الحجر في الفتوى لاستصلاح الأديان أولى من الحجر لاستصلاح الأبدان


أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة القصيم
المملكة العربية السعودية ـ الزلفي ــ ص.ب: 188ــ الرمز البريدي : 11932
هاتف:064226000 ـــ فاكس: 064225666 ـــ جوال: 0505123100
موقع فضيلة الشيخ: https://draltayyar.com/
البريد الإلكتروني: m-islam1@hotmail.com
![]() |
![]() |
|
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ]([1]) [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً]([2])،[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً]([3])، أما بعد:فإن أمتنا الإسلامية في العصور المتأخرة بدأ يدب فيها مرض فتاك، وداء عضال، يؤثر على الأخضر واليابس، وعلى الصحيح والسقيم، وعلى الكبير والصغير حتى غدا الناس يتقلبون بين أهل الكلام والأهواء، الذين باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل، فبثوا سموم فتاويهم بين الناس ليهلكوا الحرث والنسل، وما ذاك إلا بسبب تعلقهم بالدنيا، وحبهم لها، وشغفهم بشهواتها، وكم رأينا من يخرج على المسلمين من بعض هؤلاء ليفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، وصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)([4]).
ولله درُّ ابن القيم رحمه الله حين يقول: (ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يبلغ، والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق؛ فيكون عالما بما يبلغ صادقا فيه، ويكون مع ذلك حسن الطريقة، مرضي السِّيرة، عدلا في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله؛ وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السَّنِيَّات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسمواتِ؟ فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد له عدته، وأن يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به؛ فإن الله ناصره وهاديه، وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب فقال تعالى:[وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ]([5])، وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفا وجلالة؛ إذ يقول في كتابه:[يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ]([6])، وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه، وليوقن أنه مسؤول غدا وموقوف بين يدي الله) ([7]). فما بال أقوام من أمة الإسلام سيقفون هذا الموقف العظيم يتساهلون في الإفتاء والقول على الله بغير علم، حتى ظهر علينا أصناف وأشكال لم نعهدها إلا منذ زمن قريب ضعفت خشيتهم من الله، وحرصوا على المتاع الفاني القليل فراحوا عبر الفضائيات الموجهة ضد الإسلام والمسلمين يفتون بفتاوى لا خطام لها ولا زمام وهنا لابد من وضع حد لمن قام يفتي بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، ووجب على من ولاه الله أمر المسلمين أن يقف في وجوه هؤلاء حتى لا يتسببوا في فتنة الناس وإضلالهم، وإبعادهم عن صراط الله المستقيم. وإسهاماً في هذا الباب رغبت أن أكتب عن هذا الموضوع الهام الذي يحتاج إلى معرفته جميع المسلمين، وبخاصة من يتسابقون للتصدر للفتوى ليلاً ونهاراً عبر القنوات الفضائية وغيرها من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وكذلك من يتلقون عنها في سائر أنحاء العالم الإسلامي وغيره. أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يمن علينا بالثبات على دينه، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. المبحث الأول
أركـان الفتـــوىوفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: الفتوى. المطلب الثاني: المفتي. المطلب الثالث: المستفتي. المطلب الأول: الفتوى والاستفتاء لغة: طلب الجواب عن الأمر المشكل، ومنه قوله تعالى:[وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً]([10]) وقد يكون بمعنى مجرد سؤال، ومنه قوله تعالى:[فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا]([11])، قال المفسرون: أي اسألهم([12]). والفتوى في الاصطلاح: تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأل عنه([13])، وهذا يشمل السؤال في الوقائع وغيرها. فهي إبانة الأمر وإيضاحه، يقال: أفتى فلان فلاناً إذا أبان له، وأوضح له الطريق أو المسألة، أو ما أشكل عليه من الأمور سواء أكان ما أشكل عليه لغوياً أم شرعياً. قال ابن فارس: (يقال أفتى الفقيه في المسألة إذا بيَّن حكمها، واستفتيت إذا سألتَ عن الحكم، ويقال منه فَتْوَى، وفُتْيَا)([14])، قال الله تعالى: [يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ] ([15])، وافتاه في الأمر: أبانه وأوضحه)([16]). مكانة الفتوى وأثرها: قال ابن القيم رحمه الله: (ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يبلغ، والصدق فيه،لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم وَالصدق؛ فيكون عالما بما يبلغ صادقا فيه، ويكون مع ذلك حسن الطريقة، مرضي السيرة، عدلا في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله، وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات؟ فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد له عدته، وأن يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به؛ فإن الله ناصره وهاديه، وَكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب فقال تعالى:[وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ] وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفا وجلالة؛ إذ يقول في كتابه:[يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ]، وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه،وليوقن أنه مسؤول غدا وموقوف بين يدي الله)([19]). قال صلى الله عليه وسلم: (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار)([20]). ولذلك لما علم السلف ـ رضوان الله عليهم ـ مكانتها كانوا من عظم المسؤولية وخطورة الفتوى يتدافعونها ويحجمون عنها، ويشددون النكير على من استشرف لها، وسارع فيها، وحرص عليها. وقد نقل عن بعض أهل العلم توجيهاتهم ونصائحهم في هذا الموضوع الخطير، ومن ذلك: قول عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله: (لقد أدركتُ في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار، وما منهم أحدٌ يُحَدِّثُ بحديثٍ إلا وَدَّ أن أخاه كفاهُ الحديثَ، ولا يُسألُ عن فُتْيَا إلا وَدَّ أن أخَاهُ كَفَاهُ الفُتْيَا)([21]). وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (من أفتى الناس في كل ما يستفتونه فهو مجنون)([22]). وعن