خطبة بعنوان: (الوقاية من فتن الشبهات والشهوات) بتاريخ 19-5-1440هـ
الخطبة الأولى:
الحَمْدُ لله الَّذِي أَنْزَلَ الفُرْقَان عَلَى عَبْدِهِ لَيِكُونَ لِلعَالَمِينَ نذيرًا, وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ أَكْرَمَنَا بِنِعْمَةِ الإِسْلَامِ العَظِيمَةِ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُالله وَرَسُولُهُ تَرَكَ أُمَّتَهُ عَلَى المحجَّةِ البَيْضَاء لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يُزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هالِكَ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا, أَمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُؤَمِّنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ, فَبِالتَّقْوَى تُنَالُ الرّحمات وَيَفُوزُ المُتّقُونَ بِالجَنَّاتِ.
عبادَ الله:
مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ جلّ وعَلَا على عبادِهِ وأوفَاهَا وأعظمِها نعمةُُ الإسلامِ، وهو الدينُ الذي ارتضاهُ اللهُ جلَّ وعلَا لعبادِهِ، قالَ ربّنَا جلَّ وعلَا:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ}[آل عمران: 19]، وهوَ دينُ الفطرةِ التي فطرَ الخلقَ عليهَا، قالَ جلَّ وعَلا: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} [الروم: 30]،
ومنْ لقيَ اللهَ تعالى بغيرِ دينِ الإسلامِ فقدْ خابَ وخسِرَ، قالَ تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[آل عمران: 85]. فالواجبُ على كلِّ مسلمٍ أنْ يَحمدَ اللهَ تعالى ويشكرَهُ على تلكَ النّعمةِ الكبرى، والعطيّة العُظمى، ومَا فرِح المؤمنونَ يومَ القيامةِ بشيءٍ أشدّ من فرحِهِمْ بأنّهم كانوا مسلمينَ، إذ اصطفاهم ربًّهم جلَّ وعلَا منْ بينِ خلقهِ وجعلّهم مِنْ أهلِهِ.
واعلمُوا أيُّها المسلمونَ أنّ اللهَ جَلَّ وعلَا قدْ حبَا بلادَنا بنعمٍ عظيمةٍ من أجلّها نعمةُ الإسلامِ وتحكيمُ شريعتِهِ وإقامةُ حدودِهِ، واستتبابُ الأمنِ والاستقرارِ بين ربوعِها، ورغدُ العيشِ فيها، فجعلَها جلّ وعلَا واحةً للأمنِ ودوحةً للسلامِ، نعيشُ فيها وللهِ الحمدُ والمِنّةُ حياةً هادئةً مطمئنةً في ظلّ قيادةٍ واعيةٍ رشيدةٍ تعملُ على وحدةِ الكلمةِ واجتماعِ الصفِّ، ونبذِ ما يخالفُ ذلكَ، فالحمدُ للهِ أولاً وآخرًا ظَاهرًا وبَاطنًا.
عبادَ اللهِ:
لقدْ حذّرنا نبيُّنا صلّى اللهُ عليهِ وسلّم من فتنٍ آخرِ الزّمَانِ والّتي تُعرضُ على النّاس فتتلاعبُ بِهِمْ، وتبتعدُ بهم عن طريقِ الحقِّ والرّشادِ، فقالَ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ:(بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ..)، وأمرَ بالمبادرةِ والمسارعةِ إلى الأعمالِ الصّالحةِ لتكونَ سبَباً بعدَ اللهِ في الثباتِ على الدّين، وأخبرنَا صلى اللهُ عليهِ وسلّم عن اضطرابِ أحوالِ الناسِ في آخرِ الزّمانِ، وأنّ منهمْ من ينجرفُ إلى طريقِ الشبهاتِ، فيتأثّرُ بها، ويقعُ في قلبِهِ الشّك والريبُ، فيكونُ ذلك سبباً في خروجهِ عن الإسلامِ والعياذُ باللهِ، قال صلّى اللهُ عليه وسلّم:(يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً. أَوْ يُمْسِي مُؤْمِناً وَيُصْبِحُ كَافِراً. يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا)(رواه مسلم).
