ما بعد الحج (1)

السبت 25 جمادى الآخرة 1440هـ 2-3-2019م

الخطبة الأولى :

الحمد لله يجزل العطاء لعباده المتقين المتفضل عليهم بالنعماء في كل حين أحمده حمد الشاكرين وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله إمام المتقين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الشكر لله على نعمائه خلق عظيم ومقام كريم يصدر عن النفوس المؤمنة والقلوب الطاهرة وحقيقة الشكر كما يقول أهل العلم أن تكون حركات العبد وسكناته وجوارحه ومشاعرها ناطقةً بالحمد والثناء على صاحب النعمة حيث تفضل بأعظم النعم وأصدق المنن ووهب الهبات الكثيرة والعطايا الكبيرة التي يعجز العبد عن شكرها [فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ] والشكر خُلق الأنبياء والمرسلين وحلية الأبرار المقربين فهم أكثر الناس شكراً وأوفرهم خُطا.

عباد الله ونحن في هذا العام ولله الحمد منا منْ منَّ الله عليه بالحج ومنا منْ تفضل الله عليه بصيام يوم عرفة ممن لم يبلغ الحج وهما نعمتان عظيمتان فالجميع أعطاه الله من فضله ومنحه من كرمه مما يعجز العبد عن شكره فنحمد الله أن يسر أمورنا وتفضل علينا فأنهينا مناسك حجنا بأمن وطمأنينة ويسر وسهولة وذلك فضل الله أولاً وآخراً ثم الدعاء لمن كانوا سبباً في ذلك ممن تعب وسهر على راحة الحجاج من صغير وكبير عباد الله ليست الهديَّة من الحاج عرضاً مادياً يقدمه لإخوانه وأصدقائه في بلده لكنها الهديَّة الحقيقة هي أن يكون لهم قدوة حسنت في الأخلاق والأقوال والأفعال فحذار حذار يا من كتب الله لهم الحج أن ترجعوا إلى المعصية بعد أن طهر كم الله منها وأن تعودوا إلى الذنوب بعد أن أكرمكم الله بالابتعاد عنها فذنب بعد التوبة أقبح من سبعين ذنباً قبلها فما أحسن الحسنة بعد أختها وما أقبح السيئة بعد الحسنة.

قال بعض السلف من علامة حب الله ورضاه عن الحاج أن يواصل الطاعة بعد الطاعة ومن علامة عدم قبوله اتباع الطاعة بالسيئة.

أيها الحجاج عليكم أن تتذكروا العهد الذي قطعتموه على أنفسكم عند استلام الحجر الأسود حينما قلتم (بسم الله الله أكبر اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم) وعليكم أن تتذكروا العهد الذي قطعتموه على أنفسكم حينما رفعتم أصواتكم بالتلبية عند الإحرام وفي عرفات (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك).

فهذا تجديد للتوحيد وعهد بالثبات عليه إلى الممات.

وتذكر يا أخي الكريم مقولة الحسن البصري حينما سئل عن علامة الحج المبرور الذي وعد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة فقال الحج المبرور (أن ترجع زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة).

عباد الله إن مدرسة الحج مازالت عامرة مفتحة الأبواب لكل المسلمين ليتعلموا فيها بشكل عملي أنه لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى ما أحوج المسلمين في هذا العصر إلى مدرسة الحج يتعلمون فيها درس الوحدة الإسلامية والإخوة الإيمانية هذه الوحدة التي هي سر من أسرار عظمة هذه الأمة ورمز بقائها [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ].

