فيض الرحيم الرحمن في أحكام ومواعظ رمضان (القسم الأول) المجلس السابع عشر إلى نهاية القسم الأول.

الجمعة 24 جمادى الآخرة 1440هـ 1-3-2019م
المجلس السابع عشر
ــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في:
من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان.
الدنيا بين التنافس فيها والإعراض عنها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم
في رمضان
الحمد لله المتفرد بكل العز والجلال، المتوحد بالعظمة التي لا تضاهى والكبرياء والكمال تنزه عن الصاحبة والأولاد وتفرد في ملكه بالاختراع والإيجاد وتعالى عن الأنداد والأضداد والشركاء والأشباه والأشكال الملك الذي إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون العالم بسرائر خلقه وما يعلنون.
أحمده حمد معترف بالتقصير وأشكره على واسع فضله الغزير. وأشهد ألا إله إلا الله العلي الكبير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله السراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الجد والتشمير.
أيها المؤمنون الصائمون:
في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة وقعت غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون وفرق الله فيها بين الحق والباطل وسمى يومها يوم الفرقان يقول تعالى: [كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ. . إلى قوله: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ]( ).
وقال تعالى: [وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]( ).
لقد مضت قريش في مسيرها مستجيبة لرأي أبي جهل حتى نزلت بالغدوة القصوى من وادي بدر ونزل المسلمون بالغدوة الدنيا.
واقترب كل فريق من الآخرة وهو لا يدري ما وراء هذا اللقاء الرهيب وهبط الليل فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم علياً والزبير وسعيد بن مالك في نفر إلى ماء بدر يلتمسون له الخبر فأصابوا رواية لقريش فيها غلامان فأتوا بهما والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي فلما سلم قال أخبراني عن قريش. قالا هم وراء هذه الكثيب الذي تراه بالعدوة القصوى قال كم القوم قالا كثير قال ما عدتهم قالا لا ندري قال كم ينحرون كل يوم قالا يوماً تسعاً ويوماً عشراً. قال صلى الله عليه وسلم: (القوم ما بين التسعمائة والألف) ثم قال فمن فيهم من أشراف قريش فسميا له خمسة عشر فأقبل صلى الله عليه وسلم على الناس فقال هذه مكة ألقت إليكم أفلاذ كبدها وقرب اللقاء وتجهزت قريش بخيلائها وكبريائها وبطشها وغرورها.
والتفت معلم البشرية إلى أصحابه العصبة المؤمنة فرآهم بين مهاجر باع نفسه لله سبحانه وتعالى وأنصاري ربط مصيره بهذا الدين فآوى صاحب الرسالة والمؤمنين به. وهنا أحب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطلعهم على الحقيقة وأن الصدام سيقع وفي مثل المواقف العصيبة والامتحانات المباغتة يتبين الرجال وتتضح المواقف والبطولات ويسهل تقويم الرجال ووزنهم.
استشار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه فكانت النتائج رائعة والمواقف حاسمة لئن خضت بنا البحر فنحن معك. سر ونحن وراءك نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك. اظعن حيث شئت وصل من شئت واقطع حبل من شئت وخد من أموالنا ما شئت واعطنا منها ما شئت وما أخذت من أموالنا أحب إلينا مما أبقيت.
هذا هو جواب العصبة المؤمنة فسر الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه المواقف الإيمانية الخالدة وبشرهم بأن الله وعده إحدى الحسنين. قال تعالى: [وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ]( ).
وقضى المسلمون ليلاً هادئاً وغمرت نفوسهم العزيمة الصادقة والثقة المطلقة بنصر الله سبحانه وتعالى وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يتفقد الرجال وينظم الصفوف ويسدي النصائح ويذكر بالله واليوم الآخر ثم يعود إلى العريش ليستغرق في الدعاء والتضرع إلى الله بطلب النصر والتمكين (اللهم انجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض)( ).
وأبو بكر يقول له كفاك يا رسول الله سينجزك الله وعده وسينعم المسلمون بالنصر المؤزر إن شاء الله: [إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ]( ).
لقد استجاب الله لعبده وحبيبه وأنزل ملائكته تقاتل مع المؤمنين وكل ذلك من باب البشارة وتطمين المسلمين وإلا فحسبهم أن يبذلوا ما في وسعهم والباقي من عند الله جل وعلا فهو الذي وعد بالنصر ووعده حق وصدق لا يتحول ولا يتبدل [وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ]( ) ، [إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ]( ).
والتقى الصفان والمؤمنون يقاتلون بشجاعة وبسالة غير معهودة وراع المشركين إقدام المسلمين ونزل نصر الله المؤزر للعصبة المؤمنة وهوت صناديد الكفر وسقطوا في مصارعهم وفرح المؤمنون بنصر الله ينصر ينصر من يشاء الله.
شعـــراً:
يا خاطب الحوراء في خدرها
*** وطالباً ذاك على قدرها

انهض بجد لا تكن متوانياً
*** وجاهد النفس على صبرها

وجانب الناس وارفضهم
*** وحالف الوحدة في وكرها

وقم إذا الليل بدا شطره
*** وصم نهاراً فهو من مهرها

فلو رأت عينك إقبالها
*** وقد بدت رمانتا صدرها

وهي تماشي بين أترابها
*** وعقدها يشرق في نحرها

لهان في نفسك هذا الذي
*** تراه في دنياك من زهوها

الدنيا بين التنافس فيها والإعراض عنها
سمع الأنصار أن أبا عبيدة بن الجراح قدم من البحرين بمال كان قد صالحهم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فوافوا الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح فلما انصرف من الصلاة تعرضوا له وفهم الرسول صلى الله عليه وسلم مرادهم ومطلبهم فتبسم وقال: (أظنكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة وأنه جاء بشيء) قالوا: أجل يا رسول الله قال: (أبشروا وأمَّلوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتلهيكم كما ألهتهم)( ).
لم يؤنبهم الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يوبخهم عندما جاءوا طالبين المال، فالرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن لهم في هذا المال حقاً ويعلم حاجتهم إليه والمال من الزينة التي حببها الله إلى عباده: [الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا]( )، وهو من الشهوات المركوز حبها في أعماق النفس الإنسانية[زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا]( ).
لقد سقط أقوام في مستنقع الحياة الآسن حينما تكالبوا عليها وتنافسوا فيها وجمعوها من الحلال والحرام لم يراعوا اللقمة التي يأكلون ولا الشربة التي يشربون يطعمون أولادهم وأهليهم من الحرام تعاملوا بالربا علنا فحاربوا الله ورسوله ومن يحارب الله ورسوله فهو دونما شك الذليل الخسران.
تجد الواحد منهم يملك الملايين ومع ذلك لا يحس بالأمن ولا يتلذذ بالحياة. يحمل هموم الدنيا ويقاسي آلامها نسي الله فنسيه الله. عبد شهوته وحرم نفسه منع حق الله فعاقبه الله عاجلاً غير آجل. هذا صنف من الناس.
والصنف الآخر استخدم الدنيا في طاعة الله وسخرها في مرضاته وظف أمواله في طرق الخير يبني المساجد يعطي المساكين يغدق على المجاهدين يساعد مشاريع الخير في البلد فنعم المال الصالح في يد الرجل الصالح.
أرأيت أخي المسلم لو أننا رأينا شخصاً يبذل جهده وماله فيما لا فائدة فيه ألا نصفه بضعف العقل وقصور الإدراك وعدم إدراك المسئولية إذاً فكيف بمن يوظف أمواله في الحرام ويعمر فيها أماكن الحرام ويهدم فيها الفضائل ويحارب فيها الدعاة إلى الله أليس هذا هو ضعف العقل وقلة الإدراك وبلادة الإحساس. حدثني من أثق به أن شخصاً جمع أموالاً من طرق متعددة منها الحلال ومنها الحرام. وبعد أن توفي وقبل قسمة تركته ألح أحد أبنائه المراهقين على شراء سيارة له فوافقت الأم تحت الضغط الشديد على أن تكون هذه القيمة من نصيب الوالد من التركة بعد قسمتها. وبعد أن استلم الولد السيارة أخذ يلعب بها يميناً وشمالاً ويؤذي الناس عند أبواب المسجد الذي يصلي فيه والده سابقاً وإثناء خروج الناس من الصلاة اجتمع مجموعة من الشباب حول هذه السيارة يسألون الولد من أين اشتريتها فقال بعظمة لسانه مات العجوز فاسترحنا واشتريناها. أرأيتم أيها الآباء سيكون الحساب على جامع الأموال والمستفيد منها هم الأولاد ومنهم الصالح البار ومنهم الطالح العاق. إن أموالنا هي ما نقدمه ونحن أصحاء أشحاء نأمل الحياة ونرجو الغنى فلنبادر بالصدقة قبل أن نتمناها ولا تتيسر لنا ولنتسابق في أعمال الخير قبل أن يفجأنا الموت: [إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ]( ).
شعــراً:
وفؤاد كلما عاتبته
*** في مدى الهجران يبغى تعبي

لا أراه الدهر إلا لا هياً
*** في تماديه فقد برح بي

يا قرين السوء ما هذا الصبا
*** فنيَ العمرُ كذا في اللعب

وشبابٌ بانَ عني فمضى
*** قبل أن أقضيَ منه أربي

وما أرجي بعده إلا الفنا
*** ضَيَّقَ الشيبُ عليَّ مطلبي

ويح نفسي لا أراها أبداً
*** في جميلٍ لا ولا في أدب

نفسيْ لا كُنتِ ولا كان الهوى
*** راقبي المولى وخافي وارهبي

اللهم يسر لنا طريق النجابة ووفقنا للتوبة والإنابة يا من إذا سأله المضطر أجابه اللهم سلمنا من كل الأسواء وعافنا من الأدواء ولا تجعلنا محلاً للبلوى وطهر أسرارنا من الشكوى وألسنتنا من الدعوى. اللهم امح من ديوان الأشقياء شقاءنا وأكتبه عندك في عنوان الأخيار يا عزيز يا رحيم يا غفار. اللهم بارك لنا في الحلال من الرزق واجعله عوناً لنا على طاعتك وهيأ لنا من أمرنا رشداً ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً( ).

المجلس الثامن عشر
ــــــــــــــــــــــــ

فصل في:
شهر النصر.
وأحكام القضاء.
ــــــــــــــــــــــ

شهر النصر
الحمد لله الملك الخلاق الولي فلا ولي من دونه ولا واق الغني الذي لا تفيض خزائنه مع كثرة الإنفاق المحيط علمه بجميع الخلائق في جميع الأفاق الناظر إلى بواطن عبادة وظواهرهم والسميع لأصواتهم في الإشراق والأغساق فسبحانه من إله على عرشه استوى فوق جميع مخلوقاته فلا منازع له ولا مشاق خضعت الأكوان من مخافته وانطفأت النار لطاعته وجلا منه وإشفاقاً أحمده سبحانه له الملك وله الحمد والكمال على الإطلاق وأشكره على إحسانه الذي لا يعد ولا يطاق وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ضد ولا ند ولامُشاق شهادة أرجو بها تخفيف كرب السياق وختام حياتنا يوم الرحيل والفراق وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أكرم الخلق على الإطلاق وأفضلهم تحلياً بمكارم الأخلاق من أسري به ليلاً على البراق حتى جاوز السبع الطباق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
إخوتي الصائمين والصائمات:
الصوم مدرسة جامعة فيه الدروس والعبر للأمة في كل شئونها في الحياة ودرسنا اليوم حول الانتصارات في رمضان وأسبابها فنقول ثلاثون يوماً كل عام في حياة المسلمين يدخلون فيها مدرسة الصوم ليتلقوا فيها أشق التدريبات النفسية يتخرجون بعدها جنوداً للمعركة بل جنوداً للفتح المبين ثم ينطلقون بهذه التدريبات الغالية ليستثمروها في المعارك حتى إذا جاء رمضان من جديد أيقظ فيهم هذه الروح العسكرية مرة أخرى وهكذا يجددون بالصوم عزائمهم وأرواحهم كلما حاولت الحياة ومفاتنها أن تبعدهم عن ساحة الجهاد وبذلك تكون حياة المسلم جندية متجددة وجهاداً متواصلاً.
ومن هنا ارتبط الصوم بالجهاد ارتباطاً وثقياً فهو يعد له ويهيأ له وكل نفس تعجز عن صيام رمضان ليست مؤهلة أن تجاهد في سبيل الله.
لقد حصلت انتصارات كثيرة في رمضان وهذا أمر طبيعي فالأمة المجاهدة الصابرة الصائمة مؤهلة بمشيئة الله لنصر لأنها أخذت بأسبابه.
في السنة الثانية للهجرة وقعت غزوة بدر الكبرى في رمضان وتم أعظم انتصار حاسم على الشرك وأهله.
وفي رمضان من السنة الخامسة كان استعداد المسلمين لغزوة الخندق حيث وقعت في شوال من العام نفسه.
وفي رمضان وجه الرسول صلى الله عليه وسلم السرايا لهدم الأصنام فوجه خالد بن الوليد لهدم العزى وعمرو بن العاص لهدم سواع وسعيد بن زيد لهدم مناة فأدى كل واحد منهم رضي الله عنهم مهمته بنجاح تام.
وفي رمضان من السنة الثامنة تم الفتح الأعظم فتح مكة واستسلم سادتها بعد طول عداوة ودخلوا في دين الله أفواجاً وتهاوت الأصنام بعد أن عبدت طويلاً من دون الله ووقعت معارك حاسمة في رمضان على امتداد التاريخ الإسلامي وكان النصر فيها حليف المسلمين بل لقد لقنوا أعداءهم دروساً بالغة وأظهروا صوراً بطولية رائعة تنم عن صدقة الإيمان وسلامة المعتقد وحسن التوجيه وما هزيمة التتار على أيدي المسلمين في رمضان إلا شاهد واقعي على مانقول.
لقد أخذ المسلمون بأسباب النصر الحقيقية فاستحقوا إحدى الحسنيين وصدق الله العظيم: [وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ]( ).
التمكين في الأرض يستلزم عبادة الله سبحانه وتعالى وإخلاص العمل له ومن ذلك إقامة الصلاة بأركانها وشروطها وواجباتها ومستحباتها.
وإيتاء الزكاة بأن تصل إلى مستحقيها كاملة غير منقوصة في وقتها المحدد طيبة بها النفس راغبة في ثواب الله سبحانه وتعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صوناً للمجتمع من الشرور والآثام وتعميماً للفضيلة فيه وقمعاً للرذيلة لأن المجتمع يعين بعضه بعضاً ويكفي تصوير الرسول صلى الله عليه وسلم للمجتمع بالبنيان يشد بعضه بعضاً.
فمتى تحققت هذه الأوصاف مع الأخذ بالأسباب المادية المنصوص عليها بقوله تعالى: [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ]( )، ترتب على ذلك حصول النصر بإذن الله ولدينا شاهد واقعي من حياة السلف رضي الله عنهم، فقد أخذوا بأسباب النصر فمكن الله لهم في الأرض ونصرهم على أعدائهم ورفع بهم راية الإسلام خفاقة.
وتلك سنة من سنن الكون لا تتغير ولا تتبدل ولكن أحوال الناس وأوضاعهم هي التي تتغير وتتبدل فمتى أردنا النصر فلنفتش عن أنفسنا ونقوم بإصلاح أحوالنا وأوضاعنا وعند ذاك يتحقق النصر بإذن الله تعالى.
شعــراً:
يا من إليه جميع الخلق يبتهلوا
*** وكل حي على رُحْمَاهُ يتكل

يا من علا فرأى ما في الغيوب وما
*** تحت الثرى وحجاب الليل منسدل

يا من دنا فسما عن أن تحيط به
*** الأفكار طراً أو الأوهام والعلل

أنت الملاذ إذا ما أزمة شملت
*** وأنت ملجأ من ضاقت به الحيل

أنت المنادى به في كل حادثة
*** أنت الإله وأنت الذخر والأمل

أنت الرجاء لمن سدت مذاهبه
*** أنت الدليل لمن ضلت به السبل

إنا قصدناك والآمال واقعة
*** عليك والكل ملهوف ومبتهل

فإن غفرت فعن مَنَّ وعن كرمٍ
*** وإن منعت فأنت المقسط العدل

أحكام القضاء
إذا أفطر المسلم يوماً من رمضان بغير عذر وجب عليه أن يتوب إلى الله ويستغفر لأن ذلك جرم عظيم ومنكر كبير يخشى عليه من مغبته والعياذ بالله ووجب عليه مع التوبة والاستغفار القضاء بقدر ما أفطر بعد رمضان ووجب القضاء هنا على الفور على الصحيح من أقوال أهل العلم لأنه غير مرخص له في الفطر والأصل أن يؤديه في وقته فحكمه حكم تارك الصلاة عمداً والعياذ بالله.
أما إذا أفطر بعذر كحيض ونفاس ومرض وسفر وغير ذلك من الأعذار المبيحة للفطر فإنه يجب عليه القضاء غير أنه يجب على الفور بل على التراخي إلى رمضان الآخر لكن يندب له التعجيل في القضاء لأن فيه براءة لذمته من التكاليف الشرعية ولا يتعين عليه القضاء فوراً إلا إذا بقي على رمضان القادم بقدر الأيام التي أفطرها فهنا يجب عليه القضاء على الفور إلا إذا كان تأخيره لعذر شرعي كأن استمر سفره أو مرضه فلا حرج عليه وليس عليه إلا القضاء ولو بعد رمضان الثاني.
أما إن أخره إلى رمضان الثاني بغير عذر كأن شفي من مرضه أو قدم من سفره ثم تساهل في القضاء حتى جاءه رمضان الثاني فهنا قال أهل العلم عليه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم ويبادر إلى التوبة والاستغفار عما اقترفه من التأخير، وقضاء رمضان لا يشترط فيه التتابع بل يصح متتابعاً وغير متتابع ودليل ذلك قوله تعالى: [وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ]( ).
فلم يشترط سبحانه في هذه الأيام التتابع ولو كان شرطاً في القضاء لبينه سبحانه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
ما حكم إذا مات وعليه قضاء من رمضان؟
إذا مات وعليه قضاء من رمضان فلا يخلو إما أن يكون تمكن من القضاء وتساهل فيه، ثم مات قبل القضاء فهنا الصيام دين عليه يجب على وليه قضاؤه عنه سواء بالصيام عنه أو بإطعام من تركته عن كل يوم مسكيناً يطعمه مداً من البر أو من غالب قوت البلد وزنته (2/1 562) غراماً وإن أصلح طعاماً للمساكين بعدد الأيام ودعاهم إليه أجزأه، يدل لذلك ما روته عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)( ).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها، فقال: (لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها قال: نعم، قال: فدين الله أحق بالقضاء)( ).
أخي المسلم:
اعلم أن الناس بالنسبة للقضاء ينقسمون ثلاثة أقسام:
1ـ قسم يجب عليه القضاء فقط ولا فدية عليه وهم المريض والمسافر والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما.
2ـ وقسم يجب عليه الفدية فقط ولا قضاء عليه وهم العاجزون عن الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه.
3ـ وقسم يجب عليه القضاء والفدية وهم الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما. كذا من أخر قضاء رمضان إلى رمضان بعده دون عذر فعليه مع القضاء الفدية والله أعلم.
أرأيت أخي الصائم كيف شرع الله للمسلمين أحكام صومهم دون مشقة أو عنت وهكذا تكاليف الإسلام ليس فيها شيء فوق طاقة المسلم لأن الله رفع عنا الحرج بمنه وكرمه [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ]( ).

