الروض المربع شرح زاد المستقـنــع (المقدمة).

الأحد 19 جمادى الآخرة 1440هـ 24-2-2019م

المقدمة


الروض المربع شرح زاد المستقـنــع

 

حققه ووثق نصوصه وعلق عليه وعرف به
وبمؤلفه وقام بدراسة مسائله وقدم له
كل منأ.د عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود
الإسلامية فرع القصيم

و د. إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الله الغصن

الأستاذ المساعد بقسم الفقه بكلية الشريعة
وأصول الدين في القصيم

و د. خالد بن علي بن محمد المشيقح
الأستاذ المساعد بقسم الفقه بكلية الشريعة
وأصول الدين في القصيم
خرج أحاديثه ودرسها
د. عبد الله بن عبد العزيز الغصن
الأستاذ المشارك بقسم السنة بكلية الشريعة
وأصول الدين في القصيم
دار الوطـن
الطبعة الأولى 1416هـالمقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران:102).
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً](النساء:1).
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً] (الأحزاب:70، 71)، أما بعد:

فقد أجمع المسلمون على أن النصوص محيطة بأحكام أفعال العباد قال تعالى: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ] (سورة المائدة الآية 3).

وقال صلى الله عليه وسلم (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)([1]).

وقد قيض الله لحفظ كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فحولاً جهابذة من أئمة المسلمين وورثة سيد المرسلين. هم الواسطة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين الناس يبلغونهم ما قاله ويفهمونه مراده يقولون هذا عهده إلينا ونحن عهدناه إليكم وهكذا يتلقاه خلف عن سلف وجيل عن جيل (يحمل هذا الدين من كل خلف كعدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)([2]).

وأول من يصدق عليه هذا الوصف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيل المثالي الذين رباهم الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت توجيهات القرآن تلاحقهم تعالج أمراض النفوس وتزكي القلوب وصدق ابن مسعود رضي الله عنه حينما وصفهم بقوله: (أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة أبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم على أثرهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم)([3]).

وقد قام الصحابة رضوان الله عليهم على دين الله فحفظوه من الضياع وبلغوه للعالمين وجاهدوا في الله حق جهاده وكانت الشريعة الإسلامية هي المهيمنة على الأمة الإسلامية وهي المصرفة لأمورهم وقد كان فقهاء الصحابة هم أصحاب الرأي الذين بيدهم تدبير الأمور بعد الله لكنهم في سبيل ذلك واجهتهم صعوبات ومشكلات بعضها عرفوا حكمه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبعضها لم يقفوا على نص فيه فاجتهدوا في قياس الحكم على واقعة مماثلة وكانوا في اجتهادهم معتمدين بعد الله على ملكتهم التي حصلت لهم من مصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم بعد الصحابة جاء عصر التابعين وقد تربوا على يدي الصحابة الذين تربوا على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا ساروا على منهجهم ونقلوا عنهم الدين وشملتهم الخيرية بعد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم لكن عصر التابعين تميز عن عصر الصحابة بكثرة الاختلاف في المسائل لكثرة الاعتماد على الرأي واتساع رقعة الدولة الإسلامية وانتشار السنة في سائر الأقطار وتفرق الصحابة رضوان الله عليهم في الآفاق وهم حملة السنة وناقلوها عن الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذ كل واحد منهم يفتي ويعلم حسب ما عنده من النصوص وما أداه إليه اجتهاده فنقل التابعون عنهم ذلك وكان حصيلته تعدد المدارس الفقهية في عصر التابعين عنهم وأشهر هذه المدارس مدرستان المدينة النبوية واشتهر فيها بعد الصحابة الفقهاء السبعة ومدرسة الكوفة واشتهر فيها بعد الصحابة التابعي الجليل علقمة النخعي ومسروق وشريح ثم حماد بن أبي سليمان والأعمش.

ثم بعد عصر التابعين جاء المجتهدون وهم أهل الفضل الذين نقلوا الدين إلينا وعول جمهور المسلمين على العمل بمذاهبهم من صدر الإسلام إلى يومنا هذا ولم يحفظ الإسلام إلا من طريقهم فهم من خيار الأمة وقد كانوا أكثر أخذاً للسنة وعملاً بها من غيرهم فهم أقرب إلى الحق ناهيك بسلامة مناهجهم وبعدهم عن التعصب وتعويلهم على الدليل من الكتاب والسنة وعلى العلماء وطلاب العلم في كل عصر ومصر أن يعتنوا بالكتاب والسنة ففيهما الهدى والنور وعليهم أن يعرضوا أقوال الأئمة عليهما فما وافق أخذوا به وما خالف تركوه لأن هذا هو منهج الأئمة الذي صرحوا به في كتبهم رحمهم الله. ولقد كان لإمام أهل السنة أحمد بن حنبل قصب السبق في الاعتماد على الدليل والأخذ به فقد قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية (أحمد أعلم من غيره بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين ولا يكاد يوجد له قول يخالف نصاً. .)([4]).

