أثر علامة القصيم الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي على الحركة العلمية المعاصرة

الثلاثاء 14 جمادى الآخرة 1440هـ 19-2-2019م
المقدمة

 

الحمد لله القائل في محكم التنزيل: [ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ]([1])، والصلاة والسلام على المعلم الأول الذي علمه ربه وخاطبه في أول وحيه بـ[اقْرَأْ ]إمام العلماء وسيد الأتقياء صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

فللعلماء في كل جيل دور متميز، يأخذون بأيدي الناس، ويوضحون لهم مخططات الأعداء، ويرسمون لهم طريق السلامة.
ولعل علاَّمة القصيم الشيخ عبد الرحمن بن سعدي واحد من هؤلاء، إذ كانت حياته جهاداً متواصلاً بالدعوة والكتابة والتأليف وقضاء حوائج الناس ونصرة المظلومين.
لقد منح هذا العالم حياته للعلم والتعليم، فكانت له آثار خالدة، وهي بين أيدينا الآن، نقرؤها فنستدل بها على عقلية وموهبة هذا الإمام.
وها هم تلاميذه يتولون قيادة المؤسسات العلمية والقضائية، ويتميزون بالتصدر للناس والفتوى والتأليف.
لقد كانت لابن سعدي آثار واسعة على الحركة العلمية المعاصرة، يتمثل ذلك فيما بين يدينا من مؤلفات زاخرة في فنون العلم والمعرفة في: التفسير، وعلوم القرآن، وفي الحديث، وفي الفقه، والعقيدة، واللغة، والثقافة العامة.
وسنوضح ذلك أتم إيضاح في هذه الرسالة إن شاء الله.
أسأل الله جل وعلا أن يجعلها خالصة لوجهه، وأن يجمعني بابن سعدي ومشايخه وتلاميذه وجميع المسلمين في جنات النعيم؛ إنه ولي ذلك، والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
أبو محمد .. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
ضحوة الخميس 10-4-1412هـ

المبحث الأول:

طريقته في التعليم

أقبل ابن سعدي ـ كما مر معنا ـ على العلم إقبالاً منقطع النظير، وصرف وقته كله للعلم، فظهرت عليه أمارات النبوغ، وحصَّل في زمن قصير ما لم يحصِّله غيره في زمن طويل، ولذا ذاع صيته، واشتهر أمره، وعظم قدره، وعلا ذكره، فاجتمع إليه الطلبة من بلده وغيرها، وأخذوا ينهلون من المعين الصافي والينبوع العذب والنهر المتدفق، وهو يعاملهم معاملة حسنة كريمة، ويتتبع أحوالهم، ويأخذ بأيديهم، ويجمع التربية والتوجيه.
وقد حدَّث عنه من درسوا عليه بأنه كان:

ـ يستشير طلابه في الكتاب الذي يقرؤون فيه.

ـ يعقد المناظرات بينهم لكي يدفعهم للمنافسة والمثابرة في التحصيل.

ـ يخصص لهم المكافآت تشجيعاً لهم وإعانة لهم على ظروف الحياة القاسية.

ـ يطرح المسائل على طلابه، ويستظهر منهم الإجابة، وأحياناً يجيب هو، لكنه يتعمد تغليظ نفسه؛ ليتبين المدرك منهم والمستوعب، ثم يصحح لهم، وفي هذا الأسلوب تثبيت للمعلومات في أذهان الطلاب.

ـ عند ذكر المسائل الخلافيَّة يصوِّرها للطلاب بين اثنين منهم، ثم يستدل لكل فريق ويناقش، ثم بعد عرضها ـ بكل أمانة ونزاهة ـ يتوسط حكماً بينهما، ويرجح ما يعضده الدليل.

ـ كثيراً ما يطلب من تلاميذه إعادة ما فهموه من الدروس؛ ليثبت المعلومات في أذهانهم.

ـ في اليوم اللاحق يناقشهم عمَّا أخذوه في اليوم السابق، وهذا يدفعهم للمذاكرة
والمراجعة. وبهذا الأسلوب الفريد في عصره كسب الطلاب، وتوافدوا لطلب العلم عليه، وتخرَّج على يديه أعداد غفيرة كانوا ولا يزال بعضهم له الأثر الكبير على الحركة العلمية المباركة التي تشهدها بلادنا الحبيبة([2]).

أما عن تنظيمه لوقته؛ فقد كان يجلس أربع جلسات في اليوم، حيث كان يصلي الفجر بالناس، ثم يجلس لأداء الدرس حتى تطلع الشمس، ويذهب بعد ذلك إلى بيته حتى الضحوة الكبرى، فيعود إلى المسجد؛ يعلم أبنائه الفقه والتفسير والحديث والعقيدة والنحو والصرف في دروس منتظمة وكتب اختارها لطلابه، ويستمر معهم حتى صلاة الظهر،فيصلي بالناس، ويعود إلى بيته؛ يستريح فيه إلى صلاة العصر، ثم يذهب إلى المسجد، فيصلي العصر بالناس، ويعطيهم عقب الصلاة وهم جلوس بعض الأحكام الفقهية في دقائق لا تؤخِّرهم عن الانصراف سعياً وراء أرزاقهم، وعندما تغرب الشمس؛ يصلي بالناس صلاة المغرب، ويجلس للدرس حتى يصلي العشاء….ويتكرر ذلك في كل يوم([3]).

المبحث الثاني:

طريقته في التأليف

اعتنى الشيخ ابن سعدي عناية فائقة بالتأليف على غير عادة كثير من علماء عصره، حيث كانوا يهتمون بالتعليم عن طريق الحلقات، ولا يلقون بالاً للتأليف؛ لأنه يأخذ وقتاً طويلاً منهم هم بأمس الحاجة إليه لتعليم الناس وقضاء حوائجهم.
أما ابن سعدي رحمه الله؛ فقد وفقه الله سبحانه وتعالى، وسار سيراً متوازياً في طريقين هامين:

أحدهما: التعليم وقضاء حوائج الناس.

والثاني: التأليف وكتابة الرسائل والردود والإجابة على الأسئلة التي ترد إليه من داخل المملكة وخارجها. وقد ترك مؤلفات كثيرة تشهد بغزارة علمه وسعة اطلاعه وقدرته على التأليف. وقد ترك مختلف العلوم، فألف في: التفسير، والحديث، والفقه، وأصوله، والعقائد، والوعظ، والخطب، واللغة العربية، ومؤلفاته التي بين أيدينا خير شاهد على ما نقول.

لقد كان للشيخ ابن سعدي اليد الطولى في علم التفسير، حيث ألف تفسيره العظيم “تيسير الكريم الرحمن”، وكان يمليه إملاء من غير أن يكون معه وقتئذ كتاب في التفسير ولا غيره، بل كان يقرأ مع طلابه القرآن الكريم، وفي أثناء القراءة؛ يفسره لهم، ويبين لهم معانيه، ووجوه إعجازه، ويستنبط لهم منه فرائد الفوائد، حتى إن من يستمع إليه؛ يودُّ لو أنه استمر في تفسير الآيات، وذلك بفضل ما آتاه الله؛ من فصاحة لسان، وجزالة لفظ، وقوة بيان، وتوسُّع في عرض القصص، ودقَّة في استنباط الحكم التشريعية التي تخاطب العقل وتلجمه بلجام الإقناع السريع.

كما كانت له مهارة فائقة في التأليف في ميدان الفقه، حيث طرق أكثر من مسلك في إقناع القارئ وإيصال المعلومات إليه؛ فتارة عن طريق السؤال والجواب، وتارة عن طريق المناظرة، وثالثة عن طريق الاختصار، ورابعة عن طريق ذكر الحكم بدليله، وخامسة عن طريق عرض المسألة الواحدة في رسالة مستقلة، ولذا أشبع الموضوعات التي تطرق لها، واستطاع أن يصل على قلب وعقل قارئه بأيسر السبل وأسهل الطرق. وقد كانت الكتابة سهلة عليه، حيث كان في المجلس الواحد يملي رسالة مستقلة. كما وردت إليه الأسئلة العديدة، فأجاب عليها بالأجوبة السديدة، وكان حاضر الجواب، سريع الكتابة، بديع التحرر، سديد البحث. وقد بارك الله في أوقاته، فالَّف وخطب ونصح وساهم في حلِّ مشاكل الناس، وكان لا ينقطع عن زيارتهم في بيوتهم، ومشاركتهم في مجتمعاتهم، فأعطى كل ذي حق حقه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء([4]).

وللشيخ ابن سعدي باع طويل في الشعر، إذ سخر قريحته لخدمة العلم، فألف المتون الطويلة، وتولى شرحها بنفسه؛ ليقِّربها للقارئ، فخرجت بصورة متكاملة؛ ترضي مشارب الناس وأذواقهم.

كما حرص رحمه الله على جمع القواعد والضوابط، ثم التفريع عليها، وذلك مما يسهِّل فهم المسائل، ويقِّربها لذهن القارئ، حيث يجمعها ضابط شرعي أو قاعدة واضحة، ويعدُّ كتابه “طريق الوصول” من أفضل الكتب في هذا الباب، حيث ضمَّنه خلاصة ما ذكره الإمامان الجليلان شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم في كتبهما من ضوابط وقواعد شرعية متناثرة، وزاد عليها ما رآه نافعاً للقارئ فخرج الكتاب بصورة فريدة؛ ينفع المبتدئ، ويعين المنتهي، ويأخذ بيد الراغب لنيل العلم بأقصر الطرق وأسهل السبل.

المبحث الثالث:

أسلوبه في كتابة الفقه

كان ابن سعدي رحمه الله ذا عناية فائقة في الفقه، ولذا زادت مؤلفاته فيه على عشرة كتب، وقد كان في بداية أمره ملتزماً بمذهب الإمام أحمد، ثم أخذ يميل إلى ترجيح بعض المسائل، ولذا أفرد مؤلَّفاً لاختياراته التي خالف فيها المذهب، وبنى قوله على ما ظهر له من الأدلة، وقد حرص رحمه الله على تيسير الفقه للطالبين، وبذل في ذلك غاية وسعه، فألَّف فيه عن طريق السؤال والجواب وعن طريق المناظرة وعن طريق ذكر المسألة الراجحة بدليلها.
كما طرق باب النظم، فأفرد منظومة طويلة في الفقه، وقام بشرحها بنفسه؛ ليسهل الانتفاع بها. ولكي نقف على رأيه واضحاً في كتابته في الفقه؛ نعرض ما قاله في تقديمه لكتابين من كتبه الفقهية:
قال في مقدمة “المناظرات الفقهية”: “….لهذا أحببت أن أضع في هذا التعليق عدة مسائل من مسائل الفقه المختلف فيها بين العلماء مما اشتهر به الخلاف وكان الخلاف فيها له أهمية، وأجعلها على صورة مناظرة بين المستعين بالله والمتوكل على الله؛ لأن في جعلها على هذه الصورة فوائد كثيرة:

ـ منها تيسير مأخذ القولين ووجودهما في محل واحد، وذلك من مقرِّبات العلم.

ـ ومنها التمرن على المناظرة والمباحثة التي هي من أكبر الوسائل لإدراك العلم وثبوته وتنوعه.

ـ ومنها التمرن على الاستدلال، والرجوع إلى أصول المسائل؛ ليصير للعبد ملكة تامَّة يحسن معها الاستدلال والمناظرة والنظر.

ـ ومنها أن يعوِّد الإنسان بنفسه سرعة قبول الحق؛ إذا اتَّضح له صوابه، وبان له رجحانه.

ـ ومنها أن يعلم أن الخلاف في مثل هذه المسائل بين أهل العلم لا يوجب القدح والعيب والذم….”([5]).

وقال في مقدمة كتاب (إرشاد أولي البصائر): (… أما بعد؛ فهذا تصنيف بديع المأخذ، سهل المنزع، يمهد لطالب العلم من طرق التعلم والتعليم وحصول الفهم والتفيهم ما يوصله إلى خير كثير وعلم غزير؛ لأني اجتهدت في تحرير أسئلة جوامع لمهمات مسائل الدين؛ تاركاً ما لا تدعوا الحاجة إليه غالباً؛ معماً للسؤال أو مطلقاً له؛ ليكون جوابه يحتوي على تفصيلات وتقسيمات تقرب أشتات المسائل، وتضم متفرقاتها، وتنوع أحكامها، وتفاوت بين أقسامها؛ بحسب تباين أسبابها وعللها، حتى ربما كان جواب بعض الأسئلة يتناول عدة أبواب، ومن أنفع ما في هذه الأجوبة ما فيها من الأصول والضوابط التي تُبنى عليها تلك الأسئلة وغيرها…)([6]).

المبحث الرابع :

ردُّه على مخالفيه

كان ابن سعدي رحمه الله متمثلاً قول الحق سبحانه وتعالى: [وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ]([7]). هذا في حق المخالفين في الأصول؛ فضلاً عن المخالفين في الفروع؛ فهم مأجورون على كل حال؛ فإن أصابوا؛ فلهم أجران، وإن أخطأوا؛ فلهم أجر واحد؛ شريطة سلامة النية وصحة المقصد، وهذا متوفر بمشيئة الله تعالى. ولكي نتبيَّن منهج ابن سعدي في ردِّه على مخالفيه نشير إلى رسالتيه المشهورتين:

الأولى: (ردِّه على القصيمي).

الثانية: (الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين).

قال في مقدمة (ردِّه على القصيمي): (.. أما بعد؛ فإني قد وقفت على كتاب صنفه عبد الله بن علي القصيمي، سمَّاه: (هذه هي الأغلال)؛ فإذا هو محتو على نبذ الدين، والدعاية إلى نبذه والانحلال عنه من كل وجه، وكان هذا الرجل قبل كتابته وإظهاره لهذا الكتاب معروف بالعلم والانحياز لمذهب السلف الصالح، وكانت تصانيفه السابقة مشحونة بنصر الحق والرد على المبتدعين والملحدين، فصار له بذلك عند الناس مقام وسمعه حسنة، فلم يرع الناس في هذا العام حتى فاجأهم بما في هذا الكتاب الذي نسخ به وأبطل جميع ما كتبه عن الدين سابقاً..) ([8]).

هكذا بيَّن ابن سعدي ما لهذا الرجل من حسنات، ولم يغمطه حقَّه، بل ذكر أنه من جملة أنصار الشرع قبل هذا الكتاب، وهذا من العدل في الأحكام، الذي أمرنا به، وهو أسلوب من أساليب المجادلة بالتي هي أحسن، أما السباب والشتم وتنقُّص الناس وازدراؤهم وهدم ماضيهم؛ فليس من الإنصاف؛ فبغض الآخرين وكراهيتهم وعدواتهم لا يسوغ لنا أن ننكر ما لهم من الفضائل، وإلا؛ وقعنا في الظلم المنهي عنه شرعاً.

أما رسالته الثانية في الرد على الملحدين؛ فقال في مقدمتها: (.. وقد أصَّلوا لباطلهم أصولاً يقلد فيها بعضهم بعضاً، وهي في غاية الفساد، يكفي اللبيب مجرَّد تصورها عن إقامة البراهين على نقضها؛ لكونها مناقضة للعقل والنقل، ولكنهم زخرفوها وروجوها، فانخدع بها أكثر الخلق…)([9]).

ثم ذكر رحمه الله أوجهاً كثيرة، نازل فيها جميع طوائف الملحدين، وتحدَّاهم، وأبطل أصولهم، وفنَّد مآخذهم، وهدم قواعدهم، وزلزل بنيانهم، وبين مخالفتهم للعقل والفطرة والحكمة كما خالفوا جميع الأديان الصحيحة. وبهذا الأسلوب الفريد يصل القارئ إلى القناعة التامَّة، فمن ينفع معه أسلوب؛ قد لا يجدي معه آخر، ولذا؛ لا بدَّ من مراعاة الظروف والأحوال والأشخاص، واختيار ما يناسب عند إقناع الآخرين، وهذا ما اتبعه ابن سعدي رحمه الله مع مخالفيه؛ على اختلاف مشاربهم، وتنوع ثقافاتهم، وقربهم وبعدهم من الحق.

المبحث الخامس :

أثره في الفقـــــــــــــــه

كان ابن سعدي رحمه الله مدرسة في الفقه؛ فقد كان ذا معرفة تامَّة فيه أصوله وفروعه، وقد مَّر بأطوار في حياته، حيث كان أول أمره متقيداً بالمذهب الحنبلي تبعاً لمشايخه، وقد حفظ بعض المتون في ذلك، وصنف في الفقه نظماً على بحر الرجز، وشرحه شرحاً مختصراً، وقد تقيد فيه بالمذهب.

وبعد أن تقدَّمت به السن، وارتقى في طلب العلم؛ اعتنى بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وحصل له بذلك خير كثير وانتفاع عظيم، وأصبح يبحث عن الدليل، ويرجح ما يراه راجحاً؛ بغضَّ النظر عن رجحانه عند الأصحاب، لكنه فيما لم يظهر له فيه دليل راجح يتبع الإمام أحمد. ولذا؛ خلف ثروة عظيمة من كتب الفقه التي تجمع بين التقيُّد بالمذهب وما رجحه الدليل، وهذا ما ينبغي للعالم سلوكه، أما أن يتعصب طالب العلم للمذهب، ولو كان الدليل خلافه؛ فهذا مسلك غير حميد، أو أن يتعجَّل بالترجيح دون اطلاع على آراء الأئمة والعلماء؛ فهذا هو الآخر مسلك غير حميد. وبهذا تعلم إثراء ابن سعدي للفقه الحنبلي، بل وللفقه المبني على الدليل والمؤيَّد بالتعليل. ومن أبرز كتب الشيخ ابن سعدي التي كان لها كبير الأثر على الفقه في الوقت الحاضر:

1ـ (المختارات الجلية من المسائل الفقهية):
وهي مختارات من المسائل الفقهية التي اختارها الشيخ السعدي لصحَّة دليلها، ولو كانت مخالفة لمذهب الإمام أحمد.

