خطبة بعنوان: (المعلمون والمعلمات قدوات الأجيال) بتاريخ: 18-4-1439هـ

الثلاثاء 7 جمادى الآخرة 1440هـ 12-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى :
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا منْ يهدِهِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومنْ يضللِ اللهُ فلا هادي لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]أما بعد:
فإنّ خيرَ الحديثِ كلامُ اللهِ ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ – صلى الله عليه وسلمَ – وشرّ الأمورِ مُحدثاتُهَا ، وكلَّ محدثةٍ بدعة ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ. عبادَ اللهِ: إنّ للمعلمينَ والمعلماتِ شأناً عظيماً، وفضلاً جليلاً، ومكانةً رفيعةً فهمْ حماةُ الثغورِ، ومربوا الأجيالِ، وسقاةُ الغرسِ، وعمّارُ المدارسِ بلْ والمجتمعُ بأكملِهِ، المستحقونَ لأجرِ الجهادِ، وشكرِ العبادِ، والثوابِ منَ اللهِ يومَ المعادِ، والحديثُ عن المعلمينَ ذو شجونٍ، فلهمْ همومٌ وشؤونٌ، ولهمْ آمالٌ وآلامٌ، وعليهمْ واجباتٌ وتبعاتٌ.
فحديثُنَا عنِ المعلمينَ هو حديثٌ عنِ العلمِ والتعليمِ. ويكفيهمْ شرفاً أنّهُمْ يقومونَ بوظيفةِ الأنبياءِ والرسلِ قال تعالى : { وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } ( سورة الأنعام : الآية رقم 48 ) فينشرونَ العلمَ ويتحملونَ الأذى ، ويتكبدونَ المشاقَّ ، ويحيونَ القلوبَ، ويُفسِحُونَ الآفاقَ، فالمعلمُ هو من يشقُّ الطريقَ أمامَ طلابِهِ، يعلمُهُم ويرشدُهُم إلى طُرقِ العلمِ وسُبلِ تحصيلِه، يحبِّبُ العلمَ لهمْ، ويبسِّطَهُ لهمْ بسطاً، يجعلُ بسعةِ بالِه وحصافَتِه، مِنْ هؤلاءِ الطلابِ منابرَ في العلمِ والمعرفةِ، يكوِّنُ منهم جيلاً فريداً يتميزُ على أقرانِه، المعلمُ والمعلمةُ هم مَنْ يصنعُونَ الأمةَ، ويُنتجُونَ الأفذاذَ، ويزرعُونَ البذورَ النادرةَ.
عبادَ اللهِ: نحنُ نعلمُ أنَّ مهنةَ التعليمِ مِنَ المهنِ الشاقّةِ التي تحتاجُ إلى الصبرِ وإلى الحُلمِ وإلى الرفقِ ، لأنها هي القاعدةُ الأساسيةُ ، وهي الصُّلبُ الذي يقومُ عليه الوطنُ ، إذا تميَّزَ التعليمُ وازدهرَ ، إزدهرَ الوطنُ ، ونهضتْ البلادُ ، وإذا فَشِلَ التعليمُ ، فشلتْ الأمةُ ، وتقاعستْ وتدهورتْ ، ولذا فإنَّ التعليمَ من أشرفِ المهنِ وأعظمِها أجراً ، فكمْ من المعلمينَ الأفاضلِ الذينَ أخلصوا عملَهم ، وأدَّوا هذهِ الأمانةَ العظيمةَ على أكملِ وجهٍ ، فنالوا جزيلَ الثوابِ، فلا تنتظرُ أيها المعلمُ المِعطاءُ ، ثناءَ مشرفٍ ، أو تقديرَ مديرٍ أو مدحَ طالبٍ ، فأنتَ تتعاملُ معَ اللهِ ، أنتَ لا تبتغي إلّا رضا اللهِ وكلما أتقنتَ عملَك ، وأديتَ الذي عليكَ كاملاً ، وزدتَ في الكمالِ والإحسانِ ، كلما كنتَ إلى رضى اللهِ أقربُ، أنتَ في عالمٍ تغيرتْ معطياتُه، وانتشرتْ آفاتُه، وكثرتْ ملهياتُه، وزادتْ أدواتُه، فما عادَ الطالبُ بالأمسِ كطالبِ اليومِ، طالبُ الأمسِ كانَ بسيطاً يعتمدُ على القراءةِ والكتابةِ والكراريسِ التقليديةِ، أماَّ طالبُ اليومِ، فقد تفتَّحتْ عيناهُ على بحرٍ هادرٍ منْ وسائلِ التقنيةِ، والبرامجِ والتطبيقاتِ، طالبُ اليومِ نشأَ وسطَ زخمِ الاتصالات والإنترنت.
