بلاد الحرمين الشريفين والموقف الصارم من السحر والسحرة

الأثنين 13 جمادى الآخرة 1440هـ 18-2-2019م
تأليف
أ. د عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ الدراسات العليا بجامعة القصيمالمملكة العربية السعودية الزلفي ـ ص.ب 188ـ الرمز البريدي 11932
هاتف: 064226000 ـ فاكس: 064225666 ـ جوال: 0505123100
البريد الإلكتروني: m-islam1@hotmail.com
قرأه وعلق عليه ووضع مقدمة له 
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز (رحمــه اللـــه)

تقديم فضيلة الشيخ: عبد العزيز بن باز رحمه الله

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد:
فقد قرأت ما كتبه صاحب الفضيلة الدكتور: عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار، في السحر والسحرة، والفرق بين الكرامة والمعجزة وبين خوارق السحرة، فألفيته قد أجاد وأفاد وأوضح ما ينبغي إيضاحه في هذا الباب، ونقل من الأدلة الشرعية ومن كلام أهل العلم ما يوضح للقارئ الفرق بين الحق والباطل، وما ينبغي أن يعامل به السحرة والكهان والعرافون والمشعوذون من جهة ولاة الأمور، ومن جهة تحريم سؤالهم وتصديقهم، كما أو ضح وفقه الله العلاج الشرعي للسحر بالرقية الشرعية والأدوية الشرعية. فجزاه الله خيراً وضاعف مثوبته ونفع المسلمين بعمله، وكفى المسلمين شر السحرة والكهان والمنجمين وغيرهم من أصحاب الطرق الباطلة والأعمال الشركية، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء

 

شكر وتقدير

قال صلى الله عليه وسلم: (لم يشكر الله من لا يشكر الناس) وإني أحمد الله الذي يسر وأعان إتمام البحث، وأسأله سبحانه أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يثقل به ميزان الحسنات يوم العرض عليه، وأن يغفر لي ما كان فيه من زلل.
كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجزل المثوبة والأجر لسماحة الوالد الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، الذي تكرم بقراءة الكتاب وعلق عليه بعض التعليقات النافعة، وتفضل بكتابة مقدمة له، وإني على يقين أن ذلك منه ـ حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية ـ من باب تشجيع أبنائه وطلابه، فجزاه الله عني وعن المسلمين خير ما يجزي عباده الصالحين، ونفع الله بعلمه الأمة، وأصلح له شؤون دينه ودنياه، وحشرنا وإياه ووالدينا مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وصلى الله على نبينا محمد.

المؤلف

 

مقدمة

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ]([1]).
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً]([2]).
[أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا]([3]).
فنظراً لكثرة ما شاع بين الناس من دجل وشعوذة وسحر، خاصة في عصرنا هذا الذي ماج بالفتن، واضطرب بالمشكلات، وابتلي فيه المسلمون بمصائب كثيرة؛ كالذهاب إلى الدجالين، والمنجمين والعرافين، والسحرة، واستعانتهم واستغاثتهم بغير الله سبحانه وتعالى مما لا يخفى على كل ذي بصيرة وفطانة، ممن يتلو كتاب الله تعالى ويعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقرأ في كتب العلم الشرعية أن هذه الأمور السابقة محرمة لذلك، أحببت أن أقدم هذه المعجالة التي جمعتها في كتابي هذا لأبصر الناس بخطر ما يقدمون عليه وخطر إثمه.
ثم بينت لهم الطريق الشرعي للعلاج إذا ابتلي المرء بالسحر أو غيره، مثبتاً أقوال وآراء العلماء. مستدلاً على ما ذكرت بالقرآن الكريم والأحاديث التي خرجتها من مظانها. وذيلت في كتابي هذا نقولاً موثقة عن علمائنا الأجلاء حول هذا الموضوع. علَّها تكون خطوة مباركة على طريق العلم.
وقد احتوى كتابي هذا على تعريف السحر لغةً واصطلاحاً، والأدلة التي تثبت وقوع السحر في الكتاب والسنة، ثم ذكرت أقسام السحر، والعلامات التي يعرف بها الساحر، وخطر السحر على الفرد والمجتمع، وحكم الساحر في الشريعة الإسلامية، وهل تقبل توبته أم لا؟ وكيفية إبطال السحر، والتحصينات الشرعية من السحر، وما الذي يجب تجاه هؤلاء السحرة، ثم بينت موقف بلدنا بلد الحرمين الشريفين من السحر والسحرة، وأوردت نقولاً موثقة عن العلماء الأعلام حول السحر وما يتعلق به، ثم أوضحت الفرق بين السحر والكرامة والمعجزة.
داعياً الله سبحانه وتعالى أن يتقبل مني هذا العمل وأن يجعله في ميزان الحسنات، وأن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجه الكريم. إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وكتبه
أبو محمد بن عبد الله بن أحمد الطيار
ضحوة الخميس 22/7/1416هـ

 

السحر

تعريفه لغة:
يطلق السحر في اللغة على معان كثيرة كالخداع، والصرع، والاستمالة، والتمويه، وكل ما لطف ودقَّ وخفي سببه فهو سحر([4]).
لذا يقال: السحر هو الرئة فإن كل ذي سحر يتنفس، ويتطلب الغذاء، ثم قد يطلق على الغذاء نفسه، وعلى آخر الليل لأنه متنفس الصبح، وكل هذا فيه معنى الخفاء، فإن الرئة خفية في ذات الحيوان، والنفس ألطف شيء فيه، والغذاء تخفى مجاريه في البدن، ويدق تأثيره، ويطلق بمعنى التعليل والتلهية.
قال تعالى: [إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ]([5]). قال الفراء في هذه الآية: قالوا لنبي الله لست بملك إنما أنت بشر مثلنا، والمسحرَّ: المجوف، كأنه والله أعلم أخذ من قولك: انتفخ سحرك أي أنك تأكل الطعام والشراب فتعلل به، وقال غيره [الْمُسَحَّرِينَ] أي ممن سحر مرة بعد مرة([6]).

تعريفه اصطلاحاً:
اتفاق بين ساحر وشيطان على أن يقوم الساحر بفعل بعض الأمور المحرمة والشركية على أن يساعده الشيطان ويطيعه فيما يطلب منه.
وقال بدر الدين العبني: (السحر هو أمر خارق للعادة صادر عن نفس شريرة لا يتعذر معارضته)([7]).
وقيل: هو عمل يقوم به شخص معين، تتوفر فيه شروط مخصوصة، تحت ظروف واستعدادات غير مألوفة، وبطرق سرية غامضة، للتأثير على شخص أو جملة أشخاص([8]).
والتعريفات السابقة إنما تعنى بالسحر الذي هو صفة لبعض النفوس تستطيع بما عملته من السحر التأثير في العالم المادي بمعاونة الشياطين بضرب من التقرب إليهم أو ما يحصل بمخاطبة الكواكب، واستنزال روحانيتها بزعمهم الباطل. وهذا هو السحر حقيقة.
إلا أن هناك سحراً آخر لم تتناوله التعريفات السابقة وهو ما يقع بخداع وتخيلات لا حقيقة لها نحو ما يفعله المشعوذ من صرف الأبصار عما يتعاطاه بخفة يده، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: [سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ]([9]). وقوله تعالى: [يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى]([10]).
وهذا كثير في عصرنا لما حدث فيه من تطور علمي هائل قد يستغله البعض في خداع الجماهير([11]).

أدلة من القرآن والسنة على وقوع السحر

أولاً: من القرآن:
قال تعالى: [وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ]([12]).
وقال تعالى: [فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ]([13]).
وقال تعالى: [سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ]([14]).
وقال تعالى: [فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ]([15]).
وقال تعالى: [فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ]([16]).
وقال تعالى: [فَلَمَّا جَاءَهُمْ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ]([17]).
وقال تعالى: [فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ]([18]).
وقال تعالى: [لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ]([19]).
وقال تعالى: [فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَاناً سُوًى]([20]).
وقال تعالى: [إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ]([21]).
وقال تعالى: [إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى]([22]).
وقال تعالى: [هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ]([23]).
وقال تعالى: [إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ]([24]).
وقال تعالى: [فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ]([25]).
وقال تعالى: [فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرًى]([26]).
وقال تعالى: [وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ]([27]).
وقال تعالى: [وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ]([28]).
وقال تعالى: [وَلَمَّا جَاءَهُمْ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ]([29]).
وقال تعالى: [قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ]([30]).
وقال تعالى: [أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ]([31]).
وقال تعالى: [وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ]([32]).
وقال تعالى: [فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ]([33]).

ثانياً: الأدلة من السنة
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي، دعا الله ودعاه، ثم قال: (أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيت فيه؟ قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومن طَّبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق.
قال: في ماذا؟ قال: في مشط ومشاطة، وجف طلعة ذكر. قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان). فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر، فنظر إليها وعليها نخل، ثم رجع إلى عائشة، فقال: (والله لكان ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين).
قلت: يا رسول الله! أفأخرجته؟
قال: (أما أنا فقد عافاني الله وشفاني، وخشيت أن أثور على الناس منه شراً وأمر بها، فدفنت)([34]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات).
قالوا: يا رسول الله! وما هن؟
قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق؛ وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)([35]).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قدم رجلان من المشرق فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ من البيان لسحراً). (أو إنَّ بعض البيان سحر)([36]).
وعن سعد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من تصبح سبع تمرات عجوة، لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر)([37]).
وعن بجالة بن عبدة قال: (كتب عمر بن الخطاب: (أن اقتلوا كل ساحر وساحرة) وزاد عبد الرزاق عن ابن جريح عن عمرو بن دينار في روايته عن بجالة: (فقلنا ثلاث سواحر)([38]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد)([39]).
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منَّا من تطير أو تطير له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)([40]).
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (لا يدخل الجنة مدمن خمر، ولا مؤمن بسحر، ولا قاطع رحم)([41]).
أمَّا من أقوال الصحابة: فقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال: (من أتى عَّرافاً أو ساحراً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)([42]).