أجل ذنوبي عند عفوك سيدي
*** حقير وإن كانت ذنوبي عظائماً

فما زلت غفاراً وما زلت راحماً
*** وما زلت ستَّاراً علي الجرائما

لئن كنت قد تابعت جهلي في الهوى
*** وقضيت أوتار البطالة هائماً

فها أنا قد أقررت يا رب بالذي
*** جنيت وقد أصبحت حيران نادما

فتب واعف عني يا ألهي تكرماً
*** وكن بي يارب البرية راحماً

اللهم اجعلنا على الصراط من العابرين وعلى حوض نبيك من الواردين ولكأسه من الشاربين وأعطنا صحائفنا باليمين واجعلنا يوم العرض من الفائزين اللهم ارفع درجاتنا وامسح سيئاتنا وثقل ميزان حسناتنا برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم اغفرلنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعي( ).

المجلس التاسع عشر
ـــــــــــــــــــــــــ

فصل في:
أهوال يوم القيامة.
وفضل العشر الأواخر
من رمضان.
ـــــــــــــــــــــ

أهوال يوم القيامة

الحمد لله الحي القيوم الباقي وغيره لا يدوم، رفع السماء وزينها بالنجوم وأمسك الأرض بجبال في التَّخوم صور بقدرته هذه الجسوم ثم أماتها ومحا الرسوم ثم ينفخ في الصور فإذا الميت يقوم ففريق إلى دار النعيم وفريق إلى نار السموم تفتح أبوابها في وجوههم لكل باب منهم جزء مقسوم وتوصد عليهم في عمد ممددة فيها للهموم والغموم، أحمده سبحانه قسم العباد إلى منتفع ومحروم وجعل منهم من هو مطرود ومن هو مرحوم. وأصلي وأسلم على عبده ورسوله قاهر الفرس والروم وأفضل من سجد لربه الحي القيوم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ما طلعت النجوم وتكاثرت في السماء الغيوم.
أيها الأخوة الصائمون والصائمات:
يتجدد لنا اللقاء في هذه الليلة المباركة لنتذاكر فيما ينفعنا ويقربنا إلى الله ويبعدنا عن النار وبئس القرار، وحديثنا هذه الليلة عن أهوال يوم القيامة يوم الطامة يوم الصاخة يوم الزلزلة يوم التغابن: [يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ]( ).
إذا قام الناس من قبورهم لرب العالمين ونودوا هلم إلى ربكم وقفوهم أنهم مسئولون خشعت الخلائق وخضعت وذلت للواحد القهار فتراهم يستجيبون مسارعين إلى المنادى لا يعاندون ولا يميلون. قال الله تعالى: [يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِي لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتْ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً]( ).
وقال تعالى: [فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ * يَوْمَ
يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ
تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ]( ).
أي أنهم يسعون إلى محشرهم في سكون وخشوع لا تسمع منهم صوت الأقدام وإلا الهمس.
ثم يقبض الجبار سماواته بيده اليمنى وأراضيه بيده الأخرى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون. قال الله عز وجل: [وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ]( ).
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون)( ).
صفة أرض المحشر:
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ـ الدقيق ـ ليس فيها علم لأحد)( ).
ويحشر الناس يوم القيامة مشاة حفاة عراة غرلا.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا ـ أي غير مختونين ـ قلت يا رسول الله النساء والرجال جميعاً ينظرون بعضهم إلى بعض قال صلى الله عليه وسلم يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض)( ).
يحشر الكفار على وجوههم:
قال تعالى: [وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى]( ).
وقال تعالى: [وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً]( ).
دنو الشمس من الخلائق:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يعرف الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم)( ).
وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل).
قال سليم بن عامر فوالله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين. قال: فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً)( ).
فتفكر يا عبدالله في الخلائق وذلَّهم وانكسارهم في ذلك اليوم الطويل خوفاً وانتظاراً لما يقضي عليهم من سعادة أو شقاوة فكيف بك يا عبدالله في ذلك اليوم وقد لفظك القبر بعد طول بلاء فنظرت في عملك الذي قدمت فلم تجد شيئاً من الصالحات يذكر ووجدت اللهو والعبث والوقوع في أعراض الناس والغيبة والنميمة والحسد وأكل أموال الناس بالباطل والربا وعقوق الوالدين تذكر ذلك اليوم الذي ستعرف فيه من تحب في هذه الدار أهم الأخيار أم الأشرار والمجالس التي تعمرها أهي مجالس خير أم شر.
وبعد هذا الموقف يؤتى بجهنم والعياذ بالله فذلك قوله تعالى:
[وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى]( ).
شعــراً:
أخي ما بال قلبك ليس ينقى
*** كأنك لا تظن الموت حقاً

أيا ابن الذين فنوا وبادوا
*** أما والله ما بادوا وتبقى

وما أحد بزادك منك أحصى
*** وما أحد بزادك منك أشقى

وما للنفس عندك مستقر
*** إذا ما استكملت أجلاً ورزقاً

وقال آخر:
قف بنا بالقبور نبكي طويلاً
*** ونداوي بالدمع داء جليلاً

فعسى الدمع أن يبرد منا
*** بعض لوعاتنا ويشفى الغليلا

وننادي الأحباب كيف وجدتم
*** سكرة الموت بعدنا والمقيلا

لو أطاقوا الجواب قالوا وجدنا
*** سكرةً تترك العزيز ذليلاً

بُدَّلوا بعد القصور قبوراً
*** ثم بعد اللباس ردماً ثقيلاً

فضل العشر الأواخر من رمضان
أيها الأخوة الصائمون:
لقد نزل بكم عشر رمضان الأخيرة فيها الخيرات والأجور الكثيرة فيها الفضائل المشهورة والخصائص العظيمة.
فمن خصائصها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها يدل لذلك ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره( ).
وما روته أيضاً قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله)( ).
وهذا دليل صريح على فضيلة هذه العشر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيها أكثر مما يجتهد في غيرها، وهذا شامل للاجتهاد في جميع أنواع العبادة من صلاة وقراءة للقرآن وذكر ودعاء وصدقة وغير ذلك. لأنه صلى الله عليه وسلم يشد مئزره أي يعتزل أهله ويتفرغ للصلاة والذكر. ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يحيي ليالي هذه العشر بالصلاة والقراءة والذكر طلباً لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في هذه العشر وهذا فيه بيان مزية لهذه العشر دون سواها.
ولا شك أن المسلم العاقل يسعى لاغتنام هذه الأوقات لعل الله أن يدركه برحمته.
وإنه لمن الحرمان والعياذ بالله أن تمر هذه الليالي المباركة على الشخص وهو يسرح ويمرح بأصناف الملذات والمحرمات.
وإنه لمن الحرمان أيضاً أن يعمر المسلم نهاره بالنوم وليله بالعبث واللهو واللعب المحرم الذي يجر عليه من المصائب ما الله به عليم.
أخوة الإيمان:
لا حظوا الفرق بين واقعنا وواقع سلفنا الصالح.
كانوا يقضون نهارهم بالصيام وتلاوة القرآن وليلهم بالركوع والسجود والتسبيح والتهليل ويقضي الكثيرون منا نهارهم بالنوم وليلهم باللهو واللعب المحرم وشرب الدخان ولعب الورق وغيرها مما يعود على المسلم بالضرر في عاجله وآجله.
كانوا يجتمعون بين جهادين في شهر رمضان جهاد بالنهار على الصيام وجهاد بالليل على القيام وقاموا بحقوقهما أتم قيام وصبروا عليهما صبراً جميلاً.
والكثير منا جهاده بجمع أصناف المأكولات والمشروبات بعضها من الحلال وبعضها من الحرام الأيدي ممسكة عن الصدقات والألسن مطلقة في أعراض المسلمين والمسلمات والأسماع مرسلة لاستماع الحرام من الأصوات، إلا من رحم ربك وقليل ما هم.
يا من أعطاه الله صحة وعافية بعد العشرين، يا من طلع فجر شيبه بعد بلوغ الأربعين، يا من مضى عليه بعد ذلك ليالي عشر سنين حتى بلغ الخمسين، يا من هو في معترك المنايا بين الستين والسبعين ما تنتظر إلا أن يأتيك اليقين، يا من ذنوبه بعدد التراب، أما تستحي من الكرام الكاتبين فتعود إلى رشدك وتصدق مع ربك لعلك تفوز يوم الدين.
أيها الأحباب:
لقد غفل كثير من الناس عن أولادهم فتركوهم يسرحون ويمرحون في الشوارع ويسهرون للعب والسفه ولا يحترمون هذه الليالي ولا تكون لها منزلة في نفوسهم وهذا من سوء التربية وعدم القيام بالواجب، بل لقد حدثت الأذية من هؤلاء الشباب لكثير من المصلين الرجال والنساء وذلك برفع أصواتهم قرب المساجد وملاحقة بعضهم لبعض حتى وجد من المسلمين أهكذا يكون شكر نعمة المنعم علينا بهم.
والله ليأتين يوم يوقف فيه الابن أباه ويحاسبه على تفريطه في تربيته وتقصيره في تأديبه وصدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)( ).
فالله الله اغتنموا هذه الفضيلة في هذه الأيام القليلة تعقبكم النعمة الجزيلة والدرجة الجليلة والراحة الطويلة إن شاء الله هذه والله الراحة الوافرة والمنزلة الفاخرة والحالة الرضية والجنة السوية والنعمة الهنية والعيشة الرضية.
إلهي أنت ملاذنا إذا ضاقت الحيل وملجأنا إذا انقطع منا الأمل فلا تخيب رجاءنا ولا تصرف وجهك يوم القيامة عنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وأقر أعيننا بصلاح أولادنا وصالح أعمالنا ولا تؤاخذنا بما كسبت قلوبنا وجنته جوارحنا وتوفنا وأنت راض عنا. اللهم طهر قلوبنا من الحقد والحسد وطهر ألسنتنا من الكذب وأفئدتنا من الرياء وأبصارنا من الخيانة واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم( ).

المجلس العشرون
ــــــــــــــــــــــ

فصل في:
وصف النار.
وأحكام الاعتكاف.
ـــــــــــــــــــــــ

وصف النار
الحمد لله رب الأرباب ومسبب الأسباب ومنزل الكتاب حفظ الأرض بالجبال من الاضطراب وقهر الجبارين وأذل الصعاب وسمع خفي النطق ومهموس الخطاب وأبصر فلم يستر نظره حجاب، أنزل القرآن وحث فيه على اكتساب الثواب وزجر عن أسباب العقاب [كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ]( ).
أحمده سبحانه وهو المحمود بكل خطاب وأصلي وأسلم على رسوله المبعوث بخير كتاب وعلى صاحبه أبي بكر خير الأصحاب وعلى عمر الذي إذا ذكر في مجلس طاب، وعلى عثمان المقتول ظلماً وما تعدى الصواب، وعلى علي المقدم يوم الأحزاب وعلى جميع الآل والأصحاب وعنا معهم بمنك وكرمك يا وهاب.
إخوتي في الله:
يتجدد اللقاء في هذه الليلة المباركة لنعرف طرفاً من مصير الخلائق يوم القيامة فسعيد إلى الجنة وشقي إلى النار ولا ثالث لهما.
الموت باب وكل الناس داخله
*** فليت شعري بعد الموت ما الدار

الدار جنة عدن إن عملت بما
*** يرضي الإله وإن فرطت فالنار

هما محلان ما للناس غيرهما
*** فانظر لنفسك ماذا أنت مختار

حديثنا في هذه الليلة حول النار أعاذنا الله منها بمنه وكرمه فنقول:
لقد حذرنا الله جل وعلا من النار وبين أوصافها في كتابه وعلى لسان رسوله وذكر أهوالها وعظائمها بما تتفطر له قلوب وتنخلع منه العقول، وهذا منه سبحانه منة وتفضيلاً لنبتعد عنها ونتجنب أسباب دخولها ونعمل الصالحات لندخل الجنة ففريق في الجنة وفريق في السعير وإليكم طرفاً مما ورد في النار قال تعالى: [وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ]( ).
وقال تعالى: [إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلاً وَأَغْلالاً وَسَعِيراً]( ).
وقال تعالى مخاطباً إبليس: [إِلاَّ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ *وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ *لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ]( ).
وقال تعالى: [وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا]( ).
وقال تعالى: [وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ *إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ *تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الْغَيْظِ]( ).
وقال تعالى: [وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ *فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ *وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ *لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ]( ).
وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ]( ).
وقال تعالى: [وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ *سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ]( ).
وقال تعالى: [فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ *يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ *وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ *كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ]( ).
وقال تعالى: [ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ *لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ *فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ *فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ]( ).

وقال تعالى: [وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ *يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ]( ).
وقال تعالى: [إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ *لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ *وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ *وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ]( ).
روى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بالنار يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها)( ).
روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءاً من نار جهنم) قالوا يا رسول الله إنها لكافية. قال: (إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها)( ).
وروى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبح صبغة في الجنة فيقال يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط هل مر بك من شدة فيقول لا والله يا رب ما رأيت بؤساً ولا مر بي من شدة قط)( ).
هذه والله دار الذل والهون والعذاب والخذلان دار الشهيق والزفرات والأنين والعبرات لدار أهلها أهل البؤس والشقاء والندامة والبكاء الأغلال تجمع بين أيديهم وأعناقهم والنار تضطرم من تحتهم ومن فوقهم شرابهم من حميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ومأكلهم من شجر الزقوم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم يدعون على أنفسهم بالموت فلا يجابون ويسألون ربهم الخروج منها فيقال لهم اخسأوا فيها ولا تكلمون كيف لو أبصرتهم وهم يسحبون فيها وجوههم وهم لا يبصرون كيف لو سمعت صراخهم وعويلهم وهم لا يسمعون ثم يُلقى المشركون في النار أمة بعد أمة جهنم وأنسهم كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اجتمع فيها أهلها جميعاً اشتكت آخرُ أمة إلى الله تعالى أول أمة لأنهم هم الذين أضلوهم عن سواء السبيل وقالت أول أمة لآخر أمة لقد ضللتم كما ضللنا على الرغم من الحجج الكثيرة التي قامت علينا وعليكم في الدنيا على ألسنة الرسل، ولو هدانا الله لهديناكم سواء علينا وعليكم أصبرنا أم جزعنا مالنا من خلاص فذلك قول الله تعالى: [قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ]( ).
وقوله تعالى: [وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنْ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ * وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنْ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ]( ).
شعــراً:
أما آن يا صاح أن تستفيقا
*** وأن تتناسى الحمى والعقيقا

وقد ضحك الشيب فاحزن له
*** وصار مساؤك فيه شروقاً

وركب أتاهم وقد عرَّسوا
*** على القاع داعي المنايا طروقاً

تدير عليهم كؤوس المنون
*** صبوحاً على كربها أو غبوقاً

وما زال فيهم غراب الحمام
*** يسمعهم للمنايا نعيقاً

ويحمل من عرصات القصور
*** حتى أعاد الفسيحات ضيقاً

ألا فاحرز النفس عن غيها
*** عساك تجوز الصراط الدقيقا

ودون الصراط لنا موقف
*** به يتناسى الصديق الصدوقاً

فتبصر ما شئت كفا تعض
*** وعيناً تسيح وقلباً خفوقاً

إذا أطبقت فوقهم لم تكن
*** لتسمع إلا البكا والشهيقا

شرابهم المهل في قعرها
*** يقطع أوصالهم والعروقا

أذلك خير أم القاصرات
*** تخال مياسمهن البروقا

قُصرن على حب أزواجهن
*** فمشتاقة تتلقى مشوقاً

أحكام الاعتكاف
الاعتكاف عبادة روحية لتزكية النفس وتطهير القلب والعقل من شواغل الحياة وصوارف العيش فيقطع فيه المسلم الأواب إلى ربه متحنثاً قانتاً قائماً وقاعداً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه وهو تشريع قديم يدل لذلك قوله تعالى عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: [وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ]( ).
وفيه تجديد لأسلوب الحياة الرتيب وسلوكها الثابت فنحن مع شهواتنا طوال العام فما أروع أن نعيش لأرواحنا بعض الوقت في رحاب الله حيث صفاء الجو للعبادة وفراغ القلب من شواغل الحياة وإقبال المسلم بكله على الله.
والاعتكاف في اللغة لزوم الشيء والمكث عنده، وفي الاصطلاح لزوم المسجد لطاعة الله. وهو سنة وقربة إلى الله يدل لذلك الكتاب والسنة والإجماع. فمن الكتاب قوله تعالى: [وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ]( ). ومن السنة ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: (كان الرسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله)( ).
وأجمع المسلمون على مشروعية الاعتكاف في الجملة وفيه تقرب إلى الله تعالى بالمكث في بيت من بيوته وحبس للنفس على عبادة الله وقطع للعلائق عن الخلائق للاتصال بالخالق وإخلاء للقلب من الشواغل عن ذكر الله والتفرغ لعبادة الله بالتفكر والدعاء والذكر وقراءة القرآن والصلاة والتوبة والاستغفار.
والاعتكاف عمل وعبادة لا يصح إلا بشروط:
1ـ النية لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)( ). وأي عمل لا يقوم على نية
سليمة فليس بقربه إلى الله ولهذا قال أهل العلم أن لقبول العمل شرطين أساسيين النية الخالصة والمتابعة الصادقة.
2ـ أن يكون الاعتكاف في مسجد يقول تعالى: [وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ]( ).
ويؤكد ذلك فعله صلى الله عليه وسلم حيث كان يعتكف في المسجد ولم ينقل عنه أنه اعتكف في البيت، أو غيره.
3ـ أن يكون المسجد الذي يعتكف فيه تقام فيه صلاة الجماعة لأن الاعتكاف في مسجد لا تقام فيه صلاة الجماعة سيقضي إلى ترك الجماعة أو تكرر خروج المعتكف كل وقت وهذا يناف المقصود من الاعتكاف.
وللمعتكف أن يخرج لما لابد له منه كقضاء الحاجة والطهارة والطعام ولبس الثياب وله أن يخرج لعيادة المريض وتشييع الجنازة إذا كان اشترط ذلك في بدء اعتكافه.
مدة الاعتكاف:
اختلف أهل في مدة الاعتكاف هل هي يوم وليلة على الأقل أم تكفي فيه الساعة. والصحيح إن شاء الله أن أقله يوم ليلة، لأن الاعتكاف مقرون بالصيام ولا يمكن أن يصوم جزءاً من النهار.
مفسدات الاعتكاف:
يفسد الاعتكاف بالجماع لقوله تعالى: [وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ]( ).
وبالخروج من المسجد لغير حاجة ضرورية وذكر بعض أهل العلم أنه يفسد باقتراف كل كبيرة من المعاصي والمحرمات.
هذا الاعتكاف سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم فاحرصوا بارك الله فيكم على الاقتداء
بسنته لعل الله أن يرحمنا وإياكم ويتجاوز عنا وعنكم، فقد كثرت الذنوب ولم
يبق إلا علام الغيوب.
جنحت شمس حياتي
*** وتدلت للغروب

وتولى ليل رأسي
*** وبدا فجر المشيب

رب خلصني فقد لججــ
*** ــت في بحر الذنوب

وأنلني العفو يا أقـ
*** ـرب من كل قريب

اللهم اجعلنا من المتقين الأبرار وأسكنا معهم في دار القرار ولا تجعلنا من المخالفين الفجار، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم وفقنا لحسن الإقبال عليك والإصغاء لأوامرك ونواهيك والتعاون على طاعتك والمبادرة إلى خدمتك وحسن الأدب في معاملتك والتسليم لأمرك والرضا بقضائك والصبر على بلائك والشكر على عطائك برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين( ).

