السؤال رقم (2009): ما معنى مقولة الجهمية بأن القرآن مخلوق؟

نص الفتوى: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما الفرق بين قولنا القرآن كلام الله وبين قول الجهمية القرآن مخلوق وماذا يقتضي قولهم وما معناه نرجو البيان والتوضيح. بتاريخ  30 /10 / 1440هـ

الرد على الفتوى

الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

القرآن كلام الله، ليس ككلام البشر، وقد توعَّد الله من وصَف القرآن بأنه ككلام البشر، توعَّده بالنار فقال تعالى:﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴾[المدثر: 25، 26]، فإن كان كلام البشر مخلوقًا لهم، فكلام الله ليس مخلوقًا له، إنما هو صفةٌ من صفاته سبحانه.

وقد تولى كِبْر هذه المسألة: الجهميةُ والمعتزلة النفاة للصفات.

وادعاء القول بأن القرآن مخلوق، هو جرم عظيم وذنب كبير، لسببين:

الأول: أن هذا الادِّعاءَ قولٌ على الله بغير علم، وجعل الله القولَ عليه بغير علم فوق الشرك، قال تعالى:﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾[الأعراف: 33]. فجعل القول على الله بلا علم فوق الشرك.

الثاني: أنه كذب على الله، قال تعالى:﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ﴾[الزمر: 60]، فهو متوعَّدٌ بأن يسودَّ وجهُه يوم القيامة، نعوذ بالله.

ومعنى افتراء الجهمية والمعتزلة هذا: أن الله لم يكن قبل ذلك متكلمًا، ثم تكلم، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

ومذهب أئمَّة الحديث وأهل السنَّة – أنه تعالى لم يزل متكلِّمًا، إذا شاء، ومتى شاء، وكيف شاء، وهو يتكلَّمُ بصوت يُسمَع، وأن نوع الكلام قديم، وإن لم يكن الصوت المعين قديمًا.

وقد أثبت الله الكلام لنفسه، خلافًا لما يعتقده الضالون، فقال تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ﴾ [الأعراف: 143]، وكذلك أثبته لنفسه في الآخرة بعد دخول أهل الجنة، فقد بوَّب البخاري في صحيحه على ذلك فقال: “باب كلام الرب تبارك وتعالى مع أهل الجنة”، وقال لأهل النار: ﴿ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾ [المؤمنون: 108].

وقولنا: (كلام الله) هذه إضافة معانٍ، لا إضافة أعيان، يقول ابن أبي العز في شرح الطحاوية: “والمضاف إلى الله تعالى إما معانٍ، وإما أعيان، فإضافة الأعيانِ للتشريف، كبيت الله، وناقة الله، وهي مخلوقة له، بخلاف إضافة المعاني، كعِلم الله، وقدرته، وعزته، وجلاله، وكبريائه، وكلامه، وحياته، وعلوه، وقهره، فإن هذا كله من صفاته، لا يمكن أن يكون شيءٌ من ذلك مخلوقًا”.

والوصف بالتكلم من أوصاف الكمال، وضده من أوصاف النقص، قال تعالى: ﴿ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ﴾ [الأعراف: 148]، فعدمُ الكلام نقص.

وأما عن الضرر الناشئ عن القول بهذه البدعة الشنيعة وما يترتب عليها من بدع فما يلي:

أولاً: أن القول بخلق القرآن فيه مخالفة الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة القائلين بأن القرآن كلام الله عز وجل منزل غير مخلوق وفي هذا فساد في العقيدة واتباع لغير سبيل المؤمنين ومشاقة للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى متوعدا من فعل ذلك: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}[النساء:115].

ثانياً: أن القرآن هو كلام الله عز وجل، ومن جعله مخلوقا فقد جعل شيئا من صفات الله مخلوقا وهذا كفر بين.

ثالثاً: أن القول بخلق القرآن يلزم منه تعطيل صفة الكلام، والقول بأنه غير متكلم، وهذا إلحاد في صفات الله واتهام له بالنقص جل وعز، فالكلام صفة كمال، وعدمه صفة نقص.

رابعاً: أن القول بأن القرآن مخلوق يلزم منه نفي تكلم الله عز وجل بالوحي ونفي الشرائع والكتب المنزلة التي ثبت أن الله عز وجل كلم بها جبريل عليه السلام ثم بلغها جبريل لأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم جميعا.

خامساً: أن القول بأن القرآن مخلوق وأن الله لم يتكلم به حقيقة يلزم منه تكذيب لكثير من الآيات التي في القرآن والتي تثبت كلام الله لأنبيائه ورسله، كقوله سبحانه: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164]. وكقوله سبحانه: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}[آل عمران: من الآية55]. وكقوله سبحانه: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً}[الفتح:15]. والآيات في هذا كثيرة.

سادساً: أن القول بأن القرآن مخلوق يجعل الله عز وجل محتاجا إلى خلقه في البيان عنه وفي أمر العباد بالشرائع وفي نهيهم، واعتقاد أن الخالق في حاجة إلى المخلوق نسبة النقص إلى الله والضعف والعجز وهذا ـ لا شك ـ من الكفر البين.

وبالجملة فهذه البدعة الشنيعة يترتب عليها من الأضرار والبدع الأخرى الشيء الكثير الذي يصعب حصره في هذه الفتوى، فراجع لمزيد من التفصيل: الشريعة للإمام الآجري، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة للالكائي، وشرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي، وغيرها من كتب أهل السنة وهي كثيرة ـ والحمد لله.

مع نصيحتي لك أيها السائل بالابتعاد عن كل من يثير هذه العقائد الضالة وعليك بلزوم أهل السنة والجماعة وملازمة العلماء الثقات الذين ينتهجون نهج السلف الصالح ـ وهم كثيرون والحمد لله.

والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.