فاحذرُوا يا عبادَ اللهِ منَ الفِتَنِ، وسَلُوا اللهَ الثّبَات، وابذُلوا جميعَ الأسبابِ التي أمركُم اللهُ جلّ وعلَا بِها ونبيُّهُ صلى الله عليه وسلم، ففي ذلكَ النجاةُ في الدنيا والآخرةِ. ورسالتي إلى الشّباب؛ أقولُ لهمْ: أيُّها الشبابُ، أنتمْ عِمَادُ المجتمع وذخرهُ، فانتبهوا لما يحاكُ بكمْ من المؤامراتِ وما يُعرضُ عليكمْ منَ الفتنِ، فأنتمْ في زمانٍ تحتاجونَ فيهِ إلى التبصّر بما يُحاكُ بكم، وإليكم بعض النصائحِ والإرشاداتِ عسى الله تعالى أنْ يفتحَ على قلوبِكم في فهمِها والاستجابةِ لها ومنْ ذلك:
أولاً: أوصيكمْ بتقوى اللهِ جلّ وعلَا، والتمسكُ بدينِهِ، والإلحاحُ على اللهِ بالثباتِ عليهِ، والانقيادُ لأمرِهِ ونهيِهِ، وطاعةِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: عليكمْ بطلبِ العِلمِ، فالعلمُ يُضِيءُ لكم الطريقَ، ويُبَصّرُكُمْ بما يُعرضُ عليكم من الفتنِ، وسبلَ السلامةِ منها، ويوصلكم إلى مرضاتِ ربِّكم وجنّتِهِ.
ثالثاً: إيّاكُمْ والانقيادُ وراءَ العاطفةِ، وقيِّدوها بالشرعِ، ولا تستجيبوا لنداءاتِ أهلِ الباطلِ، فهي سمومٌ تَضربُ في سياجِ مجتمعكمْ لخرقِهِ وإغراقِهِ في أوحالِ الجاهليةِ.
رابعاً: إيّاكم والأمورَ المحدثة، وعليكمْ بالتثبّتِ في النقلِ وعدم التّعجُّلِ.
خامساً: عندَ وجودِ الاختلافِ عليكمْ بلزومِ العلماءِ الربّانيينَ الأكابرِ، وإيّاكم وصغارَ الأسنانِ.
سادساً: احذروا الفتنَ، ولا تسعوا وراءَهَا، ولا تغترّوا بزخرفِها، وإيَّاكُم والاقتراب منها، فهي سمٌ زعافٌ مَنْ ذَاقَهُ لم يذُقْ طعمَ الثّبَاتِ ولا حسنَ المماتِ.
سابعاً: احذروا من اتّباعِ الهوى، فهو يُعمي البصرَ والبصيرةَ، ويوقعُ في الفتنةِ، وإذا أردتّم الحقّ فلا تأخذوهُ إلا مِن أهلِهِ.
ثامناً: إيّاكم ومنازعةَ الشّرعِ، فهو سبيلُ هلكةٍ، وعليكمْ بالتثبّتِ في الأمورِ فعاقبتُها النجاةُ والفلاحُ.
تاسعاً: احذروا الفرقةَ فهي نقمةٌ، والزموا جماعةَ المسلمينَ فهي نعمةٌ، وعليكمْ بطاعةِ وليّ أمرِكمْ في المعروفِ، وتركِ منازعتِهِ والدُّعاءِ له.
عاشراً: إيّاكم والسفرَ إلى غيرِ بلادِكم دونَ سببٍ شرعيٍ يوجبُهُ، ولا تسعوا وراء شهواتِكُمْ وملذّاتِكُمْ، واستعيذُوا باللهِ من شرورِ أنفسِكُمْ وطلباتِها.
الحادي عشر: إيَّاكم وأصحابَ الأهواءِ فهم شؤمٌ عليكم، ولا تُصاحبوا إلا ذو إيمانٍ وبصيرةٍ، فهم نِعْمَ الصُّحبةُ في زمنِ الوِحدةِ.
الثاني عشر: عليكمْ بالاعتدالِ في أمورِ دينِكم، واحذروا الغلُو والتشدّد والفكرَ المنحرِفِ، فهو دليلٌ على اعوجاجِ الطريقِ.
الثالث عشر: عليكمْ بطاعةِ والديْكم وأدّوا حقوقهمْ، واحذرُوا العقوقَ فهو من أشدِّ الذّنوب، ومن لَزِمَ والدَيْهِ وبرَّهما حُفِظَ في نفسِهِ وأهلِهِ وذرِّيتِهِ.
الرابع عشر: عليكمْ أيُّها الشبابُ أنْ تكونوا خُدَّامًا لدينِ اللهِ جلّ وعلَا، داعينَ إليهِ، مُدافعينَ عنهُ بما استطعتمْ، مستشعرينَ للأمانةِ الملقاةِ على عواتقِكُمْ، فإنَّ عزَّكم بالإسلامِ، ولنْ تقومَ لكم قائمةٌ ولا عزةٌ ولا مَنعةٌ إلا بهِ، قال عمرُ رضيَ الله عنهُ: نَحْنُ قومٌ أَعَزَّنَا اللهُ بالإسلامِ، وَمَهْمَا ابْتَغَيْنَا الْعِزَّةَ بِغَيْرِهِ أَذَلَّنَا اللهُ.
أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم * بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ:{وَالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر} [سورة العصر]. باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيم ونفعنِي وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكُم إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الّذِي خلقَ السّماواتِ والأرضَ وجعلَ الظُّلُماتِ والنّورَ ثمَّ الّذينَ كفروا بربّهِمْ يعدلونَ، والصلاةُ والسلامُ على عبدِهِ ورسولِهِ محمدٍ وآلِهِ وصحبِهِ ومنْ سارَ على نهجِهِ واستنّ بسنتِهِ إلى يومِ الدّينِ، أمّا بعدُ:
فاتّقوا اللهَ أيُّها المؤمنونَ والمؤمناتُ واعلموا أنّنا في زمنٍ قلَّ فيهِ المُعين على طاعةِ الله جلّ وعلَا، وكثُرتْ فيهِ الفتنُ التي تودِي بالعقولِ والأبدانِ، وتزلُّ فيهِ الأقدامُ وإني مُوصيكم ببعضِ الوصايا التي تٌعينٌكم بعدَ اللهِ في حفظِ أولادِكم من فتنِ هذا الزمان، فأقولُ مستعينًا ومستمِدًّا منهُ العونَ والتوفيقَ والسدادَ:
أولاً: اعلموا أنّ صلاحَ الوالدينِ لهُ أثرٌ إيجابيٌ على أولادِهم، فهم القدوةُ الحقيقيةُ التي يرونَها أمامهم، وعلى قدرِ تمسُّك الوالدينِ بدينهمْ واستقامتهمْ على أمرِ ربّهمْ تكونُ هدايةُ أبنائِهِمْ وسلوكهم الطريقَ القويمَ.
ثانيا: اعلمُوا أنّكم مسؤولونَ أمامَ اللهِ جلّ وعلَا عنْ أهلِيكم وأولادِكم، وهي أمانةٌ تحتاجُ منكم الحفاظَ عليها، ولا أقلّ من أنْ تأخذوا بأسبابِ السلامةِ في بيوتِكم من البعدِ عن المحرّماتِ والمنكراتِ، وأنْ تعمروهَا بطاعةِ الله وذكرِهِ.
ثالثاً: حصّنوا أولادَكم بأذكارِ الصّباحِ والمساءِ، وأعينُوهم على تلاوةِ القرآنِ وذكرِ اللهِ، وربُّوا فيهم الحرصَ على الصّلاةِ والمحافظةِ على نوافلِ العباداتِ، وابعدوهمْ عن المعاصي والآثام.
رابعًا: طهّروا بيوتَكُمْ من وسائلِ الفسادِ والإفسادِ، وانتبهوا لأجهزةِ الجوّالِ والأيبادِ، فهي سلاحٌ ذو حدّينِ، إذا استُعمِلَ في الخيرِ نَفَعَ، وإذا كانَ في غيرِ ذلكَ أفسدَ وأوقعَ الضررَ.
خامساً: الحرصُ على القرينِ الصّالحِ للبنينِ والبناتِ، فكلُّ قرينٍ بالمقارنِ يقتدي، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ )(رواه أحمد والترمذي وأبو داود وصححه الألباني).
وأخيرًا: عليكمْ باستيعابِ أفكارِهم وآرائِهم، والتعاملِ معهمْ بالرّفْقِ واللّينِ، واحرِصوا على الدُّعاءِ لهمْ بالحفظِ والصّلاحِ والهِدَايةِ والتّوفيقِ في أمرِ الدّينِ والدُّنيا، فالدُّعاءُ سلاحٌ لا يُردُّ أثرُهُ، وتذَكّروا حديثَ الشابّ الذي آتى النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ يستأذنُه في الزّنَا، فكانَ ردُّ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ عليهِ في هذا الموقفِ في غايةِ الحكمةِ والرّفق واللّين، فلم ينهرْهُ ولم يعاتبْهُ، ولم يُغلظْ عليه القولَ، بلْ كان جوابُهُ على سؤاله (أفتحبُّهُ لِأُمك، أفتُحِبُّهُ لابنَتِك، أفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ، أَفَتُحِبُّهُ لِعَمّتِك، أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ)، فكانَ الشابُّ يقولُ في كلّ مرّةٍ، لا واللهِ جعلَنِي اللهُ فِدَاكَ، فكانَ الردُّ العمليُّ من الرسولِ الكريمِ صلى الله عليه وسلم على هذا الشابِّ في هذا الموقفِ أشدُّ تأثيراً منَ الكلامِ، فوضعَ يدهُ الكريمةَ على صدرِهِ ثم دعَا لهُ وقال:(اللّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصّنْ فَرْجَهُ) فلمْ يكنْ بعد – ذلكَ الفتى – يلتفتُ إلى شيء.(رواه أحمد).
هَذا وصلُّوا وسلّموا على الحبيبِ المصطفى والنبيّ المجتبى محمد بن عبد الله فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب:٥٦).
الجمعة: 15-5-1440هـ