المجلس الحادي والعشرون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل:
من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم
في رمضان.
أسباب شرح الصدر.
ــــــــــــــــــــــ

من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان
الحمد لله الواحد الماجد العظيم الدائم العالم الحاكم العليم القدير البصير النصير الحليم القوي العلي الغني الحكيم قضى فأسقم الصحيح وعافى السقيم واقدر فأعان الضعيف وأوهى القويم وقسم عباده قسمين طائع وأثيم وجعل مآلهم إلى دارين: دار النعيم، ودار الجحيم، فمنهم من عصمه من الخطايا فهو معافى سليم ومنهم من قضى له أن يبقى على الذنوب يقيم، ومنهم من يتردد بين الأمرين والعمل بالخواتيم. أحمده سبحانه أنعم علينا بالفضل الوافر العميم، وهدانا بمنه إلى الصراط المستقيم وحذرنا بلطفه من العذاب الأليم وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين الرءوف الرحيم صلى الله عليه وعلى أصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
إخوة الإيمان:
تتجدد لقاءات الخير ومجالس الإيمان، وكم تحلو هذه المجالس وتزين إذا كان الحديث فيها حول سيرة سيد الأولين والآخرين.
حديثنا هذه الليلة حول غزوة الفتح المبين. يقول الحق تبارك وتعالى: [إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً]( ).
ويقول تعالى: [إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً]( ).
شغل المسلمون بعد عهد الحديبية بنشر الدعوة وعرض تعاليم الإسلام على الناس ذلك أنهم عقدوا صلحاً مع قريش بعدم الحرب وأن لكل فريق الحق في عقد الحلف مع من شاء من القبائل وكانت بنو بكر حليفة لقريش وخزاعة حليفة للمسلمين.
ولما أراد الله أمراً كان مفعولاً، امتدت بنو بكر وساعدتها قريش على خزاعة فلجأت خزاعة إلى الحرم حيث الأمان لكن بنو بكر تبعوهم وقريش تمدهم بالسلاح وهنا أصبح الصلح كأن لم يكن حيث نقضت قريش عهدها وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يستعد لفتح مكة ولكنه تكتم على الأمر وحدث ما حدث من كتاب حاطب رضي الله عنه فتداركه الرسول صلى الله عليه وسلم ببعث علي والزبير والمقداد فأحضروه من المرأة والقصة مشهورة معروفة، ثم جهز الرسول جيشه واستعد للمسير وسط تكتم بالغ وسار الجيش الإسلامي يطوي الصحراء متوجهاً إلى مكة نزلوا فأضرموا النيران ونصبوا الخيام وكان عدد الجيش في حدود عشرة آلاف مقاتل وخرج أبو سفيان وبعض أشراف قريش يتحسسون أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما رأوا النيران التي ملأت الوادي قالوا ما هذا فتبعوها حتى علموا الخبر ثم كان ما كان من إسلام أبي سفيان وبعض أصحابه ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة ظافراً منتصراً وأهلها فزعون مذعورون لا يدرون ماذا يصنع بهم وناشدوا الرسول الأمان فقال قولته الخالدة على مر الزمان: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن)( ).
فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد وأصبحت أم القرى وقد قيد الرعب حركاتها وأصبح الرجال خلف الأبواب ينتظرون مصيرهم المجهول.
ودخل الجيش الإسلامي من أنحاء مكة حيث دخل الرسول من أعلاها وهو على راحلته مردفاً أسامة بن زيد ومعه بلال وعثمان بن طلحة ودخل خالد بن الوليد من أسفل مكة، ودخلت سائر الفرق من أنحاء مكة، وهكذا دخل الجيش الإسلامي ظافراً منتصراً وسكنت مكة شرفها الله واستسلم سادتها وقادتها وأتباعها ورجالاتها على اختلاف أجناسهم وعلت كلمة الحق في جنباتها تدوي إلى الأبد بمشيئة الله تعالى.
ودخل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيده)( ).
وصعد بلال على ظهر الكعبة ورفع الأذان مدوياً وأعلن سقوط الآلهة المزعومة وعادت الكعبة المشرفة معظمة مقدسة مطهرة تلبية لأمر الواحد المعبود [وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ]( ).
ثم ما لبث الناس بعد لقائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم يطالبون بالعفو والصفح فكان الجواب الخالد من النبي المعصوم المبعوث رحمة للعالمين: (ما ضنكم أني فاعل بكم قالوا: أخ كريم وابن كريم قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء). نعم إنه النبي الموحى إليه وليس القائد المظفر الذي يتشفى بمن عانده ولا حقه وطارده إنه الرحمة المهداة الذي لا يحمل إلا الخير حتى لألد أعدائه.
إن الدروس المستفادة من الفتح العظيم كبيرة وكثيرة فهل نعتبر ونتعظ ونحن في انتظار فتح مؤزر بمشيئة الله تعالى على ذرى الأفغان فهل تتحد الجهود وتتضافر وتتعاون الهيئات ولا تتنافر لعل الله أن يجعل بالفرج قريباً وما ذلك على الله بعزيز.
شعــراً: قال أبو سفيان:
لعمرك إني يوم أحمل راية
*** لتغلب خيل اللات خيل محمد

لكا لمدلج الحيران أظلم ليله
*** فهذا أوان الحق أهدى واهتدى

هداني هاد غير نفسي ودلني
*** إلى الله من طردت كل مطرد

أفر سريعاً جاهداً عن محمد
*** وأدعى وإن لم أنتسب لمحمد

همُ عصبة من لم يقل بهواهم
*** وإن كان ذا رأي يُلم ويُفنَّد

أريد لأرضيهم ولست بلافظ
*** مع القوم ما لم أهد في كل مقعد

فما كنت في الجيش الذي نال عامراً
*** ولا كَلَّ عن خير لساني ولا يدي

أسباب شرح الصدر
يقول الحق تبارك وتعالى: [فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ]( ).
لانشراح الصدر أسباب كثيرة ينبغي على المسلم أن يأخذ بها لعل الله أن يشرح صدره للهدى وطريق الصواب فالأخذ بالأسباب من لوازم الإيمان.
ومن هذه الأسباب ما يأتي:
1ـ من أعظم أسباب شرح الصدر التوحيد وعلى قدر كماله وقوته وصفائه يكون انشراح الصدر والشرك والضلال والخرافات من أعظم أسباب ضيق الصدرعياذاً بالله. يقول تعالى: [أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ]( ).
2ـ النور الذي يقذفه الله في قلب العبد وهو نور الإيمان فإنه يشرح الصدر ويوسعه ويفرح القلب ولهذا ترى أن المتمسكين بالإسلام والملتزمين بأحكامه وآدابه هم أكثر الناس طمأنينة وأكثرهم أنساً وسعادة لأنهم يتلذذون بالسعادة الدنيوية بتمام الطاعة والعبادة وهي الموصلة لهم بإذن الله إلى السعادة الأخروية.
3ـ العلم فإنه يشرح الصدر ويوسعه والجهل يورثه الضيق وكلما اتسع علم الشخص كلما انشرح صدره ولهذا تجد العلماء وطلاب العلم هم أشرح الناس صدوراً وأوسعهم قلوباً وأحسنهم أخلاقاً وأطيبهم عيشاً.
4ـ الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى ومحبته بكل القلب والإقبال عليه وكلما كان القلب مفرغاً لله كان الصدر أكثر انشراحاً ومن أعظم أسباب ضيق الصدر إعراضه عن الله ووجود محبوب غيره يزاحمه، فمن تفرد قلبه في محبة الله وصدق في الإقبال عليه حصل على رغد العيش وهناءته فلله در أقوام صدقوا في محبة الله وصدقوا في الإقبال عليه وصدقوا في اللجوء إليه فمجالسهم عامرة بذكره لا يحلون في مكان إلا وينفعون يذكرون يالله واليوم الآخر أولئك هم المؤمنون حقاً نسأل الله بمنه وكرمه أن يجعلنا منهم.
5ـ دوام ذكر الله من تسبيح وتحميد وتهليل فللذكر آثار عجيبة في انشراح الصدر وسعة الخاطر وبهجة النفوس.
حدثني أحد طلبة العلم الذين يعالجون بالرقى الشرعية قال على كثرة من قرأت عليه من الناس لم أقرأ على طالب علم ولا عابد مشهور بالصلاح يقول وهذا يعني أن من عرف الله حق المعرفة وقام بحقه من ذكر وتلاوة قرآن فإن الشياطين تنفر منه وتبتعد عنه وصدق الله العظيم: [إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ]( ).
6ـ الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه بأي شكل من أشكال الإحسان، وهذا له سر عجيب في انشراح الصدر وحصول الإنس ولا يعرف ذلك إلا من يجربه، فكم من شخص قضى حاجة ملهوف أو شفع لمحتاج أو أعان مضطراً فحصل له بسبب ذلك الخير الكثير. إن مساعدة الناس وقضاء حوائجهم يزيل الهموم ويطرد الأسقام وخير الناس أنفعهم للناس وأبخل الناس أبخلهم بجاهه.
فاحرص أخي المسلم على نفع الناس وقضاء حوائجهم كلما سنحت لك فرصة لعل الله أن يفرج عنك يوم تتكاثر الخطوب والكروب وصدق الحبيب المحبوب (من نفس عن مسلم كربة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. . .)( ).
7ـ إخراج دغل القلب من الحقد والحسد والضغينة، فهذه كلها توجب ضيقه وعذابه وتكثر همومه وغمومه، فمتى تخلص القلب من هذه الأمراض الذميمة وبرأ منها صاحب ذلك انشراحُ في الصدر وسعادة لا تعدلها سعادة.

8ـ ترك فضول الكلام والنظر والنوم والاستماع والمخالطة والأكل، فهذه متى كثرت حبست القلب وضيقت عليه فأصبح يبحث عن المخرج فلا يستطيع. ما أضيق صدر من ضرب في كل آفة من هذه الآفات بسهم وما أنهم عيش من ضرب في كل خصلة من تلك الخصال المحمودة بسهم( ).
نسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا تمام محبته وذكره ووافر نعمه وشكره، وأن يرزقنا انشراحاً في صدورنا وطهارة في قلوبنا وسلامة في عقولنا وعافية في أبداننا، إنه ولي ذلك والقادرعليه. اللهم يا رب الأرباب ومسبب الأسباب ويا أرحم المذنب إذا انطرح بين يديه وأناب ويا مجزل الثواب على الأحباب نسألك أن تعيذنا من الهلكات، ومن دار السعير والدركات، وتباعد بيننا وبين ما فيها من الأغلال واللفحات وأن تجعلنا ممن يتنعم برياض الجنات.
اللهم يا رحمن يا رحيم يا غفار أعذنا من دار البوار وخفف ظهورنا من حمل الأوزار وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين( ).

المجلس الثاني والعشرون
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في:
صيام الجوارح.
يسر الإسلام في الصيام.
ـــــــــــــــــــــــــ

صيام الجوارح
الحمد لله الذي تسبحه البحار الطوافح والسحب السوافح والأبصار اللوامح والأفكار والقرائح العزيز في سلطانه الكريم في امتنانه سائر المذنب في عصيانه رازق الصالح والطالح يعلم خافية الصدر وما فيه من سر أضمرته الجوارح أنزل القطر بحكمته وصبغ لون النبات بقدرته وخالف بين المطعومات بمشيئته وأرسل لواقح موصوف بالسمع والبصر يرى في الجنة كما يرى القمر والدليل على ذلك جلي واضح.
أحمده سبحانه على تسهيل المصالح وأشكره على ستر القبائح وأصلي على المبعوث رحمة للعالمين أفضل غاد وخير رائح صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.
أخوة الإيمان من الصائمين والصائمات.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. . . وبعد.
يتساءل كثير من المسلمين عن صيام الجوارح كيف يكون ونقول لهم إن ملك الجوارح هو القلب فمتى صام صياماً شرعياً فرض ذلك على بقية الجوارح. يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب).
فصلاح القلب حياة لصاحبه وسعادة في الدنيا والآخرة وموته والعياذ بالله هلاك ودمار في الدنيا وعذاب أليم في العقبى والقلوب تصح وتمرض كالأبدان سواء فهنيئاً لمن حافظ على سلامة قلبه من الأمراض وقاده حتى أوصله إلى أعلى الجنان.
نعم يا أصحاب القلوب السلمية لكل مخلوق قلب ولكنهما قلبان قلب صحيح سليم مشرق بالإيمان مفعم بمحبة الله ورسوله وصالح المؤمنين يعرف المعروف وينكر المنكر.
وقلب ميت تتخطفه سهام المعاصي من كل مكان لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً. قلب المؤمن يصوم في رمضان وغيره وصيامه يكون بتفريغه من المادة الفاسدة من شركيات مهلكة ومن اعتقاد باطل ومن وساوس سيئة ومن نوايا خبيثة ومن خطرات موحشة.
قلب المؤمن يصوم عن الكبر لأن المؤمن يجلله التواضع ويكمله حسن الخلق ويرفعه لين الجانب ويعليه عند الناس قضاء حوائجهم. قلب المؤمن يصوم عن العجب لأنه بداية النهاية وكم من إنسان أعجب برأيه فهلك وهل كان الضلال والبعد عن الطريق المستقيم إلا ناتجاً من العجب والعياذ بالله.
قلب المؤمن يصوم عن الحسد لأن الحسد يحبط الأعمال الصالحة ويأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
قلب المؤمن ميزان يزن به الناس فيرتفع عنده الصالحون من أي جنس أو لون أو في أي موقع. وينحط أقوام لأنهم بعدوا عن الله ولو كانوا من أقرب الناس إليه وألصقهم به وصدق الله جل وعلا: [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ]( ).
نعم أيها المؤمنون التفاضل بالتقى والعمل الصالح وليس بالجنس والعرق والأرض فكم جرت علينا هذه النعرات من الخراب والدمار وضياع الشرف والعرض وابتعاد الأخيار وطغيان الأشرار.
شعــراً:
ألست الذي قربت قوماً فوافقوا
***
ورفقتهم حتى أنابوا وأسلموا

فقلت استقيموا منةً وتكرماً
*** وأنت الذي قومتهم فتقوموا

لهم في الدجى أنس بذكرك دائماً
*** فهم في الليالي ساجدون وقوم

نظرت إليهم نظرة بتعطف
*** فعاشوا بها والخلق سكرى ونوم

لك الحمد عاملنا بما أنت أهله
*** وسامح وسلمنا فأنت المسلم

صيام اللسان
ومن أهم الجوارح وأخطرها اللسان تلك الجارحة التي تنطق بكلمة الإيمان أو الكفر وتعمر أو تدمر وتصلح أو تفسد وتبني شرفاً أو تهدمه.
اللسان يوردك الجنة أو يقذف بك في النار والعياذ بالله وصدق معلم البشرية وقائدها وأطهرها لساناً وأصدقها مقالاً (ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)( ).
هل تعلم أيها المسلم أن كل كلمة نطقها مسجلة عليك سواء كانت في طريق البناء والإصلاح أو في طريق الضياع والدمار.
هل تعلم أن هناك رقيباً يسجل عليك في كل مجلس تجلسه: (هل حاسبت نفسك يوماً ما وتصورت ما نطقت به من طلوع الفجر إلى غروب الشمس) [مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ]( ).
أيها الصائمون:
هل صام من أكل لحوم الناس ونهش أعراضهم وأفسد فيما بينهم.
هل صام من كانت مجالسه عامرة بأذية المسلمين وهنك محارمهم ونشر الرذيلة بينهم.
هل صام من رأى المنكر فأطرق وكأنه لا يرى؟
هل صام من أطلق لسانه بالقيل والقال وقذف الأبرياء وتشويه سمعة الأتقياء؟
هل صام من أحيا العصبيات الهالكة وهيأ لها الأجواء لتأتي على الأخضر واليابس؟
هل صام من قضى نهاره بالسب والشتم والتستر على المجرمين والدفاع عنهم؟

أيها الصائمون:
رطبوا ألسنتكم بذكر الله وعطروا مجالسكم بتلاوة القرآن وزينوا أوقاتكم بالسعي في إصلاح ذات البين ووجهوا من تحت أيديكم لعل الله أن يرحمنا وإياكم ويأخذ بأيدينا ويهدي الجميع صراطه المستقيم.

