خطبة عيد الفطر بتاريخ: 1-10-1422هـ.

الجمعة 24 جمادى الآخرة 1440هـ 1-3-2019م

الخطبة الأولى :

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، الحمد لله الذي جعل هذا اليوم يوما يفرح فيه الصائمون بتمام العمل فيفيهم أجورهم، سبحان من ذلت له الرقاب ولانت لعظمته الشداد الصلاب، سبحان من توحد في الملك وتفرد بالعبادة، سبحان من يمهل للظالم ولا يهمله، سبحان من بيده الأمر والتدبير.

الله أكبر عدد ما ذكره الذاكرون الأبرار وكبره المبكرون الأطهار وهلله المهللون الأخيار، الله أكبر ما صام صائم وأفطر، الله أكبر ما تراكم سحاب وأمطر ، الله أكبر ما تلا قارئ وتدبر، الله أكبر ما نبت نبات وأزهر، الله أكبر ما صاحت أمة الإسلام شهر رمضان وقامت ليله ركاعين ساجدين، الله أكبر ما ازدحمت المساجد بالمصلين تراهم خاشعين خاضعين مهللين مسبحين حامدين ذاكرين، الله أكبر ما ذكر الصائمون إخوانهم البائسين فجادوا عليهم بالنعمى تقربا للمنعم المتفضل سبحانه.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله ! اتقوا الله حق تقاته واعلموا أن هذا اليوم يوم عظيم مبارك يوفى فيه الصابرون الصائمون أجورهم بأحسن ما كانوا يعملون.

وفي العيد تتقارب القلوب على المودة والألفة والمحبة، وفي العيد يتناسى أصحاب العقول الراجحة والنفوس الأوابة أضغانهم فيجتمعون بعد افتراق ويتصافون بعد كدر، ويتصافحون بعد انقباض.

ولذا ما أجمل ما قيل من أراد معرفة أخلاق أمة فليراقبها في أعياها إذ تنطلق فيها السجايا على فطرتها وتبرز العواطف والعادات على حقيقتها دون مجاملة أو تصنع.
المجتمع المثالي الذي ينشد السعادة هو الذي تسموا أخلاقه في العيد فترتفع إلى أعلى الذرى ويمتد شعوره النبيل إلى أبعد مدى وذلك حينما يأتيه العيد وهو متماسك متعاطف متراحم.

عباد الله! ها نحن نفرح بالعيد في هذا العام، أنعم الله علينا بإتمام شهر الصايام وأمد في أعمارنا حتى وقفنا لصيامه وقيامه ولكن من هو المقبول فنهيه ومن هو المطرود فنعزيه.
هذا العيد يمر علينا والأمة تعيش محنا ومصائب لم تمر علينا خلال أعوام مضت، بلاد تمزق وحروب طاحنة وخلافات حادة شعوب تسحق وأقوام يشردون من ديارهم ارتفعت أسهم الظلم حتى بلغت غايتها ما ذنب الأطفال البراء.

يا عباد الله يمر عليهم العيد ودموعهم تسكب حيل بين الأم ووليدها الأب يقاد لحفته ولا ذنب له إلا أنه صائم مصل يقول لا إله إلا الله.
ما ذنب البريئة الضعيفة يعتدي عليها الحاقد المنافق فيسلبها أعلى ما تملك، ما ذنب الأسر الآمنة في بيوتها تشردهم القذائف وتمطرهم الغارات، هل هناك ظلم أشنع من هذا الظلم، هل هناك عنف أقسى من هذا العنف، هل هناك إرهاب أفظع من هذا الإرهاب.
ألم تسمعوا بأحوال المهادرين الأفغان وما يتعرص له إخوانكم في فلسطين من المتاعب والمصائب والمآسي التي لا يعلم مداها إلا الله.

