خطبة بعنوان “من دعامات دخول الجنة”.

الخميس 23 جمادى الآخرة 1440هـ 28-2-2019م

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، فالتقوى عنوان الفلاح والرشاد في الدنيا والآخرة.

عباد الله ! كثير هم أولئك الذين ينشدون الكمال النفسي والسمو الروحي الذي يوصل إلى الجنة ولكن هناك من يقف في وسط الطريق، وهناك من يضل الطريق،وهناك من يتعثر لأسباب من نفسه أو هواه أو قرينه من شياطين الإنس والجن.

لكن هناك ركائز ودعامات من التزم بها وسار على نهجها فإنه يصل إلى مبتغاه بإذن الله قال صلى الله عليه وسلم: ( من أكل طيبا وعمل في سنة وأمن الناس بوائقه دخل الجنة ).فمن ثبت على هذه الجادة حاز السعادة بحذافيرها سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.
وليس أكل الطيب أيها المؤمنون يعني ما لذ وطاب من الطعام والشراب وإنما هو أرفع من المتعة واللذة، إنه يعني طيب الكسب والترفع عن الحرام في مختلف دروبه ونواحيه، فيجتنب المسلم كل ما حرم الله من طرق الكسب الخاصة والعامة مما فيه ضرر على نفسه وعلى مجتمعه كالرشوة والربا والغش والتدليس والسرقة، وكل كسب حرام لا يبارك الله للعبد فيه بل قد يكون سببا في هلاكه وقد يبتلى بما يفقده التمتع به، فيبتلى بالجوائح السماوية والأرضية كالأمطار والسيول والرياح والحرائق، وقد يبتلى بالأمراض في نفسه وأهله وولده، وهنا كيف يتمتع بهذا المال مع هذه المنقصات الكبيرة التي يكون نهاية بعضها إلى القبر ثم الحساب وسيناقش عن هذا المال كله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وهناك تكون الحسرة في الدنيا التي تعقبها الحسرة والندامة في الآخرة .

الركيزة الثانية التي توصل إلى الجنة العمل في سنة، ومعنى ذلك البعد عن البدع والالتزام بالسنة والسير على ما سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، فمن كان على هذه الجادة وسار عليها ملتزما بها فقد ملك رصيدا يؤهله للنجاح في الإجابة عن السؤال الحاسم حينما يسأل الله العباد عن مدى استجابتهم لرسلهم قال تعالى:{ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ}.

فإن كان ممن اتبع الهدى الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تتشعب به السبل ولم يسلك منهجا ملتويا فإنه يكون مؤهلا لشفاعة خير الورى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسل. أما إن كان من الصنف الآخر الذين بدلوا وغيروا وانحرفوا عن الجادة فهؤلاء يزادون عن الحوض الهني والمورد الروي حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا وإذا اعتذر لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ودافع عنهم قيل له” إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فيقول سحقا لهم وبعدا” لأنهم انحرفوا عن الجادة وحادوا عن القاعدة الكبرى في باب العبادات قال تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
وقال تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

الركيزة الثالثة التي توصل إلى الجنة أن يكون المسلم سلما لإخوانه لا حربا عليهم يتعاون معهم لما فيه خير المجتمع وصلاحه، يحب لهم الخير كما يحبه لنفسه ويدفع عنهم الشر كما يدفعه عن نفسه يذب عن أعراضهم ويدافع عن حرماتهم ويصون لسانه عن الخوض فيما يكرهون وصدق الله العظيم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ}.

فالمسلم الحق من سلم المسلمون من لسانه ويده،والمؤمن الحق من أمن الناس بوائقة، صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يأمن الناس بوائقه، قالوا يا رسول الله وما بوائقه؟ قال: غشمه وظلمه) والغشم والظلم يشمل كل أنواع التجني والتسلط من استباحة الدم والمال والعرض، فكل مسلم على مسلم حرام دمه وماله وعرضه، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، والمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

عباد الله ! لابد من السير وفق المنهج الذي رسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنا هي تلك الدعائم الثلاث التي توصل الجنة: أكل الطيب من الكسب واتباع السنة وكف الأذى عن الناس، فاحرصوا بارك الله فيكم على تحقيقها لتنالوا مرضاة ربكم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً . وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي وعد للسالكين لصراطه المستقيم بحسن العاقبة في الدنيا والآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الفوز والفلاح والسعادة باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فمهما تعددت المذاهب والطرق الطريق الصحيح واحد لا لبس فيه ولا غموض سار عليه المعصوم صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده ولا يزال الأخيار الصالحون من العلماء الربانيين ومن يسير على نهجهم في كل زمان ومكان يسيرون على هذا الطريق الذي فيه لزوم السنة وفيه النجاة من الفتنة وفيه السلامة من الأهواء، وقد عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ( من أكل طيبا وعمل في سنة) .

فاحرصوا أيها المؤمنون على السير وفق هذا الطريق لتربحوا في الدنيا والآخرة تربحوا في الدنيا بالسعادة واللذة وتربحوا في الآخرة بورود حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم لثباتكم على نهجه والتزامكم بسنته.

أسأل الله بمنه وكرمه أن يوردنا حوضنا , وأن يثبتنا على الصراط المستقيم حتى نلقى حبيبنا رسول الله وصحبه الكرام.
اللهم أعز الإسلام ….