يسر الإسلام في الصيام
القاعدة العامة أن دين الله يسر ولا عسر فيه وأنه سبحانه لا يكلف النفوس بما يعنتها أو يشق عليها: [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ]( ).
[يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ]( ).
وتحقيقاً لهذا المبدأ المجمع عليه عند عامة المسلمين جعل الله المسلمين أمام الصوم طوائف ثلاث:
الطائفة الأولى:
هي طائفة المقيمين الأصحاء القادرين على الصوم بلا ضرر ولا مشقة السالمين من الموانع الشرعية فهؤلاء يجب عليهم أن يصوموا شهر رمضان ومن حاول منهم أن ينتهك حرمة الشهر بالإفطار وبجرح المسلمين في شعورهم فقد باء بسخط من الله ووجب على ولاة الأمر أخذه بالعقوبة الصارمة التي تكون رادعة له ولأمثاله من ضعاف النفوس ومرضى القلب.
وصيام هؤلاء أداء في وقته لدلالة الكتاب والسنة والإجماع، فأما الكتاب فقوله تعالى: [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ]( ). ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الهــلال فصوموا)( ). وأجمع المسلمون على وجوب الصوم أداء على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم سالم من الموانع.
الطائفة الثانية:
وهي طائفة المرضى والمسافرين وهؤلاء إن أفطروا فعليهم قضاء ما أفطروا في أيام أخر يدل لذلك قوله تعالى: [فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ]( ).
وهذا تيسير من الله جل وعلا ورفع للحرج والمشقة التي تصاحب السفر عادة لكن متى ما تعرض المريض أو المسافر للضرر من الصيام فيجب عليهما الفطر ولو صاما لكان صيامهما حينئذ إعراضاً عن الرخصة وهي هدية من الله جل وعلا يقدمها لعباده ليرتفقوا بها تخفيفاً عليهم ومن أعرض عن رخصة الله تزمتاً كان عاصياً لأنه يلقي بنفسه في التهلكة ويلزمها شيئاً ليس يلزمها في شرع ولا دين، والله جل وعلا يحب أن تؤتى رخصة كما يكره أن تنتهك محارمه، ومن تمام رحمة الله سبحانه وتعالى أنه لم يقيد السفر أو المرض الذين يبيحان الفطر بل أطلق ذلك ليكون الفيصل فيهما هو العرف فما عده العرف سفراً جاز فيه الفطر بل أطلق وحده عند عامة أهل العلم ـ إحدى وثمانون ـ كيلو متراً وما عده العرف مرضاً جاز فيه الفطر فلا يفطر بالصداع الخفيف أو الارتفاع البسيط في درجة الحرارة أو وجع العين أو الضرس أو غيرهما مما لا يسمى في عرف الناس مرضاً.
قال البخاري رحمه الله: اعتللت بنيسابور علة خفيفة وذلك في شهر رمضان فعادني إسحاق بن راهوية في نفر من أصحابه فقال لي أفطرت يا أبا عبدالله قلت: نعم ، فقال: خشيت أن تضعف عن قبول الرخصة فقلت حدثنا عبدالله بن المبارك عن عبدالله بن جريج قال: قلت لعطاء من أي المرض أفطر؟ قال: من أي مرض كان كما قال تعالى [فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً]( ).
قال البخاري: (وهذا الحديث لم يكن عند إسحاق أي أنه كان يرى هذا فهماً من الآية واجتهاداً وقد تأيد الحديث فهي رخصة عظيمة لا يأباها إلا من يضع نفسه موضع المشرع الحكيم)( ).
هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصوم أو يفطر في السفر؟
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صام وأفطر في السفر حسب مقتضيات الأحوال وتغليباً للمصلحة الراجحة.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبدالله بن رواحة)( ).
وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى كراع الغميم فصام الناس معه فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنهم ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه( ).
فائدة:
إذا قدم المسافر إلى بلده في وسط النهار وقد أفطر أوله في السفر فهل يلزمه إمساك بقية اليوم أو لا. في ذلك قولان مشهوران لأهل العلم.
أحدهما: قالوا يجب عليه الإمساك بقية يومه ويلزمه القضاء يمسك حرمة للزمن فإن عذره زال بوصوله بلده ويقضي هذا اليوم لأن صيامه فيه غير صحيح إذا لم يمسك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
والقول الثاني: قالوا لا يلزمه الإمساك بقية اليوم إذ لا معنى لصيامه طرف النهار وعليه القضاء وهذا هو الأظهر وهو الذي عليه الدليل شريطة ألا يأكل أمام الناس لئلا يتهم في دينه والله أعلم.
اللهم اجعل التقوى لنا أربح بضاعة ولا تجعلنا في شهرنا هذا من أهل التفريط والإضاعة وآمن خوفنا يوم تقوم الساعة. واجعلنا في رياض الجنة متنعمين وأمتنا على التمسك بهدى خاتم النبيين واحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. واغفر لنا ولوالدينا ومشايخنا ومن له حق علينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين( ).

المجلس الثالث والعشرون
ــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في:
صيام بقية الجوارح.
صيام أهل الأعذار
ــــــــــــــــــــ

صيام بقية الجوارح
الحمد لله الذي أرشد الخلق إلى أكمل الآداب، وفتح لهم من خزائن رحمته وجوده كل باب، أنار بصائر المؤمنين فأدركوا الحقائق وطلبوا الثواب وأعمى بصائر المعرضين عن طاعته فصار بينهم وبين نوره حجاب هدى أولئك بفضله ورحمته وأضل الآخرين بعدله وحكمته إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب، وأشهد ألا إله إلا الله الملك العزيز الوهاب وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بأجل العبادات وأكمل الآداب ـ صلى الله عليه وعلى جميع الآل والأصحاب وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين المآب.
عباد الله:
وهناك جوارح غير القلب واللسان يجب أن تصوم وتمسك عن الحرام لئلا تكون وبالاً يوم العرض على الله يوم تشهد ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم وأفخاذهم وسمعهم وأبصارهم بما كانوا عاملين.
ومن هذه الجوارح العين.
وصيام العين غضها عن الحرام وإغماضها عن الفواحش والآثام إذا رأت منكراً أنكرته وإذا رأت معروفاً باركته وصدق الله: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ]( ).
وفي غض البصر وحبسه فوائد:
1ـ طاعة المولى جل وعلا بتنفيذه أمره واجتناب نهيه.
2ـ سلامة القلب وجمع شمله وبعده عن التفكير والتشتت لأن الاقتصار على الحلال جمع للفكر والقلب.
3ـ البعد عن الفتن والخطايا وكم من نظرة كانت سبباً لجريمة عصفت بأسرة كاملة.
4ـ الفتح على البعد بالعلم النافع والعمل الصالح وكلما كان المسلم من ربه قريباً كان لعطائه أهلاً.
5ـ فرقان من الله يعطيه من حبسوا أبصارهم عن الحرام يفرقون به بين الخير والشر والحق والباطل فهنيئاً لهم هذا النعيم وسلام عليهم في الأولين والآخرين.
نعم أيها الصائمون والصائمات:
العين تصوم في كل وقت ولكنها في رمضان تصوم صياماً من نوع خاص تصوم عن الخطرات والنظرات وتحبس نظرها على النافع من المواعظ والزواجر من الآيات.
العين تصوم ليس في إغلاقها عن النظر بل في تسريحها في هذا الكون الفسيح تتأمل وتفكر وتخشع وتخضع لعظمة الخالق الحي القيوم.

صيام الأذان
الأذن رسول للخير إن استخدمت في طاعة الله، ورسول للشر إن صرفت لمعصية الله، الأذن مسئولة عن كل كلمة استمعتها وهمسة أنصتت لها وصدق الله: [إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً]( ).
الأذن تصوم عن سماع الفواحش من القول والبذيء من الكلام. وتصوم عن الغناء الداعي إلى الرذيلة وبئس المرام.
الأذن تصوم عن أذية المسلمين والنكاية بالموحدين.
الأذن تفطر على سماع الهدى والذكر وطيب الكلام، الأذن تسمع الخير وتألفه وترغبه، وتلك أذن المسلم النقي النقي أما أولئك الذين عطلوا هذه الجارحة فلم يسمعوا بها إلا الحرام والعياذ بالله فقد حكى الله عنهم ذلك في قوله: [وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ]( ).
هم يسمعون لكنهم لا يسمعون سماع موعظة ولا يعتبرون ولا يتعظون وبالتالي لا يعلمون ولذا فهم كالأنعام لأنها لا تستفيد مما تسمعه بل نعى الله عليهم وجعلهم أحط قدراً من الأنعام تدعى أحياناً لمكان علفها فتجيب، وتدعى إلى الماء فتجيب وأما أولئك فيسمعون داعي الهدى لكنهم لا يستجيبون. والبطن يصوم عن اللقمة الحرام فلا يستحر على حرام ولا يفطر على حرام لأن طيب المطعم هو عين الصيام المعنوي ولهذا أرشد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل الذي طلب أن يكون مجاب الدعوة إلى إطابة المطعم (أطب مطعمك تكن مجاب الدعوة)( ).
وذكر في الحديث الآخر الرجل أشعث أغبر يطيل السفر يمد يديه إلى السماء
ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له( ).
كيف يصوم البطن الذي يأكل الحرام، كيف يصوم البطن الذي امتلأ بالربا والله في محكم التنزيل: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ]( ).
ويقول: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ]( ).
فاحرصوا بارك الله فيكم على طلب الرزق الحلال من أبوابه المشروعة ليكون صيامكم وعملكم بمشيئة الله متقبلاً وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
شعــراً:
وخذ من تقى الرحمن أعظم جنة
*** ليوم به تبدو عياناً جهنم

وينصب ذاك الجسر من فوق متنها
*** فهاو ومخدوش وناج مسلم

ويأتي إله العالمين لوعده
*** فيفصل ما بين العباد ويحكم

ويأخذ للمظلوم ربك حقه
*** فيا بؤس عبد للخلائق يظلم

وينشر ديوان الحساب وتوضع
*** الموازين بالقسط الذي ليس يظلم

فلا مجرم يخشى ظلامة ذرة
*** ولا محسن من أجره ذاك يهضم

وتشهد أعضاء المسيء بما جنى
*** كذاك على فيه المهيمن يختم

صيام أهل الأعذار
مر معنا في الفصل طائفتين من طوائف الناس في الصيام. الطائفة الأولى: يجب عليها الصوم وهم الأصحاء القادرون المقيمون السالمون من الموانع.
والطائفة الثانية: يباح لهم الفطر وأحياناً يستحب لها وأحياناً يجب عليها كما مر وهم المرضى والمسافرون.
والطائفة الثالثة: هم الذين يرخص لهم في الفطر مع الفدية وهم الذين تشير إليهم الآية الكريمة: [وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ]( ).
وهم الشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض الذي لا يرجى شفاؤه فهؤلاء يرخص لهم في الفطر إذا كان الصيام يرهقهم ويشق عليهم مشقة شديدة في جميع فصول السنة وعليهم الفدية وهي إطعام مسكين كما حددت الآية ومقدارها مد من البر الجيد (2/1 562) غراماً حسب ما ظهر لي لأن الصاع يزن كيلوين وربع الكيلو( ) والله أعلم.
ويطعم المسكين من غالب قوت البلد وله الخيار بين تفريقه حباً على المساكين وبين أن يصنعه ويطعمهم إياه.
روى البخاري عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ: [وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ] قال ابن عباس: ليست بمنسوخة هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً( ).
الحائض والنفساء:
وهم المعذورين عن صيام الحائض والنفساء فيحرم عليهما الصوم ولا يصح منهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم في النساء: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن قلن وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل قلن: بلى قال: فذلك نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم قلن: بلى قال: فذلك من نقصان دينها)( ).
والحيض دم طبيعي يخرج من المرأة ويحبس أحياناً يتغذى به الجنين وهذا من تمام نعمة الله جل وعلا. وهذا الدم الفاسد يتحول غذاء نافعاً للجنين في بطن أمه وللرضيع لبناً طبيعياً خالياً من الأمراض والعلل.
ومتى حاضت المرأة ولو قبيل غروب الشمس بدقائق لزمها قضاء ذلك اليوم ولم يصح صومها فيه.
وإذا طهرت أثناء النهار لم يلزمها الإمساك على الراجح من كلام أهل العلم إذ لا معنى لصيامها بعض النهار وقد أفطرت بعضه.
والنفساء تأخذ حكم الحائض وعليهما القضاء بقدر الأيام التي يفطرانها.
ولو طهرت الحائض أو النفساء قبيل طلوع الفجر لزمها الصيام ولو لم تغتسل لأن الحكم مرتب على وقوف الدم وليس على الاغتسال، وهنا ينبغي أن تحتاط أخواتنا المؤمنات لهذه المسائل إذ كثيراً ما ترد الأسئلة حول الطهارة وتمامها وحول بدء الحيض، وعلى الأمهات أن يتفقدن أحوال بناتهن الصغيرات اللاتي هن مظنة البلوغ إذ قد تستحي الصغيرة ولا تخبر أهلها وهذا خطأ شنيع وكم سمعنا من فتيات بعدما كبرن سألن عن أيام لم يصمنها في بدء بلوغهن فليتق الله أولياء الأمور ويتابعوا من استرعاهم الله عليهم ويدلوهم على الطريق المستقيم ويوضحوا لهم ما خفي عليهم من أحكام الطهارة والصلاة ومن جهل فليسأل: [فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ]( ).
الحامل والمرضع:
وممن لهم العذر في ترك صيام رمضان الحامل والمرضع إذا خافتا على
نفسيهما أو ولديهما من الصوم فإنهما تفطران وتقضيان.
وهل تطعمان مع القضاء قولان لأهل العلم يدل لذلك ما رواه أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم عن المسافر وعن المرضع والحبلى)( ).
ويلحق بهؤلاء المعذورين من أفطر لإنقاذ معصوم كمن غرق في ماء أو اشتعلت فيه النار أو سقط عليه بناء وغيرهم إذا توقف إنقاذ المعصوم على فطره وتعين عليه وحده كأن لا يوجد غيره وجب عليه الفطر لكن ينبغي ألا يتوسع الناس في ذلك بل يقتصرون على الأمور الضرورية وخصوصاً العاملين في الدفاع المدني ينبغي لهم ألا يفطروا إلا إذا نالهم مشقة وتعب شديدين، أمال مجرد ذهابهم لإخماد حريق فليس مبرراً لإفطارهم.
اللهم اغفر لنا ذنوباً حالت بيننا وبين ذكرك واعف عن تقصيرنا في طاعتك وشكرك وأدم علينا لزوم الطريق إليك وهب لنا نوراً نهتدي به إليك. اللهم أذقنا حلاوة مناجتك واسلك بنا سبيل أهل الرضاتك اللهم انقذنا من دركاتنا وأيقضنا من غفلاتنا وألهمنا رشدنا وأحسن بكرمك قصدنا اللهم احشرنا في زمرة المتقين وألحقنا بعبادك الصالحين واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين( ).

المجلس الرابع والعشرون
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في:
الرياء.
ووصف الجنة.
ـــــــــــــــ

الريـــاء
الحمد لله الذي عصم أولياءه عن أسباب العذاب وهداهم لما يسعدهم وكشف عن بصائرهم الحجاب وخذل أعداءه وخلا بينهم وبين الهوى والشيطان الماكر الكذاب أرسل رسله مبشرين ومنذرين مبشرين لعباده المؤمنين بالرحمة ومنذرين الكافرين بالعذاب، أحمده حمد معترف لرب الأرباب ومسبب الأسباب وغافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب وأشكره على نعمه التي لا تحصى إلى يوم الحساب وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين شرفه ربه بإنزال الكتاب وعلى أصحابه وأتباعه ذوي العقول والألباب.
إخوتي الصائمين والصائمات.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
درسنا لهذه الليلة حول معصية كبيرة وسلاح من أسلحة الشيطان الفتاكة يغزو به الصالحين قبل أهل الفساد ذلك السلاح هو الرياء أعاذنا الله منه.
يقول تعالى: [إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً]( ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمته فعرفها قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال هو جزيء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمته فعرفها قال فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتى به فعرفه نعمه فعرفها. قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن تنفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار)( ).
وعن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع سمع الله به ومن يراء يراء الله به)( ).
الرياء: فعل شيء من العبادات التي أمر الله بفعلها له لغير الله وهو أنواع كثيرة منها الرياء البدني كإظهار النحول والشحوب ليظهر للناس أن العبادات أثرت عليه.
والرياء العملي كمراءاة المصلي بطول القيام والركوع والسجود.
والرياء بالقول كحفظ طرف من العلوم ليتحدث الناس عن علمه وتحسين تلاوته للقرآن ليقال فلان قارئ، والرياء من جهة اللباس ثياباً غير جميلة ولا نظيفة ليقال فلان زاهد.
والرياء بالأصحاب والزوار كمن يتكلف أن يستزير عالماً ليقال أن العالم زار فلاناً. اللهم اعصمنا من الرياء بجميع أنواعه ولا تفتنا فيه يا سميع الدعاء.
وأسباب الرياء كثيرة ترجع على أمور ثلاثة:
1ـ حب لذة الحمد.
2ـ الفرار من الذم.
3ـ الطمع فيما في أيدي الناس.
يؤيد هذا ما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله. قال صلى الله عليه وسلم (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)( ).
فقوله يقاتل شجاعة أي ليذكر ويحمد.
وقوله يقاتل حمية أي يأنف من القهر ويفر من الذم.
وقوله يقاتل رياء أي ليرى مكانه طلباً للجاه والمكانة.
وإن من أخطر أبواب الرياء الرياء العلمي فكثير من الناس يتساهل بالفتوى ويستعجل الإجابة لئلا يقال أنه لم يعرف وهذا هو ديدن أدعياء العلم المتشبعين بما لم يعطوا فليحذر المسلم من ذلك وليعلم أنه يوقع عن الله في إجابته فليحرص أن يخلص نفسه قبل أن يُخلصَ السائل فوالله ليأتين يوم تندم على ما فرطت فيه من إجابة. لقد كان السلف يكرهون الإجابة ويتدافعون الفتيا رغبة في السلامة.
ولكن البلاد إذا اقشعرت
*** وصوح نبتها رعي الهشيم