سحنون (أن رجلاً أتاه فسأله فأقام يتردد إليه ثلاثة أيام، فقال: لذلك علم أن الفتوى بغير علم حرام لما يتضمن ذلك من الكذب على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويتضمن إضلال الناس وهو من كبائر الذنوب لقوله تعالى:[قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ]([26])، فقرنه بالفواحش والبغي والشرك، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)([27]). من أجل ذلك كثر النقل عن السلف إذا سئل أحدهم عما لا يعلم أن يقول للسائل: لا أدري. نقل ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما، والقاسم بن محمد، والشعبي، ومالك، وغيرهم. المطلب الثاني: المفتي: قال ابن الصلاح: (أما شروطه وصفته فهو: أن يكون مكلفاً مسلماً ثقة، مأموناً، منزهاً من أسباب الفسق، ومسقطات المروءة؛ لأن من لم يكن كذلك فقوله غير صالح للاعتماد، وإن كان من أهل الاجتهاد، ويكون فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التصرف والاستنباط متيقظاً)([29]). فإذا كان هذا حال المفتين في عصره فكيف لو رأى عصرنا الذي تصدى فيه للإفتاء من لم يذق طعم العلم أصلاً، ولم يعرف له فرعاً ولا أصلاً، من هؤلاء الكُتّاب الذين يَدّعُون الفكر، والذين تربوا على ثقافة الغرب وأخلاقهم، فامتلأت الصحف من أقوالهم وآرائهم في الدين، فملأوا الأوراق ضلالاً، والقلوب شكوكاً، والمسلمين فساداً وتفرقاً، حتى أصبح الناس شيعاً وأحزاباً [كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ]([32])، وما ذكرناه أخبرنا به رسولنا صلى الله عليه وسلم في قوله: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)([33]). لذلك فعمل المفتي من الضرورة بمكان إذا كان لائقاً لمكانته، متحملاً لمسؤوليته، ومعلوم أن عمل المفتي هو الإخبار بالحكم الشرعي عن دليله، فإذا علم ذلك فإنه يستلزم أموراً: الثاني: معرفة الواقعة المسؤول عنها، بأن يذكرها المستفتي في سؤاله، وعلى المفتي أن يحيط بها إحاطة تامة فيما يتعلق به الجواب، بأن يستفصل السائل عنها، ويسأل غيره إن لزم، وينظر في القرائن. ومثال هذا: أن يسأله رجل هل يجب عليه أن ينفق على أبيه؟ شروط المفتي: وأما ما يشترط في المفتي فهي: وذهب بعض الحنفية إلى أن الفاسق يصلح مفتيا، لأنه يجتهد لئلا ينسب إلى الخطأ([39]). وأما المبتدعة، فإن كانت بدعتهم مكفِّرة أو مفسقة لم تصح فتاواهم، وإلا صحت فيما لا يدعون فيه إلى بدعتهم، قال الخطيب البغدادي: وتجوز فتاوى أهل الأهواء، ومن لم تخرجه بدعته إلى فسق، وأما الشراة والرافضة الذين يشتمون الصحابة ويسبون السلف فإن فتاويهم مرذولة وأقاويلهم غير مقبولة([41]). (5) الاجتهاد: وهو بذل الجهد في استنباط الحكم الشرعي من الأدلة المعتبرة لقوله تعالى:[ قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ]([42]). قال الشافعي فيما رواه عنه الخطيب: لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله إلا رجلاً عارفاً بكتاب الله: بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه ومدنيه، وما أريد به، ويكون بعد ذلك بصيراً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن، ويكون بصيراً باللغة، بصيراً بالشعر، وما يحتاج إليه للسنة والقرآن، ويستعمل هذا مع الإنصاف، ويكون مشرفاً على اختلاف أهل الأمصار، وتكون له قريحة بعد هذا، فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام،وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي.أهـ([43]) وهذا معنى الاجتهاد. ومفهوم هذا الشرط أن فتيا العامي والمقلد الذي يفتي بقول غيره لا تصح. قال ابن القيم: (وفي فتيا المقلد ثلاثة أقوال: وقال ابن عابدين نقلاً عن ابن الهمام: (وقد استقر رأي الأصوليين على أن المفتي هو المجتهد، فأما غير المجتهد ممن يحفظ أقوال المجتهد فليس بمفت، والواجب عليه إذا سئل أن يذكر قول المجتهد على وجه الحكاية، فعرف أن ما يكون في زماننا من فتوى الموجودين ليس بفتوى، بل هو نقل كلام المفتي ليأخذ به المستفتي)أ هـ([45]). إفتاء القاضي: واختلف الفقهاء في إفتائه في الأمور التي يدخلها القضاء: فذهب الشافعية في وجه وصححه النووي، والحنابلة في قول وصححه ابن القيم إلى أنه يفتي فيها أيضاً بلا كراهة. وذهب آخرون من الفريقين إلى أنه لا يجوز، لأنه موضع تهمة، ووجهه أنه إذا أفتى فيها تكون فتياه كالحكم على الخصم،ولا يمكن نقضه وقت المحاكمة، ولأنه قد يتغير اجتهاده وقت الحكم، أو تظهر له قرائن لم تظهر له عند الإفتاء، فإن حكم بخلاف ما أفتى به جعل للمحكوم عليه سبيلاً للتشنيع عليه، وقد قال شريح: أنا أقضي لكم ولا أفتي، وقال ابن المنذر: يكره للقاضي الإفتاء في مسائل الأحكام الشرعية([46]). وذهب الحنفية في الصحيح عندهم إلى أن للقاضي أن يفتي في مجلس القضاء وغيره في العبادات والأحكام وغيرها، ما لم يكن للمستفتي خصومة، فإن كان له خصومة فليس للقاضي أن يفتيه فيها([47]). وذهب المالكية إلى أنه يكره للقاضي أن يفتي في ما شأنه أن يخاصم فيه، قال البرزلي: وهذا إذا كان فيما يمكن أن يعرض بين يديه، فلو جاءه السؤال من خارج البلد الذي يقضي فيه فلا كراهة([48]). صيغة الفتوى: المطلب الثالث: المستفتي المبحث الثاني
أنــواع الفتـــــوىوفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: الفتوى بالرأي. المطلب الثاني: الفتوى بالتقليد. المطلب الثالث: الفتوى بالدليل والاجتهاد. المطلب الأول: الفتوى بالرأي ولا يجوز الإفتاء بالرأي المخالف للنص أو الإجماع، ولا يجوز المصير إلى الرأي قبل العمل على تحصيل النصوص الواردة في المسألة، أو القول بالرأي غير المستند إلى الكتاب والسنة، بل بمجرد الخرص والتخمين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: (كيف تقضي؟ قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أجتهد رأيي، فقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم)([68]). وعن عمر رضي الله عنه أنه قال لشريح: (ما استبان لك من كتاب الله فلا تسأل عنه، فإن لم يستبن لك في كتاب الله فمن السنة، فإن لم تجده في السنة فاجتهد رأيك)([69]). وعن ابن سيرين قال: لم يكن أحد أهيب بما لا يعلم من أبي بكر رضي الله عنه، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب بما لا يعلم من عمر رضي الله عنه، وإن أبا بكر نزلت به قَضِيَّة فلم يجد في كتاب الله منها أصلا ولا في السُّنَّة أثرا فاجتهد برأيه ثم قال: هذا رأيي، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني وأستغفر الله)([70]) ذم الصحابة القول بالرأي: وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (من أحدث رأيًا ليس في كتاب الله ولم تمض به سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدر على ما هو منه إذا لقي الله عز وجل)([71]). وعن أبي بن كعب أنه قال: يا رسول الله إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل؟ قال: (يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ)([74]). وعن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه عن أبي بن كعب أنه كان يقول: (ليس على من لم ينزل غُسل، ثم نزع عن ذلك ـ أي قبل أن يموت)([75]). قال الشافعي: وإنما بدأت بحديث أبي في قوله: (الماءُ من الماء) ونزوعه عنه أنه سمع: (الماء من الماء) من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسمع خلافه فقال به، ثم لا أحسبه تركه إلا أنه أثبت له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعده ما نسخه. وهذا الذي ظنه الشافعي قد روى سهل بن سعد أن أبي بن كعب وقف عليه توقيفاً مُبَيّنًا. فهذه الكلمات اليسيرة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم تدل دلالة واضحة على ذمهم للرأي والأمر بتركه، والرجوع إلى الأصل الأصيل والنبع الصافي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما بال أقوام في زماننا اتخذوا رأيهم حجة ودليلاً على صحة فتاويهم، حتى أنهم يجادلون في وجود النصوص التي توضح الحق بدليله، وصدق الله تعالى إذ يقول:[فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ]([77]). فلابد من مراجعة هؤلاء لحالهم مع الله يوم أن يقفوا بين يديه فيسألهم عما قالوا وأفتوا به، وليعدوا للسؤال جواباً وليكن الجواب صواباً، وصدق الله العظيم إذ يقول: [وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ]([78]). وليحذر أولئك النفر من تحملهم لأوزار من يتبعونهم في أقوالهم وفتاويهم، وليعلموا أن كل من أضلوه برأيهم المخالف للكتاب والسنة سوف يتعلق في أعناقهم يوم القيامة، وصدق الله العظيم إذ يقول:[لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ]([79])، وقال صلى الله عليه وسلم : (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)([80]). المطلب الثاني: الفتوى بالتقليد وهنا وقفة: وهي هل يجوز للعالم أن يقلد غيره؟ والتقليد هو: قال أبو علي الطبري في تقليد العامي: (فرضه اتباع عالمه بشرط أن يكون عالمه مصيباً، كما يتبع عالمه بشرط أن لا يكون مخالفاً للنص، وقد قيل: إن العامي يقلد أوثق المجتهدين في نفسه، ولا يكلف أكثر من ذلك، لأنه لا سبيل له إلى معرفة الحق، والوقوف على طريقه، وكل واحد من المجتهدين يقينه بما أدى إليه اجتهاده، فيؤدي ذلك إلى حيرة العامي، فجعل له أن يقلد أوثقهما في نفسه، ويخالف المجتهد، لأنه يتمكن من موافقته على طريق الحق ومناظرته فيه)([83]). ومعلوم أن الأحكام تنقسم إلى قسمين: وحكي عن عبيد الله بن الحسن العنبري أنه قال: يجوز التقليد في أصول الدين، وهذا خطأ ومنافٍ للنصوص الشرعية الواردة، قال تعالى:[اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ]([84])، وقال تعالى:[وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ]([85])، وقال تعالى:[وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ]([86]) فمنعهم الاقتداء بآبائهم من اتباع الأهدى فقالوا:[إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ]([87])، وقال تعالى:[وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ]([88]). فتركوا جواب المسألة لانقطاعهم عنه، وكشفت المسألة عن عوار مذهبهم؛ فذكروا ما يسألهم عنه من فعل آبائهم وتقليدهم إياهم. وعلى ذلك فالعقل مناط التكليف وهو طريق إلى معرفة الأصول، والناس كلهم يشتركون في العقل، فلا معنى للتقليد فيه. وأما الأحكام الشرعية، فضربان: ولأننا لو منعنا التقليد في هذه المسائل التي هي من فروع الدين لاحتاج كل أحد أن يتعلم ذلك، وفي إيجاب ذلك قطع عن المعايش، وهلاك الحرث والماشية، فوجب أن يسقط. والذي لا يسوغ له التقليد هو العالم، وهل يجوز أن يقلد غيره أم لا؟ والوجه الثاني: أنه لا يجوز لأن معه آلة الاجتهاد، فأشبه إذا كان الوقت واسعاً، وقيل: هذا أصح الوجهين والله أعلم)([91]). أنواع التقليد: النوع الثاني: تقليد من لا يعلم المُقَلِّد أنه أهل لأن يؤخذ بقوله، وهذا ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رجلاً أصابه جرح في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يعني: فاحتلم ـ فَأُمِرَ بالاغتسال، فاغتسل فمات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (قتلوه قتلهم الله، إن شفاء العي السؤال)، قال عطاء: فبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال: (لو غسل جسده، وترك رأسه حيث أصابه ـ يعني: الجرح)([92]) فالذي أفتاه بالغُسل جرّ على السائل الذي ليس عنده علم أن كان سبباً في وفاته، فنال الدعاء عليه من النبي صلى الله عليه وسلم بسبب الفتوى بغير علم. النوع الثالث: التَّقْليد بعد قيام الحُجَّة وظهور الدَّليل على خلاف قول المُقَلَّد، وهذا قَلَّد بعد ظُهور الحُجَّة له؛ فهو أولى بالذَّم ومعصية الله ورسوله، وهذا من أشد الأنواع ذماً كونه علم الحق بدليله فتركه وعمل بما أفتاه به المقلَّد. وهذه الأنواع الثلاثة قد ذمها الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه، قال تعالى:[وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ]([93]) وقال تعالى:[وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِك فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ]([94])، وهذا كثير فيمن يذم من أعرض عما أنزله الله تعالى وقنع بتقليد الآباء. النوع الرابع: التقليد بعد الحجة والبيان: فالذي بذل جهده في اتباع ما أنزل الله وخفي عليه بعضه فَقَلَّد فيه من هو أعلم منه فهذا محمود غير مذموم، ومأجور غير مأزور. ذم التقليد وأهله: قال ابن القيم رحمه الله: (قال تعالى:[وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ]([95]) والتقليد ليس بعلم باتفاق أهل العلم، وقال تعالى:[قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ]([96])، وقال تعالى:[اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ]([97]) فأمر باتِّباع المنزل خاصة، والمقلِّد ليس له علم أن هذا هو المُنَزَّل وإن كان قد تَبيَّنت له الدلالة في خلاف قول من قلده فقد علم أَن تقليده في خلافه اتِّباع لغير المُنَزَّل، وقال تعالى:[فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرَدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا]([98]) فمنعنا سبحانه من الرد إلى غيره وغير رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يبطل التقليد. فإن قيل: إنما فيه ذم من قلَّد من أضله السبيل، أما من هداه السبيل فأين ذم الله تقليده؟ قيل: جواب هذا السؤال في نفس السؤال، فإذاً لا يكون العبد مهتدياً حتى يتَّبع ما أنزل الله على رسوله؛ فهذا المقلِّد إن كان يعرف ما أنَّزل الله على رسوله فهو مهتدٍ وليس بِمُقَلِّد، وإن كان لم يعرف ما أنزل الله على رسوله فهو جاهل ضال بإقراره على نفسه، فمن أين يعرف أنه على هُدى في تقليده؟ وهذا جواب كل سؤال يوردونه في هذا الباب وأنهم [إن كانوا] إنما يقلدون أهل الهدى فهم في تقليدهم على هدى. فإن قيل: فأنتم تُقِرُّون أن الأَئِمَّة المقلدين في الدين على هدى، فمقلدوهم على هدى قطعاً؛ لأنهم سالكون خلفهم. قيل: سلوكهم خلفهم مبطل لتقليدهم لهم قطعاً؛ فإن طريقتهم كانت اتباع الحجَّة والنهي عن تقليدهم، فمن ترك الحجَّة وارتكب ما نهوا عنه ونهى الله ورسوله عنه قبلهم فليس على طريقتهم وهو من المخالفين لهم، وإنما يكون على طريقتهم من اتَّبع الحجَّة، وانقَاد للدليل، ولم يتخذ رجلا بعينه سوى الرسول صلى الله عليه وسلم يجعله مختاراً على الكتاب والسُّنَّة يعرضهما على قوله. وبهذا يظهر بطلان فهم من جعل التقليد إتباعاً، وإيهامه وتلبيسه، بل هو مخالف للإتباع. وقد فَرَّق الله ورسوله وأهل العلم بينهما كما فَرَّقت الحقائق بينهما، فإن الاتِّباع سلوك طريق المُتَّبع والإتيان بمثل ما أتى به)([99]). الفرق بين الاتِّباع والتَّقليد: قال ابن القيم رحمه الله: (قال أبو عمر في الجامع: باب فساد التقليد ونفيه، والفرق بينه وبين الاتِّبَاع، قول أبو عمر: قد ذَمَّ الله تبارك وتعالى التَّقليد في غير موضع من كتابه فقال:[اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ] روي عن حذيفة وغيره قال: لم يعبدوهم من دون الله، ولكنهم أحلُّوا لهم وحرَّموا عليهم فاتَّبَعوهم. وقال عدي بن حاتم: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب، فقال: (يا عدي ألق هذا الوثن من عنقك)، وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية:[اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ] قال: فقلت: يا رسول الله إنا لم نتخذهم أربابا، قال: (بلى، أليس يُحِلُّون لكم ما حُرِّم عليكم فَتحلُّونه ويُحَرِّمُون عليكم ما أُحِلَّ لكم فتحرمونه؟) فقلت: بلى، قال: (فتلك عبادتهم). قال: فإذا بطل التقليد بكل ما ذكرنا وجب التسليم للأصول التي يجب التسليم لها، وهي الكتاب والسنَّة وما كان في معناهما بدليل جامع، ثم ساق من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنِّي لا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي إلا مِنْ أَعْمَالِ ثَلَاثَةٍ)، قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: (أَخَافُ عَلَيْهِمْ زَلَّةَ الْعَالِمِ، وَمِنْ حُكْمٍ جَائِرٍ، وَمِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ) وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تَرَكْت فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا:كِتَابَ اللَّهِ، وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم) ([100]). المطلب الثالث: الفتوى بالدليل والاجتهاد أحدها: العلم بكتاب الله تعالى على الوجه الذي تصح به معرفة ما تضمنه من الأحكام: محكماً ومتشابهاً، وعموماً وخصوصاً، ومجملاً ومفسراً، وناسخاً ومنسوخاً. والثاني: العلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة من أقواله، وأفعاله، وطرق مجيئها في التواتر، والآحاد، والصحة والفساد، وما كان منها على سبب أو إطلاق. والرابع: العلم بالقياس الموجب لرد الفروع المسكوت عنها إلى الأصول المنطوق بها، والمجمع عليها، حتى يجد المفتي طريقاً إلى العلم بأحكام النوازل، وتمييز الحقِّ من الباطل. وعن أبي نضرة قال: (قدم أبو سلمة ـ وهو ابن عبد الرحمن ـ فنزل دار أبي بشير، فأتيت الحسن، فقلت: إن أبا سلمة قدم وهو قاضي المدينة وفقيههم انطلق بنا إليه، فأتيناه، فلما رأى الحسن، قال: من أنت؟ قال: أنا الحسن بن أبي الحسن، قال: ما كان بهذا المصر أحد أحب إليّ أن ألقاه منك، وذلك أنه بلغني أنك تفتي الناس، فاتق الله يا حسن وأفت الناس بما أقول لك: أفتهم بشيء من القرآن قد علمته، أو سنة ماضية قد سنها الصالحون والخلفاء، وانظر رأيك الذي هو رأيك فألقه). المبحث الثالث
الإفتاء في دين الله بغير علم وضرره على الإسلام والمسلمينوفيه مطلبان: المطلب الأول:خطورة القول على الله بغير علم المطلب الثاني: أثر القول على الله بغير علم على المفتي والمستفتي. المطلب الأول: خطورة القول على الله بغير علم: فكفى بهذه الآية زاجراً زجراً بليغاً عن التجوز فيما يسأل من الأحكام، وكفى بها باعثة على وجوب الاحتياط في الأحكام، وأن لا يقول أحدٌ في شي هذا جائز وهذا غير جائز إلا بعد إتقان وإيقان، ومن لم يوقن فليتق الله وليصمت، وإلا فهو مفتر على الله عز وجل، وهذا يوجب الخوف من الدخول في الفتيا في كل ما يسأل عنه الناس، وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)([108])، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)([109])، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه)([110]). فهذه الآيات والأحاديث تدل دلالة واضحة على خطورة القول على الله بغير علم لما فيها من الضرر العظيم على المفتي والمستفتي، وقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدافعون الفتوى، حتى أن كل واحد منهم يود لو أن أخاه كفاه إياها، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (لقد رأيت ثلاثمائة من أهل بدر ما منهم من أحد إلا وهو يحب أن يكفيه صاحبه الفتوى). وعن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي يقول: (ما رأيت أحداً جمع الله فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة أَسْكت عن الفتيا منه). فينبغي أن يعلم أن هدي السلف الصالح وما كان عليه أئمتنا رحمهم الله تعالى، ومشايخنا ـ رحم الله الميت منهم وحفظ الحي ونفعنا بعلمه ـ هو التشديد في أمر الفتوى، وأن المرء يجب عليه أن يربأ بنفسه أن يعرض دينه وحسناته للخطر بذنب يحدثه في الأمة. المطلب الثاني: أثر القول على الله بغير علم على المفتي والمستفتي: وأما إن كانت الفتوى غير صحيحة كان أثرها على الناس خطيراً، وعادت على الأمة الإسلامية بالشر المستطير، وخاصة في زماننا الحالي الذي كثر فيه من يفتي الناس بغير علم، حتى غدا لكل قناة فضائية مفتٍ خاص بها يقول ما يشاء، ويفتي الناس بما يشاء، وهذه من المعضلات الخطيرة التي تمر بالأمة. ومن أسباب القول على الله بغير علم من ناحية المفتي ما يلي: وثانياً: أن لا يكون الناس عنده سواسية في ما يخبرهم به، فإن كان المستفتي رجلاً من عامة الناس لم