فضائل يوم الجمعة وبعض أحكامه – خطبة الجمعة 8-8-1446هـ

الجمعة 8 شعبان 1446هـ 7-2-2025م

 

الحمدُ للهِ بارئِ النَّسَمَاتِ، شَرَعَ لعبادِهِ الجُمَعَ والجَمَاعَاتِ، وجعلهَا رِفْعَةً للحسناتِ، وكَفَّارَةً للسَّيِّئَاتِ، أحمَدُهُ على نِعَمِهِ الْعِظَامِ، جعلَ يومَ الجمعةِ سيِّدَ الأَيَّامِ، واختصنَا بهِ منْ بينِ الأنَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وسلم عليْهِ وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ ومن تبعهمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ أمَّــا بَعْـدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) البقرة: [203].
أيُّهَا المؤمنونَ: مِنْ فضلِ اللهِ عزَّ وجلَّ على هذهِ الأمَّةِ أنْ اخْتَصَّهَا بيومٍ عظيمٍ، اختَارَهُ واصْطَفَاهُ وفَضَّلَهُ على مَا سِوَاهُ، قالَ تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) القصص: [68].
عِبَادَ اللهِ: ويومُكُمْ هذا جليلُ القَدْرِ، عظيمُ الشَّأْنِ، ضلَّتْ عنهُ المِلَلُ السَّابِقَةُ، وهَدَاكُمُ اللهُ إليهِ، قالَ ﷺ: (أضَلَّ اللَّهُ عَنِ الجُمُعَةِ مَن كانَ قَبْلَنا، فَكانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وكانَ لِلنَّصارَى يَوْمُ الأحَدِ، فَجاءَ اللَّهُ بِنَا، فَهَدانا اللَّهُ لِيَومِ الجُمُعَةِ) أخرجه مسلم (856).
أيُّهَا المؤْمِنُونَ: ويَوْمُ الْجُمُعَةِ خَيرُ يومٍ طلعتْ عليهِ الشمسُ، قالَ ﷺ:(خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ) أخرجه مسلم (854) ولِيَوْمِ الْجُمُعَةِ جُمْلَةٌ مِنَ السننِ والفضائلِ مِنْهَا: أولًا: الاغتسَالُ للجُمُعَةِ، قالَ ﷺ: (الغُسْلُ يَومَ الجُمُعَةِ واجِبٌ علَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وأَنْ يَسْتَنَّ، وأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إنْ وجَدَ) أخرجه البخاري (880)، ومسلم (846).
ثانيًا: استحبابُ التَّنَظُّفِ والتَّطَيُّبِ والسِّوَاكِ، ولُبْسِ أحسنِ الثِّيَابِ؛ لأنَّ الجُمُعَةَ عيدُ اجْتِمَاعِ المسلمينَ، ومِنْ مظاهِرِ العيدِ أنْ يكونَ المسلمُ في أَحْسَنِ الأَحْوَالِ، وَأَكْمَلِ الخِصَالِ، قالَ ﷺ: (لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَومَ الجُمُعَةِ ويَتَطَهَّرُ ما اسْتَطاعَ مِن طُهْرٍ ويَدَّهِنُ مِن دُهْنِهِ أوْ يَمَسُّ مِن طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فلا يُفَرِّقُ بيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي ما كُتِبَ له، ثُمَّ يُنْصِتُ إذا تَكَلَّمَ الإمامُ، إلّا غُفِرَ له ما بيْنَهُ وبيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرى) أخرجه البخاري (883).
ثالثًا: التَّبْكِيرُ إلى الجُمُعَةِ مَاشِيًا-إنْ أَمْكَنَ-، قالَ ﷺ : (مَنِ اغْتَسَلَ يَومَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَدَنَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَقَرَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ كَبْشًا أقْرَنَ، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ دَجَاجَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الإمَامُ حَضَرَتِ المَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) أخرجه البخاري (881)، ومسلم (850).
رابعًا: ومِنْ فضَائِلِ يَوْمِ الجُمُعَةِ، أنَّ فيهِ سَاعَةَ إجَابَةٍ أَخْفَاهَا اللهُ عزَّ وجلَّ ليَجْتَهِدَ المسلمُ الصَّادِقُ في طَلَبِهَا، قالَ ﷺ: (فيه ساعَةٌ لا يُوافِقُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وهو قائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعالى شيئًا، إلّا أعْطاهُ إيّاهُ وأَشارَ بيَدِهِ يُقَلِّلُها) أخرجه البخاري (935).
أيهَا المؤمنونَ: ومِنْ أحكامِ الجمُعَةِ مَا يَلِي: أولًا: ليسَ للجمعةِ راتبةٌ قَبْلِيَّةٌ، بل يُصَلِّي المسلمُ مَا شاءَ، ثم يتفرغُ للعبادةِ والذِّكْرِ وأمَّا النَّافِلَةُ بعدَهَا فإنْ صلَّى في المسجدِ صلَّى أربعًا وإنْ صلَّى في بيته صلَّى ركعتينِ.

ثانيًا: منْ دخلَ المسجدَ والإمامُ يخطُبُ؛ فليركعْ ركعتينِ خفيفتين، قالَ ﷺ: (إذا جاءَ أَحَدُكُمْ يَومَ الجُمُعَةِ والإِمامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِما) أخرجه البخاري (930) ومسلم (875).
ثالثًا: منْ أدركَ ركعةً مع الإمامِ وجبَ أنْ يُصَلِّيهَا ركعتينِ، فَيُتِمَّ ركعةً ثانيةً ويُسَلِّمَ، أمَّا مَنْ أدْرَكَ الإمامَ بعدَ الرُّكوعِ الثّاني فيلزمُهُ أنْ يُتِمَّهَا ظُهْرًا أَرْبَع رَكْعَاتٍ.
رابعًا: ومِنْ أحكامِ الجُمُعَةِ أنَّهَا لا تُجْمَعُ مَعَ العَصْرِ حَالَ العُذْرِ، إلا إذا صَلاهَا ظُهْرًا فلهُ الجمعُ والقصرُ بشروطِهِ وضوابِطِهِ.