ومن علامات الرياء الشهيرة:
تأخير العبادة عن وقتها: [فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ]( ).
والقيام بالعبادة بخمول وكسل وعدم إعطائها حقها من أركان وشرائط وواجبات: [إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً]( ).
وللرياء خطورة كبيرة فهو يهدم العمل الصالح ويقضي عليه ويأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ويؤثر على الفرد والمجتمع تأثيراً عجيباً فهو من أسباب الهزيمة النفسية للأمة يكسوها بالخواء الروحي ويفقدها لذة المناجاة والعبادة.
فليحرص المسلم على علاج نفسه متى أحس بتغلغل الرياء إليها وذلك بمعرفة طرقه ومسالكه وسد الطريق على الشيطان الرجيم وإخفاء العمل وعدم الاكتراث بمدح الناس وثنائهم وبذلك لا يجد الرياء إلى المسلم طريقاً.
أسأل الله أن يعصمنا من هذا الداء الخطير وأن يخلص الأمة من شروره وويلاته.
شعــراً:
يا بائعاً نفسه بيع الهوان لو
*** استرجعت ذا البيع قبل الفوت لم تخب

وبائعاً طيب عيش ما له خطر
*** بطيف عيش من الآلام منتهب

غبنت والله غبناً فاحشاً ولدى
*** يوم التغابن تلقى غاية الحرب

ووارداً صفو عيش كله كدر
*** أمامك الورد حقاً ليس بالكذب

وحاطب الليل في الظلماء منتصباً
*** لكل داهية تدنى من العطب

فأفرش الحذ ذياك التراب وقل
*** ما قاله صاحب الأشواق والحقب

وأسر في غمرات الليل مهتدياً
*** بنفحة الطيب لا بالعود والحطب

وخذ لنفسك نوراً تستضيء به
*** يوم اقتسام الورى الأنوار بالرتب

وصف الجنة
يقول تعالى: [مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ]( ).
قال ابن القيم رحمه الله: فإن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران، وإن سألت عن سقفها فهو عرش الرحمن، وإن سألت عن بلاطها فهو المسك الأذفران وإن سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والجوهر، وإن سألت عن بنائها فلبنه من فضة ولبنة من ذهب، وإن سألت عن أشجارها فما فيها شجرة إلا وساقها من هذب وفضة لا من الحطب والخشب، وإن سألت عن ثمرها فأمثال القلال ألين من الزبد وأحلى من العسل، وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل وإن سألت عن أنهارها فأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى، وإن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون، وإن سألت عن شرابهم فالتسنيم والزنجبيل والكافور، وإن سألت عن آنيتهم فآنية الذهب والفضة في صفاء القوارير، وإن سألت عن سعة أبوابها فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام، وإن سألت عن تصفيف الرياح لأشجارها فإنها تستفز بالطرب لمن يسمعها، وإن سألت عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع مائة عام لا يقطعها، وإن سألت عن سعتها فأدنى أهلها يسير في ملكه وسروره وقصوره وبساتينه ألفي عام، وإن سألت عن خيامها وقبابها فالخيمة الواحدة من درة مجوفة طولها ستون ميلاً من تلك الخيام، وإن سألت عن علاليها وجواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار، وإن سألت عن ارتفعها فانظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار، وإن سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب، وإن سألت عن فرشها فبطائنها من استبرق مفروشة في أعلى الرتب، وإن سألت عن أرائكها فهي الحجال مزررة بأزرار الذهب فما لها من فروج ولا خلال، وإن سألت عن وجوه أهلها وحسنهم فعلى صورة القمر، وإن سألت عن أسنانهم فأبناء ثلاث وثلاثين على صورة آدم عليه السلام أبي البشر، وإن سألت عن سماعهم فغناء أزواجهم من الحور العين وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين وأعلى منها خطاب رب العالمين، وإن سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب تسير بهم حيث شاءوا من الجنان، وإن سألت عن عرائسهم وأزواجهم فهن الكواعب الأتراب اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب فللورد والتفاح ما لبسته الخدود وللرمان ما تضمنته النهود واللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور وللرقة واللطافة ما دارت عليه الخصور تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت إذا قابلت حبها فقل ما تشاء في تقابل النيرين وإذا حادثته فما بمحادثة الحبيب وإن ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين يرى وجهه في صحن خدها كما يرى في المرآة التي جلاها صيقلها، ويرى مخ ساقها من وراء اللحم ولا يستره جلدها ولا عظمها ولا حللها لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً ولتزخرف لها ما بين الخافقين ولأغمضت عن غيرها كل عين، وصالها أشهى إليه من جميع أمانيها لا تزداد على طول الأحقاب إلا حسناً وجمالاً ولا يزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالاً مبرأة من الحبل والولادة والحيض والنفاس مطهرة من المخاط والبصاق والبول والغائط وسائر الأدناس لا يفنى سبابها ولا تبلى ثيابها ولا يخلق ثوب جمالها ولا يمل طيب وصالها قد قصرت طرفها على زوجها فلا تطمع لأحد سواه وقصر طرفه عليها فهي غاية أمنيته وهواه إن نظر إليها سرته وإن أمرها بطاعته أطاعته وإن غاب عنها حفظته فهو معها في غاية الأماني والأمان. هذا ولم يطمثها قبله إنس ولا جان كلما نظر إليها ملأت قلبه سروراً وكلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤاً منظوماً ومنثوراً وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نوراً وإن سألت عن السن فأتراب في أعدل سن الشباب ، وإن سألت عن الحسن فهل رأيت الشمس والقمر، وإن سألت عن الحدق فأحسن سواد في أصفى بياض في أحسن حور، وإن سألت عن القدود فهل رأيت أحسن الأغصان، وإن سألت عن النهود فهي الكواعب نهودهن كألطف الرمان، وإن سألت عن اللون فكأنه الياقوت والمرجان، وإن سألت عن حسن الخلق فهن الخيِّرات الحسان اللاتي جمع لهن بين الحسن والإحسان فأعطين جمال الباطن والظاهر فهن أفراح النفوس وقرة النواظر، وإن سألت عن حسن العشرة ولذة ما هنالك فهن العرب المتحببات إلى الأزواج.
وحديثها السحر الحلال لو أنه
*** لم يجن قتل المسلم المتحرز

إن طال لم يملل وإن هي حدثت
*** ود المحدث أنها لم توجز( ).

اللهم ارزقنا الخلود في الجنات وتجاوز عنا كثير السيئات وضاعف لنا قليل الحسنات. وأجزل لنا العطايا والهبات وأنقذنا من حضيض الدركات وارفع لنا ذكرنا في عليين وأعطنا كتابنا باليمين، واحشرنا في زمرة سيد المرسلين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول أو عمل. اللهم اجمعنا ووالدينا وأحبابنا ومشايخنا ومن له حق علينا وجيراننا وأحبابنا في جنات النعيم يا علي يا عظيم. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المجلس الخامس والعشرون
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في:
أحكام الزكاة.
من أسباب دخول النار.

أحكام الزكاة
الحمد لله الذي يمحو الزلل ويصفح ويغفر الخطل ويسمح كل من لاذ به أفلح وكل من عامله يربح رفع السماء بغير عمد فتأمل والمح وأنزل القطر فإذا الزرع في الماء يسبح والمواشي بعد الجدب في الخصب تسرح وأقام الورقَ على الورَقِ تُسبِّح أغنى وأفقر وربما كان الفقر أصلح فكم من غني طرحه الأشر والبطر أقبح مطرح هذا قارون ملك الكثير لكنه بالقليل لم يسمح نُبه فلم يستيقظ وليم فلم ينفعه اللوم إذ قال له قومه لا تفرح أحمده ما أمسى النهار وما أصبح وأشهد ألا إله إلا الله الغني الجواد منّ بالعطاء الواسع وأفسح، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي جاد الله بنفسه وماله وأبان الحق وأوضح صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما لاح في الأفق برق وألمح.
أيها الأخوة في الله.
درسنا لهذه الليلة حول فريضة من فرائض الإسلام فرط فيها بعض المسلمين وتساهل فيها بعضهم والأمة الإسلامية في هذه الأوقات في أمس الحاجة إلى إقامة هذه الفريضة على وجهها الصحيح.
درسنا هذه الليلة حول الركن الثالث من أركان الإسلام حول الزكاة فنقول: الزكاة حق واجب في مال مخصوص لطائفة معينة في وقت معلوم.
وهي أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام وهي قرينة الصلاة وهما قرينتا التوحيد.
وقد أجمع المسلمون على فريضتها فمن أنكر وجوبها مع علمه فهو كافر خارج من ملة الإسلام ومن بخل بها أو نقص شيئاً منها فهو من الظالمين المعترضين لعقوبة الله ومقته وغضبه والعياذ بالله. يقول الله تعالى: [وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ]( ).
ويقول تعالى: [وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا
الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ]( ).
ويقول تعالى: [فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ]( ).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله واقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت الحرام من استطاع إليه سبيلاً)( ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، قال: (تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان) قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فلما ولي قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)( ).
وفي أداء الزكاة تزكية لنفس المؤمن من أوضار الذنوب وآثارها السيئة [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا]( ).
وفيها كفاية الفقير المسلم وسد حاجته ومواساته وإكرامه.
وفيها تطهير المال وتنميته والمحافظة عليه ووقايته من الآفات.
والأموال التي تجب فيها الزكاة أربعة أصناف:
الأول: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار لقوله تعالى : [وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ] وأعظم حقوق المال الزكاة.
وقال صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء أو كان عشرياً العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر)( ).
ولا تجب الزكاة فيه حتى يبلغ نصاباً وهو خمسة أوسق والوسق ستون صاعاً والصاع زنته بالبر الجيد كيلوان وربع الكيلو فيكون النصاب ستمائة وخمسة وسبعين كيلو (675). فمال سقي بالكلفة كالمكائن والرشاشات وغيرهما ففيه نصف العشر وما سقي بدون كلفة ففيه العشر كالزرع على مواقع السيول وغيرها.
الثاني: بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم إذا كانت سائمة ترعى المباح أكثر الحول وقد أعدت للدر والنسل فتجب فيها الزكاة إذا بلغت نصاباً. وأقله في الإبل خمس وفي البقر ثلاثون وفي الغنم أربعون فإن كانت سائمة معدة للبيع والشراء فهي عروض تجارة مثلها مثل بهيمة الأنعام الموجودة في المزارع وغيرها وهي معدة للبيع والشراء.
أما إن أعدت للأكل والأضاحي فلا زكاة فيها.
الثالث: الذهب والفضة يقول تعالى: [وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ *يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ]( ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فاحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد)( ).
والمراد بحقها الزكاة كما فسرته الرواية الثانية (لا يؤدى منها زكاتها).
وتجب الزكاة في الذهب والفضة والنقود التي تقوم مقامها ونصاب الذهب عشرون مثقالاً والمثقال يزن (2/1 3) جراماً فيكون النصاب بالجرامات سبعين جراماً (70).
ونصاب الفضة مائتا درهم والدرهم يزن(3/10 3) جراماً فيكون النصاب بالجرامات أربعمائة وستين جراماً(460).
وهكذا النقود تأخذ حكم الذهب والفضة مع مراعاة مصلحة الفقير فمن كان عنده عملة ورقية قاسها على النصاب الأقل من النقدين وأخرج ربع عشرها وعلى المسلم أن يزكي الدين في أيدي الناس له وهو مخير بين أن يزكيه كل سنة مع ماله وبين أن يؤخره ويزكيه إذا قبضه لما مضى، وهذا إذا كان الدين على ملئ قادر على الوفاء، أما إذا كان الدين على معسر أو مماطل لا يستطيع استيفاء حقه منه فلا يزكيه إلا إذا قبضه لسنة واحدة فقط ولو جلس الدين عند المعسر أو المماطل عشرات السنين والله أعلم.
ولا زكاة في الحلي المستعمل شريطة ألا يكون خارجاً عن العرف والعادة وأن تستعمله المرأة ولو مرات قليلة خلال العام ما دام في أصله معداً للاستعمال أما أولئك النساء اللاتي يفيض المال في أيديهن فيمسكنه بشراء الحلي فهذا داخل في الكنز فعليهن زكاته كغيره من الأموال.
الرابع: عروض التجارة وهي كل ما أعد للتكسب والتجارة من عقار وحيوان وطعام وشراب وسيارات وغيرها من جميع أصناف المال فيقومها كل سنة ويُخرج منها ربع العشر ولا زكاة فيما أعده المسلم لحاجة نفسه من مسكن وملبس وفراش ومركب وحلي مباح مستعمل لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)( ).
وتجب الزكاة في أجرة ما أعد للأجرة من سيارات وعقارات وغيرها إذا حال عليها الحول فلو قبض أجرة العمائر أو النقليات وأنفقها ولم يحل عليها الحول فلا زكاة فيها والله أعلم.
شعــراً:
نسيت لظى عند ارتكابك للهوى
*** وأنت توقى حر شمس الهواجر

كأنك لم تدفن حميماً ولم تكن
*** له في سياق الموت يوماً يحاضر

وقال آخر:
من كان حين تصيب الشمس جبهته
*** أو الغبار يخاف الشين والشعثا

ويألف الظل كي تبقى بشاشته
*** فسوف يسكن يوماً راغماً جدثا

في ظل مقفرة غبراء مظلمة
*** يطيل تحت الثرى في غيها اللبثا

تجهزي بجهاز تبلغين به
*** يا نفس قبل الردى لم تخلفي عبثا

من أسباب دخول النار
يقول تعالى: [وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ *يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ]( ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها من نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما الجنة وإما إلى النار) قيل يا رسول الله فالإبل قال: (ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصلاً واحداً تطؤه بأخفاقها وتعظه بأفواهها كلما مر عليه أولادها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) قيل يا رسول الله فالبقر والغنم قال: (ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح بها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها شيئاً ليس عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولها رد عليه آخرها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار). قيل: يا رسول الله فالخيل قال ثلاثة هي لرجل وزر وهي لرجل ستر وهي لرجل أجر فأما التي هي له وزر فرجل ربطها رياء وفخراً ونواءاً لأهل الإسلام فهي له وزر وأما التي هي له ستر فرجل ربطها في سبيل الله ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها فهي له ستر، وأما التي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج أو روضة فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات وكتب له عدد روثها وأبوالها حسنات ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله تعالى عدد ما شربت حسنات) قيل: يا رسول الله فالحمر قال: (ما أنزل علي في الحمر إلا هذه الآية الفاذة الجامعة: [فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه]( ).
أرأيت أخي المسلم كيف يكون مصير مانع الزكاة. أين الذين يتساهلون بهذا الركن العظيم ألا يتعظون ويعتبرون ويخشون الوقوف بين يدي الحي القيوم ألا يتذكرون الصراط وزلته والميزان ورجحته، ألا يعتبرون بمن مات وخلف وراءه الأموال الكثيرة التي صارت وبالاً عليه، عليه غرمها ولغيره غنمها.
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب
*** متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب

نشاهد ذا عين اليقين حقيقة
*** عليه مضي طفل وكهل وأشيب

ولكن علا الرانُ القلوب كأننا
*** بما قد علمناه يقيناً نكذب

نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها
*** وعلَّ الردى مما نرجيه أقرب

ونسعى لجمع المال حلاً ومأثماً
*** وبالرغم يحويه البعيد وأقرب

نحاسب عنه داخلاً ثم خارجاً
*** وفيم صرفناه ومن أين يكسب

اللهم طهرنا من حقوق خلقك علينا وتجاوز عنا ما لك من الحقوق اللهم خلصنا من ظلامات الخلق وبارك لنا في الرزق وجمل رقابنا بالعتق وزين أقوالنا بالصدق وطهر أفعالنا من الفسق. اللهم أطب مطعمنا وزك نفوسنا وطهر أموالنا. وأعظم عندك قدرنا وثقل يوم العرض موازيننا، اللهم لذنا ببابك فأرحم ضعفنا واجبر كسرنا وأرحم ذلنا اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين( ).

المجلس السادس والعشرون
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في:
رسالة إلى أختي المسلمة.
ورمضان شهر الجود والكرم.