وأمَّا من الإجماع: فقد قال القرافي: (وكان السحر وخبره معلوماً للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. وكانوا مجمعين عليه قبل ظهور القدرية)([43]).

أقسام السحر

قسم العلماء السحر إلى أنواع عديدة. ولكل منهم تقسيم يختلف عن الآخر، نذكر منها ما يلي:
أولاً: تقسيم الرازي:
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره([44]): قد ذكر أبو عبد الله الرازي أن أنواع السحر ثمانية:
الأول: سحر الكذابين والكشدانيين الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة وهي السيارة، وكانوا يعتقدون أنها مدبرة العالم، وأنها تأتي بالخير والشر، وهم الذين بعث الله إليهم إبراهيم الخليل عليه السلام مبطلاً لمقالتهم، وراداً لمذهبهم.

الثاني: سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية.

الثالث: الاستعانة بالأرواح الأرضية وهم الجن.

الرابع: سحر التخييلات والأخذ بالعيون والشعوذة، ومبناه على أن البصر قد يخطئ ويشتغل بالمعين دون غيره.

الخامس: الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب آلات مركبة على النسب الهندسية، كفارسٍ على فرس في يده بوق كلما مضت ساعة من النهار ضرب بالبوق من غير أن يمسه أحد. وهذا النوع في عصرنا الحالي كثير جداً بسبب التطور العلمي الهائل.

السادس: الاستعانة بخواص الأدوية ـ يعني في الأطعمة والدهانات وغير ذلك.

السابع: التعليق للقلب، وهو أن يدعي الساحر أنه عرف الاسم الأعظم، وأن الجن يطيعونه، وينقادون له في أكثر الأمور.
قال ابن كثير عن النوع السابع: هذا يقال له التنبلة، وإنما يروج على ضعفاء العقول من بني آدم([45]).

الثامن: السعي بالنميمة والتقرب من وجوه خفية لطيفة، وذلك شائع بين الناس والتفريق بين قلوب المؤمنين فهذا حرام متفق عليه.
وتارة أخرى على وجه الإصلاح بين الناس وائتلاف كلمة المسلمين فليس في هذا النوع بأس كما جاء الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً)([46]).
ثم قال: وإنما أدخل يعني به الرازي كثيراً من هذه الأنواع المذكورة في فن السحر للطاقة مداركها، لأن السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفي سببه([47]).

وعلماء الاجتماع قسموا السحر إلى قسمين: 
1_ السحر الأبيض: وهو الذي يخدم أهدافاً علمية واجتماعية؛ مثل سحر الحب، والتداوي، والتنبؤ بالمستقبل.
2_ السحر الأسود: وهو الذي يمارس بقصد إضرار الآخرين([48]).

وقيل إنَّ السحر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1_ سحر يؤثر من تلقاء نفسه، وهو ما يصدر عن الشيطان، أو أحد أعوانه، وهو أقوى أنواع السحر.
2_ سحر يقوم به الساحر بمساعدة الأرواح الشريرة، وهو أضعف من سابقه ومفعوله لا يدوم، إلا إذا تكرر عمله، ومن السهل علاجه وإبطال مفعوله.
3_ سحر يستعين فيه الساحر بقوة الحروف الهجائية، والأعداد، والكواكب، والأجرام السماوية، وهو أصعب أنواع السحر، ويستلزم الحيطة، والحذر، ويجهله أكثر الناس([49]).
يتبين لنا من خلال التقسيمات السابقة للسحر أنَّ العلماء أقحموا في السحر ما ليس فيه، والسبب في ذلك أنهم اعتمدوا على المعنى اللغوي للسحر، وهو ما لطف وخفي سببه، ومن هنا أدخلوا فيه الاختراعات العجيبة، والأمور التي تصدر عن خفة اليد، والسعي بين الناس بالنميمة، وما شاكلها من الأمور، التي يكون سببها غير ظاهر.

وبناء عليه فالذي يظهر أن أقسام السحر ثلاثة وهي: 
1) سحر حقيقي.
2) سحر تخييل.
3) سحر مجازي([50]).
والذي يعنينا في بحثنا هذا هو السحر الذي يعتمد فيه الساحر على الجن والشياطين.
علامات يعرف بها الساحر
إن للساحر علامات يعرف بها، فإذا وجدت واحدة منها في أحد المعالجين فهو ساحر بدون أدنى شك.
ومن هذه العلامات:
1_ يسأل المريض عن اسمه واسم أمه([51]).
2_ يأخذ أثراً من الآثار المريض مثل: ثوب، وشماغ، غترة، منديل، فانيلة، سروال، طاقية، وغير ذلك من الملابس، وغيرها مما يستخدمه المصاب.
3_ أحياناً يطلب حيوان بصفات معينة ليذبحه، ولا يذكر اسم الله عليه، وربما لطَّخ بدمه أماكن الألم من المريض، أو يرمي به في مكان خرب.
4_ كتابة الطلاسم.
5_ تلاوة الطلاسم والعزائم غير المفهومة.
6_ إعطاء المريض حجاباً يحتوي على مربعات بداخلها حروف، أو أرقام.
7_ يأمر المريض بأن يعتزل الناس فترة معينة في غرفة لا تدخلها الشمس ويسميها العامة (الحجبة).
8_ أحياناً يطلب من المريض ألا يمس الماء لمدة معينة، غالباً تكون أربعين يوماً.
9_ يعطي للمريض أشياء يدفنها في الأرض.
10_ يعطي للمريض أوراقاً يحرقها ويتبخر بها.
11_ يتمتم بكلام غير مفهوم وخارج تماماً عن اللغة العربية.
12_ أحياناً يخبر الساحر المريض باسمه، واسم بلده، ومشكلته التي جاء من أجلها، بدون أن يذكر له المريض ذلك.
13_ يكتب للمريض حروفاً مقطعة في ورقة (حجاب) أو في طبق من الخزف الأبيض ويأمر المريض بإذابته وشربه.
14_ أن يكون له من قوة العناد والإصرار والمكر مالا يمكن معه زعزعته عن عقيدته الشيطانية، حتى ولو قاسى في سبيلها أشد وأقسى أنواع وألوان التعذيب والإهانة.
15_ أن لا ترتعد فرائضه عند ظهور إبليس أو أحد أتباعه له في أية صورة، أو عندما يرى حريقاً أو أمراً مفزعاً.
16_ يعتقد اعتقاداً راسخاً في قوة الشيطان ومقدرته ومقدرة أعوانه من الأرواح الشريرة الخبيثة، مطيعاً لأوامرها، خاضعاً لشروطها وقوانينها.
17_ عدو لدود لجميع الأديان، ويظهر سخطه عليها واستهزاءه بها في كل مناسبة ولا يدخل بتاتاً أي محل للعبادة إلا بقصد تدنيسه أو تلويث معداته، متبرئاً من دينه، ومن جميع الكتب المنزلة، مع تمزيقها وحرقها واستعمالها في أغراض دنيئة([52]).
18_ مستعد لارتكاب أية جريمة خلقية، وكل معصية ورذيلة، مع الإنغماس الكلي في الفجور والإباحة.
19_ مثال للقذارة، ودناءة النفس، كما تشهد بذلك ملابسه وطرق معيشته، حتى يكتسب رائحة نتنة كريهة تلصق به طوال حياته.
20_ يقضي معظم الوقت بعيداً عن الناس، ولا يعاملهم، ولا يتصل بهم إلا إذا طلب منه ذلك لأعمال سحرية، أو إلحاق الضرر بالناس.
فإذا وجدت علامة واحدة من العلامات السابقة في أحد المعالجين علمت أنه ساحر، فإياك والذهاب إليه. وتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)([53]).
ضرر السحر على الفرد والمجتمع
يصل الإنسان إلى قمة الشر حينما يبتعد عن منهج الله رب العالمين، فيتحكم في سلوكه الشيطان الرجيم، ويسيطر على أفعاله فيقع في الهاوية. والوصول إلى قمة الشر إهلاك للمجتمعات البشرية، وعقبة في سبيل تقدمها وازدهارها.
والسحر دونما شك وصول إلى قمة الشر لأن الساحر يتجرد من عواطفه وأحاسيسه، وإنسانيته، وما سار عليه الناس في حياتهم، بل يتجرد من الرابطة التي بينه وبين خالقه، فيجحده ويشرك معه غيره، ويكفر به. ولذا كان السحر من أكبر الكبائر، وأخطر الأمراض التي تصيب المجتمعات، فتقوض بنيانها، وتهد أركانها، وينتشر بسببه العدوان، وانتهاك الأعراض، وقتل الأبرياء، وسرقة الأموال.

والمشكلة العويصة أن بعض الناس إذا أصابهم مرض أو مكروه لجأوا إلى السحرة والمشعوذين ليقرأوا عليهم، أو ليكتبوا لهم التمائم، وكثيراً ما يقع الناس في شباك هؤلاء الدجالين والمشعوذين.
وهم حين يذهبون إليهم ينسون النصوص الصحيحة الصريحة، التي تحرم الذهاب إلى هؤلاء، وتؤكد الوعيد الشديد الذي ينتظرهم في الآخرة. وذهابهم هذا ليس من التداوي المشروع، إذ التداوي لا يتعارض مع الإيمان والتوكل، بل هو من مقتضى الإيمان لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين ذلك في حديثه القائل فيه: (إن لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل)([54]).

