غزوة بدر الكبرى والثانية عن الاعتكاف.

الخميس 23 جمادى الآخرة 1440هـ 28-2-2019م

الخطبة الأولى :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فاتقوا الهح عباد الله وتأملوا في سيرة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ففيها عظة وعبرة وزاد لكم في طريقكم إلى الله.

عباد الله! في مثل هذا اليوم من العام الثاني من الهجرة وقعت معركة بدر الكبرى التي سماها الله يوم الفرقان وكانت بداية نصر جديد للمسلمين سطرها الكتاب العزيز في آيات تتلى إلى يوم القيامة.

وكان من خبرها وأسبابها ما يأتي: كانت عير القريش فيها أموال طائلة قادمة من قريش وقد تعرض لها رسول الله صلى الله وأصحابه ولكن دهاء أبي سفيان وقدرته الاستكشافية جعلت يتتبع الأخبار حتى صرف القافلة عن الطريق الرئيس إلى طريق الساحل ونجت العير ثم طلب من قريش العودة إلى مكة بعد نجاة القافلة ولكنهم رفضوا بعد أن خرجوا بطلبه لنصرة العير، وقال سيدهم أبو جهل لا نرجع حتى تعلم بنا العرب فتهابنا إلى الأبد.
كان عدد جيش مكة يزيد على ألف وثلاثمائة ثم جعل منهم بنو زهرة وكان قوامهم ثلاثمائة فبقي ألف. وعدد جيش المدينة في حدود الثلاثمائة رجل.

وبعد أن علم رسول الله بقرب وصول الجيش المكي إلى بدر عقد مجلسا استشاريا لاستطلاع رأي الصحابة لأنه خروجهم في الأصل ليس للقتال وإنما لاعتراض العير.

فأشار إليه أبو بكر رضي الله عنه خيرا ثم أشار عليه عمر خيرا ثم المقداد كذلك وكل هؤلاء من المهاجرين وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على سماع رأي الأنصار،فقام أميرهم سعد بن معاذ وقال قولته الخالدة: ” لكأنك تطلب رأينا يا رسول الله فأنا أقول عن الأنصار امض يا رسول الله على بركة الله والله لو خضت بنا البحر لحقناه معك ما تخلف منا رجل واحد صل من شئت واقطع حبل من شئت وخذ من أموالنا ما شئت واعطنا ما شئت وما أخذت من أموالنا أحب إلينا مما تركنا” إلى آخر ما قال.
ثم واصل الجيش الإسلامي حتى وصل ببدر ونزل في هذه الليلة مطرا فكان على المشركين شديدا منعهم من التقدم، وكان على المسلمين طلا طهرهم به وأذهب عنهم رجس الشيطان وربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وأصلح لهم المنزل.

وهكذا اختار الجيش الإسلامي أحسن المنازل عند المياه لاحتقارها، وبنى الصحابة عريشا لرسول الله في كل مرتفع يطل على ميدان المعركة واختاروا طليعة من الثبات تحرسه على رأسهم سعد بن معاذ.

وفي هذه الليلة أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يستعرض المكان ويشير إلى مصارع القوم، هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله وهذا مصرع فلان إن شاء الله.

وحصل في هذه الأثناء انشقاق في جيش مكة ولكن أبا جهل قضى عليه وأسرع المجيء إلى بدر وتلاقى الصفان.

وكان الشرارة خروج الأسودين عن الأسد وهو رجل شرس من جيش مكة حيث قال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه.
فلما دنا من الحوض حمل عليه جمزو رضوان الله عليه حتى بتر قدمه فحبا إلى الحوض فأجهز عليه وهو فيه.

ثم بدأ المبارزة وانتصر منها المسلمون بقتل ثلاثة من قيادات قريش، وهنا بدأت مناشدة الرسول لربه في دعائه: ( اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد ) وأبو بكر يقول: حسبك يا رسول الله، ونزلت الملائكة تقاتل مع المسلمين بوحي من الله تثبت المؤمنين وتلقي في قلوب الكفار الرعب وقد أمدهم الرحمن بألف من الملائكة مردفين.
وقد أغفى رسول الله ثم قال: يا أبا بكر أبشر هذا جبريل آخذ بعنان فرسه فخرج الرسول ينظر من باب العريش وهو يقول {سيهزم الجمع ويولون الدبر).

ثم حرض الجيش على الهجوم وقال قولته الخالدة: (والله لا يعار رجل فيقتل صابرا محتسبا إلا دخل الجنة ).
فأبدع الشباب الأسمي متحفذا للجنة وخاطبا لها وهنا انسحب إبليس من ميدان المعركة وحصلت الهزيمة الساحقة بقريش وقتلت قيادتها ورجع رسول الله غانما منتصرا نصرا مؤزرا وبدأت وفود التهنئة تصل إليه ورجع الجيش المكي خاسرا ذليلا ولذا سما الله هذا اليوم بيوم الفرقان إذ فرق بين الحق والباطل.

وهنا أوحي بثلاثة أمور مهمة:

(1) البذل لهذا الدين في أي مجال يستطيعه للمسلم ليكون زادا لها ورصيد في حسناته.
(2) الاجتهاد في الدعاء واستغلاله مواسمه مثل هذا اليوم الجمعة في رمضان.
(3) التخلص من حقوق الخلق ومظالمهم لأن هناك خصومة بين يدي الله جل علا وصدق الله العظيم { وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم واستغفروا الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن شهركم قد انتصف ولم يبق إلا أقله والعشر الأواخر قد أقبلت فاجتهدوا فيها ففيها ليلة خير من ألف شهر ومما تختص به هذا العشر الاعتكاف وهو سنة رسول الله فقد اعتكف واعتكف أصحابه بل اعتكفت نساؤه ومن رغب في الاعتكاف فليدخل معتكفه قبل غروب شمس اليوم العشرين من هذا الشهر أي يوم الاثنين القادم قبل غروب الشمس وعلى البعد أن ينشغل بالقراءة والذكر والتسبيح.
ولا يسوغ لشاب أن يعتكف دون إذن والديه ومن كان موظفا أو طالبا فلا ينبغي له أن يعتكف إلا باستئذان من جهته، وهكذا إمام المسجد إذا اعتكف في غير مسجده يلزمه استئذان الأوقاف.

ولا يخرج إلا للضرورة كطعام وقضاء الحاجة إلا إذا اشترط شيئا معينا لكن لا ينافي الاعتكاف، فلو شرط أن يداوم يوميا أو يذهب إلى محله التجاري فهذا ينافي الاعتكاف.
ويقضي وقته بالطاعات ولا ينبغي أن ينشغل المعتكفون بالأحاديث والجلسات الجماعية التي ضررها أكثر من نفعها.
ويخرج من معتكفه إذا بلغه لخبر أو أتم رمضان ثلاثين يوما.

نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم وأن يوفقنا وإياكم للعمل الصالح، الله صلى وسلم…