رسالة إلى أختي المسلمة
الحمد لله معز من أطاعه وأتقاه ومذل من أضاع أمره وعصاه مجيب دعوة الداعي إذا دعاه وهادي من توجه إليه واستهداه ومحقق رجاء من صدق في معاملته ورجاه من أقبل إليه صادقاً تلقاه ومن ترك لأجله أعطاه فوق ما تمناه ومن لاذ بحماه حماه ومن توكل عليه كفاه.
أحمده حمداً يملأ أرضه وسماه وأشكره على جزيل فضله وسوابغ نعماه وأشهد ألا إله إلا الله لا معبود بحق سواه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي اصطفاه وأسرى به إلى السماء وأراه من الأسرار ما أراه وقربه إليه وشرفه وأدناه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن تبع هداه.
أخوة العقيدة:
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. . .
يطيب لنا في هذه الليلة المباركة أن يكون درسنا رسالة عاجلة إلى الأخت المسلمة أماً وزوجة وأختاً وبنتاً وقريبة.
أختي المسلمة: إن دخولك المسجد وتأديتك الصلاة مع المسلمين في هذا الشهر المبارك دليل قاطع على سلامة توجهك وحرصك على الخير فهنيئاً لك الأجر الجزيل بمشيئة الله تعالى.
يقول تعالى: [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ]( ).
المؤمنون والمؤمنات كل منهم عليه مسئولية منوطة به عليه أن يقوم بها على أتم وجه وأكمله.
فمتى قمت أيتها الأخت المؤمنة بواجباتك حصلت لك السعادة في الدنيا والفلاح والفوز في العقبى بمشيئة الله تعالى.
1ـ حافظي على الصلوات الخمس بركوعها وسجودها تطمئنين فيها وتخشعين وتكونين بعيدة عن عبث الأولاد وصخبهم وحذار أيتها الأخت الفاضلة أن تكون الصلاة هي آخر ما في حساباتك تقدمين حاجة البيت عليها ولا تقومين لها إلا مهمومة مغمومة يعلوك الكسل ويجللك الفتور فذلك من شعارات المنافقين والمنافقات عياذاً بالله.
2ـ حافظي على السنن والرواتب ولازمي الأذكار والأدعية ولا تصدري إلا كلاماً طيباً وإياك والدعاء على أولادك والظهور أمامهم بالمظهر غير اللائق من كل وجه.
3ـ طاعة زوجك طاعة تامة بالمعروف وعليك بتلبية مطالبه والقيام بحاجاته وتحسس مرغوباته وتحقيقها قبل طلبها فهذا من تصرف المرأة الحازمة العاقلة واحرصي على تطويق أي خلاف مع زوجك قبل أن يستفحل ويخرج للآخرين والمرأة المخلصة تعرف كيف تعامل زوجها بالآداب والعشرة الكريمة وتكون له أماً وأختاً وزوجة.
4ـ احرصي على تربية أولادك وذلك بتعليمهم ما ينفعهم وتهذيب أخلاقهم وتعويدهم على الجميل من القول والعمل وتحبيب الخير لهم وحثهم على الصدق والالتزام بالوعد وعدم التعدي أو أذية الآخرين ولا تكوني أختي المسلمة ممن تهتم بمأكل أولادها ومشربهم وملبسهم على حساب أخلاقهم وتربيتهم وتعليمهم فكلما أن صحة الولد ونظافته مطلوبة كذلك أخلاقه وسلوكه بل الأخيرة أهم.
وصدق الله العظيم: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ]( ).
5ـ القيام بشئون البيت كاملة غير منقوصة وحذاري أن تتساهلي بشيء منه فتلك مهمتك الأولى وأنت الحاكمة فيه فاحرصي أن يكون هادئاً مريحاً يستمتع الزوج بالجلوس فيه والأنس مع من فيه وكلما بدرت شرارة من ضجيج الأولاد وصخبهم فطوقيها قبل أن تزعج رب الأسرة.
6ـ يتأكد عليك أختي المسلمة بر والديك والإحسان إليهما وصلة أرحامك بقدر ما يتيسر لك وهنا ينبغي أن تعلمي أن حقوق الزوج مقدمة على حقوق الوالدين عند المشاحة فلا تخرجي حتى لوالديك إلا بإذن زوجك ورضاه ومن تمام العشرة والحقوق المتبادلة أن يسمح لك بزيارة والديك وصلتهما حسب ما تقتضيه المصلحة والحاجة واعلمي أنك ترسمين منهجك بنفسك فعلى قدر تخطيطك وسلوكك مع زوجك على قدر ما يكون متجاوباً في تلبية طلباتك.
7ـ يتأكد عليك حفظ عرضك وغض بصرك وعدم الخروج من منزلك إلا لحاجة ملحة فمن الخير للمرأة ألا ترى الرجال ولا يراها الرجال ومن تمام سعادة المرأة أن تلزم بيتها إلا لمصلحة راجحة تقدرينها ويقدرها زوجك.
8ـ احرصي على الستر والعفاف والحجاب الكامل، فالشيطان حريص على إيقاعك وإيقاع غيرك بك وشياطين الإنس كثيرون ولك بنساء السلف خير قدوة كانت الواحدة منهن إذا خرجت لما لا بد لها منه خرجت وهي متسترة متحشمة لا يرى منها إلا السواد.
أسأل الله جل وعلا أن يرزقك الحشمة والستر والعفاف وأن يهب لك ذرية صالحة تنفعك في الحياة وبعد الممات.
شعــراً:
أختاه يا بنت الخليج تحشمي
*** لا ترفعي عنك الخمار فتندمي

هذا الخمار يزيد وجهك بهجة
*** وحلاوة العينين أن تتلثمي

صوني جمالك إن أردت كرامة
*** كيلا يصول عليك أدنى ضيغم

لا تعرضي عن هدى ربك ساعة
*** عضي عليه مدى الحياة لتغنمي

حلل التبرج إن أردت رخصية
*** أما العفاف فدونه سفك الدم

العرى مرتعة وخيم فاحذري
*** وتداركي البنيان قبل تهدم

حسناء يا ذات الدلال فإنني
*** أخشى عليك من الخبيث المجرم

رمضان شهر الجود والكرم
يقول تعالى: [مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ]( ).
ويقول تعالى: [آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ]( ).
ويقول تعالى: [مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ]( ).
ويقول تعالى: [مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنّاً وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ]( ).
ويقول تعالى: [وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ]( ).
من رمضان فيدارسه القرآن فرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة( ).
هذا هو ديدن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أكرم الناس وأجود الناس إن أنفق أجزل، وإن منح أغدق وإن أعطى أعطى عطاء من لا يخشى الفاقة ما بيده ليس له، يحرص على البذل والعطاء حتى لكأنه يجود بنفسه التي بين جوانحه.
وكان صلى الله عليه وسلم يستقبل رمضان بفيض من الجود حتى لكأنه يسابق الريح المرسلة التي تنطلق على سجيتها تسوق السحاب ليتفرق في كل اتجاه لينتفع به الناس.
نعم إن رمضان موسم الخيرات والبركات والصدقات. وهيهات هيهات أن يشابه أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم في بذله وعطائه.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
*** إن التشبه بالكرام فلاح

الجود يكون ببذل الصدقة بإلقاء الكلمة الطيبة بتفطير الصائم بالإصلاح بين الناس بأداء حقوق الله في الأموال والأبدان.
وإن من مظاهر الادخار المضمون بذل الحاجة للمحتاجين والصدقة للمساكين [مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ] أرأيت قرضاً دفعته لآخر ألا يرده كما كان إن لم يزد محسناً الوفاء وخير الناس أحسنهم قضاء، إذاً ما دام قرضاً مضموناً فلماذا البخل وقد لا ينتفع الشخص بماله قد تفاجئه منيته قبل أن يستفيد منه وهنا سيكون عليه غرمه ولغيره غنمه.
من المظاهر الطيبة في مجتمعنا ما يفعله الناس من تسابق على البذل والعطاء والصدقة على مختلف أشكالها وأنواعها وهذا عمل طيب ومأجور إن شاء الله ولكن ما نتمناه أن يكون هناك أولويات فإذا كانت هناك حاجة ماسة لنوع معين أو أسرة معينة فالمبادرة لسد هذه الحاجة أولى من غيرها وإذا كانت هناك حاجة لإخواننا خارج بلادنا ممن يدافعون عن الأرض والعرض ويرفعون راية الجهاد فالبذل لهم أولى وأحرى بالمضاعفة والقبول. وإذا كانت جهات مامونة موثوقة تتولى الصدقات وتعرف مظانها فالتعاون معها أكمل وأتم.
أخي المسلم: طرق الخير ميسرة وأبواب الطاعات مفتوحة وقنوات البر والإحسان ممهدة فما عليك إلا أن تبذل وتحسن النية ولا تتقال ما تبذله فكم من ريال سبق مليون ريال وكم من قليل سبق الكثير.
فهنيئاً لمن صدق مع الله فيما بذل وأعطى فقبل منه الله ولو أقل القليل.
أيها الأخوة الصائمون:
كلما شرف الزمان والمكان شرف تبعاً له ما يقع فيع من الأعمال الصالحة والأقوال الطيبة، فالصدقة في رمضان أفضل منها في غيره، والصلاة في الحرم المكي أفضل منها في غيره والبذل على الوالدين والأقارب أفضل منه على غيرهم ومدار الأعمال كلها على النية الصالحة.
فاحرص أخي المسلم على أن تكون أقوالك وأعمالك مقرونة بالنية الصالحة فقبول العمل وعدم قبوله كم أرَّق من نفوس مؤمنة وأسهر من عيون خاشعة وأذكى خوف عباد الله الصالحين. كان السلف يحملون هم قبول العمل أكثر من هم العمل وما ذاك إلا لصدق نواياهم وطهارة قلوبهم وصفاء نفوسهم رزقنا اقتفاء آثارهم.
اللهم وفقنا لاغتنام الأوقات، وشغلها بالأعمال الصالحات.
اللهم يا جزيل الهبات ويا واسع العطيات أسكنا أعلى الجنات. اللهم جد علينا بالفضل والإحسان وعاملنا بالعفو والغفران وأعذنا من عذاب النيران وأسكنا فسيح الجنان. اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى واغفر لنا في الآخرة والأولى. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين( ).

المجلس السابع والعشرون
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في:
وصف الجنة.
وليلة القدر.
ــــــــــــ

وصف الجنة
الحمد لله الذي رسم في جميع مصنوعاته على وجوده وكماله دليلاً ووسم بالعجز سائر مخلوقاته فكلهم تراه إليه مفتقراً ذليلاً وحسم الأفكار عن الإحاطة بذاته وصفاته فأقرت عقول المؤمنين بالعجز عن تكييفه وآمنت بوجوده وإثباته ولم يجعل للأفكار في الإحاطة به سبيلاً.
هو الله الخالق البارئ المصور أعد لمن خالف أمره عذاباً وتنكيلاً. هو الله الملك الكبير العلي العظيم القدير الذي لا يزال متصدقاً جليلاً. الجبار الذي قهر المتجبرين وجبر كسر المنكسرين وخيراته ما تزال تسح سحاً جزيلاً.
أحمده سبحانه على توالي جوده وإنعامه وأشكره على سابق فضله وإكرامه وأصلي وأسلم على من فضله ربه تفضيلاً.
وخصه من بين سائر خلقه واتخذه خليلاً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه من كان بلاؤههم صادقاً جميلاً.
أخوة العقيدة:
درسنا هذه الليلة في وصف الجنة جعلنا الله من سكانها بمنه وكرمه.
قال تعالى: [مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا]( ).
وقال تعالى: [مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ]( ).
وقال تعالى: [وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ
وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ]( ).
وقال تعالى: [وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً *وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً *وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً]( ).
وقال تعالى: [فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ]( ).
وقال تعالى: [يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ]( ).
وقال تعالى: [إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ]( ).
وقال تعالى: [ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ]( ).
وقال تعالى: [فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ]( ). وقال تعالى: [فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ]( ).
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون)( ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة وفوقه عرش الرحمن)( ).
وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أهل يتراءون أهل الغرف فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم) قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال: (بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين)( ).
وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم فلا يرى بعضهم بعضاً)( ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر واقرأوا إن شئتم [فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ])( )( ).
وعن صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى منادي يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار قال فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم منه)( ).
شعــراً:
عنا قيد من كرم وتفاح جنة
*** ورمان أغصان به القلب مغرم

وللورد ما قد ألبسته خدودها
*** فيا عجباً من واحد يتقسم

لها فرق شتى من الحسن أجمعت
*** بجملتها أن السلو محرم

تذكر بالرحمن من هو ناظر
*** فينطق بالتسبيح لا يتلعثم

إذا قابلت جيش الهموم بوجهها
*** تولى على أعقابه الجيش يهزم

فيا خاطب الحسناء إن كنت راغباً
*** فهذا زمان المهر فهو المقدم

ولما جرى ماء الشباب بغصنها
*** تيقن حقاً أنه ليس بهرم

ليلة القدر
قال تعالى: [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ]( ).
سميت بذلك لأن الله تعالى يقدر فيها الآجال والأرزاق وحوادث العوام [فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ]( ).
وقيل لأنها عظيمة شريفة ويدل له قوله تعالى: [لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ] وقيل لأنها تكسب من أحياها شرفاً وقدراً أو لأن العمل فيها له قدر عظيم والكل حاصل ومتحقق.
إن من نعمة الله على هذه الأمة أن جعل لها مواسم يتضاعف فيها العمل ومن أخص هذه الأزمنة شهر رمضان لان فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر أي ما يزيد على ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر. الله أكبر إنها نعمة عظيمة عمر كامل للإنسان ولكن ما أكثر المحرومين.
وصفها الله بأنها ليلة مباركة وشرفها على سائر الليالي وأخبر الرسولصلى الله عليه وسلم أن قيامها سبب لمغفرة ذنوب العبد. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)( ).
وقد اختلف أهل العلم في تحديدها خلافاً واسعاً، ومن أشهر أقوالهم:
1ـ أنها أول ليلة من العشر الأخير من رمضان.
2ـ أنها ليلة اثنين وعشرين من رمضان.
3ـ أنها ليلة ثلاث وعشرين وقال به جمع كبير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
4ـ أنها ليلة أربع وعشرين.
5ـ أنها ليلة خمس وعشرين.
6ـ أنها ليلة سبع وعشرين وهذا قال به أكثر الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
7ـ أنها ليلة ثمان وعشرين.
8ـ أنها ليلة تسع وعشرين.
9ـ أنها ليلة الثلاثين.
10ـ أنها في أوتار العشر الأخير( ).
وخلاصة القول أن ليلة القدر في العشر الأواخر في أوتارها وأرجاها والله أعلم ليلة سبع وعشرين ثم ليلة ثلاث وعشرين ثم ليلة إحدى وعشرين ووقتها من غروب الشمس إلى طلوع الفجر يدل لذلك قوله: [سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ]( ).
وقد أخفى الله هذه الليلة على عباده كي يجتهدوا في العبادة ولئلا يتكلوا على فضلها ويقصروا في غيرها، وهذا فضل منه سبحانه ليزداد المسلمون طاعة وتقرباً إليه.
أخي المسلم: عليك بالدعاء في ليلتها أكثر منه وقدم بين يديه التسبيح والتحميد والتهليل واختمه بالصلاة والسلام على الحبيب صلى الله عليه وسلم.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها قال: (قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني)( ).
إخواني: ليلة القدر أمرها عظيم والخير فيها جزيل عميم وكفى وصفها في القرآن [فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ].
فيها تقسيم الآجال والأعمار فيها يكتب الحجاج والعمار كم جامع ديناراً وأكفانه عند القصار وهو يعمر الدار عمارة مقيم: [فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ].
هذه الليلة فيها التجارة الرابحة والملائكة تملأ الأرض سائحة. هذه ليلة العبرات والزفرات هذه الليلة تجاب فيها الدعوات. هذه ليلة يتنافس فيها المتنافسون ويتسابق فيها المشمرون فيا سعادة الفائزين ويا شقاوة الخاسرين.
حرام على قلبي وإن شفه الضنا
*** يميل إلى مولى سواك وصاحب

فزعت إلى باب المهيمن ضارعاً
*** مدلاً أنادي باسمه غير هائب

فلم أخش حجاباً ولم أخش منعه
*** ولو كان سؤلي فوق هام الكواكب

كريماً يلبي عبده كلما دعا
*** نهاراً وليلاً في الدجى والغياهب

يقول له لبيك عبدي داعياً
*** وإن كنت خطاء كثير المعائب

فما ضاق عفوي عن جريمة خاطئ
*** وما أحد يرجو نوالي بخائب

اللهم يا جابر كسر المنكسرين ويا راحم مذل المساكين ويا مغيث الملهوفين ويا ناصر المستضعفين ويا مالك يوم الدين نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة. اللهم أقسم لنا في هذه الليلة الشريفة المباركة من خير ما أعددته لعبادك الصالحين.
اللهم اجعلنا لحوض نبيك من الواردين ويوم العرض عليك من الناجين، اللهم يسر أمورنا واشرح صدورنا واختم بالصالحات أعمالنا.
اللهم لا حول لنا ولا قوة إلا بك نسألك من الخير كله عاجله وآجله ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ونسألك من خير ما نعلم وما لا نعلم يا علام الغيوب اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المجلس الثامن والعشرون
ــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في:
الأخلاق الفاضلة.
وشغل الأوقات في رمضان.