أيها المعلمونَ الأفاضلُ وأيتها المعلماتُ الفضلياتُ : يا من تقومونَ بإعدادِ أجيالِ الأُمّةِ ، وتربيةُ رجالِ المستقبلِ ليقوموا بوظائفِ البلادِ وينهضوا بحضارةِ الأمّةِ ، ويحملوا رِسالتِهَا ، تَذَكَّروا أنكمْ الأساسُ والمرتكزُ وحجرُ الزاويةِ في بناءِ الأمّةِ الحضاريّ ؛ فتحمّلُوا المسؤوليةَ كاملةً ، وكونوا أهلاً لِأداءِ هذه الرسالةِ العظيمةِ واعلموا أن التعليمَ يحتاجُ منكمْ إلى الاحْتِسَابِ فهؤلاءِ الطُّلَّابُ بحاجةٍ إلى المعلمِ المحْتَسِبِ الذي يجمعُ بينَ القدوةِ والخبرةِ ، فصبرُكَ أيُّهَا المُعَلِّمُ وأيَّتُهَا المُعلِّمَةُ عليهمْ وتوجيههمْ والابتسامةُ لهمْ ، تجني منهُم لذةَ العطاءِ المثمرِ ، وثمارَ الدعواتِ الصادقةِ ولو بعدَ حينٍ ، فمازلنا واللهِ نتذكَّرُ معلمينا الفضلاءَ وأساتذتَنا الأجلاءَ ، الذين حطَّتْ أولى رحالِ العلمِ بينَ أيديهِم، لازلنا نذكرُهُم ونخصُّهم بالدعواتِ الصادقةِ ، إذا مرَّتْ ذكرى هؤلاءِ المعلمينَ، تعطَّرَ المجلسُ بطيبِ سيرتِهم ، وجميلِ تربيتِهم ، غداً أيها المعلمُ سيذكُرُكَ جيلٌ طالما جلسَ أمامَكَ فكنتَ لهُ كالغيثِ المنهمرِ ، والنهرِ المستمرِ ، أودعتَ في قلوبِهم بذرةَ الخيرِ ، وسقيتَها بماءِ إخلاصِك وسيرتِك الطيبةِ وخُلقِك الكريمِ ، سيذكرونَكَ بالخيرِ ويدْعونَ لكَ ، هؤلاءِ الطلابُ هم أبناؤُنا ، وأبناؤُك ، كُنْ سابراً لأغوارِ تفكيرِهم ، متأملاً لأسبابِ مشاكِلِهم ، فنحنُ في زمنٍ يموجُ بالفتنِ ، ويعجُّ بالمحنِ ، فكنْ أنتَ صِمامَ الأمانِ للأمّةِ ، في صَدِّ كُلِّ أسبابِ التطرفِ والغلوِّ ، والضياعِ والانحلال، وإبعثْ فيهم حُبَّ الرجولةِ ومكارمِ الأخلاقِ ، حبّبهمْ للفضيلةِ ، وامقتِ الرذيلةَ بينَ أيديهم .