أمَّا السحر فإنه يفرق بين المرء وزوجه، ويعود على الإنسان بأمراض خطيرة، ويزرع الشبه والشكوك في نفوس الناس، ويورث البغضاء والحقد والحسد، ولاسيما إذا علم الشخص أن فلاناً من الناس قد سحره، فإن ذلك يدعوه للانتقام بكل وسيلة متاحة له. وهنا يحصل الخلل في المجتمع، وينتشر العدوان والقتل، وتضيع الأخلاق الإسلامية التي ترفرف على المجتمع بالأمن والطمأنينة، ويحل محلها الذعر والخوف وحب الجريمة.

ولذا لا غرابة أن يجعل الإسلام الاشتغال بالسحر من أكبر الكبائر، وأعظم المعاصي بعد الإشراك بالله. لأنه من الموبقات المهلكات، روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله والسحر…)([55])، وقد أمر الله عز وجل رسوله وحبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ من أمور كثيرة، ومن تلك الأشياء التي أمره أن يتعوذ منها السحر فأنزل عليه سورتي الفلق والناس فكان يتعوذ بهما ويعوذ بهما أهله.
هذا مع صدق الإيمان والتوكل على الله عز وجل، وكمال اليقين، أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، وأن الأمة لو اجتمعت على أن تنفعه أو تضره لما استطاعت إلا بشيء قد كتب له.
قال ابن القيم: (… فالقلب إذا كان ممتلئاً من حب الله، معموراً بذكره، وله من التوجيهات والدعوات والأذكار والتعوذات ورد لا يخل به، يطابق فيه قلبه لسانه، كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السحر له، ومن أعظم العلاجات له بعد ما يصيبه…)([56]).
ومن جود الله وكرمه أنه يفرح بتوبة عبده وإنابته إليه، وأن بابه مفتوح لكل تائب ـ ولو كان مشركاً ـ ما لم يغرغر أو تخرج الشمس من مغربها.

فإذا تاب الساحر من سحره وتركه وعزم على ذلك وندم على ما مضى فإن الله يتوب عليه، ويغفر له ما تقدم من ذنبه، قال تعالى: [قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ]([57]).
وقد تاب سحرة فرعون عندما تبين لهم أن ما جاء به موسى ليس سحراً، فهم يعرفون السحر، بل هم من أئمته، مع أنهم أرادوا أن يبطلوا المعجزة وينصروا فرعون ويردوا دين الله فما كان لهم إلا أن سجدوا لله وقالوا: [فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى]([58]).

حكم الساحر في الشريعة الإسلامية

قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: الساحر الذي يعمل السحر ولم يعمل ذلك غيره هو مثل الذي قال الله تبارك وتعالى فيه: [وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ]([59]). فأرى أن يقتل إذا عمل ذلك هو نفسه([60]).
وقال ابن قدمة: (الساحر الذي يركب المكنسة وتسير به في الهواء ونحوه يكفر ويقتل)([61]).
وقال القرطبي: (اختلف الفقهاء في حكم الساحر المسلم والذمي فذهب مالك إلى أن المسلم إذا سحر بنفسه بكلام يكون كفراً يقتل، ولا يستتاب، ولا تقبل توبته، لأنه أمر يستتر به كالزنديق، والزاني([62])، ولأن الله سبحانه وتعالى سمَّى السحر كفراً بقوله تعالى: [وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ]([63]). وهو قول أحمد بن حنبل، وأبي ثور، وإسحاق، وأبي حنيفة.
وقال ابن المنذر: (إذا أقر الرجل بأنه سحر بكلام يكون كفراً وجب قتله إن لم يتب، وإن كان الكلام الذي ذكر أنه سحر به ليس بكفر لم يجز قتله، فإن كان أحدث في المسحور جناية توجب القصاص اقتص منه إن كان عمد ذلك، وإن كان ممَّا لا قصاص فيه ففيه دية ذلك)([64]).
قال الإمام أحمد: (صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (في قتل الساحر)([65]).
وقال ابن حجر العسقلاني: (وعند مالك أن الحكم الساحر حكم الزنديق فلا تقبل توبته، ويقتل حداً إذا ثبت عليه ذلك. وبه قال أحمد)([66]).

وقال الشافعي: (لا يقتل إلا إن اعترف أنه قتل بسحره فيقتل به)([67]).
وقول الشافعي هذا نقله عنه ابن المنذر وغيره.
يتضح مما سبق أن جمهور العلماء قالوا بقتل الساحر، إلا الشافعي يقول: لا يقتل إلا إذا قتل بسحره فيقتل قصاصاً.

 

حكم توبة الساحر


خلاف بين أهل العلم.
المشهور فيه من مذهب الإمام أحمد أنه يقتل من غير استتابة، وبه قال مالك. لأن الصحابة لم يستتيبوا السحرة الذين حكموا بقتلهم.
وعن أحمد أنه يستتاب فإن تاب قبلت توبته، وخلي سبيله وبه قال الشافعي. لأن ذنبه لا يزيد على الشرك، والمشرك يستتاب وتقبل توبته، فكذلك الساحر.
وهذا الخلاف إنما هو في إسقاط الحد عند التوبة. أما فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى فلا أحد يحول بينه وبين التوبة، بل إن كانت صادقة قبلت إن شاء الله.

إبطال السحر

كثيراً ما يقول المرضى: الذهاب إلى السحرة لا يجوز فماذا نفعل؟
أقول: عليكم بالأمور التالية:

أولاً: عليكم بالتوجه الخالص إلى الله تعالى ودعائه سبحانه أن يدلكم على مكانه، كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما سحر، (أنه سأل ربه في ذلك فدل عليه فاستخرجه من بئر فكان في مشط ومشاطه([68]) وجف طلعة ذكر، فلما استخرجه ذهب ما به حتى كأنما نشط من عقال)([69]).
قال ابن القيم رحمه الله: (فهذا أبلغ ما يعالج به المطبوب وهذا بمنزلة إزالة المادة الخبيثة وقلعها من الجسد بالاستفراغ)([70]).
وقد يقول قائل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم دل على السحر بطريق الوحي فكيف نُدَلُّ عليه؟
والإجابة على ذلك تكون بما يلي:
1_ الرؤيا في المنام: كأن يريه الله بمنه وكرمه مكان السحر، فبعد أن يدعو العبد ربه بأن يدله على مكان السحر في منامه فيراه بإذن الله تعالى، وهذا من تمام نعمة الله على العبد المصاب، حيث إن ذلك طريق سهل ميسور، وقد حدث هذا في حالات كثيرة عايشتها وتثبت منها.
2_ أن يوفق لرؤيته أثناء البحث والتنقيب، وهذا أيضاً من عظيم رحمة الله تعالى بعباده، فما أنزل الله من داء إلا وجعل له دواء.

ثانياً : أن يعرف مكان السحر عن طريق الجن، بأن يقرأ على المسحور الذي تلبسه الجن فينطق الجن على لسان هذا المريض، دالاً على مكان السحر.
ولينتبه المعالج إلى أن أكثر حال الجن الكذب، وخبرهم لا بد من التثبت منه والتأكد لئلا يظلم أحداً بسببهم.

ثالثاً: إخراج الجنىِّ الموكل بالسحر من جسم المريض، إذا أنَّ من أنواع السحر إرسال الساحر جنياً يدخل في جسم المصاب فيؤذيه، أو يعيقه عن الحركة في أحد أعضائه، أو ما شابه ذلك، فإن استطعنا بحول الله وقوته طرد هذا الجني من جسم المريض فإن السحر يبطل بإذن الله تعالى.

رابعاً: الاستفراغ: بأن يكون في المحل الذي يصل إليه أذى السحر، فإن للسحر تأثيراً في الطبيعة، وهيجان أخلاطها، وتشويش مزاجها، فإذا ظهر أثره في عضو وأمكن استفراغ المادة الرديئة من ذلك العضو نفع جداً.
ومن الاستفراغات النافعة بإذن الله تعالى في دفع السحر الحجامة([71]).
قال ابن القيم: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل الحجامة حيث إنها كانت من أبلغ الأدوية وأنفع المعالجة. وكان ذلك قبل أن يوحى إليه أن ذلك من السحر، فلما جاءه الوحي من الله تعالى وأخبره أنه قد سحر عدل إلى العلاج الحقيقي، وهو استخراج وإبطاله، فسأله الله سبحانه وتعالى فدله على مكانه، فاستخرجه، فقام كأنما نشط من عقال)([72]).

خامساً: النشرة، وهي ضرب من الرقى والعلاج يعالج به من كان يظن أنَّ به مساً من الجن.
قال ابن القيم رحمه الله: (النشرة حل السحر عن المسحور وهي نوعان:
الأول: حل السحر بمثله والذي هو من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن: فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يجب فيبطل عمله عن المسحور.
الثاني: بالرقية والتعاويذ والأدوية المباحة فهذا جائز([73]).

سادساً: وعلى كل حال لا بد من التحصن والتعوذ بالرقى لدفع السحر قبل وقوعه، والعلاج منه إذا وقع.

التحصينات الشرعية من السحر

1_ تحقيق التوحيد الخالص لله تعالى:
وأقسامه ثلاثة:
الأول: توحيد الربوبية: وهو العلم والإقرار بأن الله رب كل شيء ومليكه والمدبر لأمور الخلق جميعهم([74])، فهذا الكون بسمائه، وأرضه، وأفلاكه، ودوابه، وشجره، ومدره، ودبره، وبحره، ، وملائكته، وجنَّه، وإنسه خاضع لله مطيع لأمره الكوني كما قال تعالى: [وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً]([75]).
فإذّا حقق العبد هذا التوحيد عرف أن كل شيء بأمر الله، فلا يقع أمر، ولا يحل خير، ولا يرتفع شر إلا بأمره سبحانه وتعالى، وهذا يجعل العبد يدعوه سبحانه في كل نائبة. قال تعالى: [وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ]([76]).

