهِ)] رواه البخاري. وعن عبدِ اللهِ بن عمرو بنِ العاص أنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا أَعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ تَكُونَ لَهُ الثَّالِثَةُ فَسَأَلَهُ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ وَسَأَلَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَسَأَلَهُ أَيُّمَا رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ فَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ)
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةِ – رحِمَهُ اللهُ -: (بَدَأَ الخَلْقُ والأمْرُ من مكةَ المكرمةِ، وجعل اللهُ بيتِ المقدِسِ ومَا حَوْلَهُ مَحْشَرَ خَلْقِهِ؛ فإلى بيتِ المقدِسِ يعودُ جميعُ الخَلْقِ وَهُنَاكَ يُحْشَرُ الخَلقُ؛ ولِذا جاءَ في الحديثِ أَنَّهَا (أَرْضُ المَحْشَرِ والمَنْشَرِ)؛ فهو البيتُ الّذِي عظّمَتْهُ المِلَلُ، وأكرمتْهُ الرُّسُلُ، وتُلَيَتْ فيهِ الكتبُ الأربعةُ المنَـزَّلَةُ مِنْ اللهِ – عزَّ وَجَلَّ -: الزَّبُورُ والتوراةُ والإنجيلُ والقرآنُ).
عبادَ اللهِ: وبيتُ المقْدِسِ أًقْدَمُ بُقْعَةٍ على الأرْضِ عرفتْ عقيدةُ التَّوْحِيدِ بعدَ المسجدِ الحرامِ في مكةَ المكرمةِ، وذكرَ أكثرُ المفسِّرِينَ أَنَّ إِبُرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ قَدْ جَدَّدَ بِنَاءَ المسجدِ الأقصى وأَقَامَهُ لِيَكُونَ مَسْجِدًا لِلْأُمّةِ المُسْلِمَةِ مِنْ أَبْنَائِهِ وَذُرِّيَتِهِ المؤمنينَ بِرِسَالَتِهِ ودعوِتِهِ. واستمرتْ إِمَامَةُ المسجدِ الأقصى وبيتُ المقْدِسِ في يَدِ الصّالِحِينَ مِنْ ذُرِّيَةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ . وفي عهدِ يعقوبَ بنُ إسحاقَ عليهما السلامُ أُعِيدَ بِنَاءُ المسجدِ الأقصى وكانَ هذا البِنَاءُ تجديدًا”. ثم قامَ سُلَيْمانُ عليهِ السلامُ بِبِنَائِهِ والثَّابِتُ بِالْأًدِلّةِ الشّرْعِيةِ المعتمدةِ لدينا نحن المسلمينَ أنّ بناءَ سليمانَ عليهِ السلامُ بِناءَ التجديدِ والتوسعةِ والإعدادِ للعبادةِ لا بناءَ التأسيسِ وليسَ بِناءً لهيكلٍ وإنما هو تجديدٌ للمسجدِ الأقصى المباركِ كما فعلَ إبراهيمُ عليهِ السّلامُ في المسجدِ الحرامِ، فالمسجدُ الأقصى قبلَ سليمانَ وموسى ويعقوبَ وإبراهيمَ عليهم السلام، ليكون مجدًا للأمةِ المسلمةِ. وقد ثبتَ ثبوتاً قطعياً أنّ بينَ بِناءِ البيتِ الحرامِ والمسجدِ الأقصى أربعينَ عاماً، ومِن المعلومِ أنّ بينَ إبراهيمَ عليهِ السلامُ باني الكعبةِ- وبينَ سليمانَ عليهِ السلامُ ما يقاربُ الألفَ عامٍ ممّا يؤكدُ قطعاً أنّ المسجدَ الأقصى بُنِي قبلَ سليمانَ بِمِئَاتِ السّنينِ.وإنّما كانَ لِسليمانَ عليهِ السّلامُ شرفُ إعادةِ البناءِ والتجديدِ؛ كما فعل ذلك أولياءُ اللهِ مِنْ أنبيائِهِ بِمَسَاجِدِ اللِه ومواضِعِ عبادتِهِ، وكما فعل عمرُ بنُ الخطَّابِ رضي اللهُ عنْهُ ومَنْ بعدَهُ مِنْ خُلفاءِ الإسلامِ.