2ـ (المناظرات الفقهية):
وهي مسائل فقهية جرى في تأليفها على طريقة المناظرة بين شخصين:
أحدهما المستعين بلله، والثاني المتوكل على الله، ضمَّن هذه المناظرات عشرين مثالاً، كل مثال يحتوي على مسألة فقهية، يورد فيها على لسان المتناظرين الأدلة والمناقشة وأقوال أهل العلم، ثم ينتهي إلى الترجيح، وقد سلك هذه المسلك؛ تقريباً للأذهان، وتعويداً على المناقشة والاستدلال، وقد أثبتت التربية الحديثة أن هذا
الأسلوب من أفضل الأساليب في تعليم الناشئة.

3ـ (إرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب بطريق مرتب على السؤال والجواب):
وضع المؤلف رحمه الله مجموعة من الأسئلة الهامَّة، وأجاب عليها، وضمَّن الإجابة شيئاً من القواعد والضوابط التي تعين طالب العلم، وتجعله يجمع شتات المسائل المتفرقة التي يجمعها ضابط واحد أو قاعدة واحدة، وهكذا…

4ـ (الفتاوى السعدية):
مجموعة من الفتاوى والأجوبة التي كان الشيخ ابن سعدي يسأل عنها في حياته، جمعت بعد وفاته؛ ليتيسَّر الانتفاع بها. ورد في مقدمة الكتاب: (.. وبعد وفاته اطلعنا على فتاوى وكتابات وأسئلة وأجوبة كتبها بيده، ونعتقد أنها نافعة في بابها، وملائمة لوقتنا الحاضر…)([10]).

5ـ (منظومة في أحكام الفقه): مطلعها:
(الحَمْدُ للهِ الَّذِي قَدْ فَقَّهَا **** في دِينِهِ الأَبْرَارَ أَصْحَابَ النُّهى)

6ـ (الجهاد في سبيل الله):

7ـ (وجوب التعاون بين المسلمين وموضوع الجهاد الديني وبيان كليات من براهين الدين):

8ـ (منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين):

قال في مقدمته: (… فهذا كتاب مختصر في الفقه، جمعت فيه بين المسائل والدلائل؛ لأن العلم معرفة الحق بدليله…)([11]).

9ـ (حاشية على الفقه):
وهي استدراكات على كتب أصحاب الإمام أحمد، وقد ذكرها ابنه عبد الله، وأشار أنها لم تطبع.

10ـ (الجمع بين الإنصاف ونظم ابن عبد القوي):
وهذا الكتاب جمع فيه بين (نظم) ابن عبد القوي في الفقه وبين (الإنصاف) للمرداوي، وقد وصل فيه إلى كتاب الحج، ولم يطبع بعد.

11ـ (حكم شرب الدخان):
عرض فيه لهذا الداء العضال وبيَّن مضارَّه على الدين والعقل والعرض والمال، واستدل على حرمته من الكتاب والسنة والمعقول ، وقد شفى وكفى رحمه الله.
وبهذه المؤلفات الزاخرة يظهر أثر الشيخ الواضح على الفقه، وعنايته التامة فيه، بالإضافة إلى عشرات التلاميذ الذين انتشروا في مختلف المناطق والمدن؛ يعلمون الناس، ويرشدونهم، ويتولون أقضيتهم وشؤونهم الدينية.
يقول الشيخ العدوي: ( .. وطلاب الشيخ الذين علَّمهم في المسجد هم الذين تولوا التدريس في المدارس والمعاهد التي فتحتها الدولة في بلدانهم، فكان الشيخ يكتب بيده شهادة يقول فيها: إن فلاناً درس علوم كذا وكذا في كتب كذا وكذا، وهو يصلح لتدريس هذه المواد في المستوى الابتدائي أو الإعدادي أو الثانوي، وتأخذ الدولة بشهادات الشيخ التي أثبتت التجربة فيما بعد أنها معبِّرة عن الحقيقة أصدق تعبير…)([12]). وقد أكد رحمه الله على عنايته واهتمامه بالفقه في كثير من مقدمات كتبه الفقهية. من ذلك قوله في مقدمة المناظرات الفقهية: (… واعلم أن من أجلِّ العلوم وأفرضها وأعظمها نفعاً عليَّ الفقه، الذي هو معرفة الأحكام الشرعية الفروعية بأدلتها التفصيلية؛ لأنه مأخوذ عن كتاب الله وسنة رسول الله؛ نصّاً، أو ظاهراً، أو استنباطاً، أو تنبيهاً، أو قياساً، أو اعتباراً…)([13]).

المبحث السادس:

آثــــاره الأصوليــــــــــة

نظراً لاستفادة ابن سعدي من ابن تيمية وابن القيم كثيراً؛ فقد امتاز فقهه بأنه مؤصَّل، قلَّ أن يذكر حكماً شرعياً؛ إلا ويربطه بضابط أو قاعدة، ولذا امتزج عنده الفقه بالأصول، وربط الفروع بالقواعد، وهذا مسلك مقنع إلى حد كبير.
ومن آثار الشيخ الأصولية:

1ـ(رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة):
هذه الرسالة الصغيرة الحجم غزيرة الفائدة؛ عرَّف فيها المؤلف أصول الفقه، وبيَّن الأحكام الشرعية، وأوضح الأدلة التي يستمد منها الفقه، وهي:
الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، ثم ذكر مجموعة من القواعد التي تُبنى عليها الأحكام الشرعية. قال رحمه الله في مقدمة هذه الرسالة: (… أما بعد، فهذه رسالة لطيفة في أصول الفقه؛ سهلة الألفاظ، واضحة المعاني، معينة على تعلم الأحكام لكل متأمِّل معاني…)([14]).

2ـ (رسالة في القواعد الفقهية)(منظومة وشرحها):
قال في مقدمتها (… أما بعد؛ فإني وضعت لي ولإخواني منظومة مشتملة على أمهات قواعد الدين، وهي؛ وإن كانت قليلة الألفاظ؛ فهي كثيرة المعاني لمن تأمَّلها، ولكنها تحتاج إلى تعليق يوضحها ويكشف بعض معانيها، وأمثلتها تنبَّه اللبيب الفطن على ما وراء ذلك، فوضعت عليها هذا الشرح اللطيف؛ تيسيراً لفهمها…)([15]).
مطلع هذه الرسالة:
(الحمدُ لله العَلِيِّ الأرْفَقِ **** وجَامِعِ الأَشْياءِ والمُفَرِّقِ)
… إلى أن قال:
(وهذهِ قَواعِدُ نَظَمتُها **** مِنْ كُتْبِ أَهْل العِلْم قَدْ حَصَّلتُها)
ولابن سعدي مجموعة من الكتب، خصصها لجمع القواعد والأصول والضوابط التي تُبنى عليها الأحكام، لكنها لا تختص بأصول الفقه، ولعل من أوفاها وأغناها:

1ـ كتابه الجامع الفريد في بابه(طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول):
قال في مقدمته: (… وهي قواعد وأصول منَّوعة في أصول الدين وفي أصول الفقه والتفسير والحديث…)([16]).

2ـ وكتابه(القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة):
الذي ضمَّنه كثيراً من القواعد والضوابط التي يستعين بها طالب العلم على جمع المتَّفق وتفريق المختلف.

وقد قال الشيخ في مقدمة كتابه: (… أما بعد؛ فإن معرفة جوامع الأحكام وفوارقها من أهم العلوم وأكثرها فائدة وأعظمها نفعاً، لهذا جمعتُ في رسالتي هذه ما تيسَّر من جوامع الأحكام وأصولها، ومما تفترق فيه الأحكام لافتراق حكمها وعللها…)([17]).

المبحث السابع:

كتب الشيخ ابن سعدي ورسائله

اعتنى الشيخ ابن سعدي عناية فائقة بالتأليف، وكانت الكتابة سهلة عليه جداً، ولذا كتب معظم مؤلفاته بخط يده، وطبعها فور انتهائه منها، وقد ترك ثروة كبيرة من المؤلفات، تربو على أربعين مؤلَّفاً، في مختلف فنون الشريعة؛ في التفسير، وعلوم القرآن، والحديث، والعقائد، والفقه، وأصوله، والخطب، والفتاوى، والرسائل الصغيرة. وقد تميَّزت مؤلفاته تجمع بين الأصالة والمعاصرة، حيث كان يطبق النصوص على النوازل، وذلك يحتاج إلى ملكة قوية وموهبة فذة، وكان يصدر في أحكامه وفتاويه ورسائله عن اجتهاد في النظر، واستقلالية في الترجيح؛ إلا أنه قلَّما يخرج عن رأي الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
وسأذكر هنا مؤلفاته ورسائله مرتباً لها في ستة مطالب حسب موضوعاتها، فأذكر في المطلب الأول ما يتعلَّق بالقرآن وعلومه، وفي الثاني ما يتعلَّق بالحديث، وفي الثالث العقيدة، وفي الرابع الفقه وأصوله،وفي الخامس الخطب، وفي السادس اللغة العربية؛ معرفاً بكل منها تعريفاً موجزاً؛ مشيراً إلى ما لم يطبع منها؛ ناصاً على غرض المؤلف من تأليفها قدر المستطاع.

وإليك بيان مؤلَّفاته:

المطلب الأول: القرآن وعلومه

1ـ (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنَّان):
وهو تفسير عظيم، لا يستغني عنه طالب علم، لأنه سهل العبارة، يجمع بين بيان المعنى المقصود والغوص في أسرار التشريع بعيداً عن تعقيدات الألفاظ والإسهاب في بيان الأحكام. وقد أوضح ابن سعدي غرضه من تأليفه، فقال: (… وقد كثرت تفاسير الأئمة رحمهم الله لكتاب الله، فمن مطوَّل خارج في أكثر بحوثه عن المقصود، ومن مقتصر يقتصر على حل بعض الألفاظ اللغوية بقطع النظر عن المراد، وكان الذي ينبغي في ذلك أن يُجعَل المعنى هو المقصود واللفظ وسيلة إليه، فينظر في سياق الكلام وما سيق لأجله، ويقابل بينه وبين نظيره في موضع آخر، ويعرف أنه سيق لهداية الخلق كلهم، عالمهم وجاهلهم، حضريهم وبدويهم، فالنظر لسياق الآيات مع العلم بأحوال الرسول وسيرته مع أصحابه وأعدائه وقت نزوله من أعظم ما يُعين على معرفته وفهم المراد منه؛ خصوصاً إذا انضمَّ إلى ذلك معرفة علوم العربية على اختلاف أنواعها…).
(ولما منَّ الباري عليَّ وعلى إخواني بالاشتغال بكتابه العزيز؛ بحسب الحال اللائقة بنا، أحببت أن أرسم من تفسير كتاب ما تيسَّر وما منَّ الله به علينا؛ ليكون تذكرة للمصلحين، وآلة للمستبصرين، ومعونة للسالكين، ولأقيده خوف الضياع، ولم يكن قصدي في ذلك إلا أن يكون المعنى هو المقصود، ولم أشتغل في حل الألفاظ والعقود؛ للمعنى الذي ذكرت؛ لأن المفسرين قد كفوا من بعدهم، فجزاهم الله عن المسلمين خيراً…). وقد نبَّه رحمه الله على طريقته في (تفسيره)، فقال: (…اعلم أن طريقتي في هذا التفسير: أني أذكر عند كل آية ما يحضرني من معانيها، ولا أكتفي بذكري ما تعلق بالمواضع السابقة عن ذكر ما تعلق بالمواضع اللاحقة؛ لأن الله وصف هذا الكتاب أنه[مثاني] تثنى فيه الأخبار والقصص والأحكام وجميع المواضع النافعة؛ لحكم عظيمة، وأمر بتدبره جميعه؛ لما في ذلك من زيادة العلوم والمعارف، وصلاح الظاهر والباطن، وإصلاح الأمور كلها…)([18]).
وقد فرغ رحمه الله من تألفه في 7 شعبان 1354هـ .

2ـ (تيسير اللطيف المنَّان في خلاصة تفسير القرآن):
وهذا الكتاب خلاصة للتفسير المتقدم، ألَّفه بعد تفسيره بأربع عشرة سنة.
وقد أوضح سبب تألفه في مقدمته، فقال: (.. أما بعد؛ فقد كنتُ كتبت كتاباً في تفسير القرآن مبسوطاً مطولاً؛ يمنع القراء من الاستمرار بقراءته، ويفتر العزم عن نشره، فأشار عليَّ بعض العارفين الناصحين أن أكتب كتاباً غير مطَّول؛ يحتوي على خلاصة ذلك التفسير، ونقصر فيه على الكلام على بعض الآيات التي نختارها وننتقيها من جميع مواضع علوم القرآن ومقاصده، فاستعنت الله على العمل على هذا الرأي الميمون؛ لأمور كثيرة:
ـ منها: أنه بذلك يكون متيسراً على المشغلين معيناً للقارئين.
ـ ومنها: أن القرآن العظيم ليس كغيره من الكتب في الترتيب والتبويب، لأنه بلغ في البلاغة نهايتها، وفي الحسن غايته، وفي الأسلوب البديع والتأثير العجيب ما هو أكبر الأدلة على أنه كلام الله وتنزيل من حكيم حميد، فتجده في آية واحدة يجمع بين الوسائل والمقاصد، وبين الدليل والمدلول، وبين الترغيب، وبين العلوم الأصولية والفروعية، وبين العلوم الدينية والدنيوية والأخروية، وبين الأغراض المتعدِّدة والمقاصد النافعة، ويعيد المعاني النافعة على العباد؛ ليتم علمهم، وتكمل هدايتهم، ويستقيم سيرهم على الصراط المستقيم؛ علماً وعملاً…)([19]).
وقد فرغ من هذا الكتاب في 3 شوال 1368هـ.

3ـ (القواعد الحسان لتفسير القرآن):
ضمنه الشيخ ابن سعدي سبعين قاعدة جليلة؛ تعين على فهم كتاب الله، قلَّ أن توجد في أمهات التفسير؛ فضلاً عمَّا سواها، وقد اجتهد الشيخ في تحريرها وتنسيقها وعرضها؛ لتكون عوناًَ لقارئ القرآن على فهمه.
يقول في مقدمة كتابه: (… أما بعد، فهذه؛ أصول وقواعد في تفسير القرآن الكريم، جليلة المقدار، عظيمة النفع، تعين قارئها ومتأملها على فهم كلام الله والاهتداء به، ومخبرها أجل من وصفها؛ فإنها تفتح للعبد من طرق التفسير ومنهاج الفهم عن الله ما يغني عن كثير من التفاسير الخالية من هذه البحوث النافعة…)([20]).
وقد فرغ المؤلف من تأليفها في 6 شوال 1365هـ.

4ـ (المواهب الربانية من الآيات القرآنية):
رسالة صغيرة، سجل فيها الشيخ ابن سعدي ما فتح الله به عليه أثناء قراءته لكتاب الله في شهر رمضان من عام 1347هـ.
يقول الشيخ في مقدمتها: (… هذه فوائد فتح الله عليَّ بها في هذا الشهر المبارك، نسأله المزيد من كرمه…).
ويقول في آخرها: (…فإن جنس هذه الفوائد المذكورة في هذه الرسالة قد كانت تعرض لي كثيراً أثناء القراءة لكتاب الله، فأتهاون بها، ولم أقيدها، فيضيع شيء كثير، فلما كان أول يوم من هذا الشهر المبارك؛ أوقع في قلبي أن أقيِّد ما يمر عليَّ من الفوائد والمعاني المتَّضحة التي لا أعلم أنها وقعت لي قبل ذلك، فعلمت على هذا المنط…)([21]). وقد فرغ المؤلف رحمه الله في 28 رمضان 1347هـ.

5ـ (فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه السلام):
رسالة لطيفة، استنبط فيها المؤلف رحمه الله جملة من الفوائد؛ امتثالاً لقول الحق سبحانه: [ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ]([22]).
يقول ابن سعدي في مقدمتها: (.. أما بعد؛ فهذه فوائد مستنبطة من قصة يوسفصلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين؛ فإن الله تعالى قصَّها علينا مبسوطة، وقال في آخر: [ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ] ([23])،
والعبرة ما يُعتَبَرُ به ويُعبر منه إلى معان وأحكام نافعة وتوجيهات إلى الخيرات وتحذير من الهلكات، وقصص الأنبياء كلها كذلك، ولكن هذه القصة خصَّها الله بقوله: [لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ]([24])؛ ففيها آيات وعبر منوعة لكل من يسأل ويريد الهدى والرشاد…)([25]).
وقد فرغ منها المؤلف رحمه الله في شهر صفر من عام 1375هـ.

