وذكرهم بأيام الله – خطبة الجمعة 22-8-1446هـ

الجمعة 22 شعبان 1446هـ 21-2-2025م

 

الحمدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَبِتَوْفِيقِهِ تَتَحَقَّقُ المَقَاصِدُ وَالْغَايَاتُ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ في الأُولَى وَالآَخِرَةِ، أَسْكَنَنَا أَطْهَرَ الْبِقَاعِ الْعَامِرَةِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً، أَطْعَمَنَا بَعْدَ جُوعٍ، وَأَمّنَنَا بَعْدَ خَوْفٍ، وَنَصَرَنَا بَعْدَ حَيْفٍ، جَمَعَ شَمْلَنَا بَعْدَ شَتَاتٍ، وَرَزَقَنَا رَغَدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْفُتَاتِ، وَأَكْرَمَنَا بِصَلاحِ وُلاةِ الأُمُورِ، فَلَهُ الْحَمْدُ المَوْفُورُ، وَإِلَيْهِ المَرْجِعُ والنُّشُورُ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، فَإِنَّ في تَقْوَاهُ النَّجَاةَ وَالْفَلاحَ في الدَّارَيْنِ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَُمون) البقرة: [281].

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ تَوْحِيدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْغَايَةُ الَّتِي لأَجْلِهَا أَرْسَلَ اللهُ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ، وَإِنَّ مِنْ لَوَازِمِ التَّوْحِيدِ: تَحْقِيقَ الأَمْنِ، فَقَدْ رَبَطَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ التَّوْحِيدِ وَالأَمْنِ بِقَوْلِهِ: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ) أَيْ: بِشِرْكٍ (أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) الأنعام: [82]

أَيُّهَا المؤْمِنُونَ: والأَمْنُ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَيَصْرِفُهُ عَمَّنْ يَشَاءُ يَتَأَتَّى بِالاسْتِجَابَةِ للهِ عزَّ وَجَلَّ، وَلُزُومِ مَنْهَجِهِ، وَالاقْتِدَاءِ بِنَبِيِّهِ، وَطَاعَةِ وُلاةِ الأَمْرِ وَلُزُومِ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ، وَالالْتِفَافِ حَوْلَ الْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) الأنبياء [93] وقال ﷺ: (الجماعةُ رحمةٌ والفُرقةُ عذابٌ)أخرجه أحمد (18472) وحسنه الألباني (667) .

أيُّهَا المؤْمِنُونَ: وَقَدْ أَدْرَكَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ مَعْنَى التَّوْحِيدِ وَالْوَحْدَةِ فَكَانُوا كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ تَحَطَّمَتْ عَلَى تَوْحِيدِهِمْ وَوَحْدَتِهِمْ جَمِيعَ المَكَائِدِ وَالمُؤَامَرَاتِ مُسْتَجِيبِينَ في ذَلِكَ لأَمْرِ رَبِّهِمْ جَلَّ وَعَلا بِقَوْلِهِ: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) آل عمران: [103] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهَا حَبْلُ اللهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ وَإِنَّ مَا تَكْرَهُونَ في الْجَمَاعَةِ وَالطَّاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ).

عِبَادَ اللهِ: وَفي هَذِهِ الأَيَّامِ المبَارَكَة، تَحْتَفِي بلادُنَا -حَرَسَهَا اللهُ- بِيَوْمِ تَأْسِيسِهَا وبَاكُورَةِ مَسِيرَتِهَا وَإِنْجَازَاتِهَا، وفِي تِلْكَ المنَاسَبَة يَنْبَغِي التَّعْرِيجُ عَلَى مَا يَلِي:
أوَّلًا: هذه المناسبة تَذْكِيرٌ بِأَيَّامِ اللهِ عزَّ وجلَّ وَمَا أَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنْ نِعَمٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَهٍ وَمِنْ أَعْظَمِهَا نِعْمَةُ تحكيم الشرع، والأَمْنِ وَائْتِلافِ الْكَلِمَةِ، وفعلينا أن نشُكْرِ هَذِه النِّعَمِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم: [7].

 ثَانِيًا: هذه المنَاسَبَةُ تَذْكِيرٌ بِسِيرَةٍ عَطِرَةٍ، وَمَسِيرَةٍ بَاسِلَةٍ لِلْمُؤَسِّسِ عَبْد الْعَزِيزِ بْن عَبْد الرَّحْمَن آلَ سُعُود- رَحِمَهُ اللهُ- وَجُهُودِهُ في تَوْحِيدِ الْبِلادِ، وَرَفْعِ رَايَتِهَا، فَجَزَاهُ اللهُ عَمَّا قَدَّمَ للإِسْلامِ وَالْمُسْلِمِينَ خَيرًا، وَجَعَلَ الْبرَكَةَ في أَبْنَائِهِ وَعَقِبِهِ.