يبال أنى يعطيه الحكم مهما كان شديداً دون تروٍ أو تمحيص لحاله، فإن جاءه قريبه أو صديقه أو ذو هيئة أو منصب اهتم للتفهم منه، وابتغى له الرخصة والمخرج. وثالثاً: أن يُعلِّم الناس الحيل التي يتخلصون بها ظاهراً من الحقوق التي تلزمهم لله أو لعباده، كمن يفتي من ستجب عليه الزكاة لقرب انتهاء الحول، بأن يهب ماله لزوجه أو صديقه، ثم يستعيده منه، ليسقط حق الزكاة، وكمن يفتي الرجل بفساد عقد زواجه ليكون طلاقه الثلاث لاغياً، فيستبيح الرجوع إلى مطلقته، أو يعلم المرأة أن ترتد لينفسخ عقد نكاحها، وبعض العلماء يسمي المفتي الذي يفتي على هذه الطريقة ـ المفتي الماجن ـ لأنه يتلاعب بأحكام الله تعالى ويستهزىء بها، فعمله كأنه سخرية وهزأ بالمقاصد التي وضعت لها الأحكام. ورابعاً: ومن ذلك مجاراة الظروف الواقعة وقبولها والإفتاء بصحتها وشرعيتها، مع مخالفتها للحكم الشرعي، وذلك أن للواقع الجاري سلطاناً على النفوس بتصور صعوبة تغييره. وخامساً: أن يشدد في ما سهل فيه الشرع، أو فيما له مخرج شرعي صحيح، فيترك الوجه المشروع ويخبر بفتيا أشد مما يجب إظهاراً للتمسك بالدين، وشدة التقوى، وغلبة الورع، والامتثال لظواهر الأحكام وحرفيات الدين، وغمزاً للآخرين بأنهم متساهلون ومنحرفون، وقد نقل عن سفيان الثوري أنه قال: (إنما العلم عندنا الرخصة عن ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد)([116]). فكل هذه الأسباب وغيرها لها تأثيرها على المفتي وغيره ممن يتصدرون لتعليم الناس وإفتائهم في أمور الدين، وهذه من أخطر الأشياء عليه حيث تخرجه من النفع إلى الضرر، ومن صرف الناس عن الأوزار إلى إعانتهم على كسبها وتحملها معه يوم القيامة، وصدق الله تعالى إذ يقول:[لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ]([117]). المبحث الرابع
الحـجـر في الفتــوىوفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: تعريف الحجر في الفتوى. المطلب الثاني: أصناف المحجور عليهم. المطلب الثالث: من يقوم بالحجر في الفتوى. المطلب الرابع: أثر الحجر في الفتوى. المطلب الأول: تعريف الحجر في الفتوى مشروعية الحجر: وأما السنة: فعن كعب بن مالك رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ رضي الله عنه ماله وباعه في دين كان عليه)([124]). حكمة تشريع الحجر: كما قرر الحجر أيضاً على من يسترسلون في غلواء الفسق والفجور والخلاعة ويبددون أموالهم ذات اليمين وذات الشمال صوناً لأموالهم، وحرصاً على أرزاق أولادهم، ومن يعولونهم في حياتهم وبعد مماتهم. وكذلك شمل الحجر أيضاً على من يتعرض للإفتاء وهو جاهل لا يعلم حقيقة الحكم الشرعي فيضل ويضل،وتصبح فتنة بين المسلمين من وراء فتياه. فالمفتي الماجن: هو الذي يعلم الناس الحيل الباطلة، كتعليم الزوجة الردة لتبين من زوجها، أو تعليم الحيل بقصد إسقاط الزكاة، ومثله الذي يفتي عن جهل. المطلب الثاني: أصناف المحجور عليهم والمفتون في أي عصر معرضون للخطأ بحكم بشريتهم، وعدم ضمان العصمة لهم، ولكن المؤثرات الفكرية والنفسية والاجتماعية والسياسية في عصرنا أشد منها في أي عصر مضى ومن هنا تكثر المزالق التي تزل فيها الأقدام، وتضل الأفهام، وتتعدد أسباب الخطأ إن لم نقل الانحراف. والضرر المخوف من الخطأ أو الانحراف في فتاوى عصرنا أشد منه في أزمنة سلفت نظراً لسعة الدائرة التي تنتشر فيها الفتوى الخاطئة أو المنحرفة، بواسطة وسائل الإعلام الحديثة من طبع ونشر وإذاعة وتلفزة وقنوات وجوالات وأقمار صناعية ومبتكرات حديثة وغيرها، ولهذا كان لزاماً أن نبين ـ بقدر الاستطاعة ـ بعض أصناف من يتعاملون بالفتوى على غير وجهها الصحيح. ومن الأصناف التي ينبغي الحجر عليها: الثاني: المفتي الذي يقع في سوء التأويل للنصوص الشرعية: قال هذا القائل: إن هذه الآيات لم تنزل فينا معشر المسلمين وإنما نزلت في أهل الكتاب خاصة، ومقتضى هذا ـ في زعمه ـ أن من لم يحكم بما أنزل الله من اليهود والنصارى فهو كافر أو ظالم أو فاسق، وأما من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين فليس كافراً ولا ظالماً ولا فاسقاً!! وهذا والله مما لا ينقضي منه العجب. صحيح أن سياق الآيات في أهل الكتاب لأنها جاءت بعد الحديث عن التوراة والإنجيل وأهلهما ولكن يلاحظ أنها جاءت بألفاظ عامة، تشمل كل من اتصف بها من كتابي أو مسلم، ولهذا حقق الأصوليون من علماء المسلمين أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ومن ثم فإن نزول هذه الآيات في شأن أهل الكتاب لا يجعلها مقصورة عليهم لأنها جاءت بألفاظ عامة تشملهم وتشمل كل من شاركهم في الوصف المذكور. الثالث: المفتي الذي يقع في عدم فهم الواقع على حقيقته: وهذا فهم أعوج وأعرج لحقيقة موضوع الاستفتاء وهو (الرأس الصناعي فإن اعتباره غطاء أو خمار للرأس أمر لا يقره الشرع، ولا العقل، ولا الفطرة، ولا العرف، ولا اللغة. الرابع: المفتي الذي يخضع للأهواء: هذا مع تحذير الله تعالى أشد التحذير من اتباع الهوى، يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم:[ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ]([129]). وفي سورة المائدة وهي من أواخر ما نزل من القرآن المدني يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله سبحانه:[وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ]([130]). وغير ذلك كثير في القرآن الكريم، فكل هذا التشديد والتنديد والتحذير والتنفير من الهوى لأنه كما قال بعض السلف شر إله عبد في الأرض. وهذا من أشد الأصناف خطراً على الإسلام والمسلمين حيث يبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل، نسأل الله المعافاة من ذلك. قال ابن القيم رحمه الله: (فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي والتحيز وموافقة الغرض، فيطلب القول الذي يوافق غرضه، وغرض من يحابيه فيعمل به، ويفتي به ويحكم به، ويحكم على عدوه ويفتيه بضده، وهذا من أفسق الفسوق، وأكبر الكبائر والله المستعان)([131]). الخامس: المفتي الذي يخضع للواقع المنحرف: ولا ريب أن كثيراً من الناس ممن يتصدون للحديث عن الإسلام وأحكامه يعانون هزيمة روحية أمام هذا الواقع، ويشعرون بالضعف البالغ أمام ضغطه القوي المتتابع. فلا عجب أن تأتي أحاديثهم وفتاويهم (تبريراً) لهذا الواقع المنحرف، وتسويغاً لأباطيله بأقاويل ما أنزل الله بها من سلطان ولا قام عليها من برهان. ولهذا رأينا بعض المشتغلين بالفقه والفتوى في بعض البلاد الإسلامية أيام سطوة الرأسمالية يجهدون أنفسهم في تبرير البنوك الربوية الرأسمالية وبذل المحاولات المستميتة لتحليل الفوائد رغبة في إعطاء سند شرعي لبقاء هذه البنوك واستمرارها مع رضا الناس عنها، وهكذا الحال في البلاد الشيوعية حيث يبرر العملاء المذهب الاشتراكي ويزينونه بكل وسيلة. السادس: المفتي الذي يبيح ما حرّم الله بالحيل: ومن أمثلة ما يقع من هذا الصنف تحايلهم على النصوص الشرعية الصريحة لإباحة ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كمن يحلل للزوج الذي طلق امرأته ثلاثاً فبانت منه بينونة كبرى أن يأتي برجل فيزوجه امرأته التي طلقها دون دخول بها، أو يدخل بها ثم يطلقها تحليلاً لهذا الزوج حتى تحل له مرة أخرى، وهذا مناقض لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله المحلل والمحلل له)([132]). وأيضاً كمن يبيح للمرأة أن ترتد عن الإسلام كي تطلق من زوجها، ثم تعود للإسلام مرة أخرى. المطلب الثالث: من يقوم بالحجر في الفتوى: عن ابن سيرين أن عمر قال لابن مسعود: (أما بلغني أنك تقضي ولست بأمير؟ قال: بلى! قال: فول حارَّها من تولى قارها)([133]). وعلى ذلك فالذي يقوم بالحجر على من يفتي بغير علم، أو يتجرأ على تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله هو ولي أمر المسلمين أو من ينوب عنه من أهل العلم المعتبرين إذا رأى في ذلك مصلحة راجحة وعلى ذلك فالحجر لاستصلاح الأديان أولى من الحجر لاستصلاح الأبدان ولاسيما إذا تجرأ غير المؤهلين وتصدروا وتنمر الأصاغر. وهذا واضح في البلاد التي يكون فيها الحاكم قائماً بأمر الله، متبعاً لشريعة الله، وأما في البلاد غير المنضطبة التي لا تحكم بشريعة الله وقد يكون الحاكم غير مسلم فهنا الذي يتولى الحجر هم أهل الحل والعقد من العلماء الذين يتولون الفتيا في أمور البلاد العامة، فلهم أن يصدروا بياناً أن فلاناً غير مؤهل للفتوى ولا تقبل فتواه، وهذا كاف في تزهيد الناس فيه، وتنفيرهم عن الأخذ منه، ولو علم ذلك المفتي الذي يفتي بغير علم فيقع في العظائم أن وراءه من سيقف في وجه فتواه وإشاعة هذا للناس لحسب لذلك ألف حساب، ولكان هذا رادعاً له ولأمثاله عن القول على الله بغير علم. ألسنا إذا مرض فرد من المسلمين بمرض معدٍ هرعنا إلى المشافي لطلب العلاج، والحجر على هذا الشخص الذي يعدي مرضه حرصاً على سلامة أبدان الآخرين من هذا المرض. إن هذا أمر يجمع عليه العقلاء في كل زمان ومكان، فلنتعاون جميعاً المطلب الرابع: أثر الحجر في الفتوى: وهنا أتمنى من العلماء كافة أن يعملوا على إيجاد لجان متخصصة في كل بلد للإجابة على تساؤلات المسلمين في جميع أنحاء العالم تجمع نخبة كبيرة من العلماء المعروفين بمنهجهم الصحيح النابع من الكتاب والسنة من جميع الدول الإسلامية، لئلا يحصل الشتات بين المسلمين في دينهم، ويحصل الشك والتنازع بسبب ما يمليه بعض من يحسب على أهل العلم، ولعل في المجامع العلمية والهيئات الشرعية واللجان الدائمة ما يحقق شيئاً من هذا. وعلى ذلك فالحجر أثره عظيم ونفعه عميم إذا كان من يقوم به ينظر لمصلحة المسلمين العامة، وعدم إيقاع الضرر عليهم فيما يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. إن من الأمور المسلَّمة عندنا أن الواحد منا إذا احتاج ولده لطبيب بحث عن أمهر الأطباء، وهكذا إذا احتاجت سيارته لإصلاح أو كان في بيته خلل يحتاج إلى بناء بحث عن أمهر المهندسين وأمهر البنائين، فكيف بنا إذا احتاجت عقولنا وأرواحنا إلى ما ينفعها ويقربها إلى خالقها في إصلاح دينها، ألا يجدر بنا أن نبحث عن أفضل العلماء وأتقاهم لنعبد الله على بصيرة، متبعين غير مبتدعين، وصدق الله العظيم [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]([136]). المبحث الخامس
تغير الفتوى واختلافهاوفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: سبيل العلماء المتقدمين في الفتوى واعتمادهم على الدليل. المطلب الثاني: سبيل العلماء المتأخرين في الفتوى واعتمادهم على الرأي والمذهب. المطلب الثالث: الفروق بين فتاوى المتقدمين والمتأخرين وأمثلة منها. المطلب الأول:سبيل العلماء المتقدمين في الفتوى واعتمادهم على الدليل: وإيضاحاً لما كان عليه السلف نأتي ببعض الأمثلة من فتاويهم واجتهاداتهم في هذا السبيل وعلى رأسهم حبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم: (وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: (لا، مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ) وقال: (مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ مَا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِ)، ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر؛ فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك ـ مع قدرته عليه ـ خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بِكُفْرٍ، ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد؛ لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه كما وجد سواء)([137]). ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نَهَى أَنْ تُقْطَعَ الْأَيْدِي فِي الْغَزْوِ) رواه أبو داود، فهذا حد من حدود الله تعالى، وقد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبا كما قاله عمر وأبو الدرداء وحذيفة وغيرهم، وقد نص أحمد وإسحاق بن راهويه والأوزاعي وغيرهم من علماء الإسلام على أن الحدود لا تقام في أرض العدو، وذكرها أبو القاسم الخرقي في مختصره فقال: لا يقام الحد على مسلم في أرض العدو، وقد (أتى بشر بن أرطاة برجل من الغزاة قد سرق مجنه فقال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي الْغَزْوِ) لقطعت يدك) رواه أبو داود، وقال أبو محمد المقدسي: وهو إجماع الصحابة، روى سعيد بن منصور في سننه بإسناده عن الأحوص بن حكيم عن أبيه عن عمر أنه (كتب إلى الناس أَن لا يجلدن أمير جيش ولا سرية ولا رجل من المسلمين حدا وهو غاز حتى يقطع الدرب قافلا لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار)([138]) وتبين مما سلف أن الصحابة وتابعيهم لم يخالفوا قول الحق في الاتباع، بل كانوا حريصين على النص والإجماع، وهذا دليل حرصهم على التمسك بصراط الله المستقيم. ومثال آخر: أن المُطَلِّق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن خليفته أبي بكر وصدرٍ من خلافة عمر كان إذا جمع الطلقات الثلاث بفم واحد جعلت واحدة، كما ثبت ذلك في الصحيح عن ابن عباس؛ فروى مسلم في صحيحه عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس: (كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم)([139])، وما قام به عمر فيه عين المصلحة فلم يقع في خلاف النص، بل استند في ذلك إلى النصوص الأخرى الدالة على التشديد على المتهاونين بالدين، الذين قلّ إيمانهم، وبعدت طريقتهم عن نهج السلف الصالح في عملهم بما وصل إليهم من النصوص الشرعية. المطلب الثاني: سبيل العلماء المتأخرين واعتمادهم على الرأي والمذهب: قال ابن القيم رحمه الله: (عن السائب بن يزيد ابن أخت نمر أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إن حديثكم شر الحديث، إن كلامكم شر الكلام؛ فإنكم قد حدثتم الناس حتى قيل: قال فلان وقال فلان، ويترك كتاب الله، من كان منكم قائما فليقم بكتاب الله، وإلا فليجلس). فهذا قول عمر لأفضل قرن على وجه الأرض، فكيف لو أدرك ما أصبحنا فيه من ترك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة لقول فلان وفلان؟