الثاني: توحيد الألوهية: هو إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، ويتعلق بأعمال العبد وأقواله الظاهرة والباطنة([77]).
وهذا النوع من التوحيد هو أول دعوة الرسل من أولهم إلى أخرهم، قال تعالى: [وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ]([78]).
فلا يكون العبد موحداً حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده، ويقرأ أنه وحده الإله المستحق للعبادة.
ويلتزم بعبادته وحده لا شريك له. قال تعالى: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ]([79]).
وهذا النوع من التوحيد يفضي بأن على العبد أن يجعل دعاءه، ونذره، ونحره، ورجاءه، وخوفه، وتوكله، ورغبته، ورهبته إلى الله وحده لا شريك له.
فصرف أي شيء من ذلك أو غيره فيما يتعلق بأفعال العباد على وجه التقرب لغير الله يكون شركاً. كمن يذبح للجن، وينذر لهم، وكمن يجعل اعتماده على الساحر والكاهن.

الثالث: توحيد الأسماء والصفات: وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من صفات الكمال، ونعوت الجلال من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل([80]).
قال تعالى: [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ]([81]). فإذا عرف العبد أسماء ربه وصفاته، وعرف مدلولاتها على الوجه الصحيح، فإن ذلك يعرفه بربه وعظمته، فيخضع له، ويخشع، ويخافه، ويرجوه، ويتضرع إليه في دفع الكربات والشرور، ويدعوه ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته كما قال تعالى: [وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا]([82]).
وإذا علم العبد أن الله رحمن رحيم رجا رحمته ودعاه كما فعل أيوب عليه السلام، قال تعالى: [وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ]([83]).

ولتحقيق التوحيد الخالص لله جل وعلا أثر كبير في دفع الشرور وجلب الخير بإذن الله تعالى، فأقسام التوحيد الثلاثة كلها متلازمة كل نوع منها لا ينفكك عن الآخر، بل إن القرآن الكريم كله في التوحيد وما يتعلق به من الأوامر والنواهي في شؤون الدنيا والآخرة.

2_ الإخلاص:
فيتحقق الإخلاص هو سبيل الخلاص من الشيطان باعترافه هو. حيث يقول الله تعالى على لسانه: [قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ]([84]).
والآية الكريمة توضح أن الشيطان عاجز عن إغواء المخلصين.
والمخلص هو الذي يبتغي بعلمه وجه الله فقط، ولا ينتظر محمدة الناس له على ما يفعل، بل هو يخفي جميع أعماله ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

3_ التزام الجماعة:
فالتزام الجماعة يرضي الرحمن، ويطرد الشيطان، كما قال الله سبحانه وتعالى: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا](*)([85]).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد)([86]).
فإن أردت أن تسافر سفراً طويلاً فاصطحب معك غيرك لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الراكب شيطان والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب)([87]).
وقال صلى الله عليه وسلم: (الجماعة رحمة والفرقة عذاب)([88]).

4_ المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة لاسيما صلاة الفجر:
يقول الله تعالى: [حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى]([89]). لأن التهاون في صلاة الجماعة يسهل غواية الشيطان لابن آدم. لأنه بذلك يكون قد اتبع طريق الشيطان، وترك طريق الرحمن.
والشيطان هو الذي يزين له دائماً أن يترك الطاعات والعبادات ولا يحافظ عليها، حيث إنها الحصن الحصين للإنسان من هذا العدو اللدود.
فإذا ما فعل العبد ذلك ولم يحصن نفسه بالحفاظ على هذه العبادات استطاع الشيطان أن يستحوذ عليه.
قال تعالى: [اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الْخَاسِرُونَ]([90]).
وعن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من صلى الصبح فهو في ذمة الله فانظر يا ابن آدم لا يطلبنك الله من ذمته بشيء]([91]).
فمحافظتك على الصلوات حماية عظيمة لك من أن يهم بك الشيطان، فهو لا يهم إلا بمن كان وحده وبمن يترك صلاة الجماعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)([92]).

5_ الاعتصام بالكتاب والسنة:
فإن أعظم سبيل للحماية من الشيطان هو الالتزام بالكتاب والسنة علماً وعملاً، لأن الكتاب والسنة جاءا بالصراط المستقيم، والشيطان يجاهد لكي يخرجنا عن هذا الصراط، وقد جلس صلى الله عليه وسلم ذات مرة مع أصحابه وخطَّ خطاً بيده ثم قال: (هذا سبيل الله مستقيماً)([93])، وخط عن يمينه وشماله ثم قال: (هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ]([94]).
وإننا عندما نلتزم بما أمر الله سبحانه وتعالى به من عقائد، وأعمال، وأقوال، وعبادات، ونترك ما نهانا الله سبحانه وتعالى عنه، فذلك يجعلنا في حرز من الشيطان.
وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نلتزم بالإسلام كلية، وأن نترك خطوات الشيطان وطريقه ونبتعد عنه، وألا نترك شعيرة واحدة من شعائر الإسلام في قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ]([95]).

من أجل ذلك كان تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله، أو الأكل من المحرمات والخبائث من إتباع خطوات الشيطان التي نهانا الله سبحانه وتعالى عنها: قال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ]([96]).
روى ابن الجوزي بسنده إلى الأعمش قال: (حدثنا رجل كان يكلم الجن، قالوا ليس علينا أشد ممن يتبع السنة، وأما أصحاب الأهواء فإنا نلعب بهم لعباً([97]).

6_ تقوى الله عز وجل والإنابة إليه:
قال تعالى: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً]([98]).
ويقول سبحانه: [وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ]([99]).
ويقول سبحانه: [وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ]([100]).
فلتقوى الله عز وجل، ومراقبته في كل صغير وكبير، واستشعار معية الله ـ سبحانه وتعالى ـ أثر كبير في تفريج الكربات، ودفع الشرور، ورفعها عن العبد. فالعبد كلما اتقى ربه، وراقبه في السر والعلن رفع الله عنه البلاء، والشرور بإذنه سبحانه وتعالى.

7_ التوبة النصوح والتخلص من الآثام:
يقول تعالى: [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ]([101]).
فإن كثيراً من الشرور التي تقع إنما تكون بسبب الذنوب، والمعاصي، وبسبب ظلم العبد.
حتى أن بعض السلف الصالح كان يقول: (إنَّي لأعصي الله حتى أرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي).
وكان أحدهم أيضاً يقول: (ما يصيب المؤمن من مصيبة حتى العود إلا نتاج ذنب).
فالتوبة من الذنوب، والإقلاع عن المعاصي، ورد المظالم إلى أهلها كل ذلك يكون سبباً في رفع البلاء.
والله سبحانه وتعالى يدعونا إلى التوبة في قوله: [وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ]([102]).

8_ بذل الصدقات وصنع المعروف والقيام بحاجات الناس:
لما روي عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن صدقة السر لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء)([103]).
لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها وتسد سبعين باباً من السوء)([104]).
وروي عنه أيضاً أنه قال: (باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها)([105]).
فمن الوسائل والسبل التي يتقى بها الشر بذل الصدقات للفقراء والمحتاجين، فإن في بذلها دفعاً لكثير من الشرور، أو تخفيفها وقد جرب هذا الأمر، ولكن على المسلم أن يخلص البذل لله، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (داووا مرضاكم بالصدقة)([106]).
ولبذل المعروف، وصنعه، ونفع الآخرين أثر في دفع كثير من الشرور وتفريج الكروب فضلاً عن كون ذلك وصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه)([107]).

9_ الرقى الشرعية:
الرقى الشرعية التي تكون بآيات من كتاب الله سبحانه وتعالى، أو بأدعية مأثورة من السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن أهم ما يشترط في الرقى ألا يكون فيها شرك.
فعن عوف بن مالك قال: (كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله كيف ترى ذلك؟ فقال: (اعرضوا عليَّ رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيها شرك)([108]).
والأحاديث التي ترخص في الرقية وتأمر بها كثيرة:
منها ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أسترقي من العين)([109]).
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها، وامرأة تعالجها أو ترقيها فقال: (عالجيها بكتاب الله)([110]).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: (أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط:
1) أن تكون بكلام الله تعالى، أو بأسمائه وصفاته.
2) أن تكون باللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره.
3) أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بذات الله تعالى([111]).
أما الرقى المنهي عنها فهي الرقى التي كانت معروفة في الجاهلية، وهي مشتملة على الكفر والشرك.

ويستحسن لمن أراد أن يرقي بالرقى المشروعة أن يكون على استعداد نفسي، وقوة إرادة وشخصية، وأن يكون متوضئاً، ويضع يده على رأس المريض ويقرأ الرقية التالية:
الفاتحة(*)_ الأربع آيات الأول من سورة البقرة ـ آية الكرسي ـ الآيات الثلاثة الأخيرة من البقرة ـ الآيات من (1_10) من سورة آل عمران ـ الآية (18) من سورة آل عمران ـ الآيتان (26، 27) من سورة آل عمران ـ الآيات من (54_ 57) من سورة الأعراف ـ الآيات من (45_ 51) من سورة الإسراء ـ والآيات من (117_ 119) من سورة الأعراف ـ والآيات من (79_ 82) من سورة يونس ـ والآيات من (65_ 69) من سورة طه ـ والآيات الثلاث الأخيرة من سورة المؤمنون ـ والآيات من (1_ 18) من سورة الصافات ـ والآيات من (21_ 35) من سورة الرحمن ـ والآيات من (21_ 24) من سورة الحشر ـ والآيات من (1_ 4) من سورة الملك ـ والآيتان (51، 52) من سورة القلم ـ والآية 3 من سورة الجن ـ والقواقل الأربع (سورة الكافرون ـ الإخلاص ـ الفلق ـ الناس).

