المسح على الخفين مسائل وأحكام – خطبة الجمعة 26-6-1446هـ
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عليْهِ وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ إلى يوم الدين أمَّــا بَعْـدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا).
أيُّهَا المؤمنونَ: معَ دُخُولِ فصلِ الشِّتَاءِ واشْتِدَادِ الصَّقِيعِ والْبَرْدِ واحْتِدَامِ الصَّرْدِ تَتَجَلَّى مَظَاهرُ السَّمَاحةِ والْيُسْرِ في الشَّرِيعَةِ الإسْلامِيَّةِ في إِبَاحَةِ المسْحِ على الْخُفَّيْنِ؛ لمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلى لُبْسِهِمَا، والمشقَّةِ اللاحِقَةِ في نَزْعِهِمَا فَضْلًا مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَرُخْصَةً وَرَحْمَةً.
والمسْحُ على الْخُفَّيْنِ ثَابِتٌ بِالسنةِ؛ يقولُ المغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ: (كُنْتُ مع النبيِّ ﷺ في سَفَرٍ فأهْوَيْتُ لأنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقالَ: دَعْهُما فإنِّي أدْخَلْتُهُما طاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عليهما) أخرجه البخاري (206).
أيُّهَا المؤمِنُونَ: والمسحُ على مَا يُلْبَسُ مِنَ الخُفَّيْنِ والكَنَادِرِ والْجَوَارِبِ والشرابِ أَفْضَل مِن خَلْعِهَا؛ لأنَّهُ هَدْيُ رسولِ اللهِ ﷺ ويَكُونُ المسْحُ بوضْعِ أَصَابِعِ الْيَدِ مَبْلُولَةً بِالمَاءِ على أَصَابِعِ الْقَدَمِ ثُمَّ يُمرُّهُمَا إلى سَاقِهِ يَمْسَحُ خُفَّ الرِّجْلِ اليُمْنَى ثم خفَّ الرِّجْلِ الْيُسْرَى، ويُفرِّجُ أصَابِعَهُ إذا مَسَحَ، وَلا يُكَرِّرُ المسْحَ، وله أن يمسحَ الخفينِ معًا في وقتٍ واحدٍ.
عِبَادَ اللهِ: وَيُشْترَطُ للمسحِ على الخفينِ أمورٌ منها: 1-لُبسهُمَا على طَهَارَةٍ. 2-أَنْ يَكُونَا طَاهِرَيْن.3-أَنْ يَكُونَ المسْحُ مِنَ الْحَدَثِ الأَصْغَرِ فَقَطْ. 4- أَنْ يَقَعَ المَسْحُ في المدَّةِ المحَدَّدَةِ وهِيَ يومٌ وليلةٌ للمقيمِ، وثلاثةُ أيامٍ بليالِيهَا للمسافِرِ، وتَبْدَأُ المدةُ منْ وقتِ المسحِ، فلو أنَّ شَخْصًا لَبِسَ الشرابَ لصلاةِ الفجرِ، ثمَّ أَحْدَثَ بعدَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ ومسحَ على الشَّرَّابِ لصَلاةِ الظُّهْرِ السَّاعَة الثَّانِيَةَ عشْرَةَ، فَإِنَّ مُدَّةَ المسْحِ في حقِّهِ تَسْتَمِرُّ حتَّى السَّاعَةِ الثَّانِيَةَ عشْرَةَ وقْتَ صلاةِ الظُّهْرِ منَ اليومِ التَّالِي إنْ كانَ مقيمًا.
عِبَادَ اللهِ: وَكُلُّ مَا يَنقُضُ الوضوءَ يَنْقُضُ المسحَ، ويَنْقُضُهُ كذلكَ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ مِنْ جَنَابَةٍ أو حيضٍ أو نفاسٍ، وكذا نزعُ الخفَّيْنِ أو أحدِهِمَا، وانتهاءُ مدةِ المسحِ في أصح قولي العلماء.
أيُّهَا المؤمنُونَ: وثمّت مسائلُ وأحكامٌ يكثُرُ السؤالُ عنها حولَ المسحِ على الخفينِ منها:
أولًا: لا تُشْترَط نيَّةُ المسحِ عند اللُّبسِ، فلو لَبِسَ الخفينِ للدفْءِ، أو للزِّينَةِ، ثمَّ أرادَ المسحَ فلهُ ذلكَ. ثانيًا: الْخُفُّ المخرَّقُ، وكذَا الخفيفُ، يجوزُ المسحُ عليهِ على الرَّاجِح.
ثالثًا: مَنْ مَسَحَ بَعْدَ انْتِهَاءِ مدَّةِ المسحِ، وصَلَّى صَلاةً أوْ أَكْثَر، لَزِمَهُ إعادةُ الوضوءِ وغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ، وكذا إعادةُ تلك الصلواتِ التي صلاهَا بعد انتهاءِ مدَّةِ المسحِ.