الأخلاق الفاضلة
الحمد لله الذي أرسل رسوله ونذيراً وداعياً بإذنه وسراجاً منيراً واصطفاه من جميع خلقه صغيراً وكبيراً وأنزل معه كتابه المهيمن على جميع الكتب رحمة منه بعباده فهو هدى ونوراً فأشرقت الأرض بنور رسالته براً وبحراً وكان ربك لطيفاً خبيراً فسبحان من اختص بالتوفيق والهداية من شاء من عباده، فكان حظهم موفوراً أحمده سبحانه هدانا للإسلام إنه كان بعباده خبيراً بصيراً وأشهد ألا إله إلا الله لم يتخذ ولداً ولا نصيراً ولا ظهيراً وأصلي وأسلم على عبده المبعوث بشيراً ونذيراً من حطم الشرك والأصنام وطهر مكة منها تطهيراً وعلى آله وأصحابه جند الحق وحماته وسلم تسليماً كثيراً.
إخواتي الصائمين والصائمات:
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. . وبعد.
درسنا لهذه الليلة حول الأخلاق الفاضلة الدرع الواقي من الخطر والعدة النافعة يوم المحشر. يقول الله تعالى مثنياً على نبيه عليه السلام: [وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ]( ).
ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان خلقه القرآن( ).
إن للصوم رسالته التهذيبية وأثره البالغ على أخلاق المسلم فهو ينشئ عند الصائم خلق المراقبة ويقيم منه حارساً عاماً على نفسه فهو يضبط النفس من الداخل لئلا تخالف أو تحاول فتصدر أعمال المسلم الخارجية خاضعة لهذه الرقابة أترى الصائم يصدق مع ربه ويكذب على الناس أتراه يخلص في صومه ثم ينافق في المجتمع إن الإخلاص كل لا يتجزأ وإن ذروة سنامه0 وملاك أمره الإخلاص مع الله، فمن أخلص مع ربه محال أن يخدع ويخون ويغش ومحال أن يسرق أو يبطش أو يؤذي ولو حصل منه شيء من ذلك على سبيل الخطرات رجع وأناب واعتذر وندم ندماً بالغاً.
إن الصوم عامل أساسي من عوامل تأصيل الأخلاق وتعقيمها وبنائها على أساس متين من الداخل لأن جمال الظاهر لا يغني إذا لم يكن الداخل محكماً ومنيعاً ولهذا أخلاق الصائمين تأخذ صفة الثبات والاستمرار والنمو المتزايد لأنها مصونة من الداخل والخارج.
حدثني من أثق به قال أن مسئولاً نصرانياً عن العمال في الكويت في إحدى حقول البترول لما دخل رمضان قال من أفطر فسنضاعف له الراتب ومن لم يفطر فسيأخذ راتبه فقط. وظن العمال أن قصد هذا الكافر أن الصائمين أقل إنتاجاً والمفطرين أكثر عملاً وتحركاً وإنتاجاً وهنا أخذ الطمع يتصارع مع الإيمان فمن غلبته نفسه أفطر طمعاً في مضاعفة الراتب ومن ثبته الله بقوة الإيمان وعدم الالتفات إلى المال استمر على صومه، وقال قليل مع الطاعة خير من كثير مع المعصية. وأخذ المسئول الكافر يحصي الصائمين والمفطرين يومياً حتى كمل الشهر وعند تسليم الرواتب أعطى الصائمين راتباً مضاعفاً وأعطى المفطرين راتبهم فقط وسرحهم من العمل وقال: إن من يخون ربه يخون الناس وهذا من الكافر ليس حرصاً على الصيام بل هو حريص على العمل لأن المفطرين يسرقون من أوقات عملهم ولا ينتجون لأن عنصر الإخلاص عندهم مفقود، وأما الصائمون فعملهم واحد عند وجود المراقبة وعدمها لأن لديهم مراقبة داخلية من أنفسهم.
إن أخلاق المسلمين ثابتة لا تتغير مهما تغير الموقع ومهما تغير المتعامل معه لا تتلون بلون المصلحة ولا تتزيا بزي المنفعة. أما أخلاق غير المسلمين المصطنعة فهي تدور مع المنفعة وتسير وراء المصلحة وتختلف من وقت لآخر أخلاق مصنوعة تسير خلف الشهوات تتلون حسب مقتضيات الأحوال وليت شعري كيف فتن بعض شبابنا بأخلاق الغرب وما علموا أنها أخلاق تجارية وقتية إذا تغير موقع المتعامل حكم بشريعة الغاب لكنه في بلده محكوم بنظام صارم لا يراعي حلاً ولا حرمة ولا مصلحة عامة بل الأهم كسب السائح والزائر والظهور أمامه بمظهر الأمانة والصدق والنزاهة ووراء الأكمة ما وراءها.
أخي الصائم:
هناك أمور عظيمة وقيم ثابتة ينبغي على المسلم أن يتحلى بها مهما كلفه ذلك من ثمن حياة المسلم كلها حركاته وسكناته ونومه ويقظته في كل شئون حياته المادية والاجتماعية والاقتصادية والأسرية لا بد أن تكون خاضعة لهذه القيم وتلك المعايير ويومها يعيش المجتمع المسلم بأمن وسلام وطمأنينة ورغد عيش ترفرف عليه ظلال المحبة ويسوده شعار السلام.
أخي الصائم:
هذه توجيهات نابعة من أخ يحبك ويتمنى لك الخير حيث كنت وحيث كان:
1ـ احرص على العلم فعن طريقه تعرف الحلال والحرام وتعرف الحق فتعمل به وتعرف الباطل فتتجنبه وتعرف الخير فتساهم فيه.
2ـ العمل بما تعلم والتطبيق لما نقول.
إن أعظم أدوائنا وأكثر مصائبنا نحن المسلمين أننا نقول ما لا نفعل ونكثر الكلام ونجبن عن العمل وصدق الله: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ]( ).
3ـ الإخلاص في كل ما تأتي وما تذر وصدق الله: [لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ]( ).
4ـ الأمانة في كل معاملات وأحاديثك وتوجيهاتك وأخص الأمانة مع نفسك وأسرتك.
5ـ الصبر على ابتلاء والصبر على الطاعة والصبر عن المعصية.
6ـ أن تكون رقيقاً لين الجانب مع الآخرين.
7ـ أن تكون ميسراً مبشراً هاشاً باشاً في وجوه المؤمنين.
8ـ أن تكون ورعاً وهذا أحد أسرار الصوم العجيبة [لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ].
9ـ احرص على الشهادة العادلة ولو على نفسك ولا تغتر بكلام الآخرين واحذر مجالس السوء التي تقوم على أكل لحوم المسلمين فوالله ليأتين يوم يقتص فيه تضيع فيه الحسنات التي جمعت وتذهب للآخرين فوا حسرتى على التفريط والإهمال.
10ـ احرص على التعاون مع الآخرين وعمل الخير في كل مكان واحذر أن تقف في وجه من يعمل الخير مهما اختلف المشارب وتعددت الوسائل وتشعبت السبل.
11ـ ابذل جاهك للآخرين واشفع لهم فيما فيه الخير وساعد المحتاج وأعن الضعيف لعل الله أن يقيك بذلك من لفح جهنم.
12ـ لا تغفل عن إخوانك المجاهدين في شتى بلاد المعمورة فكل مسلم يرفع كلمة الإخلاص أنت مسئول عنه إن قدرت على مد يد العون له وصدق الله العظيم: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ]( ).
شعــراً:
نور الكتاب أضاء فيمن قبلنا
*** فمحى الشكوك وبدد الأوهاما

صاغ الجنود على هدى من شرعه
*** قمماً تضيء وترفع الأعلاما

فتحوا البلاد ليملؤها عزة
*** كسوا الوجود محبة وسلاما

من فوق مئذنة الحضارة أذنوا
*** للحق لحناً أيقظ النواما

الله أكبر رددوها للورى
*** فصحا الجميع وحققوا الأحلاما

وقال الشاعر:
ركب من الأخيار جند محمد
*** دكوا القيود وحطموا الأسوارا

ركب تبوأ فجره رغم الدجى
*** فالنور كان بأرضه معيارا

ركب إلى الرحمن يهرع في الوغى
*** يلقي المية إن دنت مختارا

شغل الأوقات في رمضان
قالوا من ذهب إن لم تحرص عليه ذهب لكننا نقول أن الذهب يعوض فإذا ضاع مرة حصل أخرى ولا يقيس الحياة بالذهب إلا الناس الماديون الذين لا يعيرون وزناً للثواب والعقاب وقالوا الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ونحن نقول هذه عبارة صائبة لكنها لا تدل على المراد من تحصيل النفع والاستفادة من الوقت ولهذا فوقت المسلم حياته يحاسب على كل خطرة ولحظة وحركة وسكون: [قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ]( ).
وكل يوم يمر على المسلم هو خلق جديد وعلى عمله شهيد وإذا مضى فلن يرجع ويعود.
وصدق الشاعر:
دقات قلب المرء قائلة له
*** إن الحياة دقائق وثواني

الوقت حلقة في سلسة الحياة وخطوة لا ندري ماذا كتب بعدها من خطوات تتلاشى سريعاً كما يتلاشى الجليد الذي صهرته حرارة الشمس المحرقة لكن هذه الخطوة وتلك السلسة مسئولون عنها ومستوقفون حولها وصدق معلم البشرية صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعلمه ماذا عمل به)( ).
ينبغي أن يسأل المسلم نفسه سؤالاً عادياً نتهرب منه دائماً.
ما الذي استفدناه ولأمتنا خلال عام مضى بدقائقه وساعاته وأيامه ولياليه هل اهتدينا في رمضان الماضي إلى أسلوب صحيح حتى جاء رمضان هذا العام فإذا نحن أزكى نفوساً وأصفى أرواحاً وأطهر أخلاقاً.
إننا ما زلنا كما كنا بل إن التقصير عمنا والتفريط شملنا ولم نكترث بعام مر وانصرم ولم نعتبر برمضان الماضي وهذا من قسوة القلوب والعياذ بالله.
شهر رمضان دائماً يذكرنا بقيمة الوقت في الإسلام إنه لا فراغ في حياة المؤمن.
لا فراغ والإسلام قائم بالنفوس.
لا فراغ والإيمان يعمر القلوب.
لا فراغ في حياة أمة لها غاية.
لا فراغ في حياة مجتمع حياته كلها عبادة.
لا فراغ في حياة مسلم يتقلب من طاعة إلى طاعة خطراته وحركاته وسكناته وأكله وشربه ونومه وذهابه وإيابه عبادة لله.
متى تحققت النية الخالصة والمتابعة الصادقة: [قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ]( ).
أخي الصائم:
لقد وهبك الله سبحانه عمراً وجعل له خاتمة ونهاية ولا ريب أن المؤمن الكيس الفطن يحس في أعماقه بأنه في سباق مع هذه النهاية يحاول أن يسجل فيها أكبر قدر من العمل الصالح وصدق الله العظيم: [يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً]( ).
فموقفك أخي المسلم يوم الحساب مرتبط بالزمن وذلك اليوم يفوز أقوام استغلوا أوقاتهم في طاعة الله ويخسر آخرون فرطوا وتكاسلوا وضيعوا أعمارهم سبهللا.
وصدق الله: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ]( ).
لقد أعطانا الله عماراً محدودة وأنفاساً معدودة وكلفنا حفظها فيما ينفع في ديننا ودنيانا ووكل بنا ملائكة حافظين كراماً كاتبين يحفظون أعمالنا ويكتبون أقوالنا وأفعالنا من خير وشر، فإذا كان يوم القيامة شهدت علينا الحفظة وشهدت علينا الجوارح وشهدت علينا بقاع الأرض التي عملنا فوقها وينشر الديوان الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وصدق الله العظيم: [فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه]( ).
[يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]( ).
[وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ]( ).
[وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً]( ).
أخي الصائم لقد أظلك شهر عظيم مبارك فاجتهد فيه بالأعمال الصالحة من فرائض ونوافل من صلوات وصدقات وبذل معروف وإحسان وصبر على طاعة الله وعمارة نهاره بالصيام وليله بالقيام وساعاته بتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل ومجالسة الأخيار والصالحين والإقبال على العلم النافع فوالله إن المحروم من حرم الخير في هذا الشهر والشقي من نسي الله فنسيه والمفلس من يدخل عليه رمضان ويخرج وهو لم يغير من حاله ويستعد لمآله.
اللهم وفقنا لاغتنام أوقاته وعمارة دقائقه وساعاته واجعلنا من الفائزين يوم تشهد الواوين ويقوم الناس لرب العالمين: [يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ]( ).
اللهم علمنا من ديننا ما جهلنا واقبل بفضلك قليل ما علمنا واستر عيوبنا. واكشف كروبنا وأزل همومنا وأحزاننا وتوفنا وأنت راض عنا. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين( ).

المجلس التاسع والعشرون
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في:
أسباب دخول النار.
ونصائح وتوجيهات.

أسباب دخول النار
الحمد لله الذي لم يزل رحيماً راحماً وخبيراً بالأسرار عالماً قرب من شاء فجعله صائماً قائماً وطرد من شاء فجعله في بيداء الضلال هائماً يفعل ما يريد وإن يأبى العبد راغماً ويقبل توبة التائب إذا أمسى نادماً أحمده حمداً من التقصير سالماً وأشكره شكراً لنعمه ملازماً وأصلي وأسلم على نبي الرحمة المهداة والقدوة المصطفاة وعلى صاحبه أبي بكر القوي الشجاع، وعلى عممر الذي يأمر فيطاع وعلى عثمان الذي اشترى في سبيل الله وباع وعلى علي قامع الشرك والابتداع وعلى جميع الصحب والأتباع.
إخوتي المؤمنين.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
درسنا لهذه الليلة حول أسباب دخول النار أعاذنا الله منها ووالدينا وأحبابنا بمنه وكرمه وجوده وإحسانه.
ويقول الله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً]( ).
إن لدخول النار أسباباً كثيرة منها ما يوجب الخلود فيها ومنها ما يقضي بدخولها ثم الخروج منها رحمة من الله وفضلاً.
ومن الأسباب الموجبة للخلود في النار:
1ـ الشرك بالله بأن يجعل لله شريكاً في ألوهيته أو ربوبيته أو يكفر بالله عز وجل أو بملائكته أو كتبه أو رسله أو اليوم الآخر أو قضاء الله وقدره فمتى أنكر شيئاً من أركان الإيمان الثابتة جاحداً ذلك مكذباً فقد حرم الله عليه الجنة وكتب له النار: [إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا
لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ]( ).
[إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً *أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً]( ).
2ـ من أنكر شيئاً من فروض الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة أو أنكر تحريم شيء من المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة فهذا كافر لأنه مكذب لله ورسوله وهو من حطب جهنم إن مات على ذلك والعياذ بالله.
3ـ الاستهزاء بالله سبحانه وتعالى أو بدينه أو برسوله أو بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا مزلة قدم يتساهل به كثير من الذين يحبون أن يضحكوا الآخرين فيطلقوا الكلمات اللاذعة التي تمس المؤمنين في سلوكياتهم وأفعالهم التي هي مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم: [وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *ا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ]( ).
4ـ الحكم بغير ما أنزل الله معتقداً أنه الأصلح للخلق والأحسن في تحقيق العدل والأفضل لقيام شئون الحياة: [وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ]( ).
5ـ النفاق وهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر: [إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً]( ).
ومن أسباب الموجبة لدخول النار دون الخلود فيها:
1ـ عقوق الوالدين وذلك بأن يقطع ما يجب لهما من البر والصلة أو يسيء إليهما بالقول أو الفعل.
2ـ قطيعة الرحم وهي أن يمنع الشخص ما يجب لقرابته من الحقوق البدنية
أو المالية.
3ـ أكل الربا وهو من أكثر المعاصي انتشاراً في هذه الأزمان يقول تعالى: [الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ]( ).
4ـ أكل مال اليتيم والتلاعب به وعدم رعاية المصالح المتعينة فيه. يقول تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ]( ).
5ـ شهادة الزور وهي من السبع الموبقات.
6ـ الرشوة وقد ورد لعن الراشي والمرتشي والرائش وهو الساعي بينهما.
7ـ القضاء بين الناس بغير علم أو بجبور متعمداً ظلم أحد لصالح أحد. فمن عرف الحق وحكم به فهو في الجنة ومن عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ومن قضى عن جهل فهو في النار نسأل الله العفو والعافية.
8ـ الغش للرعية وعدم النصح لهم وعمل ما ليس في مصلحتهم بل فيه ضررهم في العاجل والآجل وصدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما يرويه معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد يسترعيه الله على رعيه يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)( ).
فليحذر المسلم من هذه المعاصي الكبيرة وغيرها للايتعرض لعذاب الله ووعيده. نسأل الله بمنه وكرمه أن يجنبنا المعاصي ما ظهر منها وما بطن.
شعــراً:
لله در أناس أخلصوا العملا
*** على اليقين ودنوا بالذي أمروا