ـ وأن يقول: (اللهم رب الناس مذهب البأس، اشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقماً، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع).
ـ (بسم الله، آمنا بالله الذي ليس منه شيء ممتنع، وبعزة الله التي لا ترام ولا تضام، وبسلطان الله المنيع، نحتجب بأسماء الله الحسنى كلها عائذين بالله من الأبالسة، ومن شر كل مسر ومعلن ومن شر ما يكن بالنهار ويخرج بالليل ومن شر ما يكن بالليل ويخرج بالنهار، ومن شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر طوارق الليل والنهار، ومن شر كل دابة ربي آخذ بناصيتها إنَّ ربي على صراط مستقيم).
ـ (بسم الله، آمنت بالله العظيم، وكفرت بالجبت والطاغوت، واستمسكت بالعروة الوثقى لا انفصام لها، والله سميع عليم، حسبي الله وكفى، سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله منتهى، رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً).
ـ (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السمع العليم).
ـ (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق).

ـ (أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، ومن شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن).
ـ (أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة).
_ (أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون).
_ (اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم اللهم لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك سبحانك وبحمدك).
_ (أعوذ بوجه الله العظيم، الذي لا شيء أعظم منه، وبكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى وما علمت منها وما لم أعلم من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ما أنت آخذ بناصيته إن ربي على صراط مستقيم).

_ (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً)
_ (تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو وإليه كل شيء، واعتصمت بربي ورب كل شيء، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الرب من العباد، حسبي الخالق من المخلوق، حسبي الرازق من المرزوق، حسبي الله هو حسبي، حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجبر ولا يجار عليه، حسبي الله وكفى، سمع الله لمن دعا، وليس وراء الله مرمى، وصلى الله على سيدنا محمد).

10_ تطهير البيت من التصاوير والتماثيل:
حيث إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تماثيل وصور، وإذا خرجت الملائكة من البيت عشعشت فيه الشياطين. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه تماثيل أو تصاوير)([112]).

11_ قراءة بعض السور والآيات والأذكار الطاردة للشياطين:
أ_ سورة البقرة تطرد الشياطين من البيوت:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة)([113]).
وعن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابها اقرأوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيقها البطلة) قال معاوية: (بلغني أن البطلة السحرة)([114]).

ب_ فضل قراءة آية الكرسي عند النوم:
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: وكلني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم… فقص الحديث فقال: (إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنه لا يزل معك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح). فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (صدقك وهو كذوب ذاك شيطان)([115]).

جـ_ قراءة آخر آيتين من سورة البقرة تكفي شر ما يؤذي:
جاء في الصحيح من حديث أبي مسعود الأنصاري البدري عقبة بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه)([116]).
وقال ابن القيم: الصحيح كفتاه شر ما يؤذيه([117]).

د_ قراءة المعوذتين وقل هو الله أحد تكفي شر ما يؤذي:
عن عبد الله بن خبيب قال: خرجنا في ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يصلي بنا فقال: (قل) فلم أقل شيئاً، ثم قال: (قل هو الله أحد، والمعوذتين حين تمسي وتصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء)([118]).
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز: (وقراءة السور الثلاث ثلاث مرات في أول النهار بعد صلاة الفجر وفي أول الليل بعد صلاة المغرب)([119]).

هـ_ قول المسلم في أول النهار وآخره:
(بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات(*).
* لما أخرجه أحمد وأصحاب السنن من حديث عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء)([120]).

و_ التسمية في كل شيء:
روى أبو داود في سننه عن أبي المليح التابعي عن رجل قال: كنت رديف النبي، صلى الله عليه وسلم، فعثرت دابته فقلت: تعس الشيطان فقال: (لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت، ويقول بقوتي صرعته، ولكن قل بسم الله فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب)([121]).
فينبغي للمسلم أن يسم الله في كل حركة يقوم بها فإذا فتح الباب قال: بسم الله، وإذا رمى القمامة قال: بسم الله وهكذا.

تسلط السحرة في هذا الزمان وما يجب تجاههم

تنشط في هذه الأيام مملكة الدجالين والكهان والمشعوذين والسحرة كما هو الحال في كل زمان ومكان يعظم فيه الجهل ويقل فيه العلم (*)، فهؤلاء الكهان والعرافون يسعون إلى فساد عقائد الناس وصرفهم عن التوحيد الخالص لله رب العالمين، فيتعلق الناس بهؤلاء الدجالين بدلاً من تعلقهم بالله تعالى حيث إن جميعهم يدركون تماماً أن اللجوء إلى النصب والاحتيال هو أوسع طريق وأسرعه لجلب الأموال واستنزافها من الناس المخدوعين.
(وهم لا يفعلون ذلك من أجل ابتزاز أموال الناس فحسب؛ بل من أجل أن يعيثوا أيضاً في الأرض فساداً ويتكبروا فيها بغير الحق، والتدليس بالحيل طريقة قديمة معروفة يضل بها شياطين الإنس عباد الله عن الحق الذي بين أيديهم)([122]).
والإنسان يصل إلى حد الطغيان ويتجاوزه عندما يبتعد عن منهج الله رب العالمين، فيتحكم في سلوكه الشيطان ويسيطر على فعاله فيقع في الهاوية، وربما يصل إليها في لحظة غضب، ولكنه مسؤول ومحاسب يوم القيامة لأنه ترك نفسه للشيطان يتحكم فيها كيف يشاء.

والسحر من أخطر درجات الطغيان لأن الساحر يتجرد من عواطفه وأحاسيسه وإنسانيته وما سار عليه الناس في حياتهم، بل يتجرد من الرابطة التي بينه وبين خالقه، فيجحده ويكفر به، لذا كان السحر من أكبر الكبائر وأكثرها خطراً على الأمة الإسلامية، وعقبة في سبيل تقدمها وازدهارها.
والسحرة لم ينتشروا في هذا الزمان إلا عندما رأوا جهلاً عميقاً من الناس، وبعد الناس عن دين الله عز وجل، وتركهم الكتاب والسنة ـ إلا من رحم الله(*) ـ ولجوءهم لغير الله بعدما ماتت قلوبهم. وأصبحوا يحبون الدنيا، ويكرهون الموت.
إلى جانب وقوعهم في مظاهر شرك خفية عليهم، لعدم فهمهم الواسع والشامل للتوحيد الخالص. فاستغل السحرة هؤلاء الناس السذج الجهلاء لتنفيذ أمنياتهم الدنيئة، وظن الناس أن هؤلاء يستطيعون النفع والضر، وهم لا يملكونه لأنفسهم فكيف يملكونه لغيرهم، وفاقد الشيء لا يعطيه؟!

حكى الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله عن فرقة في عصره كانت تحتال على الناس، وكانت هذه الفرقة تدعي علم الغيب والمكاشفة، وأنَّ لهم أحوالاً خاصة بهم دون الناس، وكانت تدعى البطائحية، وقال عنهم شيخ الإسلام([123]):
(وكانوا لفرط انتشارهم في البلاد، واستحواذهم على الملوك والأمراء والأجناد، لخفاء نور الإسلام، واستبدال أكثر الناس النور بالظلام، وطموس آثار الرسول في أكثر الأمصار، ودروس حقيقة الإسلام في دولة التتار ـ لهم في القلوب موقع هائل ولهم فيهم من الاعتقاد ما لا يزول بقول قائل… وهم يزعمون أن لهم أحوالاً يدخلون بها النار، وأن أهل الشريعة لا يقدرون على ذلك، ويقولون لنا هذه الأحوال التي يعجز عنها أهل الشرع، ليس لهم أن يعترضوا علينا بل يسلم إلينا ما نحن عليه ـ سواء وافق الشرع أو خالفه).

وكانت هذه الفرقة من تدليسهم واحتيالهم على الناس أنه يقوم أفرادها بدهن وطلي أجسامهم بأدوية يصنعونها من دهن الضفادع وباطن قشر النارنج وحجر الطلق، وغير ذلك.
وقال ابن تيمية: (وذكر لي أنهم قدموا من الناحية الغربية مظهرين الضجيج والعجيج، والإزباد والإرعاد، واضطراب الرؤوس والأعضاء، والتقلب في نهر بردى، وإظهار التولة الذي يخيل به على الردى، وإبراز ما يدعونه من الحال والمحال. الذي يسلمه إليهم من أضلوا من الجهال …. فأرسلت إليهم لإقامة الحجة والمعذرة، وطلباً للبيان والتبصرة، ورجاء المنفعة والتذكرة.
وهم من أهل الأهواء الذين يتعبدون في كثير من الأمور بأهوائهم، لا بما أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم)([124]). قال تعالى: [وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ]([125]).

وتحداهم ابن تيمية أمام الأمير والناس عامة في محفل عام أقيم لذلك بأن يغتسل هو وإياهم بالخل والماء ثم يدخلون النار سوياً، وذلك بعدما استخار الإمام الله سبحانه وتعالى في ذلك واطمأن قلبه. على أن من يحترق فهو مغلوب، وهو الذي يتبع الهوى والباطل فترجعوا وخسروا وانكشفت حيلتهم. قال تعالى: [فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ]([126]). فطلبوا التوبة عما مضى، ثم سأل الأمير الإمام ابن تيمية ماذا تطلب منهم؟ فقال الإمام: (متابعة الكتاب والسنة)([127]).
من هذا المنطلق: يجب علينا أولاً أن نقيم التوحيد الخالص لله رب العالمين، وأن نعتصم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه من اعتصم بها لا يعرف الضلال لعقله طريقاً، وأن لا نلجأ إلا إلى الله سبحانه وتعالى.