6ـ (الدلائل القرآنية في أن العلوم النافعة العصرية داخلة في الدين الإسلامي):
رسالة لطيفة صغيرة، بيَّن فيها المؤلف رحمه الله أن الدين الإسلامي وعلومه ومعارفه جمعت كل خير، وأن العلوم العصرية النافعة داخلة في ضمن علوم الدين. يقول ابن سعدي في مقدمتها: (… أما بعد، فهذه رسالة تتضمَّن البراهين القواطع الدالَّة على أن الدين الإسلامي وعلومه وأعماله وتوجيهاته جمعت كل خير ورحمة وهداية وصلاح وإصلاح مطلق لجميع الأحوال، وأن العلوم الكونية والفنون العصرية الصحيحة النافعة داخلة في ضمن علوم الدين وأعماله، ليست منافية لها… وبيان أن الفنون العصرية إذا لم تبن على الدين وتربط به، فضررها أكثر من نفعها، وشرها أكبر من خيرها…).
وجاء في آخرها: (… من كمال الدين الإسلامي صلاحه لكل زمان ومكان… ومن كماله أنه صالح لكل زمان ومكان وحال لجميع المشاكل الاجتماعية والشخصية، ومن كماله أن جميع الحقائق العقلية والحسيَّة والتجارب الصادقة كلها داخلة فيه وفي ضمنه، ومن كماله أن النظريات المتباينة والاختلافات المتضادة يبين صحيحها من سقيمها، وصالحها من فاسدها، وعدلها من ظلمها، وحقها من باطلها…)([26]).
وقد فرغ منها المؤلف رحمه الله في العاشر من محرم سنة 1375هـ، ويلاحظ أنها من آخر كتبه، حيث سبق تأليف هذه الرسالة وفاته بسنة وأشهر فقط، فرحمه الله، وأسكنه فسيح جنانه.

المطلب الثاني: الحديث

لم أقف له إلا على كتاب واحد في الحديث، وإن كانت له دروس كثيرة في الحديث، علَّق فيها على(بلوغ المرام) وغيره من كتب الحديث، وكتابه في الحديث:

7ـ (بهجة قلوب الأبرار وقرَّة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار):
وهو مجلَّد لطيف، اشتمل على شرح تسع وتسعين حديثاً من الأحاديث النبويَّة الجوامع في أصناف العلوم والمواضيع النافعة والعقائد الصحيحة والأخلاق الكريمة والفقه والآداب والإصلاحات الشاملة والفوائد العامة.

قال المؤلف رحمه الله في مقدمته: (… وقد بدا لي أن أذكر جملة صالحة من أحاديث الجوامع في المواضيع الكلَّية والجوامع في جنس أو نوع أو باب من أبواب العلم مع التكلم على مقاصدها وما تدل عليه على وجه يحصل به الإيضاح والبيان مع الاختصار، إذ المقام لا يقتضي البسط…)([27]).
وقد فرغ المؤلف من تأليف هذا الكتاب في 10 شعبان 1371هـ.

المطلب الثالث : العقيدة والآداب والمواعظ

8ـ (طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول):
هذا الكتاب من أنفس كتب الشيخ ابن سعدي، حيث اعتنى فيه، وجمع جملة كبيرة من القواعد والضوابط والأصول التي تُبنى عليها الأحكام، ويحتاج إليها طالب العلم؛ ليجمع من خلالها بين المتفق ويفرق بين المختلف، وقد انتقاها ابن سعدي من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. يقول في مقدمة هذا الكتاب: (… أما بعد، فإنه لما كانت كتب الإمام الكبير شيخ الإسلام والمسلمين تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية قدس الله روحه جمعت فأوعت … وقد يسر الله الوقوف على كتبه الموجودة، فتتَّبعت ما وجدته في كتب هذا الإمام من الأصول والقواعد والضوابط النافعة، وأثبتها في هذا المجموع…).
وقال في موضع آخر: (… ولما كان شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية قد سلك مسلك شيخه المذكور بالتحقيق للعلوم الأصولية والفروعية والظاهرية والباطنة، وكان أعظم من انتفع بشيخ الإسلام وأقومهم بعلومه وأوسعهم في العلوم العقلية والنقلية؛ أحببت أن أنقل من كتبه من الأصول والقواعد والضوابط والفوائد الجليلة، وأتبعها لهذا الكتاب …)([28]).
وقال في آخره: (… وقد فاقت ولله الحمد على الألف؛ ما بين أصل وقاعدة، وضابط جامع، وتعريف مهم، وفائدة ضرورية، وترغيب من كمال، وتحذير من نقص، وتوجيه إلى المنافع الظاهرة والباطنة، وترهيب من المضار الدينية والدنيوية، ومَخبرُه يغني عن وصفه. وجملة ذلك أن هذا المجموع قد انتقيته بعد التروَّي الكثير، وكثرة التأمل والتفكير، من جميع الكتب الموجودة من كتب الشيخين، فتضمن صفوتها، واحتوى على جواهرها وغررها، والحمد لله، والفضل لله…)([29]). وقد بلغت هذه الضوابط والقواعد 1015، انتقاها من أكثر من ستين كتاباً من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وقد فرغ من اختيارها وجمعها في 17 شعبان 1370هـ.

9ـ (القول السديد في مقاصد التوحيد):
رسالة مختصرة، علَّق فيها ابن سعدي على كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ركز فيها على ذكر مناسبة الأبواب للترجمة، وقد طبع المختصر بحاشية كتاب التوحيد. وقد بدأه ابن سعدي بمقدمة تشمل على صفوة معتقد أهل السنة والجماعة، وخلاصتها المستمدة من الكتاب والسنة، جاء فيها: (… أنهم يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فيشهدون أن الله هو الرب الإله المعبود المتفرد بكل كمال، فيعبدونه وحده؛ مخلصين له الدين…). وقال في آخر: (… وهذا آخر التعليق المختصر على كتاب التوحيد، وتوضيح مقاصده، وقد حوى من غرر مسائل التوحيد ومن التقاسيم والتفصيلات النافعة ما لا يستغني عنه الراغبون في هذا الفن الذي هو أصل الأصول وبه تقوم العلوم كلها)([30]).

10ـ (الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة): هذا الكتاب وافق اسمه مسمَّاه، ولفظه طابق معناه، حيث تنقَّل المؤلف بالقارئ من بستان على بستان، وأخذ يقطف أنواع الثمار عبر اثنين وثلاثين فصلاً عقدها في آداب وأخلاق ومعاملات وسلوك. جاء في مقدمة هذا الكتاب: (… أما بعد، فهذه كلمات طيبات نافعات، ومقالات متنوعة في المهم من أصول الدين وأخلاقه وآدابه، وهاك فصولاً منشورة في مواضيع متعددة نافعة…)([31]).
وجاء في آخرها: (… تم والحمد لله رب العالمين بخط عبد الله بن سليمان العبد الله السلمان، نقله من خط مؤلفه في 20 رجب 1370هـ…)([32]).

11ـ (الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين):
نازل فيه العلامة ابن سعدي جميع طوائف الملحدين، وتحداهم، وأبطل أصولهم، وفنَّد مآخذهم، وهدم قواعدهم، وزلزل بنيانهم، وبيَّن مخالفتهم للعقل والفطرة والحكمة كما خالفوا جميع الأديان الصحيحة، وقد ذكر في ثلاثة وثمانين وجاً.
قال في مقدمته: (… وقد بيَّن الناس على اختلاف نحلهم بطلان أصولهم ـ الملحدين ـ، وأن أهلها قد خالفوا جميع الرسل وجميع العقلاء، ومن أبلغ من تكلَّم عليها وأبطلها شرعاً وعقلاً شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فإنه بين عدَّة وجوه في فسادها وبطلانها، كل وجه منها كاف في إبطالها، فكيف إذا اجتمعت؟ ! فنقل كلامه عليها، ثم نتمِّم ذلك بما يسَّره الله…)([33]). وقد فرغ من تأليفها في 14 رجب 1372هـ.

12ـ (تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله):
رسالة صغيرة، ردَّ فيها العلامة ابن سعدي على المنتكس عبد الله بن علي القصيمي، الذي ألحد في آخر حياته، وارتكس في الكفر والإلحاد، فأصبح يعادي الإسلام، ويكيد له، ويتَّهمه بالرجعية والجمود، ويصف شرائعه وتعاليمه وفرائضه بالأغلال والقيود، وسمَّى كتابه الشنيع الذي كشف فيه عن كفره وزيفه وضلاله (هذي هي الأغلال)، وقد خدم أعداء الملة خدمة عظيمة، إذ لم يتجرأ أحد من الكفار أن يقول ما قاله القصيمي، حيث دعا إلى الإلحاد وإنكار وجود الله والسخرية من الرسل والرسالات والاستهزاء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلماء الإسلام، وأنكر أشياء معلومة من الدين بالضرورة، وأوغل في الزيغ والضلال، نسأل الله السلامة والعافية، وقد تصدَّى له السعدي، وفنَّد مزاعمه، وردَّ كيده وضلاله، ودافع عن الدين وأهله دفاعاً صادقاً.
قال في مقدمة رسالته: (… أما بعد، فإني قد وقفت على كتاب صنَّفه عبد الله بن علي القصيمي، سماه (هذي هي الأغلال)؛ فإذا هو محتو على نبذ الدين والدعاية إلى نبذ والانحلال عنه من كل وجه، وكان هذا الرجل قبل كتابته وإظهاره لهذا الكتاب معروفاً بالعلم والانحياز لمذهب السلف الصالح … ولكن لما كتب هذا الكتاب وطبعه ونشره بين الناس وجعله دعاية بليغة لنبذ دين الإسلام بله غيره من الديانات والمبادئ الخلقية، فكان هذا أكبر عداء ومهاجمة للدين؛ وجب على كل من عنده علم أن يبين ما يحتوي عليه كتابه من العظائم؛ خشية اغترار من ليس له بصيرة بكلامه، حيث كان معروفاً قبل ذلك من علماء المسلمين…)([34]).
وقد فرغ منه مؤلفه في 3 ربيع الآخر 1366هـ.

13ـ (الدرة المختصرة في محاسن دين الإسلام):
رسالة مختصرة ذكر فيها طرفاً من محاسن الدين الإسلامي ومزاياه، وقد ذكر فيها واحداً وعشرين مثلاً تنبأ عن محاسن الشريعة الإسلامية ومزاياها.
جاء في مقدمة الرسالة قوله: (… وغرضي من هذا التعليق إبداء ما وصل إليه علمي من بيان أصول محاسن هذا الدين العظيم…) (… وفي معرفة هذا العلم فوائد متعددة:
ـ منها أن الاشتغال في هذا الموضوع الذي هو أشرف المواضيع وأجلها من أفضل الأعمال الصالحة…
ـ ومنها: أن معرفة النعم والتحدث بها قد أمر الله به ورسوله، وهو من أكبر الأعمال الصالحة…
ـ ومنها أن الناس يتفاوتون في الإيمان وكماله تفاوتاً عظيماً، وكلما كان العبد أعرف بهذا الدين وأشد تعظيماً له وسروراً به وابتهاجاً؛ كان أكمل إيماناً وأصح يقيناً…
ـ ومنها: أن من أكبر الدعوة إلى دين الإسلام شرح ما احتوى عليه من المحاسن التي يقبلها ويتقبلها كل صاحب عقل وفطرة سليمة… واعلم أن محاسن الدين الإسلامي عامَّة في جميع مسائله ودلائله، وفي أصوله وفروعه، وفيما دلَّ عليه من علوم الشرع والأحكام، وما دلَّ عليه من علوم الكون والاجتماع…)([35]). وقد فرغ من تأليفها في غرة جمادى الأولى سنة 1364هـ.

14ـ (الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية): هذا الكتاب اختصار لشرح موسع لتوحيد الأنبياء والمرسلين الذي أفاض في العلامة ابن القيم في (نونيته) الرائعة، رأى ابن سعدي رحمه الله أن يختصر شرحه الموسع؛ ليكون ذلك أدعى لقراءته والانتفاع به.
وقد وضح ذلك في مقدمة هذا المختصر، فقال: (… أما بعد؛ فقد كنت وضعت شرحاً على توحيد الأنبياء والمرسلين من (الكافية الشافية)للمحقق شمس الدين ابن القيم رحمه الله، أطلت فيه، وأكثرت فيه من النقول عن كتب المؤلف، فبدا لي أن ألخصه بشرح متوسط، يأتي بأغراضه ومقاصده، ويحتوي على المهم من مسائله وفوائده…)([36]). فرغ منه مؤلفه في 3 ربيع الآخر1367هـ.

15ـ (التوضيح والبيان لشجرة الإيمان):
بيَّن فيه أن شجرة الإيمان أبرك الأشجار وأنفعها وأدومها، وأن عروقها وأصولها وقواعدها الإيمان وعلومه ومعارفه، وساقها وأفنانها شرائع الإسلام والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة المؤيدة والمقرونة بالإخلاص لله والمتابعة لرسول الله “، وأن ثمارها وجناها الدائم المستمر السَّمت الحسن والهدي الصالح والخلق الحسن واللهج بذكر الله وشكره والثناء عليه والنفع لعباد الله.
قال المؤلف في مقدمة هذه الرسالة معرفاً بها: (… أما بعد؛ فهذا الكتاب يحتوي على مباحث الإيمان التي هي أهم مباحث الدين وأعظم أصول الحق واليقين، مستمداً ذلك من كتاب الله الكريم الكفيل بتحقيق هذه الأصول تحقيقاً لا مزيد عليه، ومن سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم التي توافق الكتاب وتفسره وتعبر عن كثير من مجملاته وتفصل كثيراً من مطلقاته؛ مبتدئاً بتفسيره؛ مثنياً بذكر أصوله ومقوماته ومن أي شيء يستمد؛ مثلثاً بفوائده وثمراته وما يتبع هذه الأصول …)([37])
.
16ـ (توضيح الكافية الشافية):
أوضح في ابن سعدي (نونية ابن القيم)، وشرحها ضافياً لا تعقيد فيه ولا التواء، فقربها للراغبين بعبارة سهلة ميسرة. قال في مقدمة هذا الكتاب النفيس: (… أما بعد؛ فهذا توضيح لمعاني (الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية) لشمس الدين ابن القيم قدس الله روحه؛ لكون هذا الكتاب عديم النظير في استيفائه لأصول الدين والرد على الجهمية والمعطلة والملحدين بالنقول الصحيحة والأصول السلفية والقواعد والعقول الصريحة، وفيه من الفوائد الفرائد وما تصح وتكمل به العقائد ما لا يوجد في كتاب سواه، ولما كان النظم بعيد المنال، ودلالته على المعنى المراد يكثر فيها الاشتباه والإشكال؛ أحببت أن أقربه للقارئين؛ بحله إلى معناه المنثور فقط…) ([38]). وقد فرغ منه مؤلفه في 10 جمادى الآخرة 1367هـ.

17ـ (الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية):
(المنظومة التائية في القدر) لشيخ الإسلام ابن تيمية رسالة لطيفة، فيها من التحقيق والتدقيق والغوص في بعض القضايا العقدية الكبيرة الشيء الكثير، وقد نظمها ابن تيمية جواباً لسؤال أورده عليه من قال: إنه ذمي؛ ليشبه على المسلمين، وليشككهم في أصول الدين. ولما رأى ابن سعدي الحاجة ماسَّة إلى شرحها، وكثر عليه طلب محِّبيه وطلابه أن يتولى شرحها؛ أجابهم لطلبهم.
يقول في مقدمة هذه الرسالة: (…أما بعد؛ فقد طلب مني بعض الإخوان أن أشرح المنظومة التائية في القدر لشيخ الإسلام والمسلمين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية؛ لما فيها من التحقيق العظيم في مسألة القضاء والقدر، ولمتانتها، وصعوبة فهمهما، واحتياجها إلى شرح متوسط يوضحها ويكشف عن معانيها، ولكون المقام الموضوع مقاماً مهماً جداً، الحاجة ـ بل الضرورة ـ داعية إلى علمه والتحقيق به معرفة واعتقاداً … لذلك أجبت السائل لما طلبه …)([39]).
وقد أتمها مؤلفها في 30 ربيع الثاني 1376هـ، ويلاحظ أنها قبيل وفاته بأقل من شهرين، فهي من آخر مؤلفاته رحمه الله.

18ـ (سؤال وجواب في أهم المهمات):
رسالة لطيفة، ضمنها المؤلف اثنين وعشرين سؤالاً مهماً في أمر العقيدة، وأجاب عليها؛ تقريباً لذهن القارئ، وتيسيراً عليه، وتتميماً لحصول الفائدة منها.
قال في مقدمتها: (… أما بعد؛ فهذه رسالة مختصرة، احتوت على أهم المهمات من أمور الدين وأصول الإيمان، تدعو الحاجة والضرورة إلى معرفتها، جعلتها على وجه السؤال والجواب؛ لأنه أقرب على الفهم والتفهيم، وأوضح في التعلم والتعليم …)([40]).

19ـ (انتصار الحق )(محاورة دينية اجتماعية):
رسالة صغيرة، وهي صورة محاورة بين رجلين كانا متصاحبين رفيقين مسلمين يدينان بالدين الحق ويشتغلان في طلب العلم جميعاً، فغاب أحدهما عن صاحبه مدة طويلة، ثم التقيا، فإذا هذا الغائب قد تغيرت أحواله، وتبدلت أخلاقه، فسأله صاحبه عن ذلك، فإذا هو قد تغلب عليه دعاية الملحدين الذين يدعون لنبذ الدين ورفض ما جاء به المرسلون… ثم دارت بينهما المحاورة، واستطاع الناصح إقناع صاحبه، فأعاده إلى رشده، وأخذ بيده بعد الضياع والبعد عن الله.
وكانت هذه الرسالة في بدايتها عبارة عن مقالات نشرت في (مجلة المنهل) عام 1367هـ. وهذا اللون من الكتابة يوضح بجلاء قدرة العلامة ابن سعدي على إقناع القارئ والوصول إلى قلبه وعقله بأقصر الطرق وأيسر السبل.

