السؤال رقم: (4608) أقرضت شخصًا مبلغ من المال بلا شهود ولا ضمانات ولم يردّه إلىّ، فما توجيهكم؟
نص الفتوى: أنا أم معيلة لأربعة أبناء ومنذ سنوات اقرضت شخص مبلغ مالي كبير على دفعات حيث أنه كان يحتاجه ويسألني وقال لي أنه سيساعدني في عمل مشروع أكسب منه دخل شهري يعيني على تحمل نفقات أولادي ومرت ثلاث سنوات ولا أجد منه غير أنه ينظر إلى مسؤولياته وأولوياته الخاصة به ويقول لي أنه لا يتوفر معه أي شيء لإعطاءي جزء من مالي مع العلم أنه يعمل بشركة خاصة وله دخل وأنا استدين من أخواتي وأمي والمقربين لي للإنفاق على الأبناء وعندما أطلب من هذا الشخص المدين لي جزء من مالي وأعرّفه احتياجات أولادي لا ينكر ولكنه يعطيني ميعاد لسداد جزء من الدين المتأخر ثم لا ينفذ ما يقول ولا أجد منه غير أنه لا ينظر إلى في وسط مسؤولياته وقد وثقت به ولم أخذ منه أي ضمانة ورقية ولا شهود على مالي ولكنى وصلت لحالة مادية ونفسية سيئة وهو يستغل أنى لا أملك من الأمر شيء ..واشتكيته لرب العالمين .فهل أنا مذنبة لأني شكوته لله لأنه لا ينكر مالي وما هي عقوبته عند الله لسؤالي له برد جزء ولا يرد.
بتاريخ 2 / 5 / 1440هـ
الرد على الفتوى
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:
فأولاً: من أقرض إنسانا وفرج همه ثم منَّ الله على المقترض ووسع عليه فالواجب عليه أن يقوم بسداد ما اقترضه، وإن من أعظم الخطر أن يعتقد المرء أن الاقتراض من الآخرين وسيلة مشروعة للكسب فتراه يحتال ويتظاهر بالحاجة ليحصل على القرض ثم لا يحدث نفسه بالسداد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)؛ رواه البخاري.
ثانياً: كان الواجب عليك عند اقراضه الإشهاد على الدين، فتشهدين عليه رجلين، أو رجلاً وامرأتين كما أمر الله تعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ …إلى قوله وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [ البقرة:282].
والحكمة من كتابة الدَّين: توثيق الحقوق حتى لا تكون عرضة للضياع، لكثرة النسيان، ووقوع المغالطات، والاحتراز من الخونة الذين لا يخشون الله تعالى. وإذا لم يُكتب الدين ثم أنكره المدين أو ماطل بسداده، فلا يلومَنَّ الدائنُ إلا نفسَه لأنه هو الذي عَرَّض حقه للضياع.
ثالثاً: أما الدعاء على المدين: فلا يجوز إلا إذا ظلمك وماطلك مع القدرة على الوفاء، قال الله تعالى: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}[النساء:148]، فمن ظلم استحق أن يدعى عليه، وإذا سمحت وعفوت فلك أجر عظيم، وإذا دعوت على من ظلمك بقدر ظلمه وأن الله يجازيه عن ظلمه بما يستحق فلا حرج، وإذا تركت وعفوت فالأجر أكبر، ولك أجر عظيم إذا عفوت وصبرت.
رابعاً: أما سؤالك عن عقوبة الله تعالى له فيكفي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال (ومطل الغني ظلم) متفق عليه.وقال أيضاً: (من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله) رواه البخاري.
ومعنى (أتلفه الله) إتلافهم بأي نوع من الإتلاف، فقد يتلف الله نفوسهم، أو يتلف أموالهم، أو ينزع البركة منها، أو يذهبه الله من يده فلا ينتفع به؛ لسوء نيته، ويبقى عليه الدَّين، ويعاقب به يوم القيامة.
خامساً: إذا استمر هذا الشخص في المماطلة فلا سبيل إليك إلا بالاستعانة بالله تعالى ثم شكايته في المحكمة لكي تأخذي منه حقكك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المدين المماطل: (ليّ الواجد يحل عرضه، وعقوبته.) رواه البخاري.
والواجد: من كان قادرا على الوفاء بما عليه من الدين. وإحلال عرضه جواز ذمه، لأن العرض موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره. وقال وكيع: عرضه: شكايته. وعقوبته: حبسه) رواه أحمد.
والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.