ولا نستعين إلا به سبحانه ليفرج كربنا وهمنا وغمنا إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. وعلينا أن نتق الله لكي ترق قلوبنا، وتصفوا أرواحنا، وتزكو نفوسنا. وأن نضع عاقبة أي أمر نصب أعيننا قبل أن نقوم به ونتروى في كل أعمالنا
.
أما واجبنا تجاه هؤلاء السحرة كما فعل الإمام ابن تيمية: أن نفضح أمرهم، ونكشف حيلهم ونحقر من شأنهم ونجتنبهم اجتناباً تاماً من قبل المجتمع كله الصغير والكبير، الرجال والنساء، ونسد عليهم كل باب شر يفتحونه على الناس ليرتد كيدهم إلى نحورهم وشرهم إلى نفوسهم. وأن لا نذهب إليهم، ولا نستشيرهم في أي شيء صغر أو كبر، متذكرين حديث النبي صلى الله عليه وسلم القائل فيه: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)([128]). هذا من جانب عوام الناس.

أما من جانب العلماء والفقهاء، وأهل الحسبة فالواجب عليهم أن ينكروا على الكهان ما يفعلون وأن يبينوا للناس أن طريق الكهان والسحرة هو طريق الشيطان المؤدي إلى نار جهنم، وأن يبينوا أن الذهاب إلى السحرة إثم عظيم.
ويوضحوا للناس أن حلَّ السحر بالسحر كفر، كما قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)([129]).

وينكرون على الناس مجيئهم للكهان والسحرة. وأن يوضحوا للناس الطريق الشرعي الصحيح للعلاج إذا ابتلي الإنسان بشيء من هذا القبيل، كالسحر والمس وغير ذلك، فيبينوا لهم أن العلاج الوحيد لذلك هو القرآن الكريم والأدعية المأثورة الواردة في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فالقرآن هو الشفاء من كل داء، قال تعالى: وقال تعالى: [وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ]([130]).
وقال تعالى: [وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ]([131]).
وقال تعالى: [قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ]([132]).
ذكر الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة أن القرآن شفاء ولم يذكر أنه دواء، لأن الدواء ربما يشفي وربما لا يشفي، أمَّا القرآن فالشفاء به حتمي إذا ما قرئ بإخلاص ويقين وحسن ظن بالله تعالى واعتقاد تام أن الله هو الشافي.
قال تعالى: [وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ]([133]). فالدواء سبب من أسباب الشفاء، فإذا نزل الشفاء نفع الدواء إن شاء الله، وليس العكس صحيحاً.
إذن فالأصل في علاج أي مرض هو القرآن الكريم والسنة المطهرة(*)
ويضم إليها السبب الدوائي، حيث إن الأخذ بالأسباب، من ذهاب إلى الطبيب وأخذ الدواء وغير ذلك، من مظاهر الإيمان بالله تعالى.

يقول ابن القيم عليه رحمة الله: (فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلام ربَّ الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها؟ فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه، فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله، ومن لم يكفه القرآن فلا كفاه الله([134]).

أقول: يجب على العلماء أن يوضحوا ذلك للناس، وأن يبينوا لهم أن العلاج بالقرآن لا يمنع من التداوي بالمستشفيات عن طريق الطب الحديث، فهو سبب دوائي يضم إلى العلاج بالقرآن.
أما ما يجب على ولاة الأمر فهو أن يأخذوا على أيدي هؤلاء السحرة الأشرار ويطبقوا فيهم حد الله عز وجل. فلقد ذكر العلماء أن جزاء الساحر القتل، ويحاربوهم في كل مكان ليستأصلوا شأفتهم، ويضيقوا عليهم الخناق في جميع أنشطتهم الضارة، ويراقبوهم في جميع أعمالهم فلا يمكنوهم من القيام بعمل أي شيء.
ولا ننسى جانب العمالة الوافدة وهي كثيرة في بلادنا، قد كان لها دور كبير في نشر هذه السموم رغبة في تحبيب الكفلاء لهم، أو حرصاً على إيقاع الضرر بالآخرين لأي سبب من الأسباب. وكم كانت هذه العمالة سبباً في تشتيت أسر وتفريقها وحلول أمراض صعب اكتشافها في كثير من الأحيان.
والعاقل الحصيف يتحرى إذا اضطر لهذه العمالة بألا يحضر إلا الموثوقين منهم رجالاً ونساء، ليسلم في دينه وصحته وماله. إذ غير الموثوقين يحدثون شروخاً في العمل الموكل إليهم، ولا يبالون بسرقة ما يقع في أيديهم، ولا يتورعون أن يلجأوا إلى الكهان والمشعوذين لإنزال الضرر بالكفيل أو أحد أفراد أسرته.
ولذا فإني أوصي بالحرص على انتقائهم، والتريث في ذلك، والالتزام بالتعليمات المنظمة لهذا الشأن، ليسلم المسلم في دينه ودنياه.
بلاد الحرمين والموقف الصارم من السحر والسحرة
بلاد الحرمين الشريفين تتميز على جميع بلاد العالم بتطبيق شرع الله عز وجل في مناحي الحياة.

ومن ذلك الموقف الصارم المنطلق من الكتاب والسنة حول السحر والسحرة، مسترشدة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إقامة حد في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين ليلة)([135]).
فكم قبض على سحرة ومشعوذين، ولقوا جزاءهم الصارم علانية أمام الملأ، ليكونوا عظة وعبرة للمؤمنين.
وصدق الله العظيم إذ يقول: [وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ]([136]).
ولكن المهم في كبح جماح هؤلاء السحرة ورد كيدهم إلى نحورهم هو دور المواطن والمقيم بالإبلاغ عن هؤلاء، وتتبعهم ومساعدة أجهزة الحسبة والأمن الذين يلاحقون هؤلاء، لكن الكثيرين من المواطنين لا يتعاونون في ذلك، ومنهم من يذهب إلى هؤلاء السحرة والمشعوذين، ويعطيهم الأموال الطائلة ويتضرر منهم بالغ الضرر، ومع ذلك لا يبلغ عنهم، وإذا نوقش في ذلك قال: أخاف من ضررهم. أخشى أن يضعوا لي شيئاً وهكذا. ونسي المسكين الضعيف أن الله قادر على كل شيء، وأن الجن والإنس لو اجتمعوا على الضرر عليه والله لم يقدر ذلك لما استطاعوا، ولو اجتمعوا من أجل دفع الضرر عنه وقدره الله عليه فلن يدفعوا عنه شيئاً فالنفع والضرر بيد الله وحده سبحانه وتعالى.

ولعل من نعم الله على هذه البلاد أن هناك أجهزة كثيرة تتضافر جهودها لقمع السحرة والتصدي لهم، ومن هذه الأجهزة وزارة الشؤون الإسلامية عن طريق الأئمة والخطباء الذين يحذرون الناس في خطب الجمعة، ويوضحون ضرر السحرة وخطورة الذهاب إليهم وكذلك وزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات، وذلك عن طريق المناهج الكثيرة التي تبين للطلاب خطورة السحرة وحرمة الذهاب إليهم، وتوضح الطريق الشرعي لمن أصيب بشيء من الأمراض الحسية والمعنوية، وترشد إلى العلاج الصحيح لذلك.

وأيضاً الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبر مراكزها المنتشرة في كل بلد، إذ تتابع هذه المراكز هؤلاء السحرة وتلقي القبض عليهم، وتحيلهم إلى الجهات المختصة ليلقوا جزاءهم الرادع المستمد من القرآن والسنة.
وقبل ذلك وبعده الجهود المباركة التي تبذلها إدارة البحوث العلمية ممثلة في سماحة المفتي العلامة شيخنا الشيخ عبد العزيز ابن باز أمد الله في عمره ونفعنا بعلمه، حيث كانت ولا تزال جهوده تتواصل لمتابعة السحر والسحرة، وقمع شرهم، ودفع باطلهم، عن طريق الفتاوى الكثيرة، والرسائل النافعة، والكتابة للمسؤولين وجهات الاختصاص. بارك الله في جهود الجميع ونفع الله بها ودحر الله الشر وأهله.

نقول موثقة عن العلماء في السحر

* سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن المقصود بقوله (تعلموا السحر ولا تعملوا به) لأن بعض الناس يقولون إنه حديث ضعيف؟
فأجابت اللجنة قائلة: (تعلم السحر حرام سواء تعلمه للعمل به أو ليتقيه وقد نص الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم على أن تعلمه كفر، فقال تعالى: [وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ]([137]).
وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على أن السحر أحد الكبائر وأمر باجتنابه فقال: (اجتنبوا السبع الموبقات)([138]). فذكر منها السحر. وفي السنن عند النسائي (من عقد ونفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك)([139]).
(وأما ما ذكر من قول: (تعلموا السحر ولا تعملوا به) فليس بحديث صحيح ولا ضعيف فيما نعلم)([140]).

* وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عن حكم حل السحر عن المسحور (النشرة)؟
فأجاب سماحته قائلاً: (وأما علاج السحر بعمل السحرة الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو غيره من القربات، فهذا لا يجوز، لأنه من عمل الشيطان بل من الشرك الأكبر، فالواجب الحذر من ذلك، كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين واستعمال ما يقولون، لأنهم لا يؤمنون، ولأنهم كذبة فجرة يدعون علم الغيب ويلبسون على الناس، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم، كما صح عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)([141]).
والنشرة هي حل السحر عن المسحور، ومراده صلى الله عليه وسلم بكلامه هذا النشرة التي يتعاطاها أهل الجاهلية، وهي سؤال الساحر ليحل السحر، أو حله بسحر مثله من ساحر آخر.
أما حله بالرقية والمتعوذات الشرعية والأدوية المباحة فلا بأس في ذلك. كما نص على ذلك الإمام ابن القيم والشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد رحمهما الله. ونص على ذلك أيضاً غيرهما من أهل العلم)([142]).