وهكذا تبقى فلسطينُ – والمسجدُ الأقصى خاصةً – مآلُهَا لِعِبَادِ اللهِ المؤمنينَ؛ ِمن قبلِ أن يولدَ يعقوبُ (الذي هو إسرائيلُ) وأبوهُ إِسْحَاقُ بنُ إبراهيم. عبادَ اللهِ: ولمّا أَذِنَ اللهُ – تعالى – بِبَعْثَةِ سيدِ الثقلينِ وخاتمِ النبيينَ وبشارتِهم؛ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ الهاشميِ القرشيِ صلى الله عليه وسلمَ ، كان فتحُ بيتِ المقدسِ إِحدى بِشارتِهِ صلى الله عليه وسلمَ – كما في صحيحِ البخاريِّ – عن عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ( اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ..) وذكر منها فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وكانت وراثَتُهُ ووراثَةُ أمّتِهِ لِلأِرضِ المباركةِ؛ هي سنةُ اللهِ الممتدةِ على مرِّ العصورِ، ومنذُ عهدِ إبراهيمَ عليه السلام . وإنَّ صلاةَ النبي صلى الله عليه وسلّمَ بالأنبياءِ في (بيتِ المقدسِ) ليلةَ الإسراءِ؛ كانت إِعلاناً بِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا محمدٌ صلى الله عليهِ وسلّمَ هو كلمةُ اللهِ الأخيرةِ إلى البشرِ، أخذتْ تمامَها على يدِ محمدٍ صلى الله عليه وسلّمَ وأنّ آخِرَ صبغةٍ لـ (المسجد الأقصى) هي صبغةُ أتباعِ محمدٍ صلى الله عليه وسلَّمَ ؛ فالتصقَ نسبُ المسجدِ الأقصى بهذهِ الأمّةِ الوارثةِ.
وفي السنةِ الخامسةَ عشرةَ للهجرةِ في عهدِ أميرِ المؤمنينَ عُمَرَ بنَ الخطّابِ -رَضِي اللهُ عَنهُ-تحققتْ بُشرى النّبِيِّ الخاتمِ – صلى الله عليه وسلم -وتم فتحُ المسجدِ الأقصى على يديهِ وبنى عُمَر “المسجد الأقصى”، وجعل الصخرةَ خلفَ قِبْلَتِهِ، ولم يقبَلْ مَا أشارَ عليهِ “كعبُ الأحبارِ” أنْ يبنيهُ خلفَهَا لِتكونَ الصخرةُ فِي جِهَةِ القِبْلَةِ؛ حتى لا تُعَظَّمَ بالصلاةِ إليها معَ الكَعْبَةِ. وكانَ هذا دليلٌ على أن الأُمَّة إنما يعودُ لها المسجدُ بالإسلامِ والإيمانِ بغضِ النظرِ عن النَّسَب؛ فبنو إسرائيلَ غيرُ المسلمينَ المُؤمنينَ ليسوا وارثين للأرض المُقَدَّسَة، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء:105). ثم لما وقعَ التفريطُ مِن المسلمينَ في المائةِ الخامسةِ مِن الهجرةِ، وتَسَلَّطَ عليهم أَهْلُ البِدَع -المُظْهِرونَ للرَّفْضِ والتَّشَيُّع، المُبْطِنُونَ للكفرِ والإلحادِ- من بني عُبيد القَدَّاح -المعروفون في التاريخ بالفاطميين-، وتَرَك المسلمون في دولةِ العباسيين ما أُمِروا به مِن العدلِ والشرع والجهادِ؛ سَلَّطَ اللهُ الصليبيينَ على “بيتِ المقدسِ” سنةَ أربعمائةٍ واثنينِ وتسعينَ من الهجرةِ 1099 مِن الميلادِ، فَقَتَلُوا كُلَّ مَن بها مِنَ المسلمينَ، ورَفَعوا صَلِيبًا على “قبةِ الصّخرةِ” وجعلوا “المسجدَ الأقصى” اسطبلًا للحيوانات، ولم يهدموهُ.