خطبة بعنوان “الإنفاق في سبيل الله”.

الجمعة 24 جمادى الآخرة 1440هـ 1-3-2019م

الخطبة الأولى :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا}.

عباد الله! المال مال الله هو الذي خلق الإنسان وأكرمه فرزقه المال فضلا من الله ومنة لم يصطنع الإنسان ذلك لنفسه ولم يوجده من عدمه، الفضل لله والأمر له من قبل ومن بعد قال تعالى: { وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} فأضاف المال إلى نفسه لأنه خلقه وهو الذي رزق به الإنسان.

وذكر سبحانه الغاية التي من أجلها وضع في يد الناس المال فقال: { وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} فالإنسان مستخلف في هذا المال ونائب عن مالكه الحقيقي، وهذا الاستخلاف من أجل الابتلاء والاختبار فمن أحسن التصرف من هؤلاء المستخلفين أثيب على حسن تصرفه ومن أسار عوقب على إساءته، ولذا لا يحق لهذا المستخلف أن يتصرف إلا وفق ما أمره به مالكه الحقيقي كما أن النائب لا يتصرف إلا حسب نيابته فقط.

عباد الله!
ومن أجل ذلك كان لزاما علينا أن نراعي في تصرفاتنا المالية وأوجه الإنفاق ما شرعه الله لنا ورغبنا في الإنفاق فيه من وجوه البر المختلفة لاسيما وأنه وعدنا سبحانه بأن يرد علينا في لدنيا ما أنفقنا ويضاعف لنا في الآخرة ما بذلناه أضعافا كثيرة،وهذا غاية الجود والكرم والسخاء قال تعالى: { وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.
فما ننفقه أيها المؤمنون فهو كالقرض عند أجود الأجودين ينميه لنا ثم يعطينا إياه في وقت نحن بأمس الحاجة إليه قال تعالى:{ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً}.

بل إن الله جل وعلا أخبر أنه يوصل هذه المضاعفة إلى سبعمائة ضعف قال تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

إخوتي في الله!
واستمعوا إلى هذا الحديث الذي يخاطبكم به حبيبكم صلى الله عليه وسلم حاثا لكم على النفقة مرغبا لكم في ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من تصدق بعدل ثمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوُّه أي مهره- حتى تكون مثل الجبل) رواه البخاري ومسلم.

عباد الله!
هذا فضل لا ينبغي أن نتأخر عنه، هذا كرم ينبغي أن نبادر إليه، لو قيل للناس هذا تاجر يعطيك ربحا باهظا إذا عملت معه أو ساهمت لبادر الناس إلى ذلك علما أن الربح طني وليس حقيقيا فكيف بالربح المضمون من مالك الدنيا والآخر.

لكن يا ترى ما الذي يمنع الناس من النفقة، ما الذين يجعلهم لا يبادر وهم يسمعةن ويقرؤون هذه النصوص الصريحة ؟
أتدرون ما السبب؟ إنه الشيطان الذي يحاول جاهدا منع المسلم من سلوك أي سبيل فيه خير ومنفعة للناس قال تعالى:{إن الشيطان لكم فاتخذوه عدوا} وقال تعالى {إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا}.

والصدقة من أفضل الأعمال وأزكاها للعبد عند ربه، ولذا يجتهد الشيطان في منعه ويقف له بالمرصاد ويخوفه الفقر إذا تصدق وأنفق وصدق الله العظيم { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

وها هو حبيبنا صلى الله عليه وسلم يصور لنا وسوسة الشيطان وأعوانه للذي يرغب في الصدقة ويبين ما يعانيه المتصدق من التغلب على نزغات الشيطان، فعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يُخرج رجل شيئا من الصدقة حتى يُفك عنها لحيي سبعين شيطان ).
فكأن الصدقة لقمة انطبقت عليها أفواه سبعين شيطانا والمتصدق يفك أنياب هؤلاء الشياطين واحدا واحدا حتى يبلغ صدقته ليخرجها وينفذها في سبيل الله.

عباد الله!
واتقوا بارك الله فيكم أن ما تبذلون لن ينقص أموالكم بل يزيدها وهذا بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل ( ما نقصت صدقة من مال ومازاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله).

وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهماك: الله أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: الله أعط ممسكا تلفًا) .

فابذلوا يا عباد الله من فضول أموالكم ما دمتم قادرين تستطيعون النفقة فقد يأتي يوم يعجز فيه الشخص عنها لمرض أو خلل أو عدم قدره وانظروا إلى من حولكم في واقع الحياة اسأل الله أن يغنينا على أنفسنا وأن يوفقنا لبذل المال في سبيله في كل مناسبة إنه ولي ذلك والقادر عليه واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله وفق من شاء فرزقه مالا وسلطه عليه فأنفقه في سبيله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وتعاونوا على الخير وأنفقوا في وجوهه المختلفة قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ . وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا}.
لقد أعطى الله الإنسان فرصة كاملة وفسحة كافية لفعل الخير وبذل المعروف فمن استجاب فهنيئا له ومن لم يستغل هذه الفرصة فإنه سبحانه إذا رجع إلى ربه لماذا أمسك المال وكيف لم ينفقه في وجوه الخير والبر وعندها يعلم الإنسان حجم خطئه قال تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}.

عباد الله!
وإن من خير ما يبذل فيه المال وينفق إلى الله هو الجهاد في سبيل الله والدعوة إلى الله وتعليم كتاب الله وبناء المساجد وكفالة الأيتام والصدقة على الفقراء وها هو موسم الحج على الأبواب وطرق الخير والبذل فيه كثيرة وإخوانكم في مؤسسة الحرمين الإسلامية يعزمون على تنفيذ مشروع جبار فيه دعوة للحجيج من مختلف أنحاء العالم وبلغات كثيرة ويعملون ذلك بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية في مختلف منافذ المملكة الجوية والبحرية والبرية وستطبع كتب موثوقة بلغات مختلفة وتوزع بمختلف لغات العالم، فابذلوا بارك الله فيكم فلعل كتابا تتبرع به يصل ليد حاج تستفيد منه أسرته فتكون سببا في هدايتهم وتدرك بذلك أجرا عظيما يكون من أثقل أعمالكم الصالحات في ميزان الحسنات.
هذا وصلوا وسلموا على النبي الكريم محمد بن عبد الله …