20ـ (الدين الصحيح يحل جميع المشاكل):
رسالة لطيفة، بين فيها المؤلف رحمه الله أن الدين الإسلامي أوجد الحلول الجذرية لكل ماجد وما يوجد في المجتمع من المشاكل والمصاعب، وأن كل ما يحار الناس في حكمه؛ عليهم أن يفيئوا إلى الإسلام؛ ليجدوا فيه الحل الشافي الكافي.
يقول في مقدمتها: (… أما؛ فهذه كلمات تتعلق بموضوع الدين الإسلامي، وأنه يهدي للتي هي أقوام وأصلح، ويرشد العباد في عقائده وأخلاقه ومعاملاته وتوجيهاته وتأسيساته إلى ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم…
لهذا؛ ينبغي أن نذكر بعض مشاكل الحياة المهمة؛ كمثل مشكلة الدين، ومشكلة العلم، والغنى والفقر، والصحة والمرض، والحرب والسلم، والاجتماع والافتراق، والمحاب والمكاره، وغير ذلك مما اختلف فيها أنظار كالناس وتوجيهاتهم، وما سلكه الدين الإسلامي فيها من المسالك الصالحة السديدة، وما أولاه نحوها من المنافع التي لا تعد ولا تحصى…)([41]). وقد فرغ منها المؤلف في الخامس من ربيع الآخر من عام 1375هـ.

21ـ (فتح الرب الحميد في أصول العقائد والتوحيد):
لم أعثر عليه مطبوعاً، وقد أشار له بعض من ترجموا للشيخ ابن سعدي، وذكر ابنه عبد الله أن الكتاب لم يطبع([42]).

22ـ(مجموعة الفوائد واقتناص الأوابد):
ذكره ابنه عبد الله في ترجمته لأبيه، وأشار إلى أنه لم يطبع([43]).

23ـ(التنبيهات اللطيفة احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة):
رسالة صغيرة الحجم، عظيمة القدر، علق فيها المؤلف رحمه الله تعليقاً مختصراً مفيداً على العقيدة الواسطة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
جاء في مقدمة الرسالة: (… أما بعد؛ فهذا تعليق لطيف على عقيدة شيخ الإسلام ابن تيمية المسماة بـ(الواسطية)، التي جمعت ـ على اختصارها ووضوحها ـ جميع ما يجب اعتقاده من أصول الإيمان وعقائده الصحيحة، وهي، وإن كانت واضحة المعاني، محكمة المباني، تحتاج إلى تعليق يزيد في توضيح بعض ما فيها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وتبيين وجه دلالتها على المقصود، وبيان وجه ارتباط بعض المسائل ببعض، وجمع ما يحتاج إلى جمعه في موضع واحد، والإشارة إلى بعض آثارها وفوائدها في القلوب والأخلاق، والتنبيه لكل ما يحتاج إلى التنبيه عليه…)([44]). وفرغ من تأليفها في الثامن من جمادى الأولى من عام 1369هـ.

24ـ (الوسائل المفيدة للحياة السعيدة):
رسالة صغيرة، ذكر فيها المؤلف الأسباب العامة والخاصة للحياة الكريمة الهادئة المطمئنة، ولقد أبدع رحمه الله، وكتب بعقل العالم وقلم المفكر. جاء في مقدمتها: (… أما بعد؛ فإن راحة القلب وطمأنينته وسروره وزوال همومه وغمومه هو المطلب لكل أحد، وبه تحصل الحياة الطبية ويتم السرور والابتهاج، لذلك أسباب دينية وأسباب طبيعية وأسباب عملية، ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين… ولكني سأذكر برسالتي هذه ما يحضرني من الأسباب لهذا المطلب الأعلى الذي يسعى له كل أحد…) ([45]).

25ـ (منظومة في السير إلى الله والدار الآخرة):
هذه المنظومة تبلغ ثمانية عشر بيتاً، نظمها في الحث على الاستقامة والإقبال على اله والاستعداد للآخرة، ثم علق عليها تعليقاً موجزاً مفيداً. قال في مقدمته: (.. هذا تعليق لطيف على منظومتي في السير إلى الله والدار الآخرة؛ يحل معانيها، ويوضح مبانيها …)([46]). ومطلع منظومته قوله:
(سعد الذين تجنَّبوا سُبُل الرَّدَى **** وتَيَمَّمُوا لِمنازِلَ الرُّضْوانِ)

26ـ (رسالة عن يأجوج ومأجوج):
رسالة صغيرة، ذكر فيها حال يأجوج ومأجوج، وذكر أنهم موجودون الآن. جاء في مقدمتها: (… اعلم أن من تأمل ما ذكره الله في كتابه عن يأجوج ومأجوج، وما ثبت بسنة النبي صلى الله عليه وسلم عنهم، وما اشتمل عليه الوحي من صفاتهم، وعلم ما ذكره المؤرخون في قصة ذي القرنين، وعرف الواقع والمحسوس، وما على وجه الأرض من أصناف بني آدم، فمن عرف ذلك؛ تيقن يقيناً لا شك فيه أنهم هم الأمم الذين كانوا وراء البحار؛ كالترك، واليونان، ودول البلقان، والفرنسيين، والألمان، والطليان، والروس، واليابان، والأسبان، ومن تبعهم من أنواع الأمم، والأمريكان، وتوابعهم…). والرسالة في اثنين وثلاثين صفحة، وخطها جميل، وهي مخطوطة فرغ المؤلف منها في التاسع من شهر ذي القعدة عام 1362هـ([47]).

المطلب الرابع: الفقه وأصوله

27ـ (المختارات الجلية في المسائل الفقهية):
هذا أحد الكتب التي تعبر عن اجتهاد وترجيح الشيخ السعدي، حيث رغَّب إليه بعض محبيه أن يضع استدراكاً على كتب الأصحاب الحنابلة، لكنه لم يتيسر له الوقت الكافي، فرأى أن يضع مختصراً بمثابة الاستدراك على أحد الكتب، وهو (الروض المربع شرح زاد المستنقع في اختصار المقنع)؛ لأنه رأى أنه أكثر كتب الأصحاب انتشاراً، وهو المتداول بين طلاب العلم. لكن المتأمل لهذه الاجتهادات والترجيحات؛ يرى أن ابن سعدي رحمه الله وافق فيها كثيراً ابن تيمية وابن القيم، وقلما ينفرد بترجيح مستقل. يقول في مقدمة هذا الكتاب: (… أما بعد؛ فإنه قد تكرر السؤال من بعض الأصحاب على وضع كتاب في فقه أصحابنا من الحنابلة على وجه يتضح به ما نختاره ونصححه من المسائل الفقهية ونشير إلى شيء من مآخذها وأدلتها، فلم تمكني فرصة لأداء هذا الطلب … ويوجد في كثير من الأبواب بعض مسائل قد يكون الراجح غيرها، وقد تكرر مرورها أو مرور بعضها في المباحثة والتعلم والتعليم، فكان من المصلحة المهمة جداً تقييد مثل هذه المسائل؛ فلذلك أحببت تقييد ما تيسَّر منها، ورأيت (شرح مختصر المقنع) للشيخ منصور البهوتي أكثرها استعمالاً وأنفعها للطلبة في هذه الأوقات، فأحببت أن أجعل هذا التعليق كالاستدراك عليه والتنبيه على ما ذكره خصوصاً، ليكون تنبيهاً على غيره من كتب الأصحاب عموماً…)([48]). وقد فرغ المؤلف من تأليفه في 3 صفر 1355هـ.

28ـ (المناظرات الفقهية):
هذا نوع فريد من التأليف، أبدع فيه ابن سعدي، وهذا يؤكد منهجه المتميز في التعليم، حيث سلك طرقاً شتى لإيصال المعلومات إلى طلابه، وقد وفق إلى حد كبير، وقد اختار في هذا الكتاب مجموعة من المسائل الهامة التي كثر فيها الخلاف، فعرضها على شكل مناظرة بين اثنين، سمى أحدهما المتوكل على الله، والثاني المستعين بالله، ثم يدور الحوار بينهما، ويتم الاستدلال والمناقشة، حتى ينتهي إلى ترجيح أحد الرأيين؛ لقوة مأخذه. يقول في مقدمة هذا الكتاب: (…لهذا؛ أحببت أن أضع في هذا التعليق عدة مسائل من مسائل الفقه المختلف فيها بين العلماء مما اشتهر به الخلاف، وكان الخلاف فيها له أهمية، وأجعلها على صورة مناظرة بين مستعين بالله ومتوكل على الله ؛ لان في جعلها على هذه الصورة فوائد كثيرة:

ـ منها: تيسير مأخذ القولين ووجودهما في محل واحد، وذلك من مقربات العلم.
ـ ومنها: التمرن على المناظرة والمباحثة التي هي من أكبر الوسائل لإدراك العلم وثبوته وتنوعه.
ـ ومنها: التمرن على الاستدلال والرجوع إلى أصول المسائل، ليصير للعبد ملكة تامة يحسن معها الاستدلال والمناظرة والنظر.
ـ ومنها: أن يعود الإنسان نفسه سرعة قبول الحق إذا اتضح له صوابه وبان له رجحانه.
ـ ومنها: أن يعلم أن الخلاف في مثل هذه المسائل بين أهل العلم لا يوجب القدح والعيب والذم…)([49]). وقد فرغ المؤلف من تأليفه في 8 جمادى الآخرة 1364هـ.

29ـ (الفتاوى السعدية):
مجموعة من الفتاوى والكتابات وإجابات لأسئلة كثيرة جمعت في مجلد بهذا الاسم، ومن تصفحها؛ لمس مكانة الشيخ العلمية وعبقريَّته الفذَّة وقدرته على تطبيق النصوص على النوازل، وذلك يتضح جلياً في فتاواه في بعض المستجدات والحوادث، وهذا ما يميز العلماء عن بعضهم. جاء في مقدمة الكتاب: (… وبعد وفاته اطلعنا على فتاوى وكتابات وأسئلة وأجوبة كتبها بيده، ونعتقد أنها نافعة في بابها، وملائمة لوقتنا الحاضر، ولكثرة المتشوقين من إخواننا إلى مراجعتها والانتفاع بها؛ قيدناها مرتبة على حسب عادة مصنفي فقهائنا الحنابلة رحمهم الله، ولم نعتمد في كتاباتنا هذه من فتاواه إلا ما رأيناه بخط يده، ليكون ذلك أوثق وأبلغ طمأنينة …)([50]). لقد كان الشيخ ابن سعدي يجيب سائليه مشافهة وكتابة، حيث كانت الأسئلة ترد إليه من داخل المملكة وخارجها، وهو يجيب عليها حسب ما يقتضيه الحال والسؤال، وقد أشار إلى ذلك بعض طلابه في ترجمتهم له كما مر معنا([51]).

30ـ (إرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطريق وأيسر الأسباب بطريق مرتب على السؤال والجواب): هذا الكتاب سلك فيه ابن سعدي طريقة من الطرق العلمية في إيصال المعلومات إلى ذهن القارئ، ذلك أنه وضع أسئلة كثيرة، وتولى بنفسه الإجابة عليها؛ شحذاً لهمة القارئ، وتيسيراً عليه، وحرصاً على إيصال المعلومات له بأقصر الطرق. يقول في مقدمة هذا الكتاب: (… أما بعد؛ فهذا تصنيف بديع المأخذ، سهل المنزع، يمهِّد لطالب العلم من طرق التعلم والتعليم وحصول الفهم والتفهيم ما يوصله إلى خير كثير وعلم غزير؛ لأني اجتهدت في تحرير أسئلة جوامع لمهمات مسائل الدين، تاركاً ما لا تدعوا الحاجة إليه غالباً؛ معمماً للسؤال أو مطبقاً له؛ ليكون جوابه يحتوي على تفصيلات وتقسيمات؛ تقرب أشتات المسائل، وتضم متفرقاتها، وتنوع أحكامها، وتفاوت بين أقسامها؛ بحسب تباين أسبابها وعللها…)([52]). وقد فرغ منه مؤلفه في 17 رمضان 1358هـ.

31ـ (حكم شرب الدخان):
رسالة لطيفة، ذكر فيها حرمة الدخان شرباً وبيعاً وشراء وإعانة على ذلك. يقول في مقدمتها: (…أما الدخان؛ شربه والاتجار به والإعانة على ذلك؛ فهو حرام، لا يحل لمسلم تعاطيه شرباًَ واستعمالاً واتجاراً …وذلك أنه داخل في عموم النصوص الدالة على التحريم، داخل في لفظها العام وفي معناها، وذلك لمضِّاره الدينيَّة والبدنيَّة والماليَّة، التي يكفي بعضها في الحكم بتحريمه؛ فكيف إذا اجتمعت ؟!…)([53]). وقد فرغ منها المؤلف في شهر ربيع الأول من عام 1376هـ، ويلاحظ أنها من آخر مؤلفاته، حيث توفي بعد هذا التاريخ بثلاثة أشهر تقريباً.

32ـ (الجهاد في سبيل الله):
رسالة لطيفة، تحث على الألفة والتعاون بين أفراد المسلمين وحكوماتهم؛ كما تحث على الإعداد والجهاد لمنازلة الأعداء. جاء في تقديم هذه الرسالة: (… أيها القارئ ! بين هذه الرسالة النيرة التي تدعو إلى الوحدة الإسلامية بين حكومات المسلمين وأفرادهم، وتخطط لهم المخططات التي توصلهم إلى ساحل النجاة والسعادة…)([54]). وهي رسالة غير مؤرخة، وجدها أبناء الشيخ ابن سعدي بعد وفاته ضمن أوراقه يقول في مقدماتها …(…وقد أوجب الله على المؤمنين الجهاد في سبيله والاعتصام بدينه الذي هو حبله، والدعوة إلى ذلك، والألفة، والاجتماع، والتعاون على الخير والبر والتقوى، والاستعانة بالله في جميع أمورهم…).

33ـ (وجوه التعاون بين المسلمين وموضوع الجهاد الديني وبيان كليات من براهين الدين): وهذه الرسالة قريبة في عنوانها ومحتواها من الرسالة السابقة، ولكنها في الواقع مختلفة عنها، حيث ضمنها مجموعة من الضوابط الكلية والبراهين على أن دين الإسلام هو الدين الحق، مع ذكر براهين من الواقع المحسوس، وقد كتبها الشيخ ابن سعدي بأسلوب سهل ميسر، فجاءت جليلة النفع، عظيمة القدر، وافية بالمقصود. يقول الشيخ معرفاً بهذه الرسالة: (… أما بعد؛ فهذه الرسالة تتضمن التنبيه على واجب المسلمين نحو دينهم، ووجوب التعاون بينهم في جميع المصالح والمنافع الكلية الدينية والدنيوية، وعلى موضوع الجهاد الشرعي، وعلى تفصيل الضوابط الكلية في هذه المواضيع النافعة الضرورية، وعلى البراهين اليقينية في أن الدين عند الله هو دين الإسلام…)([55]).
فرغ منها المؤلف في 20 رمضان 1367هـ.

34ـ (حاشية على الفقه) (غير مطبوع):
هذا الكتاب ذكره ابنه عبد الله في ترجمته، وأشار إلى أنه استدراك على جميع الكتب المستعملة في المذهب الحنبلي، لكنني بعد طول عناء لم أعثر عليه، ولم أجد من يعرف عنه شيئاً، وقد يكون هناك خلط بينه وبين المختارات الجلية السابقة التي هي بمثابة استدراك على (شرح مختصر المقنع) للبهوتي، وفق كل ذي علم عليم.

35ـ (الجمع بين الإنصاف ونظم ابن عبد القوي):
كتاب مخطوط، وصل فيه ابن سعدي إلى كتاب الحج فقط، يظهر أن الشيخ كان حريصاً على شرح (المنظومة)، لكن لم يسعفه الوقت، فجمع معها (الإنصاف) للمرداوي بمثابة الشرح لها، ويوجد من هذا الكتاب نسخة خطية في مكتبة الجامع في عنيزة، ولعل الله ييسر أمر إخراجها عاجلاً، إذ لدي الرغبة والعزيمة على ذلك إن شاء الله.

36ـ (منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين):
رسالة لطيفة، اقتصر فيها المؤلف رحمه الله على ذكر القول الراجح بدليله.
جاء في مقدمتها: (… أما بعد؛ فهذا كتاب مختصر في الفقه، جمعت فيه بين المسائل والدلائل؛ لأن العلم معرفة الحق بدليله، والفقه معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بأدلتها من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح، واقتصرت على الأدلة المشهورة؛ خوفاً من التطويل، وإذا كانت المسألة خلافية؛ اقتصرت على القول الذي ترجح عندي تبعاً للأدلة الشرعية…)([56]). وجاء في نهاية الرسالة: (علقة العلامة الفهَّامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله وغفر له ولوالديه ولجميع المسلمين آمين، وتم نقله في 23 جمادى الآخرة سنة 1373هـ، بقلم الفقير إلى الله الغني عبد الله بن سليمان السلمان غفر الله له ولوالديه ولكافة المسلمين)([57]).

37ـ (منظومة في أحكام الفقه):
منظومة طويلة، تربو على أربع مئة بيت، تعرض فيها لكثير من الأحكام الفقهية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وقد نظمها وهو في مقتبل عمره، لم يصل الثلاثين، فجاءت قوية في مبناها ومعناها، يقول في مطلعها:
(وهذه منظومة قصدي بها **** تيسير أحكامٍ قد اعتنوا بها
في فقه أحكام تفيد المبتدي **** من كتب أصحاب الإمام أحمد
أرجو من الرحمن تتميماً لها **** في اللفظ والمعنى خلاصاً لها)([58]).
فرغ منها المؤلف رحمه الله في 26 شوال 1333هـ.