، فالله المستعان. قال أبو عمر: وقال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ لِكميل بن زياد النخعي ـ وهو حديث مشهور عند أهل العلم، يستغني عن الإسناد لشهرته عندهم ـ: يا كميل، إن هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها للخير، والناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل صائح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق. ثم قال: آه إن ههنا علماً ـ وأشار بيده إلى صدره ـ لو أصبت له حملة، بل قد أصبت لقنا غير مأمون، يستعمل آلة الدين للدنيا، ويستظهر بحجج الله على كتابه وبنعمه على معاصيه، أو حامل حق لا بصيرة له في إحيائه، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، لا يدري أين الحق، إن قال أخطأ، وإن أخطأ لم يدر،مشغوف بما لا يدري حقيقته، فهو فتنة لمن فتن به، وإن من الخير كله من عرفه الله دينه، وكفى بالمرء جهلا أن لا يعرف دينه)([140]). قال أبو عمر: وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يَذْهَبُ الْعُلَمَـاءُ، ثُمَّ يَتَّخِذُ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا،يُسْأَلُونَ فَيُفْتُونَ بِغَيْرِ عِلْمٍ،فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ) قال أبو عمر: وهذا كله نفي للتقليد، وإبطال له لمن فهمه وهدي لرشده. المطلب الثالث: الفروق بين فتاوى المتقدمين والمتأخرين وأمثلة منها: قال ابن القيم رحمه الله: (ذكر محمد بن حارث في أخبار سحنون بن سعيد عنه قال: كان مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة ومحمد بن إبراهيم بن دينار وغيرهم يختلفون إلى ابن هرمز، فكان إذا سأله مالك وعبد العزيز أجابهما، وإذا سأله ابن دينار وذووه لا يجيبهم، فتعرض له ابن دينار يوما فقال له: يا أبا بكر لم تستحل مني ما لا يحل لك؟ فقال له: يا ابن أخي، وما ذاك؟ قال: يسألك مالك وعبد العزيز فتجيبهما وأسألك أنا وذوي فلا تجيبنا؟ فقال: أوقع ذلك يا ابن أخي في قلبك؟ قال: نعم، قال: إني قد كبرت سني ودق عظمي، وأنا أخاف أن يكون خالطني في عقلي مثل الذي خالطني في بدني،ومالك وعبد العزيز عالمان فقيهان،إذا سمعا مني حقا قبلاه،وإن سمعا خطأ تركاه، وأنت وذووك ما أجبتكم به قبلتموه. قال ابن حارث: هذا والله الدين الكامل، والعقل الراجح، لا كمن يأتي بالهذيان، ويريد أن ينزل قوله من العقاب منزلة القرآن)([142]). وقال: (لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه). وفي رواية: (حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي). زاد في رواية: (فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا). وفي أخرى: (ويحك يا يعقوب ـ هو أبو يوسف ـ لا تكتب كل ما تسمع مني فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدا وأرى الرأي غدا وأتركه بعد غد)([144]). وقال: (إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي)([145]). وأما الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقال: (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه)([146]). وأما الإمام الشافعي رحمه الله فالنقول عنه في ذلك أكثر، وأتباعه أكثر عملاً بها فمنها: (ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزب عنه فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لخلاف ما قلت فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولي)([149]). وقال: (أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد)([150]). وقال: (كل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو قولي وإن لم تسمعوه مني)([157]). وقال مُرَّة: (الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ثم هو من بعد التابعين مخير)([159]). وقال: (رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة كله رأي وهو عندي سواء وإنما الحجة في الآثار)([160]). وقال: (من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة)([161]). تلك هي أقوال الأئمة رضي الله تعالى عنهم في الأمر بالتمسك بالحديث والنهي عن تقليدهم دون بصيرة وهي من الوضوح والبيان بحيث لا تقبل جدلا ولا تأويلا وعليه فإن من تمسك بكل ما ثبت في السنة ولو خالف بعض أقوال الأئمة لا يكون مباينا لمذهبهم ولا خارجا عن طريقتهم بل هو متبع لهم جميعا ومتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها وليس كذلك من ترك السنة الثابتة لمجرد مخالتفها لقولهم بل هو بذلك عاص لهم ومخالف لأقوالهم المتقدمة والله تعالى يقول:[فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً]([162]). وقال:[فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ]([163]). قلت: كيف يكرهون ذلك وقد أمروا به أتباعهم كما مر وأوجبوا عليهم أن يتركوا أقوالهم المخالفة للسنة؟ بل إن الشافعي رحمه اللهأمر أصحابه أن ينسبوا السنة الصحيحة إليه ولو لم يأخذ بها أو أخذ بخلافها ولذلك لما جمع المحقق ابن دقيق العيد رحمه اللهالمسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة الأربعة الحديث فيها انفراداً واجتماعاً في مجلد ضخم قال في أوله: (إن نسبة هذه المسائل إلى الأئمة المجتهدين حرام وإنه يجب على الفقهاء المقلدين لهم معرفتها لئلا يعزوها إليهم فيكذبوا عليهم). لقد ترك الأتباع بعض أقوال أئمتهم اتباعاً للسنة ولذلك كله كان أتباع الأئمة ثلة من الأولين وقليل من الآخرين لا يأخذون بأقوال أئمتهم كلها بل قد تركوا كثيراً منها لما ظهر لهم مخالفتها للسنة حتى أن الإمامين: محمد بن الحسن وأبا يوسف رحمهما الله قد خالفا شيخهما أبا حنيفة (في نحو ثلث المذهب) وكتب الفروع كفيلة ببيان ذلك. ونحو هذا يقال في الإمام المزني وغيره من أتباع الشافعي، ولو ذهبنا نضرب على ذلك الأمثلة لطال بنا الكلام ولخرجنا به عما قصدنا إليه في هذا البحث من الإيجاز فلنقتصر على مثالين اثنين: قال الإمام محمد في ـ موطئه، ص 158ـ: (قال محمد: أما أبو حنيفة رحمه الله فكان لا يرى في الاستسقاء صلاة وأما في قولنا فإن الإمام يصلي بالناس ركعتين ثم يدعو ويحول رداءه) إلخ . وهذا