من آثار الدعاء

الأربعاء 22 جمادى الآخرة 1440هـ 27-2-2019م
لقد طغت الماديات على كثير من الخلق فتنكروا لربهم ووهنت صلتهم به وقصروا نظرهم على الأسباب الظاهرة وهؤلاء لم يعلموا أن الله فوق تخطيطهم وتدبيرهم تدبيراً وفوق أسبابهم وتربيتهم تأثيراً وهؤلاء أيضاً لم يشعروا أنهم مهما خططوا ورتبوا ونظموا فلن يفلحوا إذا لم يرد الله ذلك وصدق الحبيب المصطفى: (واعلم أن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله فلن يستطيعوا ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يقدره الله فلن يستطيعوا).

ولما ضعفت صلة الناس بربهم وكثرت غفلتهم وطال إعراضهم سادت مجتمعاتهم موجات القلق والفتن والاضطراب على مستوى الأفراد والجماعات تخلوا عن ربهم فأعرض عنهم [نسوا الله فنسيهم].

نعم إن الحياة ليست صورة اللحم والدم والقوة ووفرة الطعام والأرزاق فهذه تشترك فيها الحيوانات مع بني آدم لكن الحياة حياة القلوب والاستجابة لأوامر الله وصدق الله العظيم: [أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا].

نلاحظ في واقعنا أن المسلمين تمربهم محن عظيمة ومصائب جسيمة ومع ذلك نرى الإعراض عن الله والانشغال بالماديات.

المسلمون يسامون العذاب يقتلون بأيدي الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم ويطاردون بسلاح إخوان القردة والخنازير ومع ذلك تمر هذه الأحداث وكأنها لا تعني الكثيرين أين نحن من السلاح الذي لا يحتاج حامله إلى قوة أو جهد بل يستطيعه الكبير والصغير والعجوز والمريض إنه الدعاء، لننظر إلى حال الأنبياء لما حزبهم الأمر مع أقوامهم لجأوا إلى الله بالدعاء وتبعهم من بعدهم ممن سار على نهجهم من العلماء والدعاة والمصلحين فهؤلاء هم الذين عرفوا كيف يدعون ربهم رغباً ورهباً وخوفاً من عذابه وطمعاً في رحمته كانوا يبتهلون إليه سبحانه آناء الليل وأطراف النهار ويتضرعون إليه سبحانه في الشدة والدعاء في العسر واليسر في الصحة والمرض في الفقر والغنى في المنع والعطاء وينصرفون إليه سبحانه بقلوبهم قبل ألسنتهم وأعمالهم قبل أقوالهم وبوطنهم قبل ظواهرهم وبأحوالهم قبل أشكالهم فلا عجب إذاً أن أجاب الله ما طلبوه وأعطاهم ما أرادوه وحقق لهم ما سألوه.

لقد كان السجود لونا من ألوان الراحة التي كان يشعر بها النبي ص عندما تحزبه الأمور وتتكاثر عليه الهموم فيدعو بما يلهمه الله من الدعاء ليزول ما يلاقيه من هم وكرب.
ولهذا علمنا رسولنا ص ماذا نقول لكي تلاقينا في مسيرنا في هذه الحياة فيبدل الله ذلك الهم إلى فرح فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ص قال: (من كثر همه فليقل اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك وفي قبضتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في مكنون الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي وجلاء همي وغمي ما قالها عبد قط إلا أذهب الله غمه وأبدله به فرحاً). رواه الإمام أحمد وصححه ابن حبان.

لقد أدرك أقوام من المؤمنين فيما أدركوا أن المفزع والمخرج من الحيرة والخوف والقلق بعد الإيمان هو الدعاء السلاح الذي يسدفع به البلاء ويرد به شر القضاء وهل شيء أكرم على الله من الدعاء كيف والله يحب ذلك من عبده ويحب انطراحه بين يديه والتوجه بالشكوى إليه بل أمر عباده بالدعاء ووعدهم بالإجابة [وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ] وقال تعالى: [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي].
إن التضرع إلى الله واظهار الحاجة إليه والاعتراف بالافتقار إليه من أعظم عرى الإيمان وبرهان ذلك الدعاء والإلحاح في السؤال.

فينبغي لكل عبد مؤمن ألا يغفل عن السلاح وقت الشدة سلاح نوح عليه الصلاة والسلام واخوانه من بعده ذي النون وأيوب وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا لخيري الدنيا والآخرة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.