38ـ (القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة):
كتاب بديع، ذكر فيه المؤلف ستين قاعدة من القواعد التي تُبنى عليها الأحكام، ثم أردفه بفروق وتقاسيم بين المسائل المتشابهة المختلفة.
قال في مقدمته: (… أما بعد؛ فإن معرفة جوامع الأحكام وفوارقها من أهم العلوم وأكثر فائدة وأعظمها نفعاً؛ لهذا جمعت في رسالتي هذه ما تيسَّر من جوامع الأحكام وأصولها، ومما تفترق فيه الأحكام لافتراق حكمها وعللها، وقسمتها إلى قسمين: القسم الأول: في ذكر ما تجتمع فيه الأحكام من الأصول والقواعد … القسم الثاني: في ذكر الفوارق بين المسائل المشتبهة والأحكام المتقاربة…)([59]).
وقد فرغ منها المؤلف في 2 ربيع الآخر 1375هـ.

39ـ (رسالة في القواعد الفقهية):
منظومة لطيفة، تبلغ سبعة وأربعين بيتاً، نظمها في أمهات قواعد الدين ومسائله، وقد ذكر فيها معظم القواعد الفقهية التي تنتظم الأحكام الشرعية.
ومطلعها:
(الحمد لله العلي الأرفق **** وجامع الأشياء والمُفرق)
إلى أن قال:
(وهذه قواعد نظمتها **** من كتب أهل العلم قد حصلتها)
قال المؤلف في مقدمته لها: (… أما بعد؛ فإني وضعت لي ولإخواني منظومة مشتملة على أمهات قواعد الدين، وهي؛ وإن كانت قليلة الألفاظ؛ فهي كثيرة المعاني لمن تأملها، ولكنها تحتاج إلى تعليق يوضحها ويكشف بعض معانيها، وأمثلتها تنبه اللبيب الفطن على ما وراء ذلك، فوضعت عليها هذا الشرح اللطيف؛ تيسيراً لفهمها …)([60]). وقد فرغ منها المؤلف في 18 ذو القعدة 1331هـ، وعمره إذ ذاك لم يتجاوز الرابعة والعشرين، فعليه الرحمة والرضوان.

40ـ (رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة):
رسالة صغيرة جداً، لا تتجاوز عشرين صفحة، من الحجم الصغير، ذكر فيها: تعريف أصول الفقه، والأحكام التي يدور الفقه عليها، والأدلة التي يستمدُّ الفقه منها، والمتفق عليها، والمختلف فيها، ثم ذكر طرفاً من القواعد التي يحتاج إليها طالب العلم. جاء في مقدمة هذه الرسالة: (… أما بعد؛ فهذه رسالة لطيفة في أصول الفقه، سهلة الألفاظ، واضحة المعاني، معينة على تعلُّم الأحكام لكل متأمل معاني…) ([61]). جاء في آخرها: (وتم نقلها بعون الله تعالى وتيسيره في 25 جمادى الآخرة 1373هـ بقلم الفقير إلى ربه عبد الله السليمان السلمان غفر الله له ولوالديه والمسلمين)([62]).

المطلب الخامس: الخُطـــــب

41ـ (الخطب المنبرية على المناسبات):
جمع فيه ثلاثين خطبة تقريباً، تشمل مناسبات العام بأسلوب رائع ومعالجة عصرية فريدة، والخطبة الأولى في الاعتصام بالله من الشيطان، والثانية بعد نزول الغيث، والأخيرة في بعثة النبي الكريم([63]).

42ـ (مجموع الخطب في المواضيع النافعة):
جاء في مقدمته: (… أما بعد؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس خطباً عامة وخطباً خاصة وخطباً راتبة في الجمع والأعياد ونحوها وخطباً عارضة بحسب الأسباب والدواعي، وكانت خطبه كلها دعوة إلى الله وإلى صراطه المستقيم، وتوضيحاً للأصول النافعة والأعمال الصالحة، وترغيباً في أصناف الخيرات والإحسان إلى المخلوقات … ولما كنت في الخطابة؛ كنت أنشئ جهد طاقتي خطباً على هذه الطريقة؛ مراعياً لأحوال الناس والوقت، فأحببت أن أقيدها هنا؛ خوف الضياع، ورجاء الانتفاع …). وجاءت في حدود الستين خطبة، جاء في آخرها: (… تمَّ ما قصدنا جمعه من الخطب النافعة، المحتوية على أهم المواضيع الجامعة للعقائد والأخلاق والآداب الدينية والدنيوية، بأوضح أسلوب، وأبين العبارات المناسبة للوقت). فرغ المؤلف رحمه الله في الثاني والعشرين من شهر رجب من عام 1365هـ رحمه الله رحمة واسعة([64]).

43ـ (الفواكه الشهية في الخطب المنبرية):
مجموعة من الخطب بلغت إحدى وسبعين خطبة في مواضيع متفرقة ولمناسبات متعددة. جاء في مقدمتها: (… وبعد؛ فهذه خطب استجدت بعدما جمعنا الخطب السابقة ونشرناها، أحببنا جمعها ونشرها؛ لتعم الفائدة، ولو كانت في موضوع واحد أو مواضيع متقاربة؛ اكتفينا بالخطب الأول، لما فيها ـ ولله الحمد ـ من حصول المقصود، ولكن هذه الخطب كالأول، جمعت بين الوعظ والتعليم
والتوجيهات للمنافع ودفع المضار الدينية والدنيوية بأساليب متنوعة…)([65]).
وجاء في آخرها: (تم نقل هذه المجموعة من خطب الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي سنة 1372هـ، غفر الله له ولوالديه، في 12 من شهر ربيع الأول من خط المؤلف، بقلم الفقير إلى الله في كل أحواله عبد الله بن سليمان بن عبد الله السلمان، غفر الله له ووالديه)([66]). وبهذا يتبين أن للشيخ ابن سعدي ثلاثة كتب في الخطب؛ هي:
ـ (الخطب المنبرية على المناسبات).
ـ (مجموع الخطب في المواضيع النافعة).
ـ (الفواكه الشهية في الخطب المنبرية).
تضاف إلى ما خلفه المؤلف رحمه الله من علم غزير فيما يتعلق بشؤون الناس في دينهم ودنياهم. وليت شعري، فالمطلع على هذه الخطب يحسُّ أنها تخاطب القلوب قبل العقول، وهذا سرُّ تأثير الشيخ العجيب على مستمعيه في دروسه وخطبه ولقاءاته، فرحمه الله، وأسكنه فسيح جنانه.

المطلب السادس: اللغة العربية

وقفت على كتاب واحد له في اللغة لا يزال مخطوطاً عنوانه:
44ـ (التعليق وكشف النقاب على نظم قواعد الإعراب):
عدد صفحات الرسالة( 22صفحة)، شرح ابن سعدي في هذه الرسالة منظومة قواعد الإعراب لابن هشام.
جاء في مقدمة هذه الرسالة: (أما بعد؛ فهذا تعليق على نظم قواعد الإعراب، نقلته من شرح الشيخ خالد الأزهري على أصله، ذكرت منه ما يتعلق بهذا النظم، وحذفت منه ما يستغني من هذه الرسالة في سنة 1334هـ، ويوجد منها أصل مخطوط عند الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام حفظه الله تعالى([67]).

خاتمة

هذا ما وقفت عليه من مؤلفات العلامة ابن سعدي، ولعل هناك شيئاً مخطوطاً لم نقف عليه. كما أنني أؤكد على أن هناك فتاوى كثيرة له لا تزال حبيسة عند بعض طلابه ومحبيه، وقد عثرت على مجموع لا بأس بها بخط المؤلف، وسوف أضمنها فتاواه بمشيئة الله، وهي ترى النور لأول مرة، ولله الحمد والمنة.
وأثناء إعداد هذا البحث، تكرم القائمون على مركز ابن صالح في الجمعية الصالحية بعنيزة بإهدائي نسخة من (المجموعة الكاملة لابن سعدي)، وهي خطوة مباركة، قام بها المركز وفاءً لهذا العالم الجليل، وقد رتبها المركز حسب الآتي:
أولاً: التفسير: ويقع في ثمانية مجلدات:
ـ سبعة منها في تفسير الشيخ ابن سعدي المسمى (تيسير الكريم المنان).
ـ والمجلد الثامن تضمن كتابين عظيمين للمؤلف، أولهما: (القواعد الحسان لتفسير القرآن).
ـ والثاني: (تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن).
ثانياً: الحديث: ويقع في جزء واحد صغير، وتضمن كتاب الشيخ الوحيد في الحديث (بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخبار في شرح جوامع الأخبار).
ثالثاٍ: العقيدة الإسلامية: ويقع في مجلد واحد، وقد تضمَّن الكتب التالية:
ـ (القول السديد في مقاصد التوحيد).
ـ (سؤال وجواب في أهم المهمات).
ـ (التوضيح والبيان لشجرة الإيمان).
ـ (الدرة البهية شرح العقيدة التائية في حل المشكلة القدرية).
ـ الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية).
ـ (توضيح الكافية الشافية). .
رابعاً: الفقه: ويقع في مجلدين، يضمان الكتب التالية:
ـ (منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين).
ـ (المختارات الجلية من المسائل الفقهية).
ـ (الإرشاد إلى معرفة الأحكام).
ـ (المناظرات الفقهية).
ـ (مختارات من الفتاوى).
ـ (رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة).
ـ (القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة).
ـ (رسالة في القواعد الفقهية).
خامساً: الثقافة الإسلامية: ويقع في مجلدين يضمان الكتب التالية:
ـ (المواهب الربانية من الآيات القرآنية).
ـ (فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه السلام).
ـ (الجهاد في سبيل الله).
ـ (وجوب التعاون بين المسلمين وموضوع الجهاد الديني).
ـ (الدلائل القرآنية في أن العلوم والأعمال النافعة العصرية داخلة في الدين الإسلامي).
ـ (الدرة المختصرة في محاسن الإسلام).
ـ (الدين الصحيح يحل جميع المشاكل).
ـ (الرياض الناضرة والحدائق الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة).
ـ (طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول).
ـ (الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين).
ـ (انتصار الحق).
ـ (تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله).
ـ (الوسائل المفيدة للحياة السعيدة).
سادساً: الخطب: ويضم الكتب التالية:
ـ (الخطب المنبرية على المناسبات).
ـ (الفواكه الشهية في الخطب المنبرية),
ـ (مجموع الخطب في المواضيع العامة).
سابعاً: الفتاوى: في مجلد واحد، ويضم الكتب التالية:
ـ (الفتاوى السعدية).
ـ (حكم شرب الدخان)([68]).

المبحث الثامن:

جهوده في خدمة كتاب الله

*أولاً: اعتنى العلامة ابن سعدي عناية فائقة في كتاب الله، وله اليد الطولى في التفسير، حيث أتم تفسيره العظيم الذي سجله من خلاله مراجعته لكتاب الله مع طلابه، حتى لقد حدّث بعضهم أنه كان يميله إملاء من الذاكرة، وليس بين يديه كتاب تفسير فضلاً عن غيره، وهذا يدل على مكانة هذا الشيخ العلميَّة، وغزارة معلوماته في التفسير. وقد ذكر سبب تأليفه له، وطريقته في التأليف، فقال: (وقد كثرت تفاسير الأئمة رحمهم الله لكتاب الله، فمن مطّول خارج في أكثر بحوثه عن المقصود، ومن مقتصر يقتصر على حل بعض الألفاظ اللغوية بقطع النظر عن المراد، وكان الذي ينبغي في ذلك أن يجعل المعنى هو المقصود، واللفظ وسيلة إليه.. ولما منَّ الباري عليَّ وعلى إخواني بالاشتغال بكتابه العزيز بحسب الحال اللائقة بنا، أحببت أن أرسم من تفسير كتاب الله ما تيسَّر وما منَّ به الله علينا؛ ليكون تذكرة للمحصَّلين، وآلة للمستبصرين، ومعونة للسالكين، ولأقيده خوف الضياع، ولم يكن قصدي في ذلك إلا أن يكون المعنى هو المقصود، ولم أشتغل في حل الألفاظ والعقود، للمعنى الذي ذكرت، ولأن المفسرين قد كفوا من بعدهم). وأوضح رحمه الله طريقته في تفسيره، فقال: ( اعلم أن طريقتي في هذا التفسير أني أذكر عند كل آية ما يحضرني من معانيها، ولا أكتفي بذكري ما تعلق بالمواضع السابقة عن ذكر ما تعلق بالمواضع اللاحقة، لأن الله وصف هذا الكتاب أنه[مثاني] تثنى فيه الأخبار والقصص والأحكام وجميع المواضيع النافعة لحكم عظيمة، وأمر بتدبره جميعه؛ لما في ذلك من زيادة العلوم والمعارف، وصلاح الظاهر والباطن، وإصلاح الأمور كلها)([69]). وقد ذكر بعد المقدمة جملة تتعلق بتفسير القرآن الكريم، أخذها من كتاب (بدائع الفوائد) لابن القيم رحمه الله، في حدود عشر صفحات، والناظر في تفسير السعدي الموسوم بـ(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)؛ يجده تميَّز بميزات عديدة، من أهمها:

1ـ اختصاره واقتصار على تفسير الآيات وبيان معانيها بأسلوب سهل واضح لا تعقيد فيه ولا إلتواء.

2ـ بعده عن الإغراق في المباحث اللغوية والتعقيدات النحوية التي تذهب بجمال التفسير وبهائه.

3ـ خلوه من الإسرائيليات التي امتلاء فيها كثير من التفاسير، بل إن المؤلَّف حذَّر منها في مواضع كثيرة، وأشار إلى هذا غير مرة عند تفسيره لبعض الآيات التي هي مظنة نقل الإسرائيليات عند تفسيره.

ومن ذلك قوله عند تفسيره لقوله تعالى: [وإذا قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرةٍ…] الآيات: (… اعلم أم كثيراً من المفسرين رحمهم الله قد أكثروا في حشو تفسيرها من قصص بني إسرائيل، ونزّلوا عليها الآيات القرآنية، وجعلوها تفسيراً لكتاب الله …).
إلى أن قال: (…فلا يجوز أن تُعجل تلك القصص المنقولة بالروايات المجهولة ـ التي يغلب على الظن كذبها أو كذب أكثرها ـ معاني لكتاب الله مقطوعاً بها، ولا يستريب بهذا أحد، ولكن بسبب الغفلة عن هذا حصل ما حصل…)([70]).

4ـ اعتنى الشيخ ابن سعدي في تفسيره بأمر العقيدة عناية فائقة، حتى جاء تفسيره بحمد الله من أفضل التفاسير السلفية التي بحثت أمور العقيدة على مذهب أهل السنة والجماعة.

ولقد أفاض الشيخ في بعض الأمور التي خالف فيها طوائف من أهل الضلال، وناقش أدلتهم، وانتهى إلى ترجيح الحق، فجاء كتابه ليسدّ ثغرة في المكتبة الإسلامية كانت بأمس الحاجة إليها. وكانت مباحثه العقديَّة تتميز بوضوح العبارة وسهولتها، وبناء دليل المخالف ثم هدمه من أساسه؛ لتتضح الصورة في ذهن القارئ، ويتحقق من رجحان الرأي الراجح دون أدنى شك.

5ـ امتاز تفسير العلامة السعدي بعدم الإسهاب في ذكر الأحكام، فجاءه كتابه ليعرض الحكم الراجح بدليله، وهذا ما يحتاجه كثير من المسلمين، وأما طلاب العلم والباحثون؛ فعندهم تفاسير الأحكام التي أسهبت في عرض القضايا الخلافية، وتوسعت في ذكر المذاهب وأدلتها، وكل ينزع على قدر ما عنده.

6ـ أبدع ابن سعدي في عرض قصص الأنبياء واستنباط الفوائد منها، حيث ركَّز على هذا المنهج في تفسيره، فبعد قصة كل نبي من الأنبياء عليهم السلام يذكر الفوائد المستنبطة وما يحتاجه المسلم مما يقوي إيمانه ويربطه بخالقه، وهذا المسلك قلَّ من اعتنى به من المفسرين السابقين، وقد ألمح ابن سعدي إلى هذا في مقدمته.

7ـ كثيراً ما كان يذكر بعض الضوابط والقواعد والأصول التي ينبغي أن يعتني بها من يفسر القرآن، وكان يوجز فيها أحياناً ويسهب أحياناً أخرى([71]).

8ـ اعتنى ابن سعدي بأسماء الله الحسنى، ومناسبة التذييل بها، وكان يشير إلى ذلك كثيراً، ويربط الآية بما ختمت به من أسماء الله.

9ـ حرص رحمه الله على بيان المعنى العام الإجمالي للآيات بأسلوب واضح سهل مأخوذ من الآيات نفسها.

10ـ سجل في تفسيره ما ظهر له من ترجيحات في تطبيق بعض النصوص القرآنية على النوازل، وهذا الأمر يحتاج إلى عالم فذّ يدرك أبعاد النصوص ومراميها، ويربط بعضها ببعض، ثم يحكمها في النازلة؛ عكس أولئك الذين يلوون عنق النصوص، لتساير رغبات وأهواء الآخرين من حكام ومحكومين.

11ـ اعتنى ابن سعدي رحمه الله بأمر الدعوة وأساليبها، وبيَّن ما ينبغي أن يكون عليه الداعية، وركز رحمه الله على الدعوة بالأسلوب المناسب والحال المناسبة؛ أخذاً من قوله تعالى:[ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ]([72]). وقد طبَّق ابن سعدي هذا المنهج في حياته الواقعية، حيث كان يدعو إلى الله بكل لطف ولين، ولذا أحبَّه كل من عرفه وتعامل معه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

12ـ اعتنى بمباحث علوم القرآن، وبيَّنها أتم بيان، بأسلوب واضح، بعيداً عن الخلافات الجانبية، فجاءت متممة لتفسيره ومكملة له. هذه الأمور أبرز ما لاح لي من ميزات في هذا التفسير العظيم.

