خطبة بعنوان “الله جواد كريم”.

الخميس 23 جمادى الآخرة 1440هـ 28-2-2019م

الخطبة الأولى :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً: أمــا بــعـــد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا بطاعة الله وتعرضوا النفحاته لا سيما في هذا الشهر المبارك فالله جواد كريم.
عباد الله كم تجرأ اليهود على الله جل وعلا ووصموه قبحهم الله بصفات هم أنفسهم يتنزهون عنها ولكنه الجبن والخبث والخسة لقد وصل بهم الكفر والسخرية أن وصفوا الله بقولهم [يد الله فغلو له] وقالوا عن الحكيم العليم الذي بيده خزائن السماوات والأرض [إن الله فقير ونحن أغنياء] وهنا لم يصفوا الله بالبخل خبثاً منهم ومكرها وإنما عبروا الوصف أشد خسة وحقداً ولكن الله رد عليهم بدقة عجيبة وأسلوب رائع حيث قر مقولتهم بإيجاز وبسط الرد عليهم قال تعالى: [وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ].
وقد وقع لهم ذلك فأصبحوا أبخل الناس وأحد الناس وأجبن الناس وصدق الله العظيم [ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ].
وقد كذبوا قاتلهم الله فالله واسع الفضل جزيل العطاء ما من شيء إلا عنده خزائنه خلق لعباده كل ما يحتاجونه في جميع أحوالهم [وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ].
فهو سبحانه أكرم الأكرمين لا تغيض نفقاته بمر السنين ولا يميل سؤال السائلين ولا يتبرم بإلحاح الملحين ولا تختلف عليه حوائج الطالبين قال صلى الله عليه وسلم: (إن يمين الله ملأى لا يغييضها نفقة سماء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه وعرشه على الماء وبيده الأخرى القبض يرفع ويخفض).
فسبحانه من جواد كريم خلاق عظيم رحيم بعباده يكللؤهم ويحفظهم وهم له عاصون يجود سبحانه بالفضل على العاصي ويتفضل على المذنب من ذا الذي سأله فلم يعطه ومن ذا الذي أناخ ببابه فنخاه فا الله سبحانه هو الجواد ومنه الجود وهو الكريم ومنه الكرم وكرم خالقنا سبحانه شمل كل الأمور المادية والمعنوية من أنواع الرزق لعباده وصنوف الثمار وألوان النعيم وكنوز الأرض وإنزال الغيث والمعنوية كسعة المغفرة وغفران الذنوب وإعتاق الرقاب وإن سعة مغفرة ربنا تزداد في مثل هذه المواسم الفاضلة ومهما كان جود الناس وعطاؤهم فهو تابع لجود خالقهم لأنه يخلف عليهم ما أنفقوه ويرد إليهم أصناف ما أعطوه [وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه]. وقال تعالى: [وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ].
وإن لخالقنا سبحانه مواسم يعظم فيها عطاؤه ويمتد كرمه ومنها شهركم هذا الذي ذهب أكثره وبقي أقله فاستغلوا بقيته بالطاعة والعبادة والدعاء كيف وقد أنزل الخالق فيه قوله تعالى: [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ].
وجاء في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له سبعمائة ضعف قال الله إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).
وقال في الحديث القدسي (يا عبادي لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إّذا أدخل البحر).
وقال أيضا عن كرمه وجوده (يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي).
عباد الله وقد جبل الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم خلال الخير والبر والمرحمة والجود والكرم.
يقول أنس رضي الله عنه ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه فجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة.
وكان عطاؤه صلى الله عليه وسلم عاماً وجوده شاملاً لأنواع الجود من بذل العلم وبذل المال وبذل النفس في سبيل الله ونصرة دين الله واعلاء كلمته جاءت إليه امرأة ببردة فقالت يا رسول الله نسجتها لك بيدي لتلبسها فلبسها صلى الله عليه وسلم إزاراً له فخرج إلى أصحابه وهي عليه فقال له أحد أصحابه يا رسول الله اكسيتها ما أحسنها فذهب صلى الله عليه وسلم إلى بيته وخلعها وأرسلها للرجل فعاتبه الناس على ذلك فقال والله ما سألتها لرسول الله لتكون كسماءً لي وإنما لتكون كفني فكانت كفنه.
فما أعظمه من سئول وما أسعده من سائل فقد سبي ببردة لامست الجسد الطاهر هذا وأستغفر الله فاستغفروه يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي خص عباده المؤمنين بمزيد من الفضل والإنعام وأشهد أن لا إله إلا الله جعل مواسم الطاعة لعبادة ليتزودوا منها من أعمال الخير رفعة لدرجاتهم وإكراماً لهم وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي كان أجود الناس وكان في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن أصحابه وآله وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنكم تستقبلون العشر الأخيرة من رمضان التي كان صلى الله عليه وسلم يشد فيها المئزر ويحي ليله ويوقظ أهله فأكثروا فيها من العمل الصالح واغتنموا بقية الشهر فقد لا يدرك المرء مواسم الخيرات مرة ثانية.
عباد الله كم نحن بحاجة إلى التعاون على الخير وتوجيه بعضنا بعضاً فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه.
واعلموا بارك الله فيكم أن أموال الموتى الخاصة بهم وهي الأثلاث فما دونها لا زكاة فيها لأنها غير مملوكة والزكاة تمليك للفقراء والتمليك فرع الملك والميت لا يملك المال وكذلك الأموال العامة الخاصة بالناس كالموجودة في صناديق التبرعات وأموال جمعيات تحفيظ القرآن وجمعيات البر وصناديق الأسر الخاصة بالتبرعات وهكذا.
واعلموا أيضاً أن بعض الناس إذا كان عنده ماشية ولم تنطبق عليها زكاة السائمة يترك زكاتها وهذا خطأ فالماشية عند الشخص لا تخلو من ثلاث حالات إما أن تكون سائمة ترعى المباح أكثر الحول وهذه تزكى زكاة السائمة المعروفة وإما أن تكون عروض تجارة ببيع منها ويعدها كغيرها للبيع سواء باستمرار أو في مواسم البيع وهذه تزكي زكاة عروض التجارة تقوم وتحسب ويخرج عنها نقوداً وفيها ربع العشر.
وإما أن تكون حاجة خاصة له يأكل منها ويضحي ويشرب من حليبها ولكنه لم يعدها للبيع أما كونه قد منها مرة أو لو جاء شخص وعرض عليه مبلغاً كبيراً فيها لباعها فهذا ألا يجعلها عروض تجارة.
هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.