* وسئل سماحته عن حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين؟
فأجاب قائلاً: (إن الله سبحانه وتعالى خلق الثقلين ليعبدوه دون كل ما سواه، وليخصوه بالدعاء، والاستغاثة، والذبح والنذر وسائر العبادات، وقد بعث الله الرسل بذلك، وأمرهم به، وأنزل الكتب السماوية التي أعظمها القرآن الكريم ببيان ذلك، والدعوة إليه، وتحذير الناس من الشرك بالله وعبادة غيره، وهذا هو أصل الأصول وأساس الملة والدين، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، لأن معناها لا معبود بحق إلا الله.

وقد روى طارق بن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب) قالوا وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: (مَّر رجلان على قوم لهم صنم لا يجاوزه أحد حتى يقرب له شيئاً، فقالوا لأحدهما: قرب. قال: ما عندي شيء. قالوا: قرب ولو ذباباً، فقرب ذباباّ فخلوا سبيله، فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب، قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئاً دون الله عز وجل، فضربوا عنقه فدخل الجنة)([143]).

فإذا كان من تقرب إلى الصنم ونحوه بالذباب وغيره يكون مشركاً، يستحق دخول النار، فكيف بمن يدعو الجن والملائكة والأولياء، ويستغيث بهم وينذر لهم ويتقرب إليهم بالذبح ويرجو بذلك حفظ ماله، أو شفاء مريضه أو سلامة دوابه وزرعه([144])، أو يفعل ذلك خوفاً من شر الجن، أو ما أشبه ذلك!؟ فهذا وأشباهه أولى بأن يكون مشركاً، مستحقاً لدخول النار من هذا الرجل الذي قرب الذباب للصنم، ومما ورد في ذلك قول الله تعالى: [فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ]([145]).
وقال تعالى: [وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ]([146]).

وأما سؤال العرافين، والمشعوذين، وأشباههم ممن يتعاطى الأخبار عن المغيبات، فهو منكر لا يجوز، وتصديقهم أشد وأنكر، بل هو من شعب الكفر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)([147]).
فالواجب على المسلمين الحذر من سؤال الكهنة والعرافين وسائر المشعوذين المشتغلين بالأخبار عن المغيبات، والتلبيس على المسلمين، سواء كان باسم الطب أو غيره([148]).
* وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين هل للسحر حقيقة وهل سُحر النبي صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب فضيلته قائلاً: _السحر ثابت لا مرية فيه وهو حقيقة، وذلك بدلالة القرآن الكريم، فإن الله تعالى ذكر عن سحرة فرعون الذين ألقوا حبالهم وعصيهم، وسحروا أعين الناس، واسترهبوهم حتى أنَّ موسى عليه الصلاة والسلام كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، وحتى أو جس في نفسه خيفة، فأمره الله تعالى أن يلقي عصاه فألقاها فإذا هي حية تسعى تلقف ما يأفكون، كما حكى الله عز وجل عنه فقال: [قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى]([149]).
وهذا أمر لا إشكال فيه، وأما السنة ففيها أحاديث متعددة في ثبوت السحر وتأثيره.
وأما النبي صلى الله عليه وسلم سحر فنعم، فقد ثبت من حديث عائشة وغيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحر وأنه كان يخيل إليه أن أتى الشيء وهو لم يأته، ولكن الله تعالى أنزل عليه سورتي: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، فشفاه الله بهما([150]).

ويقول الإمام ابن تيمية مخاطباً الدجالين والمشعوذين: (لو دخلتم النار وخرجتم منها سالمين حقيقة، ولو طرتم في الهواء ومشيتم على الماء، ولو فعلتم ما فعلتم، لم يكن في ذلك ما يدل على صحة ما تدعونه من مخالفة الشرع، ولا على إبطال الشرع، فإن الدجال الأكبر يقول للسماء أمطري فتمطر، وللأرض أنبتي فتنبت، وللخربة أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها تتبعه، ويقتل رجلاً ثم يمشي بين شقيه ثم يقول له قم فيقوم، ومع هذا فهو دجال كذاب ملعون، لعنة الله…..ثم ذكر قول أبي يزيد البسطامي: (لو رأيتم الرجل يطير في الهواء، ويمشي على الماء، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف وقوفه عند الأوامر والنواهي)([151]).

وعن علاج السحر يقول ابن القيم عليه رحمة الله: (ومن أنفع علاجات السحر الأدوية الإلهية، بل هي أدويته النافعة بالذات، فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية، ودفع تأثيرها يكون بما يعارضها ويقاومها من الأذكار، والآيات، والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها، وكلما كانت أقوى وأشد، كانت أبلغ في النشرة)([152]).

* وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حد السحر؟
فأجابت قائلة: (إذا أتى الساحر في سحره بمكفر قتل لردته حداً، وإن ثبت أنه قتل بسحره نفساً معصومة قتل قصاصاً، وإن لم يأت في سحره بمكفر ولم يقتل نفساً ففي قتله بسحره خلاف، والصحيح أنه يقتل حداً لردته، وهذا قول أبي حنيفة ومالك وأحمد ـ رحمهم الله ـ لكفره بسحره مطلقاً لدلالة آية: [وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا]([153]). على كفر الساحر مطلقاً.
ولما ثبت في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة أنه قال: (كتب عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة فقتلنا ثلاث سواحر)([154]).
ولما صح عن حفصة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها([155]).
ولما ثبت عن جندب أنه قال: (حد الساحر ضربة بسيف)([156]).
وعلى هذا فحكم الساحر أنه يقتل على الصحيح من أقوال العلماء([157]).

الفرق بين السحر والمعجزة والكرامة

يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: (المعجزة هي ما يعم كل خارق للعادة في اللغة، وعرف الأئمة المتقدمين كالإمام أحمد بن حنبل وغيره ويسمونها الآيات.
لكن كثيراً من المتأخرين يفرق في اللفظ بينهما؛ فيجعل المعجزة للنبي، والكرامة للولي، وجماعهما الأمر الخارق للعادة([158]).
ويقول المازري: (والفرق بين السحر والمعجزة والكرامة أنَّ السحر يكون بإعانة من الشيطان على أن يقوم الساحر بأقوال وأفعال فيتم له ما يريد. والكرامة لا تحتاج إلى ذلك بل تقع غالباً اتفاقاً.
والمعجزة تميز عن الكرامة بأنها تكون لتحدي المكذبين([159]).
وقال ابن حجر: (ونقل إمام الحرمين الإجماع على أن السحر لا يظهر إلا من فاسق، وأن الكرامة لا تظهر على فاسق).
وقال ابن حجر أيضاً: (وينبغي أن يعتبر بحال من يقع الخارق منه فإن كان متمسكاً بالشريعة، مجتنباً للموبقات فالذي يظهر على يده من الخوارق كرامة، وإلا فهو سحر، لأنه ينشأ عن أحد أنواعه كإعانة الشياطين)([160]).

وبالجملة نقول: (إذا كان الإنسان واقعاً في المعاصي، غير ملتزم بالكتاب والسنة، فما يحدث له من قبيل هذه الأمور ما هو إلا استدراج، أو من أعمال الشياطين وسببها ارتكاب المنهيات، ولا يمكن أن تكون المنهيات سبباً لكرامة الله.
هذا في حالة ما إذا كانت لا يستعان بها على ظلم العباد أو فعل الفواحش.
أمَّا إن كانت ممن يستعين بها على الظلم وإيذاء العباد فهي من أعمال الشياطين. وليس ذلك من الكرامات أبداً.
فالإنسان كلما كان أبعد عن الكتاب والسنة وقريباً من المعاصي والفواحش كانت الخوارق الشيطانية على يديه كثيرة وقوية لأن الجن الذين يقترنون بالإنس من جنسهم، فإن كان كافراً ووفقهم على ما يأمرونه به من الفسق، والضلال، والكفر، والطلاسم الشركية، وامتهان كلام الله عز وجل؛ كأن يكتبه بشيء نجس أو غير ذلك من القذر والمعاصي(*) فعلوا له كثيراً مما يشتهيه بسبب ما يربطهم به من الكفر.

والأمور السابقة على عكس الكرامة تماماً، فالكرامة لا تحصل إلا بالمحافظة على الطاعة واجتناب المعصية، وبالتقوى، والمراقبة، وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى والالتجاء إليه دوماً، وعدم الاستغاثة أو الاستعانة إلا به سبحانه ودعائه وحده لا شريك له، وتفويض الأمور كلها إليه، وحسن التوكل عليه سبحانه، إنه نعم المولى ونعم النصير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهرس الموضوعات

مقدمة.
تعريف السحر لغة واصطلاحاً.
أدلة من القرآن والسنة على وقوع السحر.
أقسام السحر.
علامات يعرف بها الساحر.
ضرر السحر على الفرد والمجتمع.
حكم الساحر في الشريعة الإسلامية.
حكم توبة الساحر.
إبطال السحر.
التحصينات الشرعية من السحر.
تسلط السحرة في هذا الزمان وما يجب تجاههم.
بلاد الحرمين الشريفين والموقف الصارم من السحر والسحرة.
نقول موثقة عن العلماء في السحر.
الفرق بين السحر والمعجزة والكرامة.
فهرس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