فلا يكتمل إيمان العبد حتى يحقق هذه الوحدة وتظهر ثمارها فيحب لأخيه ما يحب لنفسه ولذا يتحقق معنى الجسد الواحد لهذه الأمة ولقد أدرك يا عباد الله أعداؤنا من اليهود والنصارى وغيرهم أثر الحج على أمة الإسلام في توحيد مشاعر المسلمين وإذابة الفوارق بينهم فعملوا جاهدين على إضعاف هذا الأثر لإنه يفشل مخططاتهم ومؤامراتهم على المسلمين فهم يتهجمون دائماً على الحج والحجاج وهذه البلاد المباركة بهدف زعزعة الحج وخلخلة البناء ولكنهم يمكرون والله فوقهم يمكر بهم وسيرد كيدهم إلى نحورهم بإذنه تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمْ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي منَّ على من شاء فهداهم لطاعته وأشهد أن لا إله إلا الله يسر أمور العبادة وضاعف عليها المثوبة وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أفضل من حج البيت الحرام ووقف في صعيد عرفات صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وتابعوا الأعمال الصالحة فالعمر قصير والأجل قريب والزمان ماض في الخير أو الشر.

عباد الله وحيال حج هذا العام أقف وقفات فاقول:

الوقفة الأولى: هناك قسم من الحجاج رموا قبل الزوال في اليوم الثاني عشر منهم من تعمد ذلك فرمى في ضحى هذا اليوم ومنهم من كان حول الجمرة ومع الزحام رمى قبل الزوال بغير اختياره وأقول إن الذين رموا قبل الزوال إن كانوا أخذوا بفتوى من يرى ذلك في يوم النفر الأول فلا شيء عليهم ولا ينبغي التشكيك في عبادتهم وإن كان الراجح وما عليه الفتوى في بلادنا أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق كلها لكن هذا العامي الذي أخذ بفتوى بعض أهل العلم لا حرج عليه لإنه مقلد من أفتاه.

الوقفة الثانية: الطواف في الدور الثالث في السطح يضطر معه بعض الطائفين للخروج عند بداية الطواف إلى السعي وهذا في حال السعة لا يجوز لإن من شروط الطواف أن يكون داخل المسجد الحرام لكن مع الزحام وكثرة الطائفين واتصال الصفوف لا حرج في الخروج إلى المسعى لإن هذا غاية ما يستطيعه الحاج فما دام الأمر ضرورة فلا شيء على هؤلاء.

الوقفة الثالثة: بعض الحجاج يتعجلون في اليوم الثاني عشر ثم يدركهم الليل وهم في طريقهم إلى الحرم أو في طريقهم إلى الجمرة أو منها وهؤلاء لا يلزمهم المبيت ما داموا نووا التعجل فليس غروب الشمس عليهم وهم في منى ملزماً لهم بالمبيت بل يلزم من لم ينو التعجل أما من ينو التعجل فلا يلزمهم فالمدار على نية التعجل وعدمها.

الوقفة الرابعة: يتساهل الكثيرون في باب الفتوى بالحج ويلاحظ أن العوام أصبحوا يفتون بناء على معرفتهم بالحج وأنهم حجوا سنوات كثيرة وأقول أن هذا الأمر جد خطير فمن أفتى في مسألة وهو غير متثبت منها فهو مسؤول عنها يوم القيامة ويستعلق برقبته الشخص الذي استفتاه فالسلامة السلامة.

الوقفة الخامسة: تقديم السعي على الطواف هناك فرق بين العمرة والحج أما في العمرة فلا يجوز في أصح قولي العلماء وأما في الحج فيجوز عند كثير من أهل العلم اعتماداً على رواية (سعيت قبل أن أطوف).

وحديث (ما سئل عن شيء قُدِّم أو أُخرِّ إلا قال أفعل ولا حرج).

اللهم تقبل من الحجيج حجهم اللهم اجعلنا ممن قيل لهم عشية عرفات انصرفوا مغفوراً لكم.
عباد الله أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الرحمة وإمام الأمة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

اللهم أحيينا مسلمين وأمتنا مسلمين وأرحمنا يا أرحم الراحمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.

هذا صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين فقد أمركم الله بذلك في كتابه الكريم فقال جل من قائل عليما [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] وقال صلى الله عليه وسلم(من صلى علي مرة واحده صلى الله عليه بها عشراً) اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد. عباد الله إن الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.