رابعًا: مَنْ مسحَ في بلدهِ مقيمًا ثمَّ سافَرَ، أَتَمّ مَسْحَ مُقِيمٍ يَوْمًا وليلةً في أصحِّ قَوْلَي العلماءِ، ومَنْ مَسَحَ مُسَافِرًا ثُمَّ عَادَ لِبَلَدِهِ، أَتَمَّ مسحَ مُقِيمٍ، فإنْ أكملَ يومًا وليلةً وجبَ عليه خَلْعُهُمَا. خامسًا: يَفْهَمُ الْبَعْضُ خَطأً أنَّ المسحَ يكُونُ لِخَمْسِ صلواتٍ، أو خمسِ مَسْحَاتٍ فقط والصَّوابُ أنَّ منْ كانَ مُقِيمًا ومسَحَ يومًا وليلةَ لزمهُ خلعُ خفَّيْهِ سواءً مسحَ خمسَ مرَّاتٍ أو أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ. سادسًا: مَنْ شَكَّ مَتَى ابْتَدَأَ المسْحَ فَإِنَّهُ يَبْنِي على اليقينِ.
سَابعًا: مَنْ مَسَحَ على الْكَنَادِرِ التي تُغَطِّي الكعبينِ، فهُنَا لا يخلعُ الكنادِرَ، بل يستمرُّ في المسْحِ عليها، ومتى خَلَعَهَا، فليسَ لهُ المسحُ على الشرابِ؛ لأنَّ الحكمَ هنَا تعلَّقَ بالكنَادِرِ. ثامنًا: مَنْ لَبِسَ شَرَّابًا، ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهُ آَخَرَ قَبْلَ الْحَدَثِ، فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلى أَيٍّ مِنْهُمَا فَإِنْ لبسَ الثَّانِي بعدَ الْحَدَثِ، فَيَمْسَحُ عَلَى الأَوَّلِ؛ لأنَّ حُكْمَ المسحِ تَعَلَّقَ بهِ. تاسعًا: مَنْ لَبِسَ خُفًّا على خُفٍّ، ومسحَ على الثَّانِي، ثمَّ خَلَعَهُ، فالَّذِي يظهرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ خَلْعُ الأَوَّلِ أيضًا، وإعادةُ الوضوءِ؛ لأنَّهُ بالمسحِ على الثَّانِي تعلَّقَ الحُكْمُ بِهِ.
عاشرًا: الخفافُ الَّتِي لا تُغَطِّي الكعبينِ لا يُمْسَحُ عليها.
أَحَدَ عشرَ: يجوزُ المسحُ على القُبْعِ الذي يُلْبَسُ فوق الرَّأْسِ، ويشقُّ نزعُهُ، كما يجوزُ للنِّسَاءِ المسحُ على الخُمُرِ التي تُغَطِّي رُؤُوسَهُنَّ إذا كانتْ محنكةً يشقُّ نزعُهَا.
اثْنَا عشَرَ: يجوزُ المسحُ على الجبيرةِ، وهي ما يُشَدُّ على الْعَظْمِ أو الْجُرْحِ مِنْ جِبْسٍ أو لِفَافَةٍ أو غيرها، ومنْ كانَ بهِ جُرْحٌ في محلِّ الوضوءِ، فإنْ كانَ مكشوفًا يضُرُّهُ الماء، جازَ لهُ المسحُ عليهِ، فإنْ تضَرَّرَ بالمسحِ فلهُ التَّيَممُ، أمَّا إنْ كانَ الجُرْحُ مستورًا بجبيرةٍ أوْ نحوهَا مَسَحَ عليهَا من جميعِ جِهَاتِهَا. أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) النساء: [28] بَارَكَ اللهُ لَي ولكم فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الْآَيَاتِ وَالْحِكْمَةِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
الْحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَلّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خاتمُ المرْسَلِينَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ: واعلمُوا أنَّ مِنَ مسائِلِ المسحِ على الخُفَّيْنِ مَا يَلِي: ثَلاثَةَ عشَرَ: إذا كانتْ مُدَّةُ المسحِ تنتهي بعدَ صلاةِ المغربِ صَلَّى معهَا مَا يُجْمَع إلَيْهَا وهِيَ الْعِشَاء، مَا دامَ على طَهَارَةٍ؛ لأنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ دخَلَ بالْجَمْعِ في وَقْتِ المغَرِبِ، أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا قُوَّةَ الْفِقْهِ، وَحُسْنَ الْفَهْمِ، وَسَلامَةَ الْقَصْدِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلامَ والمسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ والمشْرِكِينَ، وانْصُرْ عِبَادَكَ الموَحِّدِينَ. اللَّهُمَّ انْصُرْ المسْلِمِينَ المستضعفين فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللهم وَفِّق وَلِيَّ أَمْرِنَا إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وخُذْ بِنَاصِيَتِهِ إِلَى اَلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ، وَأَعِنْهُ، وَسَدِّدْهُ، وَاكْفِهِ شَرَّ الأَشْرَارِ، وَاجْعَلْهُ مُبَارَكًا أَيْنَمَا كَانَ. اللَّهُمَّ احْفَظْ رِجَالَ الأَمْنِ، والمُرَابِطِينَ عَلَى الثُّغُورِ. اللَّهُمَّ ارْحَمْ هذَا الْجَمْعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والمؤْمِنَاتِ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِهِمْ وآَمِنْ رَوْعَاتِهِمْ وارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ في الجناتِ واغْفِرْ لَهُمْ ولآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ واجْمَعْنَا وإيَّاهُمْ ووالدِينَا وإِخْوَانَنَا وذُرِّيَّاتِنَا وَأَزْوَاجَنَا وجِيرَانَنَا ومشايخَنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا في جَنَّاتِ النَّعِيمِ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّم عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
الجمعة 26/ 6/ 1446هـ