([1]) سورة آل عمران الآية 102.
([2]) سورة الأحزاب الآية: 70، 71.
([3]) سورة النساء: الآية 1.
([4]) لسان العرب (2/160) مادة سحر.
([5]) سورة الشعراء الآية 153، 185.
([6]) تهذيب اللغة (4/291، 292) مادة السحر.
([7]) عمدة القاري (17/ 418).
([8]) كتاب السحر لمحمد جعفر (34).
([9]) سورة الأعراف من الآية 116.
([10]) سورة طه من الآية 66.
([11]) فتح الباري (10/232).
([12]) سورة البقرة الآية: 102.
([13]) سورة الأعراف الآية 116.
([14]) سورة المؤمنون الآية 89.
([15]) سورة المائدة من الآية 110.
([16]) سورة الأنعام من الآية 7.
([17]) سورة يونس من الآية 76.
([18]) سورة يونس الآية 81.
([19]) سورة هود الآية 7.
([20]) سورة طه الآية 58.
([21]) سورة طه الآية 71.
([22]) سورة طه الآية 73.
([23]) سورة الأنبياء من الآية 3.
([24]) سورة الشعراء الآية 49.
([25]) سورة النمل الآية 13.
([26]) سورة القصص من الآية 36.
([27]) سورة سبأ من الآية 43.
([28]) سورة الصافات من الآية 15.
([29]) سورة الزخرف الآية 30.
([30]) سورة الأحقاف من الآية 7.
([31]) سورة الطور الآية 15.
([32]) سورة القمر الآية 2.
([33]) سورة الصف من الآية 6.
([34]) رواه البخاري (4/ 49) كتاب الطب باب السحر، وفتح الباري (10/235).
([35]) رواه البخاري (5/294).
([36]) رواه البخاري (فتح الباري 10/237) برقم (5767).
([37]) رواه البخاري (5769) [10/238 ،239 فتح الباري]
([38]) فتح الباري (10/236) باب السحر.
([39]) رواه ابن ماجه وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2/305) برقم (3002).
([40]) قال الهيثمي في المجمع (5/20): رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن الربيع وهو ثقة وقال المنذري في الترغيب (4/132) إسناده جيد).
([41]) رواه ابن حبان وقال الألباني في تخرج الحلال والحرام برقم (291): للحديث شاهد من حديث أبي يرتقي به إلى درجة الحسن.
([42]) قال الحافظ المنذري في الترغيب (4/36) رواه البزار وأبو يعلى بإسناد جيد.
([43]) الفروق، القرافي (4/150).
([44]) تفسير ابن كثير (1/150)
([45]) تفسير ابن كثير (1/151، 152).
([46]) متفق عليه، البخاري (5/199 فتح) ومسلم (16/457 نووي).
([47]) تفسير ابن كثير (1/151، 152).
([48]) الإنسان بين السحر والعين والجآن، زهير الحمودي (ص87).
([49]) المرجع، السابق (ص87).
([50]) عالم السحر والشعوذة للأشقر (ص110).
([51]) الصارم البتار في التصدي للسحرة الأشرار (ص77، 78).
([52]) السحر دراسة في ظل القصص القرآني والسيرة النبوية لإبراهيم محمد الجمل (ص59: 61).
([53]) ورواه ابن ماجه (1/209 ح639) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/105) برقم 523).
([54]) رواه مسلم (14/191 نووي).
([55]) رواه البخاري كتاب الطب رقم (5764 فتح).
([56]) زاد المعاد (3/221).
([57]) سورة الزمر الآية (53).
([58]) سورة طه الآيتان: (70، 71).
([59]) سورة البقرة من الآية 102.
([60]) موطأ مالك (628).
([61]) المقنع (3/523).
([62]) تفسير القرطبي (2/48).
([63]) سورة البقرة من الآية (102).
([64]) تفسير القرطبي (2/48).
([65]) تفسير ابن كثير (1/144).
([66]) فتح الباري (110/236).
([67]) فتح الباري (10/236).
([68])المشاطة: الشعر الذي يسقط من الرأس واللحية عند التسريح بالمشط.
([69]) صحيح البخاري (10/199).
([70]) الطب النبوي لابن القيم (ص267).
([71]) الطب النبوي لابن القيم (ص267).
([72]) الطب النبوي لابن القيم (ص118).
([73]) تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (ص419).
([74]) حاشية كتاب التوحيد ابن قاسم (ص11).
([75]) سورة آل عمران الآية (83).
([76]) سورة يونس الآية (107).
([77]) حاشية كتاب التوحيد ابن قاسم (ص11).
([78]) سورة النحل الآية 36.
([79]) سورة الذاريات الآية 56.
([80]) حاشية كتاب التوحيد ابن قاسم (11).
([81]) سورة الشورى من الآية 11.
([82]) سورة الأعراف من الآية 180.
([83]) سورة الأنبياء الآية 83.
([84]) سورة الأنبياء الآية 83.
(*) من تعليقات سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز.
([85]) سورة آل عمران من الآية 103
([86]) رواه الترمذي وقال: (حسن صحيح غريب من هذا الوجه 4/465 ح2165).
([87])رواه أبو داود والترمذي بسند حسن، أبو داود 3/36 والترمذي 3/110.
([88]) سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (667) والحديث رواه أحمد وقال الألباني: إسناده حسن.
([89]) سورة البقرة من الآية (238).
([90]) سورة المجادلة الآية 19.
([91]) رواه مسلم (1/454).
([92]) رواه أبو داود بسند حسن (1/150).
([93]) رواه أحمد والحاكم والنسائي وقال الحاكم صحيح الإسناد (2/318).
([94]) سورة الأنعام من الآية 153.
([95]) سورة البقرة من الآية 208.
([96]) سورة البقرة الآية 168.
([97]) تلبيس إبليس ص39.
([98]) سورة الطلاق من الآية 2.
([99]) سورة الأعراف من الآية 156.
([100]) سورة فصلت الآية 18.
([101]) سورة الشورى الآية 30.
([102]) سورة النور من الآية 31.
([103]) انظر مجمع الزوائد (3/115).
([104]) انظر مجمع الزوائد 3/110.
([105]) انظر مجمع الزوائد 3/110.
([106]) صحيح الجامع 3/140 برقم 3353.
([107]) رواه مسلم انظر صحيح الجامع (2/1041) رقم (6019).
([108]) رواه مسلم مختصر صحيح مسلم رقم الحديث (1462) كتاب الرقى.
([109]) متفق عليه ـ انظر اللؤلؤ والمرجان ـ كتاب السلام، رقم الحديث (1418).
([110]) رواه ابن حبان موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان كتاب الطب باب الرقى رقم الحديث 1419.
([111]) فتح الباري (10/195).
(*) من تعليقات سماحة الشيخ / عبد العزيز بن باز.
([112]) رواه مسلم في اللباس والزينة (3/1672) برقم (211).
([113]) رواه مسلم (1/539) برقم (780) كتاب صلاة المسافرين باب صلاة النافلة.
([114]) رواه مسلم (1/553 برقم 804) كتاب صلاة المسافرين باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة.
([115]) رواه البخاري (4/487 فتح) معلقاً تعليقاً مجزوماً به، (8/672فتح) كتاب فضائل القرآن.
([116]) رواه البخاري ومسلم، البخاري (9/94) مع الفتح، مسلم (1/555 برقم 255).
([117]) الوابل الصيب ص25، ابن القيم.
([118]) رواه أيو داود (5/568) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/182) برقم (2829) حديث حسن.
([119]) رسالة في حكم السحر والكهانة ص35 للشيخ عبد العزيز بن باز.
(*) من تعليقات سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز.
([120]) رواه الترمذي في الدعوات (5/465) برقم (3388) وقال هذا حديث حسن.
([121]) رواه أبو داود في الأدب رقم (4982) وأحمد في المسند (5/59) والحاكم (4/229)، وإسناده صحيح.
(*) من تعليقات سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز.
(*) من تعليقات سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز.
([122]) بتصرف يسير من الجن والشياطين مع الناس عبد العثمان (ص154).
(*) من تعليقات سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز.
([123]) فتاوى ابن تيمية (11/456، 460)
([124]) فتاوى ابن تيمية (11/453).
([125]) سورة القصص من الآية (50).
([126]) سورة الأعراف الآيتان 118، 119).
([127]) فتاوى ابن تيمية (11/468).
([128]) رواه مسلم (2/1751ح 2230).
([129]) رواه أبو داود وأخرجه أهل السنن الأربعة.
([130]) سورة الإسراء الآية 82.
([131]) سورة يونس الآية 57.
([132]) سورة فصلت الآية (44).
([133]) سورة الشعراء الآية 80.
([134]) زاد المعاد (4/352).
([135]) الترغيب (3/246) وقال الحافظ المنذري: (رواه النسائي هكذا مرفوعاً وموقوفاً).
([136]) سورة النور من الآية 2.
([137]) سورة البقرة من الآية 102.
([138]) البخاري (3/195، 7/29، 8/33).
([139]) النسائي (7/112) وابن عدي كما في التلخيص (4/41).
([140]) فتاوى اللجنة الدائمة ـ العقيدة (1/367_ 368).
([141]) رواه الإمام أحمد وأبو داود بسند جيد.
([142]) مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز التوحيد وما يلحق به (3/280، 281).
([143]) رواه أحمد في الزهد (ص15، 16) وأبو نعيم في الحيلة (1/203) بسند صحيح.
([144]) مجموع فتاوى سماحة الشيخ بن باز (ج1/165 وما بعدها).
([145]) سورة الزمر الآيتان(2، 3).
([146]) سورة يونس الآية (18).
([147]) رواه مسلم (2/1751 ح2230).
([148]) مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز(ج1/170، 171).
([149]) سورة طه، الآيات (65_ 69).
([150]) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ العقيدة (2/176).
([151]) مجموع فتاوى ابن تيمية (11/466).
([152]) زاد المعاد (4/126، 127).
([153]) سورة البقرة من الآية 102.
([154]) رواه البخاري (4/62).
([155]) الموطأ (ص628) فتح المجيد (ص242) تيسير العزيز الحميد (ص393).
([156]) رواه الترمذي (4/60 برقم 1460) وقال الصحيح أنه موقوف.
([157]) فتاوى اللجنة الدائمة (العقيدة ج1/ 368، 369).
([158]) مجموع فتاوى ابن تيمية (11/311، 312).
([159]) فتح الباري (10/223).
([160]) المصدر السابق.