وممَّا يستحبُّ في يومِ الجمعةِ وليلتِهَا: الإكثارُ من الصَّلاةِ على النَّبِيِّ، قالَ ﷺ: (إنَّ من أفضلِ أيَّامِكُم يومَ الجمعةِ فيهِ خُلِقَ آدمُ وفيهِ قُبِضَ وفيهِ النَّفخةُ وفيهِ الصَّعقةُ فأكْثِروا عليَّ منَ الصَّلاةِ فيهِ فإنَّ صلاتَكُم معروضةٌ عليَّ) أخرجه أبو داود (1531) وصححه الألباني.

ومما يُستَحبُّ في يومِ الْجُمُعَةِ قِرَاءةُ سورةِ الكهفِ؛ لقولِهِ ﷺ (مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ في يَوْمِ الجُمُعَةِ، أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَينَ الجمُعتَينِ) أخرجه البيهقي (6209) وصححه الألباني في صحيح الجامع (6470).
ومنْ آدابِ حضور الجمعة: القربُ من الإمامِ، وعدمُ تخطي الرقاب، ولزومُ السكينةِ، والانشغالُ بالذكرِ وقراءةِ القرآنِ، والإنصاتُ للخطبةِ، وعدمُ الكلامِ، أو النوم أو اللغوِ أو العبثِ بالجوالِ أو السّجادِ أو غيرِ ذلكَ مما يَذْهَبُ بِالسَّكِينَةِ ويُنَافِي الْخُشُوعَ، قالَ ﷺ: (مَنْ مسَّ الحصى فَقَدْ لَغَا) أخرجه مسلم (857)

عِبَادَ اللهِ: اعلموا – رعاكم الله- أنَّ التَبْكيرَ لصلاةِ الجُمُعَةِ عبادةٌ جليلةٌ، وغنيمةٌ عظيمةٌ، لا يزهدُ فيهَا إلا جاهلٌ بقدرِهَا، أو غافِلٌ عن فضلِهَا، والمسلمُ الموفَّقُ يستحي أنْ يكونَ نصيبُهُ منهَا الْبَيْضَةَ، وهوَ يرَى شيُوخًا ومَرْضَى همّتهم كالطود الأشمّ، سَابَقُوا فسَبَقُوا، وبَادَرُوا فَغَنِمُوا، نَالُوا البَدَنَةَ والبَقَرَةَ، قَالَ ﷺ: (من غسَّلَ يومَ الجمعةِ واغتسلَ ثمَّ بَكَّرَ وابتَكرَ ومشى ولم يرْكبْ ودنَا منَ الإمامِ فاستمعَ ولم يلغُ كانَ لَهُ بِكلِّ خطوةٍ عملُ سنةٍ أجرُ صيامِها وقيامِها) أخرجه أبو داود (345) وصححه الألباني.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة: [19]

بَارَكَ اللهُ لَي ولكم فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الْآَيَاتِ وَالْحِكْمَةِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلِيُّ الصَّالحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خاتمُ الأنبياءِ والمرْسَلِينَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ: واعلموا أنّ التَّهاوُنَ في صلاةِ الجمعةِ، أو التأخُّرَ عن حضورِهَا، أو التَّخلُّفَ عن أدائِهَا أعظمُ الخُسْرَانِ، وأمارَةُ الحِرْمَانِ، قال ﷺ: (لَيَنْتَهينَّ أقْوامٌ عن ودْعِهِمُ الجُمُعاتِ أوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ على قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكونُنَّ مِنَ الغافِلِينَ) أخرجه مسلم (865) وقالَ أيضًا: (مَن ترَكَ الجمعةَ ثلاثَ مرَّاتٍ تهاونًا بها، طبَعَ اللهُ على قلْبِه) أخرجه أبو داود (1052) والترمذي (500).

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا حُسْنَ الإِيمَانِ بِهِ، وَصِدْقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ.

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذلَّ الشركَ والمشركينَ، وانصرْ عبادَكَ الموحِّدِينَ.
اللَّهُمَّ انْصُرْ المسْلِمِينَ المستضعفين فِي كُلِّ مَكَانٍ، اَللَّهُمَّ أمِّنَا في الأوطانِ والدُّورِ، وأَصْلِحْ الأئمةَ وولاةَ الأمورِ، اللهم وَفِّق وَلِيَّ أَمْرِنَا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وخُذْ بِنَاصِيَتِهِ إِلَى اَلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ ووَلِيَّ عَهْدِهِ وإخوانَهُ وأعْوَانَهُ وَوُزَرَائَهُ إلى مَا فيهِ عِزُّ الإسلامِ وصَلاحُ المسلمينَ، اللَّهُمَّ احْفَظْ رِجَالَ الأَمْنِ، والمُرَابِطِينَ عَلَى الثُّغُورِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ هذَا الْجَمْعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والمؤْمِنَاتِ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِهِمْ، وآَمِنْ رَوْعَاتِهِمْ، واقضِ ديونهم، واستر عيوبهم، وارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ في الجَنَّاتِ واغْفِرْ لَهُمْ ولآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، واجْمَعْنَا وإيَّاهُمْ ووالدِينَا وإِخْوَانَنَا وذُرِّيَّاتِنَا وَأَزْوَاجَنَا وجِيرَانَنَا ومشايخَنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا في جَنَّاتِ النَّعِيمِ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّم عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

الجمعة 8/8/ 1446هـ