خطبة بعنوان “إخلاص العمل بعد رمضان” بتاريخ 9-10-1410هـ

الخميس 23 جمادى الآخرة 1440هـ 28-2-2019م

الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي بلَّغنا رمضان وأشهد أن لا إله إلا الله أعد لمن أطاعه فسيح الجنان وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الموحي إليه(رغم أنف أمرئ لم يُغفر له في رمضان). صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. وبعد:

أيها الإخوة المؤمنون أرأيتم تاجراً يدخل موسماً من مواسم التجارة ألا يجتهد ويحرص على الكسب ويبذل كل وسيلة لرفع رصيده من الربح وهل لو فرط هذا التاجر ووقف أمام التجارة الرابحة يتفرج ولم يبع ويشتر ألا يوصف بالجنون ألا يقال إن هذا التاجر فرط وفاته نصف عمره ألا يقال مسكين التاجر الفلاني ضاعت عليه هذا الصفقة إذا كان هذا في باب التجارة الدنيوية فما بلكم بتجارة الآخرة الم يمر علينا موسم من أعظم مواسم المتاجرة مع الله ألم ينصرم رمضان الذي ثبت في السنة الصحيحة أن ثواب النافلة فيه يعدل ثواب الفريضة وثواب الفريضة يعدل ثواب سبعين فريضة وثواب العمل في ليلة فيه يعدل ثواب ألف شهر في غيره. من صامه إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.

ألا يصيبنا الفزع والذعر بعد رمضان هل سيقبل منا أم لا ألا نتدبر قول الله تعالى
[وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ] وقول الله تعالى [إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ].

عباد الله إن لقبول العمل علامات واضحة أهمها أن يستمر المسلم على العمل الصالح ويتبع الحسنة بالحسنة فمن كان يسابق إلى بيوت الله ينبغي ألا يكسل بعد رمضان ومن كان يكثر من قراءة القرآن ينبغي أن يستمر على ذلك ومن كان يكثر الصدقة والبذل فينبغي أن يستمر في هذا الطريق.

ومن كان يحفظ فرجه ولسانه فعليه الاستمرار. أما أولئك الذين فرحوا بانتهاء رمضان ليطلقوا شهواتهم العنان يغفلون المعاصي يتعاطون المسكرات والمخدرات والدخان يستمعون للمعازف والمزامير يؤذون المسلمين في أعراضهم مجالسهم عامرة بالغيبة والنميمة وتحاياهم فيما بينهم اللعن والسب يجمعهم الحرام ويغرقهم الحرام بنى الشيطان قصراً في مجالسهم أولئك أيها الأحباب لم ينتفعوا من رمضان فتذكر أخي المسلم من أي الفرقين أنت وترغب أن تحشر مع من؟؟

يا من عرفت أن لك رباً في رمضان كيف نسيته بعد رمضان . يامن عرفت أن الله أوجب عليك الصلوات الخمس في المساجد كيف تجاهلت ذلك وأصبحت لا تعرف المساجد إلا قليلاً. يا من عرفت أن الله حرم عليك المعاصي في رمضان كيف أوغلت في الوقوع فيها بعد رمضان يا من عرفت أن أمامك جنة ونارا وثواباً وعقابا كيف نسيت ذلك بعد رمضان.

عباد الله لقد شكت المساجد قلة الزائرين وشكا كتاب الله كثرة الهاجرين فإنا لله وإنا إليه راجعون من منا أعان على طاعة وندب إليها من منا شجع أبناءه ووجههم إليها من منا أخذ بأيدي جيرانه إلى المساجد وحثهم على الخير هنيئاً لأولئك جنات النعيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر أما أولئك الذين أطلقوا لنسائهم العنان فأصبحن يتجولن في الأسواق ويماكسن الباعة صدورهم واضحة وسواعدهن مكشوفة وأصواتهن فاتنة فأولئك يخشى عليهم أنهم لم يستفيدوا من رمضان إن أفضل مكان للمرأة بيتها وهل رأيتم وصية غالية أفضل من وصية بنت الحبيب صلى الله عليه وسلم الطاهرة المطهره (خير للمرأة ألا ترى الرجال ولا يراها الرجال).

إن الذين يشوهون سمعة أهل الخير رغبة في مطمع دنيوي أو حرصا على هتك عرض مسلم سيقفون حفاةً عراةً بين يدي الله في يوم لا ينفعهم فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله جعل الجنة داراً لمن أطاعه وأشهد أن لا إله إلا الله من تاجر معه فقد ربح البضاعة وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أكمل المؤمنين وأزكاهم طاعة صلى الله عليه وعلى آله وصحبة أهل الصدق والقناعة.

أمــا بعــد عباد الله :

هنيئا لمن أخلص العمل واستمر عليه هنيئا لمن لم تتغير حالهم بعد رمضان محطة يتزودون منها فضاعفوا عملهم الصالح. هنيئا لهم فأولئك وفد الرحمن هنيئاً لهم وقد قاموا من قبورهم غير مذعورين ولا خائفين لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون.

قال تعالى [يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً] وقال تعالى [وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ].

وأبوابها التي يدخلون معها ثمانية أحدها باب الريان وهو خاص بالصائمين ما بين المصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة وليأتين عليها يوم وهي كظيظ من الزحام كما ثبت في صحيح مسلم.

عند باب الجنة شجرة عظيمة ينبع من أصلها عينان أعدت أحدهما لشرب الداخلين والثانية لاغتسالهم فيشربون من الأولى لتجري نضرة النعيم في وجوههم فلا يبأسون أبداً ويغتسلون من الثانية فلا تشعث أشعارهم أبدا.

وبعد دخلوهم يقول رسول الله r (إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون ولا يتفلون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوه. أزواجهم الحور العين أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء).
وأهل الجنة يتفاوتون في درجاتهم فسبحان الله ما أعظم تفاوت درجاتهم وما أبعد ما بين قصورهم ومنازلهم تبعاً لكمال إيمانهم في الدنيا وكثرة أعمالهم الصالحة واستمرارهم عليها ثبت في الصحيحين أن النبيr قال: (إن أهل الجنة ليتراءون الدري الغابر في الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين).
هذا هو مآل الطائعين أيها المؤمنون فاختاروا لأنفسكم طريق الخلاص وأنقذوها ما دام في الأمر إمكان واستمروا على طاعة الله لتفوزوا بأعلى الجنان.

قال تعالى:
[سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ] نسأل الله أن يحشرنا ووالدينا وجميع المسلمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

عباد الله صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى والقدوة المجتبى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليما [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] وقال صلى الله عليه وسلم (من صلى علي مرة واحده صلى الله عليه بها عشراً) اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا صاحب اللواء المعقود والحوض المورود والمقام المحمود وارض اللهم عن أصحابه أجمعين وعن آل بيته الطيبين الطاهرين وارض اللهم عمن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين. عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

بتاريخ 9-10-1410هــ