وظلّ تحتَ احتلالهم ثمانٍ وثمانينَ سَنَة، حتى أعادَهُ اللهُ على يدي “صلاح الدين وذلك بعد إنهاءِ المملكةِ الباطنيةِ المَعروفةِ زُورًا بالفاطميةِ. عبادَ اللهِ: إنّ المسجدَ الأقصى وبيتُ المقدسِ وأرضُ فلسطينَ ، أمانةٌ عظيمةٌ في أعناقِ أبناءِ أمّتِنَا الإسلاميةِ ، فقضيةُ الأقصى هِيَ قضيةُ كلِّ مسلمٍ يؤمنُ باللهِ ربًّا وبالإسلامِ ديناً وبمحمدٍ – صلى الله عليه وسلم – نبياً ورسولاً ، وستظلُ إسلاميةً، وحَوْلَها الملاحمُ الكبرى قبْل السَّاعةِ؛ ومهما اغترَّ البعضُ بقُوَّتِهِم الزائفةِ -الزائلةِ إنْ شاءَ اللهُ- فلنْ تَدُومَ لَهُم، وسوف يهدي الله الأُمَّةَ وتصحو مِن غَفْوَتِها، وتعودُ لنُصْرَةِ دِينِها، فتعودُ لها عزَّتُها؛ فَلَا تَيْأَسُوا مِن رَوْحِ اللهِ، إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَوْحِ الله إلا القَوْمُ الكَافِرُونَ. وإنني أُعْلنها صراحةً أن القدسَ لن تعودَ إلى المسلمينَ إلا بنصرٍ من اللهِ عزَّ وجلَّ ولا نصرَ من الله إلا بعدَ أنْ ننصرَهُ : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } وإنْ نَصرُنَا لله لا يكونُ بالأقوالِ البراقةِ والخطبِ الرّنانةِ التي تحوّلُ القضيةَ إلى قضيةٍ سياسيةٍ وهزيمةٍ ماديةٍ ومشكلةٍ إقليميةٍ وإنّها واللهِ لمشكلةٌ دينيةٌ إسلاميةٌ للعالمِ الإسلاميِّ كلِّهِ ، إنّ نصرَ اللهِ عزّ وجلّ لا يكونُ إلا بالإخلاصِ لهُ والتمسكِ بدينهِ ظاهرًا وباطنًا والاستعانةِ بهِ وإعدادُ القوةِ المعنويةِ والحسيّةِ بكلِّ ما نستطيعُ ثمّ القتالُ لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العُليا وتَطْهُر بيوتَهُ من رجسِ أعدائِهِ . أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[سورة النور: الآية55]أقول قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ – تعالى – لي ولكمْ منْ كلِّ دنْبٍ فاستغفروهُ إنّهُ هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ الذي جعلَ بعد الضيقِ مخرجًا وبعد الهم فرجًا وبعدَ العسرِ يُسرًا،أحمدُهُ سبحانَهُ وأشكرُهُ على عظيمِ حكمتِهِ وتدبيرِهِ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وُحدهُ لا شريكَ لهُ جعلَ معَ العسرِ يسرًا،وأشهدُ أنّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ دلّ أمّتَهُ على طريقِ النصرِ والعزِّ والتمكينِ .