وهاهو العيد يمر عليهم والخوف يجللهم والهم يكاد يقتلهم والمصائب تتكاثر عليهم وحينما يحاول العقلاء صنع قرار يحقن الدماء ليستخدم حق النقض الفيتو لتستمر محازر المسلمين ومآسهم.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
وفي العيد أيها الأحباب يتجلى البذل بأعلى صوره ومقاماته فيوسع الغني على الفقر ليفرح مع إخوانه المؤمنين وكان الإيثار والبذل دأب سلفنا الصالح واستمعوا إلى هذه الحادثة الواقعية قال الواقدي وهو أحد الأئمة القرن الثاني الهجري – : ” كان لي صديقان أحدهما هاشمي وكنا كنفس واحدة فنالتني في إحدى السنوات ضائقة شديدة وجاء العيد فقالت امرأتي أما نحن فنصبر على الجوع والعطش ولكن هؤلاء الصبية قطعوا قلبي لما عليهم من الثياب الرثة فانظر ماذا تعمل من أجل كسوتهم؟ قال الواقدي: فكتبت إلى صديقي الهاشمي أسأله التوسعة عليَّ فوجه إلي كيسا مختوما فيه ألف درهم فما استقر في يدي وفرحت به وفرحت به المرأة حتى كتب إليَّ الصديق الآخر يشكو مثل ما شكوت إلى صديقي الهاشمي فوجهت الكيس إليه وهو بختمه دون أن أفتحه ثم أخبرت امرأتي بما صنعت فاستحسنت ذلك ولم تعنفني عليه، فبينما أنا كذلك إذ وافاني صديقي الهاشمي ومعه الكيس كهيئته فقال لي: اصدقني ماذا فعلت بالكيس الذي وجهته إليك فعرفته الخبر فقال لي إنك حين طلبت مني المال لم أكن أملك إلا ما بعثتبه إليك ثم أرسلت إلى صديقي الثالث أسأله المواساة فوجه إلي الكيس الذي بعثت به إليك، قال الواقدي: فتوزعنا الألف درهم فيما بيننا كل واحد ثلاثمائة درهم وأعطينا المرأة مائة درهم، وبلغ الخبر المأمون فدعاني وسألني وشرحت له الخبر فأمر لنا بسبعة آلاف دينا لكل واحد منا ألفا دينا وللمرأة ألف دينار.

هذه هي حال سلف الأمة في مثل هذه المواقف.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله! غالب الناس في هذا اليوم يلبسون الجديد ويأكلون اللذيذ من الطعام ويركبون المريح من المراكب ويفرحون بلم شملهم مع أولادهم وذولهم وفي حضم ذلك ينسى الكثيرون جيرانهم وأقاربهم ومن حولهم ممن اشتدت حاجتهم ولا يجدون ما يجعلهم يفرحون كغيرهم في هذا اليوم العظيم.

وعلينا ألا ننسى جموعا شردها الظالم والطغيان ويتامى لا يجدون ابتسامة الأب والأم وأيما لا تجد رعاية الزوج كما لا ننسى في هذا اليوم أقواما مرتهنون بأعمالهم يلتحفون التراب ويفترشون التراب وآخرين أقعدهم المرض فحبسهم عن طاعة الله كل ذلك لا ينبغي لنا نسيانه في هذا اليوم الذي نفرح فيه ونبتهج وهنا تتحقق لنا الفرحة الكبرى ونقطف ثمرات العيد الحقيقية.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله! وعظ بعضهم فقال: ” ما أسوأ حال من استعبده هواه، وما أخسر من أبعده مالكه ومولاه، وما أغبن صفقة من باع آخرته بدنياه، وما أكبر حسرة من كانت النار منقلبه ومثواه، فما للعقلة قد شتت قلوب الأكثرين، وما للغرة قد سترت عيوب العابثين، وما للجهل قد صغَّر ذنوب البعض فأصبحوا لا يعبأون بالذنوب”.
أليس الأمر جليا والحساب عسيرا والمنقلب الجنة أو النار.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله! الفرح الحقيقي والسرور الدائم بفضل الله جل وعلا حيث أكمل الدين وأتم النعمة وهدى للملمة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ . قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.

