الحج والوحدة الإسلامية

السبت 25 جمادى الآخرة 1440هـ 2-3-2019م

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله ….

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وتعاونوا على بالبر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان وكونوا فيما بينكم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وهذا مظهر من مظاهر الحج الواضحة المتكررة كل عام فمازال الناس منذ أذن فيهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالحج يفدون إلى بيت الله الحرام في كل عام من أصقاع الأرض كلها وأرجاء المعمورة جميعها مختلفة ألسنتهم متباينة بلدانهم متمايزة أزياؤهم وألبستهم فيصهرهم الحج في بوتقة واحدة ليعودوا إلى بلادهم وقد تعمق في نفوسهم حب الإسلام ووحدة الإيمان.

إن الحجاج يستبدلون بثيابهم المختلفة زي الحج الموحد ويصبحون جميعا بمظهر واحد، شرقيهم وغربيهم، عربيهم وعجميهم، لا يميز الناظر لهم بين جنس وآخر، ولا بلد وآخر، ولا بين غني وفقير، ولا بعيد ولا قريب، كلهم لبسوا لباسا واحدا وتوجهوا إلى رب واحد سبحانه وتعالى، هتافهم واحد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.

نسوا وهم يرفعون هذه التلبية كل هنافات خاصة وطرحوا كل شعارات القومية ونبذوا كل مظاهر العصبية ورفعوا راية واحدة فقط هي راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، يطوفون في مكان واحد مختلطة أجناسهم وألوانهم ولغاتهم يؤدون نسكا واحدا، ثم ينتقلون إلى صعيد عرفات جميعا وفي وقت واحد يضرعون إلى ربهم برغبة واحة هي أن يدخلهم الجنة ويعيذهم من النار.

ثم يفيضون وفي نفس الوقت إلى المشعر الحرام إلى مزدلفة وبعدها إلى متى فيرمون الجمرات ثم يذبحون هديهم ثم يحلقون أو يقصرون فيتحللون، ثم يطوفون في البيت نسك واحد في وقت واحد بلباس واحد،وهنا يغمر قلب الحاج شعور كريم فياض أنه ينتمي إلى هذه الأمة المرحومة أمة الإسلام التي تمتد من شرف الأرض إلى غربها، ومن لدن مبعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

تتجلى له معان الوحدة والقوة والعزة ويردد قول الله تعالى: { وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.

أيها المؤمنون ! لقد شرع الله الحج للناس وإن من حكمة التي يلمسها الحجاج أنهم مطالبون بأن يكونوا أمة واحدة متعاونة متناصرة متآلفة متكاتفة، وكان توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم المتواصل أن يكونوا أمة متحدة ينبذون الخلاف والفرقة ويبذرون بدلا منها الألفة والمحبة والتكافل والتعاون بين المسلمين جميعا بغض النظر عن فوارق اللون والجنس واللغة والوطن والفقر والغنى والنسب والجاه والحرفة والصناعة.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ).

التفاضل بين الناس بالتقوى فقط وصدق الله العظيم : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
إن مدرسة الحاج مازالت عامرة مفتحة الأبواب لكل المسلمين ليتعلموا فيها بشكل عملي أنه لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، يتعلم الناس من الحج أن يحب الواحد لأخيه ما يحب لنفسه من الخير والسعادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

لقد أدرك الأعداء قديما وحديثا أثر الحج في توحيد مشاعر المسلمين وإذابة الكثير من الفوارق بينهم ويدرك هؤلاء الأعداء أن الحج يفسر عليهم كثيرا من مخططاتهم في تفريق المسلمين وإيجاد الخلافات بينهم، ولذا فهم يحاولون تشويه صورة الحج بأي وسيلة متاحة، ولكن الله لهم بالمرصاد.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي جعل البيت العتيق مثابة للناس وأمنا، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الحج أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير من لبى وطاف وسعى وصلى خلف المقام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واحمدوا الله واشكروه على أن أدى الحجاج حجهم بكل يسر وسهولة فنسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا ومنهم.

عباد الله ! كم تبذل هذه البلاد المباركة لتيسير سبل الحج وراحة الحجيج؟ وكم تجند من الطاقات المادية والبشرية؟ وكم يسهر هؤلاء ويواجهون من المتاعب والمصائب؟ كل ذلك لتيسير أداء هذه الفريضة فنحمد الله جل وعلا الذي جعل حرمه الآمن في أيد آمنة ترعاه ويتيسر سبل الوصول إليه.

إن ما لقيه الحجاج هذا العام من أمن وطمأنينة وسهولة في التنقل وتوفر لحاجياتهم يدل دلالة واضحة على الجهود الكبيرة التي تبذل لراحة هؤلاء الحجيج. ولا يقولن القائل إن الحملة الفلانية أو تلك السيارات أو المجموعة الفلانية تأخرت أو صادفتهم اختناقات مرورية أو صادفهم زحام في الجمرات أو في المطاف أو غير ذلك، فهذا قد يقع ولا غرابة لكن من عرف كيف يختار الوقت المناسب لخروجه ورجوعه ورميه وطوافه فإن الأمر يتيسر له بإذن الله.

أما ما يحدث من بعض الحجاج من زحام في بعض المواقع فهذا أمر طبيعي فاجتماع قرابة المليونين في مكان واحد له من الآثار ما الله به عيهم لكننا نحمد الله ونشكره الذي لطف بهذه البلاد وأعانها على إخراج الحج بهذا المظهر المتميز فلله الحمد والشكر ودعوة صادقة لكل من ساهم في راحة الحجيج وسلامتهم، الدعاء بالتوفيق والسداد والإعانة.

أسأل الله بمنه وكرمه أن يحفظ لهذه البلاد أمنها وأن يديم عليها نعمة الأمن والرخاء وأن يزيدها تمسكا بشرعه المطهر وأن يوفق قادتها لكل خير كما أسأله سبحانه أن يتقبل من الحجاج حجهم وأن يضاعف لهم الحسنات وأن يعيدهم إلى تلك البقاع الطاهرة مرات عديدة وهم ينعمون بنعمة الأمن والطمأنينة ورغد العيش.

اللهم اجز هذه البلاد حكومة ومواطنين ورجال أمن وتجارا وكل من ساهم في حج هذه العام، اللهم اجزهم خيرا وضاف لهم المثوبة وأدم عليهم نعمة الأمن والصحة.
اللهم أعز الإسلام ….