عصام بن يوسف البلخي من أصحاب الإمام محمد ومن الملازمين للإمام أبي يوسف كان يفتي بخلاف قول الإمام أبي حنيفة كثيراً لأنه لم يعلم الدليل وكان يظهر له دليل غيره فيفتي به صلى الله عليه وسلم ولذلك (كان يرفع يديه عند الركوع والرفع منه) كما هو في السنة المتواترة عنه صلى الله عليه وسلم فلم يمنعه من العمل بها أن أئمته الثلاثة قالوا بخلافها وذلك ما يجب أن يكون عليه كل مسلم بشهادة الأئمة الأربعة وغيرهم كما تقدم. وقال إسماعيل بن يحيى المُزَنِيّ في أول مختصره: اختصرت هذا من علم الشافعي، ومن معنى قوله، لأقربه على من أراده، مع إعلامية نهيه عن تقليده وتقليد غيره لينظر فيه لدينه ويحتاط فيه لنفسه. وقد فَرَّق أحمد بين التَّقليد والاتِّباع فقال أبو داود: سمعته يقول: الاتِّباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، ثم هو من بعد في التابعين مخير، وقال أيضا: لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الثَّوري ولا الأَوْزَاعي، وخذ من حيث أخذوا. وقال بشر بن الوليد: قال أبو يوسف: لا يحل لأحد أن يقول مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا. قال مالك: وصح عندهم قول عمر؟ قلت: إنما هي رواية كما صح عندهم قول إبراهيم، فقال مالك: هؤلاء يستتابون، والله أعلم)([164]). الخاتمة
الحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناُ على عونه وتوفيقه، والصلاة والسلام على قدوة الأنام، ورسول الإسلام الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين، وبعد: فهذا البحث الذي بين أيديكم والذي أردت فيه بيان طريق الحق لمن أراد التمسك به، وسلوك طريقه، والعمل بما جاء به، والتحذير من فتاوى بعض المفتين في زماننا ـ إلا من رحم الله منهم ـ الذين ضلوا وأضلوا وصرفوا الناس عن المصدرين الأساسيين كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الرأي والهوى والتعصب للمذاهب، وأملي في الله تعالى أن يتعاون أهل الحق على منع من تسول له نفسه الإفتاء في دين الله بغير علم، وأن تكون هناك مرجعية للمسلمين لتكون مناراً لمن أراد التبصر بدينه والنأي به عن أهل البدع والأهواء، وعلى كل مسلم أن يتحرى من يفتيه، وأن يتعلم من دينه ما يعينه على معرفة الطريق الصحيح الذي يوصله إلى صراط الله المستقيم. وهذا ما تم تقييده فما كان فيه من صواب فبتوفيق من الكريم المنان، وما كان فيه من خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان، وأسأل الله جل في علاه أن يجعله خالصاً لوجهه، مقبولاً عند خلقه، وأن ينفع به المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يجعله حجة لنا لا علينا، وأن يكون في موازين الحسنات يوم نلقى ربنا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. الفهرس الموضوع 1-المقدمة: ………………………………………………………………………… 2-المبحث الأول: أركان الفتوى، وفيه ثلاثة مطالب:………………………….. 3-المطلب الأول: الفتوى: …………………………………………………… 5-الاستفتاء لغة: ……………………………………………………………….. 6-مكانة الفتوى وأثرها………………………………………………………… 10-إفتاء القاضي: ……………………………………………………………….. 11-صيغة الفتوى: ………………………………………………………………. المطلب الثالث: المستفتي: ………………………………………………… 12-تعريف المستفتي: …………………………………………………………… 15-حكم المستفتي إن لم يطمئن قلبه إلى الفتيا:…………………………….. 16-المبحث الثاني: أنواع الفتوى، وفيه أربعة مطالب:…………………………. 17-المطلب الأول: الفتوى بالرأي: ………………………………………….. 18-الرأي هو:…………………………………………………………………….. 19-ذم الصحابة القول بالرأي: ……………………………………………….. 20-أمثلة في رجوع بعض الصحابة عن آرائهم:……………………………. 21-المطلب الثاني: الفتوى بالتقليد: …………………………………………. 22-معنى الفتوى بالتقليد: ……………………………………………………… 23-أقسام الأحكام الشرعية: ………………………………………………….. 24-فيمن يسوغ له التقليد ومن لا يسوغ له: ………………………………… 25-أنواع التقليد: ………………………………………………………………… 26-ذم التقليد وأهله: …………………………………………………………… 27-الفرق بين الاتباع والتقليد: ……………………………………………….. 28-المطلب الثالث: الفتوى بالدليل والاجتهاد: …………………………… 29-المبحث الثالث: الإفتاء في دين الله بغير علم وضرره على الإسلام والمسلمين، وفيه مطلبان: …………………………………………………………………. 30-المطلب الأول: خطورة القول على الله بغير علم: ……………………. 31-المطلب الثاني: أثر القول على الله بغير علم على المفتي والمستفتي: 32-من أسباب القول على الله بغير علم من ناحية المفتي: 33-المبحث الرابع: الحجر في الفتوى، وفيه أربعة مطالب:…………………….. 34-المطلب الأول: تعريف الحجر في الفتوى: ……………………………… 35-تعريف الحجر: ……………………………………………………………… 36-مشروعية الحجر: …………………………………………………………… 37-حكمة تشريع الحجر: ……………………………………………………… 38-المطلب الثاني: أصناف المحجور عليهم: ………………………………… 39-أصناف المحجور عليهم: …………………………………………………… 40-الأول: المفتي الجاهل بالنصوص الشرعية………………………………. 41-الثاني: المفتي الذي يقع في سوء التأويل للنصوص الشرعية:……….. 42-الثالث: المفتي الذي يقع في عدم فهم الواقع على حقيقته:………….. 43-الرابع: المفتي الذي يخضع للأهواء: …………………………………….. 44-الخامس: المفتي الذي يخضع للواقع المنحرف: ………………………… 45-السادس: المفتي الذي يبيح ما حرم الله بالحيل:……………………….. 46-المطلب الثالث: من يقوم بالحجر في الفتوى: ………………………….. 47-المطلب الرابع: أثر الحجر في الفتوى: ………………………………….. 48-المبحث الخامس: تغيير الفتوى واختلافها، وفيه ثلاثة مطالب:…………… 49-المطلب الأول: سبيل العلماء المتقدمين في الفتوى واعتمادهم على الدليل: …………………………… 50-المطلب الثاني: سبيل العلماء المتأخرين واعتمادهم على الرأي والمذهب: ……………………………………………………………………. 51-المطلب الثالث: الفروق بين فتاوى المتقدمين والمتأخرين وأمثلة منها: 52-الخاتمة………………………………………………………………………….. 53-الفهرس………………………………………………………………………….. الهوامش: ([1]) سورة الأحزاب: الآيتان 70،71. |
||
![]() |
![]() |
مواضيع ذات صلة
-
خطبة بعنوان (الْقَنَوَات الْفَضَائِيّة وَأَثَرُهَا عَلَ....
السبت 4 جمادى الآخرة 1440هـ 9-2-2019م قراءة -
كتاب التسهيل في الفقه....
الأثنين 20 جمادى الآخرة 1440هـ 25-2-2019م قراءة -
ما آخر وقت للرمي؟....
الثلاثاء 28 جمادى الآخرة 1440هـ 5-3-2019م قراءة -
فريضة الزكاة....
الخميس 23 جمادى الآخرة 1440هـ 28-2-2019م قراءة -
خطبة بعنوان “أقبل علينا رمضان شهر الخيرات والبركا....
الخميس 23 جمادى الآخرة 1440هـ 28-2-2019م قراءة -
الشرب أثناء أذان الفجر في رمضان.....
الثلاثاء 21 جمادى الآخرة 1440هـ 26-2-2019م قراءة