يقول إبراهيم بن موسى: كنت مع فتح الموصلي في يوم عيد فرأى أناسا عليهم الطيالسة والعمائم والملابس الفخمة فقال: يا إبراهيم أما ترى ثوبا يبلى وجسدا يأكله الدود غداكم من أقوام أنفقوا خزائنهم على ظهورهم وبطونهم ويقدمون على ربهم مفاليس.
أيها المؤمنون! ليس العيد لمن لبس الجديد وتنعم بأصناف المطاعم والمشارب ونال الشهادات والمناصب، لا والله بل العيد سعيد لمن فاز بطاعة الله ونال رضوانه وصبر على أقداره فنافس الأخيار وسابق الأبرار وتفوق على الجالسين اللاهين فتحقق له نور الطاعة ولذة العبادة.

وهؤلاء هم قاموا على أهليهم فرعوهم حق الرعاية وقاموا بالواجب المناط بهم تحقيقا لقول الله جل وعلا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
أما أولئك الذين أهملوا أولادهم ونساءهم فأصبح هؤلاء يؤذون عباد الله في غفلاتهم فنقول لهم تذكروا أنكم مسؤولون فأعدوا للسؤال جوابا وليكن الجواب صوابا.
وأنت أيها الشباب يا من تعبثون بسياراتكم وتؤذون من حواليكم وتقضون أوقاتكم باللهو واللعب والعبث المحرم اتقوا الله في أنفسكم اغتنموا أعماركم بالطاعة والعبادة واعلموا أن الصحة والعافية لا تدوم وتذكروا شبابا كانوا معكم في أعوام ماضية كانوا يتمتعون بالصحة والعافية وفجأة جثم عليهم اموت فأرداهم في قبورهم مرتهين بأعمالهم يتمنون الحسنة الواحدة ولكن هيهات.
عباد الله!

هذا اليوم هو يوم توزيع الجوائز فهنيئا لمن استقام على الطاعة وفاز بالجائزة من الكريم المنان، هنيئا لمن شغل نهاره بالصيام وليلة بالقيام وحفظ جوارحه من الآثام فاستحق الفوز في هذا اليوم العظيم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله وسلم عليه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الخطبة الثانية:

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر عدد ما صام صائم وأفطر، الله عدد ما لبى حاج وكبر ، الله أكبر عدد ما هل هلال أنور، سبحان أبدع وجود الموجودات، سبحان من فطر الخلائق من العدم، سبحان من علم السرائر والخفيات، سبحان القوي الجبار العزيز القهار يعز من يشاء ويذل من يشاء تسبح له الخلائق كلها أنسها وجنها سماؤها وأرضها برها وبحرها.

عباد الله! اتقوا الله عباد الله وتذكروا بهذا الاجتماع اجتماعكم يوم العرض الأكبر، الأقدام حافية والأجساد عارية والأبصار شاخصة، يوم تذهل المرضعة عن رضيعها وتضع الحامل حملها والناس كالسكارى لا يدرون أين يذهبون { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}.

في ذلك اليوم العظيم يسعد أقوام ويشقي آخرون ويأخذ ناس صحائفهم باليمين وآخرون بالشمال { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً (8) وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً (11) وَيَصْلَى سَعِيراً}.

عباد الله! اعلموا أن السنة لمن جاء من طريق أن يرجع من طريق أخرى اقتداء برسول الله وإظهارا لشعائر الله وتعرفا على عباد الله وحرصا على سلام الملائكة المنتشرة في الطرقات، تسلم على عباد الله واحرصوا بارك الله فيكم على السلام على الآخرين وتهنئتهم بالعيد فهذه من العادات الطيبة اليت تجلب المحبة وتزرع المودة في النفوس وأكثروا في هذا اليوم العظيم من التوبة والاستغفار والدعاء وزوروا المرضى الذين لم يستطيعوا أن يشهدوا الصلاة مع المسلمين وواسوهم ففي ذلك الأجر لكم وإدخال السرور عليهم.

واغسلوا بواطنكم وجملوها كما تعتنون بجمال ظاهركم فالموفق من جمل ظاهره وباطنه في هذا اليوم العظيم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.