*ثانياً ومن جهوده في خدمة كتاب الله كتابه الرائع(تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن).

ألَّف العلامة ابن سعدي هذا الكتاب ملخَّصاً لتفسيره المطوَّل، تبلغ صفحاته أربعاً ومئتين من القطع الكبير، اشتمل على أكثر من ستين فصلاً، قدم لها بمقدمة في ذكر أوصاف القرآن العامة الجامعة، ثم ذكر فصلاً في خلاصة الآيات المتعلقة بعلوم التوحيد والعقائد والأصول، ثم الآيات الكونية التي تدل على وحدانية الله، ثم الآيات المتعلقة بحقوق الله وحقوق الناس، ثم الآيات المتعلقة بفروع الشريعة من الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والجهاد والحج والبيوع … إلى غير ذلك من المباحث الفقهية المعروفة، ثم ذكر قصص الأنبياء، ثم عرَّج على تفسير كلمات جاءت في القرآن لعدة معاني؛ مثل: الأمة، والسلطان، واللسان. وقد أشار الشيخ ابن سعدي إلى سبب تأليفه لهذا الكتاب، فقال في مقدمته: (… أما بعد؛ فقد كنت كتبت كتاباً في تفسير القرآن مبسوطاً مطوَّلاً يمنع القراء من الاستمرار بقراءته، ويفتر العزم عن نشره، فأشار عليَّ بعض العارفين الناصحين أن أكتب كتاباً غير مطوَّل، يحتوي على خلاصة ذلك التفسير، ونقتصر فيه على الكلام على بعض الآيات التي نختارها وننتقيها من جميع مواضيع علوم القرآن ومقاصده، فاستعنت بالله على العمل على هذا الرأي الميمون …)([73]).

وجاء في آخره: (… وقد يسَّر الله تتميم هذا التعليق المبارك في ثالث شوال من شهور سنة ثمان وستين بعد الثلاث مئة والألف من الهجرة النبوية، فكان على اختصاره وإيجازه ووضوحه فيه معونة عظيمة على فهم كلام رب العالمين، وأن كلام الله كفيل ببيان كل شيء ينتفع به العباد في معاشهم ومعادهم وإرشادهم إلى كل ما فيه مصالحهم المتنوعة ومنافعهم المتعددة، وأنه يتعذر الصلاح والإصلاح للأحوال كلها، إلا بسلوك الطرق التي أرشد إليها هذا القرآن في أصول الدين وفروعه، وفي الأخلاق والآداب، وفي الأمور الداخلية والخارجية …)([74]).

*ثالثاً: ومن جهوده في خدمة كتاب الله (القواعد الحسان لتفسير القرآن).
كتاب بديع، يقع في ثمان ومئتين من الصفحات، من الحجم الصغير، ضمَّنها سبعين قاعدة في تفسير القرآن، لا يستغني عنها من أراد فهم كتاب الله وتأمله.
يقول السعدي في مقدمتها: (… أما بعد؛ فهذه أصول وقواعد في تفسير القرآن الكريم، جليلة المقدار، عظيمة النفع، تعين قارئها ومتأمِّلها على فهم كلام الله والاهتداء به، ومخبرها أجل من وصفها؛ فإنها تفتح للعبد من طرق التفسير ومنهاج الفهم عن الله ما يغني عن كثير من التفاسير الخالية من هذه البحوث النافعة …)([75]). وقد أشار إلى هذا المسلك في مقدمته، فقال: (… فلنشرع الآن بذكر القواعد والضوابط على وجه الإيجاز الذي يحصل به المقصود؛ لأنه إذا انفتح للعبد الباب، وتمهدت بفهم القاعدة الأسباب، وتدرَّب منها بعدة أمثلة توضحها وتبيِّن طريقها ومنهجها؛ لم يحتج إلى زيادة البسط، وكثرة التفاصيل…)([76]).

ومن أمثلة تلك القواعد:

(القاعدة الأولى في كيفية تلقي التفسير: كل من سلك طريقاً وعمل عملاً وأتاه من أبوابه وطرقه الموصلة إليه؛ فلا بدَّ أن يفلح وينجح ويصل به
إلى غايته …)([77]).

(القاعدة الثانية: العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب: وهذه القاعدة نافعة جداً، بمراعاتها يحصل للعبد خير كثير وعلم غزير، وبإهمالها وعدم ملاحظتها يفوته علم كثير، ويقع في الغلط والارتباك الخطير…)([78]).
فرغ منها مؤلفها في 6 شوال 1365هـ.

*رابعاً: ومن جهوده في خدمة كتاب الله كتابه (المواهب الربانية من الآيات القرآنية): جاء هذا الكتاب الفريد في بابه في ثمان وسبعين صفحة من الحجم المتوسط، ضمنها السعدي رحمه الله مجموعة من الفوائد النفيسة التي قد لا توجد في غير هذه الرسالة، وقد كان ذلك أثناء تأمله لكتاب الله ومدارسته مع بعض طلابه في شهر رمضان عام 1347هـ.
وقد جاء في آخرها قوله: (… فإن جنس هذه الفوائد المذكورة في هذه الرسالة قد كانت تعرض لي كثيراً أثناء القراءة لكتاب الله، فأتهاون بها، ولم أقيدها، فيضيع شيء كثير، فلما كان أول يوم من هذا الشهر المبارك؛ أوقع في قلبي أن أقيد ما يمر عليَّ من الفوائد والمعاني المتضحة التي لا أعلم أنها وقعت لي قبل ذلك، فعملت على هذا النمط…)([79]).
لقد سلك ابن سعدي في هذا الكتاب منهجاً خاصاً، حيث لم يلتزم بترتيب السور القرآنية، بل لم يلتزم بترتيب الآيات في السورة الواحدة، بل كان يسجل الفوائد حسب تيسُّرها له، وحسب قراءته للآيات، إذ قد يقرأ الآية فلا يلوح له فيها شيء، ثم يمر عليها مرة ثانية فتظهر له فيها فوائد قد خفيت عليه سابقاً، وقد ركَّز في هذه الرسالة على ذكر حكم التشريع وأسراره، ومدلولات الأسماء الحسنى، والاستدلال لكل فائدة تظهر له.
وقد سلك كل سبيل لإيصال هذه الفوائد إلى ذهن القارئ، فتراه تارة يعرضها عرض تشويق من خلال عنوانها، وتارة يفترض سؤالاً ويجيب عليه، وتارة يطيل الفصل، وأخرى يقصره. والكتاب عظم النفع جليل القدر، لكنه بحاجة ماسَّة إلى تغيير ترتيبه، إذ يحسن أن يرتّب حسب سور القرآن، ثم حسب الآيات في السورة الواحدة، ولو تم عنونته حسب الموضوعات؛ لكان أجدى وأنفع؛ مثل: فوائد في العقيدة، فوائد في التفسير، فوائد في قصص الأنبياء … وهكذا، وأخيراً؛ فالكتاب بحاجة ماسَّة إلى فهرس مفصَّل للموضوعات؛ ليهتدي القارئ إلى الموضوع الذي يريده بكل يسر وسهولة.
ولعل الله يجعل في العمر بقية، إذ أنوي بمشيئة الله خدمة كتب هذا الشيخ كلها قدر استطاعتي، وما توفيقي إلا بالله. وقد فرغ المؤلف رحمه الله من هذه الرسالة في 28 رمضان 1347هـ.

*خامساً: ومن جهوده في خدمة كتاب الله (فوائد مستنبطة من قصة يوسف).
رسالة لطيفة، خصصها الشيخ السعدي للفوائد التي لاحت له في هذه السورة، والرسالة جاءت في أربعين صفحة من الحجم المتوسط، ضمَّنها أحد عشر فصلاً في فوائد هذه السورة العظيمة.

جاء في مقدمة هذه الرسالة: (… ولكن هذه القصة خصها الله بقوله: [لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ]؛ ففيها آيات وعبر منوعة لكل من يسأل ويريد الهدى والرشاد؛ لما فيها من التنقلات من حال إلى حال، ومن محنة إلى محنة ومنة، ومن ذلة ورق إلى عزة وملك، ومن فرقة وشتات إلى اجتماع وإدراك غايات، ومن حزن وترح إلى سرور وفرح… ومن فوائد هذه السورة أن فيها أصولاً لعلم تعبير الرؤيا؛ فإن علم تعبير الرؤيا علم عظيم مهمُّ، مبناه على حسن الفهم والعبور من الألفاظ والمحسوسات والمعنويات…)([80]).
وقد سلك ابن سعدي في هذه الرسالة مسلكاً جيداً، حيث قسم السورة إلى مجموعات، تضم كل مجموعه عدد من الآيات، جعلها تحت فصل واحد أو أكثر؛ مثل: أصول تعبير الرؤيا، ووجوب العدل بين الأولاد، والإخلاص أكبر الأسباب لحصول المقصود … وهكذا.
وقد استنبط الشيخ أثناء تتبعه لهذه القصة كثيراً من الأحكام الشرعية، واستدل لها، وبيَّن مأخذها. وقد طهَّر هذه الفوائد من الإسرائيليات التي حُشيت فيها كثير من التفاسير، وإذا كانت قصة يوسف ارتبط فيها الكثير من الإسرائيليات ـ نظراً لذكرها في كتب التفسيرـ؛ فإن ابن سعدي خلَّص هذه السورة منها كما وعد في تفسيرها سابقاً، ولذا يحسن بالمسلم الذي يريد معرفة القصة كما وردت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقف على هذه الفوائد ويتأملها، ففيها علم غزير، وفوائد بديعة، قد لا توجد في غيرها. والرسالة بحاجة ماسة إلى ترقيم الآيات ووضع بعض العناوين المناسبة التي تلفت نظر القارئ إلى المضمون؛ كما أنها بحاجة إلى فهرس تفصيلي للموضوعات؛ لان القارئ يجد صعوبة في العثور على ما يريد، إذ هذه الرسالة خالية من فهرس الموضوعات نهائياً. وقد فرغ المؤلف في شهر صفر من عام 1375هـ,

*سادساً: ومن جهوده في خدمة كتاب الله كتابه (الدلائل القرآنية في أن العلوم النافعة العصرية داخلة في الدين الإسلامي). بيَّن فيه المؤلف رحمه الله أن الدين الإسلامي وعلومه وأعماله وتوجيهاته جمعت كل خير، وأن العلوم العصرية النافعة داخلة في الدين الإسلامي، لكنها تحتاج إلى فهم ثاقب، وتنزيل لها على النصوص الشرعية. وقد فرغ منها المؤلف رحمه الله في العاشر من محرم سنة 1375هـ([81]). هذا ما وقفت عليه من جهود مباركة للعلامة ابن سعدي في خدمة كتاب الله، ومن أراد التوسع والاستفادة؛ فليراجع الرسالة الرائعة لفضيلة شيخنا الشيخ عبد الله بن سابح الطيار، حيث أبرز فيها الكثير من جهود الشيخ، وقام بدراسة مستفيضة لتفسير الشيخ ابن سعدي وبقية كتبه التي اعتنت بكتاب الله، وقد جاءت هذه الرسالة في ثلاث وعشرين وست مئة صفحة من الحجم الكبير، وسماها مؤلفها (الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي مفسراً)، وقد نال بها درجة الماجستير من كلية أصول الدين بالرياض التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1407هـ.

المبحث التاسع:

جهوده في خدمة السنة
لم أقف له إلا على كتاب واحد خاص في خدمة السنة، لكن كتبه الأخرى وتفسيره الكبير مليئة بالإشارة إلى الأحاديث والكلام عن فوائدها ومراميها، أما كتابه الخاص بالسنة؛ فهو: (بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار). ومن تأمل هذا الكتاب ـ على اختصاره ووضوحه ـ رآه مشتملاً على جميع العلوم النافعة؛ على علم التوحيد، والأصول، والعقائد، وعلم السير والسلوك إلى الله، وعلم الأخلاق والآداب الدينية والدنيوية والطبية، وعلم الفقه والأحكام في كل أبواب الفقه من عبادات ومعاملات وأنكحة وغيرها، وكلها مأخوذة ومستقاة من كلماته صلوات وسلامه عليه، حيث اختير فيه شرح تسعة وتسعين حديثاً من جوامع كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم في سبع وخمسين ومئتين من الصفحات من الحجم المتوسط. جاء في مقدمتها: (… وقد بدا لي أن أذكر جملة صالحة من أحاديثه الجوامع في المواضيع الكلية والجوامع في جنس أو نوع أو باب من أبواب العلم، مع التكلم على مقاصدها وما تدل عليه على وجه يحصل به الإيضاح والبيان مع الاختصار، إذ المقام لا يقتضي البسط…)([82]). وقد اعتنى المؤلف بتخريج الأحاديث من كتب السنة، وحرص على الحكم عليها، ومعظم ما ذكره في(الصحيحين) أو أحدهما أو في (السنن). وأول الأحاديث التي ذكرها حديث عمر بن الخطاب المشهور: (إنما الأعمال بالنيات …)الحديث.

وآخر الأحاديث التي ذكرها حديث أنس بن مالك: (يأتي على الناس زمان؛ القابض على دينه كالقابض على الجمر…). وجاء في آخر هذا الكتاب: (… تمت هذه الرسالة المشتملة على شرح تسع وتسعين حديثاً من الأحاديث النبوية الجوامع في أصناف العلوم والمواضيع النافعة والعقائد الصحيحة والأخلاق الكريمة والفقه والآداب والإصلاحات الشاملة والفوائد العامة…)([83]).
وقد فرغ منه المؤلف رحمه الله في 10 شعبان 1371هـ.

المبحث العاشر:

جهوده في توضيح العقيدة
اعتنى الشيخ ابن سعدي بالعقيدة الإسلامية عناية خاصة، إذ كانت معظم مؤلفاته فيها. وكانت عنايته فيها تأخذ مسارات متعددة:

ـ ففي جانب التدريس أولاها عناية خاصة، وكانت تستحوذ على الكثير من وقته مع طلابه.

ـ وفي جانب التأليف أخرج عدة من المؤلفات ناقش فيها قضايا العقيدة، ورد المخالفين، وأوضح جهود السابقين، خصوصاً المحققين منهم؛ كابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى. وهو في كل ذلك ينطلق من النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة التي تقرِّر العقيدة الصافية الخالية من البدع والشركيات والتي تؤصل شعب العقيدة الثلاث، وهي: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء الصفات. وقد أكثر ابن سعدي من بيان هذه الأنواع وإيضاحها، وقلَّ أن تجد صفحة أو صفحتين من مؤلَّفاته إلا وتعالج هذه الأنواع أو أحدهما. ومن أجمع ما قاله عن هذه الأنواع في موضع واحد قوله جواباً على سؤال مفاده: (س: ما حدُّ التوحيد وما أقسامه؟ ج: حد التوحيد الجامع لكل أنواعه هو علم العبد واعتقاده واعترافه وإيمانه بتفرُّد الرب بكل صفة كمال وتوحده في ذلك واعتقاده أنه لا شريك له ولا تمثيل له في كماله وأنه ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، ثم إفراده بأنواع العبادة، فدخل في هذا التعريف أقسام التوحيد الثلاثة:

أحدهما: (توحيد الربوبية)، وهو الاعتراف بانفراد الرب بالخلق والرزق والتدبير والتربية.

الثاني: (توحيد الأسماء والصفات)، وهو إثبات جميع ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى وما دلت عليه من الصفات، من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل.

الثالث: (توحيد العبادة)، وهو إفراد الله وحده بأجناس العبادات وأنواعها وإفرادها وإخلاصها لله من غير إشراك به في شيء منها. فهذه أقسام التوحيد التي لا يكون العبد موحداً حتى يلتزم بها كلها ويقوم بها…)([84]). وقد خلَّف السعدي مؤلفاته كثيرة، دلَّت على غزارة علمه، وقدرته على إيضاح أمور العقيدة، وقوة حجته، ووقوفه في وجه المعاندين والملحدين؛ كما اعتنى عناية بكتب السلف الذين أثروا جوانب العقيدة بحثاً وتأليفاً ورداً على الخصوم والمبتدعين. ومن مؤلفاته([85]) في العقيدة ما يأتي:

1ـ (طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد، والضوابط والأصول).

2ـ ( القول السديد في مقاصد التوحيد)، وهو شرح لكتاب (التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) لمجدد الدعوة محمد بن عبد الوهاب.

3ـ (الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة).

4ـ (الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين).

5ـ ( تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله).

6ـ (الدرة المختصرة في محاسن الإسلام).

7ـ (الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية لابن القيم).

8ـ (توضيح الكافية الشافية)، شرح لـ (نونية ابن القيم) رحمه الله.

9ـ (سؤال وجواب بأهم المهمات).

10ـ (الدرة البهية شرح العقيدة التائية في حل المشكلة القدرية لشيخ الإسلام ابن تيمية).

11ـ (التوضيح والبيان لشجرة الإيمان).

12ـ (فتح الرب الحميد في أصول العقائد والتوحيد).

13ـ (التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة).

14ـ (منظومة في السير إلى الله والدار الآخرة مع شرحها للمؤلف رحمه الله).