أولاهم نعماً فازداد شكرهم
*** ثم ابتلاهم فأرضوه بما صبروا

وفوَّ له ثم وافوه بما عملوا
*** إذاً سيوفهم يوماً إذا نشروا

وقال آخر:
وقفنا فمن باك أجابت دموعه
*** ومعتصم بالصبر لم يملك الصبرا

ومن ساتر أجفانه بيمينه
*** وملق على أحشائه يده اليسرى

ومن طائش لم يُسعد الدمع وجده
*** وشر البكا ما استنفد الأدمع الغزرا

وقد ملقت خوص الركاب لبيتنا
*** فلم نستطيع ضعفاً لشاردها زجراً

نصائح وتوجيهات
أخي المسلم أدعوك لسماع مجموعة من التوجيهات والنصائح لعل الله أن ينفعنا بها إنه ولي ذلك والقادر عليه.
1ـ كثير من المسلمين يهتم في رمضان بمختلف صنوف الطاعات فإذا ودع الشهر هجر هذه الطاعات وكأنه لا يعرف الله إلا في رمضان وكأن رب رمضان ليس رباً لشوال وبقية العام.
هناك من قبل على كتاب الله في رمضان وبختمه مراراً وقد هجره طوال العام.
هناك من يحافظ على الصلوات المكتوبة وصلاة الليل وهو لا يعرف المسجد في غير رمضان.
هناك من يلازم حلقات العلم والدرس وهو لا يطيقها في غير رمضان.
أهكذا يكون المسلم الحق أم أنها المفاهيم الخاطئة والممارسات المرفوضة التي يتعامل بها بعض المسلمين اليوم.
2ـ الصائم حين يمسك عن الطعام والشراب يشعر بأنه يفعل ذلك لأجل الله تعالى وفي ظل من مراقبته كيف لا وهو يجد الطعام الشهي والماء الهنئ أمام عينه فيغالب ويجاهد ويعف لا يخشى إلا الله وحده طالباً مغفرته ورضاه.
هذا هو الصيام الحقيقي أما أولئك الذين أفرغوا الصيام من محتواه وجعلوه ظاهراً بلا روح فهؤلاء لم يؤدوا العبادة على وجهها المشروع ذلك أنهم أطلقوا لقلوبهم وعقولهم حرية ما يصدر عنها من خطرات السوء وتصورات الشر والفساد رياء وحقداً وغلاً وظناً سيئاً وأرخوا لجوارحهم العنان فخاضت ألسنتهم في المحرم من القول مراء ومجادلة ومزاحاً وخصومة وسباً وفحشاً وسخرية وكذباً وغيبة ونميمة وأيماناً فاجرة وصوبوا أبصارهم نحو ما حرم الله النظر إليه وأمر بغض البصر عنه وفتحوا آذانهم لسماع اللغو واللهو والقيل والقال.
هؤلاء أخذوا مظهر الصيام فقط فامتنعوا عن الأكل والشرب والجماع ولكنهم وقعوا فيما هو مثل هذه المفطرات أو أشد.
3ـ إن مسؤولية الأهل نحو أبنائهم أمانة عظيمة في أعناقهم إن أحسنوا التعامل معها والتحمل لتبعاتها وأداء واجباتها كان العطاء عظيماً للحاضر والمستقبل.
ومن أهم الأمور التي تندرج في تربية الطفل وتأديبه تعويده العبادات عموماً والصوم خصوصاً منذ الصغر وقبل أن يبلغ سن التكليف.
عن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار من أصبح مفطراً فليتم بقية صومه ومن أصبح صائماً فليصم فكنا نصومه بعد ونصوَّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن ــ الصوف المصبوغ ـ فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار( ).
ففي هذا الحديث تمرين الصبيان على الصيام وتعويدهم عليه ليكونوا مستعدين عند بلوغهم ويسهل عليهم فهل يعي الآباء والأمهات ذلك ويحرصوا عليه لأنه عين الرحمة بهم والشفقة عليهم. لأن نور الطاعة يملأ جوانحهم ويذكي بواعث الخير في نفوسهم فتنساق له دون تكلف أو إجهاد.
4ـ تكثر أسئلة الصائمين حول وقت الإمساك والفطر والأكل أثناء الأذان من صلاة الفجر ونقول لهؤلاء السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور ولكن ليس إلى الحد الذي يوقعك في الشبهة والحرج فتذهب تسأل عن الحكم فعليك أخي الصائم أن تمسك قبيل الأذان لدقائق لأن هذا أسلم وأحواط، وإن كنت في مكان تعتمد فيه على رؤية الفجر بنفسك فإن كانت هناك ساعة فالأمر محسوم وإلا فارقب الفجر ومتى بان لك حسب ما يظهر لك فأمسك ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. ونقول لإخواننا الذين يتعجلون في أذان المغرب ولا يتثبتون فيوقعون المسلمين في الحرج عليكم بالتثبت وراقبوا الله جل وعلا فمعرفة الوقت وضبطه أمانة عظيمة سيترتب عليها عبادات كثيرة إذ قد تفطر مجموعة بسبب هذا الأذان وقد تصلي نساء في غير الوقت وهكذا.
5ـ بعض الناس يتبعون الإمام الذي يخفف في الصلاة فيهجرون مساجدهم القريبة ويذهبون لمساجد بعيدة وهنا نهمس في أذن هؤلاء ونقول الأولى لكم أن تصلوا في مسجد الحي الذي تصلون فيه الأوقات الأخرى لأن جماعة المسجد يشجع بعضهم بعضاً ويكثر عددهم وفي هذا تشجيع لأولادهم وإمامهم.
ونقول لإمام الذي الحي الذي يذهب عنه بعض جماعته ابحث عن الأسباب وأصلحها وإذا كنت ممن يطيل إطالة ترهق الناس فخفف وعليك بالوسط فخير الأمور أواسطها.
ونقول للإمام الذي يخفف فيخل بالصلاة اتق الله فهذه أمانة ستسأل عنها يوم القيامة وحذار أن تغتر بكثرة الجماعة ومجيئهم لك من بعيد فقد يكون ذلك فتنة لك والعياذ بالله.
واحرص على القراءة الواضحة الخاشعة وأتم الركوع والسجود وجميع الأكان وحافظ على الطمأنينة لتسلم يوم أن تسأل عما استرعاك الله عليه.
6ـ بدأت في السنوات الأخيرة ظاهرة لها جانبان سلبي وإيجابي هذه الظاهرة هي طول دعاء القنوت والختمة وتنويعه واختيار السجع المتكلف فيه بل وقراءته من ورقة أحياناً، ونقول لهؤلاء إن الاقتصار على ما ورد أفضل ولا حرج أن يكون معه غيره من الدعاء المشروع لكن أن يجاوز ذلك وقت الصلاة كلها أو يماثله فهذا ما لا نعرف له أصلاً من كلام أهل العلم.
لقد صليت ذات مرة مع إمام هداه الله وعافنا مما ابتلاه. كانت صلاته سريعة جداً لا يطمئن فيها ولا يقيم الركوع والسجود على الوجه المطلوب ولما بدأ بالقنوت أخذ يمد ويعيد ويردد حتى مل الناس من صنيعه وكانت صلاته نصف ساعة وقنوته في حدود ربع ساعة إن الذين لن يؤثر فيهم القرآن ويؤثر فيهم هذا الدعاء المسجوع المتكلف يخشى عليهم فالله قال عن كتابه: [لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ]( ).
ونفس الكلام نقوله في دعاء ختم القرآن فالله الله أخي الإمام بالاتباع واحذر الابتداع وما ليس فيه سنة ثابتة لا تلتزمه وعليك بالعمل بالسنة وإحيائها وتعويد جماعتك عليها لأنها تصبح مألوفة لهم أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياك للخير وأن يأخذ بأيدينا جميعاً لما فيه صلاحنا وفلاحنا وفوزنا يوم القيامة.
اللهم اسلك بنا سبيل المتقين الأخيار.
وجنبنا طريق العصاة والفجار والكفار.
وأسكنا فسيح الجنان وباعد بيننا وبين النار.
وخفف عن ظهورنا من ثقل الأوزار.
وسامحنا وتجاوز عنا يا عزيز يا غفار.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على نبينا محمد وعلىآله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين( ).

المجلس الثلاثون
ـــــــــــــــــــ

فصل في:
صدقة الفطر.
ووداع رمضان.

صدقة الفطر
الحمد لله الذي فرض الزكاة طهرة وتزكية للنفوس والأموال ووعد على الإنفاق في سبيله خلفاً عاجلاً وثواباً في الحال والمآل، أعطى الكثير وفرض القليل ليتبين أهل البخل من أهل السخاء والكمال نحمده ونشكره على ما أولاه من النعم ودفع من النقم فله الحمد المطلق الكامل لأنه الكبير المتعال. لقد أكرمنا بالإسلام والإيمان والصحة في الأبدان والأمن في الأوطان والأزواج والعيال، لا يحصى ثناء عليه فهو الرحيم بأوليائه المنتقم من أعدائه شديد المحال.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أدخرها ليوم تتراكم فيه الخطوب والأفزاع والأهوال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المخصوص بأشرف الخصال، إمام الموحدين وقدوة المتعبدين فهو الأسوة في جميع الأعمال، اللهم صلي وسلم عليه وعلى آله وأصحابه واجمعنا بهم يا ذا الكرم والإجلال.
أيها الأخوة في الله:
حديثنا هذه الليلة بمشيئة الله حول صدقة الفطر فنقول صدقة الفطر هي الصدقة الواجبة على أعيان المسلمين بحلول عيد الفطر المبارك شرعها الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة بعد أن فرض عليها الصيام وسميت بذلك لأنها تجب بالفطر أي يوم العيد وقيل لأنها صدقة للخلقة أي الفطرة تطهيراً للصائم وجبراً لصيامه.
وهي صدقة بدن متعلقة بكل بدن من أبدان المسلمين صغاراً وكباراً ذكوراً وإناثاً أحراراً وعبيداً، وهي واجبة على كل مسلم بدليل ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين)( ).
ولهذه الصدقة فضل عظيم حيث أناط الله بها وبصلاة العيد بعدها فلاح المؤمن وفوزه بسعادة الدارين فقال تعالى: [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى]( )، ووصفها نبي الرحمة بأنها طهرة للصائم من اللغو والرفث وهذا مبني على أن فلاح العبد متوقف على زكاة نفسه وطهارتها بما شرع الله من صالح الأقوال والأعمال وزكاة الفطر من بينها فهي مما يؤهل المسلم لأن ينال فلاح الآخرة وفوزها وكفى هذا شرفاً وفضلاً. ولعل من أبرز معالمها التشريعية وأسرارها الظاهرة أنها تزكي نفس المؤمن وتطهرها مما قد يعلق بها من آثار اللغو والرفث أثناء صيام رمضان.
أنها تصون كرامة المؤمن وتحفظ له عزته فالمؤمن الجائع قد يضطره جوعه إلى أن يسأل الناس يوم العيد وفي ذلك من الذلة والانكسار ما يتنافى مع عزة المؤمن وبهجة العيد وسروره.
وأنها تحافظ على المجتمع المسلم مترابطاً متعاوناً متكافلاً يشعر الغني بشعور الفقير ويحس بإحساسه يمثلون بنياناً واحداً يشد بعضه بعضاً وهنا لا مجال للحقد والحسد ولا للضغينة والبغضاء لأن الغني يبذل للفقير فيدعو الأخير للأول بالبركة في المال والرزق.
وعلى المسلم أن يخرج الغالب من طعام أهل بلده من تمر أو أرز أو بر أو زبيب أو أقط أو غير ذلك المهم أن يكون طعاماً للآدميين ولا يجوز إخراجها من الثياب والفرش والأواني وسائر الأمتعة.
كما لا يجزئ إخراج القيمة الآن ذلك خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولأنه لا يسوغ لنا أن نغير وقتها فكذا لا نغير جنسها. ولأن إخراجها نقوداً
يبعدها عن كونها شعيرة ظاهرة يحسن بالمسلم ان يكيلها أمام أهل بيته ليروها ويسروا بإخراجها.
وقدرها كيلوان وربع الكيلو من البر الجيد أو ما يعادله لأن زنه الصاع بعد التتبع كيلوان وربع الكيلو وهناك من أهل العلم من أوصله إلى ثلاث كيلوات ومنهم من جعله كيلوين وأربعين غراماً والله أعلم بالصواب ووقت وجوب صدقة الفطر غروب الشمس من ليلة العيد فمن كان من أهل الوجوب حينذاك وجبت عليه وإلا فلا. فمن مات قبل الغروب ولو بدقائق لم تجب فطرته ومن مات بعد الغروب وجبت.
ووقت إخراجها يوم العيد قبل الصلاة وهذا أفضل أوقاتها وللمسلم أن يخرجها قبل العيد بيوم أو يومين إذا كان إخراجها يوم العيد يشق عليه.
ومصرفها مصرف الزكاة فلا يسوغ للمسلم أن يصرفها في غير مصرفها الشرعي ونحن نلاحظ تساهل كثير من الناس في صرف صدقة الفطر فهذا يعطي جيرانه وذاك يعطي أقاربه وثالث يعطي أصدقاءه ولو كانوا كلهم غير فقراء والله جل وعلا حدد مصارف الزكاة وتولى قسمتها بنفسه لئلا يكون لأحد مطمع فيها. قال تعالى: [إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ]( ).
شعــراً:
دع البكاء على الأطلال والدار
*** واذكر لمن بان من خل ومن جار

واذر الدموع نحيباً وابك من أسف
*** على فراق ليال ذات أنوار

على ليال لشهر الصوم ما جعلت
*** إلا لتمحيص آثام وأوزار

يا لائمي في البكا زدني به كلفاً
*** واسمع غريب أحاديث وأخبار

ما كان أحسننا والشمل مجتمع
*** منا المصلي ومنا القانت القاري

وفي التراويح للراحات جامعة
*** فيها المصابيح تزهو مثل أزهار

شهر به ليلة القدر التي شرفت
*** حقاً على كل شهر ذات أسرار

مُنَزل الروح والأفلاك قاطبة
*** بإذن رب غفور خالق باري

وداع رمضــان
أخي الصائم: من منا نحن المسلمين لا تؤلم نفسه لحظات الفراق ومن منا نحن المؤمنين لا تجرح مشاعره ساعات الغياب.
بدموع الفرح استقبلناه وكأنني بك تطلق العبرات والزفرات لسماع أول موعظة في أول الشهر وها أنت بدموع الأثر والتأثر تودعه وكأنني بك نادم كل الندم على التقصير.
أخي الصائم: وأنت تودع شهر الصيام تذكر أن رمضان جاء وها هو يذهب وقد طوى دفاتره وسوى حساباته ومن فاز بالربح وكسب الجولة وختم كشوفه مع من خسر الصفقة وغبن في البيع الحسنة تضاعف إلى عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف لكنها في رمضان تضاعف إلى ما شاء الله لأن الصوم له وحده وهو الذي يجزي عليه.
ليقف كل واحد منا مع نفسه:
1ـ كيف استقبل ضيفه.
2ـ هل أطعم جاراً هل زار أخاً في الله هل عاد مريضاً.
3ـ هل فطر صائماً.
4ـ هل نصر مظلوماً وأعانه على تخطي ظلامته.
5ـ هل مسح على رأس يتيم وآواه وما أكثرهم في عالمنا الإسلامي الواسع.
6ـ هل صادف ضالاً فعمل على هدايته وتوجيهه والأخذ بيده ليتوب إلى رشده.
7ـ هل جبر جرح مكسور وواساه وأدخل السرور عليه.
8ـ هل طيب خاطر محروم.
10ـ هل تذكر إخوانه المجاهدين هنا وهناك فادخر لهم شيئاً من كسب يده لعل الله أن يدفع به عنه مكائد الأعداء.
11ـ هل بر بوالديه وقام بصلة رحمه وقدَّر معلميه وحفظ عرض إخوانه.
أسئلة كثيرة تطرح نفسها ونحن نودع هذا الشهر ليتبين الفائز من العاثر والرابح من الخاسر.
عباد الله:
اختموا شهركم بالتوبة النصوح واسكبوا غزير الدموع لعل الله أن يرحمكم برحمته الواسعة فكم من شخص جاء بالقليل وتوج بالقبول وكم من شخص عمل الكثير ولكنه مني بالحرمان والعياذ بالله.
السلام عليك يا شهر رمضان السلام عليك يا شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن. السلام عليك يا شهر التجاوز والغفران. السلام عليك يا شهر البركة والإحسان. السلام عليك يا شهر التراويح. السلام عليك يا شهر الأنوار والمصابيح. السلام عليك يا شهر المتجر الربيح. السلام عليك يا شهراً يترك فيه القبيح.
شهر رمضان شهر العتق من النيران.
شهر تغل فيه مردة الجان.
شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار من لم يتب في رمضان فمتى يتوب من لم يرجع إلى ربه في رمضان فمتى يؤوب. من لم يأخذ بحظ وافر في هذه الليالي فمتى يحصل على المطلوب.
سلام من الرحمن كل أوان
*** على خير شهر قد مضى وزمان

سلام على شهر الصيام فإنه
*** أمان من الرحمن كل أمان

لئن كنت يا شهر الصيام منوراً
*** لكل فؤاد مظلم وجنان

ترحلت يا شهر الصيام بصومنا
*** وقد كنت أنواراً بكل مكان

لئن فنيت أيامك الزهر بغتة
*** فما الحزن من قلبي عليك بفان

عليك سلام الله كن شاهداً لنا
*** بخير رعاك الله من رمضان

اللهم أهل القبور رهائن ذنوب لا يطلقون وأسارى وحشة لا يفكون وغرباء سفر لا ينتظرون محت دراسات الثرى ومحاسن وجوههم وجاورتهم الهوام في ملاحد قبورهم فهم جيران قرب لا يتزاورون وفيهم محسنون ومسيئون ومقصرون ومجتهدون اللهم فمن كان منهم مسروراً فزده كرامة وحبوراً ومن كان منهم ملهوفاً فبدل حزنه فرحاً وسروراً,
اللهم إن كان في سابق علمك أن تجمعنا في مثله فبارك لنا فيه وإن قضيت بقطع آجالنا فأحسن الخلافة على باقينا وأوسع الرحمة على ماضينا وعمنا جميعاً برحمتك وغفرانك. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين( ).

الخاتمة
ــــــــ

بحمد لله وتوفيقه تم ما أردت تسطيره من أحكام الصيام وآدابه وفوائده ومواعظه. وقد تجولت بالقارئ والمستمع خلال ثلاثين فصلاً من الأحكام والمواعظ والآداب والتوجيهات التي تهم المسلمين عامة صغاراً وكباراً ذكوراً وإناثاً حكاماً ومحكومين وما كتبته فهو جهد المقل وما كان فيه من صواب فهو تسديد من الله وما كان فيه خلاف ذلك فهو من نفسي ومن الشيطان.
على كل مسلم ناصح يقف على شيء منه أن يفيدني وله مني الدعاء بالتوفيق والسداد. أسأل الله جل وعلا أن يجعله خالصاً لوجهه وأن يثقل به ميزاني يوم العرض عليه وأن يعيذني من فتنة القول وفتنة العمل إنه ولي ذلك والقادر عليه.
[سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ]( ) وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.

فهرس الموضوعات:

الموضوع الصفحة
المقدمة
المجلس الأول
فصل في فضل رمضان
حكم الصيام
المجلس الثاني
فصل في فضل الصيام
حكم من أفطر في رمضان بغير عذر
المجلس الثالث
فصل في فضل تلاوة القرآن
أحكام الرؤية
المجلس الرابع
فصل في آداب تلاوة القرآن
أحكام النية
المجلس الخامس
فصل في أركان الصوم ومكانته في الإسلام
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
المجلس السادس
فصل في التوبة
مفسدات الصوم
المجلس السابع
فصل في التوبة
بقية مفسدات الصوم
المجلس الثامن
فصل في نعيم القبر وعذابه
أقسام الصوم
المجلس التاسع
فصل في العذاب الجسمي للعصاة في القبر
بقية أقسام الصوم
المجلس العاشر
فصل في الإخوة الإسلامية
على من يجب الصوم
المجلس الحادي عشر
فصل في آداب الصوم
بر الوالدين
المجلس الثاني عشر
فصل في آداب الصوم
حديث عبد الرحمن بن سمرة
المجلس الثالث عشر
فصل في فوائد الصوم
الصبر الجميل
المجلس الرابع عشر
فصل في حق المسلم على أخيه
الصيام عن اللغو والرفث
المجلس الخامس عشر
فصل في قيام الليل
أوصاف أهل الجنة
المجلس السادس عشر
فصل في قيام الليل
أوصاف أزواج أهل الجنة
المجلس السابع عشر
فصل من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان
الدنيا بين التنافس فيها والإعراض عنها
المجلس الثامن عشر
فصل في شهر النصر
أحكام القضاء
المجلس التاسع عشر
فصل في أهوال القيامة
فصل العشر الأواخر من رمضان
المجلس العشرون
فصل في وصف النار
أحكام الاعتكاف
المجلس الحادي والعشرون
فصل من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان
أسباب شرح الصدر
المجلس الثاني والعشرون
فصل في صيام الجوارح
يسر الإسلام في الصوم
المجلس الثالث والعشرون
فصل في صيام بقية الجوارح
صيام أهل الأعذار
المجلس الرابع والعشرون
فصل في الرياء
وصف الجنة
المجلس الخامس والعشرون
فصل في أحكام الزكاة
من أسباب دخول النار
المجلس السادس والعشرون
فصل في رسالة إلى أختي المسلمة
رمضان شهر الجود والكرم
المجلس السابع والعشرون
فصل في وصف الجنة
ليلة القدر
المجلس الثامن والعشرون
فصل في الأخلاق الفاضلة
شغل الأوقات في رمضان
المجلس التاسع والعشرون
فصل في أسباب دخول النار
نصائح وتوجيهات
المجلس الثلاثون
فصل في صدقة الفطر
وداع رمضان
الخـــاتـــمــة