ثَالِثًا: هذهِ المنَاسَبَةُ تَذْكِيرٌ بِمَكَانَةِ هَذِهِ الْبِلاد في نفوسِ المسلمينَ عامَّةً، وَقُلُوبِ مُوَاطِنِيهَا والمقيمينَ على ثَرَاهَا خَاصَّةً، فهي مَهْدُ الإِسْلامِ وَمَأْرِزُ الإِيمَانِ، قَامَتْ عَلَى الْكِتَابِ والسُّنَّةِ، وتَأَسَّسَتْ على الاجْتِمَاعِ والوحْدَةِ، تَمَيَّزَتْ بِالْكَرَمِ والرِّفَادَةِ، وتَسَلَّحَتْ بِالْعِلْمِ وأَبَتْ إلا الرِّيَادَةِ، فَكَانَتْ بحق قِبْلَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَنَارَةً لِلْعِلْمِ وَالدِّينِ.

رابعًا: التَّذْكِيرُ بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ هَذا الْوَطَن عَلَيْنَا، بِأَنْ نَكُونَ غصّةً صَلْبَةً، وَشَوْكَةً حَادَّةً في حَلْقِ كُلِّ مَنْ يُحَاوِلُ زَعْزَعَةَ أَمْنِهِ وَاسْتِقْرَارِهِ، أَو الْعَبَثِ بِمُقَدَّرَاتِهِ، وَأَنْ نُحَافِظَ عَلى أَرْضِهِ وَمُكْتَسَبَاتِهِ، وَأَنْ نَعْمَلَ بِسَوَاعِدَ قَوِيَّة في سَبِيلِ نَهْضَتِهِ وَتَطَوُّرِهِ، كُلٌّ فِي مَكَانِهِ، مَنْ كَانَ في الْحِرَاسَةِ كانَ في الْحِرَاسَةِ ومَنْ كَانَ في السَّاقةِ كانَ في السَّاقةِ.

خَامِسًا: إِنَّ شُكْرَ نِعْمَةِ الأَمْنِ يَظْهَرُ وَاضِحًا جَلِيًّا فِيمَا يَقُومُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا مِنْ حُبٍّ لِهَذَا الْوَطَنِ مَقْرُونًا بِالْبَذْلِ وَالْعَطَاءِ وَحِمَايَةِ سَفِينَةِ الْوَطَنِ مِنْ خُرُوقَاتِ الْفَسَادِ وَاعْتِدَاءَاتِ المُفْسِدِينَ، وَاحْتِرَامِ الأَنْظَمَةِ، وَالْحِفَاظِ عَلى مُقَدَّرَاتِ وَمُكْتَسَبَاتِ هَذَا الْوطن، وَالمُسَاهَمَةِ الْفَاعِلَةِ في الْبِنَاءِ وَالنَّمَاءِ، وَالدِّفَاع عَنهُ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ مُتَاحَةٍ.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ🙁 وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) الأنفال: [63].

بَارَكَ اللهُ لَي ولكم فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الْآَيَاتِ وَالْحِكْمَةِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ولي الصالحين، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ، وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ وَمَا خَصَّكُمْ بِهِ مِنَ الأُلْفَةِ وَاللُّحْمَةِ، وَمَا حَبَاكُمْ بِهِ مِنَ الْعَافِيَةِ في الأَبْدَانِ، وَالأَمْنِ في الأَوْطَانِ، وَاقْدُرُوا نِعْمَةَ الأَمْنِ قَدْرَهَا، وَاحْمَدُوا اللهَ عَلَيْهَا، وَقُومُوا بِحَقِّهَا، وَاحْذَرُوا فَقْدَهَا، وَاسْتَشْعِرُوا فَضْلَهَا، وَاحْذَرُوا مِنَ الشِّقَاقِ وَالْخِلَافِ، فَإِنَّهُ بَاكُورَةُ الْإِفْسَادِ وَمَدْعَاةُ الْفَسَادِ، قَالَ ﷺ: (فإنَّ يَدَ اللهِ مع الجماعةِ وإنَّ الشَّيْطانَ مع مَنْ فارقَ الجماعةَ يَرْكُضُ) أخرجه النسائي (4020) وصححه الألباني في صحيح الجامع (3621).

أَسْأَلُ اللهَ عزَّ وجلَّ أَنْ يَحْفَظَ عَلَى بِلادِنَا أَمْنهَا وَإِيمَانهَا، وعِزَّهَا ورخَاءَهَا، وأَنْ يَحْفَظَهَا مِنْ كَيْدِ الْكَائِدِينَ، وَعُدْوَانِ المُعْتَدِينَ، وَمُخَطَّطَاتِ الْحَاقِدِينَ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمسْلِمِينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِينَ، وانْصُرْ عِبَادَكَ الموَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وِإِخْوَانَهُ وَأَعْوَانَهُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَسَلِّمْهُمْ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَشَرٍّ. اللَّهُمَّ احْفَظْ رِجَالَ الأَمْنِ، والمُرَابِطِينَ عَلَى الثُّغُورِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ هذَا الْجَمْعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والمؤْمِنَاتِ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِهِمْ، وآَمِنْ رَوْعَاتِهِمْ وارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ في الجناتِ واغْفِرْ لَهُمْ ولآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، واجْمَعْنَا وإيَّاهُمْ ووالدِينَا وإِخْوَانَنَا وذُرِّيَّاتِنَا وَأَزْوَاجَنَا وجِيرَانَنَا ومشايخَنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا في جَنَّاتِ النَّعِيم.
 وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّم عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.                                                                                                                          الجمعة 22/ 8/ 1446هـ