هذه ملامح عن جهوده في توضيح العقيدة، ومن أراد الاستزادة والتوسع؛ فليراجع الرسالة المتميزة (الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة)، التي أعدها أخونا الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد، وتقدم بها لنيل درجة الماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية عام 1407هـ. وقد جاء في مقدمة الرسالة المذكورة قول مؤلفها زاده الله علماً وتوفيقاً وصلاحاً: (…وقد كان له رحمه الله ـ أي: ابن سعدي ـ عناية بالغة بالعقيدة الإسلامية، كشأن علماء أهل السنة والجماعة، وقد خصَّها بمؤلفات عديدة، أفردها لبيان العقيدة وتوضيحها وللرد على من خالفها، ومؤلفاته التي أفردها في العقيدة تربو على عشرة مؤلفات، ثم إنه يُعنى في العقيدة في سائر مؤلفاته، وكتابه(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) يعد مرجعاً هاماً في بيان العقيدة وتوضيحها والرد على من خالفها، وكذلك خلاصة هذا التفسير المسمَّى (تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن)، وغيرهما من مؤلفاته، فكان رحمه الله يُعنى بأمر العقيدة، ويرى أنه أعظم المسائل وأكبرها وأهمها وأجدرها بالتوضيح والبيان…)([86]).

المبحث الحادي عشر:

جهوده في الدعوة إلى الله

للشيخ ابن سعدي رحمه الله قدم راسخة في الدعوة إلى الله، ويتمثل ذلك في دروسه ومواعظه وخطبه الكثيرة التي كان يوجِّه بها الناس كل يوم، وتتَّضح آثاره في الدعوة إلى الله من خلال أمرين واضحين:

أحدهما: انتشار طلابه الكثيرين الذين أصبحوا مشاعل يضيئون الطريق في المواقع التي عملوا فيها.

والثاني: مؤلفاته الكثيرة التي اعتنت بالدعوة إلى الله وذكرت أفضل السبل في ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة. وإذا كان لابن سعدي ميزة على أقرانه ومعاصريه في قضايا الدعوة إلى الله؛ فهي أنه فهم النصوص الشرعية وفهم الواقع الذي يعيشه، فجمع بين فقه النص وفقه الواقع، وهذا ما جعل قدمه راسخة في هذا المجال. ولكي تتَّضح الصورة أكثر؛ ننقل طرفاً من كلامه حول الدعوة وأساليبها وطرقها والبصيرة بحال المدعو وواقعه. يقول رحمه الله تعالى: (إن دعوة الخلق ـ سواء المسلم والكافر ـ إلى سبيل الله المستقيم المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح بالحكمة أولاً كما أمر الله بذلك، والحكمة أي كل أحد حسب حاله وفهمه وقبوله وانقياده، ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل، والبداءة بالأهم فالأهم، فالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين، فإن انقاد بالحكمة، وإلا فبالدرجة الثانية، وهي الدعوة بالموعظة الحسنة، والموعظة الحسنة هي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب… ثم إذا كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق، أو كان داعية إلى ضلال؛ فبالدرجة الثالثة، وهي المجادلة بالتي هي أحسن، وهي الطريق التي تكون أدعى للاستجابة عقلاً ونقلاً، ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي يعتقدها؛ فإنه أقرب إلى حصول المقصود….)([87]).
ويقول في موضع آخر يربط فيه بين الجهاد والدعوة وأنهما متلازمان: (…فإن من أعظم الجهاد: السعي في تحقيق هذا الأصل في تأليف قلوب المسلمين، واجتماعهم على دينهم ومصالحهم الدينية والدنيوية، في جمع أفرادهم وشعوبهم، وفي ربط الصداقة والمعاهدات بين حكوماتهم بكل وسيلة…)([88]).

ويقول في موضع آخر محذِّراً من المنافقين المندسين في صفوف الأمة وكأنه يعيش معنا رحمه الله خلال هذه الأحداث الجسيمة التي تعيشها الأمة المسلمة وهناك الكثير من الخونة والمأجورين الذين يعملون لحساب الشيطان وحزبه، وهم من بني جلدتنا، ويتكلَّمون بلغتنا، ويعيشون فوق أرضنا وتحت سمائنا، ويتسمون بأسمائنا.

يقول عنهم رحمه الله: (…فعلى المسلمين الحذر من هؤلاء المفسدين؛ فإن ضررهم كبير، وشرَّهم خطير، وما أكثرهم في هذه الأوقات التي اضطرَّ فيها المسلمون إلى التعلُّق بكل صلاح وإصلاح، وإلى من يعينهم وينشطهم؛ فهؤلاء المفسدون يثبطون عن الجهاد في سبيل الله ومقاومة الأعداء، ويخدِّرون أعصاب المسلمين، ويوئيسونهم من مجاراة الأمم في أسباب الرقي، ويوهمونهم أن كل عمل يعملونه لا يفيد شيئاً ولا يجدي نفعاً…)([89]).
ويقول رحمه الله في تقرير مبدأ الشورى بين الأفراد والجماعات والقيادات: (…فعلى المسلمين أن يتشاوروا في تقرير المصالح والمنافع، وفي كيفية الوصول إليها، وفي تقرير الخطط التي يتعين سلوكها في صلاح أحوالهم الداخلية وإصلاحها بحسب الإمكان، وفي الحذر من أعدائهم…)([90]).

ويقول رحمه الله راسماً الخطة المثلى لإصلاح التعليم ـ وهذا من أبرز الأدلة على فقه ابن سعدي لواقعه فضلاً عن فقهه للنصوص الشرعية ـ: (ومن أعظم التربية العامة النافعة: إصلاح التعليم، والاعتناء بالمدارس العلمية، وأن يختار لها الأكفاء من المعلمين والأساتذة الصالحين، الذين يتعلَّم التلاميذ من أخلاقهم الفاضلة قبل ما يتلَّقونه من معلوماتهم العالية، ويختار لها من فنون العلم الأهم فالأهم من العلوم النافعة الدينية والدنيوية المؤيدة للدين…)([91]).

وقد أبدع ابن سعدي في عرض قضايا الدعوة، فتعرَّض لإصلاح مناهج التعليم، وتعرَّض لتصحيح بعض المفاهيم، وتعرَّض للردِّ للرد على الملحدين ودعواهم حول الحرية من تعاليم الإسلام، وأكد على أهمِّية أن يتولى المناصب القيادية في أي مصلحة خاصة أو عامة أهل الخير والصلاح والإصلاح من الدعاة والمعلِّمين والموجهين، وشنع على أولئك النفعيِّين الذين يهتمُّون بمصالحهم الذاتية وينسون أو يتناسون قضايا الأمة ومصالحها العليا. لقد كان ابن سعدي موفقاً في معالجته لقضايا الدعوة، وذلك أنه داعية من الرعيل الأول، إذ نزل الميدان، وجرَّب، ومارس، وتعامل مع الناس، فأخذ يكتب عن تجارب واقعية صادقة.
ومن أبرز مؤلفاته في الدعوة والوعظ والخطابة([92]).

1ـ (الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة).
2ـ (الدرة المختصرة في محاسن الإسلام).
3ـ (انتصار الحق).
4ـ (الدين الصحيح يحل جميع المشاكل).
5ـ (الوسائل المفيدة في الحياة السعيدة).
6ـ (منظومة في السير إلى الله والدار الآخرة).
7ـ (وجوب التعاون بين المسلمين).
8ـ (الجهاد في سبيل الله).
9ـ (الخطب العصرية).
10ـ (الفواكه الشهية في الخطب المنبرية).
11ـ (الخطب المنبرية على المناسبات).
… إلى غير ذلك من كتبه التي عالج فيها الكثير من قضايا الدعوة، وأهمها تفسيره العظيم الذي أشار فيه في كثير من المناسبات عند كلامه على الآيات القرآنية إلى قضايا الدعوة والدعاة، وما ينبغي أن يكونوا عليه؛ علماً، وفهماً، وعقلاً، وإدراكاً، ووعياً، ودربة، وتشاوراً؛ كل ذلك بأسلوب سهل واضح، يفهمه كل مطَّلع على تفسيره، فرحمه الله رحمة واسعة، وجمعنا به في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

المبحث الثاني عشر:

جهوده في خدمة كتب السلف

المطلب الأول: جهوده في خدمة كتب السلف عموماً

سبق أن أوضحنا تأثر العلامة ابن سعدي بشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وأيَّدنا ذلك بالنقول الصريحة عن ابن سعدي، ومرادنا هنا جهود ابن سعدي في خدمة كتب السلف عموماً وكتب هذين الإمامين خصوصاً.
فنقول ـ وبالله التوفيق ـ: أولى ابن سعدي رحمه الله كتب السلف عناية خاصة منذ نعومة أظفاره، حيث كان يتعلم منها ويتلقَّى في حلقات العلم من هذه الكتب عن طريق مشايخه الذين مرَّ ذكرهم، وبعد أن تأهل للتدريس؛ أخذ يعتني بكتب السلف، ويحث الطلاب على مطالعتها، وكان يقرِّر الكثير منها في دروسه في العقيدة والتفسير والفقه والحديث واللغة العربية. وبعد أن بدأ التأليف؛ استفاد من الكثير من كتب السلف، لكنه أولى بعضها عناية خاصة، ومن هذه الكتب ما يأتي:

1ـ (الجمع بين الإنصاف ونظم ابن عبد القوي):

كان المؤلف حريصاً على شرح (نظم ابن عبد القوي)، فلما رأى عدم تمكُّنه؛ جمع بين الإنصاف وبين النظم؛ ليكون الإنصاف بمثابة الشرح للنظم، ولكنَّ المنيَّة عاجلته قبل إتمامه، إذ وصل فيه إلى كتاب الحج، والكتاب ما زال مخطوطاً، قيَّض الله له من يتولَّى أمر إخراجه، ويوجد منه نسخة في مكتبة الجامع بعنيزة.

2ـ (القول السديد في مقاصد التوحيد):

شرح مختصر لكتاب (التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) لمجدِّد الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، حرص العلاَّمة ابن سعدي على ربط الأبواب بالترجمة؛ مبيناً المناسبة بينهما.
بدأه المؤلف رحمه الله بمقدمة ضافية مشتملة على خلاصة وصفوة عقيدة أهل السنة والجماعة المستمدة من الكتاب والسنة، جاء فيها: (… أنهم يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فيشهدون أن الله هو الرب الإله المعبود المتفرِّد بكل كمال، فيعبدونه وحده مخلصين له الدين، فيقولون: إن الله هم الخالق البارئ المصوِّر الرازق المعطي المانع المدبِّر لجميع الأمور…)([93]).
وجاء في آخره: (.. وهذا آخر التعليق المختصر على كتاب التوحيد، وتوضيح مقاصده، وقد حوى من غرر مسائل التوحيد ومن التقاسيم والتفصيلات النافعة ما لا يستغنى عنه الراغبون في هذا الفن الذي هو أصل الأصول وبه تقوم العلوم كلها..)([94]).

3ـ (المختارات الجلية من المسائل الفقهية):

حرص الشيخ ابن سعدي على خدمة كتب الأصحاب من الحنابلة، وكان يقرِّر عليها في دروسه، ولما ألحَّ عليه بعض طلابه بالتعليق على بعضها وبيان الراجح لدى الشيخ؛ أقدم على التعليق على أحدها، وهو (شرح مختصر المقنع)؛ لأنه رأى أنه أكثر كتب الأصحاب استعمالاً، وأنفعها للطلاب. يقول موضحاً ذلك في مقدمة كتابه: (.. فلذلك أحببت تقييد ما تيسر منها، ورأيت شرح (مختصر المقنع) للشيخ منصور البهوتي أكثرها استعمالاً وأنفعها للطلبة في هذه الأوقات، فأحببت أن أجعل هذا التعليق كالاستدراك عليه والتنبيه على ما ذكره خصوصاً؛ ليكون تنبيهاً على غيره من كتب الأصحاب عموماً…)([95]).

4ـ (التعليق وكشف القناع على نظم قواعد الإعراب):

رسالة صغيرة الحجم، عظيمة الفائدة، تتكون من 22 صفحة، شرح فيها منظومة في قواعد الإعراب لأبي محمد عبد الله بن يوسف الشهير بابن هشام النحوي.
جاء في مقدمة شرح الشيخ خالد الأزهري على أصله، ذكرت منه ما يتعلَّق بهذا النظم، وحذفت منه ما يستغنى عنه، ونقلت عباراته؛ إلا في شيء يسير، وأسأل الله أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم…). والرسالة لم تطبع بعد، ويوجد منها أصل مخطوط عند الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام، أحد تلاميذ المؤلف.
فرغ الشيخ السعدي من هذه الرسالة في سنة 1334هـ([96]).
المطلب الثاني: عنايته بكتب ابن تيمية وابن القيم
اعتنى الشيخ ابن سعدي بكتب هذين الإمامين عناية خاصَّة، ولذا أكثر في كتبه من الحث عليهما، والترغيب في إكثار المطالعة فيهما، وكان يؤكد في دروسه على طلابه أن يحرصوا على هذه الكتب، ويتزوَّدوا منها، وحين بدأ التأليف رحمه الله؛ اعتنى بكتب هذين الإمامين؛ شرحاً وبياناً، وتأليفاً على منوالهما، واختصاراً لبعضهما. ومن أبرز ما قام به من جهود لخدمة كتب هذين الإمامين ما يأتي:

1ـ (التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة): علق فيه الشيخ السعدي على كتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ قرب فيه بعض المسائل، وجمع أطرافها، ولمَّ شتاتها، وشرح بعض الآيات شرحاً يوضح معناها وصلتها بمباحث الكتاب، وربط بعض المسائل ببعض بأسلوب علمي رصين كمّل هذه الرسالة العظيمة وجعلها سهلة التناول لطلاب العلم، وقد فرغ منها المؤلف رحمه الله في الثامن من جمادى الآخرة سنة 1369هـ([97]).

2ـ (طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول): هذا الكتاب من أبرز كتب ابن سعدي التي تدل على عنايته بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، إذ انتقاه من أكثر من ستين كتاباً من كتبه وكتب تلميذه ابن القيم التي وقعت بين يديه، وقد سهَّل ابن سعدي بهذا الكتاب الاستفادة من كتب الشيخين، فأبرز زبدتها، ووضعها بين يدي القارئ بهذا الجزء المختصر. وقد أوضح ابن سعدي بجلاء أهمية هذا الكتاب وفائدته، وذلك بالنظر لما أخذ منه، فقال في مقدمة الكتاب: (… أما بعد؛ فإنه لما كانت كتب الإمام الكبير شيخ الإسلام والمسلمين تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية قدس الله روحه جمعت فأوعت؛ جمعت جميع الفنون النافعة، والعلوم الصحيحة، جمعت علوم الأصول والفروع، وعلوم النقل والعقل، وعلوم الأخلاق والآداب الظاهرة والباطنة، وجمعت بين المقاصد والوسائل، وبين المسائل والدلائل، وبين الأحكام وبيان حكمها وأسرارها، وبين تقرير مذاهب الحق والرد على جميع المبطلين، وامتازت على جميع الكتب المصنفة بغزارة علمها وكثرته وقوته وجودته وتحقيقه، بحيث يجزم من له اطلاع عليها وعلى غيرها أنه لا يوجد لها نظير يساويها أو يقاربها…). (… ومن أعظم ما فاقت به غيرها وأهمه وتفرَّدت على سواها: أن مؤلفها رحمه الله يعتني غاية الاعتناء بالتنبيه على القواعد الكلية والأصول الجامعة والضوابط المحيطة في كل فن من الفنون التي تكلَّم بها، ومعلوم أن الأصول والقواعد للعلوم بمنزلة الأساس للبنيان والأصول للأشجار…).
(… وقد يسر الله الوقوف على كتبه الموجودة، فتتبَّعت ما وجدته في كتب هذا الإمام من الأصول والقواعد والضوابط النافعة، وأثبتها في هذا المجموع…).
(… وقد ألحقتها بعدما أكملتها بقواعد وأصول أخر من كتب شمس الدين ابن القيم، فبلغ الجميع ما يزيد على الألف؛ ما بين أصل وقاعدة، وضابط وكلام جامع…)([98]). وقال آخر هذا الكتاب: (… وقد نافت ولله الحمد على الألف([99]).
ما بين أصل، وقاعدة وضابط جامع، وتعريف مهم، وفائدة ضرورية، وترغيب في كمال، وتحذير من نقص، وتوجيه إلى المنافع الظاهرة والباطنة، وترهيب من المضار الدينية والدنيوية، ومَخْبَرُه يعني عن وصفه). (وجملة ذلك أن هذا المجموع قد انتقيته بعد التروِّي الكثير وكثرة التأمل والتفكير في جميع الكتب الموجودة من كتب الشيخين، فتضمّن صفوتها، واحتوى على جواهرها وغررها، والحمد لله، والفضل لله …)([100]).