أمّا بعدُ: فتحيّةُ إِجلالٍ للمرابطينَ في أكنافِ بيتِ المقدسِ، الذينَ يقفونَ في نحورِ الصهاينةِ المحتلينَ المجرمينَ. عبادَ اللهِ: إنّ فلسطينَ -تاريخاً وأرضاً ومقدساتٍ ومعالمَ – هي إرثُ المسلمينَ، إرثٌ واجبُ القبول، متحتمُ الرّعايةِ لازمُ الصّون، إنّهُ ليسَ خياراً يتردّدُ فيهِ المتردّدونَ أو شأناً يتحيّرُ فيهِ المتحيّرونَ؛ لِهذا وذاكَ كانَ أكثرُ ما سُفِكَ من دماءِ المسلمينَ، وأضرى مَا وقعَ مِنْ حروبِهِمْ على مرِّ التَّاريخِ حولَ تلكَ البقعةِ، وعلى ذلكَ الثّرى، والدّمُ الذي سكبهُ المسلمونَ أيّامَ الحروبِ الماضيةِ ولا يزالونَ لم يكن لينضَبَ وفي المسلمينَ أوردةٌ تنبِضُ. سيبقى القدسُ في قلوبناَ وفي وعي الأمّةِ، وقد أكّدتِ المملكةُ مِرارًا دعمَها المستَمِرَّ لقضيةِ القدسِ، وأنّ مواقفها ثابتةٌ على مرِّ العصورِ، وأنّها تسعى بكلِّ جهدٍ من أجلِ حصولِ الشعبِ الفلسطيني على كاملِ حقوقِهِ التاريخيةِ، والمملكةُ دعمتْ ولازالتْ تدْعمُ القضيةَ الفلسطينيةَ، وتقفُ إلى جانبِ الشعبِ الفلسطيني دائمًا، وتعملُ لنصرةِ قضيةِ القدسِ التي آمنتْ بِها باعتبارِها قضيةُ المسلمينَ الأولى في جميعِ المحافلِ الدوليةِ، والواجب على الإعلامِ العربيِّ أنْ يقومَ بدورِهِ في إبرازِ هذه القضيةِ؛ فهي قضيةُ العربِ الأُولَى.
أمّا عنْ واجبنَا نحنُ نحوَ المسجدِ الأقصى : هو اليقظةُ والاجتماعُ، والعملُ الجادُ، والائتلافُ وتركُ الخلافِ وتربيةُ الأبناءِ تربيةً إسلاميةً وربطِهِمْ بمقدساتِهِمْ وترسيخُ محبّةَ المسجدِ الأقصى في قلوبهمْ.وإعدادُ النفسِ وتهيئتِهَا إيمانياً وتربوياً وعلمياً وعملياً لاسترجاعِ المسجدِ الأقصى إلى دائرةِ المسلمينَ. والعملُ على توحيدِ الأمّةِ الإسلاميةِ والسعيُ للوحدةِ الجامعةِ الّتي تربطُ المؤمنينَ بعضِهمِ ببعض . هذا وصّلوا وسلّموا على الحبيبِ المصطفى فقدْ أمرَكُمُ اللهُ بذلكِ فقال جلّ مِنْ قائلٍ عليماً:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
اللّهم أصلحْ أحوالَ المسلمينَ في كلّ مكانٍ، اللّهمّ اجمعهمْ على الحقِّ والهدى، اللّهمّ أحقنْ دماءهمْ وآمنهم في ديارهم، وأرغدْ عيشهمْ، واكبتْ عدوّهمْ. يا من لا يُهزمُ جندُكِ، ولا يُخلَفُ وعدُكِ، سبحانكَ وبِحمدكَ. اللّهمّ إِنّ الصهاينَةَ قد بغوْا وطغوا وأسرفُوا في الطّغيانِ. اللهمّ هيِّئ لهم يداً من الحقِّ حاصدةً؛ تكسِرُ شوكتهم، وتستأصلُ شأفتهم، اللهم أنزل بهم بأسكَ ورجزكَ إلهَ الحقِّ. اللهمّ لا تُقِم لهم رايةً، ولا تحقق لهم غايةً، واجعلهم لمن خلفهم آيةً، اللهم اهزمهمْ وزلزلهمْ وانصرنا عليهمْ يا ربَّ العالمين.
الجمعة 4 / 4 / 1439 هـ