خطبة بعنوان “التوبة في رمضان”.

الجمعة 24 جمادى الآخرة 1440هـ 1-3-2019م

الخطبة الأولى :

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب فتح بابه للتائبين، وأشهد أنلا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكثر الناس استغفارا وأعظمهم توبة صلى الله عيه وسلم، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه من رحمة الرحيم الرحمن أنه سبحانه فتح لعباده أبواب الأمل والرجاء على مصارعيها ليتوب المذنب ويرجع الخاطئ فلا يأس ولا قنوط ولو وصل المذنب إلى حد الإسراف وصدق الله العظيم { قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.

عباد الله! كل الناس مهما صلحت حالهم واستقام أمرهم واقعون لا محالة في الذنوب ومنه الذي يسلم منها إلا من رحم ربك، لقد علم خالقنا سبحانه وهو العليم بدقيق أمورنا وجليلها أننا واقعون في المعاصي فمثل ومكثر ولذا فتح لنا أبواب التوبة من أجل أن نتدارك هذا التفريط والتقصير.

أخرج الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: (يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً).

لا إله إلا الله ما أعظم رحمة الله وكرمه وعفوه الله أكبر إنه الكرم الرباني الذي لا حدود له، إنه كر الذي خزائنه ملآى لا تعجزه النفقة، إنها رحمة الباري الذي وسعت كل شيء إنها الرحمة مفتحة الأوباب تنتظر رجوع العباد.

أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه قال: (أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ).

عباد الله!
كم تمر علينا من الأوقات نغفل فيها عن ربنا وتتحرك شهواتنا ونقع فيما نهينا عنه وهنا حذار أن يستلط الشيطان على الواحد منا بل عليه أن يبادر بالتوبة ويعلم أن له ربا كريما عفوا غفورا رحيما يحب التوابين ويقبل اعتذار العاصين في كل الأوقات من الليل والنهار.
ثبت في صحيح مسلم عن أبي موسى رضي الله عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا).
وصدق الله العظيم : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}.
بالتوبة يا عباد الله تغسل الذنوب ونتطهر منها ونصبح أتقياء أنقياء أهلا لرحمة الله ومتنزلا للفلاح والنجاح وأهلا لهما قال تعالى: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

عباد الله! ولابد من العلامات الظاهرة لصدق التوبة والرجوع إلى الله، أما التوبة الظاهرية فقط أو التوبية التسويفية فلا أثر لها، لابد من وجود الدلي والبرهان على ما ينطق به اللسان، لابد من عمل صالح وبعد عن المعصية وانحراط في عالم الصلاح والتقى وصدق الله العظيم : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى}.
التوبة الصالحة هي التي تغير مسار العبد وتقلب حياته من الفساد إلى الصلاح ومن الضلالة إلى الهدى ومن العمى إلى البصيرة ومن الاعوجاج إلى الاستقامة، لابد من الإقلاع عن الذنبو البعد عنها ورد الحقوق إلى أصحابها، قال الحسن البصري في التوبة النصوح : ” هي أن تبغض الذنب كما أحببته وتستغفر منه إذا ذكرته “.

عباد الله!
أما التوبة التي تبقى في حدود اللسان وليس لها صلة بالقلب فهذه توبة شكلية لا يترتب عليه ما أعده الله للتائبين المذنبين النادمين المستغفرين قال تعالى:{ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
قف يا عبد الله باب الرحيم الرحمن وأعلن توبتك الصادقة فنحن نودع العشر الأول من رمضان، قف بالباب واسأل الغفران عما مضى والحفظ فيما يقي من العمر فرحمة الله قريب من المحسنين.

ألم تعلم يا عبد الله أن الحبيب صلى الله عليه وسلم يتوب في اليوم والليلة مائة مرة، ألا تعلم أنه أكثر الناس استغفارا وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اركب مطيتك يا عبد الله وشمر عن ساعد الجد فقد سبقك أقوام وأنت على الطريق ماش فالعمر مقيد والأجل قريب والدنيا سويعات والنهاية جنة أو نار.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
بارك الله في ولكم في القرآن العظيم ….

الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي يقبل توبة التائبين ويغفر ذنب المذنبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الطاعات في هذا الشهر الكريم فأوقات الخير والفضل إذا مضت لا تعود واعلموا أن المنافسة الحقيقية هي المنافسة في الطاعة والخير يروى عن أبي موسى الأشعري أنه جمع أولاده عند وفاته وقال: أتعرفون قصة صاحب الرغيب وكان يتعلم عن التوبة وصدق الإقبال على الله، قال أولاده: لا، فقال: كان فيمن قبلنا رجل أسرف على نفسه في المعاصي ….