3ـ (الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية):
هذا أحد الكتب الهامة لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكل كتبه هامَّة ونافعة، حيث عالج فيه المشكلة القدريَّة عن طريق النظم الجميل، فأجاب على سؤال من شخص يزعم أنه ذميُّ، وقصده دونما شكًّ التشكيك والتلبيس على الناس، فأجابه ابن تيمية بجواب مفحم يدلُّ على سعة علمه وطول باعه في شتى العلوم.
وقد رأى علامة القصيم السعدي شرح هذه القصيدة تلبية لبعض المحبين من طلابه وأحبابه، وقد أشار إلى ذلك في مقدمة الرسالة، فقال: (… أما بعد؛ فقد طلب مني بعض الإخوان أن أشرح (المنظومة التائية في القدر) لشيخ الإسلام والمسلمين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية؛ لما فيها من التحقيق العظيم في مسالة القضاء والقدر؛ لمتانتها، وصعوبة فهمها، واحتياجها إلى شرح متوسط يوضحها ويكشف عن معانيها، ولكون المقام والموضوع مقاماً مهماً جداً، والحاجة ـ بل الضرورة ـ داعية إلى علنه والتحقُّق به معرفة واعتقاداً، وهذا النظم قد أتى فيه الشيخ بالعجب العجاب، وبيَّن الحق الصريح، وكشف الشكوك والشبهات التي طالما خالطت قلوب أذكياء العلماء وحيَّرت كثيراً من أهل العلم الفضلاء؛ لذلك أجبت السائل لما طلبه، وأرجوا الله وأسأله أن يعين على تحقيقه وتوضيحه…).
(… والشيخ رحمه الله وقدَّس روحه نظمها جواباً لسؤال أورده عليه من قال: إنه ذمي؛ ليشبه على المسلمين، وليشككهم في أصول الدين؛ فإن الإيمان بالقضاء والقدر أحد أصول الإسلام ومبانيه.

وهذا نص السؤال:

(أَيا عُلَماءَ الدِّيـــــن ِذمِّيُّ دِينِكُمْ **** تَحَيَّرَ دُلُّوهُ بأَوْضَحِ حُجَّــــةِ
إِِذا مَا قَضى رَبِّي بِكُفْري بِزَعْمِكُــمْ **** ولَمْ يَرْضَهُ مِنِّي فَما وَجْهُ حِيلَتِي
دَعانِي وسَدَّ البــابَ دُونِي فَهَلْ إِلى **** دُخُولي سَبيلٌ بَيِّنُوا لِي قَضِيَّتي
قَضى بِضلالِي ثمَّ قالَ ارْضَ بالقَضَا **** فَهْلَ أَنا رَاضٍ بالَّذي فيهِ ِشقْوتِي
فإِنْ كُنْتُ بالمَقْضِيِّ يَاقَوْمِ رَاضِيــاً **** فَرَبِّيَ لَا يَرْضَى بِشُــؤمِ بَلِيَّتِي
وهَلْ لِي رِضَى ماليسَ يَرْضاهُ سَيِّدي **** فَقَدْ حِرْتُ دُلُّونِي على كَشْفِ حِيرَتي
إِذا شاءَ رَبِّي الكُفْرَ مِنِّي مشيئـــةً **** فهَلْ أَنا عَاصٍ باتِّباع المَشيئَةِ
وهَلْ لي اختِيارٌ أَنْ أُخالِفَ حُكْمَــهُ **** فباللهِ فاشْفْوا بالبَراهينِ غَلَّتي)
هذا آخر السؤال المذكور، وحاصله أنه إيرادٌ على مذهب الجبرية القائلين: إن العبد مجبور مقهور على جميع أقواله وأفعاله، وإنه لا قدرة له على شيء منها، بل هي عندهم واقعة بغير اختياره.
وهذا القول باطل بالكتاب والستة، وباطل بالعقل والحس؛ كما سيأتي بيانه إن شاء الله([101]). وقد ختم السعدي هذه الرسالة في ذكر أمثلة متنوعة تكشف للقارئ مسالة القضاء والقدر. وقد فرغ منها رحمه الله في 30 ربيع الثاني 1376هـ، وهي من آخر مؤلفاته رحمه الله، إذ فرغ منها قبل وفاته بأقل من شهرين.

4ـ (توضيح الكافية الشافية):

(الكافية الشافية) لشمس الدين ابن القيم رحمه الله نونية رائعة، ناقش فيها الجهمية والمعطلة والملحدين بالنقول الصحيحة والأصول السلفية والقواعد والعقول الصريحة، واستوفى فيها ابن القيم رحمه الله أصول الدين على نحو لم يُسْبَق إليه، وكانت هذه النونية بحاجة ماسة إلى مَن يتولَّى شرحها ويوضحها للقراء بأسلوب سهل واضح، حتى قيض الله لها العلامة السعدي الذي تولى شرحها وبين مراميها وحل ألفاظها وقربها للقراء. قال في مقدمة شرحه لها: (… أما بعد؛ فهذا توضيح لمعاني (الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية) لشمس الدين ابن القيم قدس الله روحه؛ لكون هذا الكتاب عديم النظير في استيفائه لأصول الدين والرد على الجهمية والمعطلة والملحدين بالنقول الصحيحة والأصول السلفية والقواعد والعقول الصريحة، وفيه من الفوائد الفرائد وما تصح وتكمل به العقائد ما لا يوجد في كتاب سواه، ولما كان النظم معناه بعيد المنال، ودلالته على المعنى المراد يكثر فيها الاشتباه والإشكال؛ أحببت أن أقربه للقارئين؛ بحله إلى معناه المنشور فقط؛ من غير زيادة على ما دل عليه؛ إلا إذا اقتضت الحال الزيادة، أو كان المعنى يتوقف عليها، ولم أشتغل بشرح لها كالشروح المعتادة؛ لتيسر حل ألفاظها على الراغب من كتب اللغة العربية؛ لكون الشرح العادي يقتضي بسطاً وتطويلاً.
واعلم أن هذا التوضيح والتعليق على اختصاره قد حوى جميع المقاصد والعقائد الدينية، وحصل به التوضيح التام لـ(الكافية الشافية)…).
(… واقتديت في عملي هذا بابن هشام في توضيحه لـ(ألفية ابن مالك) رحمهم الله…)([102]). ومقصود (الكافية الشافية) هو معرفة الله بإثبات ما له سبحانه من صفات الكمال ونعوت الجلال، وتنزيهه عن كل نقص وعيب ومشابهة للمخلوقات، وكذا التنبيه على أصول العقائد، وبيان أدلتها من الكتاب والسنة والعقل والفطرة، وذكر مذهب أهل السنة والجماعة، والرد على مخالفيهم؛ كل ذلك تعرَّضت له (الكافية الشافية) وتولَّى شرحه العلامة السعدي بأسلوب واضح لا غموض فيه ولا تعقيد، فرحم الله الجميع، وأسكنهم فسيح جناته.
وقد فرغ المؤلف من هذا الشرح في 10 جمادى الآخرة 1367هـ.

5ـ (الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية):
اعتنى ابن سعدي بشرح (الكافية الشافية) كما مر معنا، وشرحها شرحاً وافياً؛ لتكون سهلة التناول للقراء، لكن ذلك لم يثنه عن مزيد من العناية بها، فاستخرج منها توحيد الأنبياء والمرسلين، وشرحه شرحاً خاصّاً؛ مورداً الأبيات، ثم التعليق عليها بأسلوبه السهل الواضح.
وقد أشار ابن سعدي إلى أن له كتاباً مطولاً أكثر فيه من النقول عن مؤلف (الكافية)، لكنه بدا له أن يختصره بهذا الكتاب.
جاء في مقدمة هذا الكتاب: (… أما بعد؛ فقد كنت وضعت شرحاً على توحيد الأنبياء والمرسلين من (الكافية الشافية) للمحقق شمس الدين ابن القيم رحمه الله، أطلت فيه وأكثرت فيه من النقول عن كتب المؤلف، فبدا لي ان ألخصه بشرح متوسط يأتي بأغراضه ومقاصده، ويحتوي على المهم من مسائله وفوائده …).
وبدأه ابن سعدي بقول ابن القيم :
(فاسْمَعْ إِذاً تَوْحِيدَ رُسْلِ اللهِ ثُـ **** ـم اجْعَلْهُ دَاخِلَ كِفَّةِ المِيزانِ
مَعْ هَذهِ الأنْواعِ وانْظُرْ أَيَّهــا **** أَوْلى لَدَى المِيزانِ بالرُّجْحانِ([103]).
وجاء في آخره:
(ليسَ العِبادَةُ غَيْرَ تَوْحيدِ المَحَبـ **** ـةِ مَعْ خُضوعِ القَلْبِ والأرْكانِ
يعني أن العبادة روحها وحقيقتها تحقيق الحب والخضوع لله؛ فالحب التام والخضوع الكامل لله هو حقيقة العبادة، فمتى خلت العبادة من هذين الأمرين أو من أحدهما؛ فليست عبادة؛ فإن حقيقتها الذل والانكسار لله، ولا يكون ذلك إلا مع محبته المحبة التامة التي تتبعها المحاب كلها…)([104]).
وقد فرغ المؤلف من هذا الشرح في 3 ربيع الآخر 1367هـ

قائمة المحتويات

المقدمة
المبحث الأول: طريقته في التعليم
المبحث الثاني: طريقته في التأليف
المبحث الثالث: أسلوبه في كتابة الفقه
المبحث الرابع: ردُّه على مخالفيه
المبحث الخامس: أثره في الفقه
المبحث السادس: آثاره الأصولية
المبحث السابع: كتب الشيخ ابن سعدي ورسائله
المطلب الأول: القرآن وعلومه
المطلب الثاني: الحديث
المطلب الثالث: العقيدة والآداب والمواعظ
المطلب الرابع: الفقه وأصوله
المطلب الخامس: الخطب
المطلب السادس: اللغة العربية
خاتمة
المبحث الثامن: جهوده في خدمة كتاب الله
المبحث التاسع: جهوده في خدمة السنة
المبحث العاشر: جهوده في توضيح العقيدة
المبحث الحادي عشر: جهوده في الدعوة إلى الله
المبحث الثاني عشر: جهوده في خدمة كتب السلف
المطلب الأول: جهوده في خدمة كتب السلف عموماً
المطلب الثاني: عنايته بكتب ابن تيمية وابن القيم
ـــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) سورة الزمر: 9.
([2]) “روضة الناظرين” (1/ 223)، “سيرة ابن سعدي” (ص12).
([3]) “مجلة الجامعة الإسلامية” (السنة11/ العدد4/ ص208).
([4]) “علماء نجد” (2/ 424).
([5]) “المختارات الجلية” (ص177ـ 178).
([6]) مقدمة (إرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب بطريق مرتب على السؤال
والجواب ) (ص 2 ).
([7]) النحل: 125.
([8]) مقدمة (رده على القصيمي) (ص 3).
([9]) مقدمة(الأدلة القواطع) (ص 6).
([10]) مقدمة (الفتاوى السعدية) (ص 4).
([11]) مقدمة (منهج السالكين) (ص 7).
([12]) (مجلة الجامعة الإسلامية) (السنة 11/ العدد 4/ ص 208).
([13]) (المختارات الجليلة) (ص 176).
([14]) (رسالة مختصرة في أصول الفقه) (ص 122)، طبعت مع (منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين).
([15]) (رسالة في القواعد الفقهية)(ص 7 ـ 13).
([16]) (طريق الوصول)(ص 4).
([17]) (القواعد والأصول الجامعة (ص 3).
([18]) مقدمة (التفسير) (ص 2ـ 4).
([19]) مقدمة (تيسير اللطيف المنان) (ص 6).
([20]) مقدمة (القواعد الحسان) (ص 3).
([21]) (المواهب الربانية) (ص 3ـ 78).
([22]) سورة يوسف: 111.
([23]) سورة يوسف: 111.
([24]) سورة يوسف: 7.
([25]) (فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه السلام) (ص 2).
([26]) انظر: (المجموعة الكاملة لمؤلفات ابن سعدي / الثقافة) (1/271 و304).
([27]) مقدمة (بهجة قلوب الأبرار) (ص 5).
([28]) (طريق الوصول) (ص 3و4 و235).
([29]) (طريق الوصول) (ص 318).
([30]) مقدمة وآخر(القول السديد) (ص 6و53).
([31]) (مقدمة (الرياض الناضرة) (ص 1).
([32]) آخر (الرياض الناضرة) (ص 275).
([33]) ((الأدلة القواطع) (ص 7).
([34]) ((تنزيه الدين وحملته) (ص 3).
([35]) (المجموعة الكاملة لمؤلفات ابن سعدي / الثقافة) (1/ 309- 311).
([36]) مقدمة (الحق الواضح المبين) (ص 3).
([37]) مقدمة (التوضيح والبيان) (ص 5).
([38]) مقدمة (توضيح الكافية الشافية) (ص 3).
([39]) مقدمة (الدرة البهية) (ص 11).
([40]) مقدمة (سؤال وجواب) (ص 4).
([41]) (المجموعة الكاملة لمؤلفات ابن سعدي / الثقافة) (1/333 و 334).
([42])(سيرة ابن سعدي) (ص 23)، (المختارات الجليلة) (ص 413)، (مشاهير علماء نجد) (ص 395).
([43]) (سيرة ابن سعدي) (ص 23).
([44]) (التنبيهات اللطيفة).
([45]) (سيرة ابن سعدي) (ص 23).
([46]) مقدمة (شرح منظومة السير إلى الله) (ص 133).
([47]) انظر: (رسالة عن يأجوج ومأجوج )(ص 1و 32 ـ مخطوط).
وهنا أحب أن أؤكد أن الشيخ ابن سعدي مرجوح، فالواقع والمحسوس الذي استدل به أثبت أنهم غير يأجوج ومأجوج، إذ اختلط العالم بعضه، وأصبح بينهم علاقات وتعامل في شتى المجالات، والنصوص تقتضي أن يأجوج ومأجوج لا سلطان لهم ولا حول ولا قوة؛ إلا إذا أذن الله بذلك في آخر الزمان، ثم أين السد على رأي الشيخ؟ وأين خوارق العادات التي يجربها الله على أيديهم؟ كل هذا يقتضي بأن كلامه غير مسلَّم به، والعلم عند الله تعالى.
([48]) (المختارات الجلية) (ص 6).
([49]) (المناظرات الفقهية) (ص 177 ـ 178).
([50]) مقدمة (الفتاوى السعدية) (ص 4).
([51]) (علماء نجد) (2/424). وانظر: طريقته في التأليف.
([52]) مقدمة (إرشاد أولي الأبصار) (ص 2).
([53]) (حكم شرب الدخان) (ص 16).
([54]) تقديم (رسالة الجهاد) بقلم الشيخ علي الحمد الصالحي (ص 5).
([55]) مقدمة (وجوب التعاون بين المسلمين) (ص 3).
([56]) مقدمة (منهج السالكين) (ص 7).
([57]) (منهج السالكين) (ص 120).
([58]) (منظومة في أحكام الفقه) (ص 62ـ ضمن مجموعة رسائل أخرى).
([59]) مقدمة (القواعد والأصول الجامعة) (ص 3 ـ 4).
([60]) مقدمة (رسالة في القواعد الفقهية) (ص 5، 7، 13).
([61]) مقدمة (رسالة في أصول الفقه) (ص 122ـ مع رسالة في الفقه).
([62]) خاتمة (رسالة في أصول الفقه) (ص ـ 138 ـ مع رسالة في الفقه).
([63]) انظر: (المجموعة الكاملة / الخطب) (ص5).
([64]) (المجموعة الكاملة / الخطب) (ص187و294).
([65]) مقدمة (الفواكه الشهية) (ص4).
([66]) آخر (الفواكه الشهية) (ص189).
([67]) (الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة) (ص45).
([68]) انظر: (المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ ابن سعدي) في 16 مجلداً.
([69]) انظر: مقدمة (التفسير ) (1/2ـ 4).
([70]) (تيسير الكريم الرحمن) (1/46).
([71]) (تيسير الكريم الرحمن) (5/ 292).
([72]) سورة النحل: 125.
([73]) مقدمة (خلاصة تفسير القرآن) (ص 6).
([74]) آخر (خلاصة تفسير القرآن) (ص 203).
([75]) مقدمة (القواعد الحسان) (ص3).
([76]) مقدمة (القواعد الحسان) (ص4).
([77]) (القواعد الحسان) (ص 5).
([78]) (القواعد الحسان) (ص 7).
([79]) (المواهب الربانية) (ص 78).
([80]) (فوائد مستنبطة من قصة يوسف) (ص 3).
([81]) (المجموعة الكاملة لمؤلفات ابن سعدي / الثقافة) (ص 304).
([82]) (بهجة قلوب الأبرار) (ص 5).
([83]) (بهجة قلوب الأبرار) (ص 253).

([84]) (سؤال وجواب في أهم المهمات) (ص 7). وانظر: (التفسير) (1/26)، و (شجرة الإيمان)(ص41).
([85]) سبق التعريف بها كلها، ولذا سنذكرها بإيجاز.

([86]) مقدمة( الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة) (ص7).
([87]) ( تيسير الكريم الرحمن) (4/654ـ 655).
([88]) (وجوب التعاون بين المسلمين) (ص5).
([89]) (وجوب التعاون بين المسلمين) (ص7).
([90])(وجوب التعاون بين المسلمين) (ص8).
(3) (وجوب التعاون بين المسلمين) (ص17).
([92]) سأسردها بإيجاز، حيث سبق التعريف بها ضمن مؤلفاته رحمه الله.
([93]) مقدمة(القول السديد) (ص6).
([94]) (المجموعة الكاملة/ العقيدة) (ص53).
([95]) مقدمة (المختارات الجلية)(ص6).
([96]) (ابن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة)(ص45)99.
([97]) هذه الرسالة لم تذكر ضمن (المجموعة الكاملة).
([98]) مقدمة (طريق الوصول)(ص3ـ 5).
([99]) عددها بالتحديد 1015 ما بين قاعدة وأصل وضابط.
([100]) (طريق الوصول)(ص318).
([101]) (الدرة البهية) (ص11ـ 12).
([102]) (توضيح الكافية الشافية)(ص3ـ 4).
([103]) (الحق الواضح المبين)(ص3ـ 4).
([104]) (الحق الواضح المبين)(ص60).