لقد نضج الفقه في عصر الإمام أحمد واستقامت طرائفه والتقت فيه ثمرات جهود فقهاء الأمصار جميعاً من عراقيين وشاميين وحجازيين ووجد الإمام أحمد ثروة فقهية عظيمة خلفها السابقون من المجتهدين فيما دون من كتب في مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي واتصل بنفسه بالشافعي واستثمر هذا الفقه فيما لديه من علوم السنة وتميز بمنهجه الفقهي الذي يغلب عليه طابع السنة فإن دراسة السنة في عهده قد نضجت كذلك وعني العلماء بها دراية ورواية واهتم أحمد بتحصيلها وأكب على دراستها فكان إماماً في الحديث والفقه وفي مسنده خير شاهد على إمامته في الحديث.

وقد عني أصحاب الإمام أحمد بمذهبه عناية الإمام بالسنة فقعدوا القواعد ووضعوا اللبنات المتينة التي كانت ملتقى لتفريعات كثيرة في المذهب الحنبلي.

وانتشرت الكتب المطولة والمختصرة التي تعتني بالمذهب ودقائقه ولعل من أفضل المتون عند الحنابلة متن[المقنع] لشيخ الإسلام ابن قدامة الذي استحق لقب الشيخ إذا أطلق عند الحنابلة.

وقد اعتنى من بعده بهذا المتن شرحاً واختصاراً ووضعاً للحواشي عليه وكان ممن اختصره العلامة الحجاوي في [زاد المستقنع في اختصار المقنع] ثم جاء العلامة البهوتي وشرح الزاد بكتابة الرائع [الروض المربع شرح زاد المستقنع] الذي يعتبر بحق من أهم الموسوعات الفقهية التي اشتملت على كثير من الأحكام الشرعية مقرونة بأدلتها التفصيلية وقد اعتنى به عامة طلاب العلم وخصوصاً في هذه البلاد ـ حرسها الله من كل سوء ومكروه ـ سواء من القضاة في المحاكم الشرعية أو في المدارس النظامية في كليات الشريعة وما يماثلها أم في حلقات المساجد والجوامع إذ لا تكاد تخلو مدينة من عالم يدرس هذا الكتاب في حلقته. ولا غرابة في ذلك فقد أودع فيه البهوتي رحمه الله جملة من النصوص والآثار إذ بنى معظم مسائل هذا الكتاب على نص من السنة أو أثر عن الصحابة رضوان الله عليهم.
وهذا يؤكد قيام المذهب الحنبلي على السنة واعتماده على الآثار عن الصحابة رضوان الله عليهم لذلك كله عقدنا العزم على خدمة هذا الكتاب العظيم حلا لغامضه وتقريباً لمسائله وتخريجاً لأحاديثه وآثاره وترجمة لأعلامه.

وقد اجتهدنا في ذكر رأي شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وبيان الراجح في المذاهب وما عليه الفتوى في وقتنا الحاضر وذكر رأي بعض المجامع العلمية الشرعية.

نسأل الله أن يمدنا بالصحة والعافية لإتمام هذا المشروع العملاق إنه ولي ذلك والقادر عليه ونرجو صادقين من مشايخينا وإخواننا طلاب العلم أن يوافونا بما يرونه من ملاحظات واقتراحات لتلافيها في الأجزاء القادمة فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه ورحم الله من أهدى إلينا عيوبنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصل الله على عبده ورسوله نبينا محمد.

وكتب
أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد الطياروأبو محمد إبراهيم بن عبد العزيز الغصن

وأبو محمد خالد بن علي المشيقح

وأبو محمد عبد الله بن عبد العزيز الغصن
مساء الثلاثاء 8/8/1415هـ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

( [1]) رواه أبو عمر بن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ج2 ص181 ورواه ابن ماجه ج1 ص16 وصححه الألباني في السلسة الصحيحة ج2 ص647 برقم [937].
( [2]) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال رواه البزار وفيه عمرو بن خالد القرشي كذبه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ونسبه إلى الوضع انظر المجمع ج1 ص140 وأخرجه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث ص28.
( [3]) انظر جامع بيان العلم وفضله ج2 ص97 وجامع الأصول ج1 ص292.
( [4]) مجموع الفتاوى ج20 ص229.