عبادَ الله… قد يكونُ أحدُنا عاجزاً عن إصلاحِ أبنائِه ، فربما كانَ في إصلاحِ أبناءِ المسلمينَ ، سبباً في صلاحِ أبنائِنا ، كمْ من الطلابِ الأيتامِ ، وكمْ من الطُّلَّابِ الذينَ فقدوا تربيةَ آبائِهم ، حرسَهُم اللهُ عنِ الغُلوِّ والانحرافِ والضياعِ ، بمعلمٍ ملهمٍ ، فاضلٍ مكرمٍ ، استبقَ الطريقَ ، وغيّرَ المسارَ ، ووجهَ القافلةَ إلى طريقِ الحقِّ والصوابِ ، فأنْعِمْ بهِ وأكْرِمْ ، وكمْ منَ الأجرِ أيُّها المُعلّمُ ، سيكونُ لكَ موفوراً ، بما درأتَ بهِ سُبلَ الزيعِ والضّلَالِ . أيُّهَا المعلمُ الكريمُ : نعلمُ أنّ المسؤوليةَ عليكَ عظيمةٌ لكنّنَا كلّنا أملٌ في اللهِ ثمّ بكَ بِأنْ تجعلَ من أبناءِنَا مناراتِ إرشادٍ وتوجيهٍ ، ورؤىً وتطلُّعَاتٍ تواكبُ قافلةَ الوطنِ ، وأيقظْ فيهمْ حُبَّ دينِهم وبلادِهم ووطنِهم وولاةِ أمرِهمْ وعُلمائِهمْ ، كُنْ مِصْباحاً تستنيرُ بهِ عقولُهمْ ومداركُهم فاللهَ اللهَ بهذهِ الأمانةِ التي في أعناقِكُمْ ، قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسّلامُ في الحديثِ المتفقِ عليهِ : (كلُّكمْ راعٍ وكلكمْ مسؤولٌ عنْ رَعِيّتِهِ، فالإمامُ راعٍ وهو مسؤولٌ عنْ رعيتِهِ، والرجلُ راعٍ في أهلِهِ وهو مسؤولٌ عن رعيتِهِ) فاتّقُوا اللهَ في أبنائِنا ،قالَ اللهُ تعالى: ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) [البقرة:281].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيّاكُمْ بما فيهِ منَ الآياتِ والذكرِ الحكيمِ أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكمْ إنّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ حمْدًا يُوافي بها نعمهُ، سبحانهُ لا أحصي ثناءً عليهِ هوَ كما أثنى على نفسِهِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ سيّدَنا محمداً عبدُه ورسولُهُ، صلى الله عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين. أما بعدُ:
فاعلموا عبادَ اللهِ: أنّ لِلمعلمِينَ والمعلماتِ في قلوبِنا مكانةً، وفي أنفسِنَا ثقةٌ، ولمْ يكنْ ذلكَ لكَ أيُّهَا المعلِّمُ وأيّتُهَا المعلمةُ لولا تفانيكمُ وإخلاصُكُمْ، فقدْ سلَّمنا لكمْ عقولَ أبنائِنا، فأرُونا فيهمْ ما تنهضُ بهِ الأمةُ، وتشمخُ به الأوطانُ.
فاللهَ اللهَ أيُّها الآباءُ والأمهاتُ في حقوقِ المعلمينَ والمعلماتِ، اغرسُوا في قلوبِ أبنائِكمْ وبناتِكمْ حبَّ العلمِ والعلماءِ، وإجلالِ المعلمينَ والمعلماتِ، وتوقيرِهم واحترامِهم، طلبًا لمرضاةِ اللهِ سبحانَهُ وتعالى، علّموهم الأدبَ مع الكبارِ والعطفَ على الصغارِ، علّموهم الهدوءَ واحترامَ دورِ العلمِ والمعلمينَ، ودورِ التربيةِ والمربينَ، علموهم احترامَ الآخرينَ، وتوقيرَ المسلمينَ.
هذا وصلّوا وسلّموا على خيرِ أنبياءِ اللهِ، وصفوةِ رسلِهِ، محمدِ بنِ عبدِاللهِ، كما أمركمْ بذلكَ ربُّكم سبحانَهُ فقالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

الجمعة 18 / 4 / 1439 هـ